فتاوى لفضبلة الشيخ علي بن حسن بن علي الحلبي الاثري
السلام عليكم
من موقع االشيخ علي بن حسن بن علي الحلبي الاثري
السؤال 251: هل يصح أن تكون الآيات شواهد للأحاديث الضعيفة فتصححها؟ وكذلك هل يصحح الحديث بما جرى عليه العمل؟
الجواب: لا يصح ذلك، لأن معنى الآية صحيح، فالآية تكفي، لكن هنا ملحظ مهم ودقيق يجب أن نلتفت إليه وهو لما نقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نأتي بآية، فنحن نريد شاهداً ليس على كون هذا الكلام حقاً أم باطلاً، فإن القرآن كله حق، ولكن نريد أن نأتي بشاهد على أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد قال هذا أم لم يقله، فهل ممكن أن نأتي بالآية لكي تسعفنا وتجبر لنا الضعف الوارد في الإسناد فتجعلنا نقول: إن النبي قال هذا الكلام، فهل يصلح هذا؟ هذا لا يصلح، فإن الآية لا تصلح شاهداً للحديث الضعيف من حيثية أن النبي قد قال هذا الكلام، أما من حيثية أن هذا حق فإن الآية فيها الغنية وفيها الكفاية، وهي حجة.
أما ما عليه العمل، فهذا كلام واسع، ولا يجوز لنا أن نغض النظر عن الضعف، فالحديث الذي ضعفه يسير، وجرى عليه العمل عند الصحابة، والتابعين، فهذا يسعف أن نشد هذا بهذا، أما ما جرى عليه عمل المتأخرين، ونجعله جابراً لحديث واهٍ ضعيف جداً فيه متروك أو مجهول، فلا، أما حديث ضعفه يسير، وعلمنا من أحوال الصحابة والتابعين أنهم على هذا، فهذا يقبل الجبر، وهذا كلام ابن عبدالبر وغيره، والله أعلم...
السؤال 252: كيف لا يكون الحديث المرسل غير حجة، وهو الذي سقط من إسناده الصحابي والصحابة كلهم عدول؟
الجواب: لو نظرنا في مذاهب أهل العلم لوجدنا أن أبا حنيفة يعتبره حجة، ومالك يعتبره حجة، إذا وافق عمل أهل المدينة، والشافعي يعتبره ضعيف لكن يقبل الجبر، وأحمد لا يعتبره حجة بإطلاق، والصواب أن المرسل ضعيف ويقبل الجبر.
ولا يوجد تعارض بين أن الصحابة عدول وأن المرسل ضعيف، لأننا لو علمنا فقط أن الواسطة بين التابعي وبين النبي صلى الله عليه وسلم هي الصحابي فقط، لقلنا هو صحيح، لكن التابعون يروي بعضهم عن بعض، فقد يوجد ثلاثة من التابعين أو أكثر، يروي بعضهم عن بعض، فلكون الواسطة مجهولة واحتمال كونها من غير الصحابة كان المرسل ضعيفاً وليس بحجة.
ويوجد بعض الصحابة أيضاً يروي عن التابعين وقد ألف ابن حجر كتاباً سماه: "نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين" فلا يلزم أن التابعي يروي عن الصحابي فقد يروي عمن هو مثله وعمن هو دونه، وأما مرسل الصحابي فإن الصحابي لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يتقن منه، ورواية الصحابي عن التابعي نادرة وليست هي الأصل، والله أعلم...
السؤال 253: ماذا يفعل المسبوق في صلاة الجنازة؟
الجواب: الصلاة التي يشترط لها الوضوء، والتي تنطبق عليها جميع أحكام الصلاة، كما قال ابن تيمية رحمه الله، هي الصلاة التي تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم، وصلاة الجنازة كذلك، ولذا ذهب جماهير أهل العلم إلى أن المسبوق في صلاة الجنازة يأتي بالتكبيرات، فإن أدرك تكبيرتين يأتي باثنتين، وإن أدرك ثلاثاً يأتي برابعة وهكذا.
والمسألة الخلاف فيها بين الصحابة والتابعين، فمنهم من قال بتسليم الإمام، ومنهم من قال تأتي بالتكبيرات، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: {ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا}، ومنهم من قال: الفاتحة والصلاة الإبراهيمية هما بمثابة الثناء على الله والصلاة على نبيه بين يدي الدعاء فمن أدرك التكبيرة الثالثة، يكبر ويقول: الحمد لله والصلاة على رسول الله، ويبدأ بالدعاء للميت، وهذا القول أضعفها.
والذي تطمئن إليه نفسي أن المسبوق إن أدرك أربع تكبيرات مع الإمام يسلم، فالإمام قد يكبر ستاً أو سبعاً فإن فاته شيء منها وأدرك أربعاً فلا داعي للقضاء ويسلم، وإن لم يدرك أربعاً فليتمم على الأربع، هذا الذي أراه صواباً، والله أعلم..
السؤال 254: هل حديث: {أنا بريء ممن فرق واحتزب}، وما رأيكم في الحزبية، وما هو أحسن كتاب ألف فيها؟
الجواب: أما حديث {أنا بريء ممن فرق واحتزب}، فوجدت حديثاً قريباً منه، فهو من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها، قالت: {إلا إن نبيكم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب}، وهذا الحديث أخرجه القاضي اسماعيل في أحكام القرآن فيما نقل عنه الشاطبي ولم أقف على إسناده حتى أحكم عليه، ووجدت في "الدر المنثور" معزواً إلى عبد بن حميد في التفسير، وهذا التفسير للآن نقول عنه مفقود، ولعله يظهر، وكذلك عزاه لابن منيع في مسنده، ولأبي الشيخ، وظفرت بإسناد ابن نيع في مسنده في كتاب "اتحاف الخيرة المهرة" برقم (767) وفيه راوٍ مجهول، ولذا قال البوصيري عقبه: إسناده ضعيف.
لكن الآية: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعياً لست منهم في شيء}، وفي قراءة لورش والكسائي والحسن البصري ولعلي بن أبي طالب: {إن الذين فارقوا دينهم......} وفي هذا إشارة إلى أن من فرق دينه فإن مآله أن يفارق دينه.
والحزبية معناها أن نتعصب أو تتحزب لشيخ أو اسم أو شارة أو جماعة، وهذه مذمومة، والأصل في المسلم أن لا يتعصب لأحد، والأصل فيه أن لا يعقد سلطان الولاء والبراء والحب والبغض إلا على دين الله، فيزداد حبك لأخيك بازدياد دينه وعباداته وعلمه وأمانته، أما أن يتعلق قلبي بفلان لأنه من حزبي وإن كان قليل دين، وأبغض آخر لأنه ليس من حزبي، وإن كان عالماً أو صاحب دين فهذا تحزب مذموم.
والحزبية والعياذ بالله من أشد الموانع لقبول الحق فسبب عدم قبول الحق الحزبية، تأتيه بدليل واضح من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة فيردها عليك لما تعود من الألفة التي هو عليها، وكلنا يعلم أن أنصارياً ومهاجرياً حصل بينهما نزاع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل منهم نادى على عشيرته؛ فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، والمهاجرون والأنصار اسمان جليلان شرعيان محببان إلى الله، وهما خير من الأسماء الموجودة اليوم، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذين الرجلين قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: {أجاهلية وأنا بين ظهرانيكم!}.
فمن حكم حزبه وانصاع إليه دون بينة ولا سيما إن كان في ذلك مخالفة لدين الله، فهذه جاهلية، فعلينا ألا نتعصب إلا للحق، وأن نحب ونبغض ونوالي ونعادي في دين الله وليس في حزب وعلى شيخ، والشيخ الذي يجمع التلاميذ حوله ويأمرهم وينهاهم ألا يسمعوا من غيره هذه حزبية وهذه جاهلية، وكان أيوب السختياني يقول: ((إذا أردت أن تعرف خطأ شيخك فجالس غيره))، فمن يدعوكم ألا تسمعوا إلا منه فهذه حزبية، واسمعوا من كل الناس واجلسوا بين كل العلماء وطلبة العلم، فالحزبية لها أشكال ولها ألوان، وينبغي أن يكون الإنسان حراً طليقاً يدور مع نصوص الشرع، ولا يقبل أن يدور مع نفس الأشخاص المخلوقين.
أما أحسن كتاب كتب عن الحزبية، فقد رأيت كتاباً لصفي الرحمن المباركفوري الهندي اسمه "الأحزاب في الإسلام" وهو من أحسن ما كتب في رأيي وظني، من الحزبية، والله أعلم...
السؤال 255: ما هو الحكم الشرعي في الخلُّوات؟
الجواب: الخلوات الكلام عليها طويل وهي مذكورة في كتب فقهائنا وعلمائنا، وألف فيها غير واحد، ووجدت من قريب مجموع فيه ثماني رسائل مخطوطة عن الخلوات في تونس.
والخلوات اليوم موجودة على غير حال الأول، فالحال الأول الخلوات كانت تبحث في كتب الوقف، فمثلاً واحد أوقف مدرسة على مبنى وله أساتذة وطلبة على تعليم صحيح البخاري أو غيره، وطالب له محل في هذه المدرسة له مبيت وطعام وشراب، وأراد آخر أن يحل محله، فكان قديماً مقابل أن يتنازل له عن حقه في هذا الحضور يعطيه خلواً وبعض الفقهاء يسمونه [نقل القدم] أو [المفتاح] أو [الجلسة] أو [القفلية] ولها أسماء عديدة.
والآن الخلوات نقلت إلى الأجارات، والأجارات اليوم على النحو الذي تنعقد فيه شبيهة بالوقف فالبيت الذي أملكه أملك منه المنفعة، فإذا أخذت منفعته مني فأصبح لا أملك شيئاً فالمنفعة الآن ولما أصبح المستأجر كأنه مالك ولا يخرج ،وجدت الخلوات، فالخلو مقابل أن يملك الرجل المستأجر هذا المكان ومنفعته دون تحديد زمان.
لكن لو كانت المدة ملزمة لظهرت مسألة الخلوات بشكل واضح جلي، فواحد تأجر عند آخر محلاً لمدة عشر سنوات فاستغل المحل خمس سنوات وبقيت خمساً أخرى، وطرأ عليه أمر فأراد أن يسافر، فله أن يأخذ خلواً مقابل الخمس سنوات المتبقيات، لكن لو مضت العشر سنوات فلا يجوز له أن يأخذ خلواً فلو كانت المدة في عقد الإيجار ملزمة لظهرت مسألة الخلوات على وجه أحسن، لكن اليوم بما أن المالك يعلم أنه لا يقدر على إخراج المستأجر فهو يأخذ منه شيئاً زائداً مقابل أن يمكله المنفعة، لذا يجوز أخذ الخلو من المحل وإن لم يكن قد شغله.
وواقع الخلوات التي تعطى اليوم في المتاجر هي مزيج من حقوق متعددة من حق الاسم التجاري وموقع المحل، ومزاحمة الأقدام عليه وماأحدثه المستأجر في ملك المالك وهذا يسمى عند الفقهاء [حق الكدك]، والكدك هو ما يحدثه المستأجر من بناء دائم في ملك غيره، فلما يخرج من المحل يأخذ مقابله مالاً، فالخلوات اليوم في واقعها الموجود مباحة، وتؤخذ مقابل تمليك المدة، وفي بعض الأحايين، مقابل الاسم التجاري وما يحدثه المستأجر في ملك من شيء دائم لا يزول بخروجه منه، والله أعلم...
السؤال 256: قرأت في كتاب "أحكام الجنائز" لشيخنا رحمه الله، حديثاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤال الملكين للمؤمن في قبره: ((.... فيقال له اجلس وقد دنت له الشمس وقد آذنت للغروب، فيقال له: أرأيت في هذا الذي كان فيكم ما تقول فيه؟ ماذا تشهد عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولان إنك ستفعل)) فقال الشيخ الألباني معلقاً على هذا الحديث: صريح في أن المؤمن يصلي في قبره، وذكر حديثاً {أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون}، ما صفة هذه الصلاة، هل هي كصلاتنا أم ما هي صفتها؟
الجواب: الله أكبر، المؤمن في قبره لما يأتيه الملكان عقله وقلبه متعلق بالصلاة، فيقول للملائكة: دعوني حتى أصلي، ثم اسألوني، وهكذا شأن المؤمن.
والكلام على دار البرزخ، ودار البرزخ قوانينها ليست كقوانين الدنيا، ولها قوانين خاصة، والروح والبرزخ أشياء لا تدرك بالعقل ولا يجوز أن تخضع للمألوف، فعالم البرزخ العقل يبحث فيه عن صحة النقل فقط، فإن كان صحيح نقول يصلي، وكيف يصلي؟ لا ندري، والأنبياء لهم حياة في قبورهم، وكيف هذه الحياة، لا نعرفها، فهذا خبر في عالم الغيب، ليس للعقل إلا أن يتلقى ويبحث عن الصحة، فإن صح الخبر نقول: سمعنا وأطعنا.
وبهذا نرد على المفوضة وعلى الذين ينكرون صفات الله فإذا كان الإنسان نفسه عندما ينتقل من دار لدار العقل يتوقف، فكيف نعطل صفات ربنا عز وجل بحجة أنها تشبه صفات الخلق؟ فنحن نثبت صلاة للأنبياء وللمؤمن في القبور، بل نثيت حجاً وعمرة للأنبياء، كما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى موسى يحج في المنام ورؤيا الأنبياء حق، فنثبت ما ورد فيه النص ونسكت ونعرف قدر أنفسنا ولا نزيد على ذلك، ولا يوجد أحد ذهب لعالم البرزخ فجاء فأخبرنا وفصل لنا والعقل لا يدرك والنص قاضٍ على العقل، والله أعلم...
السؤال 257: ما الحكم الأكل من المزارع والبساتين العامة؟
الجواب :حكمه جائز بشرط الاستئذان، فمن دخل مزرعة فاشتهت نفسه ثماراً على شجرها يستئذن قبل أن يأكل، وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا أتيت على راعي الإبل فناد يا راعي الإبل، ثلاثاً فإذا أجابك، وإلا فاطلب واشرب من غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط(أي بستان) فناد يا صاحب الحائط ثلاثاً فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد، وفي رواية من غير أن تحمل}، فكل من غير إفساد أو حمل، ورد شهوتك، وقد ألف محمد بن عبد الهادي جزءاً مفرداً في الأحاديث التي فيها الأكل من الثمار التي في الحيطان ، والله أعلم ...
السؤال 258: ما هو أحسن تفسير لكتاب الله عز وجل؟
الجواب: هذا سؤال قد سئله غير واحد، فمنهم من قال: قلبك ،ومنهم من قال: الدهر، أي الزمن يكشف لك عن عجائب القرآن.
وربنا يقول: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}، فالقرآن سهل، ولكن العلة في النفوس التي تقبل على القرآن، فهو سهل ميسور ربنا يسره، والعلة في نفوس الناس، فربنا يقول: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} فالناس لا تنتفع بالقرآن لوجود الأقفال على القلوب..
والمطلوب منا التخلية قبل التحلية؛ أن نخلي نفوسنا عن هواها، وعما يدنسها وعن أمراضها وأن نقبل على كتاب الله بنفوس مطمئنة طيبة، وللقرآن وحشة، والبعيد عنه لما يقرأه يستثقله فالمطلوب أن نزيل هذه الوحشة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يبين في الحديث أن القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب، لذا فالمطلوب منا أولاً مع القرآن أن نقبل عليه بنفوس مطمئنة، وقلوب فيها حياة سليمة فيها رقة، فإن فعلنا فهذا هو مفتاح التعامل مع القرآن، والكلام الصعب تقبل على أي تفسير فتقرأه.
والتفاسير متنوعة، وأنصح طالب العلم أن يقرأ من التفاسير ما يخدم تخصصه، فالفقيه يلزمه تفسير القرطبي مثلاً، والمحدث يلزمه أن ينظر في تفسير الطبري أو ابن كثير، وهكذا.
فالعلة في عدم فهم القرآن القلوب المليئة بالشهوات الحريصة على الدنيا، وغير المقبلة على الآخرة، وهذا أكبر سبب لصد الناس عن القرآن.
وبعد أن يقبل الإنسان على قراءة القرآن بالمفتاح الموجود يقرأه قراءة يستكشف الكلمات الصعبة فقط، بتفسير موجز مثل: "زبدة التفسير" أو تفسير السعدي "تيسير الكريم المنان" ثم يبدا يتوسع فيقرأ "مختصر ابن كثير" ثم يرجع لـ "تفسير ابن كثير" وهكذا، وقد يضطر طالب العلم أن ينظر في بعض الآيات من أكثر من تفسير.
ويعجبني مسلك الشيخ الشنقيطي رحمه الله، ففي تفسيره قال: لا يلزم كل آية تفسر، ففسر الآيات التي تحتاج إلى استنباط أحكام ووقع فيها خلاف فحررها وأبدع رحمه الله تعالى، فأنصح بالنظر في تفسير "أضواء البيان".
لكن المهم أن الذي يريد أن يستفيد من القرآن أن يقبل على الآخرة وألا يتعلق بالدنيا، وأن يطهر نفسه من أدناسها فحينئذ ينتفع بالقرآن، {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}، فيكون شهيداً حاضراً فهنا يقع النفع من القرآن.
أما إن كنت تقرأ القرآن على خطاب من قبلنا وأنت غير معنى، أو على أنه كتاب ثقافة كما تقرأ غيره، فالنفع حينئذ بالقرآن قليل، فالعلة في عدم استفادة الناس من القرآن اليوم نفوسهم وقلوبهم وعدم التزكية وتدنيس النفس بالذنوب والمعاصي، والله أعلم..
السؤال 259: هل يجوز للعريس التخلف عن صلاة الجمعة والجماعة بسبب عرسه ثلاثة أو سبعة أيام؟
الجواب: ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيحين وفيه: {للبكر سبع وللثيب ثلاث}، لكن الناس للأسف يفهمون هذا الحديث على غير موضعه، وهذا الفهم الخاطئ وجدت ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام ينبه قديماً على أن بعض الناس فهم منه أنه يجوز للعريس إن تزوج بكراً أن يتخلف عن الصلاة أسبوعاً وإن تزوج ثيباً يجوز له أن يتخلف عن الجماعة ثلاثاً، ثم قال: وهذا خطأ لم يقل به فقيه معتبر.
وإنما معنى الحديث: أن الرجل إن تزوج امرأة ثانية، فإن كانت بكراً خصها جائزة بسبعة أيام، وإن كانت ثيباً فجائزتها أن يخصها بثلاث، ثم بعد ذلك تجب عليه القسمة، هنا يوم وهنا يوم.
والجماعة واجبة على العريس والجمعة أوجب ولا يجوز له أن يتخلف.
السؤال 260: هل هناك حديث فيه أنه من اتبع جنازة وتصدق يدخل الجنة؟
الجواب: أضمن لكم بإذن الله دخول الجنة وبضمان رسول الله، وليس من رأيي ولا من عقلي، إن جمعت هذه الأعمال في يوم ولو مرة واحدة، فاحفظوا هذه الأعمال وهذا أخرجه مسلم في صحيحه (برقم 1820) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أصبح منكم اليوم صائماً؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن تبع منكم اليوم جنازة؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن منكم عاد اليوم مريضاً؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة}.
السؤال 261: أشعر أن كثيراً من وقتي يضيع دون فائدة، فما هي نصيحتكم؟
الجواب: نصيحتي أن تعلم أنك وقت، ولو قال لك رجل أعطني أصبعك بمبلغ كذا، فهل تقبل؟ فأنت وقت إن مضى يوم مات بعضك، كالرزنامة كل يوم تنزع ورقة، ولا بد أن يأتي يوم تنتهي الرزنامة، فأنت مع الأيام هذا حالك، وقال عمر بن عبد العزيز: ((ابن آدم الليل والنهار يعملان فيك اعمل فيهما)) وكان الحسن البصري يقول: (لقد أدركت أقواماً هم أحرص على أوقاتهم من حرصكم على دنانيركم ودراهمكم).
ووالله إن الوقت أهم من المال، فمن أضاع ماله سفهاً دون فائدة يحجر عليه، مع أن المال إن فات يعود، أما الوقت إن فات فلا يعود فهذا سفه، أكثر من تضييع المال.
فنصيحتي لكم أن تحرصوا على أوقاتكم ولو بالذكر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن يسر: {لا يزال لسانك رطباً بذكر الله}، فابق قل: سبحان الله والحمد لله، فوقتك أهم من مالك وأهم من ولدك، ووقتك حياتك فمن ضيع حياته فالويل له.
السؤال 262: ما هو علاج الوسوسة؟
الجواب: الوسوسة؛ وما أدراك ما الوسوسة؟ هذا الداء الذي لا ينجع فيه دواء إلا من صاحبه. والوسوسة كما قال الإمام الشافعي: (لا تكون إلا من خبل في العقل، أو جهل في الشرع) وجاء رجل إلى ابن عقيل وقال له: يا إمام أضع يدي في الماء، وأغمسها ثم أرفعها، وأشك هل غسلت يدي أم لا؟ فقال له ابن عقيل: لا صلاة عليك، فقال: يا إمام كيف لا صلاة علي، فذكر له حديث رفع القلم عن ثلاث ومنهم المجنون حتى يبرأ.
والموسوس يحتاج إلى عزيمة في داخله، فلا يقضي على الوسوسة إلا العزم الداخلي، ووالله أعلم طالب علم أظنه من أهل الصلاح ويحفظ كتاب الله، وكان إمام مسجد وكان يبدأ الوضوء مع أذان الظهر، ويقول لي: ويؤذن العصر وأنا لم أتوضأ ولم أصلي.
والوسوسة تبدأ بالطهور والصلاة، وتنتهي بالله جل في علاه، والوسوسة من الشيطان تحتاج من الإنسان أن يعتصم بالله، قال السبكي لابنه: يا بني إذاكنت تسير ونبحك كلب، فماذا تفعل؟ قال: أرميه بحجر، قال: ثم نبحك؟ قال: أرميه بحجر، قال: ثم نبحك؟ ففطن الإبن أن أباه يريد شيئاً آخر، فقال: يا أبت ما أفعل؟ قال: ناد بأعلى صوتك وقل: يا صاحب الكلب كف عنا كلبك، لذا أحسن وسيلة للوسوسة أن تلتجئ إلى الله، وقل: يا رب ابعد عني الشيطان، وهذا معنى قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
والإنسان ضعيف والشيطان ضعيف، وإن التجأت إلى ربك القوي فستغلبه، وعلى الموسوس، أن يعلم الأحكام الشرعية وحدودها، وعليه أن يأخذ برخص العلماء، فيقرأ في الرخص، ولا يقرأ في التشدد، أما أن يستسلم الإنسان للوسوسة، فهذا داء عظيم، ولا يوجد له دواء، إلا من نفسه، لأن الوسوسة داء في العزيمة، فالعلاج وأن تقوى عزيمته، وأن يلجأ إلى الله، وأن يلوذ بحماه، وأن يعلم المطلوب منه وحدوده ولا يتعد ذلك، وأن يعلم أن التنطع في الدين ليس من دين الله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لن يشاد الدين أحد إلا غلبه}، والله أعلم..
السؤال 263: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {الولد للفراش وللعاهر الحجر}؟
الجواب: الحديث دل بمنطوقه على حكمين: أن المرأة إن كانت لها فراش شرعي وزنت، والعياذ بالله، فالولد ينسب لصاحب الفراش الشرعي، فوجود الزنا لا يمنع من نسبة الولد لأبيه، ودل على أن العاهر أي: الزاني له الحجر أي: يرجم.
ودل الحديث بإشارته على أنه لا يقع الزنا بالمتزوجة، إلا من رجل قد تزوج، فالذي يرجم بالحجر هو المحصن، والذي يزني بامرأة متزوجة هو رجل قد عرف أسرار النساء وغالباً غير المتزوج يطمع بالبكر.
السؤال 264: ضمني مجلس مع رجل يطعن في عثمان بن عفان، فماذا تنصحني أن أقول له؟
الجواب: نعوذ بالله من غضب الله، من طعن في صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على خطر عظيم، ورضي الله عن أبي زرعة الرازي شيخ البخاري، فقد قال: ((لا يطعن في أصحاب رسول الله إلا زنديق)).
وقيل للإمام أبي حنيفة، في محلتنا رجل قاص يطعن في عثمان ويقول إنه يهودي، فمذا نصنع معه، وكان أبو حنيفة رجلاً نبيهاً، فقال على الفور: أله ابنة غير متزوجة؟ قالوا: نعم، قال: أخبروه أن أبا حنيفة سيزورك ويطلب ابنتك، فجاء إليه، فقال له: إني أريد ابنتك لرجل يقرأ القرآن في ركعة، حيي، كثير النفقة، إلا أنه يهودي، فقال له: معاذ الله! فقال أبو حنيفة: أ أنت أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد زوج ابنتيه لعثمان؛ فقال: أستغفر الله ،فجعله يقلع عن ذنبه بهذا الخبر.
وأعجب كل العجب كيف يطعن في عثمان والنبي يزوجه ابنتيه، فو الله لا يفعل ذلك الواحد منا، فلو جاءك رجل مطعون في دينه أتزوجه ابنتك؟ فكيف النبي يزوج ابنتيه لعثمان وهو مطعون فيه؟ إن هذا طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما سئل أبو عبيد القاسم بن سلام عن الرافضة، قال: (هم أحمق خلق الله، لو كانوا دواب ما كانوا إلا حميراً) فهم يتكلمون في أبي بكر والنبي تزوج ابنته، ويتكلمون في عمر وعمر تزوج ابنة علي، ويتكلمون في عثمان والنبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه لعثمان، فنبرأ إلى الله ممن يطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبلادنا للأسف أصبح فيها رافضة، أتونا بسبب مصيبة حلت في بعض ديار المسلمين، وأصبحنا نسمع في الأزقة والشوارع أناساً يسبون أبا بكر وعمر، ونبرأ إلى الله من هذا، وهذا الأمر يحتاج منا إلى فطنة وإلى أخذ بالعزيمة، والداء في أوائله يمكن القضاء عليه، أما إن استشرى فمصيبة من المصائب، ولذا كل من يسمع الذي يشتم أن يأمر وينهى، وإن سكت اليوم عن أصحاب رسول الله، فو الله إنا غداً ساكتون عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعده القرآن وبعده عن ربنا عز وجل.
ومن يطعن في الصحابة يطعن في القرآن، لأن القرآن لم يصلنا إلآ من خلالهم، فلو كان الصحابة الذين نقلوا لنا القرآن مطعون فيهم فلا نأمن على القرآن، وسنجد من يشكك في القرآن، لأن الذين نقلوا لنا القرآن فيهم، وصدق أبو زرعة لما قال: ( لا يطعن في أصحاب رسول الله إلا زنديق)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {لو أن أحدكم تصدق كل يوم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم من البر أو نصيف المد}، أين نحن وهم، {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم}
وسئل سعيد بن المسيب عما جرى بين الأصحاب من الفتنة، فقال: (فتنة نجى الله منها أيدينا فننجي منها ألسنتنا) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا}، فدعوكم من الخوض في الفتنة ومن سماع الأشرطة التي تخوض في الفتنة، والعلاج الناجع أن نمسك وألا نخوض، ونقول هم خير منا.
وعلي أفضل من معاوية، لكننا نحب جميع أصحاب رسول الله؛ ولا نتبرأ من واحد منهم ونتبرأ ممن يطعن ولو في واحد فيهم، هذه عقيدتنا بإجمال في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال 265: ما هي الأيام التي كان يصومها النبي صلى الله عليه وسلم من كل شهر؟ هل هي في أوله أم أوسطه أم آخره؟
الجواب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتقصد ألا يفوته شيء ولا يصوم فيه، وثبت في صحيح مسلم عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة رضي الله عنها: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام}، قالت عائشة: نعم، فقالت معاذة: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ فقالت عائشة: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبالي من أي أيام الشهر يصوم.
فلو صام الإثنين والخميس أو الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، أيام الليالي البيض لا حرج، والله أعلم..
السؤال 266: ما صحة هذا الحديث: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل معاذاً عند سفره إلى اليمن: {بماذا تحكم بين الناس؟} قال: بكتاب الله، قال: {فإن لم تجد؟}، قال: بسنة رسوله، قال: {فإن لم تجد؟}، قال: باجتهادي))؟
الجواب: هذا الحديث مشهور الشهرة اللغوية لا الاصطلاحية عند علماء الأصول ويكثرون من ذكره، والحديث فيه ثلاث علل؛ فهو ضعيف ضعفه المحققون من أهل العلم، بل أفرده غير واحد بالتصنيف، وبين ضعفه.
وهذا الحديث فيه معنى منكر ،وهو أن السنة لا يلجأ إليها إلا بعد أن يفقد الحكم من كتاب الله، لأن السنة حجة بذاتها، لا أنها يلجأ إليها بعد أن لا نجد الحكم في كتاب الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا ألفين أحدكم متكئ على أريكته شبعان ريان، يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، إلا إني أوتيت الكتاب ومثله معه}، أي السنة، وقال الأوزاعي وغيره: السنة قاضية على الكتاب فهي حجة بنفسها، فالأحكام الشرعية تؤخذ من كتاب الله وسنة رسول الله معاً، فالصلاة واجبة في الكتاب والسنة، فإذا أخذنا بالقرآن لا نعلم عدد الركعات ولا نعلم كيفية الصلاة فالقرآن أوجب الصلاة والسنة فصلت الصلاة، فلا يوجد في القرآن أن صلاة الفجر ركعتين والظهر أربع وهكذا، وكذلك الزكاة، لذا فإن هذا الحديث منكر لأن السنة حجة بذاتها.
وبعض الناس يظن أن الوارد في القرآن واجب، وأن الوارد في السنة هو سنة، وهذا خطأ، ففي السنة شيء حرام، وشيء واجب، فالسنة لها معنيان: معنى حكم تكليفي وهو من الأحكام الخمسة فوق المباح ودون الواجب، ومعنى آخر السنة كمصدر تشريعي فهي كالقرآن فيها الأحكام الخمسة.
فمن استغنى عن السنة ضال مبتدع ومن أنكر حجية السنة، واعتمد على القرآن فقط فهذا كافر.
ولذا إنكار بعض الناس على طلبة أنهم مشغولون بالسنة وتاركون للقرآن لأنهم يظنون أننا لا نلجأ إلى السنة، إلا لما نفقد الحكم من القرآن، وهذا معنى خطأ أصلاً ومنكر في دين الله. فالسنة في التحليل والتحريم كالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه}، فالنبي يقول مثله، والنبي صلى الله عليه وسلم هوالذي فصل والقرآن الكريم فيه إجمال، ولو قيل: إن القرآن بعموم تشريعاته جاء ليضبط المفاهيم والتصورات وإن السنة جاءت بعموماتها لضبط السلوكيات، لكان الكلام فيه نصيب كبير من الصحة.
ولا يجوز لأحد أن يعيب على أحد بأن يقول: قال رسول الله فمن عاب هذا ما عرف معنى لزوم "أشهد أن محمداً رسول الله} لـ "أشهد أن لا إله إلا الله" فهما شهادتان متلازمتان لا تنفكان إلى يوم الدين، وهذا التلازم من ثمرته في الحياة أن يبقى على اللسان :قال الله، قال رسول الله، وهذا هو ديننا، فإن فقدنا ذلك في النازلة نذهب لأشرف الناس وهم الصحابة .
ومن أعجب العجب أن بعض يقول: فلان الخطيب لا يقول على المنبر إلا "قال الله" "قال رسول الله" سبحان الله! ماذا تريد أن يقول؟ أيحضر معه راديو على المنبر ليفتح على الأخبار؟ فلم يصعد الخطيب على المنبر إذن؟ من أجل "قال الله، قال رسول الله".
لكن ينبغي أن نفهم معناها ونربي الناس عليها، لأن في ذلك الغنية، ولكن نحتاج إلى المعاني الجيدة وعقل وقاد يربط كل شيء بـ"قال الله، وقال رسول الله" فلا نقبل لأحد أبداً أن يقرر شيئاً من عنده.
ومن لم يضبط المسائل المنصوص عليها من "قال الله وقال رسول الله" لن يفلح أن يستنبط منهما الأشياء التي تلزم الناس فالأمر الطبيعي أن نتدرج، والأمثلة التي وردت فيها النصوص مثل مدرس الرياضيات الذي يدرس الأمثلة النموذجية فنفهم هذه الأمثلة النموذجية، ونهضمها ولا تغيب عنا؛ حتى نتعداها إلى غيرها، فإن قصرنا فيها ممن باب أولى أن نزل بغيرها، فواحد ما عرف الأصول ولا السنة، ولم يقبل القرآن ثم يتزعم المسائل التي يحتار فيها العلماء ويتكلم فيها، ويتجرأ على كبار العلماء، وهذا من مفارقات أهل هذا الزمان.
فالأمة ضائعة والناس محتارون، والحلقة مفرغة، وبقي الناس يحتاجون إلى من يوصل هذا الفراغ وهم العلماء.
واعلموا أن سبيل الإصلاح في آخر الزمان هو سبيل العلماء كما قال مالك والفضيل: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
وكل الناس العاملين اليوم على نوايا طيبة وعلى حب الشرع وحرقة عليه، يحاولون أن يسدوا مسد العلماء الربانيين ولن يقدروا، فكم من مريد للخير لا يصيبه فالذي يريد أن يصيب الخير لا بد أن يكون عنده الأدوات والأدوات كما قلنا يبدأ بالأمثلة النموذجية ويحذقها حتى يصل إلى الأشياء التي الأمة بحاجة إليها.
وفقنا الله وإياكم للخيرات، وجنبنا الشرور والمنكرات ورزقنا وإياكم الإنصاف والتقوى، وأبعدنا عن الهوى وعن ركوب ما لا يرتضى.
السؤال 267: استشكل علي العلم؛ فتارة أقرأ فقهاً وتارة عقيدة، وتارة أحفظ، فإنني مشتت الفكر فلم أستطع أن أحفظ كما كنت سابقاً، فأرجو من فضيلتكم النصح مع إرشادي لبعض كتب كي أعتكف عليها، ليس فقط لفهمها، ولكن لحفظها، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: أما الاستشكال فهذا لا يقع إلا من حريص على الوقت، وأن يقع الإنسان في الاستشكال فهذا علامة من علامات بدايات الفهم، وكثير من الطلبة يبدأ متحمساً وبعد أن يقرأ مجموعة من الكتب يبدأ يستشكل المسائل، وهذا الاستشكال ينبغي أن يدفعه إلى الأمام، وما ينبغي أن يصيبه إحباط بسببه ذلك. أن أول علامات الفهم استشكال المسائل، ورحم الله الشافعي، فإنه كان يقول: كلما تعلمت مسألة ازداد علمي بمقدار جهلي، فأكثر الناس علماً هم أكثرهم هضماً لأنفسهم، ولذا قالوا: العلم ثلاثة أشبار من دخل الشبر الأول منه تكبر، ومن دخل الشبر الثاني منه تواضع، ومن دخل الشبر الثالث منه علم أنه لا يعلم شيئاً، فمآل العلم أن يعلم الإنسان أنه يعلم شيئاً فينظر إلى نفسه ويعرف حقيقة نفسه الأمارة بالسوء.
وطالب العلم ينبغي أن يحرص على وقته، وكان عمر يقول: (تفقهوا قبل أن تسودوا) أي احرصوا على الفقه قبل أن تصبحوا أصحاب سيادة، وكان سفيان يقول: (طالب العلم إن تزوج ركب البحر، فإن جاءه الولد انكسر به المركب) فإن كان طالب العلم شاباً صحيحاً ليس ذا عيال ولا مسؤولية ولا مهنة، وإنما هو في طور الطلب، فهذا بإمكانه أن يبني نفسه بنفسه، وأن يتقدم، وينبغي أن يكون التقدم سريعاً وتكون القراءة والتحصيل كثيراً، وهذا يحتاج إلى همة.
وقد ألف الإمام الصنعاني رسالة بديعة سماها: "إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد" قرر فيها أن الاجتهاد في عصره أيسر بآلاف المرات من الاجتهاد في العصور الأول، لأن العصور الأول كان الإنسان لا يستطيع أن يتحصل على الكتب، ولا أن يضبطها وكانت الكتابة قليلة، والآن الكتب كثيرة، والفهارس موجودة، لكن العلة اليوم في الهمة، وما أيسر الطلب وما أكثر العلم، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من أشراط الساعة ظهور القلم}، ومع استخدام القلم فإن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويلقى الجهل.
وياليت كثيراً من الناس لا يحسنون القراءة والكتابة، حتى يعرفون الحرص على حلق العلم، فكثير من الناس لا يجلسون في حلق العلم بسبب أنهم يعرفون القراءة والكتابة، فيقول أنا أقرأ، لكنه لا يجلس ولا يقرأ ولا يتعلم ويبقى جاهلاً ويستخدم القلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونصيحتي لطالب العلم أن يكون كالشجرة التي ينبغي إن نبتت أن تكون وارفة الظلال شديدة قوية، يجلس حولها ويتفيأ في ظلها عدد كبير، وألا يكون كالبقلة فينشغل بمسائل طنانة ومسائل موسمية، من غير ملكة ولا يكون فقيه نفس، ولا يتأصل ولا ينشغل بمسائل الباعث لانشغال بها غالباً الرئاسة والتقدم وأن يكون له وجود في المجالس، فالنبتة التي تزرع بسرعة كالبقل وغيره تنبت خلال أيام، لكن لا يتفيأ أحد في ظلها.
واليوم الناس بحاجة إلى من يغرس نفسه في باطن التربة، وأن يطول عليه الأمد والزمن، بحيث إن خرج يكون شجرة وارفة الظلال، يتفيأ الناس في ظلها، من حرارة الشبهات والشهوات الموجودة في المجتمعات بحيث يقع النفع والبركة بهذا الطالب.
وطالب العلم يستخدم المثل الذي يذكر على وجه الذم، لكن هو يحوره ويستخدمه على وجه المدح، وهو ((فرق تسد)) فهذا مثل سيء يقصد فرق بين الأمم تسد، لكن طالب العلم يستخدمه استخداماً شرعياً صحيحاً، فيقول: أفرق المسائل وأفرق العلوم حتى أسود، فينشغل بالمهم فالأهم، وينشغل بداية في بعض العلوم حتى ترسخ قدمه فيها، ثم ينتقل إلى علوم أخر.
ويصعب على طالب العلم أن ينشغل على وجه الحذق والإتقان ومعرفة العلوم على التفصيل في جميع أنواع العلوم فلا بد أن يفرق بين هذه العلوم فيبدأ مثلاً بالتوحيد والتفسير، ثم بعدها مثلاً يبدأ باللغة والأصول، وبعدها بالفقه وعلم المصطلح، وهكذا، يفرق بين العلوم حتى ترسخ قدمه فيها.
وينبغي لطالب العلم على أن يتقن العلوم على المتون المعتبرة عند أهل العلم، فتضبط أي علم على متن معتبر عند العلماء.
أما بالنسبة للحفظ فالذي أنصح به أنه أولى ما يتوجه إليه الحفظ كتاب الله، ثم أحاديث الأحكام مثل عمدة الأحكام أو بلوغ المرام فإن يسر الله لهذا الطالب أن يبقى مستمراً في الطلب حتى يجلس ليدرس ويقع الانتفاع به، فإنه سيسأل عن الأحكام الشرعية وجل الأحكام الشرعية مركبة على أحاديث الأحكام، فهو بحاجة إلى أن يحفظها ويستحضرها، وحفظ النصوص التي فيها العصمة مقدم على حفظ كلام البشر.
وطلبة العلم متفاوتون في الحفظ ووجدت بالتجربة ومن خلال المقابلة مع مجموعة من الأعلام والعلماء في هذا الزمان أن من رزقه الله حفظاً فتحقيقه قليل، ومن رزقه الله تحقيقاً فحفظه قليل، وقل من يجمع بين الأمرين، وهذا دلالة على نقصان الإنسان، وعلى أن التفرد إنما يكون لله عز وجل في الكمال.
ولا بد لطالب العلم أن يكون في محفوظه شيء من نصوص الوحي، وأيضاً مما يستملح من الآثار ومن أقوال السلف، ومن الأشعار ومن الحكم والأمثال والقصص فهذه أمور حسنة، وهي بمثابة الملح، لكن لا ينشغل بها، فطالب العلم ما ينبغي أن يكون قصاصاً، لكن لا بد أن تكون له مشاركة في أن يمس مشاعر الناس وأن يحفظ شيئاً مما يحتاجه الناس في الوعظ وغيره، هذه نصيحتي للسائل والله الموفق...
السؤال 268: هل يؤجر المكلف إذا ذكر الله في نفسه دون أن ينطق بلسانه؟
الجواب: نعم؛ ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم}، والشاهد فيه: {إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي}.
وقوله: {وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم}، يدل على أن الملائكة في مجموعهم أفضل من مجموع البشر لكن الآدمي الذي ينازع نفسه ويجاهدها، وينعى على الاستقامة ويترك الشهوة واللذة من أجل الله، ولا يأخذ منها إلا المباح فهو بفرده خير من المخلوق المجبول على الطاعة، فمحمد صلى الله عليه وسلم بعينه أفضل من الملائكة بأعيانهم، وهكذا، والله أعلم...
السؤال 269: ما حكم من عمل عملاً أراد به ابتداءً وجه الله بنية خالصة، ثم لما رأى غيره ينظر إليه دخل في قلبه الرياء، فأخذ يزين العمل ويحسنه مع بقاء النية الأصلية موجودة، ولكن أحب أن ينظر هذا إليه، فهل هذا يحبط العمل بالكلية وما هي الأسباب التي تعين على الإخلاص؟
الجواب: يقرر الإمام ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين" أن النية على ثلاثة أقسام: رجل دخل في عبادة ونيته أصالة الرياء فقال: هذا لا نصيب له من عبادته، والقسم الثاني رجل دخل بنية فيها إخلاص ودخل عليه الرياء فينقص من عمله من الأجور بمقدار الرياء الذي دخل عليه، والثالث رجل دخل في عمل بنية فيها إخلاص وبقي على الإخلاص ثم دخل عليه العجب بعد العمل فالعجب يأخذ من حسنة عمله بقدره، وقد يحبط العمل بالكلية، وقد قال بعض السلف: لأن أنام طول الليل وأصبح نادماً أحب إلي من أن أقوم طول الليل وأصبح معجباً.
لكن لو رجل دخل في صلاة ونوى أن يطيل فيها، ثم اطلع عليه بعض الناس فيقول: أريد أن أختصر صلاتي خوفاً من الرياء، هذا مخطئ، والصواب أن يبقى على نيته وأن يحسنها، فإن الإنسان إن أراد أن يعمل عملاً صالحاً فإن الشيطان يحاول ما استطاع أن يشوش عليه عمله، فنقول له: حسن نيتك وابق على عملك، فإن التقصير يكون من الشيطان، وهذه وصية لبعض السلف.
وفرق بين من هذا حاله وحال من دخل في الصلاة وهو ينوي التطويل والرياء.ويذكر ابن الجوزي في كتابه "أخبار الحمقى والمغفلين" عن بعض المغفلين أنه دخل الصلاة للرياء فصلى وأطال القيام وهو يصلي، والناس يثنون عليه، وهو مسرور من ثناء الناس فقال لهم وهو لا يشعر: ومع هذا فأنا صائم.
لذا فإن أهم شيء في تحصيل الإخلاص النية، أن تكون لك نية صالحة قبل العمل وأثناء العمل وبعد العمل، وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: ((إن أعجبك حديثك فاسكت، وإن أعجبك سكوتك فتحدث)) فقد يقع الرياء في السكوت أن يقال عنه مثلاً صاحب سمت طيب ومؤدب.
فالإخلاص يتحصل أكثر شيء بالنية، وكان بعض السلف يقول: (أحب أن تكون لي نية صالحة في قيامي، وقعدتي، ونومي وأكلي وشربي)، فيستحضر الإنسان النية قبل كل عمل، فقبل حضور الدرس المدرس والحاضر يستحضر أن هذا علم شرعي وأن هذا طاعة جليلة، ويستحضر انتظار الصلاة إلى الصلاة، وما فيها من أجر.
ومن الأسباب المعينة على الإخلاص، أن يحاول الإنسان أن يكون له في خلوته عبادة وطاعة وأن يحسنها أكثر من تحسينها لعبادته في جلوته.
ومن أسباب الإخلاص أن يدعو الإنسان ربه دائماً أن يرزقه الإخلاص وأن يتعوذ بالله من الرياء وأن يأخذ بالمأثور من قوله صلى الله عليه وسلم في أدعية الصباح والمساء ثلاثاً: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه}، فكان النبي يتعوذ به وهو أكمل الخلق، فما بالكم بغيره؟
ومن أسباب الإخلاص أن يعلم العبد أهميته وأن يعلم أن العمل لا يقبل إلا به، وأن الإنسان مهما كثر من عمل، فإنه لا يرفع له عمل دونه، فالأعمال صورة، وروحها الإخلاص وسر قبول الأعمال عند الله عز وجل، أن يكون صاحبها مخلصاً، وإن قصر فيها.
وأن يعلم الإنسان أن للإخلاص بركة وثمرة في هذه الدنيا قبل الآخرة، فالله عز وجل يبارك للمخلص في عمله ويرقيه من منزلة المخلِص إلى منزلة المخلَص بحيث لا يكون لنفسه ولا لشيطانه نصيب في عمله أو في قوله ولا في سكوته فيبقى ربانياً خالصاً، فالمخلص هو الذي يصطفيه الله عز وجل.
وببركة الإخلاص ينجو الإنسان، وتعلمون قصة الثلاثة في الغار كيف نجاهم الله بإخلاصهم، ونصرة الأمة تقع بالإخلاص، ويذكرون أن رجلاً كان يتزين بزي النساء، ويدخل الأفراح والمآتم، فدخل مأتماً يوماً، فضاعت درة، فقال أصحاب البيت: أغلقوا الباب كي نفتش، فأخلص لله في الدعاء، وعاهد الله تعالى لئن نجاه الله من هذه الورطة ليتوبن ولا يعودن لمثلها أبداً، فبقي يؤخر نفسه حتى وجدوا الدرة مع التي قبله، فقالوا: أطلقوا الحرة لقد وجدنا الدرة، فاستجاب الله له ببركة إخلاصه.
واعلموا أنه لا يخاف من الرياء إلا المخلص، وأن المرائي لا يسأل لا عن رياء ولا عن إخلاص، فإن خفت على عملك من الرياء، فاعلم أنك تعرف مقدار الإخلاص، وإن لم تخش على نفسك من ذلك فأنت على خطر، فنسأل الله أن يرزقنا الإخلاص وأن يرقينا في هذا المقام حتى يجعلنا مخلصين.
أما الرضا عن النفس فهو عارض، وأما العجب فهو دائم، فيظل المعجب يرى في نفسه تيهاً وكبراً، والرضا عن النفس هو ثمرة كاللذة فالطعام وهو بين أسنانك تشعر بلذته، فإن انتهى الطعام زالت اللذة، فيعود الإنسان ويبقى على خطر عند ذهاب اللذة.
ومن أشنع ثمار الرياء وأبشعها أن صاحبه لا بد أن ينتكس في الدنيا قبل الآخرة ،فلا يسلم المرائي له عمل في الدنيا قبل الأخرة، لكن الذي يرضى عن نفسه قليلاً هو يرتقي وهذا الرضا عارض.
وقد ورد في حديث نعرفه جميعاً فيه زيادة قد تغيب عنا، وهي مهمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها}، هذا أمر خطير جداً أن يعمل الواحد بعمل أهل الجنة حتى تصبح الجنة قريب منه بمقدار ذراع فيسبق عليه الكتاب والعياذ بالله، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وفي رواية في صحيح مسلم: {وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها}، فهو يعمل بعمل أهل الجنة في الظاهر لكن الباطن خراب، فهذا مآله أن يسبق عليه الكتاب ويعمل بعمل أهل النار.
لذا لا يسلم ولا ينجو إلا المخلص، وحبل الكذب قصير والإنسان يتعامل مع الله عز وجل، الذي يعلم السر وأخفى.
السؤال 270: هل يجوز استخدام سن من ذهب؟
الجواب: استخدام السن من الذهب، إن كان تجملاً فلا، وأما إن كان تطبباً؛ وفي الذهب ما ليس في غيره فجائز، وقد ثبت عن عرفجة، الصحابي البدري، أنه أصيب في بدر بأنفه، فاتخذ أنفاً من ذهب، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، واتخاذ السن كاتخاذ الأنف.
أما أن يكون الرجل أسنانه سليمة، ويتخذ سناً من ذهب زينة، لا تطبباً فهذا غير جائز، أما في التطبب فجائز ولا حرج، ولا فرق بين الرجل والمرأة في هذا.
السؤال 271: ما هو القول في كتاب "الحيدة" من حيث ثبوت نسبته إلى عبدالعزيز الكناني، وما رأيكم فيه؟
الجواب: كتاب "الحيدة" مادته حسنة بالجملة، وهو مناظرات من عبدالعزيز الكناني لبشر المريسي أمام المأمون، والمناظرات قوية مفحمة، تبين سداد وصواب مذهب أهل السنة في مسألة كلام الله عز وجل، وأن القرآن غير مخلوق، فمادته علمية جيدة.
لكن شكك غير واحد من أهل العلم في صحة نسبته لصاحبه، والتشكيك له أسباب وهي: ما ذكره الحافظ ابن حجر في "اللسان" في ترجمة عبدالعزيز الكناني، قال: كيف ينصر المأمون الاعتزال ويؤذي أهل السنة، وقد قامت هذه المناظرات بين يديه، كما هو في الكتاب، وقد أفحم بشر المريسي ولم يتكلم بكلمة، فالأصل أن يكون المأمون إن كانت هذه المناظرات واقعية صحيحة أن ينصر مذهب أهل السنة، لأن الحج لائحة، ولم يبق كلام أبداً لبشر، فيستبعد أن يبقى المأمون على مذهبه وأن يؤذي أهل السنة، وهذا كله قد جرى على هذه التفصيل بين يديه.
وقد قال ابن حجر هذا الكلام بعد أن نقل كلام الذهبي في الميزان، وهو أن في إسناده هذا الكتاب رجل اسمه محمد بن الحسن بن الأزهر، اتهمه أبو بكر ابن الخطيب بالوضع، فقال عنه: وضاعاً، فكتاب في سنده وضاع وحاله كما قال ابن حجر، قال: فهذه النسبة لم تثبت.
وهناك مسألة الخلاف فيها كبير بين العلماء، وهي هل يحتاج الكتاب إلى إسناد كالحديث؟ أم أن شهرته تكفي؟ فمنهم من قال تكفي الشهرة فإذا اشتهر عند أهل العلم أن فلاناً قد ألف كتاباً، فهذا يكفي، فما نحتاج لأن نثبت أن البخاري ألف صحيحاً مع أن إسناد البخاري موجود إلى اليوم.
وطبع حديثاً الشيخ علي الفقيهي كتاب "الحيدة" ومال في مقدمته إلى صحة النسبة، وأيد كلامه بأمرين، بعد مناقشة ما ذكره الحافظ ابن حجر في المأمون، فقال قد يبقى الإنسان على مذهبه ويسمع كلاماً يفحم، ويكون هناك دواعي تبقيه، فهذا لا يكفي.
ثم قال: أما موضوع إسناد الكتاب وأن فيه وضاعاً، فقد ثبت نقل لابن بطة في كتابه الإبانة، ينقل عن كتاب الجيدة بإسناد آخر رواته ثقات، فيا من تنكرون هذه النسبة بسبب هذا الرجل، هناك سند آخر، وأكد كلامه بالشهرة وأفاض في نقل العلماء عن هذا الكتاب فأثبت أن ابن تيمية وابن القيم والذهبي وحتى ابن حجر قد نقلوا عن هذا الكتاب وعزوه إلى صاحبه، فالقلب يميل إلى صحة النسبة، مع وجود إسناد ابن بطة في كتاب الإبانة، والله أعلم...
السؤال 272: ما صحة القاعدة الآتية: يحرم ما يأكل بنابه أو بمخلبه؛ أي اشتراط أكله بالناب أو بالمخلب، وعلى هذا ما حكم أكل الفيل؟
الجواب: القاعدة يدل عليها حديث نبوي شريف، ورد في صحيح مسلم عن أبي ثعلبة الخشاني رضي الله عنه، قال: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع} وأخرج أيضاً بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل ذي ناب من السباع فأكله حرام}، وأخرج بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير}.
إذن فكل حيوان يأكل بنابه ويفترس بنابه وكل طير يفترس بمخلبه فأكلهم حرام، كالأسود والفهود، والصقور والنسور فهذه قاعدة صحيحة.
ويستثنى الضبع كما جاء في مسند الإمام أحمد، فهو صيد، والراجح أنه يجوز أكله، وإن كان الضبع يأكل بنابه، وهنالك تصور عند كثير من الناس أن الشق الأيمن من الضبع حلال، والشق الأيسر حرام، وهذه خرافة ما أنزل الله بها من سلطان.
والضبع استثنى بنص، مع القول بأن الجماهير يحرمونه، لأنهم قالوا إن الحديث مضطرب، ولكن الاضطراب مرفوع، وليس كل اضطراب يعل به الحديث، وكل ما في الأمر هو هل الحديث مرفوع أم موقوف.
أما الفيل فقد ألف الدميري شيخ الحافظ ابن حجر، كتاباً سماه "حياة الحيوان الكبرى" رتب فيه أسماء الحيوانات على الحروف، وهو يشمل كل ما يتعلق بالحيوان فذكر عن كل حيوان تعريفاً به، وخواصه وذكر عن كل حيوان حكمه، من حيث الحل والحرمة على المذاهب وما ورد في ذلك من أحاديث وآثار وقصص وأشعار، وذكر ما يؤول في المنام إن رآه النائم، فهو كتاب موسوعة حول الحيوان.
ومما ذكر فيه عن الفيل (ص 234/ جـ2) قال: يحرم أكل الفيل على المشهور، وعلله في "الوسيط في الفقه" (أبو حامد الغزالي) بأنه ذو ناب مكادح، وقال: وفي وجه شاذ لأصحابنا بالجواز، فالقول المعتمد بالحرمة لأن له ناباً، وقال: قال الإمام أحمد: ليس الفيل من أطعمة المسلمين، وكرهه أبو حنيفة ورخص بأكله الشعبي.
فالراجح أن أكله حرام، كما قال أحمد: ليس من طعام المسلمين ولأن له ناباً، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم أكل ذي ناب من الحيوان، والله أعلم..
السؤال 273: هل يمكن أن يكون النوم عن صلاة الفجر من الابتلاء؟
الجواب: من نام عن صلاة الفجر فهذا معاقب، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من نام حتى يصبح فقد بال الشيطان في أذنيه}، وهذا الحديث وضعه البخاري في كتاب التهجد وقال أي: من نام حتى يسمع أذان الفجر فما بالكم من نام حتى تطلع الشمس فماذا نقول عنه؟ نسأل الله العفو والعافية.
والنوم عن صلاة الفجر إن كان فلتة لعرض بحكم تعب وما شابه فهذا وقع مع النبي في سفرة من الأسفار.
أما أن تكون هذه عادته فتفوته الصلاة، وتكون ثقيلة عليه، فهذه من صفات المنافقين لأن أثقل صلاة على المنافقين الفجر والعشاء ،ومن صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله.
ويذكرون عن سجان الحجاج، قال: كنت سجاناً للحجاج مدة طويلة فما دخل أحد السجن إلا سألته: هل صليت الفجر في جماعة؟ فيقول لي: لا، ولم يقل لي واحد منهم أنه صلى الفجر في جماعة.
لذا فمن صلى الفجر في جماعة فهو رعاية الله وكنفه، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله، فلنحرص على صلاة الفجر في جماعة والله الموفق.
السؤال 274: هل الركوب مع سائق التكسي دون محرم يعد خلوة محرمة لا تجوز؟
الجواب: نعم، المرأة إن ركبت مع السائق ولا يوجد بينهما أحد حالها كحال من جلست مع رجل أجنبي في حديقة عامة على مقاعد المتنزهات، فهي خلوة غير شرعية، {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما}، كما صح عند الترمذي بإسناد جيد.
وبعض الناس يلبسون ويشوشون ويسقطون شروط الخلوة الشرعية، التي تترتب عليها آثار وأحكام مقررة في الفقه، فيأخذون هذه الشروط ويجعلونها للخلوة المحرمة.
والعلماء يذكرون الخلوة الشرعية بين الزوج وزوجته التي عقد عليها، ولم يدخل بها، ويذكرون لها شروطاً إن وقعت فيجب لها المهر كله، فيقولون شروط الخلوة أن لا يكون مانع حسي من الدخول بها، كأن لا تكون حائضاً مثلاً وأن لا يكون هنالك مانع شرعي كأن يكون أحدهما صائماً صيام فريضة، وأن يوجدا في مكان يغلقان عليهما الأبواب ويسدلون الأستار، وألا يكون بينهما مميز، فهذه شروط الخلوة بين الزوج وزوجته التي لم يدخل بها.
وبعض أبالسة الإنس في هذا الزمان يجوزون للرجل أن يجلس مع المرأة ويعللون بأن شروط الخلوة الشرعية غير متوفرة، فمثلاً يقولون: الحائض يجوز أن تجلس معها، قاتلهم الله أنى يؤفكون، فهم متساهلون جداً في فقه المرأة، فيقولون: لو أن المرأة لبست بنطالاً ضيقاً وسترت شعرها وبشرتها فهذه تلبس لباساً شرعياً ولو صلت على هذه الحال فصلاتها جائزة.
فهذا الصنف أخذ شروط الخلوة الشرعية ووضعها في غير مكانها، فأن يخلو الرجل بالمرأة حرام، ولا يشترط في الخلوة أن يكون المكان مغلقاً، ولا يكون هناك مانع حسي، ولا شرعي، ولا مميز، لكن كلما وجدت هذه الشروط كانت الحرمة أشد، وكان الشيطان أغلب، وكم من سائق يرتكب الفواحش في سيارته على قارعة المكان، فهذه خلوة محرمة، والذي يشترط هذه الشروط يضع الأشياء في غير مكانها.
ولو كانت أكثر من امرأة مع الرجل في السيارة تخف الخلوة، لكن القاعدة المقررة عند أهل العلم أن اجتماع مجموعة رجال مع امرأة أهون من اجتماع مجموعة نساء مع رجل، لما ثبت في صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، وصحبه كانوا يدخلون النساء اللاتي غاب عنهن أزواجهن في الجهاد.
وقال الإمام النووي في شرحه على هذا الحديث: وفيه جواز دخول أكثر من رجل على المرأة إن دعت حاجة، لا سيما إن كانوا معروفين بالفضل والديانة والمروءة، أما اجتماع أكثر من امرأة على رجل فهو شر من ذلك، والله أعلم..
السؤال 275: هل يجوز أن أقول للشخص الذي أخذت منه شيئاً: يخلف عليك، فيرد هذا الشخص: على الله؟
الجواب: ربنا يقول: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}، فالله الذي يخلف ومن الذي يخلف غير على الله؟ فبعض الناس اليوم لما يأخذ من آخر شيء ويشكره فيقول يخلف على الله.
ومن الذي يقدر أن يخلف على الله، وله سبحانه ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، فهذه مقولة آثمة خاطئة ليس فيها أدب مع الله عز وجل.
السؤال 276: ما هو الأفضل العلم الشرعي أم الزواج؟ ومن هو الأولى؟
الجواب: الأصل ألا يوجد تعارض بين العلم والزواج، والأصل في الزواج أن يعين على الطلب، لكن بشرط حسن الاختيار.
وكثير من طلاب العلم لما تسأله تزوجت، يقول لك:لا أنا طالب علم، وما الذي يمنع أن تكون طالب علم ولك زوجة، لا سيما إن أحسن الإنسان الاختيار، واختار طالبة علم، فإنه يعمر وقته معها ويتقدمان في الطلب.
فلا يوجد مفاضلة بين الزواج وبين طالب العلم، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو سيد العلماء وله زوجات، فطالب العلم لا يمنعه طلبه أن يتزوج، إن كان الانقطاع الكلي للعمل يحتاج إلى فترة ويحتاج إلى نوع تفرغ.
لكن إن كانت الشهوات والفتن قريبة من الإنسان ونفسه تنازعه فحينئذ التخلية قبل التحلية، فأن يخلي الإنسان نفسه من شرورها مقدم على أن يحليها في الطاعة.
والزواج سكن فالإنسان يحتاج إلى الزوجة، لا سيما في هذا الزمان ،وأنا أنصح طلبة العلم، وأنصح أولياء الأمور للذكور والإناث أنصحهم وأدعوهم إلى الزواج المبكر، وأرى أن في الزواج المبكر فوائد عظيمة، لا سيما فيمن رزقه الله سعة من المال، فالزواج المبكر يعجل في رجولة الولد، والزواج المبكر يؤتي بثماره من حيث الولد، فالعنوسة تأخير الزواج من أسباب الفتنة في المجتمعات هذه الأيام.
وينبغي للغيَّر على الفضيلة وعلى الديانة، لا سيما من الأثرياء أن يكون لهم خطوات عملية في المجتمع تحد من العنوسة ومن صعوبات الزواج أمام الشباب لا سيما أن الزواج من الحاجيات الأصلية التي يجوز مساعدة الفقير عليها من مال الزكاة، فأنا أرى من مصارف الزكاة المهمة التي لها ثمرة وبركة هي أن يبحث الإنسان عن رجل صالح يريد أن يعف نفسه ولا يقدر على الزواج، فيعطيه من مال الزكاة فيكون سبباً في وجود الأولاد الصالحين، فهذه أشبه ما تكون بالصدقة الجارية. وهذا الباب ينبغي أن يعالج. فأهل الفساد وللأسف يتفنون في فسادهم وفي عرضه ويؤصلونه ويدعون إليه بقوة، وأهل الخير نائمون وغافلون، ومع وجود الملذات والشهوات إن أهل الخير غفلوا وأهل الشر تفننوا وجدوا واجتهدوا فمن الطبيعي أن نرى ما نرى هذه الأيام في المجتمعات .
السؤال 277: لي أخ، وفي بعض الأحيان أكرهه في الله، وفي بعض الأوقات تمر فترة طويلة جداً وأنا لا أتكلم معه بسبب معاصيه، وهو يصر أحياناً على المعصية، فهل انقطاع حديثي معه لفترة طويلة جداً تسبب لي الإثم، أم لا، لأني أبغضه في الله عز وجل؟
الجواب: بالنسبة للهجر فهو مشروع عند الضرورة، وأما أن يكره الرجل أخاه لله فهذا من علامات الإيمان فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : {من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان}، فالبعيد المؤمن مقدم على القريب الفاسق في الحب.
وأما أن تهجر أخاك فهذا لا يجوز إلا بعد النصيحة، وبعد أن يغلب على ظنك إن بقيت معه فإنك ستتأثر به سلباً أو إن غلب على ظنك إنك إن هجرته فإن هذا يردعه ويعيده إلى حظيرة الحق، والبعد عن الباطل، ويقرر العلماء أن الهجر دواء ينبغي أن يستخدم في وقته وبمقداره دون زيادة، فالأصل في المسلم أن تكون علاقته مع أقاربه لا سيما أشقائه حسنة، لكن إن خاف على نفسه من قربه منه أو إن قاطعه فيعيده للحق فهنا هجران شرعي صحيح.
وعلى العاقل أن يتدبر بواعثه ودوافعه للهجران وأن يكون ذلك من أجل الله عز وجل. فقد تهجر أخاك لمعصيته وتكون لك علاقة حسنة مع بعض الأصدقاء وهو شر حال من أخيك من حيث ديانته فهذا هجران ليس من أجل الله.
وذكر ابن أبي جمرة في "بهجة النفوس" قيداً نافعاً عزيزاً في الهجران، حتى يكون من أجل الله، وحتى يكون من أجل حظ النفس، وهذا القيد ذكره ابن أبي جمرة في حادثة الإفك، فمسطح الذي خاض في عرض عائشة، رضي الله عنها، كان أبو بكر رضي الله عنه، ينفق عليه لفقره، ولما خاض في عرض عائشة، بقي أبو بكر ينفق عليه، فلما أنزل الله براءة عائشة من السماء قطع أبو بكر النفقة على مسطح، فقال ابن أبي جمرة: (لو أن أبا بكر قطع النفقة بمجرد خوضه قبل نزول البراءة، لهجره من أجل حظ نفسه، ولكنه بقي ينفق عليه، وقطع النفقة عنه بعد أن أنزل الله برائتها فقطعه من أجل الله). فانظروا إلى دقة الباعث فقد يهجر بعض الناس من أجل الله طاعة وعبادة لكن في الوقت والقدر وعليه أن يبحث عن بواعث هذا الهجران وأن يخلص فيه لرب العالمين.
السؤال 278: ما حكم أكل الدجاج هذه الأيام، ونحن نعلم أن المزارع غالبها تستخدم الأعلاف المركزة، وهي عبارة عن جيف الحيوانات مثل الخراف والأبقار والدجاج، ومن ريش وعظم ودماء، كما نقل من بعض أصحاب هذه المزارع وذلك لاضطرارهم لفعلهم هذا لجلب الربح علماً بأن الدجاج في خلال شهر واحد منذ تفقيسه يصبح جاهزاً للأكل وهل يجوز أن نربي الدجاج في البيت مدة ثلاثة أيام ونطعمه من القمح والشعير حتى يخرج من حكم الجلالة إذا اعتبرنا أن هذا الدجاج الذي في المزارع حكمه حكم الجلالة؟
الجواب: الدجاج إن أكل النجاسات فهو جلالة، ولا يجوز أكله حتى يطعم الطاهر ثلاثة أيام فيتغير لحمه.
وأما بالنسبة إلى ما ذكر في السؤال مما يسمى اليوم عند أهل هذا الاختصاص بالعلف المركز، ويكون من الريش وبواقي الدجاج وغيره، ويخلط ويطعم، وينمو الدجاج نمواً سريعاً في وقت قصير.
ويذكر في هذا الباب أمور: الأمر الأول أن هذا نسبة من العلف وليس هو كل العلف، وفيما ينبغي أن هذه النسبة قليلة والغالب الحل، والأمر الثاني أن هذا الطعام يكون في مدة معينة، يطعم للدجاج ثم بعد هذه المدة يطعمونه العلف الطبيعي، وهذا يجعله يتغير ويصبح حلالاً والأمر الثالث أن في نجاسة الدم خلاف بين أهل العلم.
ولذا لا أرى حرجاً من جواز أكله والأحسن أن يتأكد الإنسان ويطعمه العلف الطاهر ومن وجد في نفسه شيئاً لا يأكل لكن لا يحرم على الناس ، والله تعالى أعلم.
السؤال 279: ما حكم نسيان التسمية على الذبيحة؟
الجواب: المسلم إن ذبح لابد لذبحه من شروط ومنها أن يذكر الله تعالى، ووقع خلاف بين أهل العلم، المسلم إن ذبح ولم يذكر اسم الله ناسياً فحرم ذبيحته الحنابلة، وجوزها الشافعية، وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قال: ((ذكر الله في قلب المسلم ذكر أو لم يذكر)).
أما مجرد الذكر على الشريط دون تسمية من الذابح فهذا مقصور وهذا لا يجوز والله تعالى أعلم.
السؤال 280: ما هو حكم العزل؟
الجواب: قد ثبت عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قوله: {كنا نعزل والقرآن ينزل}، وقول الصحابي: والقرآن ينزل فيه دلالة واضحة قوية على أن ذلك كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل، فقال: {تلك المؤودة الصغرى}، ولذا قال العلماء: إن العزل مكروه لأن النبي قال عنه: مؤودة، وفعل الصحابة له يدلل على عدم الحرمة، والعلماء يقولون الكراهية تشتد إذا عزل عن الحرة دون إذنها؛ فإن في النكاح عفة للذكر والأنثى، وكما أن للرجل حق التمتع بالزوجة، فإن للزوجة حق التمتع بالرجل، فلا يجوز للرجل أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها، خلافاً للأمة، فلا حق لها في ذلك.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: {لو أن أحدكم أراق ماءه على صخرة، وشاء الله أن يكون الولد لكان فإن الولد ليس من جميع الماء}.
والدعوة التي في الإعلام لتقليل المسلمين من أنسالهم دعوة باطلة، ودعوة يكرهها من يحب تكثير المسلمين، ونقول هذا وفي لوعة وحسرة، نحب أن يكثر عدد المسلمين بالعزة، وأن يكثر عدد الأمة المحمدية الحقة، وليست هذه الأمة، أمة الغثاء، التي أصبحت لا تسأل عن أحكام الله، وأصبح الواحد له من الذرية ماله، وكأنه محكوم عليهم بالنيران فكم من رجل يكون معنا في المسجد وأولاده لا يأتون المسجد ولا يصلون ولا يعرفون القبلة.
ولما نقول: تناكحوا وتناسلوا يا أمة محمد، ونرى المسلمات في التبرج، والمعاصي فيدخل في حزن ونحن نريد أن نكثر أمة محمد أمة الدعوة والدين، أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نريد أن نكثر أمة الغثاء، التي جلبت لهذه الأمة الأدواء.
وأعجب كل العجب ممن يحرص على المسجد وينس ابنه، وفي النهاية سيكون ابنه عدواً له في الدنيا والآخرة فإن أردت من ابنك أن يطيعك اليوم، لم يبق لك إلا أن يتقي الله ويخاف الله، ومجيئك بابنك إلى مسجد هو لك ،وأحضره صغيراً حتى لا تلام.
وأعجب كل العجب من امرأة شمطاء كبيرة، وهي تمشي في الطريق تتعاهد خمارها خشية أن يظهر شعرها، والبنت التي معها متبرجة، فإن جاز الكشف اكشفي أنت واستري على ابنتك، فأنت لست مطموعاً فيك، وابنتك مطموع فيها، فأعجب جداً من النساء، ابنة في سن الشباب والفتنة، تخرج متعطرة متبرجة متزينة، ثم أمها تجعل نفسها ورعة، وتتستر وتحرص على حجابها، فأي منطق وهذا وأي مفهوم وأي دين وأي عقل هذا وأي عادات؟! وأنا لا أتكلم عن كوكب آخر، وإنما أتكلم عن كوكبنا وعن حارتنا، وهذا واقعنا للأسف وموجود في كل مكان، والله لو أن أبناء المسلمين في المساجد لما بقي هذا حالنا.
وكلنا يهدم الدين، ويحمل في يده معول ويضرب الدين ضربات يتصدع الدين منها، ثم كلنا يبكي على الدين، فاليد تهدم واللسان يولول والعين تبكي، والأعين كاذبة والألسن كاذبة، فمن أراد أن يبني فليبين بنفس مطمئمنة وبخطة بعيدة، فالذي عنده ابن شارد يدفع ضريبة الشرود نتيجة إهماله لكن لتكن عنده خطة بعيدة يستوعب فيها الولد، وليفكر بتحسينه كما يفكر بتحسين وظيفته وأثاث بيته، فالواحد الذي يريد شراء الأكواب التي يستخدمها في الضيافة يتردد، ويقف طويلاً ويدخل محلات عديدة، وهو يبحث عن النوعية واللون والمنظر، فاجعلوا أبنائكم مثل هذه الأكواب، فو الله إن أكواب الشاي التي في البيوت أعز علينا من ديننا ومن ربنا فالولد إن شتم الرب، الأم والأب كأنهم لا يسمعون، وأما إن كسر كوب الشاي، فتقوم الدنيا ولا تقعد، فبالله عليكم أما نستحق ما نحن فيه، وكل الذي يحصل لإخواننا في جميع الدنيا بأيدينا ومنا.
والخطوة الصحيحة أن نبدأ بأنفسنا فربنا قال ذلك: {إن الله لا يغير ما تقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، ولكننا لا نريد التغيير، ولكننا كاذبون، والذين يتكلمون، يتكلمون وهم لا يعون، ولا يعرفون، وحالنا لا يسوى إلا أن نكون هكذا، ونكون ذيلاً وعبيداً مستحقرين، دماء الكلاب خير من دماء الواحد منا، فهذا حالنا فلنعرف قدر أنفسنا ولنعرف أعمالنا، ولنتفقد أحوالنا لعل الله عز وجل يرزقنا أن نغير ما بأنفسنا لعل الله يغير ما بنا ويرحمنا.
السؤال 281: ما صحة هذا الحديث: {مسكين رجل بلا امرأة مسكين رجل بلا امرأة، مسكين رجل بلا امرأة، مسكينة امرأة بلا رجل، مسكينة امرأة بلا رجل، مسكينة امرأة بلا رجل}؟
الجواب: طال بحثي عن هذا الحديث، ووجدته مشتهراً على ألسنة الوعاظ قديماً ولم يرد مسنداً في كتاب ولذا وجدت شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، في كتابه "أحاديث القصاص" (ص30-31) وفي مواطنين من مجموع الفتاوي (جـ11،ص125، 380) يقول: (هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وما أظن أجده مروياً ولم يثبت).
ثم وقفت على عبارة للإمام المنذري في كتابه البديع "الترغيب والترهيب" فقال بعد أن أورده وأورد قبله قوله صلى الله عليه وسلم: {الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصالحة}، ثم أورد هذا الحديث، فقال: ذكره رزين، ورزين هذا الأحاديث التي ينفرد بها جلها لا خطام لها ولا إسناد، قال المنذري: ولم أجده في شيء من أصوله، وشطره الأخير منكر، أي: {مسكين رجل امرأة.....}، وأما ما قبله: {الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة} فهذا صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم.
وإيراد ابن تيمية لهذا الحديث في كتابه "أحاديث القصاص" فيه إشارة إلى شهرته عند القصاص قديماً، ولا زال الأمر كما يقال : التاريخ يعيد نفسه، فلا يجوز لواعظ ولا لأحد أن ينسب هذا الحديث إلى رسول الله { البتة، فهو ليس بحديث ولا يوجد له إسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم...
السؤال 282: هل يجوز للمرأة أن تترك الصلاة بسبب الحمل ومشقته؟
الجواب: لا يجوز لأحد أن يترك الصلاة، ما دام عاقلاً يقظاً، وصورتان لا ثالث لهما، يمكن للإنسان أن يترك فيهما الصلاة، النسيان والنوم، والناسي يصليها متى ذكرها ، والنائم يصليها متى استيقظ، والمرأة الحامل إن كانت لا تقدر على القيام تصلي جالسة، فإن لم تقدر على الصلاة جالسة تصلي مضطجعة.
وكان عمران بن حصين معه الناسور، نسأل الله لنا ولكم العافية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الصلاة، فقال: {صل قائماً فإن لم تستطع فجالساً، فإن لم تستطع فعلى جنب} رواه أبو داود.
فلا يجوز للمكلف أن يترك الصلاة أبداً، فهذه المرأة إن لم تستطع أن تصلي قائمة تصلي جالسة، فلا يجوز أبداً ترك الصلاة، وترك الصلاة كبيرة من الكبائر، وربنا سمى تاركي الصلاة مجرمين، قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر، قالوا لم نكن من المصلين} فمن صفات المجرمين ترك الصلاة، ولذا بعض الناس لا يقدر أن يعيش في بيته ولا يهنأ به، لأنه يعيش مع مجرمين، فسعادة بعض الناس أن يقضي أوقاته خارج بيته، لأنه في سجن، فلو أن أولاده وأهل بيته عمروا هذا البيت بالصلاة وذكر الله، لوجد هناءة في بيته.
ومن السنة أن يتخذ في البيت مكان للصلاة، وبوب الإمام أبو داود في سننه باب تجمير المساجد التي في البيوت، فمن حق البيت كما أن فيه غرفة للضيوف وغرفة طعام وغيره، أن يكون فيه مكان للذكر والصلاة ولقراءة القرآن فعلينا أن نؤدي هذه الزكاة، زكاة البيت، وهذه الزكاة تزكي البيت، وتجعل فيه الطمأنينة والهناءة ،وفقنا الله لما يحب ويرضى.
السؤال 283: هل لأحد الأبوين أن يلزم ولده بنكاح من يريد؟
الجواب: لا يجوز للأب أن يجبر ابنه على نكاح من يريد، فإذا كانت البنت البكر لا يجوز نكاحها إلا بعد أن تسكت لحيائها، فما بالكم بالشاب الذي يقول بأعلى صوته: لا أريد فلانة، والأب يقول لا أزوجك إلا إياها، فاتق الله أيها لأب هذا أمر لا يجوز لك شرعاً.
ووجدت شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي يستدل على الجواز هذا بكلام بديع، يقول: (ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد وأنه إذا امتنع لا يكون عاماً، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه، كان النكاح كذلك وأولى، فإن أكل المكروه مرة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك).
فلا يجوز للأب أن يجبر ابنه على أن يتزوج امرأة بعينها، لكن له أن يجبره على أن يتزوج امرأة بصفات معينة كأن تكون ذات دين مثلاً، أما فلانة بعينها فلا، والله أعلم..
السؤال 284: أنا مدرس أعمل في إحدى مدارس وكالة الغوث الدولية، الحالة الحادثة كما يلي: يتم اقتطاع مبلغ من الراتب بنسبة 7% من راتب المدرس ويضاف حوالي 14% من إدارة الوكالة تجمع له في رصيدي الخاص، يستلمه في نهاية خدمته وهذا المبلغ أثناء الخدمة يتم تشغيله، في أوجه لا يعلمها المدرس، أهي مشروعة أم لا، خصوصاً أن القائمين عليها مؤسسات دولية يتم إعلام المدرس سنوياً بما حدث في رصيده التوفيري، من ربح أو خسارة، واحتمالية الربح والخسارة واردة بشكل فعلي، وقد حدث ذلك، فالسؤال هل يجوز الانتفاع بهذه الأرباح أم لا؟ وفي حالة الحرمة ما هي أوجه صرف تلك الأموال؟ وهل يجوز أخذ قرض من الوكالة، علماً بأن هذا القرض حسن بلا فوائد لكن يؤخذ مبلغ من الأموال زهيد بدل خدمة من ورق وأدوات قرطاسية وما شابه؟
الجواب: لو قال السائل علماً بأن هذا القرض حسن بلا ربا، لكان أحب إلي فإن الربا لا يجوز أن نسميها فوائد، وإن جاز لنا أن نغير اسمها فلنسميها مضار.
أما جواب السؤال فأقول –وأستعين بالله أولاً- ما يقتطع من راتبك لك، ثانياً ما تضيفه الجهة التي تعمل عندها عملاً حلالاً هو لك، تم تشغيل الأموال هذا الحلال منه لك، والحرام منه ليس لك، بمعنى أنك لا تملك ملكاً شرعياً.
وأما قول السائل بأن المدرسين لا يعلمون كيف تشغل هذه الأموال فليس بصحيح، فقد زارني منذ فترة بعض القائمين على مجلس المعلمين وقد أخبروني بأن النسب يعرفونها، وكل نسبة ربح يعرفون بماذا تعمل، فبعضها تربط مع بنوك على أمد بعيد بربا، وهذه ليست لك، وبعضها يكون من خلال متاجرات معينة وصفقات معينة وهذه لك، والنسب عندهم في كل عام معروفة، والمسألة تحتاج إلى أناة، وتحتاج إلى ورع وتقوى.
والمال الذي ليس للمعلم لا يجوز أن ينتفع به، ولا في معاشه ولا في درء المظلمة عن نفسه، كدفع الضرائب وما شابه ولكن يتصدق به، مع مراعاة قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً}، فالصدقة لا تقبل إلا إن كانت طيبة لكن أرجو أن يكون لهذا المتبرع أجر ناقل الصدقة، وليس أجر الصدقة، فلا يترك هذا المال في البنك، حتى لا يتقوى البنك بأموال المسلمين، والأفضل أن يخرجه في المرافق العامة للمسلمين ،مثل بناء الأدراج أو تعبيد الطرق، أو أشياء مهانة كحمامات المساجد، أو أشياء زائلة غير دائمة، وعموم النفقة جائزة إن شاء الله، فالقاعدة الفقهية عند أهل العلم أن المال الخبيث سبيله الصدقة والخلاصة أنه ما قطع من مرتبة أو أضيف عليه وما شغل بالحلال، وما شغل بالحرام يؤخذ ولا يترك وينفق ولا يستفاد منه، ولا في درء المظلمة.
أما بالنسبة للقرض فلا أرى حرجاً أن تأخذه، بل أنا أشجع على أخذه لأنه يقلل من عملية الربا لاسيما أنه كما وصفه بأنه حسن، وأما ما يدفع من كلفة القرطاسية وما شابه فهذا لا حرج فيه إن شاء الله، وبعد التمحيص والنظر مع السائلين من تلك اللجنة قالوا: إننا احتطنا ما استطعنا في أن تكون النسبة المخصومة بمقدار الكلفة فحسب، فإن زاد فإننا نعيد الأموال هذه إلى من أخذوا القرض فهذا أمر حسن والحمد لله، والله أعلم...
السؤال 285: انطلاقاً من قوله عليه السلام: {فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل}، هل يجوز للخاطب أن ينظر إلى شعر البنت أو رجليها قبل الخطبة؟ وما صحة الأثر المروي عن عمر بن الخطاب أنه نظر إلى ساق إحدى النساء حتى يكون أدعى لخطبتها؟ نرجو التوضيح والتفصيل.
الجواب: مذهب الجماهير الفقهاء المحررين منهم، لا يجوز للخاطب إلا النظر إلى الوجه والكفين، والعلماء يقولون: الوجه هو مكمن الجمال، والكفان بهما يعرف الخاطب هل المخطوبة سمينة أم نحيفة؟
أما قوله صلى الله عليه وسلم: {فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل}، فهذا من غير علمها فكان بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المغيرة بن شعبة يختبئ لمخطوبته، فإن أوقع الله عز وجل في قلب رجل أن يخطب امرأة بعينها، واستطاع من غير أن تعلم أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فلا حرج، لكن دون أن تعلم، أما أن تخرج عليه كاشفة الشعر أو الساقين أو اليدين، فهذا قول ضعيف، مرجوح عند الفقهاء.
وهناك قول ضعيف يستدلون بقصة عمر مع ابنة علي، وهذه القصة ضعيفة، ولم تثبت والقصة تقول إن عمر خطب إلى علي ابنته، أم كلثوم، فذكر له صغرها، فقيل له إن ردك فعاوده، فقال له علي: أبعث بها إليك، فإن رضيت بها فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عمر عن ساقيها، فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لفقأت عينك، وهذه القصة ضعيفة ؛ فيها إرسال وانقطاع، وكان شيخنا يصححها، ثم تراجع عن تصحيحها، وهذا ما تقتضيه قواعد الصنعة الحديثية، وما رام التفصيل فلينظر في السلسلة الضعيفة الجزء الثالث ص 433؛ فالقصة لم تثبت لكن ثبت أن عمر تزوج أم كلثوم ابنة علي، وهذه حبة رمان في أعين الرافضة، فلو كان عمر ليس بمرضي، فكيف علي يزوج ابنته له؟ فهذا أطعن في علي، وقبح الله الرافضة فيتكلمون على أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج ابنة أبي بكر، فهذا أطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ويتكلمون على عمر وعمر تزوج ابنة علي، وبعض الرافضة والعياذ بالله، وهم لا عقول لهم كما قال أبو عبيدة القاسم بن سلام، بعض الرافضة يقول: عمر لم يتزوج أم كلثوم، إنما تزوج جنية على صورة أم كلثوم، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهم أهل كذب وافتراء.
فالخلاصة أن هذه القصة لم تصح ولم تثبت وأنه لا يجوز أبداً للخطيب أن ينظر لمخطوبته إلا إلى الوجه والكفين، ولما أراد بعض أصحاب النبي أن يخطب امرأة من الأنصار، أرشده إلى العين، وقال له: {أنظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً}، يعني من صغر أو حول وما شابه، ثم قال: {إنه أحر أن يؤدم بينكما}، أي أحرى أن تقع الألفة والمحبة بينكما، فورع ولي الأمر في نظر الخاطب إلى ابنته هذا ورع كاذب وبارد ،فليس هذا بورع، ثم يسن أن تنظر المخطوبة إلى خطيبها أيضاً فهذا لا حرج فيه، وأما ما عدا الوجه والكفين فإن استطاع من غير هتك حرمة أن ينظر من غير علمها فلا حرج ، والله أعلم...
السؤال 286: ما هي الكيفية الصحيحة بالتفل والتعوذ في الصلاة من الشيطان كما جاء في الحديث عن الشيطان حنزب؟ فهل عملية التفل بلف الرأس أو بالنظر دون لف الرأس مع وجود من هو بجوارك في صلاة الجماعة؟
الجواب: من وجد شيئاً من همزات الشيطان في قلبه أثناء الصلاة فيسن له أن يلتفت عن يساره وأن يتفل ثلاثاً ويتعوذ بالله ثلاثاً ثم يعود، ولا حرج في ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا كما في صحيح مسلم أن هناك شيطاناً يسمى خنزب يأتي الإنسان في الصلاة يحاول أن يشغله بأشياء عنها.
وكثير من الناس يشكون من عدم الخشوع في الصلاة، ويجدون وساوس الشيطان في قلوبهم في الصلاة، والإنسان الذي يريد الخشوع في الصلاة عليه أن ينتبه إلى أمور:
أولاً: أن يأتي مبكراً للصلاة فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فالذي ينتقل من عمله إلى صلاته مباشرة دون فترة راحة وتبكير إلى الصلاة، يبقى في شغل كحال المروحة إن انقطع عنها التيار الكهربائي تبقى تدور قليلاً بعد انقطاع التيار .
ثانياً أن يكف لسانه ويحفظه ولا يتكلم باللغو فقد قال الله عز وجل: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون}، فمن لم يتكلم إلا حقاً وأكثر السكوت لقن الحكمة، فمن يكثر من اللغو لا يخشع في صلاته.
ثالثاً: أن يعرف الإنسان معنى ما يقرأ فلما تقول "الله أكبر" فتقول ذلك في مشاعرك وحسك، ولو أن المسلمين كبروا الله بجوارحهم وبأعمالهم كما يكبروه بألسنتهم فو الذي نفسي بيده ما بقي حالهم على ما هم عليه الآن، ثم تعرف معنى قولك: "بسم الله الرحمن الرحيم" فوالله من يشرب حراماً ويقول : بسم الله فهو كاذب، والذي يطأ حراماً ويقول بسم الله فهو كاذب، فمعنى قولك باسم الله أي يارب لولا أنك حللت هذا الشراب ما شربت، ولولا أنك حللت هذا الطعام ما أكلت ولولا أنك حللت هذا الوطأ ما وطأت، فمن أكل حراماً ووطئ حراماً وقال باسم الله فهو كاذب، فهو لا يأكل باسم الله ولا يطأ باسم الله.
ثم حتى يجد الإنسان الخشوع في الصلاة لا بد أن يقرأ شيئاً من تفسير الفاتحة، فيعرف معنى الرحمن الرحيم، ولماذا يقول الحمد لله رب العالمين ولا يقول الشكر لله، وكذلك عليه أن يعرف معنى الأذكار التي يقولها.
رابعاً: على المصلي أن يخرج من الروتين أن لا يبقى يقرأ الآيات هي هي، فالناس اليوم يصلون عادة لا عبادة، إلا من رحم الله، فيدخل في الصلاة ويكبر ويقرأ الفاتحة ويقرأ سورة لا يغيرها، ويركع ويقوم ويسجد والأذكار هي هي، لا يتحول عنها ثم يقول: السلام عليكم.... فبعض الناس يذكر كل شيء في صلاته إلا الله، وهذه صلاة لا تنفع من حيث الثمرة بأن تجعل الإنسان وقافاً عند حدود الله، بعيداً عن المنكر، وكثير من الناس الذين يعملون الحرام لو يفقهون صلاتهم لما بقوا على الحرام، الذي هم عليه ،فأن يبقى ملابساً للحرام ومصلياً، هذا من الأشياء العجيبة جداً فالصلاة أصبحت تفعل صورة لا حقيقة فلا روح فيها، ولذا ما أثرت على حياة المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فمن أسباب الخشوع في الصلاة أن تغير الأذكار فدعاء الاستفتاح كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أكثر من دعاء، فغير الصورة، واقرأ من محفوظك الجديد للقرآن وفي الركوع اقرأ أذكار أخرى غير سبحان ربي العظيم، كذلك القيام والسجود فهناك أذكار مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى تخرج الصلاة عن العادة إلى العبادة وأن تبقى رابطاً بين قلبك وعقلك فتقرأ وتتدبر.
وقد قرر العلماء أن أثر تغيير الأذكار على القلب كأثر تغيير الطعام على البدن، فالبدن إن بقي يأكل ألذ المطعومات فمع الاستمرار لا يستلذ بها، وإن كانت لذيذة في نفسها، لذا كثير من الناس يقول: يا شيخ أول ما بدأت أصلي كنت أجد خشوعاً ثم زال هذا الخشوع. فما هو السبب؟ فالسبب أمران : الأول : أن الله ألقى في قلبك حب الصلاة، فوجدت هذه اللذة في قلبك وأنت ما حافظت عليها، والثاني: أن الصلاة عند بدئك بها لم تكن عادة عندك مألوفة، فألفتها على حال معين ،واستمر هذا المألوف عندك، ومع كثرة هذه الألفة زالت لذتها وزال طعمها، فوالله لولا أن الأرض والسماء من المألفوات ما بقي رجل كافراً، فلأنهما من المألفوات زالت الآية وما أصبح الإنسان يستشعر أن الأرض والسماء آية من آيات الله عز وجل الكونية.
خامساً: ألا يأكل إلا حلالاً، حتى يجد الثمرة واستجابة الصلاة والدعاء، فيفهم قوله: سمع الله لمن حمد، ربنا ولك الحمد ، فقررت أن الله يسمع ممن يحمد وقد حمدت فالله يسمع لك، فتخر ساجداً فتسأل والله يسمع ويستجيب.
سادساً: أنت تكون في أذل حال بين يدي الله فينبغي أن تستشعر هذه الذلة ولما سئل الإمام أحمد عن قبض اليمين على اليسار في الصلاة قال (ذل في مقام رفعة)،فأنت ذليل بين يدي الله تقبض يديك، وهذا موطن ذل لا يجوز إلا لله ،فاعرف هذا المعنى وحافظ عليه.
هذه بعض المعاني التي تعين على الخشوع في الصلاة، ويبقى الخشوع هبة من الله عز وجل، فأحياناً الإنسان يكون مشغولاً جداً فيشعر بالخشوع وأحياناً يكون فارغاً جداً ولا يجد الخشوع، فاسأل ربك دائماً أن يرزقك الخشوع في الصلاة.
والخشوع والسكينة التي يتحصل عليها المسلم في صلاته لذة وسعادة وملك، كما قال ابراهيم بن أدهم، وردده العز بن عبد السلام، قال (يعيش العباد في لذة عباداتهم لو يعلمها الملوك لجالدوهم عليها بالسيوف)، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الخشوع في الصلاة وأن يجعل الصلاة قرة أعيننا فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة، فبوقوفك في ركعتين بين يدي الله يزول كل هم وغم، ومن يقدر على هذا إلا من يجد الخشوع، رزقنا الله وإياكم الخشوع.
السؤال 287: لا يوجد مسجد في المنطقة التي أسكن فيها فهل يجوز أن أصلي في البيت؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { من سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له إلا من عذر}، والعلماء يقولون ينبغي أن نحمل الحديث على ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أذن جهوري الصوت في وقت صحو من غير مكبرات الصوت فعلى كل من يسمعه يجب عليه التلبية، إلا المعذور، وما أكثر مساجد المسلمين اليوم، لكن من لم يسمع، فإن لبي بالسيارة فهذا أمر حسن، ومن وقع في شك فهذا أمر يعود للورع والتقوى، فكلما ازداد الورع كلما لبى الإنسان لاسيما أن الخطوات من أسباب رفع الدرجات، فبكل خطوة لمن توضأ وأحسن الوضوء ثم خرج ليقضي فريضة فبكل خطوة ترفع لك درجة وتكتب لك حسنة، ويمحى لك بها خطيئة كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن أيهما أفضل البيت القريب من المسجد أم البيت البعيد عن المسجد؟ بلا شك؛ البيت القريب أفضل، وأيهما أحسن المشي من البيت البعيد عن المسجد أم من البيت القريب؟ المشي من البيت البعيد أفضل، لكن البيت القريب أفضل أفضل؛ فخير البيوت بيته صلى الله عليه وسلم، وجل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كن يسكن في حجرات بجانب مسجده، فالنبي صلى الله عليه وسلم عقد على ثلاثة عشر امرأة ودخل بإحدى عشر امرأة، ومات عن تسع، وتسع من بيوت أزواجه كن بجانب المسجد، وبيتان فقط كانا بعيدين عن مسجده، صلى الله عليه وسلم، فلو كان بعد البيت أفضل، لكان هذا حال أغلب بيوت صلى الله عليه وسلم.
وربنا يقول: {إنا نكتب ما قدموا وأثارهم}، فقد ذكر ربنا أن يكتب كل شيء، وخص الآثار بالذكر، بمنزلته وأهميته. ومعنى قوله عز وجل: {وآثارهم}، الخطوات للمسجد ،ومن فضل الله علينا أن الله يكتب الخطوات في الذهاب والإياب كما ثبت عن أحمد وابن حبان بإسناد صحيح، من حديث عقبة بن عامر، وقصة بني سلمة معروفة لما أرادوا أن يقربوا من المسجد، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: {بنوا سلمة دياركم تكتب أثاركم}، ولذا أورد ابن جرير هذا الحديث، عند تفسير قول الله تعالى: {إنا نكتب ما قدموا وآثارهم}، ففسر الآثار بهذا الحديث،وأحسن تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فربنا خص الآثار بالذكر، لما لها من أجر، ولذا لا يزيد الإنسان في المشي إلى المسجد لكن لا تجب الجماعة إلا في حق من يسمع الآذان في وقت صحو، من مؤذن جهور الصوت، فهذا هو الواجب على كل من يسمع الأذان على هذه الحال، فإن لم يلبي يأثم، ويرتكب حراماً وصلاته صحيحة وتسقط من الذمة على أرجح الأقوال، والله أعلم...
السؤال 288: إذا ضاعت صلاة الجمعة علي، فماذا علي أن أفعل هل أصليها أربع مرات، سراً أم جهراً؟
الجواب: أما أن تصليها سراً أو جهراً أربع مرات، فالصواب ليس في السر ولا في الجهر، ولا في هذا التكرار، من أين جاء الأخ بأربع مرات؟ يصليها أربع ركعات ظهراً، كما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه ،عن أبي شيبة فيصبح حاله كحال من لا تجب الجمعة في حقه، لمرض أو مطر أو خوف أو امرأة فيصلي ظهراً، فمن فاتته الجمعة لعذر يصلي أربع ركعات ظهراً، والله أعلم...
السؤال 289: استعان بي أحد الأخوة لشراء سيارة فذهبت معه واشتريت له السيارة، وكانت نيتي خالصة لله، لكنه كافئني بهدية، واكتشفت فيما بعد عندما سألت أن هذه الهدية ستكلفني مبلغاً كبيراً من المال، لا أقدر عليه، فرددت عليه هديته، بعد مرور وقت، فهل علي حرج في ذلك؟
الجواب: هنا ثلاثة أمور؛ الأمر الأول: من أدب الإسلام قول النبي صلى الله عليه وسلم: {من صنع إليكم معروفاً فكافئوه} فأي رجل صنع لآخر معروف يستحب أن يكافأ وأخذ الهدية لا حرج فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {تهادوا تحابوا}،
والأمر الثاني: لا يجوز لمن يهدي أن يطمع في هدية أكبر منها، هذا أمر غير شرعي، وهذا تفسير قول الله تعالى: {ولا تمنن تستكثر}، أي لا تعطي عطية لغيرك تطلب أكثر منها، فإن أهداك رجل هدية فاقبلها، ولا حرج، لكن أن تظن أن هذه الهدية دين في ذمتك لا ليست هذه الهدية ديناً في ذمتك، فلا يجوز لمن يعطي الهدية أن يعطي بنية أن ترجع إليه بملابسات معينة يعرفها، أن ترجع أكثر منها، ومن الخرافات عند الناس، أن الهدية لا تهدى، هذا خطأ فالهدية تملك ملكاً شرعياً ويجوز لك أن تفعل بها ما تشاء، والأمر الثالث: أن الهدية عند العلماء من عقود الهبات، وليس من عقود المعاوضات، فيجوز للرجل أن يقبل الهدية، ويجوز أن يردها، وتقبل عند بعض أهل العلم بالإثابة، فإن أثيب المهدي فحينئذ لا يجوز له أن يرجع بها، وتقع الإثابة بأي دلالة من الدلالات العرفية، التي فيها القبول، فلو قال المهدي إليه للمهدي جزاك الله خيراً، أصبحت في حلاله ولا يجوز للمهدي أن يرجع فيها، ولو ابتسمت المرأة في وجه زوجها بعد أن أهداها فقد قبلت ولا يجوز للزوج أن يرجع في هديته أبداً، فبالإثابة يملك المهدي الهدية، فالهدية ليست واجبة، ما لم تثب.
ولا يجوز أن يرجع أحد في هديته إلا الوالد لولده ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، إلا الوالد لولده}، قال ابن قين وغيره: فهذا خاص بالوالد غير الوالدة، فالوالد له أن يعود، والوالدة ليس لها أن تعود، فغلب في هذا الحديث اللفظ على المعنى، لأن النبي قد خص الوالد، ولأن له فيه سبهة ملك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أنت ومالك لأبيك}، فإن عاد فهو يأخذ من ملك نفسه، والله تعالى أعلم...
السؤال 290: امرأة نذرت أن تصوم شهرين متتابعين ولم تستطع الصيام التتابعي، فماذا عليها؟
الجواب: أعجب من الناس، وعجبي لا ينتهي يوجبون على أنفسهم نذوراً لا يستطيعونها، فما الذي ألجأكم إلى هذه المضايق وكنتم في سعة من أمركم؟ النذر طاعة يوجبها العبد على نفسه، والمقرر في كتب القواعد أن هناك فروقاً بين النذر واليمين، فاليمين من حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه، فيستحب له أن يتحول عن يمينه ويكفر ،أما النذر فلا يجوز لمن وجد غيره خيراً منه أن يتحول إلى الذي هو خير، ويجب عليه أن يلتزم بالذي نذر، لأنه طاعة.
والنذر المشروط وهذه أغلب نذور الناس، فلا يستخرج إلا من البخيل ويجب على من نذر أن يفي بنذره، ومدح الله قوماً فقال: {يوفون بالنذر}، فيجب على من نذر أن يفي، ولا يجوز لمن نذر واستطاع أن يفي أن يتحول إلى غيره، خلافاً لليمين.
وينتقل الإنسان من النذر إلى كفارة اليمين، عند نذره بمعصية، أو عند نذره بشيء لا يقدر عليه، وقد نذرت امرأة أن تحج حاسرة الرأس، ونذر رجل أن يقف في الشمس ولا يقعد، فأمر صلى الله عليه وسلم الرجل والمرأة بأن يكفرا عن يمينهما وأما من نذر شيئاً يقدر عليه فعليه أن يفي به.
السؤال 291: ما هو حكم أكل القنفذ؟
الجواب: القنفذ حيوان معروف عند العرب، وكانوا يكنونه بأبي شوك؛ ويكنوه أيضاً أبو سفيان، الأنثى منه يطلقون عليها أم دلدل، وللعرب عجب كيف يكنون، وسمونه أيضاً العساعس لأنه لا يخرج إلا بالليل.
والقنفذ يأكل الأفاعي وإن لدغته الأفعى فيأكل الزعتر الأخضر ولا يضره سم الأفعى، فسبحان الله الذي قدر في هذا المخلوق أن يعرف هذه الأشياء، والقنفذ يحب العنب فيقطع قطوف العنب ويسقطها على الأرض، فيأكل حتى يشبع ثم يتمرغ بها، وما يعلق في شوكه منها يحمله إلى ولده، فسبحان الله!
وأصح الأقوال عند أهل العلم في أكله أنه حلال، وهذا مذهب الإمام الشافعي خلافاً لأبي حنيفة وأحمد فقد حرما القنفذ ،والتحريم ورد في حديث في أسانيده مجاهيل، أخرجه أبو داود في سننه بإسناده إلى ابن عمر، أنه سئل عن القنفذ فقرأ ابن عمر، قول الله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير....}، الآية، فقال له شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن القنفذ، {خبيث من الخبائث}، فقال ابن عمر: إن كان قال رسول الله هذا فهو كما قال، وهذا الحديث ضعيف، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا قال الإمام البيهقي وهو شافعي،وهو منصف رحمه الله، قال: لم يرو إلا من وجه واحد، وهو ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، فلم يثبت شيء في تحريم القنفذ.
لكن كيف يذكى القنفذ؟ القنفذ يوضع في الماء، ويسخن الماء قليلاً، فإن شعر بسخونة الماء مد رأسه فيذبح بعد مد رأسه.
ويذكرون عن دم القنفذ ولحم القنفذ أشياء عجيبة، يستخدمها كما يقول الأقدمون السحرة، ففيه خواص عجيبة، يقولون أن السيف إن غمس بدم القنفذ لا يقطع، وهذا على عهدتهم، وأنا لا أقرر إنما أنقل، فلا أريد أن أكون قاتلاً بالتسبب، والله أعلم...
السؤال 292: رجل اشترى من صاحب محل، فدفع المشتري قيمة البضاعة، وبقي للمشتري شيء، لعدم توافر الباقي مع البائع، فهل في هذا شيء؟
الجواب: لا يوجد شيء قطعاً، لكن الذهب والفضة فقط مثلاً بمثل، فإذا اشتريت ذهباً بمئتي دينار ومعك مئة وتسعون ديناراً، فلا يجوز لك أن تبقي عشرة دنانير، فلا يجوز أن يكون الذهب والفضة والنقود محل البيع والشراء بالذمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال عن الذهب والفضة: {يداً بيد مثلاً بمثل}.
أما أن تشتري ديناً من التاجر أو يبقى لك عنده شيء، فتشتري منه قمحاً طحيناً تمراً زبيباً ملحاً، فهذا أمر مجمع على حله ولا شيء فيه، أما الصرف فيكون يداً بيد.
أما الأصناف الستة الواردة في الحديث: {الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، يداً بيد، مثلاً بمثل}، فبعض الطلاب يفهمون منه أنه لا يجوز استدانة البر أو الملح أو بقية الأصناف. فهذا فهم خاطئ، والمقصود أنه لا يجوز أن تأخذ وتدفع بر إلا يداً بيد، خبز جيد مع بر رديء، مثلاً بمثل، وكذلك بقية الأصناف، أما أن تستدين بر أو ملح أو شعير أو غيره، فلا حرج، وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف فيه، وهذا الإجماع ذكره النووي في شرحه على صحيح مسلم عند هذا الحديث ، والله أعلم...
السؤال 293: أحرمت بعمرة واشترطت، وبعد وصولي إلى الحرم وجدت ازدحاماً فلم أطف إلا في اليوم الثاني فهل علي شيء؟
الجواب: الاشتراط في الحج والعمرة حسن ،لاسيما في هذا الزمان، وفقهائنا الأقدمون الذين يجوزون الاشتراط يقولون: الاشتراط جائز عند الحاجة.
والاشتراط معناه أن تقول لما تلبي بالحج أو العمرة: اللهم محلي حيث حبستني، أي: محلي من إحرامي حيث منعتني يا رب من الإتمام، وذلك من مرض مفاجئ أو ما شابه.
والنبي صلى الله عليه وسلم علم أم هانئ لما أحرمت بالحج أن تشترط ،وكانت أم هانئ عمته صلى الله عليه وسلم،كانت امرأة بدينة، فخشي عليها أن لا تقدر بسبب المشقة على إتمام الحج.
واليوم الناس يحجون ويعتمرون بالسيارات، والسيارة معرضة في كل حين إلى حادث، فحسن بمن يركب هذه المركبة أن يشترط بحيث لو حصل حادث، وما استطاع إتمام الحج أو العمرة، فليلبس ملابسه وما عليه شيء.
أما إن لم يشترط فلا يجوز له أن يلبس ملابسه حتى يذبح هدياً، ويرسله إلى الكعبة، وهذا صعب جداً.
والسائل يقول: أحرمت واشترطت ولم أتمكن من الطواف، إلا في اليوم الثاني، فإن بقي على إحرامه فإنه لا يلزم الحاج أو المعتمر أن يطوف أول دخوله مكة، فممكن أن يذهب للفندق ويرتاح وينام، ثم يطوف، فإن بقي هذا السائل على إحرامه ولم يتحلل من الإحرام وهذا الظاهر من السؤال فلا شيء عليه، اشترط أم لم يشترط.
السؤال 294: تجارتي قائمة على البيع بالديون؛ فكلما قبضت الدين قبل أن يحول عليه الحول، قمت بشراء بضاعة خلال فترة قصيرة، وأبيعها، فيرجع المال ديناً في ذمة الآخرين، والمال يزيد، فكيف أخرج زكاة مالي؟
الجواب: الظاهر من سؤال الأخ أن النصاب عنده يبقى طوال العام، لأنه يزداد، والدين إن مضى عليه الحول، وقبضه صاحبه، وكان بجملته قد بلغ النصاب، يزكيه حال قبضه، فمن كان له دين وقبضه بعد عدة سنوات، فإنه يزكيه على أرجح الأقوال مرة، والمال الذي لا يسد لصاحبه فلا زكاة فيه، وإن أراد أن يجعله صاحبه ما لا يزكى كل عام فهذا أمر حسن، لكن ليس بواجب عليه.
وبالنسبة لعروض التجارة، فإن مذهب جماهير أهل العلم وهذا الذي أراه راجحاً أنها تقوم، ويدفع اثنين ونصف بالمئة منها، فإن كانت تجارتك في أشياء تناسب الفقراء كأن تكون في المطعومات أو الملبوسات فتزكي عروض التجارة من جنسها وأما إن كانت لا تصلح فلا بد من قيمتها، وذلك بعد أخذك للدين بعد مضي الحول عليه،وأما المال المكتسب أثناء الحول، فأرجح الأقوال أن له حكم الحول، والله أعلم...
السؤال 295: يقول البعض: الله ما رأوه، بالعقل عرفوه، ويقولون يا ميسر لا تعسر، ما الحكم فيها؟
الجواب: الواجب على العبد أن يكون مؤدباً مع ربه، ولا يجوز له ألا يعرف قدره، وقديماً قالوا: من عرف قدر نفسه عرف قدر ربه، ويعزى هذا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس بحديث، لكن معناه حسن.
والأصل في العبد أن يعرف معنى مناجاته ربه لما يقرأ في الفاتحة قوله تعالى: {الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، فنسب النعمة إليه فقال: {أنعمت}، ولم يقل غير الذين غضبت عليهم وإنما قال: {غير مغضوب}، والمغضوب على وزن مفعول ،وهو في العربية يعمل عمل الفعل المبني للمجهول، فيحتاج نائب فاعل.
والله علمنا بما أخبر عن ابراهيم عليه الصلاة والسلام، أن الشر ينسب إلينا، وأن الخير ينسب إلى ربنا، فقال الله على لسان ابراهيم: {وإذا مرضت فهو يشفين}، فنسب المرض لنفسه، ثم قال {فهو يشفين} وأيضاً هذا من مثل قوله تعالى: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً}.
وكثير من الناس قليل أدب مع ربه فيقول مثلاً؛ يا رب شو عملتلك، فهذه قلة أدب مع الله، والعبد يعلم أن الخير كله فيما قدر الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ،إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له}، فالمؤمن يعلم أنه عبد، وأن الله جل في علاه هو مالكه وهو سيده، ولا يجوز له أن يتعدى عليه، ولا يجوز له أن يخرج عن أدبه.
والناس هذه الأيام في مخاطبتهم، يكون الواحد فاجراً فاسقاً زانٍ كذاب، أو امرأة متبرجة متعطرة زانية، ثم يقال: السيد أو السيدة، والعياذ بالله، عاهرة ويقال عنها سيدة، سيدة ماذا؟! وفي شرعنا السيد هو الإنسان الرفيع، فيحرم في شرعنا أن يقال السيد إلا لمن كان له سيادة من علم أو ولاية أو نسب أو رفعة، فالناس مع البشر يرفعون الوضيع، أما مع الله فلا يتأدبون.
فليس من أدب العبد إن خاطب سيده أن يقول له: لا تعسر، لكن يقول: يارب إن أريد بي شر فارفعه عني، أو يسره لي، فالعبد ينبغي له أن يعرف قدره، ويعرف قدر سيده، ولا ينسب لسيده شيء فيه شر.
أما قولهم: الله ما رأوه، بالعقل عرفوه، فهذه أيضاً فيها قلة أدب، فمعنى هذه أنك تجعل عقلك يعرف ربك، معرفة تفصيلية، وهذا خطاً، فلا يستطيع العبد بعقله أن يعرف ربه المعرفة التامة التي فيها معرفة الأسماء والصفات، فالعقل يدرك أن الله حق فقط، أما صفات الرب عز وجل لا يعرفها العقل، وإنما تعرف من الشرع.
وأسوأ من هذه العبارات قول كثير من الناس على شيء يريد أن يؤكده للمخاطب فيقول: هذا مثل الله واحد، فيجعل الشيء المشكوك فيه والذي يقبل النزاع حقيقة كحقيقة أن الله واحد، وهذا أمر خطأ وليس فيه أدب مع الله عز وجل، والسعيد يتأدب مع الله عز وجل.
ولذا كان أفضل الدعاء أن تعترف بقصورك، وأن تعترف بأن الله عز وجل له نعم عليك، وأنك مقصر، فسيد الاستغفار: {اللهم أنت ربي خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت}، فتعترف فيه بعبوديتك، ثم تعترف بقصورك ثم تتبرأ إلى الله من ذنوبك ،ثم تعترف أن لله نعمة عليك وبعد هذه المقدمات تقول: وأبوء بذنبي؛ أي أنا يا رب ما اجترأت عليك، وإنما عصيت لقصوري وضعفي، فاغفر لي فإن هذا الطلب لا يلجأ به لأحد إلا إليك، فهذه المعاني مهمة ينبغي أن يبقى العبد مستحضراً لها ذاكراً إياها، والله الهادي وهو المسدد والموفق.
السؤال 296: ما هي أرجح الأقوال في الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة؟
الجواب: يوم الجمعة يوم فاضل، وهو سيد الأيام وأفضلها من أيام الأسبوع، وقد تاه عنه من قبلنا، فاختار اليهود السبت، واختار النصارى الأحد، وبقي الجمعة سالماً لنا، لكن أعمال التزكية فيه هي روحه، وقد ابتعد المسلمون عنه، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أتباع المتأخرين سنن من كان قبلهم، ومن باب الاتباع سنن من كان قبلنا ألا نتفرغ يوم الجمعة للطاعة والعبادة ولا إلى ما يحب الله ويرضى.
والجمعة له مزايا وخصائص، ومن مزاياه أن فيه ساعة استجابة، والناظر في كلام أهل العلم في ساعة الاستجابة يجد اختلافاً كثيراً بينهم فيها وفي تحديدها مع القول بأن هذه الساعة موجودة، وليست بمرفوعة وستبقى إلى يوم الدين.
وهذه الساعة تشبه في نظائرها تحديد ليلة القدر وتحديد اسم الله الأعظم، فهذه الأمور الثلاثة لم يقع قطع في تحديدها، وأنا أقول: هذه بمثابة القنابل الموقوتة التي بقيت في نوع فيه خفاء.
لكن أرجح الأقوال في هذه الساعة بعد إثباتها قولان، فثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: {فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله إياه}، وذكر الصلاة هنا من باب التمثيل، فقد يكون في دعاء وقراءة قرآن وذكر.
وتحديدها على القولين، فإما إنها من جلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة وورد في ذلك حديث عند مسلم في صحيحه، فأخرج مسلم بسنده إلى أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة)) قال أبو بردة: قلت نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {هي بين ما يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة}، وهذا الحديث هو من رواية مخرمة بن بكير عن أبيه، وقد أعل بالانقطاع، ولكن مخرمة له عن أبيه كتاب، فهو صحيح وهو وجادة، والوجادة حجة يعمل بها.
والقول الثاني، وهو قول جماهير أهل العلم، أن هذه الساعة في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، فكأن الوقت مستغرق في العبادة وتلاوة القرآن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والذكر، فيكون ذلك بين يدي أن يرفع الإنسان يديه بالدعاء لذا فالذي يريد أن يظفر بهذه الساعة ينبغي أن يكون وقته مملوءاً، وهذا إشارة من قوله صلى الله عليه وسلم: {وهو قائم يصلي}، فهو يوم صلاة وتزكية وعبادة وطاعة.
ويدلل على أنها الساعة الأخيرة ما أخرجه أبو داود في سننه (برقم 1044) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يوم الجمعة ثنتا عشرة –يريد ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أتاه الله عز وجل فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر}، وأخرج سعيد بن منصور في سننه بإسناده إلى أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف قال: {إن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا فتذاكروا في ساعة الجمعة فتفرقوا ولم يختلفوا أنها في آخر ساعة من يوم الجمعة}.
ولا يبعد أن يقال: إن ساعة الجمعة دوارة بين هذين، تارة في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، وتارة تكون من جلوس الإمام حتى تنقضي الصلاة، وفي هذه ذكرى، والمحروم من حرم هذه المواسم، وحرم بركتها وفضلها وخيرها، فكم من إنسان أصابته السعادة في الدنيا قبل الآخرة، بسبب التقصد بالدعاء في وقت فاضل، وكم من إنسان حرم السعادة بسبب غفلته عن هذه المواسم، نسأل الله أن يجعلنا من السعداء وأن يجنبنا الشقاء، وأن يجعلنا من المقبولين عنده إن شاء الله.
السؤال 297: ما هو حكم أكل الأفاعي؟
الجواب: الأفعى حرام عند جماهير أهل العلم، لضررها ولنابها وللسم الذي فيها، وحرم غير واحد من العلماء الترياق الذي يصنع منها، فلحمها حرام تناوله في جميع الصور.
ويعزى الحل لمالك ،والإمام مالك أكثر من توسع في تحليل المطعومات وهذا الحل ليس بثابت عنه، وإن قال به بعض من ينتسب إلى مذهبه.
والراجح في لحوم الأفاعي والحيات أنها حرام وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها، فكانت تقتل وتترك، فلو كانت حلالاً لكان تركها من باب إضاعة المال، وهناك قاعدة عند الشافعية وهي: كل ما يؤمر بقتله فيحرم أكله، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الدابة التي يفعل فيها الفاحشة، فإن كانت مأكولة اللحم فتذبح ولا تؤكل، فهي قاعدة أغلبية ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات في الحل والحرم. وسماهه الفويسقة وقال: ما سالمناهن منذ حاربناهن، فأمر بقتل الأفاعي إلا حيات البيوت، فإنها تنذر ثلاثاً كما ورد في الحديث، وبعضهم حمل ذلك على المدينة فحسب لأنه قال: إنها مسكونة والراجح أنها عامة، إلا ذوات الخطين فهذه تقتل على أي حال؛ لضررها البالغ، والله أعلم..
السؤال 298: هل صح أن علامات الساعة إصابة الناس بالسمنة؟
الجواب: إفاضة المال وكثرته من علامات الساعة، فقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعوف بن مالك الأشجعي، وكان متكئاً تحت قبة من أدم، فقال: يا عوف؛ {أعدد ستاً بين يدي الساعة....}، فذكر الستة وذكر من بينها فقال: {وأن يعطى الرجل مئة دينار ويظل ساخطاً}، أما السمنة فقد ثبت ذكرها في الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم}، قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد القرنين الثالث أم لا، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن بعدكم قوماً يقولون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن}.
فالسمنة من علامات الساعة، وهي في الرجل دلالة على الترفه والتنعم وعدم إعمال للبدن.
وليس كل علامات الساعة حرام، فمن علامات الساعة مانحبه، كفتح بيت المقدس والقسطنطينية، والجامع بين علامات الساعة أنها أشياء لم تكن ولم تعهد في زمن الصحابة، فمنها الشيء المحمود ومنها الشيء المذموم.
ومن اللطائف أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: (ما رأيت في سمين خيراً قط إلا في محمد بن الحسن) فقد كان محمد بن الحسن سميناً وكان فطناً، فالسمن يظهر في آخر الزمان على حال لم يكن معروفاً في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم..
السؤال 299: ما صحة حديث: {ما خاب من استخار، وما ندم من استشار}، فهل هذا حديث، وما حكمه؟
الجواب: هذا الحديث وجدته عند الطبراني في المعجم الصغير، بزيادة في آخره: {ما خاب من استشار، ولا ندم من استخار، وما اقتصد من عال}، وصحابيه أنس بن مالك رضي الله عنه، وفي إسناده عبدالقدوس بن حبيب وهو كذاب، ورواه عنه ابن عبدالسلام وتفرد به عنه، واتهمه ابن حبان بالوضع، فهو حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن المقولة حسنة، وهي حكمة، فالاستخارة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وكذلك المشورة، فأن يستخير الإنسان ويستشير أمر محمود، لكن رفع هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حرام ولا يجوز.
السؤال 300: ما رأيكم في تفسير الكشاف للقرآن الكريم؟
الجواب: الكشاف صاحبه الزمخشري، المتوفى في القرن السادس سنة 538؛ وكتابه من حيث الدقائق اللغوية والنكات البيانية والبلاغية في الذروة.
لكن أقلق العلماء وأزعجهم لمشرب صاحبه العقدي فهو معتزلي جلد، ولذا قال الإمام البلقيني شيخ الحافظ ابن حجر، قال: استخرجت من الكشاف اعتزالاً بالمناقيش، فمثلاً يقول في تفسير الله عز وجل: {ومن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}، يقول: أي فوز أعظم من دخول الجنة، وفي كلامه هذا إشارة إلى نفي الرؤيا، فإنه يوجد فوز أعظم من دخول الجنة، وهو أن يرى المؤمنون ربهم.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله، في كتابه: "مقدمة في أصول التفسير" في أثناء كلامه عن تفاسير المعتزلة: من هؤلاء من يكون حسن العبادة يدس البدع في كلامه دساً، وأكثر الناس لا يعلمون، كصاحب الكشاف ونحوه، حتى إنه يروج على خلق كثير من أهل السنة، كثير من تفاسيرهم الباطلة.
وقال الإمام الذهبي في ترجمة الزمخشري في "ميزان الاعتدال" قال: صالح لكنه داعية إلى الاعتزال، أجارنا الله فكن حذراً من كشافه.
وقال السيوطي في كتابه "التحذير": وممن لا يقبل تفسيره المبتدع خصوصاً الزمخشري في كشافه فقد أكثر فيه من إخراج الآيات عن وجهها إلى معتقده الفاسد بحيث يسرق الإنسان من حيث لا يشعر، وأساء فيه الأدب على سيد المرسلين في مواضع عديدة، فضلاً عن الصحابة وأهل السنة.
ألف كتاباً سماه "الالتفات عن إطراء الكشاف" ذكر فيه أنه عقد التوبة من إطرائه وتاب إلى الله فلا يقرأه ولا ينظر فيه أبداً لما حواه من الإساءة المذكورة.
وقال: قال ابن السبكي: وقد استشارني بعض أهل المدينة النبوية أن يشتري منه نسخة ويحملها إلى المدينة فأشرت عليه بألا يفعل، حياءاً من النبي صلى الله عليه وسلم، أن ينقل إلى بلد هو فيها كتاب فيه ما يتعلق بجنابه، وقال: على أنه آية في بيان أنواع البلاغة والإعجاز، لولا ما شابه من الاعتزال.
فالعلماء اعتنوا بكتابه وعندي مخطوط للسمين الحلبي فيه رد على اعتزاليات الزمخشري في الكشاف، وألف ابن المنير الإسكندراني كتاباً سماه "الإنصاف في بيان اعتزاليات الكشاف" وهو مطبوع بذيله.
وكتاب الكشاف حوى أحاديث موضوعة لاسيما الأحاديث الواردة في فضائل السور، فاعتنى العلماء بتخريجه، وأوسع تخريجات أحاديث الكشاف تخريج الزيلعي، وهو مطبوع في أربع مجلدات، واختصره ابن حجر في "الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف".
فالكشاف فيه عقدتان سيئتان ، الاعتزال والأحاديث الضعيفة والموضوعة، وللعلماء جهود مشكورة في تصويب هذين العيبين، وقد اعتنى باعتزاليته جمع، وللأسف لم يطبع إلا تعقبات ابن المنير، وهنالك عشرات الكتب بينت اعتزاليات الكشاف ما زالت مخطوطات محفوظة في مكتبات العالم.
وممن اعتنى به وهذبه ورتبه وزاد عليه وتعقبه بنفس قوي أبو حيان في "البحر المحيط" فالذي يقرأ"البحر المحيط"يستطيع أن يستخرج مجلدين أو ثلاثة في تعقب الزمخشري، وفي بيان اعتزاليته في الكشاف.
وممن أكثر من النقل منه النسفي في تفسيره، وحذف اعتزاليته، ولكن النسفي أشعري العقيدة، هذا ما عندي بالنسبة للكشاف، والله أعلم ...
__________________
السؤال 301: ما أفضل كتاب تكلم عن الصوفية في هذا العصر، وما رأيك بالصوفية، وخصوصاً أن مالكاً يقول: من تشرع ولم يتصوف فقد تزندق؟
الجواب: أما بالنسبة للمقولة عن مالك فهي كذب صراح، لم ينقلها أحد من تلاميذه، ويذكرها المتأخرون من الصوفية كالشعراني وغيره، وإثباتها عنه دونه خرط القتاد،ولا يوجد نص في ديننا لا من كتاب ربنا ولا من أحاديث نبينا فيه ذكر للصوفية، وديننا فيه تزكية، وينبغي أن نضبط العبارات وقد قالوا قديماً: من ضبط المقدمات سلم في النهايات.
وأما الانشغال بحرمان الروح والسهر والمجاهدة، فهذه موجودة في جميع الأديان، حتى عند البراهمة وعند اليهود يوجد هذا أما ديننا ففيه تزكية، وأشد واجب في شرعنا هو إعطاء كل ذي حق حقه، أن تعطي بدنك حقه على غير حساب الروح، وأن تعطي روحك حقها من غير إهمال جانب البدن، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الأتقياء، وهو أفضلهم وما ابتعد عن الدنيا ونال نصيبه منها، حتى أن عائشة كانت تقول: {كان يقوم حتى نقول لا ينام، وكان ينام حتى نقول: لا يقوم، وكان يفطر حتى نقول لا يصوم، وكان يصوم حتى نقول لا يفطر}، فهذا هو التمام والكمال .
وأما الانعزال عن الدنيا بالكلية وإدخال الحرمان على النفس والمجاهدات البدعية فهذا أمر ما أنزل الله به من سلطان، والذكر ينبغي أن يكون على وفق ما شرع النبي صلى الله عليه وسلم، فكل طريق إلى الجنة مسدود إلا طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وكل طاعة [غير واردة عن نبينا] فهي مردودة على صاحبها ثبت في الصحيح أن عائشة رضي الله عنها، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.
والاصطلاحات مهمة فربنا يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث ليزكي، فتزكية الروح من الأمور التي بعث بها صلى الله عليه وسلم، وأما لفظة التصوف والصوفية فلا يوجد لها ذكر لا في كتاب ربنا ولا في حديث نبينا، والتصوف بمعنى البعد عن الدنيا موجود عند كل الناس، وهي ليست دلالة على الخير، والخير أن تضع الأشياء في أماكنها وكل الخير في هديه صلى الله عليه وسلم.
وقيل إن الصوفية من الصفاء أو أهل الصفة وغير ذلك، وهذا الكلام ليس بمسلم لأصحابه، فالصوفية ظهرت في القرون المتأخرة، ولم تعرف بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والخير كله في الشرع ولا يوجد في الشرع ظاهر وباطن، ولا يوجد أسرار، كما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب سلمان بكلام فارسي، وكان يخاطب بلال بكلام الزنج، هذا كلام باطل ما أنزل الله به من سلطان.
والصوفية راجت سوقها بسبب الجهل ،والصوفية والعلم لا تجتمعان، فمتى علم الناس قال الله ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تنطلي عليهم الأكاذيب.
وفي كتب الصوفية المتأخرين أعاجيب الأكاذيب، وأعاجيب الغرائب، فمن يقرأ كتبهم يستغرب كل الاستغراب، كيف هذا الشيء يكون في دين الله عز وجل، فمثلاً واحد مجذوب على رأيهم يكون ولياً لله، فيخلع ملابسه ويصعد على المنبر ويخطب، ويوجد عند الشاميين تعلق بهذا، فيعتقدون أن من أولياء الله مجاذيب ومجانين، نعوذ بالله من هذا! والإمام الشافعي يقول: ((إن لم يكن العلماء أولياء الله فلا أعلم من هم)).
ويعتقدون أن هنالك حضرات في أذكارهم البدعية، ويسمونها الحضرة، لأنهم يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر هذه الحضرة، ولذا في حضراتهم يكون فيها كرسيان فارغان، واحد للنبي وواحد لشيخ الطريقة، وهذا كذب وافتراء وهراء ما أنزل الله به من سلطان، فلو كان النبي حياً لجاء إلى الصحابة لما اختلفوا، والنبي صلى الله عليه وسلم في حياة برزخية خاصة به في قبره، وعندي كتاب لصوفي مخرف اسمه "أبدع ما كان في إثبات أن محمداً لا يخلو منه زمان ولا مكان" فبالله عليكم إن لم تكن هذه هي الخرافة فما هي الخرافة؟
والدروشة إذا قيل لهم هل فعلها النبي وصحبه؟ قالوا: نحن خضنا بحارً وقفت الأنبياء في ساحله، قبح الله هذه البحار وقاتل الله من خاض فيها، فكل شيء فوق هدي النبي صلى الله عليه وسلم مرفوض مردود ، فديننا دين النبي صلى الله عليه وسلم،ودين صحبه، لا يوجد عندنا أناس عندهم دين أكثر من دين محمد وصحبه، لذا كان سعيد بن المسيب يقول: ((ما لم يعرفه أهل بدر فليس من دين الله في شيء)).
فقولهم: نحن خضنا بحارً وقف الأنبياء بساحله، فيقولون: نحن نذكر ذكراً ليس كذكر محمد، بل نحن نذكر ذكراً أرفع من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم نحن نذكر ذكراً كذكر الملائكة، الذين هم حول العرش، فيقول ابن العربي، سيدهم في كتابه: "الفتوحات المكية" في تفسير قول الله: {وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والأرض} فقال: ابراهيم لما رأى ملكوت السماوات رأى كيف يذكر الملائكة ولم يصل أحد إلى مرتبة ابراهيم إلا عدد قليل من الصوفية، فرأوا ملكوت السماوات والأرض، فهم يذكرون الله كذكر الملائكة، ومع كون هذا كذباً فنحن لسنا متعبدين بعبادة الملائكة، ولكننا متعبدون بما تعبد محمد صلى الله عليه وسلم ربه.
وياليت المسلمين يفهمون معنى قولهم: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" فمعنى قولك أشهد أن لا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله، ومعنى قولك: أشهد أن محمداً رسول الله، أي: لا متبوع بحق إلا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا قال الجنيد رحمه الله: تنكت النكتة في قلبي، فلا أقيم لها وزناً حتى يقوم عليها شاهداً عدل من الكتاب والسنة، فكل ما يقع في القلب وكل ما ينكت في القلب من صغيرة وكبيرة ينبغي عرضها على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما وافقهما فعلى العين والرأس، وكل ما خالفهما فكما قال عامر الشعبي رحمه الله: ضعه في الحش.
ولما قيل للإمام الشافعي: يقول النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فما قولك أنت؟ فغضب وقال: سبحان الله! أتراني خراجاً من كنيسة؟ أترى على وسطي زناراً؟ تقول لي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما قولك أنت؟ ما قولي إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فؤلاء أتوا من الجهل، ولعبت فيهم الشياطين، فالواحد منهم يمكث في الخلوة أياماً طويلة، على ماء قليل ومن غير نوم بسهر وتعب وجوع وتخيلات، فيخيل أن يرى شيئاً، ويرى، فالأطباء يقولون: إن الدماغ مع شدة السهر ومع شدة الجوع يفرز أشياء تجعله يتوهم، كما حصل مع قريش لما توهموا سحب الدخان من شدة الجوع الذي نزل بهم فيقول الواحد منهم: رأيت الله، وعبدت الله، حتى أتاني اليقين، فيجلس الشيخ منهم على الكرسي ويؤذن ولا يصلي، يقال له: صل يا شيخ، فيقول: عبدت الله (فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين)، وجائني اليقين، ثم يقول الواحد منهم: ما أدراك؟ الشيخ يصلي يتوضأ بماء الغيب ويصلي في مكة، وهو من أهل الخطوة، وأنتم لا تعلمون.
الشيخ ذهب إلى مكة صلى ورجع، على العقول السلام، فمن يقول بهذا الكلام ليس بمكلف، فهو مجنون والكلام معه عبث.
وأنا لا أغالي فهذا والله موجود، فأول ما صليت كنت ولداً صغيراً، فذهبت إلى زاوية من هذه الزوايا، وكنت أذهب مع أخي، وكان صوفياً ثم تاب الله عليه، فكنت أرى هذه الأشياء وأنا عمري آنذاك سبع أو ثمان سنوات.
فديننا لا متبوع فيه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما قولهم: سلم نفسك لشيخك كما يسلم الميت نفسه لمغسله على حمالة الأموات، فهذا ليس من ديننا في شيء، فكل شيء يحتاج إلى دليل وبرهان، أما تحسين الظن في المشايخ وإن فعلوا المنكرات فليس هذا من دين الله في شيء.
وفي كتاب "الميزان" للشعراني يقول: بال الشيخ فجاء المريد فشربها ساخنة، أي دين هذا؟! وأن نعتقد في المجانين أنهم أولياء الله عز وجل ،أهذا دين؟ هذا خرافة.
ودخل في ديننا كما دخل في دين اليهود والنصارى من التبديل والتحريف، ولا ننكر هذا، ولكن الله تكفل بحفظ دينه، فالفرق بيننا وبين غيرنا أن الله قال عمن قبلنا من اليهود والنصارى: {بما استحفظوا من كتاب الله} وقال عن كتابنا: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
فكتابنا محفوظ بحفظ الله، وأما كتاب من قبلنا محفوظ إن حفظوه، ولذا وقع تبديل وتحريف في دينهم، وما ظهر الأصيل من الدخيل، ولا الجيد من الرديء، ولا الحسن من القبيح في دينهم، وأما في ديننا فالحمد لله، ستبقى طائفة منصورة إلى يوم الدين، تظهر الصواب من الخطأ، قال الإمام عبدالله بن المبارك: (ما بيت رجل الكذب على رسول الله في ليل إلا قبض الله له في النهار من يكشف كذبه)، فالله حفظ هذا الدين.
فمهما هؤلاء يلعبون، سيظهر زيفهم، وأكثر من أظهر زيفهم في الزمن الماضي، لما راج سوقهم، وظهرت بضاعتهم، شيخ الإسلام ابن تيمية، فكان هؤلاء يضعون على جلودهم أشياء تؤخذ من جلود الضفادع فيدهنون بها أجسامهم ويدخلون النيران، فلا يحترقون، وهم البطائحية الرفاعية، قال ابن تيمية: فمشيت إلى الإمام وبينت له زيفهم، وكان يعتقد بهم الولاية، وقلت له: يغتسلون بالماء الحار، وأغتسل معهم، وتشعل النيران وندخلها، ومن كان ولياً لله فلا تحرقه النار، فأخبرهم فأبوا دخول النار: قال: ولو فعلوا لدخلت النار وإني لأرجو أن أنجو منها كما أنجى الله ابراهيم.
فلما كشف زيفهم ما كان إلا أن يكفروه، وأشهروا كفره، وتواطأ متأخروهم مع متقدميهم على تكفيره، وتكفير شيخ الإسلام وسام له، وممن كشف زيفهم وأزاح اللثام عن باطلهم في العصور المتأخرة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب، ونقول هذا تديناً لا تزلفاً ولا تزلقاً لأحد، فكذبوا عليه وأصبح من يقول: قال الله، قال رسول الله، وينادي بالعقيدة الصحيحة، يقولون عنه وهابي.
وممن حمل مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بلاد الشام ونادى بضرورة تصحيح عقائد المسلمين وكشف ما دخل على الدين من زيغ، شيخنا محمد ناصر الدين الألباني الإمام في هذا العصر، رحمه الله، وكان الشيخ جراء فعله كان ينبز ويقولون عنه وهابي، فكان يقول: الوهابي نسبة إلى الله عز وجل الوهاب فعلى هذا المعنى أقبل، وإلا فأنا متبع النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء إن أردتم أن تعرفوهم فاسألوهم: ما رأيكم بشيخ الإسلام ومحمد بن عبدالوهاب والألباني؟ فهذه علامات فارقة، ولا ذنب لهؤلاء العلماء إلا أنهم قالوا: دين الله كتاب وسنة، فما لم تأت الحجة فلا نقبل هذا من دين الله.
والاصطلاح الشرعي ليس الصوفية، وإنما التزكية،وحسن السمت، قال صلى الله عليه وسلم: {خصلتان لا تجتمعان في منافق، حسن السمت وفقه في الدين}، فلا نعرف في الكتاب والسنة ذكر للصوفية، فإن قيل: التصوف العبادات التي جاء بها الشرع، نقول: لماذا نستعير عبارات من غير الشرع؟ وشرعنا كامل وديننا كامل، والحمد لله.
أما أحسن كتاب عن الصوفية ،فالكتب كثيرة ،وأحسن من قوم الصوفية شيخ الإسلام ابن تيمية، ففي كتبه كشف لألاعيبهم وباطلهم، وقد جمع غير واحد من المعاصرين "شيخ الإسلام والصوفية" وكتب من المعاصرين أخونا الشيخ محمود عبدالرؤوف قاسم كتاباً جيداً أنصح بقرائته اسمه"الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ" ومن محاسن هذاالكتاب أنه ما نقل كلمة واحدة ولا حرف واحد من غير كتبهم، ومن محاسنه ذكر فيه قرابة مئة صفحة بعنوان: إضحك مع الصوفية، وتقرأ فيه عجائب، وما نقل شيئاً إلا من كتبهم وعن أعلامهم، فما نظر للصوفية من منظار غيره، قرأ كتبهم ونقل، وقال: هذه المراجع وهذه الطبعات وانظروا، والذي ينظر في هذا الكتاب يعلم حقيقة الصوفية، ومن هم الصوفية، فكل من يقع في قلب شك في ذلك، فأنصحه بقراءة هذا الكتاب فقد كفى ووفى، والله أعلم..
السؤال 302: ما هو حكم ارتفاع الأصوات في المساجد؟
الجواب: ارتفاع الأصوات في المساجد من الأمور المنكرة في شرعنا، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إياكم وهيشات الأسواق}، ويا للأسف في بيوت الله على إثر الدروس تحصل من قبل طلبة العلم هيشات، وهذا أمر ليس بحسن، وهذا أمر مستنكر، ولبيت الله حرمة فينبغي أن نراعيها.
وثبت في موطأ مالك أن عمر بن الخطاب دخل المسجد فوجد رجلين قد ارتفعت أصواتهما فهم بضربهما بدرته، رضي الله عنه، فلما رآهما غرباء عن المدينة ،سألهما فقالا: من اليمن، فقال: ((لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً)) فضرب المتحدث الذي يرفع صوته في المسجد سنة عمرية.
وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليخبر الناس بتعيين ليلة القدر على وجه فيه جزم ويقين فسمع جلبة في المسجد فأخبر أن الله عز وجل رفع ليلة القدر، والمراد رفع تعيينها على وجه الجزم، وليس كما يقول الرافضة أنها مرفوعة بالكلية، فبسبب الأصوات في المساجد من أسباب عدم تنزل الرحمات، ومن أسباب الحرمان من الخيرات.
فينبغي أن نحافظ على المسجد، وينبغي ألا تشوش فكثير من الناس يصلون الرواتب في المسجد، ولا يصلونها في البيت، وإن كان هذا خلافاً للسنة، لكنه لا يخول لك أن ترفع صوتك وأن تشوش عليه، فهو ترك السنة ولكن أنت لا تفعل الحرام، فلا تشوش على أخيك وإن كان لك كلام، فتكلم خارج المسجد، وحافظ على حرمة المسجد، وفقنا الله وإياكم للخيرات، وجنبنا الشرور والمنكرات، وجعلنا مهديين هداة.
السؤال 303: ما حكم المرأة التي تخرج من بيتها متعطرة؟
الجواب: هو حرام، وتجمع كلمة أهل العلم على حرمته، والدليل على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة}، وقد جاءت أحاديث كثيرة في حرمة التطيب للمرأة للصلاة، فما بالك في تطيبها لغير الصلاة؟
وأخرج الإمام النسائي وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا خرجت المرأة فلتغتسل من الطيب، كما تغتسل من الجنابة}، وفي لفظ: {أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد فلا تقبل لها صلاة حتى تغتسل غسل الجنابة}، فالمرأة التي تخرج متطيبة ليجد الرجال ريحها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {فهي زانية}، وفي الحديث السابق فيه: {فلتغتسل غسل الجنابة}، فكأنه قد زني بها حقيقة، فالمرأة التي تخرج متطيبة لا تقبل لها صلاة حتى تغتسل.
وهناك مشادة وقعت بين الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، مع امرأة متطيبة، أخرج النسائي والبيهقي في سننهما بإسناد صحيح عن عبدالرحمن بن الحارث عن أبي عبيد عن جده، قال: {خرجت مع أبي هريرة من المسجد ضحىً، فلقيتنا امرأة بها من العطر لم أجد بأنفي مثله قط، فقال أبو هريرة: عليك السلام، فقالت: وعليك، فقال لها: أين تريدين؟ قالت: المسجد، قال: ولأي شيء تطيبت بهذا الطيب؟ قالت: للمسجد، فقال: آلله؟ قالت: آلله، قال: آلله؟ قالت: آلله، قال إن حبي أبا القاسم أخبرني أنه لا تقبل لامرأة صلاة تطيبت بطيب لغير زوجها، حتى تغتسل منه غسل الجنابة، فاذهبي فاغتسلي ثم ارجعي فصلي}.
لذا من موجبات الغسل التي يهملها الفقهاء، ولا ينبه إليها كثير من طلبة العلم، المرأة التي تخرج متطيبة، فإن الغسل في حقها واجب، ولا تقبل لها صلاة حتى تغتسل.
فالمرأة التي تخرج للصلاة متطيبة هذا حالها، فما بالكم بالمرأة التي تخرج كاسية عارية متطيبة لتفتن الرجال، فما هو حالها؟ نسأل الله العفو والعافية.
السؤال 304: هلا حدثتنا عن الصبر وأقسامه وفضله؟
الجواب: (الصبر نصف الإيمان)، كما قال ابن مسعود ويعزى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، والصواب أنه من قول ابن مسعود ،ولذا كان يقول بعض السلف: (الإيمان نصفان، نصف صبر ونصف شكر)، وكان يقرأ على إثر ذلك قوله تعالى: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}، وكان عمر بن الخطاب يقول: (خير عيش أدركناه الصبر) والصبر منزلته من الإيمان كمنزلة الرأس من البدن.
والصبر أقسام، خيره وأفضله وأحبه إلى الله الصبر على الطاعة، والمرتبة الثانية الصبر على ترك الشهوة والمعصية، والمرتبة الثالثة الصبر على قدر الله وقضاءه، فخير هذه المراتب المرتبة الأولى، لذا كان الواحد من السلف إذا فعل طاعة يصابر عليها حتى يلقى الله، وكانوا يكرهون التحول والتنقل.
والصبر فيه الخير كله، لقول الله عز وجل: {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}، والخير في الدنيا والآخرة، أما في الآخرة فقول الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، فيوم القيامة يحاسب الجميع إلا الصابرون، وأما في الدنيا فالفلاح مرتبط بالصبر، لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}.
وفي الحقيقة الصبر يكون عند الصدمة الأولى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب}، وهذا عند الصدمة الأولى، فالصابر هو الذي يكبت غضبه، ويحلم على الناس، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني، قال: {لا تغضب}، فاستقل هذه الوصية، فقال: أوصني، قال: {لا تغضب}، ثم كررها ثالثة، فقال له صلى الله عليه وسلم: {لا تغضب، ولك الجنة}.
ومن المعلوم أن أكثر أسقام وأمراض البدن والروح والقلب إنما تنشأ عن عدم الصبر، فما كشفت صحة القلوب والأبدان والأرواح بمثل الصبر، وهل الشجاعة والعفة والكرم والتصدق إلا ثمرة من ثمرات الصبر، فالصبر خلق تنبعث منه أخلاق حميدة كثيرة شهيرة، والإنسان يصبر إن علم قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: {ومن يتصبر يصبره الله}، وحديثه في جامع الترمذي: {من رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط}.
وكان عمر بن الخطاب يقول: ((لئن كان الشكر والصبر بعيرين ما عبئت أيهما أركب}، ويقول: ((خير عيش أدركناه الصبر}، فخير ما يدرك الإنسان أن يصبر على طاعة الله، وخير اللحظات تقتضيها أن تصبر وأن تنزع وتحرر نفسك من حظوظها وشهواتها، وملذاتها من أجل الله، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فأحسن الصدقات أن تتصدق وأنت فقير تحتاج المال.
ومن صبرعن شهوة النساء والنظر إليهن، يجد في نفسه من اللذة، وانشراح القلب، والنور الذي يدخله، ما لا يعلمه إلا الله ،فمن استعف أعفه الله، وما سبب قساوة قلوب الناس اليوم، ووجود الغلظة والحجب على القلوب، وعدم وجود النور الذي ينشرح إليه القلب إلا عدم حفظ الناس لأبصارهم، ولذا كان قول الله تعالى: {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}، بعد آيات غض البصر، فمن حجب نفسه وغض بصره وصابر على الطاعة في سبيل الله، لا بد أن يبقى على خير، ولا بد أن يجد نوراً ولذة وانشراحاً وأخباتاً وطمأنينة في قلبه.
والناس اليوم يظنون أن الصبر فقط أن تترك المعصية، وهذا خطأ، فالأحسن من الصبر على المعصية، أن تصابر نفسك على الطاعة، فالنفس تميل للدعة والراحة، فلا تعطها حظها وافطمها عن ذلك، وإن سلكت مسلكاً فيه شيء يحبه الله، واظب عليه وابق عليه، واصبر وصابر ورابط تفلح بإذن الله.
السؤال 305: رجل توسل لزوجته أن تسمعه، ولا تذهب حتى تسمع كلامه، وكان بينهما جدال، فأعرضت عنه الزوجة، فغضب وقال لها: أنت طالق، طالق، طالق، ثم في اليوم الثاني مات الرجل، فهل على زوجته هذه عدة طلاق، أم عدة وفاة؟
الجواب: المرأة يجب عليها أن تطيع زوجها، ولا يجوز لها أن تخالفه، ولا يجوز لها أن تثوره بحيث يطلقها، فهذه رعونة وقلة عقل، بالإضافة إلى قلة الديانة والتقوى.
لكن كما قالوا، في القواعد الفقهية عند العلماء: المفتي أسير المستفتي، فلا يلزم إن أجاب المفتي عن سؤال، لا يلزم أن يكون المفتي قد أقر ما في السؤال، ويحسن به البيان، ويجيبه بما يريد فقط، لكن لا يلزم أن تستخرج من كلامه دلالات.
والمرأة إن طلقها زوجها، ثم مات عنها، وهي في عدة الطلاق، ولم يرجعها، فهنا يحصل تداخل بين العدتين، عدة الطلاق وعدة الوفاة، وإن كانت العدتان من جنسين فالتدخل هو كلمة الفقهاء، بل حكى ابن المنذر الإجماع على التدخل في هذه الصورة فعدة الطلاق حيضات وعدة الوفاة أشهر، فالعدتان من جنسين مختلفين، ومع هذا في مثل هذه الصورة العلماء مجمعون على تداخل العدد، فالمرأة تعتد عدة واحدة، وتتداخل العدتان، فتفعل الأعلى والأدنى تدخل في الأعلى، كمن يسرق فيجب في حقه قطع اليد، ثم قتل فوجب في حقه القتل، فلا يوجد داعي لأن نقطع يده، ثم نقتله، فقتله يكفي، فالأدنى يدخل في الأعلى.
لذا على هذه المرأة أن تعتد عدة الوفاة، وذلك يكفيها بإجماع أهل العلم، فتعتد أربعة أشهر وعشراً، وهذه العدة تكون للأمرين الطلاق والوفاة، وتبدأ عدتها من يوم الوفاة، لأن العبرة بعدة الوفاة، إلا إن كانت حاملاً فتبقى بعد الأربعة أشهر وعشراً حتى تضع حملها.
السؤال 306: جاء في الحديث: {ثلاثة يدعون الله عز وجل، فلا يستجاب لهم، رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق، فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه....}، هل يفيد هذا الحديث وجوب طلاق المرأة السيئة الخلق، ووجوب كتابة الدين والإشهاد عليه؟
الجواب: نعم؛ فكتابة الدين واجبة ،وهذا مذهب الحنابلة وهو أرجح الأقوال، على خلاف مستفيض في المسألة، وهو ظاهر القرآن، إلا إن وجد الرهن، أو إن كان الشيء قليلاً يتساهل الناس فيه إن لم يقض، وهو ليس من باب الدين، وأرى إلحاق صورة ثالثة، لو أن رجلاً أعطى آخر ديناً، وهو في نيته أن يتصدق عليه إن لم يرجعه ،فما كتب لهذا الملحظ فهذا الأمر واسع.
أما المرأة السيئة الخلق فتطلق، وسوء الخلق له معانٍ كثيرة، الشتم واللعن، والشكوى، وعدم الرضا، وإظهار القبائح والسيئات، وعدم العفو عن الزلات، والتقصير البشري المعتاد وما شابه، وفي قصة ابراهيم عليه السلام، مع زوجة ابنه اسماعيل لما سألها عن حالها، قالت: نحن في أسوأ حال وفي شر حال وشكت منه ،فهذا سوء خلق، فقال ابراهيم عليه السلام: إن جاء اسماعيل فأقرئيه السلام، وأخبريه أن أباك يأمرك أن تغير عتبة بابك، فجاء فأخبرته الخبر، فقال لها اسماعيل: إن أبي يأمرني أن أطلقك، فطلقها.
ويقع بين الأزواج ما وقع بين النبي وأزواجه، واعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه جميعاً في المسجد شهراً كاملاً، وخرج عليهم في اليوم الثلاثين، فلما قيل له: لم تتم الشهر، قال: {الشهر تسع وعشرون}، [فقد يقع مثل هذا]، لكن تكون الحياة في الجملة على وجه فيه خير وتقدير واحترام.
ومن أسباب استقرار حياة الأزواج، أن يحترم الزوج أهل زوجته، وأن تحترم الزوجة أهل زوجها، فلا يذكر الزوج أهل زوجته إلا بخير، وألا تذكر الزوجة أهل زوجها إلا بخير، وأن يحترم الصغير الكبير، وأن يعرف حقه، فتعلم الزوجة أن حماها بمثابة أبيها، ويعلم الزوج أن حماه بمثابة أبيه، فإن وجد هذا فما بعده هين، أما إن غابت هذه الأخلاق ولم يحترم الصغير الكبير، واعتدى عليه، ولم يوقره، فهذا من أهم أسباب الطلاق في هذا الزمان ،والله أعلم.
السؤال 307: امرأة علمت بوفاة زوجها بعد انقضاء عدتها، فماذا عليها؟
الجواب: الواجب المحصور بين حدين إن فات لا يجب بالأمر الأول، وقضاءه لا يجب بالأمر الأول، لذا من قصرت في عدتها فلا تقضي ما قصرت فيه.
وهناك خلاف بين أهل العلم إذا علمت بعد الوفاة فمنهم من اعتبر العدة من حيث بلوغها الخبر، وهذا له وجه، لاسيما في النظر للمعنى، والله أعلم...
السؤال 308: ما هو حكم لعب البلياردو؟
الجواب: الأصل في الرياضات المحمدية أنها توقع الأبدان وتقويها، وتجعل صاحبها يستثمر الأوقات المهدورة في أدائها مقابل فائدة معتبرة، ولذا من الرياضات المحمدية التي مارسها صلى الله عليه وسلم، وشجع عليها السباق، العدو على الأقدام، والعدو على الخيل، والمصارعة، فقد صارع صلى الله عليه وسلم بطلاً عربياً كان يسمى ركانة بنفسه، وأظهر نبوته من خلال صرعه.
وأما الألعاب التي تمارس ولا تعود على صاحبها بما يعين على الجهاد في سبيل الله عز وجل، فهذا الأمر ليس بمحمود.
ولعبة البلياردو هي لعبة أشبه ما تكون بالتسلية، وهي لعبة عرفت في القرن الثالث عشر في أوروبا، وأكثر من مارسها لويس الرابع عشر، وكان يمارسها هذا الملك بعد الغداء، وهذه لعبة تمارس من خلال طاولة فيها ثقوب، وعصا تضرب بها كرات على هذه الطاولة، لتدخل هذه الثقوب، وفق قانون معين، وهذه اللعبة فيها هدر للوقت دون كبير فائدة، وإن كان فيها المشي، فكما يقولون من لعب مئة شوط متتاليات فكأنما مشى ألفي قدم حول الطاولة.
والذي انشرح صدري إليه، من خلال ما أعلم من القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية، أن هذه اللعبة لا تخلو من مكروه، من أجل هدر الوقت من غير كبير فائدة، وعدم وجود نظير لها يشجع عليه الشرع، وغالباً تصطحبها أمور قد تجعلها حراماً، فهي للأسف موطن اجتماع شباب لا يقيمون للدين وزناً، ولا لصلاة الجماعة، بل يهدرون الأوقات ويضيعونها، وأمر آخر أن أغلب صورها التي تمارس في الواقع يصطحبها قمار، والقمار يكون من خلال أن المغلوب هو الذي يدفع.
أما المعاوضات الشرعية في الرياضات فهذا باب واسع ولا بأس من إلمامة سريعة بأصولها،فهذا باب امتحن به بعض الأئمة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، بل سجن ابن القيم من أجل هذه المسألة، وهي مسألة المعاوضة على الفروسية.
والمعاوضة إن كانت من طرف خارج عمن يلعبون، كأن يقول طرف لاثنين: من غلب أجعل له كذا، فهذا حلال، وليس من باب القمار في شيء، وإنما هذا من باب الجعالة.
والجعالة مشروعة ومشروعيتها في القرآن والسنة، وذلك من مثل قوله تعالى في سورة يوسف: {ولمن جاء به حمل بعير}.
وأما إن كانت المغالبة من طرفين الغالب يأخذ والمغلوب يدفع، فهذا هو القمار، سواء كان المدفوع مالاً، أم طعاماً، أم شراباً، قل أو كثر، سواء كان بغيضاً أم حبيباً، أجنبياً أم قريباً، فما يلعبه الناس اليوم في سهراتهم، كالضاما والشدة والنرد، على أن المغلوب يطعم الموجودين أو يسقيهم شيئاً، فهذا المطعوم أو المشروب في دين الله قمار، حرام بذله، حرام أخذه وحرام أكله، بل حرام المشارطة عليه السابقة.
وأما ما يبذل في توقيح الأبدان وفي المراهنة على مسائل علمية من أصول الأديان، من جعل بين الطرفين يأخذه الغالب، ويدفعه المغلوب، فهو جائز، وهذا أقرب إلى ظاهرة الأدلة الشرعية وأرجحها وأسلمها، فقد تراهن أبو بكر مع كفار قريش على من يغلب، الفرس أو الروم، وكان المسلمون يحبون أن يغلب الروم الفرس، لأن الروم أهل كتاب، فتراهن أبو بكر معهم على شيء معلوم، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على هذه المراهنة، وهذه مراهنة على مسائل العلم الكبار.
وأما المراهنة على ما يوقح الأبدان فقد صنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بنفسه مع ركانة لما تحداه، وكان ركانة رجل لا يغلب، ولا يستطيع أحد أن يرميه الأرض، فاستعان النبي صلى الله عليه وسلم بربه وغلبه ثلاثاً، وكان بينهما المراهنة في كل مرة على شاة، فلما أراد ركانة أن يدفع ثلاثة شياة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تجمع عليك خسارتين}، فعفا عنه، وورد عن ابن اسحق وغيره أن ركانة قال: والله لا يقدر على صرعي إلا نبي، فأشهد أنك رسول الله.
وهنا نكتة ولطيفة، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم، آمن به كثير من الناس وكان علاج الإيمان أشياء تخص هؤلاء الناس، فمراعاة حال المخاطب وحاجة المخاطب ونفسيته لا يقوى عليها إلا الموفق، فالأحنف بن قيس كان بخيلاً، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، وكان النبي قد غنم في بعض المعارك من الغنم أشياء كثيرة، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم تعلقه بالمال، أقطعه وادياً من غنم، فاستغرب وقال: والله لا يصلح ذلك إلا نبي، فأشهد أنك رسول الله.
السؤال 309: ما هو حكم إلقاء الألغاز بين طلبة العلم والانشغال بها؟
الجواب: اللغز في اللغة حفرة يصنعها اليربوع أو الفأرة أو الضب، وسمي بذلك لأن هذه الدواب تحفر هذه الحفرة مستقيماً في الأرض إلى أسفل، ثم تعدل إلى يمينه أو شماله فتعمي وتلغز من يبحث عنها في باطن الأرض، فسموا هذا الميل إلى اليمين أو الشمال إلغازاً، فهذا هو أصل اللغة في العربية.
وهنالك ألغاز علمية، وقد كتب ابن فرحون كتاباً في الألغاز الفقيهة في مذهب المالكية، وهنالك مؤلفات في المذاهب المتبوعة في الألغاز، وهنالك ألغاز عليمة عند الأقدمين ولا يخلو منها كتاب من كتب الأدب، فهنالك ألغاز مثلاً في القلم أو الكتاب أو المحبرة وما شابه، فالألغاز باب مطروق قديماً عند العلماء، ومنهم من ألغز بأشعار، ومنهم من ألف في بعض الألغاز كتباً، كما فعل المقريزي في لغز الماء، فله رسالة مطبوعة في ذلك.
والألغاز العلمية ليست بمذمومة بإطلاق، وليست بمحمودة بإطلاق، فطرح الألغاز في مسائل العلم، إذا كان من باب الطرق التي تحفز وتنشط أذهان الطلبة، للوصول إلى الجواب المطلوب، بحيث يستقر في الذهن ولا يزول، فهذا أمر لا حرج فيه، وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب العلم، باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من علم، وأسند (برقم 62) إلى عبد بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المؤمن، حدثوني ما هي؟}، فقال عبدالله بن عمر،وكان صغيراً، فوقع الناس في شجر البوادي فوقع في نفسي أنها النخلة، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هي النخلة. قال ابن حجر في فتح الباري في فوائد هذا الحديث: فيه جواز امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى، مع بيانه لهم إن لم يفهموه، وفيه التحريض على الفهم في العلم، وفيه ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام، وفيه إشارة أن الملغز له ينبغي ألا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز له باباً يدخل منه، بل كلما قربه كان أوقع في نفسه.
أما الألغاز التي يقصد بها التعجيز، والألغاز التي لا ينبني عليها فائدة ولا يكون فيها كبير علم، ولا ينبني عليها علم شرعي، فهذه الألغاز مذمومة، وقد ورد في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأغلوطات.
والحديث فيه ضعف، وقد نهى الأوزاعي عن المسائل التي فيها صعاب العلم, وقد كره السلف الخوض في مسائل العلم التي لم تقع، وهذا الباب الذي فيه شدة إلغاز، ولا ينبني عليه كبير فائدة ليس بمحمود، وممن ذمه الماوردي، رحمه الله، في كتابه "أدب الدنيا والدين" فله كلمة جميلة في ذم الألغاز العلمية التي يراد منها التصعيب، ولا ينبني عليها علم، فقال: ((وأما اللغز فهو تحدي أهل الفراغ، وشغل ذوي البطالة، ليتنافسوا في تباين قرائحهم، ويتفاخروا في سرعة خواطرهم، فيستكدوا خواطر قد منحوا صحتها فيما لا يجدي نفعاً، ولا يفيد علماً، فهم كأهل الصراع الذين قد صرفوا ما منحوه من صحة الأجسام إلى صراع كدود يصرع عقولهم، ويهد أجسامهم، لا يكسبهم حمداً، ولا يجدي عليهم نفعاً، فانظر إلى قول الشاعر:
رجل مات وخلف رجلاً ابن أم ابن أبي أخت أبيه
ما هو أم بني أولاده وأبا أخت بني عم أخيه
أخبرني عن هذين البيتين، وقد روعك صعوبة ما تضمناه من السؤال، إذا استكدك الفكر في استخراجه فعلمت أنه أراد ميتاً خلف أباً وزوجة وعماً، فما الذي أفادك من العلم، ونفى عنك من الجهل؟ ألست بعد علمه تجهل ما كنت جاهلاً من قبله؟ !)) أ.هـ.
فهذه الألغاز التي لا ينبني عليها عمل تتعب الخاطر، وتكده وترهقه، والخاطر والعقل والذهن له قوة، إذا صرفت في مثل هذه الأشياء كان ذلك على حساب أشياء أخر، كحال الذي يلعب الشدة لما يرجع إلى بيته لا يستطيع أن يتابع ولداً، ولا أن يفكر في أمر البيت وإدارة شؤونه، لأن طاقته الذهنية وقوة تفكيره وضعها في مكان، ثم أراد في بيته أن يسترخي ويستريح، فكلما طلب منه رأي أو مشورة كلما نفر وضج وغضب.
لكن الإنسان إذا أعمل فكره وذهنه وجمع خاطره في لغز علمي لمسألة تعود عليه بنفع، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أراد أن يشبه لهم الأمر الذي لا يحس، وإنما هو فكري محض، فيمثله بشيء ملموس لتتقوى الفائدة، فهذا أمر محمود.
أما تضييع الأوقات في حل المسابقات التي تسمى الثقافية ولا تعود على صاحبها بنفع، فهذا أمر ليس بحسن، ولاسيما إن كان مقابل هذا الأمر دفع مال، مثل شراء جريدة أو مجلة فيها كوبون أو ورقة مسايقة تكون كلفتها خمس قروش فيشتريها بنصف دينار يبتغي الجائزة، فهذا الشراء قمار، فإن كانت هذه السلعة قد شريت من أجل الكوبون والجائزة فهذه مقامرة، أما إن كانت تشترى دونها، والكوبون تحصيل حاصل، فلا أرى في هذا قماراً، وأما أن تباع ورقة أسئلة بنصف دينار، ويجمع ثمن هذه الأوراق ويعود شيء من هذا الثمن إلى بعض الناس، فهذا أيضاً قمار، وهذا ما يفعله بعض شباب المساجد، وهذا قمار لا يجوز شرعاً، وهذا الحال كحال أوراق اليانصيب، فأوراق اليانصيب تباع الورقة بدينار مثلاً، يشترك بها مئة ألف مثلاً، فمئة ألف دينار توزع منها خمسين ألف جوائز، وعشرين ألف للباعة، وثلاثين ألف دينار لمن ينظم المسابقة، فالكل يقامر على دينار، والأرقام المذكورة من باب التمثيل لا من باب الدراسة، والله أعلم..
السؤال 310: ما رأيك في العبارات التالية: ((اللهم اجعلنا في مستقر رحمتك)) القول عن المسجد الأقصى: ثالث الحرمين الشريفين، و (الشريعة صالحة لكل زمان ومكان)؟
الجواب: أما القول بأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، فهذا كلام فيه قصور ولا يجوز شرعاً وإن اشتهرت هذه العبارة على ألسنة الوعاظ والمفكرين والخطباء، فالقول [ان الشريعة صالحة لكل زمان ومكان لا ينفي إصلاح الزمان والمكان بغير الشريعة، فالشريعة صالحة وغيرها صالح.
والصواب أن يقال: إن الشريعة مصلحة للزمان والمكان، وأما القول بأن الشريعة صالحة فقد يكون غيرها صالح، فالعبارة قاصرة، ولا تفي بالغرض، ولا تؤدي المقاصد من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، فالصواب أن نقول: الشريعة فقط هي المصلحة لكل زمان ولكل مكان.
ولله سنة وينبغي لدعاة الإصلاح أن يدركوها جيداً، وقد أدركها وانتبه إليها أنبياء الله، فمن سنة الله الكونية التي تتوافق مع سنة الله الشرعية، أن الشر هو الذي يظهر بادئ ذي بدء، وهذا الشر تطرأ عليه عوامل ويجربه الناس حتى يعلموا فساده، كما فعل موسى مع فرعون، لما قال له تلقي أو نلقي، قال موسى: {ألقوا}، فالبدء بالشر خير من البدء بالخير، لأننا لو بدأنا بالخير وجاء الشر ما علمنا قدر الخير، فمن رحمة الله بنا أن يمنع عنا، لأحوال تقتضيها أمورنا وقربنا وبعدنا عن ربنا، أن نحكم شريعته، حتى لما تتحكم الشريعة نعرف الخيرات التي فيها، ونكون قد ذقنا الأمرين والويلات، وضججنا برفع الأصوات والصراخات والآهات قبلها.
وهذا من رحمة الله بنا، وموسى ما ألقى حتى ألقى السحرة، فلما ألقى السحرة أنتفش الباطل، وظهر له شيء من رونق وشيء من لمعان، لكن إن جاء الحق بجانبه سرعان ما يظهر الزيف الذي في الباطل، لذا إن كنت تريد أن تناظر غيرك ويناقشك، فلا تبدأ أنت بإلقاء الحق الذي عندك، وليبدأ هو بإلقاء ما عنده فأنت بعض الأشياء عندك مسلمات تريد أن تبني عليها ويريد أن يناقشك فيها، فتنشغل انشغالاً طويلاً، وتحتاج إلى تأصيل وتقعيد وتخرج عن الموضوع الذي تناقشه، لكن اجعله هو الذي يتكلم، فبعد أن يتكلم تتكلم أنت. فلما يظهر الحق حينئذ يموت الباطل، كما فعل موسى مع السحرة، وهذا منهج الموفق.
ونحن بحكم جهلنا ضاعت دولة الخلافة بسببه، فمفتي روسيا في زمن الدولة العثمانية كان يحرم استخدام الأسلحة النارية ويوجب الاقتصار على استخدام القوس فقط أمام الأسلحة النارية، وذكر هذه الفتوى محمد أنور الكشميري في كتاب الجهاد في شرح صحيح البخاري، المسمى "فيض الباري بشرح صحيح البخاري" فهذا الجهل قطعاً سيضيع الأمة والجهل الذي كان موجوداً في آخر الدولة العثمانية هو الذي ضيع الأمة وأجدها على هذا الحال.
ونحن نقول أن كل خير ينبغي أن يبنى على العلم، وكل خير لم يبن على العلم، فمآله إلى ضياع وتباب وزوال، وعدم البقاء، والعلم هو علم الكتاب والسنة، ولذا أسلافنا وصلوا إلى ما وصلوا إليه لما علموا مراد الله وفهمومه وفهموا الثوابت من المتغيرات، وحتى يهملون اللفظ ويعملون بالمعنى ومتى يغلبون اللفظ، حينئذ قام الدين وانتصر، وينبغي أن نفهم الدين على هذا الحال وعلى هذا النحو.
أما عبارة اللهم اجعلنا في مستقر رحمتك، فعبارة جائزة من وجه، ممنوعة من وجه آخر، ونقول لصاحبها: ماذا تريد بها؟
ومما ينبغي أن يعلم أن الرحمة المضافة إلى الله عز وجل ، كما قرر ابن القيم في "بدائع الفوائد" في موطنين، تنقسم إلى قسمين، إضافة مفعول إلى فاعله، وإضافة صفة إلى الموصوف بها، فإذا أردنا (مستقر رحمتك) إضافة الصفة للموصوف بها، فهذا لا يجوز، لأن مستقر رحمة الله بإضافة الصفة وهي الرحمة إلى الموصوف وهو الله ،يكون مستقر الرحمة ذات الله،فهل يجوز أن يقول الداعي: اللهم اجمعنا في ذاتك؟ فعلى معنى إضافة الصفة لموصوف ممنوعة، وعلى المعنى إضافة المفعول إلى الفاعل،بمعنى أن الرحمة هي ثمرة ونتيجة لفعل، وحينئذ تكون هي الجنة، فعلى هذا المعنى تكون جائزة.
وقد بوب الإمام البخاري في "الأدب المفرد" قال: (كتاب من كره أن يقال: اللهم اجعلني في مستقر رحمتك) وأسند إلى أبي الحارث الكرماني وهو ثقة، قال: (سمعت رجلاً قال لأبي رجاء: أقرأ عليك السلام، وأسأل الله عز وجل أن يجمع بيني وبينك في مستقر رحمته، فقال أبو رجاء: وهل يستطيع أحد ذلك؟ فما مستقر رحمته؟ قال: الجنة، قال لم تصب، قال: فما مستقر رحمته؟ قال: رب العالمين)، فالمستقر ما يقر فيه الشيء، أي يوجد فيه، والصفة إنما تستقر وتوجد في الموصوف، وتعلقها بغيرها من باب إضافة المفعول إلى فاعله، أي آثارها، فإذا كان مراد الداعي الجنة فهذا كلام صحيح، أما بإضافة الموصوف إلى الصفة فهذا ليس بصحيح، هذا هو الراجح، وتفصيل هذه المسألة موجود في "بدائع الفوائد" جـ2 ص183، وجـ4 ص72، وفي "إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين" لمحمد مرتضى الزبيدي في الجزء السابع ص578 كلام حسن في هذا ،وعند ابن علان الشافعي في كتابه "الفتوحات الربانية شرح الأذكار النواوية" جـ7 ص179-181، له كلام بديع مفصل في هذه العبارة.
أما إطلاق ثالث الحرمين الشريفين على الأقصى، فهذا لا يجوز لأن الأقصى ليس بحرم، لكن هل هذا يقلل من أهمية الأقصى؟ معاذ الله.
وحرام في الشرع أن تقول: حرم المسجد، أو نقول: حرم السيدة نفيسة كما في مصر، أو حرم الجامعة، المكان الحرم هو المكان الذي يحرم فيه الصيد ويحرم فيه قطع الشجر، والأقصى ليس بحرم، وهو أولى القبلتين، وأحد المساجد الثلاثة التي لا يجوز شد الرحال إلا إليها، وله أجر خاص وفضيلة خاصة، لكن لا نطلق عليه لفظة الحرم، لأنه يجوز الصيد في ساحاته فهو ليس كحرم مكة والمدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن ابراهيم قد حرم مكة، فإني أحرم المدينة، من عير إلى ثور}، ومكة من صاد فيها فعليه جزاء ما صاد بمثله من النعم، والمدينة من صاد فيها يؤخذ سلبه عنوة، فلا يملك الصيد لمن صاده.
ووجدت كلاماً لابن تيمية في الفتاوي جـ ص14-15، يقول فيه: (والأقصى اسم للمسجد كله، ولا يسمى هو ولا غيره حرماً وإنما الحرم مكة والمدينة خاصة، وفي وادي وج الذي في الطائف نزاع بين العلماء)، والأقصى ليس بحرم باتفاق العلماء ،فلا نقول عنه: ثالث الحرمين الشريفين، والله أعلم..
السؤال 311: هل قاعدة: الثواب على قدر المشقة، صحيحة أم لا؟
الجواب: ليست هذه القاعدة صحيحة باطراد، وهذا مما لا شك فيه، فإن من مقاصد الشرع رفع الحرج عن المكلف، وقال عز وجل: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، وقال: {يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه}، وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه}، وفي رواية صحيحة {إن الله يحب أت تؤتى رخصه كما يحب أن تجتنب معاصيه}.
فليس دائماً الأجر على قدر المشقة، فهناك من الأعمال اليسيرة ماله ثواب عظيم وجزيل وهو سهل ميسور، فأفضل الكلام: لا إله إلا الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم}.
أما المشقة التي لاتنفك عن العبادة فلها أجر أعظم من عبادة أخرى لا يوجد فيها مشقة، أما أن يتقصد الإنسان إدخال المشقة على نفسه فهذا ليس بحسن، فمثلاً صلاة الجماعة المشي إليها من مكان بعيد أحب إلى الله من المشي إليها من مكان قريب، لكن البيت القريب من المسجد أفضل. ولا يجوز أن يتخطى العبد مسجد حيه، ويدخل المشقة على نفسه من غير سبب، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخطي المساجد ،مع أن فيها مشقة ،والأحب إلى الله، أن تصلي في المسجد القريب منك، ولما نذر أبو إسرائيل أن يظل قائماً ولا يستظل ولا يكلم الناس قال النبي صلى الله عليه وسلم: {مروه فليجلس وليستظل وليتكلم}، فهذه مشقة ما أنزل الله به من سلطان، فالقاعدة ليست على إطلاقها.
لكن لو وجدت عندنا طاعة والمشقة لا تنفك عنها فحينئذ الأجر على قدر المشقة، أما طاعة أصل إليها بأريحية دون مشقة، وهناك طريق آخر يوصل إليها به يتنطع وإدخال المشقة على نفسي، فهذا التقصد في إدخال المشقة ليس من دين الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {هلك المتنطعون}، أي المتشددون الذين يدخلون على أنفسهم المشقات، وهم في غنى عنها، والشرع في غنى عنها، والله أعلم..
السؤال 312: ما هي نصيحتكم للعاق أبويه، وهو من طلبة العلم؟
الجواب: لا حول ولا قوة إلا بالله .
طالب العلم ينبغي أن يكون أسوة وقدوة، وينبغي أن يضرب المثال الحسن في علاقته مع سائر الناس، فكيف مع من هم سبب وجوده، وهما الأبوان؟
والعقوق قبيح، ومن العابد أقبح، ومن طالب العلم أقبح وأقبح.
وطالب العلم لا يوفق إلا برضا أبويه، وطالب العلم لماذا يطلب العلم؟ فلو أنك وجدت طريقاً للجنة أقصر من طريق طلب العلم، أتسلكه أم تبتعد عنه؟ تسلكه أليس كذلك؟ فطلب العلم عند الموفق اليوم هو أقرب طريق للجنة، فمجلس طلب العلم له جائزة، وجائزته أن تغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة، وأن يذكر الله تعالى من فيه بأسمائهم وأعيانهم مباهياً بهم الملأ الأعلى، وكفى بهذا فخراً وكفى بهذا أجراً.
والقاعدة التي يعلمها هذا الطالب أن التخلية قبل التحلية، فمن على يده نجاسة لا يضع عليها طيباً، وإنما يضع الطيب بعد أن يزيل النجاسة، فهذا طالب العلم يسلك طلب العلم، من أجل الجنة، ما عمل بهذه القاعدة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يدخل الجنة قاطع}، رواه الشيخان، فأنت تطلب العلم من أجل الجنة، فخلي وابتعد عن الأسباب التي تحول دون دخول الجنة، حتى إن تحليت بطلب العلم دخلتها، فتخلى قبل أن تتخلى.
ثم كيف الإنسان يبقى يستمر في الخيرات والتوفيق، من الله عز وجل في حياته الدنيا، وهو متلبس بأسباب الغضب، غضب الله عز وجل، فالإنسان إن سما وعلا وإن أصبح عالماً وإن أصبح غنياً أو ذا شهادة، وإن أصبح ذا منزلة اجتماعية فينبغي أمام أبويه أن يخفض هذه الأجنحة، وألا يطير بها، وأن يتواضع لأبويه فربنا يقول: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}.
فأمام الوالدين لا شهادة ولا طلب علم ولا ثراء ولا مال وإنما خفض أجنحة وذل، ومن يقرأ ترجمة قتادة بن دعامة التابعي الجليل، يجد كيف كان يتكلم مع أمه بذلة، فيكاد لا يسمع صوته.
فليس بر الأب أن تطعمه أو أن تعطيه مالاً فقط، فقد يقع مع الإطعام والنفقة عقوق، كأن لا تسمع رأيه وتنفر فيه وترفع صوتك على صوته، فالبر أوسع من الإطعام والنفقة، وهذا من محاسن ديننا، وهذا من معايب ومقابح الكفار اليوم، فالأب يكبر ويضعف بدنه ولكنه صاحب تجربة، فالابن المسلم يعمل على رضاه، لا يتحرك إلا بإذنه واستشارته، والأب يضعف ولا يقوى أن يخدم نفسه، والابن لا يسقط له كلمة ولا رأي في الأرض ويحترمه ويعتبره تاجاً على رأسه، ويعبد الله عز وجل بتبجيله وتعظيمه وتوقيره.
أما الكافر لما يكبر أباه يذهب به ويضعه في دار العجزة، ويأت ببدل منه بكلب في بيته، فكفاهم قبحاً هذا، وكفانا فخراً بآبائنا أن نتسابق لرضاهم بأن نخدمهم فيما لا يقدرون عليه، وإن كانت هذه الخدمة تؤذي النفس، لكن يفعلها الإنسان مبتغياً الأجر والثواب من الله عز وجل، لأن بر الوالدين، لاسيما الأم، سبب من أسباب التوفيق.
وتأملوا قول الله عز وجل: {وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً}، فمن مفهوم المخالفة في الآية أن من لم يبر والدته فهو في الدنيا جبار شقي، فلا يوفق لمال ولا لجاه ويصاب بالحرمان والانتكاسات وعدم التوفيق، وهذا أمر مشاهد. وكذلك قوله تعالى: {وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً}، فمن لم يكن باراً بوالديه فهو في الدنيا جبار وعاصي.
إذن بر الأب أولى الناس به طالب العلم، لكي يدفع عن نفسه أن يكون في الدنيا أن يكون جباراً شقياًً.
والإنسان لا يستطيع أن يطلب الخير على غيره، حتى يستقر في بيته، وحتى يعظم أبويه، وحتى يجد من زوجه وأولاده قرة عين له، قال تعالى في الدعاء: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً}، فالإنسان يكون للمتقين إماماً لما يجد قرة عينه في بيته، لما يعيش في طمأنينة وسكون وراحة في بيته، وينعم ويسعد بزوجه وأولاده، والخير الذي عنده يفيض عليهم، بعد ذلك يفيض على غيرهم، فهذه مفاهيم ومعاني ينبغي ألا ننساها.
وقبيح جداً بطالب العلم أن يكون عاقاً، فطالب العلم ينبغي أن يقدم أمر أبويه على كل أمر، وينبغي أن يعبد الله عز وجل بهذا، لاسيما أن هذه أبواب مفتحة للجنة معرضة لأن تغلق في أي وقت، فهنيئاً لمن له أم وهنيئاً لمن له أب.
ومن العقوق الذي يفعله كثير من الناس اليوم، سواء كان آباؤهم أحياءً أم أمواتاً أن ينسى الابن الدعاء لأبويه، فكثير منا لا يدعو لأبويه، وهذا نوع من أنواع العقوق، فإن من باب البر بالأبوين أن تكثر من الدعاء لهما، ولا ينساهما ولاسيما في الأوقات التي يرجى فيها الإجابة، وفي الأحوال والهيئات التي تجد لك فيها حضور قلب وخشوع وقرب زائد من الله عز وجل، نسأل الله عز وجل أن يبعد العقوق عنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا، وأن يجعلنا من البارين.
السؤال 313: هل يجوز أن يلعب أحد لعبة الأتاري وهو في نفس الوقت يسمع لشريط ديني ويخفض صوت جهاز الأتاري وهل هذا من إضاعة الوقت؟
الجواب: لعب الأتاري مضيعة للوقت، وهو شبيه بما قلناه عن البلياردو، واليوم كثرت أسئلة الألعاب، والأمة مليئة بها، وطلبة العلم ينبغي أن يحرصوا على أوقاتهم وطالب العلم إن أهدر وقته كما يهدره الآخرون فنام كما ينامون وتمتع كما يتمتعون، ولعب كما يلعبون، فكيف يبهر الناس ويتفوق عليهم، فهذه الألعاب تدخل تحت الكراهة لهدر الوقت دون تحقق مقصد شرعي معتبر، والله أعلم...
السؤال 314: دخل رجل المسجد، فبدأ بصلاة تحية المسجد، وبعد تكبيرة الإحرام أذن، فهل يكمل صلاته أم يخرج منها؟
الجواب: الأصل فيمن بدأ بطاعة أن يتمها ولا يجوز له أن يخرج عنها أو يبطلها إلا بنص كصيام النافلة فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد وغيره قوله: {الصائم أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر}، أما من انشغل بصلاة ثم أذن فلا يجوز له أن يخرج من صلاته بسبب الآذان.
لكن يستحب لمن دخل المسجد وعلم أنه إن انشغل بتحية المسجد فإنه يفوته سنة الترداد مع المؤذن، يستحب له أن ينتظر ولا يجلس ويبقى واقفاً حتى يؤذن المؤذن ويرد معه، ثم بعد الترداد ينشغل بتحية المسجد، وممن نصص على ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح.
لكن لو أن هذا الداخل ما انتبه، وبدأ بتحية المسجد ثم سمع الأذان بعد تكبيرة الإحرام، فلا يشرع له أبداً أن يخرج من صلاته، وليبق في الصلاة، وهناك رواية عن أحمد: يتمم صلاته ويردد مع المؤذن، ولا أرى هذا، ولكن يتمم الصلاة على ما هي عليه، وفاتته سنة الترداد مع المؤذن.
والجمع بين الطاعات ما استطاع المكلف أن يفعل فهذا حسن، وإلا إن تلبس بطاعة فما ينبغي أن يخرج منها.
وهنا تنبيه لمن دخل والمؤذن يؤذن، والإمام على المنبر، فبعض الناس ينشغلون بالترداد مع المؤذن، ولما يشرع الخطيب في الخطبة يبدأون بتحية المسجد، وهذا خطأ، لأن الاستماع للخطبة على أرجح الأقوال وعلى ظاهر الأدلة والنصوص أنه واجب. والترداد مع الأذان سنة على قول الجماهير، وقد ثبت في مصنف ابن أبي شيبة أن الصحابة كانوا يتكلمون والمؤذن يؤذن. فالأصل أن ينشغل هذا الداخل بتحية المسجد وإن كان المؤذن يؤذن حتى يتمكن من الاستماع إلى خطبة الجمعة ،والله أعلم ...
السؤال 315: ما هو حكم العمليات الانتحارية؟
الجواب: العمليات الانتحارية إن كان هكذا اسمها، وكان اسمها يناسب حقيقتها، فهي ليست بمشروعة، فالعمليات الانتحارية والعمليات الاستشهادية ألفاظ غير موجودة في كتب فقهائنا وعلمائنا.
والسؤال يحتاج إلى صياغة شرعية، ما ينبغي أن يكون الجواب في السؤال، فإن كان الجواب في السؤال فلا داعي له أصلاً، فإن قيل ما هو حكم العمليات الانتحارية؟ فالانتحار حرام، وإن قيل ما هو الحكم في العمليات الاستشهادية؟ فالاستشهاد من الطاعات التي يحبها الله ويرضاها، فكان الجواب في السؤال، فما ينبغي أن يكون الجواب في السؤال.
ولو سأل السائل: ما حكم أن يهجم الرجل على الأعداء، والموت محقق في حقه إثر هذا الهجوم فهل هذا عمل مشروع أم ممنوع؟ لكان هذا السؤال علمياً بهذه الطريقة، أما لو قيل: ما حكم أن يحمل الرجل المتفجرات وأن يكون بين الأعداء وأن يفجر نفسه بهم، لا يريد الخلاص بنفسه، وإنما يريد إلحاق الضرر بأعداء الله عز وجل؟ لكان هذا السؤال مشروعاً، فينبغي أن نصوب السؤال قبل البدء به.
ثم ما يجوز لأحد، لاسيما العوام، وطلبة العلم المبتدئين، ما يجوز لهم بأي حال من الأحوال أن يتعدوا طورهم، وألا يعرفوا قدر أنفسهم، فينبغي أن يحترموا العلماء، ولا يجوز لهم أبداً التطاول على الفقهاء إن أفتوا بأي مسألة كانت، وذلك بشروط؛ أولاً: ألا يصادموا نصاً، والثاني: أن يكون أهلاً، وأهل العلم يحترمونهم ويعرفون قدرهم، ثالثاً: أن يعملوا بفتواهم بالقواعد المتبعة عند العلماء. فعندها الكلام الذي يقولوه إن أصابوا فيه فلهم أجران، وإن أخطأوا فيه فلهم أجر، وهم أمام الله عز وجل معذورون.
أما فرد العضلات، وتطويل الألسنة على الفقهاء والعلماء فهذا صنيع غير الموفقين، وصنيع المخذولين المحرومين، فالعلماء لهم قواعد متبعة، وهم في قواعدهم محترمون، ولا يجوز أن يتعدى عليهم، فمثلاً: من القواعد المتبعة عند الحنفية وعند المالكية أن من سيطر على شيء بالقوة فيكون مالكاً له ملكاً شرعياً، فإن جاء آخر فنزعه منه وثبت أنه نزعه منه بشروط السرقة مثلاً، وهذا الذي سرق لم يأخذ ماله وإنما أخذ مال غيره، فإنه يفتون بقطع اليد، فهل يجوز لأحد اليوم أن يحط وأن يقدح ويشتم ويلعن المالكية والحنفية لأنهم يقولون أنه من استولى على شيء قهراً فإنه يملكه؟ معاذ الله، لا يفعل ذلك إلا مخذول.
فهذه المسائل تطرح وتذكر على بساط البحث مقيدة بنصوص الشرع، وبالقواعد المتبعة، أو باجتهادات العلماء السابقين، أو بأشباه المسألة ونظائرها في دين الله عز وجل، ويحاول الباحث قدر جهده أن يصل إلى حكم الله عز وجل بالاجتهاد، والأمر بين صواب وخطأ.
وهذه المسألة بهذه الحروف وبهذه العبارات غير موجودة عند علمائنا الأقدمين، ولكن الموجود عند علمائنا اجتهادات في مسائل شبيهة بهذه المسألة وقد اعتمد العلماء على نصوص شرعية.
وأقول رأيي في هذه العمليات قبل أن أذكر بعض النصوص وذكر بعض الاجتهادات والنقولات عن العلماء.
فالذي أراه صواباً في هذه المسألة، بعد استخارة الله عز وجل وطول تأمل، وقد سئلت عبر الأوراق في هذا الدرس عشرات المرات عن هذه المسألة، فالذي أراه أن هذه العمليات مشروعة بقيود وشروط، وأن مرتكبيها أمرهم إلى الله عز وجل، نحسبهم أنهم قد أخلصوا الصلة بالله وأحكموها، وأخلصوا لله قبل القدوم على هذه العمليات، فنرجو الله عز وجل أن يتقبلهم، وهذا الرأي الذي أقوله هو رأي إمام هذا العصر الشيخ محمد ناصرالدين الألباني، فإنه كان يجيز هذه العمليات بقيود وشروط يأتي التنبيه عليها.
أما أن يقوم الرجل ويهجم على غيره بموت متحقق عنده لكي يصيب مقتلاً، أو يحصل ضرراً بالأعداء، فهذا جائز بنصوص السنة، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث صهيب بن سنان رضي الله عنه، في قصة الغلام مع الساحر، والقصة الطويلة، وأراد الملك أن يقتل الغلام فما استطاع، فعلم الغلام الملك كيف يقتله؟ وقال له: ((إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني)) ففعل الملك ذلك، فقال الناس: آمنا برب الغلام، وكان مقصد هذا الغلام أن يسمع الناس هذا الكلام من الملك فيؤمنوا به بعد قتله، ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((إن الغلام أمر بقتل نفسه من أجل مصلحة ظهور الدين، ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار، وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه، إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين)) (الفتاوي 28/540).
وهناك نصوص وردت عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تأذن وتدلل وتقوي هذا الأمر، فقد أخرج أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بإسناد صحيح عم أسلم بن عمران قال: ((حمل رجل بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب رضي الله عنه: ((نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدنا معه المشاهد، ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار،فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه ونصره حتى فشا الإسلام، وكثر أهله ،وكنا قد آثرناه على أهلينا والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها فنرجع إلى أهلينا وأموالنا، فنقيم فيهما، فنزل فينا قول الله تعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد في سبيل الله عز وجل.
فالذي قد حمل بنفسه، وقد قيل فيه إنه ألقى بنفسه إلى التهكلة، فقد رد ذلك أبو أيوب الأنصاري،وقال: إن التهلكة أن نترك الجهاد وأن ننشغل في الأموال والأولاد، فهذه هي التهلكة، وإننا إن فعلنا ذلك فإننا نلقي بأيدينا إلى التهلكة، بأن نطمع أعداء الله عز وجل في أموالنا وأراضينا وأعراضنا وأنفسنا.
وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8/34) وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدد، فصرخ الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته وكان لظنه أنه يرهب العدو بذلك، أو يجرئ المسلمين عليهم، أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة ،فهو حسن، ومتى كان مجرد التهور فممنوع، وقال ابن خريز منداد، وهو من علماء المالكية، كما في تفسير القرطبي (2/363) قال: (فأما أن يحمل الرجل على جملة العسكر أو على جماعة اللصوص والمارقين والخوراج فلذلك حالتان، إن غلب على ظنه أنه يقتل من حمل عليه وينجو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكي نكاية ويؤثر أثراً ينتفع به المسلمون فجائز أيضاً، وقد بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل فصنع فيلاً من طين، وآنس به فرسه حتى ألفه فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل فحمل على الفيلة التي كان يتقدمها، فقيل له: إنه قاتلك، فقال: لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين.
وكذلك يوم اليمامة لما تحصنت بنو حنيفة في الحديقة، قال البراء بن مالك: ضعوني في الترس وألقوني إليهم، ففعلوا وألقوه وفتح الباب ودخل المسلمون، وقتل رضي الله تعالى عنه، فهجم على العدو وحده، وكان الموت متحققاً عنده، وهذا لا حرج فيه إن شاء الله.
وقال محمد بن الحسن الشيباني، كما في تفسير القرطبي أيضأً: (لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه، لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة المسلمين، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يعد جوازه، ولأن فيه منفعة للمسليمن من بعض الوجوه، وإن كان قصده إرهاب العدو، وليعلم صلابة السلمين في الدين فلا يبعد جوازه، وإذا كان في نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله، وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}.
إذن في هذه النقول، وقبلها النصوص من فعل الصحابة ومما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جواز أن يحمل الرجل الواحد على العدو، وإن تحقق موته إن ترتب على ذلك منفعة معتبرة للمسلمين، وأما إن لم تتحقق المنفعة للمسلمين فهذا تهور ولا يجوز.
والجهاد قسمان؛ جهاد طلب وجهاد دفع ،وجهاد الطلب لا بد فيه من إمام ومن أمير حتى يحصل ترتيب للجهاد، أما في الدفع فلا يحتاج إلى إذن الإمام.
وإن كان الجهاد جهاد دفع وقام البعض بذلك، فكان شيخنا رحمه الله تعالى، يشترط المشورة، وألا يكون ذلك على وفق أن يركب الرجل رأسه، وإنما ينبغي أن يكون ذلك وفق خطة، وهذه الخطة لا بد فيها من مشورة وتخطيط، أما أن يقوم كل على وفق رأسه في جهاد الدفع، فلا.
ثم لا بد أن يترتب على ذلك مصالح معتبرة، وازدحام المصالح والمفاسد في المحل الواحد هذا الأمر يسبب الخلاف في كثير من المسائل الفقهية التي اختلف فيها العلماء اختلافاً معتبراً، فهذه المسألة تختلف المصالح والمفاسد فيها، باختلاف وجهات النظر، فمن غلب المفاسد فمنعها فلا يقال عنه خائن، ولا يقال عميل، فالمصالح والمفاسد أمرها شائك في هذا الأمر.
وعلى طلبة العلم أن يحفظوا هذه القاعدة التي قررها الشاطبي رحمه الله تعالى، في كتابه الموافقات (جـ5/114) وهي قاعدة مهمة ينتبه إليها الموفق، قال: ((محال الاجتهاد المعتبر هي ما تردد بين طرفين وضح في كل واحد منهما قصد الشارع في الإثبات في أحدهما والنفي في الآخر، فلم تنصرف البتة إلى طرف النفي، ولا إلى طرف الإثبات))، فالعمل لم يظهر فيه نفي ولا إثبات فيظهر فيه خير وشر، ومنفعة ومضرة، فلما تزدحم فهذا الازدحام من مجال الاجتهاد المعتبر.
وهذه العمليات نرجو الله عز وجل أن يتقبل أصحابها ولا يجوز لأحد أن يحكم عليهم بخسران أو بضلال ،هذا خطأ، ولا يجوز أيضاً لأحد أن يجزم لهم الجنة، إنما نقول: المرجو من الله عز وجل أن يتقبلهم، وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد والسير باب رقم 77 قال: ((باب لا يقال فلان شهيد، فيحرم على الواحد منا أن يجزم بالشهادة لأي كان)) وقد ألف يوسف بن عبدالهادي المعروف بابن المبرد كتاباً ما زا ل محفوظاً في المكتبة الظاهرية وهذا الكتاب عنوانه "حرمة الجزم للأئمة الأربعة بأن لهم الجنة" فلا يجوز للواحد منا أن يقول عن أحد الأئمة الأربعة أنه في الجنة كأبي بكر وعمر والعشرة المبشرين بالجنة، لكن لا يلزم من هذا أن نقول إنهم هالكون معاذ الله، هم أئمة الدين وأهل الورع والتقى، والواجب علينا أن نقول: الظنون والمرجو من الله عز وجل أنهم من أهل الجنة، لكن لا يجوز أن نجزم لأحد لم يقم نص عليه بعينه أنه من أهل الجنة.
وقد قص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة فيها عبرة لمن يعتبر: ((قال رجل لآخر: إن الله عز وجل لم يقبل عملك، فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي: {قل له إن الله قد قبل عمله وأحبط عملك}، فلا يجوز لأحد أن يقول: الله يقبل من فلان، ويرد عمل فلان، لكن هل يوجد شجاعة وجود أكثر من أن يجود الرجل بنفسه؟ لا والله لا نعلم جوداً أكثر من هذا، فالمرجو من الله عز وجل أن من قام بهذا أن يتقبله الله، وبعد ذلك ومع ذلك وقبل ذلك الأمر بيد الله، والله عز وجل هو اعدل العادلين.
ثم من المسائل التي ينبغي أن ينبه عليها في هذا الباب أولاً: أن العاقل ينظر إلى مراعاة الخلاف في المسائل، فمراعاة الخلاف من منهج الموفقين، وأن نهدر الخلاف ولا ننظر إليه في المسائل، فليس هذا من دين الله عز وجل في شيء، فمثلاً: الحنفية يجوزون للمرأة أن تزوج نفسها بنفسها، والجماهير يحرمون ذلك، ويعتبرون من فعلت ذلك فقد زنت، فلو أن امرأة حنفية دينة صينة عفيفة زوجت نفسها بنفسها، فهل يجوز لأحد أن يقول عنها زانية؟ أم أن خلاف العلماء لا بد من اعتباره؟ فلا بد من مراعاة اختلاف العلماء، فإنه من مناهج الموفقين ،فمن أفتى بمسألة بأصل قام عنده فهذا ينبغي أن يحترم أصله، ويقال له: إما مصيب وإما مخطئ ،أما تطويل اللسان على العلماء فهذا والعياذ بالله تعالى من قلة التوفيق، وقلة الديانة، ولا يفعل ذلك إلا من طاش عقله وفق رأيه.
فالمسائل العلمية تطرح ويقال فيها صواب وخطأ، وبعد ذلك الله عز وجل أعدل العادلين، وكلام البشر مهما كانوا لا يغير حقائق الأشياء عند الله عز وجل.
ثانياً: قد يقول قائل: النصوص التي ذكرت في حديث صهيب وفي قصة أبي أيوب وفي قصة البراء وغيره، هذا كله وقع فيه القتل بيد الآخرين، وليس بيد المكلف نفسه، فاختلفت هذه المسألة عمن يقتل نفسه، فأقول: الفرق معتبر، ولذا أقول لمن خالف الذي ذكرت في مثل هذه المسألة الخلاف معتبر، وهذه المسألة تتذبذب بين أصلين، أصل الاستشهاد والإقدام وإعمال النكايا في العدو، ورفع همة المسلمين، وبين أصل الحرمة أن يقتل الرجل نفسه، ولمسألة إن تذبذبت بين أصلين، كما قال الشاطبي من مجال الاجتهاد المعتبر.
لكن هذا لا ينافي ما قررت، من جواز أن يهجم الرجل بنفسه، وأن يقتل العدو ويكون هذا القتل بيده لا بيد عدوه، وهنالك نظائر لهذه المسألة وهذه النظائر ينبغي أن يقدم لها مقدمة.
فأيهما أشد؛ أن تقتل المسلم، أو أن تقتل نفسك فلو خيرت بين أن تقتل غيرك أو تقتل نفسك، فأيهما أشد؟ بلا شك أن تقتل مسلماً أشد من أن تقتل نفسك، وقد علمنا من أحكام الفقهاء رحمهم الله تعالى، لو أن الكفار تترسوا بالمسلمين فإنه يجوز لنا أن نقتل المسلم، من أجل المصلحة المعتبرة، لقتل الكفار.
فكانت نظائر المسألة في مثل هذه العمليات تأذن بالجواز، ولا تأذن بالمنع، لأن قتل النفس أقل درجة في المحذور من قتل الغير، وقد جوز الشرع قتل الغير في حالة تترس الكفار بالمسلمين، فأن يجوز أن يقتل الرجل نفسه في مثل هذه الصورة إن أعمل نكاية معتبرة عند العدو، فهذا أمر لا حرج فيه، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى 28/537) قال: ((فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بالمسلمين، وضيق على المسلمين إذا لم يقاتلوا فإنه يجوز أن نرميهم، ونقصد الكفار، ولو لم نخوف على المسلمين جاز رمي أولئك المسلمين أيضاً في أحد قولي العلماء)).
وأخيراً أقول في مثل هذه المسألة: في هذه العمليات لو أردنا أن نتكلم عليها مجردة عما يجري على ساحة المسلمين اليوم لقلنا الآتي: إذا أردنا أن نتكلم عن العمليات بعبارات أهلها، فهذه العمليات العسكريون هم الذين يحددون فوائدها ومضارها، فهم أهل الاختصاص وأهل الخبرة، وهذه العمليات تسمى في علم العسكرية عمليات وخز الدبوس، فإنت إن حملت دبوساً، وضربت غيرك به، فمن المعلوم عند العقلاء أن هذا الدبوس لا يقتل، أليس كذلك؟ وإنما هذا الدبوس يثور الأعصاب ،ويجعل هذا الإنسان يتخذ قرارات سريعة غير مدروسة لهيجانه وثوران أعصابه.
ولذا من المقرر عند العسكريين أن مثل هذه العمليات ثمارها تجنى على وجه العجلة، لما يكون هناك جيش يقابل جيشاً، فحينئذ هذه العمليات ترفع من معنويات، وتخفض من معنويات، وتثور الأعداء، وتجعلهم يتخذون قرارات سريعة، تكون هذه القرارت بحسبان الفريق المقابل.
ومن المعلوم ومن البدهيات والمسلمات والمؤكدات والمقررات أن المسلمين جميعاً على وجه الأرض اليوم آثمون بسبب ما يحصل لإخوانهم في فلسطين، من هتك أعراض وقتل أنفس، فالمسلمون آثمون بالجملة، فمن قام واجتهد وغلب على ظنه أن مثل هذه العمليات تخفف من وطأة هؤلاء الأعداء أو أنها تقل من الضرر اللاحق بهم فهذه شجاعة ما بعدها شجاعة، نرجو الله عز وجل أن يتقبل أصحابها.
وما ينقل عن شيخنا رحمه الله من أنه كان يقول عن هؤلاء (فطايس) وما شابه، فهذا كذب ملفق عليه، ونتحدى أحداً يأتي بخبر عنه، كان الشيخ رحمه الله يقول: لكل سرائرهم ونواياهم إلى الله، ونرجو الله أن يتقبلهم. وكيف يقول هذا وهو بنفسه رحمه الله تعالى، في 1948م لما حصل القتال مع اليهود خرج بنفسه إلى فلسطين من سوريا يحمل السلاح، ليقاتل في سبيل الله على أرض فلسطين ولكن الشيخ له حساد، وكلام حساده يشيع وينتشر، وتضيع الحقائق ولا تظهر.
وأقول من باب الإنصاف ومن باب العدل والحق، ووضع الأشياء في أماكنها هذا الرأي هو رأي الشيخ، وهو الذي أراه تدل عليه سائر النصوص، ونظائر المسألة وأشباهها، والله أعلم.
السؤال 316: ما هي السنة في إنزال الميت القبر؟
الجواب: هنالك مجموعة من السنن في إدخال الميت القبر، السنة الأولى: ينبغي أن يتولى إنزال الميت القبر ذووه من الرجال دون النساء، حتى لو كانت المتوفاة امرأة، فينبغي أن يعمل على إنزالها الرجال دون النساء، لأن هذا هو الأمر المعهود في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ولأن الرجال أقوى، ولأنه يترتب على إدخال النساء الميت القبر، تكشف عورات، وأولياء الأمر مقدمون على غيرهم، وقد صح أن الذي تولى دفن النبي صلى الله عليه وسلم وإنزاله في قبره علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقبه سفران، وهؤلاء من ذويه، ولما فرغوا قال علي رضي الله عنه: ((إنما يلي الرجل أهله)).
ويجوز للرجل أن يتولى بنفسه تغسيل زوجته وإنزالها القبر، واعتقاد العوام أنه لا يجوز للزوج أن يغسل زوجته ولا أن يمسها، وأنه إن فعل ذلك ينقض غسلها فهذه خرافات ما أنزل الله بها من سلطان، فقد كانت تقول عائشة: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ازواجه)) وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه المرض، فقلت: وارأساه، فقال صلى الله عليه وسلم: {وددت أن ذلك كان وأنا حي، (أي وددت لو أنك يشتد عليك المرض وتموتين وأنا حي) فهيأتك ودفنتك}، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يتمنى إلا الشيء المشروع، فقالت: ((فقلت: غيرى (أي من غيرتي) كأني بك في ذلك اليوم عروساً ببعض نساءك)) فقال صلى الله عليه وسلم: {أنا وارأساه}.
ثم مشروط لمن يتولى دفن الميت وإنزاله القبر أن يكون لم يقارف ولم يجامع أهله في تلك الليلة، لما ثبت في صحيح الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان، ثم قال صلى الله عليه وسلم: {هل منكم من رجل لم يقارف أهله تلك الليلة}، فقال أبو طلحة: نعم أنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: {إنزل}، قال: فنزلت في قبرها وقبرتها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل على إنزال ابنته والظاهر أن ذلك كان لعلة، فقد قال للناس: {هل منكم من رجل لم يقارف أهله تلك الليلة}.
ثم ينبغي أن نعمل على إدخال الميت القبر من مؤخرة القبر، من جهة الرجلين، فقد أخرج أحمد وابن شيبة بسند صحيح عن ابن سيرين قال: ( كنت مع أنس ابن مالك في جنازة، فأمر بالميت فسل من قبل رجل القبر) أي من جهة الرجل.
ثم من السنة أن يقول الذي يدخل الميت القبر أن يقول في لحده: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك في صحيح حديثه صلى الله عليه وسلم.
ثم يجعل الميت على جنبه الأيمن، ويجعله جهة القبلة، ويجعل تحت رأسه حفنة من تراب كوسادة، ويفك العقد كما صح عن أبي هريرة، ويجعل خد الميت على هذه الوسادة من التراب ، هذه الأمور المسنونة في إدخال الميت القبر، والله أعلم..
السؤال 317: نبهتنا على خطأ استعمال كلمة (بسيطة) نود توضيح ذلك، ودرجت على ألسنة الناس قولهم (على ما أعتقد)، فهل هذا تعبير صحيح؟
الجواب: كلمة (بسيط) أو (بسيطة) في استخدام الناس من الناحية اللغوية خطأ، فالعرب تقول: وجيز ويقابله بسيط، فالبسيط الشيء الكبير الممتد وعكسه وجيز، وكثير من الناس يقول لك: يا شيخ عندي أمر بسيط، ويقصد قليل.
وفي القاموس، بسطه: نشره كبسطه، وليس معنى بسيط قليل، لكن وجيز معناها قليل ولذا قال الله عز وجل: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير}، ومعناها لو وسع الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض، فالله لا يبسط الرزق لعباده ويعطيهم ما يتمنون لمصلحتهم.
والعرب تقول عن الأرض البسيطة لأنها ممتدة.
ومن الأخطاء أيضاً يترجمون معنى كلمة (SIMPLE) والتي تعنى السهل يترجمون معانها البسيط وبنوا عليها البساطة والتبسيط ومن هنا حصل الخطاً.
ومن الأخطاء أيضا يقولون: فلان بسيط، أو لا يعتقد هذا إلا البسطاء. وهذه كلمات أعجمية ما أنزل الله بها من سلطان، وفي "لسان العرب" لابن منظور يقول: رجل بسيط: منبسط لسانه، أي طويل، وامرأة بسيط، ورجل بسيط اليد، منبسط بالمعروف، ومنبسط الوجه متهلل فهذه الكلمة لا تدلل على أن فلان بسيط بمعنى أنه مغفل أو بمعنى أن الأمر سهل.
أما استخدام ((على ما أعتقد)) للأمر المشكوك فيه، فهو أيضاً ليس بمشروع، لا في العربية ولا في الشرع، فالذي تعتقده هو الذي تجزم به جزماً، وليس بمعنى الذي أظن، فالعقيدة الشيء الراسخ في القلب ولا يوجد معه شك، وفي ظني الخطأ في استخدام هذا التعبير هو من استخدامه باللغة الإنجليزية، فكلمة (believe) تستخدم بالإنجليزية تستخدم على الوجهين، والمراد يعرف من السياق ، وهذا بخلاف العربية، والله أعلم..
السؤال 318: ما حكم أرباح صندوق توفير البريد؟
الجواب: صندوق البريد يعمل بالمال الذي عنده، ويعطي قروضاً دون أن يملك السلعة، ودون أن يشتريها وهذا أمر ليس بشرعي، فالتوفير مع صندوق البريد توفير غير شرعي، ولا يجوز، لأنه يبيع ويشتري ما لا يملك، والله أعلم..
السؤال 319: ما حكم التنبؤ بالأحوال الجوية وهل هو من علم الغيب؟
الجواب: ليس هو من التنبؤ في علم الغيب في شيء لا من قريب ولا من بعيد، وقال الله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ....} فالله هو الذي ينزل الغيث.
وكل ما يعلمه أصحاب الأرصاد الجوية، إنما يعرفون سنن الله عز وجل، في سرعة الريح وتوجه الريح ،ويحسبون هذا بقواعد، وحالهم كحال من يرى الجنين قبل أن ينزل من رحم أمه، فهل الذي يعرف جنس الجنين تقول إنه يعرف الغيب؟ لا، فهو رأى الجنين بعينيه، من يقول هذه تحمل بأنثى هذه تحمل بذكر دون أن يرى الجنين في رحم أمه، فهذا على الغيب، وكذلك من يقول بعد شهر يأتينا مطر.
أما معرفة نزول المطر، بعد معرفة مقدماته، وتمام خلقه فهذا ليس من علم الغيب، وإنما معرفة سنة الله في اتجاه الريح وفق قواعد معينة.
أرأيتم لو أن رجلاً صعد إلى ظهر بيته ونظر بالناظور فرأى من مكان بعيد سيارة تشبه سيارة أخيه، ويعلم المسافة، ويضبط كيف يسوق أخوه السيارة، فقال لزوجته سيأتي أخي بعد ربع ساعة، فإن كانت المقدمات التي يعلمها صحيحة، سيكون كلامه صحيحاً، فهل كلامه هذا من علم الغيب؟ لا، فمعرفة أصحاب الأرصاد الجوية نزول المطر بناء على مقدمات حركة الريح وغيرها، وما اكتشفوه من سنن الله عز وجل في الكون، وهذا خلاصة الموضوع.
السؤال 320: ماذا ورد في الحجامة؟ وهل تنصح بها وهل لها مواعيد محددة؟
الجواب: الحجامة من الأدوية النبوية التي غفل عنها الناس، ولها فوائد صحية كثيرة، وهي دواء لكثير من الدواء، فالناس اليوم غافلون عن هذا الدواء النبوي.
وقد وردت أحاديث صحيحة عديدة في فضل الحجامة، أذكر شيئاً منها وأتعرض لبعض أحكامها لعلنا ننشر هذا الدواء وهذه السنة في الناس.
فقد ثبت عند الترمذي في الشمائل عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن أمثل ما تداويتم به الحجامة}، وثبت في سنن أبي داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن كان في شيء مما تداوون به خير ففي الحجامة}، وثبت عند ابن ماجه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا كلهم يقول لي: يا محمد عليك بالحجامة} فالملائكة أرشدت النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر.
وقد ثبت في سنن أبي داود عن أبي كبشة الأنماري قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه، ويقول: {من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشء لشيء}، فقد احتجم صلى الله عليه وسلم على هامته أي: رأسه، وبين كتفيه، وثبت أنه احتجم صلى الله عليه وسلم على قدمه، ويحتجم الإنسان مكان الداء والحاجة، وكان لابن عباس ثلاثة غلمان يحتجمون، وصار من غلمانه من يتقن الحجامة.
وثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله أن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة، فأمر صلى الله عليه وسلم أبا طيبة أن يحجمها، فقال جابر: حسبت أنه قال (أي أبو طيبة) كان أخاها من الرضاعة ،أو أنه كان غلاماً لم يحتلم.
فالحجامة إذن دواء أرشدت الملائكة النبي إليه، وفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وحث أمته عليه، وأرشد أم سلمة زوجته إليه، والأطباء يقررون اليوم أن فيها فائدة، لاسيما في العمر الأول للإنسان، أي ما قبل الأربعين.
ويقولون إن الحجامة تنفع من الاحتقانات والالتهابات والآلام العصبية والوجع الذي ينخز ويأتي فجأة، وكذلك تنفع من الخمول والكسل، وتنفع عند الشكوى من سوء الذاكرة، وضعف الحافظة، وقد جربت ذلك بنفسي مراراً، ووجدتها نافعة بإذن الله عز وجل، ويستحبون أن تقع الحجامة دون تخمة ودون جوع شديد، ولا يستحبون أن تفعل الحجامة بعد الحمام.
وأنفع ما تكون الحجامة في اليوم السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين من الشهر الهجري، كما أرشد لذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ففي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من احتجتم لسبع عشر وتسع عشر وإحدى وعشرين كان شفاءً من كل داء}، وثبت عند الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبعه ويوم تسعة عشر ويوم إحدى وعشرين}.
والحجامة ينبغي أن يقوم بها حاذق عارف بالصنعة، وأن يستخدم المواد المعمقة الطبية، وأن يكون ممارساً لها، وأما إن فعلت في غير وقتها، فقد تسبب داءً أو تقطع عرقاً.
والحجامة كأس من الهواء يوضع مكان الداء، ثم يشرط هذا المكان بمشرط طبي عدة جروح يسيرة، ثم يوضع كأس الهواء ويسحب الدم، هذه الحجامة باختصار، لكن ينبغي أن يقوم بها عارف حاذق، وينبغي مراعاة نصائح الأطباء، ومراعاة الأوقات التي وقتها صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد تضر بصاحبها، فقد ثبت في سنن أبي داود عن معمر، قال: (احتجمت فذهب عقلي حتى كنت ألقن الفاتحة في صلاتي) وكان رحمه الله قد احتجم في هامته.
وأقول لإخواني، لاسيما لمن أكرمهم الله بدراسة الطب أو بدراسة التمريض، أن يعملوا على نشر هذه السنة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل}، فما ينبغي أن تبقى هذه السنة مهجورة، وينبغي لمن يحسن ذلك وله عادة ودربة أن يتبرع بأن يخدم إخوانه بذلك، وأن يعلم الناس القيام بمثل هذا الأمر.
وورد النهي عن الحجامة يوم الأربعاء والسبت والجمعة فالإنسان يحتجم غير هذه الأيام، ويوافق حجامته أيام السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين من الشهر الجاري. فهذا بإذن الله نافع.
ولا يجوز للحاجم أن يطلب مالاً لكن لو أعطي يأخذ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجم وكان يعطي الحجام دينارً، ومما يذكر عن الإمام أحمد أنه لما كان يحتجم يأبى أن يعطي الحجام أكثر من دينار، ويقول: ((هذا الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم))، ولذا أحسن ما يقال في الإمام أحمد من صفة رحمه الله، تابعي جليل تأخر به الزمن، فكان وقافاً على السنن وأقوال الصحابة، وأقوال التابعين ، وحتى الصحابة أو التابعون اختلفوا في أقوال فله بعدد خلافهم من الأقوال، رحمه الله تعالى.
السؤال 321: ما حكم جائزة [المليون درهم] وما حكم الاشتراك بها؟
الجواب: تتفنن أبالسة الجن والإنس اليوم في الوقوع في المحاذير، وهذه الجائزة التي شاع وذاع خبرها، وأصبحت على كل لسان، وأصبح يفكر في الاشتراك بها كل بيت للأسف، ليست شرعية، وهي من باب القمار وهي حرام.
والقمار له ضروب وألوان، ومن بين هذه الضروب والألوان ما يجري اليوم من جائزة المليون درهم.
وهناك اتفاق بين شركة الاتصالات وبين أصحاب هذا البرنامج، ويكون لهم نصيب، ويشغلون هاتفك عن عمد، فإما أن يسمعوك غناء ،وهذا هو الغالب حتى يرد عليك الكمبيوتر أو يسمعونك شعراً يأخذ عقلك بحيث تتابعه، وتطيل المكالمة.
وهذه المكالمات لها ثمن، وثمنها أكبر من ثمن أوراق اليانصيب، وقد قرأت في جريدة الحياة الإماراتية أن عائلة اشتركت في هذه المساقبة ودفعت خمسين ألف درهم مقابل هذا الاشتراك.
وهذه المسابقة على الخطوط البريطانية ويشغلونك ويعطونك أسئلة على الكمبيوتر، وقد تكون الأسئلة تخالف الشريعة كالغناء وغيره، فهم يعطونك شيئاً ويأخذون من مجموع المشتركين أكثر مما يعطون، وأنت تقامر تدفع ثمن المكالمة وقد تجيب وقد لا تجيب، مقامرة، فهذه المسابقة تخضع لمبادئ القمار، والله أعلم.
السؤال 322: ما صحة الحديث: عقد النبي مع جابر بن عبدالله جلسة طارئة، وقال له: {يا جابر إن الله لم يكلم أحداً من خلقه إلا من وراء حجاب، ولكنه كلم أباك عبدالله بدون حجاب}؟
الجواب: الحديث صحيح بشواهده وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه وابن أبي عاصم في الجهاد وغيرهم بإسناد حسن من غير ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد جلسة طارئة، فهذا الكلام من السائل.
ونص الحديث عند ابن ماجه: عن طلحة بن فراش قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: لما قتل عبدالله بن عمر بن حرام يوم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا جابر ألا أخبرك ما قال عز وجل لأبيك؟} فقلت : بلى، فقال صلى الله عليه وسلم: {ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحاً، فقال: {يا عبدي تمنى علي أعطك} قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الله عز وجل: {إنه سبق مني أنهم لا يرجعون}، قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله عز وجل: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً} الآية، فالحديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا دلالة على أن الشهداء أحياء عند الله عز وجل، ولهم حياة خاصة بهم في البرزخ، وقد ثبت من حديثه صلى الله عليه وسلم أن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر في الجنة، ولذا حرم الله على الأرض أن تأكل لحوم الشهداء ومنهم من قال أن هذا يلحق به العلماء وحفظه القرآن، لكن التوسع في القياس في عالم الغيب توسع غير مرضي، ولكن بلا شك إعمالاً للمعنى، واعتماداً للمعنى، واعتماداً على النصوص الأخرى فإن الأرض محرم عليها أن تأكل من باب أولى الأنبياء، فأين الشهداء من الأنبياء، وقد ورد في ذلك نص يقول به النبي صلى الله عليه وسلم: {الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون}، وقد ألف الإمام البيهقي رسالة مطبوعة أكثر من مرة، اسمها "حياة الأنبياء في قبورهم" والله أعلم.
السؤال 323: كيف يحرر الأقصى؟
الجواب: أقول –والله المستعان- من مقدمات تحرير المسجد الأقصى أن نحرر عقولنا من الخرافة ومن الجهل، وأن نحرر مساجدنا من الأكالين لدينهم الكذابين الدجالين، فإن قام على مساجدنا من يقوم بالمهمة الشرعية التي أوجبها الله عليهم، فحينئذ هذا من مدعاة تحرير المسجد الأقصى.
تحرير المسجد الأقصى مطلب شرعي وواجب على الأمة، وأمر لابد منه، لكن لابد من ترجمة ذلك ذلك بخطوات عملية، وألا تبقى الأمور صياح.
وقرأت مقالة لرجل بروفسور اسمه شاكر مصطفى من فلسطين له مقالة أحتفظ بها يقول أنه مر بكتاب باللغة العبرية ، يلخص في مقالته التي سماها "من الغزوة اليهودية إلى الصهيونية ومن الغزوة الصهيونية إلى اليهودية" يلخص ما قام به مجموعة من الباحثين اليهود، الذين درسوا عصر صلاح الدين، وتعمقوا في هذه الدراسة، وأخضعوها للقواعد التي تخص العلوم الإنسانية اليوم،ويقولون هدفنا من هذه الدراسة معرفة الأسباب التي أوجدت صلاح الدين حتى نعمل على تطويل عمرنا بحيث نعمل على عدم وجود هذه الأسباب التي ستظهر صلاح الدين .
فدرسوا عصر صلاح الدين دراسة علمية، ودرسوا كل ما يخص الإنسان ونمط الحياة، ودرسوا المساجد، هل لها دور فنعطل مهمة المسجد في إظهار صلاح الدين، حتى درسوا نداءات الباعة في الأسواق في عصر صلاح الدين، حتى يعرفوا كيف الناس يفكرون، ودرسوا الأهازيج التي تنوم الأمهات أبنائها عليه، وهل هذه الأهازيج لها دور في إظهار صلاح الدين، فدرسوا كل شيء.
والصراع صراع حضارة وصراع علم، فأن نبقى جهلة أسراء الخرافة، لا نعرف الواجب الشرعي ولا نقبل على الواجبات الشرعية، ونتعامل مع أحكام ديننا بمجرد عاطفة، فهذا لا يكفي، وسنن الله عز وجل لا ترحم، وأحسن ما في العلم أنه حقائق، من أخذها ودرسها وصل إلى مبتغاه ومراده، فلما يكون في مجتمع من المجتمعات مثلاً حدادون أو نجارون غشاشون وكذابون فقولوا لي كيف أبواب بيوت الناس وشبابيكها تكون؟ فلماذا دين الناس اليوم خرب؟ لأن القائمين على الوعظ والإرشاد والخطابة ليسوا بصادقين، يبحثون عن المال آخر الشهر، ولا بأس أن يأخذ الإمام والخطيب مالاً، لكن المهم أن يكون نائحة ثكلى يهتم بأمر دينه، ويغار على أحكام دينه وأن يؤدي حق الله عز وجل، أما أن يكون إماماً كذاباً، يحلف أيماناً مغلظة كذباً وزوراً وبهتاناً، فهذا بحاجة إلى أن نحرر مسجده قبل أن نحرر المسجد الأقصى، وهذا مطلب شرعي، وهكذا للأسف كثير من مساجد المسلمين، نسأل الله العفو والعافية.
فتحرير المسجد الأقصى أن نعرف ديننا، أن نعرف ربنا، وأن نعرف كيف دخل علينا الشيطان، ثم أن نعرف واجب الوقت وننشغل به، فننشغل بما نقدر عليه لنصل إلا ما لا نقدر عليه، ويبارك الله لنا فيما نقدر عليه ببركة صدقنا وإخلاصنا، فيفتح علينا ما لا نقدر عليه، شيئاً فشيئاً حتى نصل إلى المبتغى وإلى المراد.
وأما التفرغ والتألم وإطلاق الويلات والصيحات والصراخات فهذا لا يكفي، وفقنا الله لما فيه الخير، وجعلنا أئمة هدى مفاتيح خير مغاليق شر.
السؤال 324: رجل رضع من أم أمه، فهل له أن يتزوج من ابنة خاله؟
الجواب: ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة}، وفي لفظ منها: {إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة}، وفي لفظ ثالث عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب}.
فهذا الرجل لما يرضع من جدته أم أمه يكون بمثابة الابن لها في الرضاعة، فحينئذ يصبح هو وخاله إخوة في الرضاعة، وتصبح بنات أخواله جميعاً هو عم لهن في الرضاعة، ولا يجوز للرجل أن يتزوج ابنة أخيه.
وهنا إشكال يقع عند بعض الناس، يكثر السؤال عن أخي الراضع، فأخو الذي رضع أجنبي فله أن يتزوج من بنات الخال وبنات الخالة، أما الذي رضع فهو الذي يأخذ الحكم، وهناك خرافة أيضاً أنه يحرم على من قد رضع رضعت معه فقط، أما أخواتها فلا، وهذه خرافة ما أنزل الله بها من سلطان، فهو بمجرد أنه رضع من الجدة أصبح ابناً لها من الرضاعة،ولذا أصبح أخاً لجميع أخواله وجميع خالاته، فهو خال لبنات خالاته من الرضاعة، وهو عم لبنات أخواله من الرضاعة، أما إخوانه فهم أجنبيون.
وإذا أردتم أن تعرفوا أحكام الرضاعة، فاعملوا بالقاعدة التي قد ذكرتها عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة}، فمثلاً أم لها ولد اسمه محمد، أرضعت ولد آخر أجنبي عنها في الولادة اسمه أحمد،فإذا أردنا أن نعرف أحكام أحمد في الرضاعة فلنجعل أحمد بدل من محمد، فالأحكام التي تجري على محمد تجري على أحمد، وجميع أخوات محمد أخوات أحمد، وجميع أخوات أم محمد خالات لأحمد الذي قد رضع، وجميع أخوات أبو محمد عمات لأحمد، وهكذا .
فمسألة الرضاعة سهلة، وليست بصعبة، والمهم أن نعمل بالقاعدة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة} فالأحكام التي تجري على الولد من الصلب تجري على الولد الرضيع، أما الذي لم يرضع مالنا وإياهم.
والتي أرضعت إن كان لها أبناء فيجوز لهم أن يتزوجوا أخوات الذي رضع، فالحكم يخص فقط الذي رضع، والذي لم يرضع من سائر إخوانه فلهم أن يتزوجوا من بنات المرضع.
أما عدد الرضعات المشبعات فالراجح عند أهل العلم أن عدد الرضعات المشبعات خمس، كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((خمس من الرضعات المشبعات يحرمن)).
أما تحديد الرضعة المشبعة، فإن الأم التي ترضع لا تعرف، والولد الذي يرضع لا يعرف، فالفقهاء يقولون: الرضعة المشبعة تكون بأن يأخذ الرضيع الثدي بإرادته، وأن يتركه بإرادته.
وإن لم يقع النكاح فإعمال خلاف الفقهاء واعتباره أمر مهم، فمذهب الحنفية الرضعة الواحدة تحرم، ومذهب البعض الثلاث للحديث: {لا تحرم الإحلاجة والإحلاجتان}، فقالوا إذن تحرم الثلاث، وهذا مذهب المالكية، وقول عند الحنابلة فمفهوم المخالفة أن الثلاثة تحرم، لكن هذا المفهوم عند الشافعية، وعلى الراجح، أنه لا يعمل به، لأنه قام مقامه ما هو أقوى منه من منطوق قوله صلى الله عليه وسلم: {خمس رضعات يحرمن}، فالمنطوق مقدم على مفهوم المخالفة.
والأخ من الرضاعة لا يورث، لكن له حكم الأخ فله أن يسافر معها ولها أن تظهر عليه بشعرها، وله أن يخلو بها ويصافحها وما شابه، وجماهير أهل العلم يشترطون في هذه الرضاعة أن تكون في السنتين، أما ما بعد السنتين فلا تؤثر الرضاعة إلا عند الضرورة فقط.
السؤال 325: إذا كانت المرضعة نصرانية، فهل لها نفس الأحكام؟
الجواب: الأحكام الشرعية تتعلق بالأفعال لا بالذوات، فلها نفس الأحكام، لكن ما ينبغي للمسلم أن يسلم ولده لفاسقة أو كافرة قد ترضعه شيئاً من الحليب قد تكون من شيء حرام.
وقد ذكر بعض من ترجم لإمام الحرمين الجويني رحمه الله، وقد كان لا ينار ولا يباري في كلامه في المعقولات، لاسيما في علم أصول الفقه، وكان إن درس يقوم عدد كبير من المسمعين الذين ينقلون كلامه ليتمكن من كان في آخر المجلس من سماع حديثه وقيل كان في مجلسه أكثر من سبعين مسمع، كل واحد يأخذ من الذي قبله حتى رقم سبعين، وكان إما الحرمين بين الحين والحين في الدرس تأخذه سكتة، ويغيب ذهنه ولا يستطيع أن يبقى على قريحته وملكته وقوته وجودته في العطاء، فلما كان يسأل عن ذلك، قال: ((لما كنت طفلاً صغيراً أخذتني أمة، وكانت تأكل الحرام، فأرضعتني، فنزل في جوفي شيء من حليبها، فلما رآني أبي معها أخذني، ووضع أصبعيه في فمي حتى قئت الحليب الذي شربته منها، فهذا من أثر تلك الرضعة)) فماذا نقول نحن اليوم؟ وهذا السكوت من أثر تلك الرضعة، ورحم الله من قال: من أكل حلالاً طاع الله شاء أم أبى، ومن أكل حراماً عصى الله شاء أم أبى.
ولذا ثقل العبادات والطاعات، وعم انشراح الصدر وعدم وجود الإخبات واللذة في الإقبال على الطاعات، والعلم والعبادات، فإن من أكبر أسباب ذلك أكل الحرام وعدم الورع، ومن تورع وجاهد وترك شيئاً لله، فإنه يتعامل مع أعدل العادلين، ومع أحكم الحاكمين/ ومع من لا يعجزه شيء، فمن ترك شيئاً لله لابد أن يعوضه الله خيراً فيما ترك، ومصداق ذلك قول الله تعالى: {إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم}، والآية لها سبب، نزلت في مشركي أهل بدر الأسرى، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآية تشمل جميع الناس في جميع الأعصار والأمصار، والله أعلم.
السؤال 326: رجل أخر صلاة المغرب ليجمعها مع العشاء جمع تأخير، فطال التأخير إلى ما قبل منتصف الليل بخمس دقائق، فإن صلى المغرب دخل وقت العشاء إلى ما بعد منتصف الليل، فهل يصلي العشاء أولاً ليكون في وقته ثم يصلي المغرب؟
الجواب: المسألة فيها تفصيل، إن كان الرجل ناسياً الصلاة فليصل العشاء في وقتها ثم بعد ذلك يصلي المغرب.
وأما إن كان ذاكراً وأراد أن يجمع جمع تأخير، فيجمع التأخير يصبح الوقت مشترك، فهذا الآخر هو آخر للصلاتين فليجهد أن يصلي المغرب على عجلة، ثم يصلي العشاء، وإن أدرك ركعة فقام من السجدة الثانية من الركعة الأولى فأدركها في الوقت، فمن أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة، لاسيما أن الترتيب بين المجموعتين في جمع التأخير سنة وليس من الشروط لأن الوقت وقت الصلاة الثانية، بينما الترتيب في جمع التقديم من شروط صحة الجمع، وهذا التفريق هو الذي ارتضاه ابن القيم في كتاب "إعلام الموقعين" لما ذكر من آداب المفتي، قال: إن سئل عن مسألة فيها تفصيل فينبغي أن يفصل، من قبل الترتيب بين المجموعتين.
وبعض أهل العلم يرخص في مثل هذه، فيجعلون وقت صلاة العشاء ممتد إلى صلاة الفجر ضرورة، ويقولون هناك فرق بين الوقت الاختياري والوقت الضروري، ففي حق النائم والمشغول يكون الوقت إلى منتصف الليل، والراجح ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمر بن العاص، والحديث طويل وورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم عن العشاء: {ووقتها إلى منتصف الليل}، فلا يجوز تأخير صلاة العشاء بعد منتصف الليل، والليل يبدأ من أذان المغرب وينتهي بالفجر الصادق، فهذا الوقت يقسم ويضاف على وقت المغرب، عنده يكون منتصف الليل.
ولا يوجد لمنتصف الليل حد ثابت فإنه يختلف باختلاف الساعات على حسب طول الليل وقصره، والله أعلم.
السؤال327: امرأة أرادت أن تعطي زوجها من ميراثها، فهل يحق لإخوتها أن يمنعوها، وماذا تنصحون في هذه الحالة؟
الجواب: المرأة تملك، وملكها صحيح،ولا يجوز حرمان المرأة من الملك، فهي كالرجل تماماً، ولها أن تستثمر أموالها، وإن ملكت ملكاً شرعياً فلها أن تتنازل لأبيها أو لإخوانها أو لزوجها، ولا يجوز لأحد أن يمنعها، وإنما كل ما يرد في البال إنما يكون من باب المناصحة، وبيان ما ينفعها فقط، أما يمنع الأخ أخته من أن تعطي ما أخذت من الميراث لزوجها فليس له ذلك، فالمال إن امتلكته فلها أن تتصرف فيه.
لكن إن كانت سفيهة وقامت القرائن على ظلمها، وتصرفت تصرف السفيه، فحينئذ هذه الصورة لها حكم خاص، أما إن كانت عاقلة فلها أن تضع ما تملك في المكان الذي ترى، ولا يجوز لأحد أن يجبرها على التصرف في مالها، والله أعلم..
السؤال 328: هل يجوز للرجال أن يرقوا النساء الأجنبيات؟
الجواب: لا يوجد في الزمن الأول، وهو الزمن الأنور، وهو خير الأزمنة وأفضل القرون لا يوجد أناس متخصصون بالرقية، فلو سألنا من كان من الصحابة متخصصاً بالميراث لقلنا فلان وفلان، ولو سألنا من كان متخصصاً بفقه المنازل لقلنا فلان وفلان، ومن كان متخصصاً بالتفسير لقلنا فلان وفلان، وهكذا في سائر العلوم لكن لو قلنا: من كان من بين الصحابة والتابعين يعمل بالرقيا؟ فلا نعرف أحداً متخصصاً بها.
فالرقيا للمرأة تكون ممن يخص هذه المرأة، فامرأة احتاجت للرقيا يرقيها زوجها، ابنها أخوها أبوها، والبركة بالقرآن وليست بالراقي، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً}. فيشترط في الرقية أن يكون المرقي عنده يقين أن القرآن ينفع، وأنه شفاء، والعلماء يقولون: القرآن شفاء للأبدان، وشفاء للأرواح، فإن قرأ إنسان وهو متيقن والمقروء عليه متيقن، وعنده إيمان تام بأن القرآن ينفع، فالحمد لله.
فالمرأة الأصل فيها أن يرقيها أحد محارمها، فإن احتاجت للرقيا وتعذر هذا المحرم، فحينئذ تلجأ إلى من يرقيها وتلتمس فيه الصلاح، ويشترط أن لا تقع الخلوة بينها وبين الراقي، وكثير من الذين يرقون، والعياذ بالله، دجالون، ولا يجوز للمرأة أن يخلو الراقي بها، فهذا حرام، ولا يجوز للراقي أن يمسها وإنما يقرأ عليها، إلا عند الضرورة القصوى كالطبيب.
والعلماء يقولون: يحرم على المرأة أن تذهب عند الطبيب الذكر، يجب عليها أن تذهب للطبيبة المسلمة، فإن لم تجد المسلمة تتحول للطبيبة الكتابية، والطبيبة الكتابية في الشرع مقدمة على الطبيب المسلم، لأنها امرأة مثلها، ولا تظنوا أن الأطباء جماد لا يتأثرون، فالأطباء فيهم أحاسيس، وبعض الورعين منهم يسألون ويقولون نجد في أنفسنا شيئاً من الشهوة لما تأتيه المرأة شابة وجميلة، وتكشف عن مواطن الشهوة، فلا تقل لا يجد في نفسه، إلا إن سلبته من مشاعره وأحاسيسه، وينبغي للرجل أن يغار على ابنته وزوجته، ولا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يذهب بها مباشرة إلى الطبيب مع وجود الطبيبة، فإن وجدت الطبيبة المسلمة فحرم أن تذهب إلى الكتابية، فإن لم توجد المسلمة ولا الكتابية تذهب للطبيب المسلم، فإن تعذر وجود المسلم تذهب للطبيب الكتابي، وبعض الناس اليوم يذهب إلى الطبيب الكافر مباشرة، لا أقول الكتابي ولكن الكافر الملحد الفاجر، وهذا حرام.
وتقع اليوم بسبب هذه التجاوزات كثير من المحاذير الشرعية، قد يعلمها الزوج وقد لا يعلمها، بل قد تعلمها المرأة وقد لا تعلمها، وقد تعلمها وتشعر بها وتخجل أن تتكلم بها، ولذا ينبغي أن نحتاط.
ويجب على الأطباء، لاسيما في الكشف عن العورات ومسها، يجب ألا يمارس ذلك بنفسه، وينبغي أن تكون عنده من الممرضات والطبيبات ليدرأ ما استطاع هذا عن نفسه، وتأملوا قول الله: {ولا تقربوا الزنا}، ولم يقل: ولا تزنوا، فالخلوة من قربان الزنا، والمس والمصافحة من قربان الزنا، والسفر إلى بلاد الكفر من قربان الزنا، والتكسر في الكلام من قربان الزنا وهكذا. والله أعلم.
السؤال 329: من هم السيخ، وما هي أشهر معتقداتهم؟
الجواب: في الحقيقة الكلام عن السيخ قليل ونادر، وتعبت لما وجدت تصوراً عنهم.
والسيخ طائفة أسسها رجل كان في حيرة من أمره اسمه [نانك]، ولد في البنجاب، وهي بين نيودلهي في الهند ولاهور في الباكستان، سنة 1469 ميلادية، وكان من صغره محباً للخلوة والعزلة وكانت تظهر عليه علامات النبوغ، وبقيت هذه الصورة معه حتىظن أبوه أن فيه مرضاً أو شيئاً.
ثم سرعان ما أقبل على العلم، ومن صغره وفي سرعة تفوق كل تصور أتقن الفارسية، والهندوسية والسنسكراتية، ثم انكب في شبابه على دراسة الأديان فدرس الديانة البوذية والهندوسية والإسلامية والتقى برجل مسلم مخرف، للأسف، اسمه سيد حسن درويش، وكان يقول هذا بوحدة الوجود، وكان يحسن الأديان كلها، فأصابته دعوى تحسين الأديان كلها من خلال هذا الرجل، وغلاة الصوفية وأعلام القائلين بوحدة الوجود منهم، وعلى رأسهم ابن عربي، وابن الفارض يمدحون الكنائس والقسيسين والحاخامات، ويرون أن جميع الأديام مقبولة وكلها توصل إلى الله بغض النظر عن الطريقة.
فتأثر به هذا الرجل، وبقي فترة من الفترات يدعو إلى أن جميع هذه الأديان التي درسها فيها خير، وأنها على حق.
ثم بعد كبره استنكر كثيراً مما كان يشاهد مما يمارس ديانة من قبل الهندوس، من مثل حرق جثث الموتى، وقد كرسه الهنود تقليداً مقدساً لهم، وبقي في حيرة من أمره، حتى يذكر بعض خواصه ممن كتب عن حياته أنه جاء مع بعض المسلمين إلى مكة وحج، وشارك المسلمين في حجهم، وأنه تخلف أياماً بعد أن رجع أصحابه وبقي في مكة، ثم تعرف على الشيعة، وسافر إلى كربلاء ونظر إلى طقوسهم وشاركهم.
ثم بعد فترة من الزمن وكثرة تأمل بدأ يظهر مخالفات قوية للديانة الإسلامية، والديانة الهندوسية، وبما أنه كان في الهند، كان أغلب الذين يعيش بينهم من الهندوك ظهرت مخالفاته للديانة الهندوسية بقوة وبشدة، وكتب في ذلك كتابين موجودين، يسمى أحدهما "الفيدا" أو "الويدا" والثاني كتاب سماه "غرونانك" وغرو بالهندية معناها الشيخ، أي الشيخ نانذ، وأتباعه من بعده يعتقدون أن هذين الكتابين مقدسان وأنه مما أوحاه الله عز وجل إليه.
ومن الأشياء التي خالف فيها العقيدة الهندوسية القول بتناسخ الأرواح، وخالف بقوة وبشدة نظام الطبقات الذي هو موجود عند الهندوس، حيث يعتقدون أن الناس مراتب وأن الله خلق بعض الناس من وجهه، وبعضهم من صدره وبعضهم من يده، وبعضهم من قدمه، وكل في طبقة على حسب المكان الذي خلقه الله منه، فمن كان من الرأس فهو أرفع ممن كان من الصدر وهكذا، فحارب هذه الأمور محاربة شديدة.
وناناك لم يعرف الإسلام معرفة حقيقية، ومن خلال ما اطلع وقرأ أنشأ ديانة جديدة، والمكان الذي ولد فيه الباكستان، إلى أتباعه يحجون إليه ويسمى (نانك كانا صاحب) بجانب لاهور، ويحج إليه السيخ كل عام.
وبعد وفاته ترك مبادئ ليست واضحة وليست كلية، ثم جاء بعده مجموعة من أتباعه خلفوه، والإمام الثاني عندهم اسمه [آنجد] وكان عمره لما خلفه خمسة وثلاثين عاماً، ومات سنة 1552 للميلاد، وخلفه آخر اسمه [أمرداس] ومات سنة 1574 للميلاد، وقد نجح هذا في نشر التعليم السيخية الجديدة، وعمل على أشياء ميزتهم عن الهندوس، فخصصهم بطقوس معينة عند الميلاد وعند الوفاة.
وأبطل عزلة المرأة، وشجع على الزواج بواحدة، وشجع الاتصال بين الطبقات، وشجع الزواج من الأرامل بعد وفاة الأزواج، ومنع بشدة العادة الهندوسية التي تسمى الساتي، وهي حرق المرأة بعد أن يموت زوجها.
وجاء بعد هذا الخليفة الثاني مجموعة آخرون، حتى جاء خليفتهم العاشر، وهو الذي قعد قواعد دينية، وقواعد الدين عندهم الآن مأخوذة منه واسمه [غوبند] وتوفي سنة 1708 للميلاد، وقد وحد صفوف السيخ وقواعدهم وحرشهم بقوة وشدة ضد الهندوس وضد المسلمين، وبث فيهم روح العداء للمسلمين على وجه الخصوص، وفتح الباب على مصراعيه لمن أراد الدخول في ديانة السيخ، وجعل لقومه زياً خاصاً بهم، وأوجب على كل سيخي أن يبقى دائماً يحمل قطعة من حديد، وألا يحلق شيئاً من شعر جسده ولا رأسه، وأوجب تعظيم البقر وعدم قتله، ورفع جميع القيود عن أتباعه في المأكل والمشرب، وأوجب على كل سيخي إذا لقي أخاه تحية معينة، تقال بالهندي ومعناها [لتحيا فكرة الحرية نحو جوبند]، وأوجب على الآخر أن يرد عليه بقوله [ياذا العظمة لفتوح هذا الشيخ]، فأوجد ذكره على كل لسان من أتباعه.
وقد وقع انقسام شديد بين السيخ على إثر وفاة هذا الخليفة العاشر، فمنهم من قال أن هذا هو الخاتمة، وهذه الفرقة تسمى [أتاري خالصة]، وفرقة أخرى تسمى [بزنتاري]، لا توجب الالتزام بالتقاليد السابقة، وتجوز أن يأتي إمام آخر، وأن ينسخ، وأن يفعل ما يشاء، ويعتقدون بإمام موجود يسمى [باب جرمشن سيبخ]، ومن معتقدات هؤلاء حمل السلاح للحماية من المسلمين ومعتقداتهم، وأنه لابد للسيخي قبل أن يموت أن يعمل جاهداً بأن يقتل مسلماً حتى يحوز على رضا إلهه.
وفي الحقيقة وقعت مذابح كثيرة في البنجاب والهند بين السيخ والمسلمين ،وقد حرق السيخ سنة 1961، مئتي امرأة شابة مسلمة، ووقفوا مع الإنجليز في حربهم ضد الأفغان، سنة 1838، وتمكنوا من تحويل كثير من المساجد إلى معابد، وقد هاجم السيخ سنة 1710، [شهمايو] مدينة سرهند لمدة أربعة أيام وعاثوا فيها الفساد وقتلوا ألوف مؤلفة من المسلمين في هذه البلدة.
وهذا الخليفة العاشر جعل لسيخ مبادئ وقواعد خمس، وتسمى الكافات الخمس، وكلها مبدوءة بحرف الكاف وهي: الكيش وهي عدم مساس الشعر بمقص، والكانغا وهي الضفائر المجدولة فوق الرأس، والكاتشا وهي تحريم ارتداء الدوت الهندي لأنه يعيق الحركة، واستبداله بشيء يسمى الكاتشا وهي سروال متسع يضيق عند الركبتين، وهو بمثابة ارتداء السروال العسكري، ليكون استعداد في كل حين للقتال، والرابع الكارا وهي حرمة الزينة والحلي والجواهر، والاكتفاء بسوار حديدي يلف حول المعصم يسمى الكارا.
ويعتقدون أن هذا السوار يمنع من إيذاء الشيطان ويوضع في اليد اليمنى، والخامس يسمى الكيربان، وهو سيف لابد أن يحمله كل سيخي، وهو يستل من مكان يصعب الاطلاع عليه.
هذه المبادئ موجودة في دين السيخ، فالسيخ استقر حالهم وأمرهم على الحقد على الإسلام والمسلمين، وللأسف كثير من بلاد المسلمين يفتحون لهم الباب على مصراعيه للدخول إلى ديارهم، وأن يعيشوا معهم، فالسيخ فرقة كافرة ليس لها من الإسلام نصيب، وهي فرقة حاقدة على المسلمين، يرون أن قتلهم فيه رضى لإلههم ، هذا باختصار عنهم، والموضوع يقبل البسط.
السؤال 330: ما هي قصة التابوت الواردة في سورة البقرة؟
الجواب: التابوت قامت حوله خرافات كثيرة، وجلها من خرافات بني إسرائيل، موجودة في تفسير "الخازن" وغيره، ولا داعي لذكرها.
وذكر الله عز وجل التابوت في سورة البقرة، بقوله: {وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة}، فالله يخبرنا عن نبي من أنبياء بني إسرائيل، أنه قال لقومه: إن علامة بركة ملك طالوت فيكم أن يرد عليكم التابوت الذي أخذ منكم، وفيه سكينة من ربكم، أي وقار وجلالة، وفيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، أي فيه شيء من عصا وملابس موسى وهارون، وقيل شيء من رضاض الألواح التي ألقاها موسى من يديه، فيما أخبر الله عز وجل، تحمله الملائكة، يروى عن ابن عباس قال: ((جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت، والناس ينظرون إليه.
فهذه آية من آيات الله التي أخبر الله عنها، وقعت في بني إسرائيل في زمن نبي من أنبياءهم للملك طالوت، وكان عبداً صالحاً، والله أعلم.
السؤال 331: هل السؤال والجواب علم قائم بذاته، مع أن له سلبيات منها عدم ذكر الاختلاف بين الفقهاء، وهل السؤال والجواب يفيد طلب العلم بدل الكتب؟
الجواب: السؤال والجواب بلا شك فيه علم، وله سلبيات وله إيجابيات، وأما كونه علماً فالدليل عليه حديث جبريل، فقد جاء جبريل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، ثم سأل عن الساعة وأشراطها فهل قال جبريل شيئاً غير السؤال؟ لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم}، فجبريل علم الناس بالسؤال، فإذا كان السؤال علماً، فما بالكم بالسؤال مع الجواب؟ فبلا شك أنه علم.
وهنا لفتة ألفت النظر إليها، قد يسأل الرجل عن مسألة يحتاجها السامعون، ويكون تعليمه إياهم من باب السؤال، مثلاً يجلس الإنسان مع بعض أقاربه أو أصحابه وعندهم قصور في أشياء، وبينكم طالب علم، فاسأل وإن كنت تعلم الجواب، فاسأل ما يحتاجونه ما لا يستطيعون التعبير عنه، فقد يقع الواحد منهم في المحذور وهو لا يشعر، فأنت تسأل عنه.
ومن فوائد العلم، العلم بالسؤال أن المجلس يكون بمثابة الفاكهة، ففيه كما يقولون: من كل بستان زهرة، فأسئلة في البيوع، وأخرى في الزواج، وأخرى في الطهارة، أو اللغة وغيرها، فمن فوائده أنه يناسب جميع الأذواق، فبعض الناس يقول: أنا يصعب علي أن أفهم كل الدرس، وأن أركز ساعة والشيخ يتكلم، فأشياء أفهمها وأشياء لا أفهمها، بخلاف درس السؤال.
ومن فوائد السؤال أنه ينبغي أن يكون فيه عناية بالنوازل والأشياء الجديدة، فهذه قد لا توجد في الكتب، وإسقاط القواعد على المسائل لا يقدر عليه إلا من كان عنده ملكة ووفقه الله عز وجل.
ومن سلبيات درس السؤال والجواب أنه قد يقع الجواب في مسألة لها قيود، قبلها شيء وبعدها شيء، فيجتهد واحد فيضع الجواب في غير محله، فإن المفتي يفتي بناءً على القيود التي في السؤال، فيأتي آخر ويضع الجواب في مسألة بغير هذه القيود، فيضعها في غير مكانها، ولذا فإن من القواعد الفقهية التي يذكرها الفقهاء: المفتي أسير المستفتي، فالمفتي يجيب على الحادثة بالقيود والضوابط الموجودة في السؤال دون استطراد، لكن إن وقع استطراد فأجاب عن المسألة وحواشيها وما يتعلق بها، فهذا أمر حسن، وهذه سنة نبوية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أناس ير**** البحر وليس معهم ماء للوضوء فهل يتوضأون من ماء البحر؟ فقال لهم: {هو الطهور ماءه الحل ميتته}، فقال النووي في المجموع: هم سألوه عن مسألة فأجابهم عن مسألتين، فإن من يركب البحر لابد أن يسأل عما يلفظه البحر من ميتة، فأجابهم عن سؤالهم وزيادة.
ولذا يحسن بمن يسأل عن مسألة ولها أشباه ونظائر هو يعلم أنه إن سكت فإنهم سيسألون عنها، فيحسن أن يأتي عليها، ويجيب عنها. وطريقة السؤال والجواب طريقة الإمام أبي حنيفة في التعليم، فإنه ما كان يجلس يعلم وإنما يجلس ويسأل، ويضع إشكالاً ثم يحل الإشكال، وهكذا، يقوي قرائح الطلبة بالسؤال والجواب، فتخلف يوماً عن طلبته فجاءت امرأة تستفتيه فقال المقدمون من تلاميذه، زخر وأبو يعقوب والشيباني، قالوا: نجتمع على جواب، فاجتمعوا على جواب، فلما جاء الإمام عرضوا عليه المسألة، فقال لهم أبو حنيفة: بماذا أجبتم المرأة؟ قالوا: بكذا، فوضع إشكالاً على جوابهم، فأقنعهم بأن جوابهم خطأ، ثم وضع إشكالاً على إشكاله، وأقنعهم أن جوابهم صواب، وبقي على هذا الحال، فكان رحمه الله صاحب قوة قريحة ومسائل دقيقة.
وكان الإمام مالك لما يأتيه واحد من أتباع أبي حنيفة يقول: أنت تسأل عن سلسلة؛ عن مسألة على أثرها مسألة على إثرها مسألة، فإن رمت هذا فابعد عنا إلى العراق، وتتلمذ على أبي حنيفة، فكان الإمام مالك لا يعرف إلا أن يقول: أدركت أهل المدينة على كذا، ولما جاء أبو يوسف وناقشه في الصاع، كم مقداره، فغضب الإمام مالك، وكان له هيبة، ولا يقوى أحد على مجادلته، وأبو يوسف معتاد على طريقة أبي حنيفة في السؤال والجواب، فلما ناقشه أبو يوسف غضب وقام من المجلس، ثم عاد في اليوم الثاني إلى مجلسه وبيده الصاع الذي كان يكيل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: تقول لي ما مقدار الصاع؟ هذا الصاع الذي كان يكيل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الإمام مالك يقول عن أبي حنيفة: ((لو أراد أبو حنيفة أن يقنعك أن اسطوانة هذا المسجد من ذهب لاستطاع)) فكان يقطع الكلام مع تلامذته، ولما جاءه أسد بن الفرات قال له: ((تحول عني إلى أبي حنيفة)).
وممن نشر العلم والفقه والتوحيد والحديث على طريقة السؤال والجواب، شيخنا الألباني، رحمه الله، فأغلب مجالسه كانت في السؤال والجواب، وله أكثر من خمسة آلاف شريط مسجل في العلم الشرعي في سائر فنونه على طريقة السؤال والجواب، فالسؤال والجواب علم بلا شك.
السؤال 332: هل كلمة مثواه الأخير، وقدس الله ثراه، أو طيب الله ثراه، جائزة؟
الجواب: كلمة مثواه الأخير التي تقال في نشرة أخبار الموتى، فيقال انتقل فلان إلى مثواه الأخير، أي القبر، هذا فيه إلحاد وإنكار البعث والجنة والنار، فليس مثوى الإنسان الأخير القبر، فهي عبارة ليست بصحيحة.
أما طيب الله ثرى فلان، وما شابه هذا دعاء لأن يطيب الله عز وجل وأن يقدس ويطهر من وجد في هذا المكان، ولا أرى في هذه العبارات فيها تجوز ومجاوزة، والله أعلم.
السؤال 333: ما صحة حديث {الدنيا جيفة وطلابها كلاب}؟
الجواب: هذا الحديث موضوع وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو قيل لا أصل له لكان أجود، وبعد بحث وفتش وجدت بأسانيد ضعيفة جداً ومنقطعة عن علي عند أبي الشيخ مثلاً أنه قال: (الدنيا جيفة وطلابها كلاب)، وعند أبي نعيم عن يوسف بن أسباط قال: قال علي: (الدنيا جيفة فمن أرادها فليصبر على مخالطة الكلاب) وهذا أيضاً لم يثبت من علي، فلم تثبت هذه المقولة لا في المرفوع ولا في الموقوف.
والدنيا جيفة إن أشغلت عن الآخرة، وما أحسن الدين والدنيا إن اجتمعا، والعاقل يأخذ نصيبه من الدنيا، ويوظف حظه منها فيما يعود عليه بنفع في الآخرة، فإنها ممر للآخرة، أما احتقار الدنيا والنظر لها بمنظار أسود فهذا ليس بحسن، والصحابة أخذوا منها نصيبهم بالحلال، وتقووا فيه على طاعة الله عز وجل.
السؤال 334: ما صحة هذا القول: {إذا كان هناك شخص تارك للصلاة، فلا تنزل الشفاعة على أربعين منزلاً}؟
الجواب: هذا القول ليس بصحيح ويحتاج إلى دليل، وهذه تخالف قول الله عز وجل: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وهذا من خرافات الناس، وما أنزل الله بها من سلطان، فما لم يرد دليل فهي خرافة.
السؤال 335: بما أن رواية الحديث تمت بالمعنى، فهل يحتج بالحديث في شواهد اللغة العربية؟
الجواب: كون الحديث هل يحتج به أم لا، هذا مما وقع فيه خلاف شديد بين أهل العلم، فمنهم من منع، وعلى رأسهم ابن الضائع المتوفي سنة 680، وأبو حيان الأندلسي المتوفي سنة 745، والسيوطي المتوفي سنة 911، ومنهم جوز على الإطلاق وعلى رأسهم ابن مالك الأندلسي المتوفي سنة 672، والدماميني المتوفي سنة 897.
ومنهم من فصل، وعلى رأسهم الإمام الشاطبي في غير المطبوع من كتبه، وهو من وفيات سنة 790هـ، وقد نقل عنه ابن الراعي في كتابه الأجوبة المرضية التفصيل، وخلاصته: أن الحديث حجة، إذا قامت القرائن والأدلة على أن الراوي قد اعتنى باللفظ، فبعض الرواة لا يرون بالمعنى، وهنالك قرائن يعرفها أهل اللغة، من أن مثل هذا الحديث فيه من جزالة الألفاظ وشدة التركيب وبلاغته ما لا يصدر إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا النوع قال فيه الإمام الشاطبي: هو أولى ما يحتج به النحويون واللغويون والبيانيون ويبنون عليه علومهم.
وللدكتور حسن موسى الشاعر كتاب مطبوع سماه "النحاة والحديث النبوي" فيه تفصيل هذه المسألة، فالخلاصة أن الحديث النبوي يحتج به في العربية ما لم يقم دليل وقرينة تبين لنا أن الراوي قد تصرف باللفظ، والله أعلم..
السؤال 336: رأيت في أحد المكتبات كتاباً بعنوان "الرخصة في الغناء والطرب" تحقيق الجمل، ورأيته قد وضع صوراً لمخطوطه الكتاب، فهل هو كما ادعى؟
الجواب: الكتاب اسمه "الرخصة في الغناء والطرب بشرطه" ألفه محمد بن أحمد بن قيماز الذهبي، وهو في الحقيقة ليس من تأليفه، وإنما هو اختصار لكتاب "الإمتاع بأحكام السماع" لكمال الدين أبي الفضل جعفر بن تغلب الأجفوي، المتوفى سنة 748، وممن أذكر أن هذا الكتاب للذهبي واختصره ابن العماد في "شذرات الذهب 6/156" وهذا الكتاب مخطوطته في مكتبتي ونسخته من أكثر من عشر سنوات تمهيداً لطبعه، لكن طرأت ظروف، وأنا استفدت من السؤال أن الكتاب مطبوع، وأنا لا أعلم أن هذا الكتاب قد طبع، وطباعته لابد أن تكون حديثة، أو في مصر، والكتاب صحيح النسبة، لخص فيه الذهبي كتاب الأجفوري.
والسماع الفطري والترنم الفطري بالأشعار والحداء ليس فيه حرج للرجال، إذا كان على السجية، من غير أن يتخذه مهنة، ويتعلم السلالم الموسيقية، ويكون بألفاظ جيدة، وكان البراء وأنجشة حاديين، وكان البراء بن مالك حادي الرجال، وأنجشة حادي النساء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأنجشة لما يحدو والإبل تسرع كان يقول له: {يا أنجشة رويدك رفقاً بالقوارير}، لأن النساء تتأذى من سرعة الإبل، وهذا يأذن للرجل أن يعبر بتعبيرات الرقة عن النساء، فالحداء جائز من غير آلات الموسيقى، وغير ألفاظ سيئة، ومن غير أن يكون هذا صنعة له، فيفعل هذا فلتات، لاسيما إن دعت الحاجة فتقع منه على وفق الفطرة، وشيخنا الألباني رحمه الله، عقد في كتابه "تحريم آلات الطرب" فصلاً لجواز هذا النوع من الغناء، ولا يشرع للرجال أي نوع من أنواع الغناء غير هذا ، والله أعلم
أما التكلف في أعراس البدو قد يقع فيه تنطيط زائد وتصنع وهذا لا يجوز، وقد صحح شيخنا عند البيهقي عن عائشة أنه لما ختن ابن أخيها، جاءوا برجل حادياً، فوجدته يغني ويهتز كأنه شيطان فقالت: ((من الذي جاء بك، أنت شيطان أخرج)) فطردته لتصنعه وتكلفه، والله أعلم.
السؤال 337: إذا كان أبي يضع ماله في البنك، لكن لا أدري هل يأخذ عليه فائدة أم لا، وهل يجوز لي إن اشترى أبي شيئاً فيه فائدة مثل الماعز أن أشرب حليبها؟
الجواب: إن كنت وجدت شاة لقطة، فلك أن تأخذها وأن ترعاها وأن تشرب من حليبها،مقابل رعيك لها،فكيف وهي ملك أبيك، وهي أقوى من اللقطة.
والأمر الآخر أن أباك ماله حلال، وأنت في شك، والأصل تقديم التحذير من الربا على مسامع أبيك في مجلس عام، حتى ينجو أبوك، وإن تيقنت أن أباك يأخذ شيئاً من الربا، فهذا لا يحرم مطمعك ولا مشربك، لاسيما إن كنت قاصراً، وإن لم تكن قاصراً فلك أن تأكل وتشرب لأن أصل المال الحل، وهذا الربا تجب التوبة منه، وإخراجه في مصارفه لأنه خبيث، والمال الخبيث سبيله الصدقة.
وعليك أن تقدم النصيحة لأبيك بشفقة، وتواضع وأن تقدم بين يدي النصيحة ما يجعل أباك يقبلها من ذكرك لفضائله عليك، وأنك حريص عليه وما شابه، وتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء في المواطن التي تظن فيها الاستجابة بأن يشرح الله صدر أبيك لأن يترك هذه المعصية.
السؤال 338: إذا أصيب رجل بجنابة ولم يعلم بأنها جنابة، فهل عليه إثم؟
الجواب: من كان جاهلاً وإن صلى بها، فهذا يشمله قوله صلى الله عليه وسلم: {وضع القلم عن ثلاث}، ومنها الناسي ، وهذا ناسي ولا شيء عليه، ومن وقع في محذور وهو لا يعلم، فهذا لا شيء عليه، لأنه لا يعلم أنه أجنب وصلاته صحيحة.
السؤال 339: هل تلاوة القرآن بأحكام التجويد في الصلاة للإمام واجب؟
الجواب: ربنا يقول: {ورتل القرآن ترتيلاً}، فالواجب على كل مسلم إماماً كان أم مأموماً عالماً كان أم طالب علم أم جاهلاً، فالواجب عليه إن قرأ القرآن أن يستقيم لسانه به وأن يقرأه بأحكامه.
والعبرة بالثمرة، فلو فرضنا أنه يقرأه قراءة صحيحة، سليمة خالية من اللحن الخفي، فضلاً عن اللحن الجلي، فقد أدى الواجب، وإن لم يعلم أحكام التجويد ويعرفها المعرفة النظرية، كأن يعرف أنواع المدود ومخارج الحروف وأحكام النون وهكذا.
لكن يصعب ويعسر على الرجل أن يعلم وأن يتقن ذلك إلا بأن يعرف القواعد، فمعرفة القواعد بمثابة الوسيلة للواجب، فالبعض يقول: هل الصحابة يعرفون المدود وغيرها من الأحكام؟ لا، لكن الصحابة يقرأون بثمار هذه الأحكام، فمثلاً الصحابة لا يعرفون الفاعل والمفعول به، والمفعول لأجله، لكن لسانه مستقيم بالعربية، فالثمرة من دراسة العربية أن يبتعد عن اللحن الجلي والخفي، فيجب على الإنسان أن يقرأ القرآن كما أنزله الله عز وجل.
واللحن الخفي كثير في قراءة الناس، ولا يسلم منه إلا عدد يسير جداً من الأئمة، فيولدون حروفاً أحياناً، وأحياناً لا يعطون الحروف حقوقها، لكن اللحن الجلي يسلم منه كثير من المتعلمين، وصحة الصلاة دائرة على عدم وجود اللحن الجلي ،أما اللحن الخفي فالصلاة صحيحة، مثل مخرج الضاد والظاء مخرج عسر، ولذا ذكر ابن كثير في أواخر تفسير الفاتحة: ((ولعسر التمييز بين مخرج الضاد والظاء ولعدم حذق هذا إلا عدد قليل، ممن قرأ الضاد ظاءاً والعكس فصلاته صحيحة، والشاميون والمصريون يقرأون الضاد دالاً مفخمة، والحجازيون والعراقيون يقرأون الضاد ظاءً والفرق بينهما عسر، لذا فالصلاة صحيحة، إن وقع الإنسان في اللحن الخفي دون الجلي، والله أعلم..
السؤال 340: هل يجوز للمرأة أن تلبس في بيتها البنطال أو الملابس الضيقة مثل [الفيزون]، وما شابه إذا لم يكن عندها في البيت أطفال؟
الجواب: أن تتزين المرأة لزوجها فلا حرج، وإن لبست البنطال وليس في هذا تشبه بالرجال، فالتشبه أن تظهر أمام الناس، ولا يقول فقيه أنها إن تجردت فيجوز للزوج أن ينظر إليها، وإن لبست البنطال فنظره إليها حرام، ليس هذا من الفقه في شيء.
والتشبه ظاهرة وأما إن لم يكن ظاهرة عامة فليس هذا من التشبه، فلو أن امرأة تجلس مع زوجها في مكان ولا يراهما أحد، فاحتاجت لبرد طرأ، وتكاسل أن تذهب وتلبس فوضعت عباءة زوجها عليها، فهل هذا تشبه بالرجال؟ ولو أن رجلاً دخل الحمام بحذاء زوجته فهل هذا تشبه بالنساء؟ لا يقول أحد أن هذا تشبه.
فالتشبه أن تظهر المرأة في الشارع بالبنطال، أو بين النساء بالبنطال فهذا تشبه، أما ما يخص الزوج فالزينة عامة، ولا يجوز لنا أن نقيدها إلا بقيد شرعي، فيجوز للمرأة أن تلبس ما يكشف شيئاً من بدنها أو أن تلبس ما يحجم عورتها زينة لزوجها.
أما أمام أولادها ومحارمها، فلا، وضابط العورة في هذا أن العضو الذي يزين تكشفه، والذي لا يزين لا تكشفه، فالشعر وأسفل الساقين واليدان والجيد فهذا كله تكشفه المرأة أمام محارمها، أما أن تكشف المرأة عن ثديها أو ظهرها أمام محارمها فحرام ولا يجوز لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: {المرأة عورة}، والله أعلم..
السؤال 341: هل يعقب المصلي الذي يسمع الإمام في الصلاة بآية تفيد الرد، مثلاً{أليس الله بأحكم الحاكمين}، وغير ذلك من الآيات، هل يعقب بقوله بلى، أم أن ذلك في صلاة النافلة لا الفريضة؟
الجواب: الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم من هديه المهجور عند كثير من الأئمة هذه الأيام، لاسيما في صلاة القيام، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بآية رحمة سأل الله، وإذا مر بآية عذاب تعوذ، فهذه سنة مهجورة عند كثير من الأئمة، وما علمنا هذا وما ورد عنه في الآية المذكروة إلا في القيام، ولو فعل الفرائض لنقل، والذي ينشرح إليه قلبي وتطمئن إليه نفسي، أن هذه الكلمات تقال في القيام، والخلاف قديم بين أهل العلم في ذلك، لعدم وجود النقل، والله أعلم..
السؤال 342: هل صحيح أن [السبيرتو] نجس؟
الجواب: جماهير الفقهاء يقولون إن الخمر نجس نجاسة مادية، والراجح عند المحققين من العلماء أن قول الله عز وجل عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أنها رجس، أن هذه النجاسة نجاسة معنوية، كقول الله تعالى: {إنما المشركون نجس}، فالمشرك نجس نجاسة معنوية، هذا مذهب أهل السنة، خلافاً للرافضة، فإن المشرك عندهم نجس نجاسيه حسية، فيرون أن صافح كتابياً أو كافراً لا تجوز له صلاة حتى يغسل يديه، والصواب أن المشركين نجاستهم نجاسة معنوية، فمن صافح نصرانياً فلا يجب عليه أن يغسل يديه، إنما النجاسة التي في قلبه من الشرك بالله عز وجل هذا هو المعني بأنهم نجس.
وكذلك الخمر نجاستها على الراجح عند المحققين من العلماء أن نجاستها نجاسة معنوية وليست حسية، ولذا لا يجوز بيعها ولا شرائها، ولا يجوز بيع العنب لمن يصنع الخمر.
ولذا من وضع على نفسه السبيرتو أو الطيب الذي فيه كحول فهذا صلاته صحيحة، ولا حرج عليه في صلاته، لأن الخمر ليس بنجس، ومن باب أولى أن لا تكون الكحول نجسة لاسيما إن كانت هذه الكحول في الطيب.
أما مسألة استخدام العطر الذي فيه كحول فمنهم من جوز بإطلاق بناءاً على أن الطيب والعطر ليس خمراً لا لغة ولا عرفاً ولا استعمالاً، والاستعمال الشاذ لا يخرجه عن كونه طيباً فلو وجد إنسان شاذ يشرب السبيرتو أو العطر فلا يجعله خمراً.
وبعض أهل العلم يقول أنه يجوز استخدام الطيب الذي فيه كحول إن الكحول مغلوبة وليست بغالبة، ومنهم من يحرم على الإطلاق.
والذي يمل إليه قلبي استخدام الطيب بجميع أنواعه، سواء كان فيه كحول أو ليس فيه كحول، أو غالباً أو مغلوباً، بناءاً على أنه ليس خمراً لا استعمالاً ولا عرفاً ولا لغة، وهذا يوسع استخدام السبيرتو للجروح لأننا لو ألحقناه بالخمر، فربنا قال: {فاجتنبوه}، وكما نعلم من قواعدنا الفقهية أن الأحكام الشرعية لا تتعلق بالذوات، وإنما تتعلق بالأفعال، إلا الخمر فإنها تتعلق بالذات والفعل، فربنا علق الاجتناب بالخمر، ولذا بعض من أزاغ الله قلبه والعياذ بالله، يقول: لا يوجد آية في كتاب الله تحرم الخمر، نقول: نعم؛ لكن يوجد في القرآن {فاجتنبوه}، عن الخمر، فالخمر يجب اجتنابه فحرم بيعه، وحرم شراءه، وحرم حمله ،وحرم مصنعه، بينما التحريم مثل: {حرمت عليكم أمهاتكم}، {حرمت عليكم الميتة}، وما شابه يتعلق فقط بالفعل، فالميتة حرام أكلها فقط، أما الاستفادة منها فإن دبغ جلدها فجائز، والاستفادة من شعرها وعظمها جائز، فلو قال الله: حرمت الخمر لكان الحرام في الشرب، أما حملها لجاز، وربما جاز البيع والشراء، فقول الله {فاجتنبوه}، أشد بكثير من قوله {حرمت}.
ومما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي أقوام يستحلون الخمر والحرير والحر والمعازف، وكم عجبت لما قرأت لابن القيم في "إغاثة اللهفان" أنه يناقش أناساً في قولهم: إن اللواط حلال، ويطيل النقاش، فقلت: هذا إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فالنبي أخبرنا أنه سيأتي أقوام في آخر الزمان يقولون: الخمر حلال، وسمعنا هؤلاء ،وسيأتي أقوام يقولون: الحرير حلال ،وسمعنا هؤلاء، وسيأتي أقوام يقولون: المعازف حلال.
وكم استغربت لما قرأت مقالة في جريدة "الحياة" الإماراتية مع رجل لا أعرفه ،ولم أقرأ له شيئاًن وهو نكرة، وفقهه أعوج، وينبغي أن يحذر منه، وهو ما سمونه الكبيسي، وللأسف أمثاله يمكنون من الفضائيات، لكي يشوشوا على الناس دينهم، فكم استغربت لما قرأت له هذه المقالة التي يقول فيها: بعض السذج من الفقهاء يقولون: إن من يسمع الغناء فهو فاسق، فيقول-عامله الله بما يستحق- وأما أنا فأقول: من لا يسمع الغناء فهو فاسق، أعوذ بالله من هذا الخذلان وأعوذ بالله من هذا الضلال، فهذا ضلال ما بعده من ضلال.
ونعود لسؤالنا فإن استخدام السبيرتو حلال، ولاسيما أن استخدامه على الجروح الآن قد عم وطم، حتى بعض متأخري الفقهاء كابن عابدين وهو حنفي المذهب وفي مذهبه الخمر نجس، قال: وأنا أفتي بأن السبيرتو حلال، وأنه طاهر وليس بنجس، والله أعلم .
السؤال 343: رجل ماله من حرام كبيع الخمر مثلاً، فهل إن بنى مسجداً يؤجر عليه أم لا؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم أجابنا على مثل هذه المسألة بقوله: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً}، والمال الحرام الخبيث الذي بيد المكلف يجب عليه أن يتخلص منه، ومما هو وارد في كتب القواعد الفقية، قولهم: المال الخبيث سبيله الصدقة، فمن كان بيده ما ل خبيث فيجب عليه أن يتخلص منه وهذا الخلاص يكون بالصدقة، وهذه الصدقة الأفضل أن يراعى فيها الأمور الثلاثة الآتية: الأمر الأول: أن تكون في الأشياء المهانة، وليس في الأشياء المحترمة الجليلة، كأن يعبد الإنسان مثلاً، طريقاً لعامة المسلمين، أو حمامات لمسجد أو عامة، وما شابه، الأمر الثاني: الشيء الزائل خير من الشيء الدائم، الأمر الثالث: الشيء الذي فيه ملك عام خيرمن الشيء الذي فيه ملك خاص، فالصدقة على الفقير والمسكين ملك خاص، والذي في الملك العام أحب إلى الله من الملك الخاص، هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، ويرى أيضاً شيخ الإسلام أن عموم الصدقة تجزئ، فإنه إن كان ماله من حرام وحصلت الصدقة فهذا يكفر الحرام الذي بيده إذ أخرجها.
وسمعت بعض مشايخنا يقول: أرجو أن يناله أجر ناقل الصدقة، فلما يكون بجانبي فقير، وما عندي ما أتصدق به عليه، فأذهب إلى رجل غني، فأطلب منه مالاً لهذا الفقير، وأنقله من مكان بعيد إليه، فأنا ليس لي ثواب المتصدق، وإنما لي ثواب ناقل الصدقة، فعندما أحمل المال من الربا ومن الخمر وأبحث عن موضعه وأضعه فيه فهذا فيه أجر، لكن ليس أجره كأجر من كان ماله بيده حلالاً. ولذا من كان بيده مال حرام فلا يجوز له أن يستفيد منه، ويجب عليه إخراجه في عموم الصدقات، والله أعلم...
السؤال 344 : ما ردكم على من يزعم أن ابن تيمية كافر، لأنه يقول: إن الله جسم؟
الجواب: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، من أئمة هذا الدين، ومن كفره فهو أضل من حمار أبيه، ولا يعلم من بين لحييه، وهذه المقولة تشبه ممن خرجت من بين لحييه ما يخرج من بين رجليه، والعياذ بالله تعالى.
شيخ الإسلام ابن تيمية له مواطن قلقة ينظر إليها من يعرفه نظرة فيها إعجاب، وينظر إليها من لا يعرفه، ولا يعرف فقهه واصطلاحاته نظرة فيها ريبة فيخرج من خلالها بتكفيره.
وهنا لفتة أقولها زيادة على الجواب، وفيها فائدة، أن شيخ الإسلام رحمه الله، ذكر من أسباب ضلال المتأخرين أنهم أسقطوا الاصطلاحات الواردة في النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، على ما عهد وما عرف في أذهانهم، فينبغي أن نحرر الاصطلاح قبل الحكم عليه، والحكم يكون على حقائق الأشياء، لا على الأسماء، فلو أن رجلاً أخذ كوباً فيه ماء، وقال لآخر: اشرب هذا الخمر، فهل ما في هذا الكوب من ماء يصبح خمراً؟ أم يبقى ماءً حلالاً والمقولة ظالمة؟ يبقى الماء حلالاً ، أليس كذلك.
ولشيخ الإسلام رحمه الله تعالى، محاكمة لمخالفيه ومعارضيه ومنتقديه دقيقة، ويفرض معهم في بعض المواطن وفي بعض المضايق أشياء من الباطل ليرجعهم إلى الحق، وفرض الباطل للخصم لإرجاعه إلى الحق من منهج القرآن، قال الله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}، فهل يجوز لرجل معتوه أن يقول: إن القرآن يقول إن لله ولد؟ معاذ الله، ففرض الباطل لإرجاع الخصم إلى الحق، هذا أمر جائز، فشيخ الإسلام في المواطن التي أخذت عليه من كتبه لم تكن في معرض تقريره للعقيدة، وإنما كانت في معرض رده على الخصوم، فلا يوجد اعتراض لرجل على ابن تيمية في معرض تقريره للعقيدة، وهذه قاعدة تحفظ.
ومن بين هذه الاعتراضات كلامه في الجسم؛ فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: نقول لمن يقول إن الله جسم، ما مرادكم؟ وماذا تريدون بهذه الكلمة؟ إن قلتم كذا فهذا كفر، فهذا كفر، بل أشد كفراً من اليهود والنصارى، وإن قلتم كذا، فأنا لا أكفركم ولكن أقول كلمتكم هذه خطأ، ما أطلقها الله على نفسه ولا نبينا على ربه ولا الصحابة، فهذا الإطلاق بدعة لكن لا أكفر. فبعض الناس لا ينتبه لحقائق الأشياء، ويطلق الأحكام على عواهنها، ويرسلها دون فقه، فيقول: من قال إن الله جسم فقد كفر, وشيخ الاسلام في بعض المواطن من كتبه لا يكفر من يقول إن الله جسم، فهو يقول إن الله جسم فهو كافر، هذا ضلال، وهذا ليس فيه حق ولا عدل، فهو يسقط كلمة الجسم في كتب ابن تيمية على المفهوم عنده هو، والحق أننا إذا أردنا أن نحاكم عالماً فنحاكمه باصطلاحاته هو لا باصطلاحات غيره، فمثلاً في كتاب المجموع للإمام النووي (4/253) قال: (وممن يكفر من يجسم تجسيماً صريحاً) أي ممن يقول إن الله عز وجل جسم ، فهذا يكفر.
واصطلاح إن الله جسم ما تكلم فيه السلف وقبله النبي صلى الله عليه وسلم لا بإثبات ولا بنفي، وهو اصطلاح حادث بدعي لا يجوز إطلاقه على الله عز وجل، وقد تعرض شيخ الإسلام لهذا المصطلح لكثير من كتبه، أصل على بعض منها، فمن راد أن يعرف كلام شيخ الإسلام حول هذا الاصطلاح فلينظر في كتبه الآتية: "شرح حديث النزول" (ص 69-76) "مجموع الفتاوي"(3/ص306-310، 13/304-305) "منهاج السنة النبوية" (2/134-135، 192، 198-200، 527)
والخلاصة، وأجمل لكم، والكلام ظاهر بين، ولا أريد أن أفصل، يقول شيخ الإسلام في كتابه "شرح حديث النزول" وانظروا إلى دقته وإلى عدله، وإلى الحق الذي معه، خلافاً للمشوشين عليه، قاتلهم الله أنى يؤفكون، يقول: ((لفظ الجسم مبتدع في الشرع محرف في اللغة، ومعناه في العقل متناقض)) ويقول: ((من زعم أن الرب عز وجل مؤلف ومركب بمعنى أنه يقبل التفريق والانقسام والتجزئة، فهذا من أكفر الناس وأجهلهم))، وقوله(( شر من الذين يقولون إن لله ولداً، بمعنى أنه انفصل منه جزء فصار ولداً له))، ويقول عن الكرامية: ((وهم متفقون على أنه سبحانه جسم لكن يحكى عنهم نزاع في المراد بالجسم، هل المراد به أنه موجود، قائم بنفسه، أو المراد أنه مركب؟ فالمشهور عن أبي الهيثم وغيره من نظارهم أنه يفسر مراده بأنه موجود قائم بنفسه مشار إليه، لا بمعنى أنه مؤلف مركب، وهؤلاء ممن اعترف نفاة الجسم بأنهم لا يكفرون، فإنهم لم يثبتوا معنىً فاسداً في حق الله تعالى، لكن أخطأوا في تسمية كل ما هو قائم بنفسه، أو ما هو موجود جسماً من جهة اللغة، قالوا: فإن أهل اللغة لا يطلقون لفظ الجسم إلا على المركب، والتحقيق أن كلا الطائفتين مخطئة على اللغة، أولئك الذين يسمون كل ما هو قائم بنفسه جسماً، وهؤلاء الذين سموا كل ما يشار إليه وترفع الأيدي إليه جسماً، وادعوا أن كل ما كان كذلك فهو مركب، وأن أهل اللغة يطلقون لفظ الجسم على كل ما كان مركباً، فالخطأ في باللغة والابتداع في الشرع مشترك بين الطائفتين)) أ.هـ.
ومقصود شيخ الإسلام أن يقول أن من يقول إن الله جسم فهو مبتدع، ونستفصل ممن يقول إن الله جسم؛ ما مرادك؟ إن كان مرادك إن الله حق قائم بذاته، يشار إليه ليس في داخل الدنيا، فهذا كلامه حق، وتسميته خطأ، ومن قال إن الله جسم أي مركب مؤلف، فهذا كافر أكفر من اليهود والنصارى.
وهذا حق وعدل، ولذا من يكفر شيخ الإسلام بقوله إن الله جسم، أضل من حمار أبيه ولا يفهم ماذا يخرج من فيه، ولم يرجع إلى كلام شيخ الإسلام، رحمه الله تعالى، وهذه مضايق لا أحب أن تلقى لولا هذا السؤال، لأن بعض الناس لا هم له إلا أن يكفر ابن تيمية ومهمته في هذه الحياة تكفيره، فلا عمل له ويشيع في الخافقين، وينشر في المشرق والمغرب تكفير ابن تيمية، في الكتابة والدروس، ولا أدري لماذا هذا، لكن قال الله تعالى: {ومن يضلل فما له من هاد}.
وما أشاعه ابن بطوطة عنه أن قال: إن الله ينزل كما أنزل عن هذا المنبر، وابن بطوطة لما دخل دمشق كان ابن تيمية في سجن القلعة، فما رآه وما التقى به.
السؤال 345: سألت من أثق بعلمه عن عمل معين، وفهمت أنه حلال، ثم سألت بعد مدة طويلة شخصاً آخر، فأفتاني بالحرمة، ثم قرأت في المسألة فوجدت أني أميل بقوة إلى الرأي ألاول فهل الفتوى الثانية تنقض الفتوى الأولى، فيصبح المال الذي حصلت عليه من العمل حراماً، وهل الأخذ بالرأي الأول، والاقتناع به يحرم علي الاستمرار بالعمل؟
الجواب: المسألة التي يفتي بها مفت أهل وذو اجتهاد ولم يصادم نصاً من النصوص الشرعية، صريحاً صحيحاً، فهذا اجتهاده معتبر، والواجب على الإنسان أن يعبد مولاه بما يغلب على ظنه أنه أمره وحكمه، ومن المقرر عند العلماء أن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد، فالصحابة رضي الله عنهم للواحد منهم أكثر من رأي، والرأي القديم بقي محفوظاً، والشافعي له مذهب قديم وجديد، والقديم مدون في كتبه، ويقرر النووي في مقدمة شرحه للمهذب أن الفتوى في أربع عشرة مسألة على المذهب لقديم، ويسردها.
والمطلوب منك أن تعبد ربك بما يترجح عندك أنه حكمه، فإن ثبت لديك، دون هوى، بالدليل أن هذا حلال لك، فهو حلال، والاجتهاد السابق مأجور عليه الإنسان، فإن بذل ما يستطيع من جهد ثم تبين له خلافه، فلا عيب عليه ولا حرج أن يعود إلى الحق، فالعلم بحث، والعلم لا يقبل الجمود ولا الهمود، والله أعلم..
السؤال 346: هل صح أن ملك الموت يسمى عزرائيل؟
الجواب: جميع النصوص التي فيها تسمية ملك الموت بعزرائيل هي من الإسرائيليات، فلم يثبت في كتاب ولا في سنة ولا في أثر عن صحابي أن اسم ملك الموت عزرائيل.
وأعلى ما ورد في تسمية ملك الموت عزرائيل أثر ورد عن الحسن البصري، وقول الحسن ليس بحجة، وليس ملزماً لنا، والقرآن يذكر ملك الموت، وفي حديث البراء وغيره أيضاً ملك الموت دون تسميته عزرائيل، والله أعلم..
السؤال 347: ما صحة حديث {من احتكر قوت المسلمين أربعين يوماً يريد الغلاء، فقد برئ من ذمة الله وبرئ الله منه}؟
الجواب: هذا الحديث وجدته في المسند للإمام أحمد، وفي مصنف ابن أبي شيبة، ومسند أبي يعلى، وعند ابن عدي في الكامل، وعند أبي نعيم في الحلية، من حديث ابن عمر، وإسناده ضعيف فيه راوٍ يكنى أبو بشر، وهو مجهول كما في "العلل" (برقم 1174)، و"الجرح والتعديل"(9/347) كلاهما لابن أبي حاتم.
وورد بلفظ {من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس أو الجذام}، عند أحمد عن ابن عمر، وإسناده ضعيف، وورد أيضاً بإسناد ضعيف عند أحمد، والحاكم، عن أبي هريرة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {من احتكر يريد أن يتغالى به على المسلمين، فهو خاطئ وقد برئت منه ذمة الله}.
ويغني عن هذا كله ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (برقم 165) عن معمر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من احتكر فهو خاطئ} فالاحتكار حرام، فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحتكر خاطئاً، أي آثم، وليس بمعنى مخطئ ،والله أعلم..
السؤال 348: يختم بعض الخطباء خطبته بآية: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به}، هل هذا من السنة، وما نصيحتكم لمن يفعله؟
الجواب: القاعدة: ما أطلقه الشرع نطلقه، وما قيده الشرع نقيده ،فلا يجوز لنا أن نقيد شيئاً أطلق، ولا أن نطلق شيئاً قيد، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يختم خطبة الجمعة بكلام واحد، فما تيسر للخطيب أن يختم به الخطبة فلا حرج.
أما المداومة على نمط معين في ختم خطبة الجمعة، فهذا أمر ليس بمشروع، وليس بجائز، سواء من الدعاء أو الترحم أو الترضي، فهذا كله ليس بجائز، وإنما يفعل الخطيب ما يسر الله له، وما ألقاه على لسانه، من غير مداومة، وينبغي أن يحرص على هذا من كان معروفاً باتباعه للسنة، لأن المداومة عنده على شيء قد تجعل مستمعيه يظنوها سنة، فعليه أن يحيد عن المداومة على شيء معين.
وأما بدء الخطبة فمن السنة أن تكون بخطبة الحاجة ،كما هو ثابت من هديه صلى الله عليه وسلم، وهدي أصحابه رضي الله عنهم.
السؤال 349: هل تنصح طالب العلم المبتدئ بحضور درس الخميس "شرح صحيح مسلم"؟
الجواب: الأحاديث متجددة والمباحث جديدة، فمن كان ذا همة، وعنده مكنة وقدرة على المتابعة فحضوره لدرس الخميس جائز.
وللمشايخ والعلماء في تخصيص درس للمبتدئين مشارب ومذاهب، فمثلاً كان الشيخ السعدي رحمه الله، يخص الطلبة المبتدئين بدرس يدرسه من طلبته، وكان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، يدرس المتقدمين درساً ويخص المبتدئين بدرس بنفسه، وكان الشيخ ابن عيثمين رحمه الله، يقول: (لا مانع عندي أن يحضر درسي المتقدم والمبتدئ).
فهذه وسائل، ودرس الخميس درس واظبنا عليه والحمد لله، في شرح صحيح مسلم، وفيه علم وفيه تركيز على الرواة، والأسانيد على حسب المقتضي لذلك، وفيه خير، ومن داوم عليه فإنه إن شاء الله تعالى يستفيد.
وأنصح طالب العلم أن يكون له نصيب من المدارسة، فالقراءة جزء من تأسيس شخصية طالب العلم، والمذاكرة جزء آخر، والسماع جزء ثالث، والجرد جزء رابع،والبحث جزء خامس فطالب العلم ينبوع الأساليب.
ومن الضروري بمكان لطالب العلم أن يتعود القراءة النصية، حتى يمتحن عقله وفهمه، هل إن قرأ وحده يفهم صواباً أم خطاً؟ فمن عجائب الأديب المصري الرافعي لما رد على طه حسين، وقد أولغ في الفساد وقال ما قال، فيقول الرافعي له: (لقد قرأت خبراً عن السلف [وهو في "عيون الأخبار" لابن قتيبية] كان بعضهم يكتب خلاف ما يسمع، ويعلم خلاف ما يكتب)، فقال: (كنت أظن أن هذه خرافة حتى قرأت كتبك، فوجدتك تنقل خلاف ما في الكتب وتفهم خلاف ما تقرأ).
فبعض الناس يظن أنه يقرأ صواباً، وهذا أكثر ما يظهر في القرآن، فيقول بعضهم: أنا لما أقرأ القرآن وحدي لا أخطئ، لكن إن قرأت على الشيخ أخطأ في الفاتحة، أنت يا مسكين لا تدري أنك لا تخطئ، فمن يدريك عندما تقرأ وحدك أنك لا تخطئ، فمن أسس طلب العلم، ومن الأهمية بمكان لطالب العلم، أن يقرأ قراءة جيدة، فأنصح كل طالب علم أن يكون له شيخ وأستاذ يقرأ عليه قراءة نصية، فقراءة الكتب هي الجادة التي كانت عند الأقدمين، وعندما تقرأ في التراجم تجد: قرأ علي الشيخ كذا وكذا وكذا، حتى الحافظ ابن حجر ألف أربع مجلدات في أسماء الكتب التي قرأها على المشايخ فهذه القراءة النصية أنصح بها، والله أعلم..
السؤال 350: هل القاعدة الفقهية حجة يصح الاستدلال بها؟
الجواب: القاعدة الفقهية ليست حجة، والقواعد الفقهية مأخوذة من استقراء النصوص الشرعية، وإنما القاعدة يستنبط منها والخلاف على درجات.
فأقبح وأسوأ خلاف، الخلاف الذي يصادم نصاً فينكر على مخالف النص وإن كان فقيهاً، لذا القاعدة التي تقول: المسائل التي فيها خلاف لا إنكار فيها ليست على إطلاقها، وعالج ابن القيم هذه القاعدة معالجة جيدة، فعلماء الكوفة كانوا يقولون بحل النبيذ، وأهل مكة كانوا يقولون بحل محاشر النساء، ثم مات الخلاف، والمحققون من الحنفية يخطئون من يقول بحل النبيذ، فلو أن رجلاً اليوم أحيا خلاف أهل الكوفة بيننا أنقول لا ينكر في المسائل التي فيها خلاف، أم ننكر عليه؟ ننكر عليه.
وكان الإمام أحمد في بغداد وأهل الرأي في بغداد فلما سمع الإمام أحمد بعض الناس المتصدرين للفقه يجوزون النبيذ، ألف كتابه المطبوع اليوم "كتاب الأشربة" ويذكر العلماء في ترجمته أنه كان في كمه دائماً وكان أينما جلس قرا على جلاسه منه حتى قضى على هذه الفتنة.
فهذا الخلاف الأول، ولا يعبأ بالمخالف، لكن يعتذر له، إلا المسائل التي تزاحمتها النصوص، واعلموا أن كل مسألة المحققون على اختلاف أعصارهم وأمصارهم اختلفوا فيها، وبقي الخلاف فيها ممتداً فالخلاف في مثل هذه المسألة معتبر، مثل مسألة الخلاف في القراءة خلف الإمام فكتب بعضهم ورقة يظن كاتبها أنه سيقضي على الخلاف بين العلماء في هذه الورقة، وهذا خطأ، فقد ألف علماء شبه القارة الهندية في القرن الرابع عشر والثالث عشر ألف رسالة أو أكثر، في مسألة القراءة خلف الإمام، والعلماء المعتبرون من القديم إلى الآن لم يتفقوا على قول واحد في المسألة فالخلاف معتبر.
الدرجة الثانية في الخلاف مسألة لا نص فيها، وتخرج على القواعد، ومسألة تتزاحمها قواعد مختلفة فالخلاف هنا واسع.
الدرجة الثالثة من الخلاف، مسألة لا نص فيها ولا تقبل التخريج على القواعد، وإنما الجواب فيها مقاصد الشريعة، فالخلاف هنا أوسع.
والفقيه من يعرف الخلاف، وسبب الخلاف وفي أي المسائل الخلاف معتبر، وفي أي المسائل الخلاف غير معتبر، وقال قتادة رحمه الله: (من لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم أنفه رائحة الفقه) فمعرفة الخلاف من الأمور المهمة.
فالقواعد الفقهية ليست بحجة، وإنما تبنى المسائل عليها، ومن أسباب معرفة الراجح من المرجوح ومعرفة الحق من الباطل في مسائل الفقه، أن تعرف سبب الخلاف، وأن تتصوره، فمن تصور سبب الخلاف يحسن متى يقوي اللهجة إن خالف، ومتى يضعفها، متى يعذر ومتى لا يعذر.
ومن الكتب النادرة بل تكاد تكون درة يتيمة التي اعتنت من بين كتب الفقه بأسباب اختلاف الفقهاء في كل مسألة على انفراد كتاب ابن رشد "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" فيذكر منه اختلاف العلماء، وفيه سمة لا توجد في غيره، حيث يقول لك بعد ذكر الخلاف أو قبله: (وسبب اختلاف العلماء في هذه المسألة......) ويذكر لك سبب الاختلاف، فمن يقرأه تتقوى ملكته في الفقه، وقد نبه على هذا في كتاب الصرف، فقال: (كما نجد أكثر متفقهة زماننا يظنون أن الأفقه هو الذي حفظ مسائل أكثر، وهؤلاء عرض لهم شبيه ما يعرض لمن ظن أن الخفاف هو الذي عنده خفاف كثيرة الا الذي يقدر على عملها. وهو بين ان الذي عنده خفاف كثيره سيأتيه إنسان بقدم لا يجد في خفافه ما يصلح لقدمه، فيلجأ إلى صانع الخفاف ضرورة، وهو الذي يصنع لكل قدم خفاً يوافقه فهذا مثال أكثر المتفقهة في هذا الوقت). فحال الذي عنده ملكة فقهية كحال الذي يصنع الخفاف، واليوم نحتاج للصناع لا الذين يبيعون فنحتاج لمن عنده ملكة فقهية.
فالملكة الفقهية من الأمور المهمة التي ينبغي لطلبة العلم أن يحصلوها، من خلال النظر في كتب القواعد والأصول، وأسباب اختلاف العلماء والأشباه والنظائر للمسائل وهي من الأمور المهمة تقوي الترجيح لأن الشرع قواعد مطردة وإن لم يكتب في الأشباه والنظائر إلا أصحاب المذاهب لكن النظر فيها مهم، والله أعلم..
__________________
السؤال 351: هل يجوز لمن يملك النصاب أن يؤدي زكاة ماله على دفعات شهرية، وهل له ان يحسب الدين من الزكاة؟
الجواب: يجوز للرجل أن يؤدي زكاة أمواله على دفعات، ولا حرج في ذلك، لكن بشرطين: أن ينوي عند كل دفعة انها زكاة، والشرط الثاني: يجوز التقديم ولا يجوز التأخير، فمثلاً رجل حوله في رمضان، وأراد أن يدفع الزكاة بأقساط، فلما يأتي رمضان ينبغي أن يكون قد وفى وسدد جميع المبلغ، أما أن يقسطها بعد رمضان فلا يجوز، فبقدوم رمضان يصبح المال ليس ملكاً له، وينبغي أن يخرجه لمستحقيه امتثالاً لأمر الله عز وجل.
أما احتساب الدين من الزكاة، فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن نظر إلى حقائق الأشياء قال هذا جائز،وقال ما الفرق بين أن أعطيه مائة دينار زكاة، ولي عليه مئة دينار ديناً، ثم يرجعها إلي فيسد دينه، وبين ان أسامحه بالمائة دينار؟ وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك.
ومذهب الشافعي وقول عند أحمد أن الزكاة لا تجوز إلا بالتمليك ،لأن الله يقول: {خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، فمن أسقط المال من الذمة، لا يزكي ماله، ولا يزكي نفسه ،بل هذا تعميق للشح في النفس.
وقلبي يميل إلى لو ان رجلاً داين آخر، ونوى بأنها إن لم ترجع إليه، فإنها من زكاة ماله، فإنها إن شاء الله تعالى من الزكاة، لأن التزكية حاصلة ،وهي فيها إعطاء، وما يلزمه أحد أن يعطي ديناً، فهو يقول: إن أرجعها إلي أصرفها في مصارف الزكاة، وإن لم يرجعها إلي فهي زكاة مالي إليه، وبهذا لا أرى حرجاً إن شاء الله تعالى، والله أعلم..
السؤال 352: هل في أن يتقصد الرجل أن يدفع زكاة ماله في رمضان فضل؟
الجواب: نعم ولا حرج في ذلك، فقد أخرج مالك في "الموطأ" عن عثمان أنه خطب ذات مرة، وقال: ((شهر صيامكم شهر زكاتكم)) وقول عثمان ذلك من على المنبر يقوي حجيته ،لأنه على مسمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
السؤال 353: ما حكم الجهر بالذكر بعد الصلاة؟
الجواب: الاصل في الذكر أن يكون سراً، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، أنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً في السفر يكبر الله بأعلى صوته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً}، فلا يجوز للرجل أن يجهر بذكره على أصل القاعدة، إلا ما ورد فيه الجهر، والأصل في الذكر بعد الصلوات أن يكون سراً.
لكن ثبت في صحيح مسلم قول ابن عباس: (( كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير))، وهذا كما قال الشافعي والشاطبي وقد أصل وفصل الشاطبي في أواخر كتابه "الاعتصام" هذه المسألة، وقد بين بما لا يزيد عليه أن هذا الجهر كان فقط من اجل التعليم، فيجوز للإمام أن يجهر بالأذكار ليعلم الناس فقط.
والظاهر من صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان في المدينة ولم يكن في مكة، فمتى رأى الإمام مصلحة في جهره بالذكر لوجود اناس في المسجد لا يفقهون ولا يعلمون هذه الذكار فيجهر أمامهم حتى يحصل التعليم، فمتى حصل التعليم يرجع إلى الأصل، وهو الإسرار.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمكث في مصلاه بمقدار قوله {اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام}، ثم يخرج فأين الجهر؟ فالذكر كان يقع منه في الطريق، وهذا ثابت عن أبي بكر وعمر كما في سنن البيهقي، وغيره، كانا لا يجلسان بعد الصلاة إلا بمقدار الجلوس على رضف الجمر.
أما الجلوس والذكر مع تمطيط وترنم وتطريب، فليس هذا من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر السلف على من يفعل ذلك، ولم يرد الجهر بالذكر عن احد من الصحابة إلا ابن عمر رضي الله عنهما، وابن عمر له انفرادات والله أعلم.
السؤال 354: الرجاء التفصيل في مسألة متابعة الإمام؟
الجواب: مسألة متابعة الإمام مسألة اختلفت فيها وجهات النظر، والعلماء مختلفون في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {إنما جعل الإمام ليؤتم به}.
والذي أراه راجحاً أن الإمام متى زاد في الصلاة فعلى المأمومين أن يذكروه، فإن أصر على الزيادة قاموا معه وتابعوه، وأما إن خالف الإمام هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بهيئة من الهيئات فنحن أسعد بهديه صلى الله عليه وسلم منه، وأستعير قوله لعلي أخرجها النسائي في المجتبى، بإسناد جيد، فقال: ((أنترك سنة نبينا لفعل أعرابي بوال على عقبيه)) فمتى رأيتم الإمام في هيئة من الهيئات خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فأنا أسعد بهدي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الإمام، والعبرة بمتابعة الإمام الأكبر، لقوله صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي}.
لكن لو أن الإمام خالف هديهه صلى الله عليه وسلم، فزاد مثل قنوت الفجر، فلا يجوز لي أن أخالفه، وأقنت معه. وهذا عندي معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: {يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساؤوا فعليهم}، وهذا فهم الصحابة للمسألة فيما أفهم، فابن مسعود لما أتم عثمان وصلى أربعاً في السفر، قام في الناس خطيباً كما في صحيح الإمام مسلم، وقال: {والذي نفسي بيده لقد صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ركعتين، وصليت خلف أبي بكر ركعتين، وصليت خلف عمر ركعتين، وها أنا ذا أصلي أربعاً فيا ليت حظي من أربع ركعتان متقلتان إن الخلاف كله شر}، فابن مسعود أتم خلف عثمان ركعتين تامتين لم ير مشروعيتهما، فمتى زاد الإمام زدنا بعد تنبيهه على خطأه، لكن من كان يشار إليه بالبنان ويحسب عليه فعله كما يحسب عليه قوله كأن يكون طالب علم أو عالم، وصلى خلف إمام قد خالف هدى النبي صلى الله عليه وسلم فعليه أن يفعل ما فعله ابن مسعود بأن يبرئ ذمته فعليه بالبيان، فابن مسعود بين وبرأ ذمته وقال إن الخلاف كله شر.
ويا ترى عثمان لماذا أتم؟ هل تقصد أن يصادم هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ معاذ الله ،فهو قد اجتهد والحق مع صاحبيه، وقوله وفعله مرجوح وليس براجح وإنكار ابن مسعود عليه في محله، وأرجح الأقوال في إتمام عثمان ما وقع التصريح به، من عثمان نفسه وهو الذي رجحه الحافظ في الفتح، فقد قال عثمان {أصلي وينظر إلي الأعراب فإن رجعت ظنوا أن الرباعية ركعتان} فنظر إلى مآل الفعل.
والصواب أن يصلي ركعتين ولابد أن يسأل الناس أو ان يقع البيان، فيقرن الفعل مع البيان، فمن فعل فعلاً وظن أن يوضع في غير مكانه فالبيان يسعفه في أن يضع الشيء في مكانه ثم لا يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل إنه كان له بيت في مكة، والأول أرجح لأنه هو الذي علل به،، وتعليله مقدم على تعليل غيره . والله أعلم.
السؤال 355: ما هي البهائية ومن هم البهائيون وكيف نشأت ومتى؟
الجواب: البهائية فرقة مرتدة ضالة كافرة، من انتسب إليها خرج من الإسلام، وليس له نصيب فيه، ولا يجوز الصلاة عليه، ولا يورث ولا يرث ولا يدفن في مقابر المسلمين.
والبهائية نشأت في إيران سنة 1260هـ، 1844م، فقد دعمها الاستعمار البريطاني وكانت من ورائها اليهودية ولا زالت.
ولذا هذه الفرقة تقوى في ديار المسلمين ولها وجود قوي في العراق، وفي كثير من البلدان، والآن لها وجود قوي في فلسطين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أسس هذه الفرقة رجل يسمى: علي محمد رضا الشيرازي، وأعلن عن نفسه أنه [الباب]، ولما مات قام بالأمر من بعده الميرزا حسين علي الملقب بالبهاء، وسمى أتباعه بالبهائيين نسبة له، وله كتاب اسمه الأقدس وتوفي البهاء سنة 1892م .
وهنالك شخصيات لها أثر في ديانتهم، من أهمها امرأة بغي تسمى قرة العين، انفصلت عن زوجها وفرت منه تبحث عن المتعة، وعقدت مؤتمراُ سنة 1269م أعلنت فيه أن شريعة البهاء نسخت الإسلام.
ومن أعلامهم أيضاً أخي البهاء، رجل يسمى علي، وهو الملقب عندهم بالأزل، ونازع أخاه في خلافة الباب، ثم انشق عنه، وله كتاب مقدس عندهم يسمى الألواح.
ويعتقد البهائيون أن الباب هو الذي خلق كل شيء بكلمته، وهو المبدأ الذي ظهرت عنه جميع الأشياء، ويقولون: إنه حل واتحد وذاب جسمه في جميع المخلوقات ويقولون: إن من مات على صلاحٍ، بمعاييرهم ومقاييسهم، فإن روحه تنتقل إلى شيء مشرف، ومن مات على فساد فإن روحه تنتقل إلى الخنازير والكلاب وما شابه، وهذا ما يسمى بتناسخ الأرواح.
والبهائية يقدسون رقم ((19)) والمعجزة 19 في القرآن التي قرأناها في بعض الكتب ورائها وسببها البهائية، وعندهم السنة تسعة عشر شهراً، والشهر تسعة عشر يوماً.
ويقولون بنبوة بوذا، وكونفوشيوس، وزرادشت، وأمثالهم من حكماء الصين والهند والفرس، ويوافقون اليهود بقولهم بأن المسيح قد صلب، وينكرون معجزة الأنبياء جميعاً، وينكرون حقيقة الملائكة، وحقيقة الجن، وينكرون الجنة والنار، ويرون أن النعيم والعذاب إنما يكون بتناسخ الأرواح فحسب، ويعتقدون أن القيامة إنما تكون فقط بظهور البهاء، وقبلتهم البيت الذي ولد فيه الباب، بشيراز في إيران.
ويحرمون على المرأة الحجاب، ويحللون لها المتعة، وعندهم أن المرأة مشاع لكل الناس، فلا يوجد للمرأة حرمة عندهم.
وعندهم كتب يعارضون فيها القرآن الكريم، وينكرون أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ويرون استمرار الوحي، وأنه لم ينقطع، ويوجدون بكثرة في إيران، ولهم وجود في سوريا، العراق، ولبنان، وفلسطين، ولهم وجود في هذه الديار، ولهم مدارس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالبهائية قوم كفار يحرم أن نعاملهم معاملة المسلمين ولا يرثهم مسلم ولا يرثوا مسلماً ولا نغسلهم ولا نكفنهم ولا ندفنهم في مقابر المسلمين، لأنهم مرتدون خارجون عن الملة، وبهذا يفتي جميع علماء المسلمين، والله أعلم..
السؤال 356: امرأة دخل عليها وقت الصلاة، وهي طاهر، ثم حاضت قبل خروج الوقت، ولم تؤد الصلاة، فهل تبقى الصلاة في ذمتها؟
الجواب: إن المرأة إذا جائها الحيض في وقت الصلاة، وكان بإمكانها أن تصلي هذه الصلاة وما صلتها، فتبقى هذه الصلاة واجبة في ذمتها، قولاً واحداً عند العلماء، فمتى طهرت فأول واجب عليها، أن تغتسل وتقضي صلاة الظهر.
ومتى علمت المراة أن وقت الحيض قد قرب، فيجب عليها ان تسارع في اداء الصلوات في أول وقتها، ويصبح الوقت في حقها كوقت المحكوم عليه بالقتل، فمن حكم عليه بالقتل الساعة الواحدة مثلاً، والظهر يؤذن الساعة الثانية عشر والنصف، فهذا وقت صلاة الظهر عنده غير موسع، ويجب عليه اداء الصلاة قبل الواحدة، لأن الوقت عنده أصبح حقيقياً، وكذلك الحائض متى علمت من خلال عادتها أو أمور تعرفها أنه سيأتيها الحيض، فيجب عليها أن تعجل في صلاتها حتى لا يباغتها الحيض ويمنعها ،فإن باغتها وهي لا تدري، فتبقى الصلاة في ذمتها وتجب عليها بعد الطهر، والله أعلم.
السؤال 357: من المراد بالشيخين عند الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة، ونقرأ في كتب الأحناف الصاحبين والطرفين والأئمة الثلاثة فمن هم، ومن المراد بالسلف عندهم؟
الجواب: هذا السؤال فيه اصطلاحات تدرج عليها الفقه، ومعرفة هذه الاصطلاحات من الأمور المهمة حتى لا يقرأ الإنسان أشياء مبهمة، ويفهم.
فالشيخان عند الحنفية هما الإمامان ابو حنيفة وأبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم، وأينما قرأت في كتب الحنفية، لهما عندهما قالا، وما شابه، فالمراد بهام أبو حنيفة وأبو يوسف.
إلا إن ذكر أحدهما قبل ذلك فيكون المراد محمد بن الحسن معهما، فإن قيل قال أبو حنيفة ثم قيل: وقالا فالمراد أبو يوسف ومحمد، وإن قيل قال محمد بن الحسن، ثم قيل وقالا، فالمراد أبو حنيفة وأبو يوسف، وهكذا، لكن الشيخان عندهما أبو حنيفة وأبو يوسف، والطرفان أبو حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني، ومعنى لهما: أي أدلتهما، والأئمة الثلاثة عندهم هم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد.
وأما الشيخان عند المالكية فهما القاضي عبدالوهاب بن نصر البغدادي وشيخه ابن القصار.
وأما عند الشافعية فالمراد بالشيخان عندهم هما الرافعي والنووي.
وأما الشيخان عند الحنابلة فهما مجد الدين بن تيمية جد شيخ الإسلام، صاحب كتاب "المحرر" وابن قدامة المقدسي صاحب "المغني" .
أما الشيخ عند الحنابلة فالمتقدمون من الحنابلة يريدون به القاضي أبو يعلى، كابن عقيل في كتبه، وأبو الخطاب الكلوذاني، واما المتأخرون منهم كأمثال صاحب الفروع، وصاحب الإقناع، وكتب ابن القيم، لما يقولون: قال الشيخ أو قال شيخنا فالمراد به ابن تيمية، وهذه الاصطلاحات مهمة تنفع طالب العلم فلما يقرأ يعرف ينسب الأقوال إلى أصحابها، والله أعلم.
السؤال 358: ما صحة حديث {كما تكونوا يولى عليكم}؟
الجواب: لحديث أخرجه الديلمي عن أبي بكرة مرفوعاً، وفيه يحيى بن هاشم، وهو كذاب يضع الحديث، وله طريق آخر عند ابن جميع في "معجم الشيوخ" (149) وعند القضاعي في مسنده، من طريق آخر عن أبي بكرة وفيه المبارك بن فضالة وهو ضعيف، والراوي عنه أبو أحمد الكرماني وهو مجهول أفاده الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف المسمى "الكافي الشاف" فهذا الحديث لم يصح ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن معناه أمر أخذ بالاستقراء، فغالباً يكون الناس باهتماماتهم، على حسب الوالي عليهم، ووجد لأبي منصور الثعالبي المتوفى سنة 429هـ ، في كتاب مطبوع اسمه "لطائف المعارف" وجدت له كلاماً جميلاً يخص هذا الحديث، ويؤكد أن هذا الكلام بالجملة معناه صحيح فيقول أبو منصور الثعالبي: (كان الأغلب على عبد الملك بن مروان حب الشعر فكان الناس في ايامه يتناشدون الاشعار ويتدارسون اخبار الشعراء ؟؟؟؟؟ بها وكان الاغلب على الوليد بن عبد الملك حب البناء واتخاذ المصانع وكان الناس في ايامه يخوضون في رصف الأبنية، ويحرصون على التشييد والتأسيس وكان الأغلب على سليمان بن عبدالملك حب الطعام والنساء، فكان الناس في أيامه يصفون ألوان الأطعمة ويذكرون اطايبها، ويستكثرون من الحرص على أحاديث النساء، ويتسائلون عن تزوج الحرائر، والاستمتاع بالسراري، ويتجاوزون في الباه، وكان الأغلب على عمر بن عبدالعزيز حب الصلاة والصوم وكان الناس في أيامه يتلاقون فيقول الرجل لأخيه: ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ وبكم تختمه؟ وكم صليت البارحة؟ وهل أنت صائم؟ وكان يزيد بن عبدالملك يحب الخيل وكان الناس يتنافسون في اختيارها، ويتقربون إليها، باتخاذ الأجود والأحسن منها، وكان هشام بن عبدالملك يحب الثياب ونفائس اللباس وكان الناس في أيامه يتبارون في التجارة فيها، ويتواصفون أنواعها، وكان الوليد بن يزيد صاحب لهوٍ وشراب وسماع، وكان الناس في أيامه يتشاغلون في الملاهي ويترخصون في النبيذ ويقولون بالسماع، وقد صدق من قال: إن الناس على دين ملوكهم والسلطان سوق يجلب إليها ما ينفق فيها.
إذن هذه المقولة حكمة مأخوذة من خلال النظر في تاريخ الناس، أما عزو ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم على انه حديث فليس بصحيح والله أعلم..
السؤال 359: ما رأيك بالشيخ عبد الحميد كشك؟
الجواب: الشيخ عبدالحميد كشك، واعظ الدنيا عندي، ولا أرى من أتقن الوعظ مثله، وهو أول من نبه الناس وجعلهم يتداولون المواعظ في الأشرطة، وهو رجل يحبب الناس في الإسلام، وخاصة في النبي صلى الله عليه وسلم، فمن يسمع أشرطته يحب النبي صلى الله عليه وسلم حباً كثيراً، والرجل له هجمات شرسة على كثير من المتكلمين في الشرع، لكن ينبغي أن يحذر أشد الحذر مما في أشرطته من أحاديث وقصص، فهو يأتي بالصحيح والضعيف، والواهي والقصص التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومن أسباب انتشار الأحاديث الموضوعة، في هذا الزمان جماعة التبليغ والشيخ عبدالحميد كشك، فهم يكثرون من ذكر ما لذ وطاب ولا يبحثون عما ثبت وصح ،وقد قال الإمام الذهبي-رحمه الله-: (وأي خير في حديث اختلط صحيحه بواهيه وأنت لا تفليه ولا تبحث عن ناقليه) فالأصل في الإنسان قبل أن يستدل أن تتثبت عنده الصحة.
وهذه الخصلة ليست بسهلة ،والكمال عزيز أو عديم، فمن يسمع للشيخ كشك ينبغي أن يحرص على هذا الأسر، وإلا فالرجل قوي جداً في الوعظ متين في اللغة، صاحب عارضة وحجة قوية، ويأسر ويشد المستمع إليه، لكن هذه اللوثة في أشرطته نحذر منها، والله الهادي والموفق.
السؤال 360: ما حكم طلب المسلم الدعاء من أخيه المسلم؟
الجواب: طلب الدعاء من المسلم للمسلم ينظر فيه، فالإكثار منه ليس بحسن، وهو في بعض الصور مشروع وفي بعضها ممنوع. وقد كره السلف لما رأوا الإكثار من طلب الدعاء منهم، ذلك وكثير من الناس اليوم، من المصلين أو طلاب العلم لما يتلقون ثم يتفرقون فيقول كل واحد منهم للآخر ادع لي.وقال ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه "الحكم الجديرة بالإذاعة" قال: (وقد كان عمروغيره من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، يكرهون أن يطلب منهم الدعاء، ويقولون: أأنبياء نحن؟ فدل على أن هذه المنزلة لا تطلب إلا من الأنبياء) فأنت كلما رأيت أخاك تقول هل: ادع لي، ادع لي، هذا ليس بحسن، وأخرج ابن جرير عن سعد بن أبي وقاص أنه لما قدم الشام أتاه رجل فقال له: استغفر لي، وكان سعد مجاب الدعوة، فقال له سعد: ((غفر الله لك))، ثم أتاه آخر، فقال: استغفر لي، فقال له: ((لا غفر الله لك، ولا غفر الله لذاك، أنبي أنا؟)) فلما خرجت فلتة من ذاك الرجل قال: ((غفر الله لك))، ولما تزاحم عليه الناس قال: ((لا غفر لله لك ولا غفر الله لذاك، أنبي أنا؟)) ففهم سعد، كما قال الشاطبي في الاعتصام قال: (فهم سعد من هذا الرجل أمراً زائداً وهو أن يعتقد فيه أنه مثل النبي، أو أنه وسيلة إلى أن يعتقد فيه مثل ذلك، أو يعتقد أن طلب الدعاء سنة تلزم، أو تجري في الناس مجرى السنن اللازمة فمنع سعد ذلك)، ففي مثل هذه الصورة لا يجوز طلب الدعاء، أما من غير هذه الأمور فلا أرى فيها حرجاً.
وأخرج ابن جرير عن زيد بن وهب، أن رجلاً قال لحذيفة: استغفر لي، فقال له حذيفة: ((لا غفر الله لك))، ثم قال حذيفة: ((هذا يذهب إلى نساءه فيقول: استغفر لي حذيفة أترضين أن يدعو الله أن يجعلك مثل حذيفة؟)) فكره حذيفة أن يشتهر هذا الأمر ،وأن يعتقد في حذيفة ما لايدعيه، وقد أسند ابن جرير عن ابراهيم التمعي، قال: (كانوا يجتمعون فيتذاكرون فلا يقول بعضهم لبعض استغفر لي) أي الصحابة، وأسند الخطيب في كتاب "التلخيص" عن عبيد الله بن أبي صالح قال: (دخل علي طاووس يعودني فقلت له يا أبا عبد الرحمن ادع الله لي) فقال: (ادع لنفسك فإن الله عز وجل يجيب المضطر إذا دعاه)، فأن يترك الإنسان الدعاء لنفسه، ويطلب من غيره وأن يجري هذا الطلب مجرى السنن اللازمة، ويعتقد فيمن يطلب منه الدعاء اعتقاداً زائداً، فهذه كلها عوارض ولوازم، تجعلنا نقول: إن هذا الطلب على هذا الحال وهذه المواصفات ممنوع.
وقد أجمل ذلك شيخ الإسلام في كتابه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" فقال: (ومن قال لغيره من الناس ادع لي أو أدع لنا، وقصد بأن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء، وينفع هو أيضاً بأمره، ويفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير فهو مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤتم به، ليس هذا من السؤال المردود، وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته، لم يقصد نفع ذلك، والإحسان إليه فهذا ليس من المقتدين بالرسول صلى الله عليه وسلم، المؤتمين به في ذلك، بل هذا من السؤال المرجوح الذي تركه إلى الرغبة إلى الله وسؤاله ، [وقد وقع تحريف هنا في كل الطبعات إلا طبعة الشيخ ربيع، فوقع بدل وسؤاله ورسوله، وهذا خطأ فالرغبة لا تكون إلا لله]، أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله، وهذا كله من سؤال الأحياء الجائز المشروع) فينظر للقائل: أدع لي، إذا كان يأمره بعبادة وطاعة فهذا فيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا كان مقصوده طلب حاجته فهذا من السؤال المرجوح، والمطلوب أن تسأل الله حاجتك وألا تسأل غيره.
وأما حديث (( لاتنسانا يا أخي من دعائك)) لم يثبت ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما حيث النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لأبي بكر وعمر: {إن رأيتما أويساً القرني فاسئلاه أن يدعو لكما}، والحديث الظاهر منه أنه حسن، رغم أن الإمام مالكاً كان ينكره، وكان يقول: لا يوجد أويس، والحديث فيه إلمامة إلى أن هذا أمر خاص بأويس، فلم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم، من أحد أن يدعو لأحد إلا لهذا الرجل، لأنه عرف باستجابة دعوته، وأما من عداه فما أدرانا أنه مثله؟ والأصل في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأمثالهما أن الذريعة مسدودة في حقهم بأن يتجهوا للمخلوق وأن ينسوا الخالق، أما من عداهم فهذا الفساد يلحق بهم.
فإذا سلمت المحاذير مما ورد في كلام ابن تيمية والشاطبي فلا أرى حرجاً، والذي أنكره كثرة الطلب، وأن يكون ذلك شعاراً للإنسان كلما التقى آخر يقول له: أدع لي أدع لي، وهذا لا يدعو وهذا لا يدعو، فأصبحت كأنها شعار ملاقاة بدل السلام عليكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السؤال 361: هل هناك فرق بين أهل الكتاب والملحدين والوثنيين، في كفرهم، وهل أهل الكتاب مخلدون في النار؟
الجواب: من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبلغته الدعوة، ولم يؤمن به فالجنة عليه حرام، وهو مخلد في النار، وربنا عز وجل كفر من قال: إن الله ثالث ثلاثة، ومع هذا فقد خص اهل الكتاب بحل طعامهم وبحل المحصنات من نسائهم، فأهل الكتاب اليوم من سمع برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يستجب لدعوته خالد مخلد في النار، لكن بما أنه من أهل الكتاب فله حكم خاص به، يخص به عن سائر أحكام المشركين، فالله الذي كفرهم والله الذي فرق بين المشركين والذين أواتوا الكتاب.
أما من حيث إقامة الحجة على كل كتابي في الدنيا فهذا فيه تضييق، والقول بمجرد السماع بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولو سألت الذي سمع به من محمد؟ ويقول لك اسم مدينة مثلاً، فلم يتحقق السماع، فمن بلغه الإسلام، وعلم أن هناك نبي، اسمه محمد وجاء يشرع، فيجب عليه أن يدرس هذا الشرع، ويجب عليه أن يتطلبه، ونحن لا نتوقف في تكفير أهل الكتاب حتى نقيم على كل واحد منهم الحجة، فالإسلام والشرع ظهر وبلغ كل الناس، ولكن هناك آحاد من الناس ربما يموتون وهم يبحثون عن الحق ولا يعرفونه، وقد بذلوا ما يستطيعون، فهؤلاء أمرهم إلى الله عز وجل، وقد يلحقون بمن يمتحنون بعرصات يوم القيامة، والله أعلم..
السؤال 362: هل تصح نسبة كتاب الكبائر إلى الإمام الذهبي؟
الجواب: كتاب الكبائر قطعاً للإمام الذهبي، وقد وقفت على اكثر من نسخة خطية، وواحدة منها في الظاهرية، نقلت من خطه، لكن الكتاب المطبوع والموجود في السوق، الذي فيه خرافات وقصص وحكايات فهذا كتاب مكذوب على الذهبي.
كتاب الذهبي كتاب نظيف، وأضعف ما فيه بعض أحاديث انفرد فيها الحاكم ،وقال فيها الذهبي: (وهو حديث صحيح رواه الحاكم والتصحيح على عهدته)، فهذا أضعف ما ورد في الكتاب، أما الكتاب الموجود في السوق، وفيه أحاديث من امثال: ((تارك الصلاة يبتلى بخمس عشرة خصلة، خمسة في الدنيا، وخمسة في البرزخ، وخمسة في الآخرة....)) فأذكر منذ أكثر من عشرين سنة قرأت كتاب الذهبي وبعد فترة ليست ببعيدة، قرأت في "ميزان الاعتدال" وهو للذهبي، فيذكر ترجمة راو من الأحمدين، فيقول عنه: (وقد ركب حديث تارك الصلاة يبتلى بخمس عشرة خصلة، وقال : لا يروج ذلك إلا على حمار) فقلت كيف يروج ذلك على الذهبي في كتاب "الكبائر" فهذا الحديث لا يروج إلا على بليد لا يعرف الحديث والنقد الحديثي، فاستغربت ذلك، حتى امتن الله علي وعرفت المخطوطات، وكنت حريصاً يومها أشد الحرص أن أقف على مخطوطة الذهبي فعلمت أن منه نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق، فحصلت النسخة وقابلت عليها فوجدت أن الكتاب المطبوع هذا فيه أربع أخماس حشو وكذب وزيادة على كتاب الذهبي، وهو مليء بالموضوعات والكاذيب والخرافات.
والذهبي إمام ناقد وهو القائل: (وأي خير في حديث اختلط صحيحه بواهيه وأنت لا تفليه ولا تبحث عن ناقليه) فهو امام صاحب تحقيق، وكتابه مختصر يقتصر فيه على الحاديث وجلها صحيحة، أو حسنة، والضعيف فيه قليل، وضعفه يسير، ونقلها من باب الترغيب والتريب وقال فيها العهدة، على الحاكم الذي صححها، والحاكم عنده تساهل في التصحيح، والكتاب الآخر المطبوع الكبير فهذا كذب وافتراء على الذهبي ولا يجوز نسبته إليه، ولا يجوز قرائته إلا لمن يميز بين الصحيح والضعيف والغث والسمين، والله أعلم.
السؤال 363: ما رأيك في سيد قطب؟
الجواب: سيد قطب أخطأ فيه اثنان، واقول هذا عبادة، وأعبد الله عز وجل فيما أقول: فقد أخطأ في سيد قطب من كفره، وقد عامله وحمل عباراته ما لايخطر بباله ولواحد كتاب في تكفير سيد قطب، وهذا ظلم له، فمن الظلم له أن نحمل ألفاظه ما لا يخطر في باله، بل من الظلم لسيد قطب أن نعامله وأن نحاكم ألفاظه وعباراته بعبارات واصطلاحات العلماء، وإنما نحاكمها بعبارات واصطلاحات الادباء، وهناك فرق كبير بين الأمرين.
سيد قطب في كتبه يقول عن ربنا عز وجل "ريشة الكون المبدعة" ويقول أيضا ًعن ربنا "مهندس الكون الأعظم" فيا ترى لما يقول سيد عن ربنا الريشة المبدعة، هل يظن سيد أن الله ريشة؟ وهل يظن انه مهندس عنده أنه مهندس عنده أدوات هندسية؟ قطعاً لا، فمن يكفر سيد لأنه يظن أن سيد يعتقد أن الله ريشة، هذا ظلم لسيد قطب، ولذا من كفر سيد قطب فإنه يحاكم ألفاظه باصطلاحات العلماء، وسيد قطب من الأدباء وليس من العلماء، ولو نفهم فقط هذا الأمر لارتحنا، وهذا يقصر علينا مسافة واسعة، وهذا فريق غلا في الحط على سيد.
وعندنا فريق آخر اعتبر سيد قطب منطقة محرمة، والويل كل الويل لمن تكلم عليه، فيقول : سيد فعل وفعل.... نقول: ما فعله له، ونسأل الله أن يتقبله وهو أفضى إلى أحكم الحاكمين.
لكن الخطورة فيما كتب وفيما كتب أشياء ينبغي أن تقوم، وأوجب الواجبات في تقويم ما كتب يلقى عاتق أخيه الأستاذ محمد قطب، وياليت محمد قطب يطبع كتب أخيه وفي هوامشه تعليقات فيها بيان لأخطاء سيد قطب، ويبين أنه ليس مراده كذا وكذا، فحينئذ نرتاح من غلو الكافرين ونرتاح من تاويل المأولين الذين لا يريدون أن يقولوا إن سيد قد وقع في كلامه خطأ، وانا أرى أن هذا واجباً فمهما كتب العلماء في أخطاء سيد قطب، تبقى كتبه شائعة، ولا يصل التقويم الذي كتبه أهل العلم، من أمثال الشيخ ربيع وغيره، بلغة العلم ونقد العلماء، لا يصل إلى كل الناس، لاسيما المعجبين بسيد قطب.
فسيد قطب كتب بعاطفة ،وكتب بتجوز، وكتب بعبارات الأدباء، فوقعت في كتبه أشياء مرودوة، مرفوضة بلغة العلماء. ونحن نتكلم عن التوحيد فسيد ينكر ان يكون الله استوى على عرشه، ويقول استوى بمعنى استولى، وهذا خطأ كبير، بل ينكر العرش ويأوله ،ويوجد في كتب سيد قطب عبارات شديدة حول الصحابة، لاسيما عمرو بن العاص ومعاوية، فمثلاً في كتابه "كتب وشخصيات" (242) يقول: (وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لايملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل)، فهذه عبارات خطيرة جداً، في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقولها من يعرف العقيدة، ويعلم أن الواجب علينا أن نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكما جاء في الحديث: {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا}، أما أن يوصف معاوية وعمر بالكذب والغش والخديعة فنبرأ إلى الله من هذا، وفي كتابه "العدالة الاجتماعية" (172) يصف حكم الخليفة الراشد عثمان بأنه فجوة بين حكم أبي بكر وعمر وبين علي، وفي ص 159، يقول عن حكم عثمان: (تغير شيء ما على عهد عثمان، وإن بقي في سياج الإسلام)، بل يقول: (جاء علي ليرد التصور الإسلامي للحكم إلى نفوس الحكام والناس) فكأن عثمان ما كان يحكم بالإسلام، وهذه عبارات شديدة لا نرضاها.
فمن يكفر سيد قطب مخطئ، ومن يسوغ ويبرر لسيد أخطاؤه مخطئ، وينبغي ان نكون جريئين كي لا نجرئ السفهاء، على سيد، فنصرح ونقول: هذا خطأ وهذا خطأ ومراده كذا كي تكون حجراً في وجه من يكفر سيد قطب، ونضع الأشياء في اماكنها ففي سيد غلو في الحب وغلو في البغض، وكثير من شباب اليوم للأسف يتعلمون دين الله وينشأون على كتب سيد قطب، وكتب سيد قطب لا يوجد فيها علم شرعي، فيها خواطر وعواطف وأدب، وليس علماً شرعياً، فالأصل في الشباب أن يتأصلون في العلم الشرعي، من خلال كتب الأئمة والفقهاء والعلماء، فينبغي أن يكون الإقبال على الكتاب والسنة وهذا ما عندي في هذه المسألة وفقني الله وإياكم للخيرات وجنبني وإياكم الشرور والمنكرات.
السؤال 364: ما صحة هذا الحديث وما معناه: {يؤجر المسلم في كل شيء إلا في شيء يضعه في التراب}؟
الجواب: الحديث صحيح وثابت في صحيح الإمام البخاري، فقد أخرجه برقم 5672، بسنده إلى خباب بن الأرت –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب}، وفي رواية عند الترمذي قال: أو قال {البناء}.
وهذا محمول على ما زاد عن الحاجة، فما لابد منه مما يقي الحر والبرد فيؤجر صاحبه عليه، وأما ما زاد عن الحاجة فهذا لا يؤجر صاحبه عليه، وفي رواية عند الطبراني في "الأوسط" عن أبي بشر الأنصاري: {إذا أراد الله بعبد سوءاً أنفق ماله في البنيان}، فإنفاق المال في البنيان ليس بمحمود، لاسيما التوسع في ذلك، والله أعلم.
السؤال 365: إذا تعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم، مع فعله، هل نقدم القول أم الفعل؟
الجواب: من المعلوم أن تقديم القول هو المسلك المتبع عند جماهير العلماء، لأن الفعل يعتريه الخصوص، ويعرف هذا بالاستقراء، والقول عام ،والفعل يعتريه نوع الخصوص فالقول مقدم على الفعل غالباً، والله أعلم..
السؤال 366: إذا زالت السترة من أما المصلي فإنه يتقدم إليها أو إلى غيرها، ما الدليل على ذلك ومن قال به من أهل العلم؟
الجواب: قال به مالك وغيره من أهل العلم، وبينت ذلك في كتابي "القول المبين في أخطاء المصلين" وأما الدليل فالعمومات من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يصلين أحدكم إلا إلى سترة وليدن منها}، أي يقرب، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأرادت شاة أن تمر بين يديه فتقدم حتى ألصق بطنه بالجدار، ومرت الشاة من خلفه، فينبغي للإنسان أن يكون حريصاً.
والناس يعتقدون أن الحركة في الصلاة بمحمودة، بل البعض يعتقد أن ثلاث حركات في الصلاة تبطلها، وهذه خرافة نبهنا عليها من قبل، فإن ترتب على الحركة إتمام وتحسين للصلاة فهي محمودة، فلو كان رجل يصلي ،في ممر الناس فتحرك خطوة وابتعد عن ممر الناس، حتى يصفو ذهنه، فهذا تقدم محمود، والأصل في الحركة الكراهة، لحديث عبادة بن الصامت في صحيح مسلم: {اسكنوا في صلاتكم}، لكن إن ترتب على الحركة القليلة في الصلاة تحسين فهذا محمود.
والضابط بين القليل والكثير في الحركة في الصلاة العرف فما يعرف أنه قليل فهو قليل، وما يعرف أنه كثير فهو كثير ،وقلنا بالقليل لأن الأصل في الصلاة أفعال مخصوصة، والإنسان إن أدخل شيئاً في الصلاة لحاجة وضرورة، فعليه أن يقل، لأن ليس هذا لأصل، والأصل في المسبوق أنه ليس بمأمور بالسترة، لكن إن ترتب على الحركة شيء مطلوب كفتح طريق للناس، فيتحرك قليلاً ليتفرغ ذهنه ويحسن صلاته.
السؤال 367: مسافر دخل في الصلاة خلف مقيم في التشهد الأخير أيتم أم يقصر، وما الدليل؟
الجواب: ثبت عند أحمد وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سنة عن إتمام المسافر خلف المقيم، فقال: ((تلك سنة أبي القاسم)) وقول الصحابي: تلك سنة أبي القاسم حجة، وحجيتها ودلالتها كحجية ودلالة الحديث المرفوع، فلما حكم الرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالواجب على المسافر إن صلى خلف مقيم، سواء أدرك ركعة أم لم يدرك، أو أدرك شيئاً أو أدرك الصلاة من أولها فالحكم واحد، ومن فرق هو يحتاج للدليل على التفريق، فالأصل أن نستصحب الحديث بجميع صوره وحالاته ولو أدرك ركعتين من رباعية فعليه الإتمام.
السؤال 368: جاء في دعاء المسافر: {أنت الصاحب في السفر}، هل الصاحب من أسماء الله تعالى؟
الجواب: لا، الصاحب في السفر هذه صفة، وليست اسماً من أسماء الله عز وجل، ولا يجوز لأحد أن يدعو ويقول: يا صاحب، أو يسمى عبدالصاحب، فالأسماء يسأل بها الله عز وجل ويتعبد بها، أما الصفات فلا.
السؤال 369: جاء في الحديث: {يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود}، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعائشة بين يديه، كيف نجمع بينهما؟
الجواب: ثبت في صحيح مسلم أنه يقطع الصلاة ثلاث ومن بينها المرأة الحائض، والمراد بالحائض البالغ، وليس المراد أنها حائض حال مرورها، إذ يتعسر معرفة ذلك، والراجح من أقوال العلماء أن المرأة الحائض إن مرت بين رجل وسترته وليس من بعد سترته أنها تبطل صلاته.
أما أن يصلي الرجل والمرأة بين يديه فيجوز ذلك كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة، لكن لا يجوز المرور منها بين يديه فكل نص نضعه في موضعه، ولا نشوش على النصوص بعضها ببعض، والله أعلم..
369: هل هذا الحديث {رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر}؟
الجواب: هذا ليس بحديث، ويقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم، رجع من معركة فقال هذه المقولة، ويزعمون أن الجهاد هو جهاد النفس، وأن الجهاد الأصغر هو جهاد المعركة، وهذه المقولة قالها تابعي شامي اسمه إبراهيم بن أبي عبلة، أسندها عنه النسائي في كتابه "الكنى" وهو مفقود فيما أعلم، وأورد إسناد النسائي المزني في ترجمة إبراهيم في كتابه "تهذيب الكمال" فهذه مقولة تابعي وليست حديثاً نبوياً.
السؤال 370: في أحد المقررات الشرعية في فلسطين تعريف السنة بأنه ما ورد عن الرسول والصحابة من قول أو فعل، ما صحة هذا الكلام، وهل فعل الصحابي من السنة؟
الجواب: قول الصحابي الذي له حكم الرفع للنبي صلى الله عليه وسلم له قيود، وهذا الإطلاق الموجود في التعريف فيه توسع، وهو غير مرضي، فالصحابي إن صح القول عنه في الأمور الغيبية التي لا تدرك بالرأي ولا تعرف بالاجتهاد ولم يعرف عنه أخذ عن أهل الكتاب فقوله هذا له حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة في بعض المسائل متعارضة ونعرف أقوالاً للصحابة أنكرها آخرون.
وبعض الصحابة أخذ عن أهل الكتاب كعبدالله بن عمرو، وابن عباس التقى بمن يأخذ عن أهل الكتاب وسمع منهم، فيعامل كمعاملة عبدالله بن عمرو بن العاص الذي وقعت له صحف في أجنادين فكان يروي منها، وأبو هريرة كابن عباس التقى ببعض من أسلم من اليهود، وكانوا يتناظرون بل التقى أبو هريرة بكعب الأحبار يوماً كاملاً وهو يقص عليه من أخبار بني إسرائيل، فأصبح حكمه كحكم من يأخذ عن بني اسرائيل.
والحاكم في "المعرفة" يقول: إن تفسير الصحابي له حكم الرفع، وأنكر ذلك عليه بكلام فيه إطالة، وهو مشبع ممتع، ابن حجر، في "النكت على ابن الصلاح" وبين أن هذا الكلام ليس على إطلاقه، فقد يجتهد الصحابي فيفسر آية بناءاً على ما يعلم من العربية، وكم من صحابي فسر بعض آيات القرآن وأورد أشعاراً في أثناء تفسيره وقد تقع الإصابة وقد لا تقع، فإذا كان قول الصحابي في القرآن ليس كله له حكم الرفع، فما بالكم فيما عداه من الأحكام الفقهية، والاجتهادات؟ وسئل ابن مسعود يوماً عن مسألة فعلقها شهراً، وبقي يطلب من السائل أن يتردد عليه شهراً كاملاً،حتى فتح الله عليه وانشرح صدره، لقول فيها، فلما أفتاه في مجلس قال بعض من في المجلس: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي بما قلت، وفرح ابن مسعود فرحاً شديداً.
لذا من أسباب اختلاف الفقهاء أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، تفرقوا في الأمصار، والسنة تفرقت معهم، فبعضهم ذهب للشام وبعضهم ذهب للكوفة، وبعضهم للبصرة، وبعضهم نزل اليمن وبعضهم نزل مصر، وسئلوا عن مسائل النبي سئل عنها، أو قال فيها، فقد يكون بعضهم اجتهد فيها ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرف الحديث، فمن في البصرة، مثلاً، قال يقول النبي صلى الله عليه وسلم، ومن في الكوفة اجتهد فلم يقصد الصحابي إن قال قولاً يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد أن يعارض النبي صلى الله عليه وسلم معاذ الله، وإنما اجتهد عند الاضطرار.
ولذا بما أن الحق موزع بين الصحابة، فالحق أصبح موزعاً بين التابعين، ثم بقي موزعاً بين أتباعهم حتى وصل الأمر للأئمة الأربعة، فالأئمة الأربعة أئمتنا ونحبهم، ونتبرأ إلى الله ممن ينتقص أو يطعن فيهم، لكننا لا نقول أن أقوالهم كلها حق، فكما أن الحق توزع مع من قبلهم فأيضاً توزع الحق فيهم، ولسنا ملزمين في دين الله عز وجل، أن نتبع واحداً منهم، ونحن نبحث عن الحق، لاسيما أن أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي كانوا بعد الأئمة الأربعة، والأحاديث التي تفرقت في الأمصار جمعوها ودونوها وأصبح الباحث عن السنة والحق الأمر عنده ميسور.
ومخطئ في هذا الأمر اثنان ، مخطئ من ينتقص الأئمة الأربعة، ومخطئ من يقول: يجب أن نتبع واحد منهم، والصواب أن نعترف بقدرهم وأن نعرف أنهم اجتهدوا وبذلوا أقصى ما يستطيعون، ووصلوا الليل بالنهار، في البحث عن الحق فمن وفق إليه فله أجران، ومن لم يوفق إليه منهم فله أجر، وبذل الذي يستطيع، والواحد منا إن بلغه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف قول إمام معتبر فليقل كما قال شيخ الإسلام في "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" : (هذا الإمام معذور، بتركه لهذا الحديث، وأنا لا يجوز إلا أن أتبع الحديث، ولا يجوز لي أن أقلد هذا الإمام) والله أعلم..
السؤال 371: ما حكم الكل بالأيدي دون الملاعق؟
الجواب: الأكل باليد هذه هو هديه صلى الله عليه وسلم، وهدي صحبه، والأكل يكون باليمين على وجه الوجوب، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، رجلاً يأكل بشماله أن يأكل بيمينه، فقال: لا أستطيع، قالها كبراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {ما استطعت}، فما استطاع بعدها أن يرفع يده إلى فمه، وليس في هذا غلظة ولا شدة، فلو أن رجلاً قال اليوم لرجل: النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، ولم يستجب، فأنبه أو دعا عليه، لاسيما إن كان الرد بسبب الكبر لا بسبب التأويل أوالخلاف المعتبر، لكان لهذا وجه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاثة أصابع، وهذا هو الخير وهو البركة، وأما الأكل بالخمس فهو الشره، وليس من السنة، وقد وجدت كلاماً لابن قتيبة في كتاب بعنوان "تفضيل العرب على العجم" أو "الرد على الشعوبيين" رد فيه على من يفضل العجم على العرب بقولهم: إن العجم يأكلون بالملاعق والسكاكين، وأن العرب ياكلون بأيديهم، ومن يأكل بالملعقة والسكين فهو أرقى ومتقدم اكثر ممن يأكل بيده، فأولى ابن قتيبة هذه الشبهة بكلام جيد فقال في كتابه: (وأما أكلهم بالسكين فمفسد للطعام، منقص للذته، والناس يعلمون، إلا من عاند منهم، وقال بخلاف ما تعرفه نفسه، أن أطيب المأكول ما باشرته كف آكله، والتقذر من اليد الطاهرة ضعف وعجب، وأولى من التقذر باليد البلغم واللعاب الذي لا يسوغ الطعام إلا به، ويد الطباخ والخباز تباشره، والإنسان ربما كان منه أقل تقذراً وأشد أنساً)، فإن كان لا بد من التقذر، فتقذر من يد من باشر الطهي والخبز والعجن.
فأكل اليد فيه لذة، وهو السنة، لكن لا يكون بشره، إنما يكون باليمين بثلاث فحسب، ومن لم يحسن الأكل بثلاث، ولم يستطع إلا بالخمس، فاستخدام الملعقة تقللاً من الشره أقرب للسنة من استخدام الخمس في المعنى لا في اللفظ، فمثل هذه المسائل ينظر فيها للمعنى، والأحسن قطعاً وقولاً واحداً في الدين والدنيا الأكل باليد، لكن على الحال الذي أكل به صلى الله عليه وسلم من غير شره، والله أعلم..
السؤال 372: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات؟
الجواب: مذهب أهل السنة وسط بين الجافي والغالي، وأهل السنة والجماعة، وعقيدة السلف الصالح في صفات الله عز وجل، أنهم يؤمنون بما أثبته الله عز وجل، لنفسه في كتابه، أو ما صح عن نبيه صلى الله عليه وسلم، في سنته، وربنا يقول: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}، فبعد أن نزه الله عز وجل نفسه عن كل نقص أثنى على أنبيائه، لأن أنبيائه أعلم بالرب والمعبود، والإله سبحانه من غيرهم، فهم لا يصفون ربهم إلا بما يستحق، فنؤمن بما جاء في كتاب الله وبما جاء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما ورد من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تأويل ولا تعطيل.
وما ورد في الكتاب والسنة فعلى العين والرأس وذلك على حسب قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، وهي قاعدة كلية في الأسماء والصفات، فما أثبته الله عز وجل نثبته، ولا يجوز أن نقول: ليس مراد الله كذا، إنما مراد الله كذا، لأننا إن قلنا فمعنى ذلك أن هذا المراد قد شبهناه بالمخلوق، فما أولنا وما حولنا اللفظ عن ظاهره إلى غيره إلا لما قام في أذهاننا تشبيه والأصل أن الله عز وجل حق غيب نؤمن به على وفق ما ورد دون إعمال العقول، فالعقل دوره التسليم للنص، ويبحث عن صحة النقل فإن ثبت فالعقل ينبغي أن يستسلم، ولا يجوز للعقل أبداً أن يخضع الله عز وجل إلى القواعد التي عنده، فالله غيب نؤمن به كما ورد، فربنا يقول: {يد الله فوق أيديهم}، فلله يد، كيف اليد؟ معاذ الله أن نخوض في ذلك، فإنه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
وهذه الآية تفيدنا أصلين مهمين، الأصل الأول أن ما يخيل إليك من قبل الشيطان أن الله على نحو كذا أو كذا، فاضربه بقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}، فالله عز وجل، على خلاف ما يخطر في البال، وينسج في الخيال، فكل ما يخطر ببالك فالله على خلافه، لأنه {ليس كمثله شيء}.
ومن باب الفائدة بالآية؛ علمنا ربنا أن نجمل في النفي، لما ننفي النقص عن ربنا، فليس من الأدب معه سبحانه أن نفصل في النفي، ومن الأدب معه سبحانه أن نجمل في النفي، ومن الأدب مع الله جل في علاه، أن نفصل في الإثبات لأن الله قال: {وهو السميع البصير}، فالنفي مجمل والإثبات مفصل، فليس من الأدب مع الله أن نقول: إن الله ليس بلحم، ليس بدم، ليس الله بكذا، كما يقول المعتزلة والفرق الضالة، فهم يفصلون في النفي، ويجملون في الإثبات وهذا على خلاف القرآن، والقرآن يعلمنا أن نجمل في النفي وأن نفصل في الإثبات فلا يجوز أن نعطل صفة ولا أن نؤلها ولا أن نشبهها ولا أن نخرجها عن لفظها، فمثلاً يقولون في قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم}، أي قدرة الله عز وجل، نقول: نحن لا ننكر أن قدرة الله فوق قدرة البشر جميعاً، لكن ننكر أن يكون المراد بالآية اليد هي القدرة، ولذا لما امتنع إبليس من السجود لآدم قال له تعالى: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}، فلو كان المعنى بقدرتي لقال الشيطان: وأنت يارب خلقتني بيديك، فإن الشيطان خلق بقدرة الله، فإذن خلق الله آدم بيده على الحقيقة، وكيف ذلك؟ لا ندري كيف هي ونفوض أمرها إلى الله.
والصفات من المتشابهات إن أريد بها الكيفية وإن أريد بها المعنى فهي ليست من المتشابهات، وإنما من المحكمات، ذلك أن التشابه في الذوات يقتضي التشابه في الصفات، والتشابه في الصفات لا يقتضي التشابه في الذوات، فلو أخذنا صفات متعددات ونسبناها إلى ذوات مختلفات لاختلفت الصفات باختلاف الذوات، فكيف وذات الله ليست كذاتنا، ولنأخذ صفة الرأس، مثلاً، ونقول: رأس جبل، رأس إبرة، فاختلفت الصفة باختلاف نسبتها إلى موصوفها، فاختلفت الصفات باختلاف الذوات، فكيف لما تكون ذات الله عز وجل، ليست كذاتنا، وبالتالي فصفاته ليست كصفاتنا.
ومن عطل صفات الله فهو في الحقيقة يعبد عدماً، وسيخرج في النهاية إلى ذات ليس لها وجود في الخارج وإنما وجودها في الذهن وهذا يفتح علينا باب الإلحاد، والقرمطة والعياذ بالله، ومن اعتقد في صفات الله أنها كصفات البشر، هو في حقيقة أمره يعبد صنماً.
وبعض الناس يقولون: نحن نثبت الصفة، كاليد مثلاً، لكن لا نعرف معناها وهذا يلزم منه أن الله أنزل على جبريل كلاماً جبريل لا يعلمه، وأنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً ومحمد صلى الله عليه وسلم لا يعلمه، فمن فوض المعنى ولم يفوض الكيفية فهذا مذهب ضلالة، لأن لازم ذلك أن جبريل قال صوتاً ما علم معناه، وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ولم يعلم معناه، وأصبحت يد الله كأي صفة أخرى، ولما تأتي صفات متغايرات لذات الله عز وجل فإنه يقوم في الذهن أن لهذه معنى ولهذه معنى، وأن هذه غير تلك، وهذا ينقض أصل القول: بأن الأصل تفويض المعنى، لأنه يقوم في ذهن العاقل أن هناك تغاير بين الصفات لما تأتي متغايرات في الكتاب والسنة.
إذن نؤمن بما ورد في كتاب الله وبما ثبت في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على النحو الذي ورد، ولا نعطل ولا نشبه ولا نكيف ولا نتخيل، والله على خلاف ما يخطر في بالنا، أما إن أردت ربك ومعبودك أن يدخل في عقلك هذا أمر لازمه أنك ما عرفت ربك حق معرفته، وما قدرته حق قدرته، وجاء رجل ملحد إلى أبي حنيفة، وبدأ يسأل عن ذات الله عز وجل، وكانا يجلسان على نهر الفرات، فأخذ أبو حنيفة رحمه الله يحفر حفرة صغيرة ويأخذ من ماء النهر ويضع في الحفرة، فيتكلم الملحد وأبو حنيفة يتشاغل عنه، فقال الملحد: يا هذا انقطعت في المناظرة وسقطت حجتك وليس لك كلام، أنا في ملذا وأنت في ماذا؟ فقال له أبو حنيفة: أنا أريد أن أنقل نهر الفرات في هذه الحفرة، فقال الملحد له: إنك لمجنون، فقال أبو حنيفة: هذا أنت إن عجزت أن تنقل هذا النهر في هذه الحفرة وأنت تريد مني أن أجعل ربي ومعبودي في عقلك!
فالرب حق نؤمن بأسمائه وصفاته على ما ثبت في الكتاب وصحيح السنة، ونمسك ولا نستفصل، كما ثبت نقول هو ثابت في كتاب ربنا، على مراد ربنا، من غير تعطيل ولا تخييل ولا تمثيل فهذا مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات ومن أول شيئاً فهو خارج عن أهل السنة والجماعة ولا يلزم من التأويل الكفر فالذين يؤلون من أهل القبلة لا من أهل السنة ، والله أعلم .
السؤال 373: ما دلالة الحديث: {إن أبي وأباك في النار}؟
الجواب: هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين ابي؟ فقال: {أبوك مع أبي}، فولى، فقال الناس: إنه يزعم أن أباه في النار، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أين أبوك وأبي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي وأباك في النار}.
هذا الحديث بعض الناس أنكره، وبعض الناس أخرجه عن ظاهره، ونحن لا نحب الحديث في هذا الباب لأنه لا ينبني عليه عمل ،لكن حبنا لنبينا صلى الله عليه وسلم حب شرعي لا حب عاطفي، فنحن نحب نبينا من خلال النصوص وليس حبنا له لنتغزل بشكله وجماله، فحبنا له أن ننشر سنته وأن نتعلمها وان نعلمها هذا هو الحب الشرعي.
أبو إبراهيم عليه السلام فيما أخبر القرآن، {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}، فجعلها كلمة باقية في عقب إبراهيم وأتباع إبراهيم إلى يوم الدين، يقولون لآبائهم وأقربائهم وأقوامهم إن كفروا وحادوا إننا براء منكم، فما الداعي لإخراج هذا الحديث عن ظاهره؟ هي العاطفة والأصل أن تدور العاطفة مع الشرع، وقد صح من حديث ابن مسعود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن الله له، ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لها فلم يؤذن له، والحديث على ظاهره.
هنالك أحاديث أن الله قد أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به، ثم مات مباشرة، وهذه الأحاديث لا اسانيد لها، كما قال السهيلي في "الروض الأنف" والعجب من أقوام يتركون الحديث الثابت في صحيح مسلم، ويعلمون بأحاديث لا أصل لها، ثم يقولون: العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد، لكن تثبت بالخرافات والأحاديث التي لا أسانيد لها، وهي كلام قصاص ما أنزل الله بها من سلطان، وما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا ربنا أن ذلك كان مع أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، فمن استنكر هذا فليستنكر ذاك، والشرع في كل مسألة لها أشباه ونظائر، فهذا الحديث شبيه بمسألة في القرآن فلا يستنكر ذلك، إلا من جمحت به العاطفة ومن لم يدور مع النصوص الثابتة، واعمل الخرافة، والله أعلم.
السؤال 374: ما هو افضل كتاب تنصحنا بالقراءة فيه عن قصص الأنبياء عليهم السلام؟
الجواب: خير كتاب فصل أخبار الأنبياء كتاب الله عز وجل ،وذكرت قصص الأنبياء في كتاب الله مفصلة تارة ومجملة تارة، وبينها المفسرون، وما سلم بيان المفسرين من أخبار واهية، أو من إسرائيليات في بعضها يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: {حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج}.
وممن ذكر أخبار الأنبياء بتفصيل ابن كثير في "البداية والنهاية" ثم استل قديماً ما يخص الأنبياء بكتاب خاص اسمه: "قصص الأنبياء" فقصص الأنبياء لابن كثير هو برمته في كتاب "البداية والنهاية" لكن ابن كثير جمع فأوعى، فأكثر الجمع ولم يعتن بالنقد، وجاء الحافظ ابن حجر فهذب كتاب قصص الأنبياء، لابن كثير في كتاب طبع حديثاً لأول مرة سماه "تحفة النبلاء في قصص الأنبياء" فهذب ابن حجر الأخبار، فأسقط الواهي والموضوع ونبه على أشياء، وحوى الأشياء النظيفة والأشياء المكتملة فكان كتابه من حيث النقل من أصفى الكتب.
أما من حيث التحليل والاستنباط والفوائد فقد كتب المعاصرون كثيراً في هذا الباب، ومن خير ما كتب من المعاصرين عندي ثلاثة أولهم محمد أحمد العدوي، في كتاب له اسمهع "دعوة الرسل إلى الله تعالى" له وقفات جميلة، والثاني الشيخ محمد الفقي في كتابه "قصص الأنبياء أحداثها وعبرها" والثالث الشيخ ربيع الوادعي في كتابه "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى" فهؤلاء الثلاثة خير من كتب في قصص الأنبياء من حيث الوقوف على الحكم والموعظة والدروس المستنبطة والمستفادة بعد سرد ما ورد على وجه فيه إجمال والله أعلم..
السؤال 375: عقدت على فتاة متوسطة الجمال، ووافقت عليها أمي في أول الأمر إلا أنها بعد ذلك قالت إنها ليست جميلة ولا توافق عليها، مع أنها تطيعني فيما آمرها به، من أوامر الله عز وجل، فمن أطيع، أمي فأطلقها أم أمسكها؟
الجواب: إن كانت أمك عادلة تقية ورعة ذات علم وذات فهم وتقدير وتعلم ذلك منها، فأطع امك، فقد بدا لها ما لم يبدو لك، وقد يكون من حكمتها ألا تخبرك بما بدا لها. واما إن كانت أمك تبحث فقط عن الجمال، وتريد صفات متميزة، وهي ليست عادلة، وتغلب الدنيا على الآخرة، فلا تطعها، لاسيما إن عقدت عليها، فالطاعة بالمعروف والطلاق مما يحب الشيطان، والله أعلم..
السؤال 376: ما هو الوضع الصحيح في وضع اليدين في الصلاة، على السرة أم غير ذلك؟
الجواب: الأحاديث التي فيها قبض اليمين على الشمال ووضعها تحت السرة في الصلاة ضعيفة ومراسيل ولا يجوز الاحتجاج بها، لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن علي ذلك بأسانيد صحيحة.
السؤال 377: جاء عن الإمام مالك أنه قال عمن يحف شاربه، أرى أن يوجع ضرباً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أحفوا الشوارب} فما الجواب؟
الجواب: نعم من يحلق شاربه يوجع ضرباً، وهي مثلة كما كان يقول الإمام مالك، ومراد الإمام مالك في الإحفاء الحلق بالكلية، ومراد النبي صلى الله عليه وسلم: بقوله: {أحفوا الشارب}، أي خذوا منه وأكثروا من الأخذ، فالإحفاء معنى مشترك بني الأخذ بالكلية والتشديد في الأخذ، كما يقول الإمام ابن عبد البر.
وقد جاءت روايات أخرى فيها: {قصوا الشارب، جزوا الشارب، أنهكوا الشارب}، فرواية أنهكوا تبين لنا الإحفاء الوارد في الحديث، فالمراد الجز والأخذ حتى تظهر البشرة، فمن السنة أخذ الشارب أخذاً شديداً وليس الحلق فإنه مثلة، فالإحفاء الوارد في الحديث غير الإحفاء الوارد في كلام الإمام مالك، وحلق الشارب أسوأ من حلق الليحة ،وحلق اللحية عند الأئمة الأربعة حرام، فكيف بحلق الشارب.
أما ما روي عن عمر بن الخطاب أنه كان لما يقسم يفتل شاربه فهذا يحمل على أن الإنسان لا يضع كل اهتمامه وخلقه في شعره وشواربه، فأحياناً تمر بالإنسان مشاغل وأشياء تجعل شاربه ثخين، لأنه منشغل عن ذلك، كما تمر عليه أوقات لا يصبغ، ولا يكون عقله بالصبغ، لكن من السنة الصبغ بين الحين والحين، ومن السنة حتى تفقد الإنسان نفسه يستقصي شاربه ويأخذ منه شديداً فما تركه عمر عبادة إنما تركه للانشغال وما شابه، والله أعلم.
السؤال 378: المرأة التي عليها صيام شهرين متتابعين, كيف تقضي وهي يأتيها الحيض؟
المرأة التي عليها صيام شهرين متتابعين فجاء عذر شرعي أو عذر حسي فله أن يفطر فإن زال العذر فيجب عليه أن يتابع مع زوال العذر، فإنسان عليه صيام شهرين متتابعين فسافر سفراً معتاداً عليه أو حج، وقد أذن الشرع للمسافر أن يفطر، فله أن يفطر، وهذا عذر شرعي، والعذر الحسي مثل المرض، فيفطر ومتى زال المرض يرجع ويتابع.
والحيض عذر حسي، فامرأة قتلت رضيعها خطأ، فعليها صيام شهرين متتابعين، فجائها الحيض، تفطر، ولما تطهر من الحيض تتابع، ولو أنها أفطرت يوماً زائداً بعد الحيض، فيجب الإعادة من جديد، والمسافر إن أفطر يوماً بعد انقطاع السفر، فيجب الإعادة من جديد، فأيام السفر والحيض تسقط بلا حسبان ثم تصام فيما بعد، وهذا أمر معفو عنه، لا أعرف خلافاً يعتد به في المسألة.
السؤال 379: هل يجوز قتل الضفدع للتداوي؟
الجواب: الأصل في قتل الضفدع الكراهية، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع، أما إذا ما وجد الدواء إلا فيها فهذه ضرورة وإذا وجد ما يسد مسد ما في هذا الضفدع لا يجوز القتل، والله أعلم..
السؤال 380: هل يجوز شراء الذهب بالتقسيط لأجل؟
الجواب: الذهب ينبغي أن يباع يداً بيد مثلاً بمثل، وأحكام النقود كالذهب، والمعتد بهم من الفقهاء، يوجبون الزكاة على النقد، الذي بين أيدينا، لأنها في حكم الذهب فلما تشتري ذهباً بنقود ينبغي أن يكون يداً بيد، فلا يجوز شراء الذهب ديناً، والله أعلم..
السؤال 381: ما حكم من زوج ابنته لرجل لا يصلي أو لرجل يصلي لكن عنده معاصي ظاهرة كترك الجماعة وحلق اللحية والتدخين؟
الجواب: الأصل ألا يزوج المسلم ابنته إلا لصاحب خلق ودين، وينبغي النظر إلى الأمرين مجتمعين، الخلق والدين، فليس الدين فقط، ولا الخلق فقط، وإنما مجتمعين، قال صلى الله عليه وسلم: {إذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض}.
والذي لا يصلي عند بعض أهل العلم كافر، والعياذ بالله، والراجح التفصيل، إن كان جاحداً فكافر، وإن كان متكاسلاً ففاسق، وتزويج الفاسق حرام لا يجوز، لكن النكاح صحيح، ووطئه ليس بزنا، ولكن ولي أمر الفتاة يكون آثماً وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: {من زوج موليته إلى مبتدع فقد قطع رحمها}، فمن يزوج ابنته لفاسق أو مبتدع فهو في حقيقة الأمر يقطع رحمه، فكيف وتارك الصلاة اليوم يستهين بكثير من المحرمات فتارك الصلاة عنده كثير من المحذورات والمخالفات، ولا يقيم وزناًَ للحلال والحرام، فقد يأتي زوجته وهي حائض، وقد يأتيها في الدبر، وقد يستمتع بها على حال غير شرعي، وقد يطلب منها أن تنزع الحجاب، وقد يطلب منها أن تصافح الرجال وغير ذلك، فمن يزوج موليته لمثل هذا يعرضها للإثم والكبائر وإلى أن تفتن في دينها، فيحرم على ولي الأمر أن يزوج ابنته رجلاً ليس بصاحب دين، أو ليس بصاحب خلق، وإن كان من المصلين وصاحب ثوب ولحية ويصلي في الصف الأول، وليس بصاحب خلق لا يزوج.
ويعرف خلقه ودينه بالسؤال والتحري وأعجب من كثير من أولياء الأمور يعرفون إخوة أو أصدقاء يعظمون لأوامر الله ودينه، وعندهم بنات أو أخوات ويبحثون عن غيرهم، وهذا من العجب العجاب، وجاءني مرة شابان من السعودية فقال أحدهما: أريد زوجة من بلاد الشام، وكان الظرف صعباً على إثر أزمة الخليج، التي فرقت الشعوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فألقى الله في قلبي شيئاً فقلت له: يا فلان لماذا تصاحب فلاناً؟ قال: إني أحبه ونعم وصاحب دين وخلق، قلت أترضى أن يكون صهراً لك، قلت للاخر: أ عندك أخت؟ قال: نعم، قلت : أتقبل أن يكون فلان صهرك؟ قال : نعم، فرجعا وتزوج أخت صاحبه في هذا السفر، فأنت قد تتعب وأنت تبحث عن زوجة ،وعندك أخ في المسجد وأنت تحبه وهو يحبك وعنده أخت تناسبك، وهو يتمنى لو أنك طلبت أخته، وليس من العيب أن يعرض الرجل ابنته أو أخته على من يرى أنه صاحب دين، وهذا صنيع الخلفاء الراشدين.
السؤال 382: هل مرور المرأة أو الطفل أو الشاة بين يدي المصلي هل يبطل الصلاة أم أنها لا تكون على الوجه التام؟
الجواب: ثبت في صحيح مسلم: {يقطع الصلاة ثلاث، المرأة الحائض والحمار والكلب الأسود}، فهذه الأصناف الثلاثة إذا مرت بين المصلي وسترته تقطع صلاته، وعلى أرجح الأقوال أنها تبطلها، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله، والمراد بالحائض : البالغ.
وأما ما عدا هذه الأصناف كالصبي والشاة وغيرها، فقد صح عن ابن مسعود قوله: ((إنها تنقص نصف أجر الصلاة)) كما في مصنف ابن أبي شيبة، وقول ابن مسعود هذا موقوف له حكم الرفع، لأنه من أمور الغيب، وقوله هذا يقوي القول ببطلان الصلاة بمرور الحائض والكلب الأسود والحمار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد خصها بالذكر بشيء خاص، والله أعلم.
السؤال 382: هل يجوز أن تقبل أو تؤكل هدية، رجل يعمل في بنك؟
الجواب: يجوز ذلك، لكن من توسع في قبول الهدية ممن يعمل في بنك معظم حق الله عليه تجاهه، فيجب عليه الأمر والنهي والنصيحة بالحسنى.
السؤال 384: هل يجوز أن أدعو إلى الله وأن آمر بالمعروف وأنه عن المنكر، مع أني لا أطيق أعمال الدين جيداً؟ وهل هذا من باب {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم}؟
الجواب: ذكر ابن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس" أن من مداخل الشيطان على الإنسان أنه إن رأى منكراً وكان الرائي يفعله فإنه يقول له: لا تنكر، فقال الواجب على من رأى منكراً وهو يفعله الواجب عليه أمران: أن ينكر حتى يظهر الشرع وتعاليم الشرع، ويزول المنكر ويتأكد في حقه أن يقلع عنه، أما أن تسكت وأنت تفعل المنكر فقد وقعت في إثمين، فإن أمرت وبقيت على المنكر فأنت واقع في إثم، فالواجب أن تنكر وأن تجأر إلى الله كي تتخلص من هذا البلاء،الذي أنت فيه، والله أعلم..
السؤال 385: طالب علم حريص على دروس العلم، وتحصيل العلم الشرعي، فيؤثر ذلك على عمله، وتحصيل لقمة العيش له، ولمن يعول، فما هي حدود ذلك؟ مع إسداء النصيحة لنا للتوفيق بين الأمرين؟
الجواب: هذا أمر من الله عز وجل، فالله يوفق من يشاء لما يحب ويرضى، وربك يخلق ما يشاء ويختار فلا يجوز للإنسان بحجة القراءة وطلب العلم أن يضيع أهله وأن يضيع من يعول، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: {كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول}.
وقلت أكثر من مرة أن الجهاد ليس هو أشق واجب شرعي، وإنما عندي أشق واجب شرعي أن تعطي كل ذي حق حقه، فالزوجة والأولاد لهم حق، والمطلوب من الإنسان أن يجمع بين كل الخير، وأن يكون له نصيب من كل خير، فالعبادة لا تطلق في الشرع فقط على الصلاة والصيام والحج، وإنما أيضاً من سعى ليعف نفسه، ويطعم أهله وحسنت نيته فهذا في عبادة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {وأن يضع الرجل اللقمة في فم زوجته صدقة}، ولذا لم يتسنى لجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينقطعوا للأخذ عنه، وهو رسول الله وسيد المرسلين ،فأبو هريرة كان يقول عن غيره: ((شغلتهم الأسواق)) وكان الصحابة يتناوبون فجمعوا بين إعفاف النفس والعمل وبين الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا حريصين على الخير، ومع ذلك ما ضيعوا من يعولون فمن جلس بحجة العلم وضيع من يعول، فهذا ليس من دين الله في شيء.
ومن يسر الله له تفرغاً ويساراً في الدنيا، أو وسيلة بأقل وقت، وصرف سائر وقته في العلم والعبادة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث نغفل عنه: {نعمتان مغبون فيها كثير من الناس، الصحة والفراغ}، فيا عبد الله إن كنت صحيحاً فارغاً فأنت في نعمة عظيمة وجليلة، فاحرص على هذه النعمة، وطلب العلم اليوم يحتاج إلى شباب وقوة وجلد وسهر، الكبير في فراغ لكنه ليس في صحة، والإنسان الذي عنده نهم لطلب العلم وما عنده فراغ فهذا لم يكتمل له تمام النعمة، والحياة اليوم في دعة وراحة، والوظائف اليوم جلها يبقى لك من النهار الشيء الكثير، لكن العلة اليوم في الهمة، فهمم الناس ضعيفة، ويقينها على فضل العلم الشرعي، حاجته ليست كما ينبغي.
فلا يجوز للإنسان ترك العمل ويجلس وأيضاً لا يجوز للإنسان أن ينصرف عن العلم الشرعي، وعن العبادات وينشغل بالدنيا بالكلية، والسعيد من وضع الأشياء في أماكنها والله الموفق للخيرات والهادي للصالحات.
السؤال 386: هل إذا حصل بين الإنس والجن زواج يكون شرعياً، وهل يستطيعون أن ينجبوا أطفالاً ولأي الفئتين ينتسب الأطفال إذا كان هنالك أطفال؟
الجواب: أما الجن فإن معنى جن في اللغة غطى وغاب، ولذا إذا أخذنا استقاقات جن في اللغة، وجدنا التغطية والغياب هي القاسم المشترك بينها، فتقول جنة إذا غابت تربتها بالحفرة وتقول حجن إذا غطى صدر صاحبه في المعركة، وتقول مجنون إذا غطي عقله، وتقول جنين إذا غطي في بطن أمه، ويقال جِنٌ إذا غاب عن الأبصار.
والجن لا نعرفه معرفة تفصيلية إلا من خلال الأخبار التي ثبتت في الكتاب والسنة، والعقل لا يجوز له أن ينكر الجن ،ومن أنكر الجن بالكلية فيخشى عليه من الردة والكفر، فالقول العصري أن المراد بالجن الفيروسات وما شابه فهذا ضلال، والعياذ بالله.
وربنا قال عن الجن كنا طرائق قدداً فالجن منهم الصالحون ومنهم المفسدون، وطرائق قدداً أي أصحاب مذاهب شتى؛ فكان يقول بعض التابعين: في الجن شيعة وخوارج وأشاعرة، وأهل سنة.
والجن في أصل خلقتهم كما ثبت في "مستدرك الكبير" وعند البيهقي في "الأسماء والصفات" من حديث أبي ثعلبة الخشني، رضي الله تعالى عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الجن ثلاثة أصناف فصنف لهم أجنحة، يطيرون بها في الهواء، وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون}، والجن خلق من خلق الله عز وجل، مكلفون مأمورون منهيون، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وأمرهم ومنهم من استجاب له ومنهم من كفر وضل، والعياذ بالله.
فالجن خلق من خلق الله لا يجوز لأحد أن ينكرهم، ولا يجوز لأحد أن يفصل عنهم بعقله، ولا بتجربته.
أما زواج الجن للإنس فالمتعة حاصلة، فقد يتمتع الإنسي بالجني، والجني بالإنسي، لكن الزواج بالمفهوم الشرعي هل هو حلال؟ لا، والأحاديث التي فيها التصريح بوقوع الزواج من الإنسي للجني، كلها ضعيفة لم تثبت في سنة، بل استنبط غير واحد من الفقهاء من قول الله عز وجل {ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً}، أن فيه دلالة على أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة من غير جنسه، وورد عند أبي داود في سننه من حديث عائشة (برقم 5107) قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هل رُئي فيكم المغربون؟} قلت: وما المغربون؟ قال: {الذي يشترك فيهم الجن}، وهذا حديث لم يثبت، وكذا أخرج أبو الشيخ في "العظمة" وابن عدي في "الكامل" وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أحد أبوي بلقيس كان جنياً}، وهذا أيضاً ضعيف جداً، وهنا قصة لم تصح ولم تثبت من الإمام مالك أنه سئل: هل يجوز للرجل أن يتزوج الجنية؟ فسكت ولم يجب، ثم في مجلس خاص سئل: لِمً لَمْ تجب؟ فقال: (يجوز لكن أخشى أن تأتي المسلمة حاملاً من الزنا، ويقال لها: ماذا فعلت؟ فتقول: تزوجني جني) فهي غير صحيحة عن مالك، ومدارها على رجل يكنى أبي عثمان واسمه سعيد بن داود الزنبري، وهو ضعيف جداً، ولم ترد القصة عن غيره.
وقد ذكر الألوسي في تفسيره عند ذكر بلقيس، ذكر حكايات كثيرة جداً وقال هي أشبه شيء بالخرافات، وقال: إن الظاهر على تقدير وقوع التناكح بين الإنس والجن الذي قيل يصفع عنه السائل لحماقته، فعلى تقدير التناكح فلا يكون بينهما توالد.
وقد اتصل بي شيخنا مرة، وقد علم أني أجمع كلام شيخ الإسلام عن الجن وله كلام بديع، فقال لي الشيخ مرشداً: هل وقفت على كلام الألوسي في تناكح الإنسي من الجني؟ فقلت له: لا، قال: فاسمع، وألقى علي كلام الألوسي وهو جميل جداً، وهو قوله: (ثم ليت شعري إذا حملت الجنية من الإنسي هل تبقى على لطافتها فلا ترى، والحمل على كثافته فيرى، أو يكون الحمل لطيفاً مثلها فلا يريان، فإذا تم أمره تكثف وظهر كسائر بني آدم؟ أو تكون كشكل نساء بني آدم، ما دام الحمل في بطنها؟ وهو فيها يتغذى وينمو بما يصل إليها من غذائها وكل من الشقوق [أي التفريعات السابقة] لا يخلو عن استبعاد كما لا يخفى) فالحمل والزواج غير وارد، أما الاستمتاع والتمتع فهذا حاصل.
الجن مخلوقات ليست كثيفة قد تحل البدن، وإن حلت البدن قد يحصل استمتاع، لكن لا يجوز أن نقول: النكاح شرعي بين الإنسي والجني ولا يجوز أن نقول عن أحد أبويه جنياً، ومن اللطائف أن الإمام الذهبي في "السير" (4/459) قال عن الطحاوي: حدثنا يونس بن عيد الأعلى قال: قدم علينا رجل كذاب، اسمه يغنم بن سالم، فجئته فسمعته يقول: تزوجت امرأة من الجن، فقال يونس بن عبد الأعلى فلم أرجع إليه، فالعلماء قديماً كانوا يعتبرون هذا الكلام من باب الخرافة ومن باب الكذب، فمن يخبر أنه تزوج جنية وكان يجلس ويحدث لا يرجع إليه ولا يتكلم معه.
وقد ذكر صاحب "سلك الدرر" (2/12) أن الحامد العمادي له رسالة سماها "تقاقع الشن في نكاح الجن" ونفى وقوع النكاح الجن بالكلية.
أما الصرع فلا يبعد أن يقع صرع، وصرع الجن للإنس من عقيدة أهل السنة والجماعة ولم ينكره إلا المعتزلة، فالذي ينكر دخول الجني ببدن الإنسان معتزلي، وليس بسني، فالأدلة الكثيرة الصريحة الصحيحة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جواز دخلو الجني بدن الإنسي، بل في القرآن الكريم ما يدل على ذلك، فمثلاً في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس، أن امرأة سوداء قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: {إن شئت دعوت الله لك، وإن شئت صبرت ودخلت الجنة} فقالت: أصبر لكن أدع الله لي ألا اتكشف، فدعى الله لها، فأصبحت تصرع ولا تتكشف، والنظر في طرح هذا الحديث يجد أن صرعها كان بسبب الجن، وقال الحافظ ابن حجر: يؤخذ من طرق هذا الحديث أوردتها أن الذي كان بأم زخر كان من صرع الجن،لا من الخلط، فالصرع الذي يطرأ على الدماغ قسمان: بسبب الجن أو بسبب أخلاط في الدماغ ناتجة عن أبخرة فاسدة تخرج من المعدة إلى الدماغ أو أسباب أخرى توقع خلل في الدماغ، فالحافظ ابن حجر يقول: أن صرع المرأة السوداء أم زخر كان بسبب الجن لا بسبب الأخلاط، وربنا يقول: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}، والآية صريحة في أن مس الشيطان يقع في حق من يأكل الربا، وقال ابن تيمية : لا أدري هو في حق من يأكل الربا، أو في حق من يقول: البيع مثل الربا، ولا يبعد أن يقع المس في الطرفين، والزمخشري في "الكشاف" يقول: وتخبط الشيطان من زعمات العرب يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرعه، والزمخشري معتزلي، و"الكشاف" صوبه ابن المنير، وبين ما عنده من اعتزاليات، فقال ابن المنير في كتابه: الانتصاف في بيان اعتزاليات صاحب الكشاف قال: وهذا القول [أي الصرع] أي الحقيقة من تخبط الشيطان بالقدرية، في زعماتهم المردودة بقواطع الشرع، أي قولهم أن هذا من تخبطات العرب، هذا من تخبط الشيطان بهم، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان فيستهل صارخاً} تم ذكر حديث {التقطوا صبيانكم أول العشاء فإنه وقت انتشار الشياطين} وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لنا أن نحبس أولادنا، وقت انتشار الشياطين، أمر معقول المعنى وهو المس.
وقال ابن المنير أيضاً : بعد إيراد هذين الحديثين: واعتقاد السلف وأهل السنة أن هذه أمور على حقائقها واقعة كما أخبر الشرع عنها، وإنما القدرية خصماء العلانية، فلا جرم أنهم ينكرون كثيراً مما يزعمونه مخالفاً لقواعدهم، من ذلك السحر وخبطة الشيطان، ومعظم أحوال الجن وإن اعترفوا بشيء من ذلك فعلى غير الوجه الذي يعترف به أهل السنة وينبئ عنه بظاهر الشرع في خبط طويل لهم فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون.
والبعض يحتج بقول الشافعي: من زعم أنه يرى الجن فهو فاسق ترد شهادته، وهذا القول صحيح عن االشافعي أسنده عنه بإسناد بصحيح الإمام البيهقي في "مناقب الشافعي" لكن ليس في قول الشافعي ما يدل على إنكار المس إنما الشافعي يريد أنه من يزعم أنه يرى الجن على الحقيقة التي خلقهم الله عليها، فبعض الناس يحملون هذا الكلام على غير محمله ،ويحملونه ما لا يحتمل، وهذا من الضلال وربنا يقول عن الشيطان: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} فالشيطان وأعوانه يرونا ولا نراهم، فالشافعي قال ما قال، استنباطاً من هذه الآية، لكن الشيطان يتشكل على صورة امرأة صورة هر، صورة عجوز وغير ذلك ،فعندها يرى كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة فالاستدلال بهذا القول على إنكار الصرع استدلال فاسد لا وزن له، وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد قلت لأبي: إن أقواماً يقولون إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال: يا بني إنهم يكذبون، إنما الشيطان يتكلم على لسانهم.
وقال شيخ الإسلام في "الفتاوى" (24/267) وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشارع وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك، ويذكر أيضاً في "مجموع الفتاوى" (19/12) أن طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرزاي وغيرها ينكرون دخول الجن في بدن المصروع فالنغمة التي نسمعها اليوم من إنكار صرع الجني للإنسي نغمة قديمة قال بها أئمة الضلالة المعتزلين، والأدلة صحيحة وصريحة، واضحة بينة على إثبات دخول الجني بدن الإنسي.
ومن الأدلة على ذلك أن عثمان ابن العاص شكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم نسيان القرآن، وفي رواية عرض لي شيء في صلاتي حتى أني لا أدري ما أصلي، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يده على ظهره وكان يضرب على ظهره ويقول: يا شيطان أخرج من صدر عثمان، وهذا حديث صحيح صريح في أن الجني يصرع الإنسي وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم،: {إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم}، وقوله أيضاً: {إن الشيطان جاثم على قلب إبن آدم}أو قال{واضع خطمه على قلب ابن آدم ،إن ذكر خنس، وإن نسي وسوس}.
وهذه عقيدة مشهورة عند الأقدمين وممن قال بها أبو الحسن الأشعري، فقال في كتابه "مقالات الإسلاميين" (435-436): واختلف الناس في الجن هل يدخلون في الناس على مقالتين؟ فقال قائلون محال أن يدخل الجن في الإنس، وقال قائلون يجوز أن يدخل الجن الناس، لأن أجسام الجن أجسام رقيقة فليس بمستنكر أن يدخلوا في جوف الإنسان من فروقه، كما يدخل الماء والطعام في بطن الإنسان وهو أكثف من أجسام الجن، ويكون الجنين في بطن أمه وهو أكثف من الشيطان، وليس بمستنكر أن يدخل الشيطان إلى جوف الإنسان, وقال رحمه الله في كتاب "الإبانة" (32) : ونقر أن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه خلافاً للمعتزلة والجهمية، كما قال تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما الذي يتخبطه الشيطان من المس}.
وقال الإمام البقاعي في تفسيره "نظم الدرر" (4/112) : مشاهدة المصروع يخبر بالمغيبات وهو مصروع غائب، وربما كان يلقى في النار وهو لا يحترق، وربما ارتفع في الهواء من غير رافع، فكثيراً جداً مشاهد... إلى غير ذلك من الأمور الموجبة للقطع، أن ذلك من الجن أو الشياطين.
ولا يستنكر أبداً أن يكون الجني مع الإنسي وقد أخبر ربنا عز وجل في كتابه فقال: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}، فمن يضعف عن ذكر الله عز وجل الشيطان يتخبطه لاسيما إن كان في مجلس غفلة أو كان يأكل الربا، وقل من ينجو من تخبطات الشيطان فالإنسان كالحصن والحصن له أبواب ومنافذ وهذه الأبواب والمنافذ إن لم يكن عليها حراسة فإن العدو يطمع في دخول هذا الحصن، وإن لم يحصن الإنسان نفسه بذكر ربه عز وجل وبالبعد عن المحرمات ومجالس الغيبة والغفلة فإنه معرض لأن يمسه الشيطان وأن يلعب به وأن يصرعه ويدخل بدنه.
وأختم بكلام لابن القيم في "زاد الميعاد" (4/63) قال: وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم، ولو كشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه الأوراح الخبيثة وهي في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت ولا يمكنها الامتناع عنها ولا مخالفتها وبها الصرع الأعظم الذي لا يفيق صاحبه إلا عند المفارقة، والمعاينة، فهناك يتحقق أنه كان هو المصروع حقيقة، والله المستعان فكثير ممن ينكر الصرع مصروع، نسأل الله العفو والعافية إنكار الصرع ضلال، وهو مذهب الفرق الضالة قديماً، أما ما يذكر أنه أخذت لقطة بالكاميرا لجني ونشرت في بعض الصحف فهذه خرافة، فالتوسع في إثبات الجن من غير إخبار خطأ، والتوسع في إعمال العقل خطأ، والصواب أن ندور مع ظواهر النص، والله أعلم....
السؤال 387: بعض الناس يصلون سنة الجمعة البعدية بعد الصلاة مباشرة هل هذا العمل صحيح؟
الجواب: لقد حرص الإسلام على جعل الإشياء في أماكنها ولذا إعمالاً لهذه القاعدة حث الشرع على تعجيل الفطر، وتأخير السحور حتى يقع الفطر في أول الوقت الذي يجوز فيه الأكل، ويقع السحور في آخر الوقت الذي يجوز فيه الأكل، وكذا منع الشرع أن يصام قبل رمضان بيوم، وحرم الشرع أن يصام بعد رمضان بيوم، حتى مع مضي الزمن يبقى رمضان ظاهراً من حيث البداية ومن حيث النهاية.
وكذا صلاة الجمعة، فصلاة الجمعة صلاة مستقلة قائمة برأسها وليست بديلة عن الظهر، والرافضة لا يصلون الجمعة بغياب الإمام وكثير منهم إن صلى خلف الإمام لا يسلمون، ولما يسلم الإمام يقومون ويصلون ركعتين فيوصلون الأربعة معاً، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل السنة بالفريضة، وقد ثبت في صحيح الإمام مسلم (برقم883) بسنده إلى عمر بن عطاء بن أبي الخوار، أن نافع بن جبير أرسل إلى السائب يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، ألا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج.
وخير صلة للصلاة أن نخرج، ونؤدي النافلة في البيت، فالقاعدة عند الصحابة والتبعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وما يحرص عليه المقتدين ألا يصلوا النافلة والرواتب إلا في البيوت، وثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذا رأى رجلاً يصلي سنة المغرب في المسجد ضربه بدرته، وأمره أن يرجع إلى بيته فيصلي النافلة فيه، وثبت في صحيح مسلم بسنده إلى جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً}، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً}، فالقبور لا يصلى عندها، فاليوم بيوت الناس كالقبور، ولا يذكر الله فيها إلا قليلاً، والشياطين تذكر في البيوت أكثر من ذكر الله، فالتلفاز والمحطات الفضائية وما يسخط الله يذكر في بيوتنا إلا من رحم الله منا، عبارة عن مطاعم وفنادق، فهي أماكن للطعام والنوم، وأما العلم والذكر فإن الأب اليوم، للأسف، يخجل أن يجمع زوجته وأولاده على قراءة للقرآن في البيت، وإن فعل فإن الأولاد يتضاحكون فيما بينهم، أما أن يشتري بأمواله تلك الأجهزة التي يعرض من خلالها أفسق الفسقة وأفعالهم من الخنا والفجور فهذا أصبح علامة خير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة}، والمخاطبون في هذا الحديث هم الصحابة رضوان الله عليهم، وكانوا يصلون في مسجده صلى الله عليه وسلم، والركعة فيه بألف ركعة، فصلاة السنة في البيت أفضل من صلاة ألف ركعة في المسجد، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة الراتبة في البيت أفضل من الصلاة في بيت الله الحرام، والصلاة فيه بمئة ألف ركعة، والناس بسبب جهلهم تفوتهم أجور عظيمة فمن أراد أن يحصل الخير بأجمعه وكلياته فعليه بالعلم ،فإن تفقه وتعلم فإنه يعرف ماذا يحب الله، فيعمل أعمال قليلة وفيها خير كثير، وكان من هدي السلف أنهم لم يكونوا يصلون الراتبة في المسجد ،بل عرف عن بعض الصالحين أنه ما كان يصلي في المسجد إلا الفريضة فقط.
وإن صلينا الراتبة في المسجد لضرورة فلابد أن نفصلها عن الفريضة لاسيما الجمعة، حتى لا نتشبه بالرافضة الذين لا يسلمون على رأس ركعتين ويصلون الركعتين بالجمعة وينون الظهر والإمام يصلي الجمعة، وأمرنا بمخالفة الضالين.
السؤال 388: إذا زنا رجل بامرأة وحملت منه هل ينسب الولد له وهل يحق لنا أن نقول إن هذه المرأة عاهر، ولو زنت لمرة واحدة فقط؟
الجواب: إن لم يعرف عن هذه المرأة أنها زانية، ويتيقن هذا الرجل أنه ما اتصل بها غيره، فله أن يلحق الولد به، وقد قال بهذا جمع من الأقدمين، من أهل العلم، فهو قول اسحق بن راهويه، وذكر عن عروة،وسليمان بن يسار، وقال الحسن البصري وابن سيرين: يلحق الولد بالواطئ، إذا أقيم عليه الحد، ويرثه، وكذلك قال بالإلحاق إبراهيم النخعي، وقال أبو حنيفة: لا أرى بأساً إن زنا الرجل فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولده، وهذا اختيار ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوي" (32/112-113، 139) وثبت في "موطأ" مالك أن عمر رضي الله عنه، كان يليط [يلحق] أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام.
وهذه الفتوى توسع على الشاردين البعيدين عن الله، عز وجل، من المسلمين، الذين يقيمون في ديار الكفر، فكثيراً ما نسأل فيقول السائل: تكون لي صاحبة وأعاشرها بالحرام، والعياذ بالله، ولا تعاشر غيري بيقين، فحملت مني، وأريد أن أتزوجها، فهل هذا الولد ولدي أم لا؟ من اقوال هذه الثلة من التابعين ما يخول جواز هذا الإلحاق.
أما لو كانت هذه المرأة يزني بها كثيرون فالولد لا ينسب للزاني، وإنما ينسب ابن الزنا لأمة، ولو كان لهذه المرأة فراش شرعي،وزنت وحملت، ولا تدري ممن حملت، فالولد ينسب لصاحب الفراش الشرعي، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الولد للفراش وللعاهر الحجر} ، فالولد ينسب للزوج، وللعاهر الحجر، أي للزاني الرجم، لأن المرأة المتزوجة لا يطمع أن يزنى بها إلا المتزوج، والله أعلم...
السؤال 389: هل يجب على المرأة خدمة زوجها من صنع الطعام وغسل الثياب وكنس البيت؟
الجواب: المسألة فيها خلاف بين الفقهاء قديماً، وكان قديماً قد شاعت ظاهرة الخدم والإماء ،وكانت المرأة لا تخدم بحكم كثرة وجود الإماء والخدم، والأمة كانت تشتريها الزوجة، ومن يقرأ ما كتب في تراثنا في أسعار العبيد وشرائهم يعلم أن الأمة كلما كانت بشعة كان سعرها أغلى، لأن المرأة هي التي تختارها وتعلم أن لزوجها أن يطأها إن ملكها أما أمة زوجته فلا يطأها حتى يملكها.
وبعض أهل العلم قديماً قال: ليس على المرأة خدمة لزوجها، وهذا ليس بصحيح والصحيح العشرة بين الزوجين بالمعروف، وعليه فيجب على المرأة أن تخدم زوجها الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، وتتنوع هذه الخدمة بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، فالبدوية مثلاً ترعى الغنم ويجب عليها أشياء تختلف عن الواجب على القروية، وليست خدمة القوية كالضعيفة، ولا الصحيحة كالمريضة، وليست خدمة امرأة الغني كالفقير، فهذه بحقها خدمة، وتلك بحقها خدمة، فيتنوع الواجب على المرأة بتنوع الأحوال، والواجب الخدمة التي تقع في العادة من مثل هذه المرأة لمثل هذا الزوج.
وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة بخدمة البيت وقضى على علي بما كان خارجاً من البيت، وقد ثبت أن فاطمة رضي الله عنها، أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى من الرحى وسألته خادماً يكفيها لذلك، فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم لأمر عجيب فيه سر لا يعرفه إلا المجرب، فأرشدها إلى أن تسبح قبل أن تنام ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وأن تكبر أربعاً وثلاثين، وهل بين الشكوى والإرشاد صلة؟ نعم، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (من حافظ على التسبيح والتحميد والتكبير قبل النوم فإنه يرزق بهمة وقوة على عمل لا يعلمها إلا الله عز وجل}، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدها لما شكت ضعفها إلى ما يقويها على عملها، وهو الذكر قبل النوم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم ما أوجب لها خادمة، وقد قضى عليها بالعمل في بيتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر عائشة وسائر أزواجه فكان يقول: {يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا}، وكان يقول: {يا عائشة هلمي الشفرة واشحذيها}، فكان يأمرها بالعمل، فالواجب على المرأة خدمة زوجها الخدمة التي تجب على مثلها لمثله، وليس الزوج المضياف كغير المضياف، فإن كان مضيافاً فعليها خدمة زائدة، وهذا الحد يعتد به بالعرف والعادة، وكما يقولون : العادة محكمة، وهذه قاعدة من القواعد الخمس الكلية التي يدور عليها الفقه في جل مسائله، أما القول بأن الخدمة ليست واجبة في حق المرأة فإنه يعطل هذه النصوص، فالمرأة إن قصرت في خدمة زوجها فهي آثمة، وهذا أرجح الأقوال، والله أعلم..
السؤال 390: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {شيبتني هود}؟
الجواب: هذا حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، فيه ذكر للآخرة، وفي سورة هود قوله عز وجل: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا}، قال ابن القيم في "مدارج السالكين": (الذي شيب من هود صلى الله عليه وسلم هذه الآية)، فالاستقامة لا تكون عن هوى وإنما تكون الاستقامة على حسب ما أمرت، ولا يستطيع الإنسان أن يستقيم كما أمر إلا بعد أن يعلم بماذا أمر، ثم بعد ذلك يستقيم عليه.
والإنسان بنفسه ضعيف، ويحتاج إلى إخوة له يذكرهم ويذكروه، يعينهم ويعينوه، ولذا قال الله تعالى: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا}، والطغيان مجاوزة الحد، فالإنسان يبقى على الاستقامة إن بقي في الطريق ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، فمن تشدد في دين الله قصر، ومن تساهل أفرط، والسعيد من بقي في الصراط، فهذه آية شيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والاستقامة عزيزة ولذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: ((واستقيموا ولا تروغوا روغان الثعلب، ويستقيم الإنسان بأن يدور مع الشرع،لا أن يدورالشرع معه، متى شاء قال هذا حلال وهذا حرام، ومتى شاء جعل دين الله وأوامر الله وراء ظهره، فبعض الناس يتشدق بالدين فيدور الدين معه ولا يدور مع الدين، يجعل الدين كأنه مخزن يأخذ منه ما يشتهي في الوقت الذي يشتهي، وإن بحثت عن دين الله عنده فلا تجده على نفسه ولا في بيته ولا على أولاده ولا على زوجته ،ولا في معاملته ولا أحواله فيتكلم عن الدين بهوى وشهوة، وهذا والعياذ بالله، أسوأ خلق الله، فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب به هواه.
والسعيد من دار مع الدين واستجاب لأمر الله، ومن استقام على أمر الله عز وجل، ومن كان على استقامة فالله حافظه، وهم أولياء الله عز وجل، {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}، والبشارة تكون في النزع، وفي الدنيا لا يصيبه ما يحزنه، لأن الله وليه فالله يتكفل بحفظه ويفرج عنه، ويحفظ الله أولياءه في حلهم وترحالهم في صحتهم ومرضهم، في أنفسهم وأهليهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: {تعرف علي في الرخاء، يعرفك في الشدة}.
وكم من إنسان يكون حتفه وقهره وذله بتدبيره، لأنه ما أوكل أمره إلى الله عز وجل، وكم من إنسان قتل بسبب ماله، ولو كان فقيراً ما قتل ،فالله هو الحافظ، قال صلى الله عليه وسلم: {احفظ الله يحفظك}، ومن استقام على أمر الله فهو ولي الله، فأولياء الله الذين يستقيمون على أمره ولا يروغون روغان الثعلب كما قال عمر رضي الله عنه، رزقنا الله التقوى وجعلنا متبعين لأوامره وبعيدين عن الهوى وركوب ما لا يرتضى.
السؤال 391: ما معنى الحديث: {عليكم بالإثمد، فإنه منبتة للشعر مذهبة لقذى مصفاة للبصر}؟
الجواب: الإثمد هو الكحل والنبي صلى الله عليه وسلم يحث على الكحل، ويريد أن نحرص عليه ولا نهمله، وهذا إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم للذكور والإناث وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل في اليمنى ثلاث واليسرى باثنتين بمروريد، ولا يلزم من الكحل أن يظهر لونه أمام الناس، ويوجد من الكحل ما ليس له لون كالسواد ،وإنما لونه لون البشرة، فلا يظهر أثره عند استعماله فالنبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على الإثمد، لأنه يجلو البصر وينبت شعر رموش العين، ويقيوها، ويذهب القذى من العين، فالكحل سنة تنفع العين.
والكحل حجر أسود يوجد بكثرة في المغرب، وأحسن أنواعه الكحل الموجود في أصبهان في إيران، وأجوده السريع التفتيت، والذي لفتاته لمعة، وداخله أملس، ليس فيه شيء من الأوساخ فهو يشد أعصاب العين ويقول ابن القيم في الزاد أنه من اكتحل بالإثمد مع العسل، فإنه يذهب صداع الرأس، والله أعلم...
السؤال 392: ما رأيكم بقول القائل: إن أكثر علماء الأمة أشاعرة وأن اعتقادهم هو الأصح؟
الجواب: القول بأن الأشعرية هي الاعتقاد الأصح، فهذه فرية بلا مرية، فالصحابة ماتوا ولم يعرفوا الصفات السلبية والوجودية ولا الجوهر والعرض، ولا الاصطلاحات الفلسفية الحادثة، وكان السلف يقولون: العلم بعلم الكلام جهل، والجهل به علم، وكان الشافعي يقول: حكمي على من ترك الكتاب والسنة ،وأقبل على كلام الفلاسفة أن يطاف بهم بين القبائل والوديان وأن يرموا بالجريد والنعال ويقال: هذا جزاء من أقبل على علم الكلام وترك الكتاب والسنة.
وعلماء الأمة المزكون الأطهار الأخيار الذين نحبهم ونجلهم هم الذين كانوا في العصور الثلاثة الأولى وهي العصور المفضلة، وهذه العصور كانت موجودة قبل أن يخلق أبو الحسن الأشعري، فأبو الحسن الأشعري توفي سنة 330 هـ ، فهل العلماء الذين كانوا قبله وقد زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم، هل كان دينهم ناقصاً حتى جاء أبو الحسن الأشعري؟!
وأبو الحسن الأشعري كان معتزلياً ثم لما عرف مذهب أحمد رجع وتاب، وإن كان رجوعه بالجملة وبقي عنده غبش في بعض الجزئيات، ومن كان على شيء ورجع عنه فإنه يرجع رجوعاً جملياً وليس جزئياً، فإن تعلق بعض أتباعه ببعض هذه الجزئيات فلا يجوز لهم من خلالها أن يشككوا في رجوع أبي الحسن، لأن الإنسان يظل إنساناً فيعلق به ما كان يقول به سابقاً، ورجوعه رجوع إلى قواعد كلية، فأبو الحسن الأشعري بريء مما عليه المتأخرون.
وبعض العلماء من مثل النووي وابن حجر تأثروا بكلام الأشاعرة ونقلوه وارتضوه وما كانوا محققين في علم التوحيد، فابن حجر كان محققاً في علم الحديث، والنووي كان محققاً في علم الفقه، ولما حققوا بعض المسائل حققوا ما هو على خلاف الأشاعرة، فالحافظ ابن حجر لما حقق مسألة الصوت لله في الفتح اختار خلاف مذهب الأشاعرة، والنووي في مقدمة المجموع لما حقق أو تكليف واجب على المكلف والأشاعرة يقولون إن أول واجب على المكلف النظر فلما حقق ذلك خطأ هذا القول، وقال: أول واجب على المكلف النطق بلا إله إلا الله، لأن التوحيد الذي ندعو إليه توحيد فطري، بعيد عن الفلسفة، وعن علم الكلام، فجعل ابن حجر والنووي كالباقلاني والجويني وغيرهم من الأشاعرة الأقحاح المنشغلين بعلم الكلام، البعيدين عن نصوص الوحيين الشريفين، هذا ظلم.
فابن حجر والنووي ما أنشئا تأويلاً، ولا شيئاً جديداً عند الأشعرية، وكل الذي وقع منهم أنهم نقلوا عبارات لمؤلفين قبلهم ولبعض مشايخهم وسكتوا عنها، وفرق بين من جدد في المذهب واخترع فيه وزاد عليه وأنشأ، وبين من نقل بغفلة وعدم تحقيق فالقول بأن ابن حجر والنووي أشاعرة كسائر الأشاعرة هذا خطأ، والقول بأن علماء الأمة أشاعرة ليس بصحيح ،فالأمة الطائفة المنصورة موجودة فيها، وهي ما كانت على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا الدين، والله أنزله كاملاً على قلبه وهذه الاصطلاحات الفلسفية التي عند الأشاعرة ما كانت موجودة، وما كان يعرفها لا أبو بكر ولا عمر، ولا سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سعيد بن المسيب يقول، فيما أسنده إليه ابن عبدالبر، : (ما لم يعرفه البدريون فليس من دين الله في شيء)، وأهل بدر ما علموا هذه الأشياء.
وبعض الأشاعرة يريد أن يتلطف مع الصحابة والتابعين فيقولون: ما كان عليه الصحابة أسلم، وما كان عليه المتأخرون أحكم، وهذه شنشنة فارغة، فما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم وأحكم، وهو دين الله الذي ارتضاه وأحبه وبلغه النبي صلى الله عليه وسلم، فالزعم بأن علماء الأمة كلهم أشاعرة هذا كلام من لا يدري ماذا يخرج من بين لحييه كلام جاهل لا يعرف شيئاً، والله أعلم..
السؤال 393: ما هو الصواب في التشهد تحريك الأصبع أم الإشارة فقط؟
الجواب: الحديث الذي أخرجه ابن حبان وابن خزيمة والطبراني وأصله في سنن أبي داود، من حديث زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن الشاشي عن أبيه عن وائل بن حجر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا تشهد أحدكم فليمد السبابة وليحركها وليدع بها}، وهذا إسناده حسن، وظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد وبدأ بالتشهد مد السبابة وحركها، ومعنى قوله يدعو بها أي يبقى يحركها حتى يصل الدعاء الاستعاذة من أربع قبل السلام.
وكان الشيخ ناصر رحمه الله يرى الاقتصار على وجه واحد فيرى أن المد مع التحريك فيه شيء زائد، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي كان إذا تشهد يمد السبابة وكان الشيخ ابن باز رحمه الله، يرى جواز المد دون تحريك إعمالاً لحديث ابن عمر، ويجوز المد مع التحريك إعمالاً لحديث وائل، وهذا رأي القرطبي في التفسير، والصنعاني في سبل السلام، وجمع من أهل العلم، فمن اقتصر على الإشارة دون التحريك فقد عمل بحديث ابن عمر ومن حرك عمل بحديث وائل بن حجر، وكلاهما سنة، وكلا الحديثين ثابت صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الشيخ ناصر يرى المد مع التحريك إعمالاً للحديثين، معاً والمد دون تحريك إعمال لحديث واحد والإعمال للحديثين معاً والمد إعمال لحديث واحد والإعمال لجميع الأحاديث مقدم على إعمال حديث دون حديث لاسيما أن هناك لفظه عند أبي داود من حديث ابن عمر مدارها على مجهول: (كان يمد السبابة لا يحركها).
والذي أراه أن المد مع التحريك سنة، ومن دون تحريك سنة، والحديثان ثابتان، صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قول ابن خزيمة عن حديث التحريك: تفرد به زائدة لا يدل على أنه شاذ كما يظن البعض، فالحديث الفرد الغريب يكون صحيحاً مثل حديث {إنما الأعمال بالنيات}، وأخرجه الشيخان وكثير من الناس يقرأ كلام ابن خزيمة بما يشتهي لا بما كتب، والله أعلم..
السؤال 394: ما حكم صلاة التسابيح؟
الجواب: كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى، يرى ضعف حديث صلاة التسابيح، وصلاة التسابيح أربع ركعات في القيام بعد الفاتحة وسورة يقال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمسة عشر مرة، وتقال في الركوع بعد أذكار الركوع تقال هذه التسبيحات عشر مرات، وعند القيام من الركوع بعد التسميع والتحميد، تقال عشراً، وبعد أذكار السجود تقال عشراً، وبين السجدتين تقال عشراً، وبعد القيام من السجدة الثانية وقبل النهوض تقال عشراً، وفي هذه أصل لجلسة الاستراحة.
وصلاة التسابيح اشتهر عن الإمام أحمد أنه كان يضعفها، وذكر ابن قدامة في "المغني" عن الإمام أحمد أنه قال عنها بدعة، وذلك لأنها ما ثبتت عنده من صحيح فعله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه "الأجوبة على مشكاة المصابيح" أنها صحت عند أحمد بأخرة، وأن أحمد تراجع عن تضعيفها، واشتهر القول عنه بالبدعية، وبقي ما هو مدون في كتب الحنابلة هو الشائع إلى هذه العصور.
وقد صحح صلاة التسابيح الإمام مسلم بن الحجاج، وصححها جمع، وألف في تصحيحها ابن ناصرالدين كتابه "الترجيح في صلاة التسابيح" فجمع جميع طرق صلاة التسابيح، وكان شيخنا إمام هذا العصر في الحديث الشيخ الألباني رحمه الله، كان يحسن صلاة التسابيح.
ومن الخطأ فعل صلاة التسابيح في جماعة ومن الخطأ توقيت صلاة التسابيح كل عام في ليلة السابع والعشرين من رمضان، فلا يجوز لنا أن نقيد شيئاً أطلقه الشرع، فلا نفعل شيئاًعند أنفسنا، ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم، صلاة التسابيح في جماعة فصلاة التسابيح تؤدى فرادى في أي وقت شئت أن تؤديها فأدها، والله أعلم..
السؤال 395: ما حكم من يقبل زوجته في نهار رمضان بشهوة؟
الجواب: تقبيل الزوجة في نهار رمضان بشهوة جائز، لكن بشرط ألا يتمادى الإنسان فكانت عائشة كما ثبت في الصحيحين تقول: ((كان رسول الله يقبل وهو صائم)) وتضحك، وكانت تقول: ((كان رسول الله يقبل في رمضان وهو أملككم لإربه)).
ولما سئل عمر رضي الله عنه، عن التقبيل أجاب بجواب بديع يدلل على فقه غزير عنده، فقال: ((القبلة كالمضمضة)) فلو أن رجلاً أمسك الماء في فمه ثم لفظه فصيامه صحيح، فقبل الشرب يقع الماء في الفم، وقبل الجماع تقع القبلة، فإذا الإنسان اقتصر على المضمضة دون الشرب صح صيامه، فكذلك إذا اقتصر على القبلة دون الوطء، ففي تشبيهه دقة.
وبعض الفقهاء, وصح عن ابن عباس ذلك، أنه فرق بين الصغير والكبير فمنع الشاب من القبلة بشهوة، سداً للذريعة، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، وجوز للشيخ الكبير أن يقبل، لأن يملك شهوته، فقد صح عند البيهقي أن رجلاًشاباً جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وسأله عن قبلة الصائم، فقال: ((أكره لك ذلك)) فقال شيخ بجانبه: وأي وجه للكراهية، فقال ابن عباس: ((أما أنت فلا أكره لك ذلك فإنه لا خير عند إستك)) وهذا التفريق له وجه، والله أعلم.
السؤال 396: هل يحق للصغار غير المكلفين الوقوف في الصف الأول في الصلاة، وبعضهم أرجع صبياً من الصف الأول، وهو يحفظ القرآن، فما الحكم؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يليه أولو الأحلام والنهى، والصبي المميز يعتد به في الصف، فلو صلى رجل وصبي خلف إمام فإنهما يقفان في صف خلف الإمام، ولو صلى صبي وامرأة مع إمام، فإن الصبي يقف بحذاء الإمام، والمرأة تقف خلفهما، فالصبي المميز يعتد به في الصف، فإن سبق المميز إلى الصف الأول دون أن يكون خلف الإمام فمن حقه أن يبقى في الصف، ولا يجوز طرده وأخذ هذا المكان منه عنوة، أما خلف الإمام فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يليه أولو الأحلام والنهى، أما أطراف الصف أو الصف الثاني وغير ذلك يأتي الرجل فيجد صبياً مميزاً فيرجعه فهذا لا يجوز.
أما غير المميز فلا يعتد به في الصف، وهو الذي لا يدرك، فكيف إن كان يحفظ القرآن؟ فإنه يجوز أن يقدم إماماً فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى على قوم صبياً كان يحفظ البقرة، وصح أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم عين صبياً ما بلغ ليؤم الناس، وكان فقيراً ما عنده ما يستر عورته في الصلاة فكان إذا سجد بان إسته، فقيل: غطوا عنا إست إمامكم، فالراجح من قولي الفقهاء، أنه يجوز للصبي المميز أن يؤم الناس، إن كان أقرؤهم، ولو لم يكن بالغاً، لكن لا يكون خلف الإمام وإن كان حافظاً، لأنه قد يقع مع الإمام طارئ فلا يستطيع أن يتدارك ما يقع مع الإمام، فلا يكون خلف الإمام إلا أصحاب العقول والأحلام.
وإن رجع الصبي فقدم كبيرا جائز ،مع القول بأنه لا إيثار في القربات، حتى مع أبيك لا تؤثرة في القربات، وحديث {جنبوا صبيانكم مساجدكم}، لم يثبت، لكن نجنب من يؤذي، كالمعتوه والمجنون إن كان مؤذياً، إما إن كان لا يؤذي فله أن يصلي وله أن يدخل المسجد لكن لا يلي الإمام، والله أعلم..
السؤال 397: هل هناك نهي في أن ينظر كل من الزوجين إلى عورة الآخر أثناء الجماع؟
ما دام أن الشرع قد أحل الوطء بين الزوجين، فإنه لا يوجد عورة للرجل على زوجته ولا العكس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل عارياً مع عائشة، وكانا يغتسلان من واحد ويمازحها ويقول لها: إبق لي، وتقول له: إبق لي، وما يذكر من أن النظر في فرج المرأة يورث العمى والبرص وما شابه، فهذه خرافات، وما يذكر أن عائشة قالت: ((ما رأى ذاك مني، وما رأيت ذاك منه)) فهذا لم يثبت ولم يصح، وثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: {احفظ عورتك إلا من زوجتك أو أمتك} فلا يوجد للزوجة عورة ولا للأمة، والله أعلم..
السؤال 398: هل قراءة القرآن الجماعية جائزة أم لا؟
الجواب: قراءة القرآن جماعة بنفس واحد تعبداً هذه بدعة، ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإن وقعت للتعلم فلا أرى فيها حرجاً ليستقيم اللسان، كأن يردد الأستاذ والطلبة يرددون معه، لاسيما إن كانوا صغاراً أو كانوا أعاجم، أما فعلها عبادة وتقرباً إلى الله فهي بدعة كما قال الإمام مالك، رحمه الله، والمطلوب في القرآن إن قرئ أن نستمع واحد يقرأ والبقية يستمعون وقد سئل الإمام مالك عن قراءة القرآن بالإدارة وقراءة القرآن بنفس واحد، كما يفعله أهل الاسكندرية في زمنه فقال: ذلك بدعة، والله أعلم..
السؤال 399: ما حكم الأموال التي يحصلها الرجل من العمل في إصلاح التلفاز والفيديو والستلايت؟
الجواب: الأصل في الأعمال الحل، لكن إن قام ظاهر يخالف الأصل، فالظاهر يقدم عليه، فإن هذا الظاهر كان حلالاً فالحمد لله فإن جاءك رجل صاحب ديانة واستقامة لا يستخدم هذه الأشياء إلا في الحل [إن وجد]، فلا حرج، وأما غير ذلك فحال استخدام هذه الأجهزة معروف، أما الحريص من طلبة العلم هذه الأيام، فكما كان يقول جمال الدين القاسمي، رحمه الله، لو كان الوقت يباع لاشتريته، فطالب العلم لا يوجد لديه وقت أن ينظر إلى الخير، إن وجد، في مثل هذه الأجهزة.
وقد يقال إن الفيدوي قد يقتصر الإنسان فيه على أشياء مشروعة، ويتحكم فيه، فإن صلح لأهل الديانة ومن يستخدمه على وجه شرعي فلا أرى في هذا حرجاً، وكذلك المسجل، فالعبرة بالقرائن التي تحتف بهذا التصليح، فإن قامت قرائن ظاهرة تخالف الحل، فالظاهر يقضي على الأصل، ومن يفعل هذا ويدقق يتعب، ولا يبقى في هذه المهنة أما من كان يتقن هذه المهنة وهي ليست عمله الأصلي وأراد أن يخدم أخاً له بظروف يعلمها فله ذلك، وله أن يتقاضى أجراً، والله أعلم..
السؤال 400: أيهما أفضل: التزكية والرقائق أم العلم والتعلم؟
الجواب: من تعلم دين الله عز وجل، وعلم أسراره وأحكامه فإنه يثبت عليه إلى الممات وإنه ينشرح صدره لدين الله ويهنأ به، وما وجدت أهنأ من العلماء في حياتهم فضلاً عن دينهم، فإنهم يعطون كل ذي حق حقه.
وأما ذكر الرقائق والزهديات فهذه ذكرها على القلب آني، وقلما تسلم من سلبيات من اختلاط الصحيح بالضعيف ومن المغالاة، وإذا ضبط الشيخ فقد يكون السامع لا يحسن وضع الأشياء في أماكنها وتختلط عليه الأمور ولذا لا يقدم شيء على العلم.
وواجب هذا الوقت العلم، ومصيبة الأمة، وما أوصل الأمة إلى ما وصلت إليه الخرافة والجهل، فيجب على كل مصلح، إن أراد أن يتقي الله، أن يعمل على محاربة الخرافة والجهل، وكلما توسع علم الناس، ودخل اليقين في قلوبهم على أن دين الله حق، وعلى أن مصلحتهم في دنياهم قبل أخراهم، إنما هي في اتباع كتاب الله عز وجل، وصحيح سنته صلى الله عليه وسلم، فنحن حينئذ نصعد وفي المآل نسعد، فهذا واجب الوقت الذي يجب على الجميع أن يشغل نفسه ويشغل من يلوذ به، جعلنا الله مفاتيح خير ومغاليق شر، وهداة مهديين وأن يجعلنا من طلبة العلم الجادين العاملين المخلصين ، المتجردين عن حظوظ أنفسهم، العارفين لواجب وقتهم.
__________________
لسؤال 401: كيف نوفق بين حديث: {حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج}، وبين إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه، في إمساكه التوراة؟
الجواب: حديث: حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج، يتعلق بالشيء العارض ،لا عمل الإنسان المتفرغ الذي ينظر في كتاب وينشأ عليه، فنحن دائماً نحذر طالب العلم أن ينشأ على الباطل، ويقرأ في كتب الشبه وأهل البدع، فالأصل في طالب العلم في بداية نشأته العلمية أن يصفي مورده ومشربه، ولا يأخذ إلا من الشيء الصحيح الثابت، ولا يقامر ولا يغامر ولا يجرب فهذا ليس من ديننا، فديننا كتاب وسنة، لكن إن جاء عن بني اسرائيل الشيء العارض تحدث به ولا حرج.
لكن الصحف التي وقعت بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ما كان حديثاً، إنما كان انقطاعاً يريد أن يقرأها ويتأملها، وفيها ما يجوز التحديث به، وما لا يجوز التحديث به، فالحالتان اختلفا ولا يوجد بينهما تعارض فضلاً عن تناقض، والله أعلم..
السؤال 402: هل هذا حديث: {إن أبغض الحلال عند الله الطلاق}؟
الجواب: هذا حديث مروي لكنه ضعيف سنداً وقد بينت ضعفه بالتفصيل في تعليقي على كتاب الموافقات، وضعيف أيضاً في المتن، فكيف يكون أبغض الحلال، والحلال ما تساوى طرفاه فكيف يكون حلالاً بغيضاً؟ فالفعل والترك إن تساويا فهذا حلال، فشرب الشاي مثلاً حلال، إن شربت أو ما شربت عند الله سيان، فكيف يكون حلالاً عند الله بغيضاً؟ هذا لا يصلح، فالحديث ضعيف سنداً وفي متنه نكارة، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال 403: ما هي السنة في الهوي للسجود على اليدين أم على الركبتين؟
الجواب: المسألة مما وقع فيها خلاف بين الفقهاء قديماً، فقد ذهب الحنفية والمالكية إلى وضع اليدين قبل الركبتين، وذهب الشافعية والحنابلة إلى وضع الركبتين قبل اليدين، وورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه}، وزعم ابن القيم في "زاد المعاد" أن هذا الحديث مقلوب، وأن الراوي أخطأ، وكان ينبغي على الراوي أن يقول: {وليضع ركبتيه قبل يديه}، لأن البعير أولى ما ينزل على يديه.
والصواب أن الراوي لم يخطئ ولا يجوز لنا أن نخطئ الرواي بالظن ما دام أن للحديث مساغاً وتأويلاً مقبولاً ومعروفاً في العربية، فعند العرب للبعير أربع ركب، فالبعير ينزل على ركبتيه اللتين في يديه، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه}، فآخره يوافق أوله، ولم يقع قلب عند الراوي، والزعم بالقلب زعم يحتاج إلى قرائن وأدلة، وهناك وجه قوي في العربية معروف يأذن بالتناسب والتناسق بين شطر الحديث الأول وشطره الثاني، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يهوي ساجداً، ومن لوازم ذلك النزول على اليدين قبل الركبتين.
والشريعة عامة وليست خاصة فهي تشمل الصغير والكبير والقوي والضعيف، فالكبير والضعيف كيف سينزل؟ ينزل على ركبتيه، والمسجد الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه كان يفرش بالحصى والتراب يستطيع أن ينزل على ركبتيه؟ أم إنه ينزل على يديه، فالشريعة عامة، والسعيد من استنبط الأحكام الشرعية مراعياً أمرين كليين: ما تتحمله اللغة العربية، والنظر إلى حال المخاطبين عند التشريع، فالنظر إلى حال المخاطبين عند التشريع يأذن بسنية النزول على اليدين قبل الركبتين، وهذا ما أراه راجحاً وإن قال به الإمام ابن القيم رحمه الله، وعلى هذا الأدلة الصريحة، وما يناسب عموم الشريعة، والله أعلم...
السؤال 404: هل الدروز مسلمون، وما هي معتقداتهم؟
الجواب: الدروز فرقة مارقة خارجة عن دين الإسلام، ليس لهم في الإسلام نصيب، كيف وهم لا يؤمنون بأي نبي أو رسول من رسل الله، وإن كانوا يتظاهرون بالإسلام، لكنهم يتعمدون مخالفة المسلمين ويكرهونهم، ويعبدون ربهم في إيذائهم، فلا يوجد في محالهم ومناطقهم مساجد، وهم يعبدون الله عز وجل، بالكذب على المسلمين والتقيا، ويعتقدون أن الرسل هم أبالسة، وهذا يذكر في كتبهم.
والدروز فرقة تتكتم على دينها؛ لذا فالنساء عندهم لا دين لهن، والرجال لهم دين يعطونه بمبايعة وطقوس بعد الأربعين، ومن أظهر هذا الدين وأباح به فإنه يقتل، لكن هنالك جهود لعلمائنا الأقدمين والمحدثين في بيان معتقداتهم، وكذلك هنالك كتب لهم في ديانتهم، والعلم كما يقولون: لا أمير فيه إلا العلم، والعلم لا يقبل التخبئة، فالعلم حقيقة منتشرة، والمعلومات مع مضي الزمن لا يبقى فيها سر. ووجود الفوضى اليوم، والتحلل من العادات والتقاليد، هذا عندي من مؤشرات وإرهاصات تحقق الخلافة الراشدة وأن يعود الناس بمحض إرادتهم، ومن غير ضغط عادات ولا تقاليد، إلى ما كان عليه السلف الصالح.
والدروز يعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله، وهو أبو علي المنصور ابن العزير بالله الفاطمي، المتوفى سنة 375هـ، 985م، والمؤسس الفعلي للدروز هو حمزة بن علي الزوزني المتوفى سنة 430هـ، فهو الذي ألف كتب عقائد الدروز، وهو مقدس عندهم، بل هو عندهم كالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، عند المسلمين، وكان معه رجل اسمه محمد بن اسماعيل الدرزي ،ومعروف بـ ((نشتكن)) كان مع حمزة في تأسيس عقائد الدروز، إلا أنه تسرع في إعلان ألوهية الحاكم، وكان ذلك سنة 407هـ، مما أغضب حمزة عليه، وأثار الناس ضده، وكاد أن يقتل، فتحول إلى دمشق ودعا هناك إلى مذهبه وظهرت الفرقة الدرزية التي ارتبطت باسمه، ثم دبر له وقتل.
الدروز لا يعتقدون بالجنة ولا بالنار ولا باليوم الآخر، ويعتقدون بتناسخ الأرواح، فأما العابد فروحه تصعد لأعلى أو تنعم في بدن آخر، وأما العاصي روحه تنتقل إلى الكلاب والخنازير والحمير وما شابه، ويعتقدون أن دينهم ناسخ لجميع الأديان ولهم كتاب مقدس يسمى عندهم "المصحف المنفرد" وهم يظهرون التفاخر بالانتساب إلى حكماء الهند، والفراعنة، ويعظمون الفراعنة، ويحرمون تعدد الزوجات ويحرمون علىالزوج إن طلق أن يعيد زوجته، ويرون أن الفحشاء والمنكر في كتبهم يراد بهما أبو بكر وعمر، فهم يبغضون أبا بكر وعمراً بغضاً شديداً.
ومجتمعاتهم تنقسم إلى قسمين من ناحية دينية؛ الأول الروحانيون، والقسم الثاني: الجثمانيون، والروحانيون عندهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام، رؤساء وعقلاء وأجاويد، والجثمانيون ينقسمون عندهم إلى أمراء وجهلة.
ويحكمهم من ناحية دينية رجل يمتثلون لأوامره وتعاليمه يسمى عندهم بشيخ العقل،وله نواب ومساعدون.
ولهم رسائل مقدسة، مئة وإحدى عشرة رسالة، من تأليف حمزة ورجل آخر عندهم مقدس يسمى بهاء الدين، ولهم كتاب مقدس أيضاً اسمه: "النقاط والدوائر" ألفه عبدالغفار تقي الدين ت 905هـ.
هذه مجمل عقائد الدروز ومن خلالها يتبين لنا أنهم كفار لا يؤمنون بالأنبياء واليوم الآخر، ويعتقدون ألوهية الحاكم بأمر الله، ولا يعتقدون بما نعتقد، فهم كفار يحرم تزويجهم أو الزواج منهم، وتحرم ذبائحهم، ومن أحسن من كتب عنهم دراسة الأستاذ محمد الخطيب ونال بها درجة الماجستير في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، سماها "عقيدة الدروز عرض ونقد" وله رسالة أيضاً نال بها الدكتوراة تعرض للدروز في فصل من دراسته وهي "الحركات الفاطمية الهدامة في الإسلام" فهاتان دراستان متخصصتان عن الدروز.
السؤال 405: هل يجوز أن نقول: علي عليه السلام؟
الجواب: أما أن السلام على علي فنثبت معناه، و(عليه السلام) مصطلح خاص بالأنبياء، فالاصطلاح ينظر إلى إطلاقه وإلى شهرته، ولا ينظر فيه إلى معناه اللغوي، فمثلاً اصطلاح: (عز وجل) هذا يطلق في حق الله تعالى،لكن أليس محمد عزيز وجليلاً؟ لكن هل يجوز أن نقول محمد عز وجل؟ لغة نعم، لكن اصطلاحاً لا؛ لأنه أصبح خاصاً بالله تعالى، فلا يطلق على غيره، فاصطلاح عليه السلام خاص بالأنبياء، وإن كان بالمعنى اللغوي يطلق على علي وغيره.
لكن هذا الاصطلاح أصبحنا نراه من استخدامات أهل البدع في الغلو في علي، رضي الله عنه، فإنهم يخصونه به، وهذا أمر منكر، فإن الاصطلاح الخاص بالصحابة هو: (رضي الله عنه) ويجوز أن نقول عن الصحابة عليهم السلام إن ذكرناهم موصولين بالنبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: على محمد وآله وصحبه جميعاً عليهم صلوات الله وسلامه.
وعند الرافضة حديثاً مكذوباً: {من قطعني عن آلي بعلي فعليه لعنه الله}، فالرافضة يمنعون أن تقول: محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام بناءً على هذا الحديث المكذوب، وإنما يقولون: على محمد وآله الصلاة والسلام بدون علي، ولعنه الله على الكذابين.
السؤال 406: ما الفرق بين الحرام والمكروه كراهة تحريمية؟
الجواب: لا فرق بينهما من حيث الثمرة، حتى عند من يفرق بينهما، وكذلك الواجب والفرض لا فرق بينهما من حيث الثمرة، فالأصناف يفرقون بين الواجب والفرض، وبين الحرام والمكروه كراهة تحريمية، فيجعلون ما ثبت بدليل قطعي (قرآن أو حديث متواتر)، إن كان فيه أمر فهو فرض، وإن كان فيه نهي فهو نهي فهو حرام، وما ثبت بدليل ظني (حديث غير متواتر) إن كان أمراً فهو واجب وإن كان نهياً فهو المكروه كراهة تحريمية.
وكذا يلحقون ما استنبط وما اجتهد فيه من الأشياء الحادثة التي لم يرد فيها نص، فيغلبون عبارة المكروه كراهة تحريمية على عبارة الحرام، فالدخان مثلاً عند الحنفية يقولون عنه: مكروه كراهة تحريمية ولا يقولون حرام، لأنه لم يرد في نص، والمكروه كراهة تحريمية عند الحنفية يأثم صاحبه، ويثبت الفسق بالمكروه كراهة تحريمية، فلا يفرقون من حيث الثمرة، بين المكروه كراهة تحريمية وبين الحرام، فيؤثمنون فاعل الحرام كما يؤثمنون فاعل الكراهة التحريمية، وإنما التفريق عندهم بالدليل الذي يثبت، والله أعلم ...
السؤال 407: ما معنى قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك}؟
الجواب: الآية فيها خلاف طويل وكثير، والعلماء ذكروا أشياء منها ما هو قريب ومنها ما هو بعيد، وأبعد الوجوه عندي أنها نزلت خاصة في امرأة بغي كانت في المدينة تسمى هزال وهذا بعيد، وكذلك من الأقوال البعيدة في الآية أنها نزلت في أهل الصفة أنهم وجدوا الطعام والشراب والمبيت عند البغايا فأرادوا أن يتزوجوهن، ولم يثبت هذا بسند صحيح.
وأقوى الأقوال أنها جاءت لاستشباع واستشناع الزنا، وقد بين المولى عز وجل، أن الزاني طبعه خبيث فلا يستطيب بالحسن المليح، فلا يطيب له إلا الخبيث، الزانية، والزانية لا يطيب لها إلا الزاني الخبيث، فالعلماء قالوا ليست الآية على ظاهرها، بمعنى لو أن رجلاً مسلماً محصناً عنده امرأة محصنة وزنا، فلا تحرم عليه زوجته، ورجح القرطبي وابن العربي أن المراد بالنكاح في الآية: {الزاني لا ينكح}، أي يطأ، فتكون هذه الاية من الآيات التي ذكر فيها النكاح بمعنى الوطء، كما ورد في قوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} فالزاني تحت حمأة الشهوة وشدتها لا يكترث فيطأ الزانية أو المشركة، فالمهم أن يلبي هذه العزيزة البهيمية عنده دون أن ينظر إلى الموطوءة كما ينظر الذي يريد الزوجة والولد، فالزاني لا يبحث إلا عن زانية أو مشركة، وكذلك الزانية لا تبحث عن زان أو مشرك، فالمراد بالآية الإخبار.
ويؤكد هذا ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عمرو بن شعيب عن أبي عن جده أن مغيثاً كان ينقل أسارى الكفار وكانت له صديقة في مكة تسمى عناق فرآها ذات يوم في مكة، وكانت مشركة فعرضت عليه الزواج فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما عرضت عليه، فقال له صلى الله عليه وسلم: {إنها لا تحل لك إنها مشركة}.
ولا يجوز أن نستنبط من هذه الآية أنه يجوز أن يتزوج المشرك من المسلمة الزانية، وإنما المراد الإخبار ولا يجوز أن نقول أن المسلم إذا زنا زكانت تحته امرأة ليست زانية، فلا نقول إنها لا تحل له، وأصبحت زوجته حراماً عليه، فإنما المراد الإخبار بأن الزاني لا يبحث عن زانية أو مشركة، لا تقيم لشرفها وزناً، وكذلك الزانية لا تبحث إلا عن زان أو مشرك، والله أعلم..
السؤال 408: ماذا تفعل الحائض في العمرة؟
الجواب: المرأة الحائض إذا مرت بالميقات فلا يجوز لها أن تتجاوزه إلا بنية، ولا يشترط في النية عند الإحرام الطهارة، فيجوز للمرأة أن تلبي بالعمرة أو الحج، وإن كانت حائضاً، فتمر بالميقات وتقول: لبيك اللهم بعمرة أو لبيك اللهم بحج إن كانت حاجة.
والأحسن في حق الذكر والأنثى هذه الأيام الاشتراط، أن يقول الملبي بالحج أو العمرة: لبيك اللهم بعمرة اللهم محلي حيث حبستني، لأننا اليوم نركب السيارات، وقد يحصل ما ليس في الحسبان، فإذا قال الإنسان: اللهم محلي حيث حبستني ،فمتى حبس عن العمرة أو الحج يلبس ملابسه ولا شيء عليه، أما لو لم يستثني لكان لعدم استثنائه ضريبة فيحتاج إلى أشياء وليس هذا محل تفصيله.
والحائض لا يجوز لها أن تطوف في البيت ويجب عليها أن تتمهل وتنتظر حتى تطهر، فمتى طهرت فهي محرمة، فلا داعي لأن تذهب للتنعيم، وتبقى محظورات الإحرام في حقها كما هي وهي حائض، وحتى طهرت تغتسل في سكنها ثم تذهب وتطوف وتسعى وتتحلل.
وصورة أخرى للمرأة المعتمرة أو الحاجة أن تمر على الميقات وهي طاهر، ثم تحيض فيما بعد وقبل التلبس بالطواف، فهنا صورتها كالصورة السابقة لا فرق.
وهنالك صورة ثالثة: أن تمر المرأة على الميقات وهي طاهر، ثم تطوف بالبيت وهي طاهر، ثم يأتيها الحيض في أثناء طوافها ،فمتى جاءها الحيض تمسك، والعلماء لهم قولان هنا، هل تعيد أم تبني بعد طهرها، والراجح أنه إن طال الفصل فإنها تبدأ من جديد، وبلا شك حتى تطهر يطول الفصل.
وصورة أخرى: أن يأتيها الحيض بعد أن تتم الطواف، ففي هذه الحالة جماهير العلم يجوزون لها أن تسعى وهي حائض، وهذا مذهب الأئمة الأربعة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والمسعى لا يحتاج إلى طهارة لا من أكبر ولا من أصغر، أما مذهب الحسن البصري فلا يجوز لأحد أن يسعى إلا وهو طاهر، وكان شيخنا رحمه الله، في آخر حياته يرجحه، بناءً على عموم قوله تعالى: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما}، فذكر الله السعي كالطواف بالبيت، وهذا عندي بعيد، والذي أرجحه ويميل إليه قلبي مذهب جماهير أهل العلم، من أن السعي لا يحتاج إلى وضوء، والله تعالى أعلم..
السؤال 409: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم عن نجد {منها يطلع قرن الشيطان}؟
الجواب: حتى يتبين معناه لا بد من أمرين، أما الأول فأن ننظر في طرق الحديث لعل فيها ما يعين على الفهم، والأمر الثاني أن نعرف نجد، والكلام طويل وكثير، وقد ألف حكيم محمد أشرف وندهو، وهو من علماء الهند، رسالة سماها "أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان" وفصل فيها تفصيلاً حسناً بديعاً المراد من قوله صلى الله عليه وسلم عن نجد منها يطلع قرن الشيطان.
وقد ثبت في كتاب الفتن من صحيح الإمام البخاري برقم 7094، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا}، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ قال ابن عمر: فأظنه قال في الثالثة {هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان}، وبوب البخاري على هذا الحديث: "باب الفتن قبل المشرق" وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {رأس الكفر قبل المشرق}، وفي البخاري: {رأس الكفر نحو المشرق}، وثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير نحو المشرق: إن الفتنة ها هنا}، فالمشرق المعنى هو مشرق المدينة حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مسلم أيضاً عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يستقبل المشرق يقول: {ألا إن الفتنة ها هنا، ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان}.
وعند مسلم عن ابن عمر فيه تصريح، وفهم من ابن عمر لمراد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول ابن عمر: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم لكبيرة، سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الفتنة تجيء من ها هنا}، وأمأ بيده نحو المشرق {من حيث يطلع قرن الشيطان}، فابن عمر فهمه من هذا الحديث من حيث المشرق أنه العراق، ثم قال: وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وفي رواية عند الترمذي، قال ابن عمر: {انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم}،
والنجد في اللغة العربية المكان المرتفع، وفي "النهاية" لابن الأثير: يمتد من خندق كسرى في المدينة كان نجده في المدينة أو من تهامة، إلى العراق، ومن كان في المدينة كان نجده بادية العراق، والعراق هي مشرق أهلها، وفي حديث ابن حوالة عند أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة، جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق}، قال ابن حوالة: خير لي يا رسول الله؟ قال: {عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده فإن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل لي بالشام وأهله}، وفي رواية عند البزار{فمن رغب عن ذلك فليلحق بنجدكم}، وفي الحديث السابق {وجند بالعراق}، فنجد المرادة بالحديث العراق، وذلك يكون لمن لم يستطع اللحوق بالشام ولا باليمن، وفي صحيح البخاري: {يخرج أناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم}، وفي رواية للبخاري: وأهوى بيده قبل العراق وقال: {يخرج منه قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم}، وقد ورد في حديث ابن عمر وابن عباس لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا} قالوا: وفي عراقنا، قال صلى الله عليه وسلم: {منها يطلع قرن الشيطان}، والاستنباط ملغي مع التنصيص فالنبي صلى الله عليه وسلم نصص في هذه الأحاديث أن المراد بنجد العراق.
والواقع قديماً وحديثاً يشهد أن الزلزال والفتن والفرق وأصولها من الروافض والخوارج والمعتزلة من العراق، والمحن على مر العصور موجودة في العراق، لذا قال مالك نبي المفكر الجزائري : لقد ظلموا بغداد لما سموها دار السلام فلا سلام فيها.
السؤال 410: هل يجوز لي أحسب هدايا المناسبات التي أعطيها لرحمي من الزكاة علماً بأن الهدايا نقود، وبعضهم فقراء؟
الجواب: لما يصل الأمر عند الناس إلى المال يبدأون يبحثون عن مسوغات كما يقولون أخرج المال من كمك واجعله في جيبك، وكثير من الناس يسأل: أيجوز لي أن أعطي ولدي من زكاة مالي؟ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: {فتنة أمتي المال}، فالمال فتنة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمال فتنة قلة وكثرة، فالذي لا مال معه مفتون، والذي معه مال كثير مفتون، وأول فتنة أمة محمد في المال هي أن يضن الناس بالدينار، فالإمساك هو أول الفتنة، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعتم بالعينة....}، فالناس يلجأون للربا، إذا ضن أصحاب الأموال منهم بأموالهم، ونحن نحتاج إلى محلات ونشرات ووعظ من الأئمة لأن يحيوا القرض الحسن بين الناس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذانب البقر وتمسكتم بالأرض وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم}. فأول الذل إمساك الدينار والدرهم.
وبالنسبة لهدايا الناس فيما بينهم فإن العبرة ليست بالأسماء وإنما العبرة بالحقائق فأنت تقول: هذه هدية وهي في حقيقتها ليست هدية، وإنما هي دين في صورة هدية، ففي أعراف الناس من أعطى مالاً في مناسبة كالعرس مثلاً، ممن يعطي هذا المال يعتبره ديناً في ذمة الآخر، ويوصي به أبناءه، فمن يعطي قريباً له هدية، في مناسبة اجتماعية فإنه ينتظر ردها، أما إذا كان ليس من عادته العطاء، فلا يعطي في مناسبة وادخر هذا العطاء وأشعرهم أن هذا العطاء ليس له صلة بالمناسبة.
فالهدايا في المناسبات ليست هدايا في التكليف الفقهي الصحيح وإنما هي دين، لكن العلماء يقولون: قيمة الدين مسامح فيه، والفرق بينه ليس ربا، كالجار يأخذ من جاره رغيف خبز ويرجعه رغيف خبز، فليس مثلاً بمثل، لكن ليس هذا بربا، وهذا أمر معفو عنه، من باب عموم البلوى، ومن باب أن المقصد الشرعي من حرمة الربا غير حاصل في مثل هذه الفروق القليلة بين الهدايا، فلا يجوز للرجل أن يعطي أقاربه مالاً وينوي بها زكاة في المناسبات الاجتماعية، أما إن أعطاها في غير مناسبة، فالحمد لله، فالزكاة للرحم له عليه أجران، والله أعلم ...
السؤال 411: شخص كلفني بشراء سيارة وهو في بلد آخر، فاشتريت له السيارة بالمبلغ الذي بعثه لي ، وأخذت لنفسي أتعاباً من غير أن يعلم، فما حكم هذا الأخذ؟
الجواب: هذه المسألة تخرج على قاعدة: يد الأجير يد أمانة، لا يد ضمانة، فمثلاً: رجل يعمل عنده أجير، فكل مصلحة أو فائدة مالية عبر هذا الأجير أثناء العمل تعود إلى صاحب العمل ، فرجل اشتغل عنده صانع في بيته، كهربائي مثلاً وفرغ وقته لعمل الكهرباء في البيت، فوكله صاحب البيت، بشراء ما يلزم من مواد، فلا يحل لهذا الصانع أن يأخذ ربحاً من صاحب هذا البيت، على المواد، إنما يحاسبه بالثمن الذي اشترى فيه المواد.
ومثال آخر رجل عنده بضاعة في المطار فقال لأجير عنده: اذهب وحصلها، فقدر الله أن يكون وقت ذهابه للمطار وقت سفر قريب له، فذهب معه إلى المطار بالسيارة، فلا يجوز له أن يحسب أجرة السيارة على صاحب العمل لأن الأجير يده يد أمانة لا يد ضمانة، والعلماء يقولون: الغنم بالغرم، فلو أن الأجير أتلفت هذه البضاعة في يده من غير تقصير منه فإنه لا يغرمها، ولأنه لا يغرم، فإنه لا يغنم، وكذلك لو أن جارة قالت لجارة: اشتري لي كذا وكذا، شيئاً معروفاً سعره وهذه الجارة لسبب ما أخذت سعراً دون السعر المعتاد، فهذا الفرق في السعر لمن وكلت وليس لمن اشترت ، لأنه لو تلف هذا الشيء في يدها فلا تغرمه، لكن لو أن هذه الجارة تعاملت مع جارتها على أنها تبيع وتشتري فأوصتها شيئاً تعلم أنها تبيعه وتشتريه فحينئذ لها أن تربح منها.
فكذلك المسألة فإن وكلك على أنك صديق فلا يجوز أن تربح، وإن وكلك على أنك تاجر ورآك أميناً عارفاً بالسيارات وتبيع وتشتري فحينئذ تربح منه، أما أن تربح منه وهذه ليست مهنتك ويحفظ هو هذا العمل جميلاً في ذمته، يعتبره ديناً ويبحث عن مناسبة أخرى يخدمك فيها، فهذا لا يجوز، وفي مثل هذا أسند أبو نعيم في "الحلية" عن عمر بن عبد العزيز قال: ((ليس من المروءة الربح على الإخوان)) أما في التجارة فلا حرج، أما أن تعامل معك على أنك أخ ولست تاجر ثم تبيع وتربح فهذا ليس بمشروع، ومن الأدلة على عدم المشروعية أن فيه نوعاً من الغش، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {الإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس}. وهذا لو علم أنك أخذت مالاً فإنه ينزعج ويحيك في صدره شيء. والله أعلم ..
السؤال 412: كيف نتعامل مع أحاديث الفتن؟ وما أحسن الكتب المصنفة فيه؟ وهل صحيح أن أشراط الساعة الوسطى قد ظهرت وبقيت الكبرى؟
الجواب: لقد كثر الكلام عن الساعة، بل حدد بعض الناس مدة لها، بل ألف بعضهم كتاباً سماه "عمر أمة الإسلام" وبعضهم يحلف أيماناً مغلظة أن المهدي سيظهر بعد عشر سنوات، إلى غير ذلك من الخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والسعيد في عالم الغيب من دار مع ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتعجل، ولم يسقط الأحاديث على أحداث قبل وقوعها، فإنه تنبؤ واعتداء على الغيب، وهذا يخالف هدي السلف في التعامل مع أحاديث الفتن.
وقد سئلت كثيراًَ عن كتاب "عمر أمة الإسلام" وهذا له تعلق بالسؤال فأقول: هذا الكتاب جل الأحاديث التي فيه صحيحة وثابتة وقد اعتمد مؤلفه تصحيح المحدثين، لكن للكتاب عقدتان، الأولى: أنه اعتمد أخبار بني إسرائيل من التوراة والإنجيل المحرفة المزيفة،وجعلها في مرئية الأحاديث النبوية، والعقدة الثانية: أنه نسج بين الأحاديث التي ذكرها، صلى الله عليه وسلم، وجعل لها تسلسلاً من رأسه، فيقول: هذا قبل هذا ، وهذا يترتب عليه هذا، وهكذا، وهذا التسلسل يحتاج إلى نص خاص ،فما لم يأت نص فلا يجوز لنا أن نربط بين حديثين لا نعرف أيهما الأول وأيهما الآخر، فاستطاع بأسلوب رشيق أن يخدع القارئ ويدخل الباطل إلى عقله، ويجعله يعتقد أن عمر هذه الأمة معروف.
أما تحديد هل نحن في أشراط الساعة الصغرى أم الوسطى، فهذا كلام ذائع بين الناس، والسعيد من وقف مع ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما اغتر بالاصطلاحات وإن ذاعت وشاعت، وكان الشعبي يقول: ((إذا استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل)) وكان سعيد بن المسيب يقول: ((ما لا يعرفه أهل بدر فليس في دين الله من شيء)) واصطلاحات أشراط الساعة الصغرى والوسطى والكبرى، لم نظفر بها ولم نعرفها، لا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا على لسان صحبه، قد يقال: هذا اصطلاح ولا مشامة في الاصطلاح، نقول: نعم لا مشامة في الاصطلاح، لكن هذا الاصطلاح، حتى أجيب على سؤال السائل، ليس بمنضبط، فالصغرى بالنسبة لنا وسطى بالنسبة لآبائنا أو أجدادنا، والكبرى بالنسبة لآبائنا وأجدادنا وسطى بالنسبة لنا، وهكذا، والأحسن من هذا أن نردد مع ابن كثير في كتابه "النهاية في الفتن والملاحم" قوله: ((ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم ووقع)) ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم ووقع شطره، وينتظر وقوع الشطر الثاني منه، ((ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم ولم يقع)) فما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم لا بد أن يقع، لأن أشراط الساعة من باب إخبار الله تعالى لنبيه علم الغيب.
وأحاديث يتعامل معها كثير من الناس على أصل عقدي بدعي فاسد، فلا يجوز لنا على أي حال من الأحوال أن نفهم أحاديث الفتن على غير فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز للواحد منا أن يقول: بما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أخبر عن الفتن، وفيها من الشرور الشيء الكثير، فنقول بما أن النبي قد أخبر فلنقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الفتنة، فلا بد أن تقع، وهدي السلف في التعامل مع أحاديث الفتن أنهم كانوا يردونها ويدرؤونها عن أنفسكم وعمن يلوذ بهم، وعن مجتمعاتهم، فلا يستسلمون لها، وكانوا يعتقدون أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بها من باب الرأفة والرحمة بأمته فحسب، وليس من باب أن ينتظروها ويقولوا: لا بد أن يقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فالواجب علينا أن ندرأ الفتنة عن أنفسنا وعن أمتنا، فإن انتظرنا الفتنة وجلسنا مكتوفي الأيدي لا نحاربها، ففهمنا هذا قائم على أصل القدرية، وليس على أصول أهل السنة.
والواجب علينا في أحاديث الفتن، أولاً أن نتعلمها ولذا صح عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يعلمون أبنائهم أحاديث الفتن كما يلقنونهم السورة من القرآن الكريم، وكانت أحاديث الفتن مشتهرة على الألسنة، وكانت تشاع وتذاع في المجالس، وينبغي أن تذكر من أجل أن تدر أو تدفع.
أرأيتم إلى الأب الحنون الحريص على ابنه، لما يريد ابنه أن يغير بلده، وينتقل مثلاً من ديار الإسلام إلى ديار الكفر، فيقول له: يا أبت ترى كذا، وترى كذا وكذا ،وهو يقول هذه الأمور حتى يحذره ويقوى عزيمته في داخله في أن يرد هذه الفتن، وكنت أقرأ آية في كتاب الله، فأستغرب منها ولا أفهمها، وهي قول الله تعالى عن أهل بدر لما ذهبوا للقتال، وهم خير الأصحاب، بل الملائكة التي قاتلت معهم هم خير الملائكة، فقال الله عنهم في سورة الأنفال: {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}. هل يوجد هلع أكثر من هذا؟ أن يساق الإنسان للموت وهو ينظر إليه! ووصف أهل بدر هكذا، لأن الله خيرهم بين أمرين، بين القافلة وبين القتال، والنفس إن خيرت تميل إلى السهولة واليسر، فإن وقع الأشد، وقعت الطاعة.
لكن النفس إن تحفزت وتقوت واستعدت للأمور الصعاب فإنها تبقى قوية، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أنفسهم أنهم ما استعدوا في حديثهم لأنفسهم آنذاك للجهاد. فكان هذا حالهم .وليس هذا تنقيصا لهم ، معاذ الله ، وإنما هذا إشعار بطبيعة النفس البشرية .فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الفتن آخر الزمان ، حتى تبقى العزيمة والهمة قوية ، ويتحقق قوله صلى الله عليه وسلم: {حتى تجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضاً، حتى تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي} كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر و الطويل فالمؤمن يعلم أن الفتن ستشتد وتزداد مع مضي الزمن ، فيوجد في داخله من القوة ما يعادل أو يكون أقوى من ضغط الفتنة عليه. وكم من إنسان يحيد ويسقط ، لأن العاصفة أقوى منه وقد يكون اعتقاده وتصوره سليما لكن العلة في إرادته ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الفتن لكي يبقى في دواخلنا عزيمة أكيدة بأننا سنرى العجائب آخر الزمان فمهما رأيت يا عبد الله فلا تغير ولا تبدل ، مهما اشتدت بك الأمور ، فانتظر الموت وسل ربك أن تموت على ألا تفتن في دينك ، ولذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرج أحمد وغيره ، من دعاءه {اللهم إن أسالك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني ، وإن أردت بي وبقومي فتنة فاقبضني إليك غير مفتون} فالموت أحب للمؤمن من أن يفتن في دينه. فنتعامل مع الفتن بنفس المؤمن الحريص على أن يبقى على الجادة، وأن تبقى عنده الاستعدادات ليرى العجائب آخر الزمان ، فلا يحيد ولا ينحرف ولا ينافق ولاأقول لايجامل ، والنفاق كثير بل النفاق والكذب أصبح شعار العصر ، والنفاق هو عنوان اللباقة اليوم وشعار المجالس فهكذا نتعامل مع الفتن لا أن نستسلم لها، فنتعامل مع أحاديث الفتن على هذا المحور الذي تجعل الأحاديث تدور عليه.
وأسمع لبعض الخطباء، وأقرأ لبعض من يكتب، لا سيما في الجرائد والمجلات، فأرى أنهم يفهمون أحاديث الفتن فهماً خطيراً على أصل غير شرعي بل هو بدعي .
وأما الكتب المصنفة في الفتن، فأنا أحب الكتب المسندة وطالب العلم ينبغي أن ينظر في الإسناد، لأنه لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، كما قال الزهري وغيره ، فمن أوعب الكتب وأجودها تحقيقا وطباعة كتاب " الفتن " لأبي عمرو الداني المقرئ المشهور وكتابه مطبوع في ثلاث مجلدات وممن كتب في الفتن نعيم بن حماد ونعيم اختلط وفي حفظه شيء، فدمج الأحاديث والألفاظ لكن كتابه يستأنس به وممن جمع في الفتن ابن كثير في كتابه "النهاية في الفتن والملاحم" فجمع وأحسن واستوعب ونقد هذا أحسن ما كتب في الفتن والله اعلم
السؤال 413: ما رأيك في هذه المقولة: أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب؟
الجواب: هذه مقولة جاهلية الإسلام منها بريء، فانظروا إلى سماحة الإسلام وعدله لما قال النبي صلى الله عليه وسلم مما ثبت في الصحيح من حديث أنس: {أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً}، فقال الصحابة: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: {تأخذ فوق يده}، فأنت مع أخيك على طاعة الله عز وجل، وليس على الغريب أو ابن عمك، فإن كان ابن عمك محقاً، فأنت معه على أخيك، بل إن كان الغريب محقاً فأنت معه ضد أخيك وأبيك، أما هذه المقولات الجاهلية ما أنزل الله من سلطان فيها حمية أهل الجاهلية، الحمية للقرابة وللقبيلة، وهذا شأن العرب قديماً أما الإسلام فقد طلب من المسلم أن يدور مع الحق، والعدل، أينما وجد، والله أعلم..
السؤال 414: هل يوجد عند الشيعة تحريف للقرآن؟
الجواب: قرأت من أكثر من عشرين سنة، كتيبات ولما كنت أقرأ أن الشيعة يحرفون القرآن ، والله لاأصدق ، فأقول : مسلم يقول بتحريف القرآن؟ شيء عجيب ، فمهما بلغ به الضلال، وعشعش الشيطان في قلبه وعقله فيصعب أن الإنسان يقول : أن كلام الله في القرآن قد حرف . حتى يسر الله لي على مراحل إثبات هذه الحقيقة بأدلة قطعية . فلما من الله علي وقرأت تفسيرالإمام القرطبي قال : باب ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن وخالف مصحف عثمان بالزيادة والنقصان والإمام القرطبي متوفى سنة 671ه يعني أن الكلام قبل ثورة الخميني في إيران بقرون ، فالكلام ليس كلام سياسي كما يقول ويزعم البعض ، فكلامنا نقدي ، ونعوذ بالله تعالى من أن نغير؟ أو نحرف أو أن نَظلم أو أن نُظلم.
ثم وجدته ينقل عن الإمام أبو بكر محمد بن القاسم الانباري ـ، وللأنباري كتاب "الرد على من غير القرآن" وهو متوفى سنة 328ه فالمسألة قديمة . وينقل القرطبي عن الأنباري كلاماً جميلاً، يقول: (حتى نبغ في زماننا هذا زائغ زاغ عن الملة ، وهجم على الأمة بما يحاول به إبطال الشريعة التي لا يزال الله يؤيدها، ويثبت أسسها ، وينمي فروعها ، ويحرسها من معايب أولي الجنف والجور ، ومكايد أهل العدواة والكفر ، فزعم أن مصحف عثمان ، باتفاق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصويب ما فعل ،لايشتمل على جميع القرآن ،إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف قد قرأت ببعضها ، وسأقرأ بقيتها) وبدأ يسرد ما زعمه ذاك الكافر من أن القرآن قد غير وبدل ، ويذكر الأمثلة . فهذا إذن معروف من القرن الرابع.
ووجدت في "مناقب أبي حنيفة" للكردلي المتوفى سنة 827ه ، وينقل عنه هذا الكاري في كتابه البديع "شم العوارض بذم الروافض" وهو كتاب قيمته أنه علمي تأريخي . وعلى الكاري هروي، وهراه في زمن على الكاري كانت قطعة من إيران ، ثم انفصلت عنها في معاهدة أبرمت سنة 1890 للميلاد ، حيث فصلت على إثرها أفغانستان عن إيران . وقد كتب على الكاري كتابه "شم العوارض" وقد حولت في عصره إيران من السنة إلى الشيعة ورأى كيف فعل الشيعة الأفاعيل في أهل السنة وكان آنذاك طفلاً ، فلما ذهب إلى مكة ودرس فيها كتب ما رآ ه آنذاك . وذكر أشياء تشيب لها الولدان . وذكر أن الذي كان يصلي ويضع يمينه على يسراه ، كان يقتل أحياناً في الصلاة وأحياناً خارج المسجد . وكان الذي يغسل قدميه في الوضوء يقتل . وهذا شاهد بعينيه ، حيث قتل من أهل السنة عشرات الألوف , وعلى إثرها حولت إيران من السنة إلى الشيعة فينقل على القاري عن الكردلي قوله: (إن للرافضة أحاديث موضوعة ، وتأويلات باطلة للآيات ، وزيادات وتصحيفات كزيادة والعصر ونوائب الدهر) وكقوله {إن علينا للهدى} حرفوه [إن علياً للهدى] وهم قوم بهت يزعمون أن عثمان أسقط خمس مائة كلمة من القرآن ، منها قوله تعالى : {ولقد نصركم الله ببدر} فزادوا فيه [بسيف علي] و{ألم نشرح لك صدرك} زادوا [وجعلنا علياً صهرك] وهكذا في آيات كثيرة . وهذا كلام العلماء الأقدمين ، القرن الرابع والقرن السابع والقرن التاسع والقرن الحادي عشر .
وكنت قد قرأت للشيخ محب الدين الخطيب ، وهو من العلماء المعاصرين قرأت له أن أئمة الشيعة لهم مؤلفات وتصريحات بأن القرآن الذي بين أيدينا محرف . ثم ظفرت بمجموعة من النقول عن أئمتهم فيقول محمد بن محمد النعمان ، الملقب بالمفيد ، وهو من الأئمة المسندين عندهم ، يقول في "أوائل المقالات"(ص91): أن الأخبار جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن ، وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان وشيخ آخر من مشايخهم ، هو أبو الحسن العاملي يقول في "مرآة الأنوار"(ص36) : (أعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها ، أن هذا القرآن الذي بين أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،شيء من التغيرات ، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات ))
ويقول بعض معاصريهم ، نعمة الله الجزائري، يقول في كتاب "الأنوار النعمانية" (2/357): (أن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي ، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الاخبار المستفيضة ، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف بما في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً ، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها) فهذه كلمات لأئمتهم الأقدمين والمعاصرين فيها التصريح بأن القرآن الذي بين أيدينا قد سقطت منه آيات .
وقرآت عند محب الدين الخطيب أن عالمهم المقدم عندهم كما ابن تيمية عندنا ، وهو الطبرسي أن له كتاب كبير اسمه "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" وكما ذكرت في البداية أني أول ما قرأت مثل هاذا الكلام لم أكد أصدق هذا فتطلبت كتاب "فصل الخطاب" وحصلته من مكتبة من مكتبات الهند مخطوطاً بخط الطبطباني أحد كبار علمائهم له تفسير كبير وأذكر لكم بعض كلامه من أول الكتاب فيقول : ( .. وبعد فيقول العبد المسيء حسين بن محمد تقي النور الطبرسي جعله الله من الواقفين ببابه المتمسكين بجنابه ، هذا كتاب لطيف ، وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن ، وفضائح أهل الجور والعدوان ، وسميته فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ، وجعلت له ثلاث مقدمات ، وبابين ، وأودعت فيه من بدائع الحكمة ما تقر به كل عين . وأرجو ممن ينتظر رحمته المسيئون أن ينفعني به في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون) ثم في آخر الكتاب يأتي بباب : الساقط من سورة البقرة ، الساقط من سورة آل عمران.....وهكذا سورة سورة
لكن ليس كل الشيعة يقولون بهذا ، فيوجد بين الشيعة مغفلين عن مذهبهم الرديء، فحماهم الله من الكفر ، فلا نكفر هؤلاء لغفلتهم عن مذهبهم ، وإن سموا أنفسهم شيعة فنحن لا نكفر الشيعة جملة ، لأننا نقيم الأحكام على الحقائق والمعاني ، وليس على الألفاظ والمباني . فمن يزعم أن القرآن الذي بين أيدينا سقط منه حرف واحد ، أو أن فيه شيئاً ليس من كلام الله ، فهو كافر ليس له في الإسلام نصيب .
فمن خلال هذه الأمور يتبين لنا أن القول بأن القرآن فيه نقص قول مشهور عند الشيعة على اختلاف الأعصار والأمصار . بل محققوهم كتبوا فيه بعض المصنفات الكبار نسأل الله عز وجل العفو والعافية .
السؤال 415: إذا قدر لشخص أن يصلي داخل الكعبة، فأين تكون قبلته؟
الجواب : الصلاة داخل الكعبة فيها خلاف بين أهل العلم، والراجح من أقوال ومذهب المحققين، جواز الصلاة داخل الكعبة، في الفريضة والنافلة. ووردت أحاديث أن الصلاة لا تجوز في سبعة مواطن، ومنها: داخل الكعبة وفوقها، وهذا حديث ضعيف جداً لم يثبت ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عباس وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، نفوا أن يكون النبي قد صلى داخل الكعبة، وثبت عن بلال في الحديث المتفق عليه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى داخل الكعبة ورجح البخاري وغيره رواية المثبت على رواية الثاني، وابن عباس وأسامة لم يبلغهما وبلال بلغه، فقد ثبت في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنه قال: ((سألت بلالاً فقلت: صلى فيه [أي في البيت]، قال: نعم، فقلت: في أي؟ فقال بلال: بين الاسطوانتين))
وقياس الصلاة بالطواف قياس مع الفارق ومذهب المالكية المنع وهو قول عند الحنابلة، والمشهور عند الحنابلة الكراهة مع الجواز ومذهب الشافعية والحنفية الجواز، واختيار الجواز في الفريضة، والنافلة هو اختيار الشيخ السعدي، وابن باز والألباني، وابن تيمية، والقول بالجواز هو الذي تقضيه النصوص، وثبت في صحيح مسلم عن عثمان ابن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل فيه وصلى ركعتين والظاهر أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في النافلة والفريضة كالنافلة، إذ اشترط القبلة في الحالتين.
وأما القول أن الصلاة في الكعبة فيها استدبار للكعبة، فنقول: هذا ليس بمانع ولا يكفي أن يكون ذلك مانعاً لاسيما أن النص قد صح، وأما القول بأن المصلي لا يستقبل جميع القبلة، فنقول: في كثير من البلدان المسلمون يصلون ويستقبلون جهة من الجهات، فأينما توجه المصلي داخل الكعبة أو على ظهرها فصلاته صحيحة، في الفريضة والنافلة، وليس فيها فضل زائداً إلا أنه تقصد أن يصلي في المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، بين الاسطوانتين، والله أعلم.
السؤال 416: ما حكم عمل المرأة؟
الجواب: الأصل في المرأة أن تبقى في بيتها، قال تعالى: {وقرن في بيوتكن}، فإن اضطرت للخروج للعمل فيجب ألا تخرج إلا بشروط، ومن شروط الخروج ألا تتبرج، {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}، قال ابن جرير في تفسيره: ((المرأة كانت تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، بأن تظهر مقدم شعرها، وجيبها، هكذا كانت النساء، يتبرجن في الجاهلية الأولى)) فلو أنه يا ترى رأى نسائنا اليوم ماذا يقول عن هذا التبرج؟ فنسأل الله العفو.
وقال الله تعالى في سورة القصص في قصة موسى لما سأل الامرأتين : {قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير} فموسى عليه السلام مر على امرأتين تبعدان الغنم عن السقي، فاستغرب منهما، وسألهما ما شأنكما؟ فبينا أنهما لا تجعلا الغنم يختلط بالغنم حتى لا يختلطا بالرجال، حتى يبتعدوا ويصدر الرجال عن الماء وأنهما ما خرجتا للسقي إلا لأن أباهما شيخ كبير، فلو كان أباهما يستطيع الخروج ما خرجتا.
وخروج المرأة من بيتها للعمل يسبب لها ويلات في المجتمع والويلات جسيمة وعظيمة، وأغلب الأزواج يضايقهم خروج الزوجة من البيت للعمل، وكذلك خروجها للعمل يسبب البطالة في المجتمع والمرأة تجهد في عملها ولا تستطيع أن ترعى بيتها وأولادها، وأن تقوم بالمهمة التي أوجبها الله عليها، والعمل من أسباب عنوسة النساء ،فكثير من الآباء لا يزوجون بناتهم بسبب المال الذي تأتي به ابنته من عملها.
ومن شروط خروج المرأة للعمل أن تكون تقية، ألا تفتن ولا تفتن، وأن تجد مكنة من نفسها، في المحافظة وعدم مماحكة الرجال، ومخاطبتهم، وهذا الصنف نادر جداً، ممن يعملن هذه الأيام، والمرأة التي تخالط الرجال يصبح عندها قحة وقلة أدب وتكون برزه، وتعترض وتعلي صوتها، وأجمل ما في المرأة حياؤها، والمرأة التي تعمل مع الرجال تفقد هذا الحياء، فتفقد أجمل ما عندها فاختلاط المرأة بالرجال حرام ،فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} ويقول أيضا: {إياكم والدخول على النساء}، قال رجل من الأنصار: أرأيت الحمو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: {الحمو الموت}، فالمرأة يطمع بها ولو أن المرأة علمت كيف ينظر إليها الرجال ما خاطبت واحداً منهن، لكن المرأة المؤمنة غافلة فنظرة المرأة للرجل، ليست كنظرة الرجل للمرأة، فإن المرأة مطلوبة، ولا ينظر إليها الرجل إلا بشهوة وشهوة الرجل أقوى من شهوة المرأة بمرات، والقول بالعكس خرافة، ولذا المرأة دائماً مطلوبة وليست بطالبة.
ومن شروط عمل المرأة أن يكون أصله حلالاً فلا تعمل في بنك والواجب على المرأة في عملها ألا يؤثر عملها على أصل مهمتها، من إصلاح للبيت ورعاية أولادها والقيام بمهام زوجها، فإن تعارضا فالبيت والزوج والأولاد مقدمون على العمل ولابد من الالتزام باللباس الشرعي وأن تعرف أحكام الله عز وجل في الزينة لئلا تقع في المحظور ولا بد من إذن الوالي، فلا تخرج من غير إذن زوجها أو أبيها أو من يقوم مقامه ،فهذه شروط عمل المرأة وإن كانت المرأة أصلاً ليس مطلوباً منها النفقة والنظر في أموال الناس يجد مخالفات كثيرة والتساهل شديد في هذا الباب، نسأل الله عز وجل أن يهدي نسائنا لما يحب ويرضى. والله أعلم..
السؤال 417: ما الفرق بين كتابي "التمهيد" و"الاستذكار" لابن عبد البر؟ وهل كتاب ابن رشد "بداية المجتهد" تلخيص للاستذكار ؟
الجواب: ليس كتاب "بدايةالمجتهد" فيه ميزة لاتوجد في كتاب، وهي سبب اختلاف الفقهاء فيذكر فيه سبب ومنشأ الخلاف بين الفقهاء .
وأما كتابي "التمهيد" و"الاستذكار" فكلاهما شرح لـ "موطأ" مالك . وهما كتابان مستقلان ليس بينهما صلة . والصنعة الحديثية في "التمهيد" غالبة. والصنعة الفقهية في "الاستذكار"غالبة ويوجد في "التمهيد" فقه، ويوجد في "الاستذكار" حديث وإسناد و"التمهيد" رتبه على شيوخ مالك, ورتب الشيوخ على الحروف رواية يحيى الليثي . وأما "الاستذكار" فشرحه على ترتيب "الموطأ" المطبوع برواية يحيى الليثي . فالتمهيد عسر فحتى تستخرج الحديث منه فلا بد أن تعرف اسم شيخ الامام مالك فيه , ثم ترجع إليه في الحروف على التمهيد أما الاستذكار فقد شرحه على الترتيب المطبوع من رواية يحيى بن يحيى الليثي . وكلاهما كتاب مستقل . وكتاب "التمهيد" أجل
وذكر الذهبي في ترجمة ابن عبد البر في "السير" لما ذكر "الموطأ" قال : له هيبة . وقال : من أجل شروحه "التمهيد"، وأورد مقولة العز بن عبد السلام : ما طابت نفسي بالفتوى حتى اقتنيت المغني والمحلى . فقال الذهبي على إثرهذه المقولة : قلت : من نظر في هذين الكتابين ، "التمهيد" لابن عبد البر و"السنن الكبير" للبيهقي وأدمن النظر في هذه الكتب حتى يستحضر ما فيها فهو العالم حقاً. فهذه كتب مهمة . وعندي لولا ابن عبد البر لما ذهب ابن حزم وما جاء في إسناد مذاهب التابعين ومن بعدهم . فابن عبد البر هو صاحب الفضل وهو صاحب الإسناد , لأن عمر ابن حزم في العلم قصير ، فوقعت له مصنفات بالإجازة لانه أمير . والذي تعب واجتهد ابن عبد البر . وكان في المضايق يقول ابن حزم : كتب الى ابن عبد البر , فيأتي بالأسانيد . فابن عبد البر اعتنى عناية رائعة بمذاهب الصحابة والتابعين ومن بعدهم . وأسند وتكلم على الرواة وتكلم على الأحاديث وفقهها .
وبطبع "التمهيد" فرح طلاب العلم ومحبي الكتب و"التمهيد" النقل منه أشهر عند العلماء المتأخرين . وإن كنت وجدت ابن القيم في "إعلام الموقعين" لما يقول : قال ابن عبد البر , فغالباً ينقل من "الاستذكار" لأنه أسهل والله أعلم.
السؤال 418: رجل كان يعامل ابنته كما يعامل زوجته، ولم يكن يتناول الخمر، وكان محافظاً على الصلاة إلا أنه كان يتناول بعض الأدوية للأمراض النفسية وبعدها تاب، فهل تنتفي عنه صفة الأبوة؟
الجواب: لا تنتفي عنه صفة الأبوة بل الذي أتى امرأة بزنا وحملت وأنجبت ابنة فإن هذه الإبنة تنسب إليه ولا يجوز أن يتزوجها، والزعم بأن مذهب الشافعي بأنه يجوز للرجل أن يتزوج ابنته من الزنا، هذا كذب عليه، والأبوة تلحق بإبنة الزنا، من جانب ولا تلحق من جانب آخر، فتلحق من جهة النسب، ولا تلحق من جهة الميراث، هذا هو الراجح.
وظاهرة إتيان المحارم شاعت، وعلى أولياء الأمور أن ينتبهوا فاليوم الزواج عسر، وكأن الولي يريد أن يبيع ابنته ولا يعلم المسكين أن الزواج ستر على البنت، قبل أن يكون ستراً على الرجل، فالعاقل من بحث لابنته عن زوج صالح ولأن الزواج عسر ولا يوجد عند الناس تقوى الله، وواعظ التقوى مات في قلوب الناس فلا يوجد صلاة ولا ذكر، وأصبحت البيوت فنادق ومطاعم، فأن يجمع الأب أولاده على ذكر الله، فهذا أمر يتضاحكون منه، أما أن يدفع الأموال ويجمعهم على العاهرين والعاهرات في الفضائيات فهذا أمرٌ محمود، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فيرى الأخ والأخت في الفضائيات العجب العجاب، ولا يوجد بين الأخ وأخته ستر للعورات، فالأخت أمام أخيها بالبنطال الضيق أو فستان النوم الشفاف، فبوجود المسوغات وعدم تفريغ الشهوة بالزواج وغياب التقوى ماذا يبقى؟ فنسأل الله العفو والعافية.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من أتى إحدى محارمه فاقتلوه} وهذه الظاهرة منتشرة فالذي يسمع أسئلة الناس على الهاتف يسمع العجب العجاب، ويعلم كم تدنت نفوس الناس وكم تدهورت أخلاقهم وكم شردوا وابتعدوا عن الله عز وجل، وكم تحللوا من بقية العادات والتقاليد التي فيها شيء من القيام بأمر الله عز وجل فهذا المسؤول عنه يبقى أبيها، لكنه أتى كبيرة من الكبائر، يستحق عليها القتل، والله أعلم.
السؤال 419: هل حديث {من نام حتى أصبح فقد بال الشيطان في أذنه} المراد به عن صلاة الفجر أم بقيام الليل ؟
الجواب : هذا الحديث ثابت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ,((ذاك رجل بال الشيطان في أذنه )) وفي رواية إسنادها حسن عند أحمد في المسند أن الحسن البصري قال عقب هذا الحديث : إن بوله والله ثقيل . وهذا الحديث بوب عليه البخاري: باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه، ووضعه في كتاب التهجد . وذكر المنذري في "الترغيب والترهيب" ووضعه تحت باب : الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شيء من الليل . فعلى مفهوم البخاري والمنذري لهذا الحديث معناه : من نام حتى مطلع الفجر ولم يقم الليل .
لكن ظفرت برواية تبين أن المراد من نام عن صلاة الفجر وليس من نام عن قيام الليل . فقد أخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ : {من نام عن الفريضة حتى أصبح فقد بال الشيطان في أذنه}وإسنادها صحيح . فالمراد إذن من نام عن الفريضة . والأمور المحتملة إن جاء نص فإنه يقضي على الاحتمال . وهذه الطريقة من ميزات ابن حجر في "فتح الباري " فلإنه أزال الاحتمالات فالتنصيص مقدم على الاستنباط . والله اعلم.
السؤال420:هل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ، منع علياً أن يتزوج على فاطمة ، وهل في ذلك نهي عن تعدد الزوجات ؟
الجواب : القصة المشار إليها صحيحة ثابة في الصحيحين . فعن المسور بن مخرمة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو علىالمنبر وهو يقول : {إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم ثم لاآذن لهم ، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم . فإنما ابنتي بضعة مني ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها} وفي رواية : {واني لست أحرم حلالاُ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبنت عدو الله مكاناُ واحد أبداً} وليس في هذا الحديث إشارة إلى أن تعداد الزوجات ممنوع . فتعدد الزوجات مسموح بل مرغّب فيه . كيف لا وربنا يقول : {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}. ولو قال ربنا : {فانكحوا من النساء مثنى وثلاث ورباع}لكان التعداد فرضاً لكن قال : {فانكحوا ما طاب} فقد تطيب الثانية وقد لا تطيب .
والأصل في الزواج التعداد لأن الله بدأ بالمثنى . وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال: ( خير الناس أكثرهم أزواجاً) يريد النبي صلى الله عليه وسلم ، قد عقد على ثلاث عشرة امرأة ، ودخل بإحدى عشر ، ومات عن تسع من النسوة فالتعداد من ديننا، وأما القول بأن هذا الحديث يلغي التعداد ،فكذب وزور وباطل . وهذا الحديث له توجيه .
وللأسف في بعض بلاد المسلمين اليوم ألغي التعداد ، وأصبح جريمة يحاسب عليها القانون . وبعضهم يسوغ ذلك بقوله إن التعداد من الأمور المباحة ويجوز لولي الأمر أن يقنن الشيءالمباح وهذا كذب ولا يجوز لولي الامر أن يتعدى على أمر قد حلله الله وشرعه . فالخليلات مأذون بهن . وأما الحليلات من الأزواج فهذا أمر يعاقب عليه القانون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وهذا فيه إباحية ومحاربة للفضيلة والخلق والدين .
وإن من سنة الله على اختلاف الأعصار والأمصار أن النساء أكثر من الرجال . والعنوسة موجودة بكثرة في كثير من البيوت . ولا بد من أولياء الأمور أن يقبلوا بالتعداد فالتعداد من محاسن ديننا . لكن واقعنا اليوم لا يأذن به . فعدم الإذن به من سوء واقعنا لا من ديننا . فانظروا معي ، لو أن الرجل لا ينظر إلا إلى وجه محارمه ، أمه وأخته وعمته وخالته ، فإنه يصبح عنده دافعاً نفسياً قوياً في أن يتلذذ بغير زوجته . فالتعداد يصلح في مجتمع الطهر والستر ولا يصلح التعداد إلا لمن عنده طهر ، فكلما غض الرجل بصره وحفظ فرجه احتاج للنساء أكثر . ولذا أكثر الناس حاجة للرجال النبي صلى الله عليه وسلم ، أطهر الناس ، وكان أكثرهم أزواجاً .
والتعداد في جاء ضمن قواعد ونمط حياة ، وليس التعداد منبتا. وما أودعه الله في الطبيعة من الخيرات ، هنالك في الشرع ميزانية في بيت مال المسلمين ، حاصل ما أودعه الله في الطبيعة يعود على المسلمين على عدد رؤوسهم وأفرادهم . فلو واحد عنده عدة زوجات وأولاده كثر ، فإن نصيبه من بيت المال يكثر . وهذا فيه إغراء. والشرع لما جاء بالتعداد جاء بشرائع كثيرة تعين وتشجع على التعداد . فالنبي صلى الله عليه وسلم ،مثلا يقول : {من أحيا أرض موات فهي له} ومن وافقت كنيته كنية زوجته من الصحابة محصورون وألف بعض العلماء مؤلفات فيمن وافقت كنيته كنية زوجته فما زادوا عن الستين، أما جل الصحابة فيكون هو أبو كذا وزوجته أم كذا، لأن المجتمع الإسلامي مجتمع جهاد وعطاء، وليس مجتمع خمولٍ وركود، فهو مجتمع فتح، وما كان التعداد للشهوة فقط، وإنما كان من باب الستر والفضيلة وحفظ الأولاد والزوجات، فكان الرجل يغار على زوجة أخيه وابن عمه.
ومن أواخر الإحصائيات في الأردن عدد العانسات في الأردن يزيد على مئة ألف امرأة، فأولياء الأمور إن لم يقبلوا بالتعداد فما هو السبيل لعفة هؤلاء؟ فالتعداد لابد منه.
وقد طرحت فرنسا مسابقة من أحسن كتاب حول المرأة، فشارك مسلم فيها ونال الجائزة الأولى، ويقول في مقدمة كتابه: كانت مشكلة التعداد عندي هي عقدة بحثي، ففطنت إلى أمر، فأخذت إحصائيات لعدد النساء وعدد الرجال في العالم لمدة عقد من السنوات، فوجد أن عدد النساء في العالم أربع أضعاف الرجال في العالم، فقلت إن أردنا الفضيلة والعدل نعطي كل واحد أربعاً فسقطت المشكلة عندي.
فسنة الله الكونية توافق سنة الله الشرعية، في هذا الباب، فالتعداد أمر لابد منه، لكن نمط حياتنا هو الذي يفسد علينا التعداد، فالأنانية من قبل النساء من جهة، وكذلك نمط الحياة الاجتماعي وتطبيق التعداد في واقعنا يبشع ويشنع صورة التعداد في ديننا، فإن التعداد في الواقع الآن لا يكون إلا في حق من يريد أن ينتقم أو يظلم أو من لم يرزق ولداً، أو من لم يوفق مع زوجته وما شابه، فصارت المرأة إن عدد عليها زوجها فكأنها في أنظار المجتمع مقصرة، وكذلك الناس يعتبرون زوجها بتعداده عليها بأنه ظالم لها، فهذه الصورة لابد أن تمسح، ويقع التعداد في شرعنا بضوابطه وقيوده، وعلى الحال الذي شرعه الله عز وجل.
أما قصة علي وفاطمة رضي الله عنهما، ما منع فيها النبي صلى الله عليه وسلم التعداد، فالنبي صلى الله عليه وسلم تصرف هاهنا على أنه ولي لأمر لعلي لا على أنه مشرع، ولذا قال في آخر حديث: {لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً} فكأنه يريد أن يقول لعلي: أنت ما اخترت إلا ابنة أبي جهل لتعيش مع فاطمة فالنبي صلى الله عليه وسلم منع علياً بحكم كونه ولياً له، وهو عمه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: {ولا أحل حراماً ولا أحرم حلالاً} ففي هذه القصة النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الحلال ما أحله الله ،والحرام ما حرمه الله، وأن التعداد حلال، لكن منع علياً أن يختار ابنة أبي جهل.
وجواب آخر على القصة، قال به بعض أهل العلم، أن هذا خاص ببنات النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بعد، والأول أقوى منه، وعللوا ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: {إنما بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها}، فهذا تعليل للمنع، وقد يؤيد هذا أن علياً ما تزوج على فاطمة في حياتها، والأول أرجح لأن الشريعة عامة، والله أعلم.
السؤال421: مامعنى {أن تلد الأمة ربتها}؟
الجواب : أن تلد الأمة ربتها هذا من أشراط الساعة . ووقع هذا بكثرة في زمن العباسيين ومن بعدهم . وفيه إشارة الى كثرة اتخاذ السراري , فإن الأمة لما توطأ , فإن السيد يجوز لها أن يبيعها. لكن لما تلد تسمى أم ولد , فإن أصبحت أم ولد فلا يجوز للسيد أن يبيعها فالذي يعيق هذه الأمه ابنها , فأصبح ابنها كأنه سيدها , فهو الذي منعها من البيع .
السؤال422: ما صحة القصة الآتية :عن أنس قال ((كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى أبو معلق ، وكان تاجراً يتجر بمال لهو ولغيره يغرب به في الآفاق . وكان ناسكاً ورعاً. فانطلق مرة فمسكه لص وهدده بالسلاح , فقال له : ضع ما معك فإني قاتلك . قال : أما المال فلي
قال: أما إن أبيت فذرني أصلي أربع ركعات فكان من دعائه في آخر جلسة أن قال : ياودود يا ذالعرش المجيد يا فعال لما يريد أسألك بعلمك الذي لايرام وملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أرجاء عرشك أن تكفيني شر هذا اللص , يا مغيث أغثني، ثلاث مرات، ودعا بهذا ثلاث مرات، فإذا هو بملك قد أقبل بيده حربة رابطها بين أدني فرسه، فلما بصر باللص أخذ ما معه وقتله . ثم أقبل إليه وقال : قم. قال : أنا ملك من السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول فسمع لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمع لأهل السماء رجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل : دعاء مكروب ، فدعوت الله تعالى أن يوليني كربك . قال اعلم أنه من توضأ وصلى أربعا ودعا بهذا الدعاء استجيب له؟
الجواب : هذه قصة شهيرة الدوران على الألسنة ، ويذكرها كثير من الناس في مقام الوعظ . وهي موجودة بإسناد مظلم . أخرجها ابن أبي الدنيا في كتابيه: "الهواتف"( برقم 14)"مجابي الدعوة" (برقم 23). وأخرجها جمع من طريقه ، منهم ابن بشكوال في كتابه : "المستغيثين بالله" (برقم 3). والضياء المقدسي في "العدة للكرب والشدة" (برقم 32) . واللالكائي في كتابه "الكرامات" (برقم 111). وعيد المغني المقدسي في كتابه "الترغيب في الدعاء" (برقم 61). وابن الأثير في "أسد الغابة" في ترجمة أبي معلق .
والقصة إسنادها مظلم وفيه كثير من المجاهيل . وهذه القصة على الرغم من شهرتها فإننا لم نظفر بواحد من الحفاظ أو العلماء حكم بصحتها أو حسنها . وانما مدارها على رواة مجهولين . فحكم العلماء قديماً عليها بالضعف . ولا يجوز لأحد أن يحكيها . كيف لا وفي آخرها ترغيب في صلاة ودعاء مخصوص. ولو كانت صحيحة لكانت هذه الصلاة مشتهرة في كتب الفقهاء ولسموها صلاة المكروب والقصاصون الذين يذكرون ما يعجب فيغربون، وما يطرب فيكذبون فنقول لهم اتقوا الله، وعلموا الناس وفي الصحيح غنية وديننا كامل ، ولسنا بحاجة الى أقاصيص الكذابين ، ولا إلى ترهاتهم ولا إلى بواطلهم. والله أعلم .
السؤال 423: ما حكم تشميت العاطس في الصلاة ؟ وقول العاطس في الصلاة الحمد لله ؟
الجواب: ثبت عند الترمذي من حديث رفاعة، رضي الله عنه ، قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم،فعطست فقلت الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى . فلما صلى رسول الله وانصرف فقال : {من المتكلم في الصلاة ؟} وأنا ساكت وقالها ثانية وثالثة ، فقلت بعد الثالثة : أنا يا رسول الله . قال : {كيف قلت ؟} قال : فذكرته . فقال صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها} ففي هذا الحديث وقع حمد ونطق به دون حديث نفس , وأقره النبي صلى الله عليه وسلم, على هذا الحمد.
ومنهم من قال ، إن هذه الصلاة كانت سنة . وهذا ليس بصحيح لأمرين ، الأول : ظاهر الحديث أنه كان يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم. والنبي يصلى خلفه الفرائض . والثاني : فقد ثبت في "المجتبى" للنسائي (2/145)،وعند أبي داود في "السنن" (773) قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، صلاة المغرب فوقع التصريح بأنها صلاة المغرب.
لذا من عطس في صلاته فيسن له أن يحمد الله تعالى . وبهذا قال جماهير أهل العلم . ومن فرق بين السنة والفريضة ما سبق يدل على خلاف ذلك .
ومنهم من قال : لايسن ذلك . واعتمدوا على حديث عند الترمذي : {العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة من الشيطان} وهذا الحديث ضعيف. فالعطاس من الرحمن في الصلاة وخارج الصلاة . فمن عطس يحمد الله ولو كان في الصلاة.
أما تشميت العاطس في الصلاة فلا يجوز قولاً واحداً خلافاً للعهد الأول ، فقد كان ذلك مشروع في فترة. ثم منع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
السؤال424: ما الفرق بين كتابي: "تهذيب الكمال"و"تهذيب التهديب"؟
الجواب : الفرق بين الكتابين يعرفه المشتغلون بعلم الحديث. ومعرفة ذلك للمشتغلين بعلم الحديث يترتب عليه ثمرة، وهي مهمة، وتجعل طالب علم الحديث يحرص على الكتابين.
في "تهذيب التهذيب" يذكر ابن حجر في ترجمة آخر راو من رواة الكتب الستة، يذكرما فات المزي في "تهذيب الكمال" ويبدأ ذلك بقوله : ((قلت)) فإن المزي يذكر أقوال أئمة الجرح والتعديل في كل راو. فيقف ابن حجر على أقوال أئمة آخرين في الراوي فيذكرها. وغالباً ما تكون الزيادة من أقوال ابن سعد ، مسلمة بن القاسم، ابن القانع والنسوي. وابن حجر أخذ هذه الزيادات من مغلطاي في كتابه : "إكمال تهذيب الكمال" الذي طبع كاملاً من قريب .
ثم إن المزي يذكر أسماء شيوخ وتلاميذ كل راوي, ويعمل جاهداً على الحصر والإستقصاء، ويرتبهم على حروف المعجم. وابن حجر يختصر ولا يذكر أسماء جميع التلاميذ والشيوخ. وإنما يذكر المختصين بالشيخ المترجم له من الشيوخ والتلاميذ، ويقلب ترتيب المزي. فيرتب على المختصين بالشيخ، فالذي يقدمه يكون من طبقة متقدمة عن طبقة الذي يؤخره، سواء في الشيوخ والتلاميذ. فإذا أردت قراءة ترجمة راو ومعرفة أخص تلاميذه.، أو أخص شيوخه فتعرف ذلك من "تهذيب التهذيب" أما في تهذيب الكمال فلا تستطيع معرفة ذلك. فإن بعض الرواة كشعبة وسفيان يصل عدد شيوخهم الى مئات. فابن حجر يبدأ بذكر أكثر الناس التصاقاً بالمترجم له. فكل من الكتابين فيه زوائد وفوائد عن الآخر. والله أعلم.
السؤال 425: هل تعتبر المطلقة والمتوفى عنها زوجها محصنة؟ وكذلك الزوجة التي لم يمسها زوجها ؟
الجواب : التي لم يمسها زوجها ليست بمحصنة. فمن طلقت ولم يدخل بها فليست بمحصنة. أما من دخل بامرأة ثم طلق ثم زنا فيرجم. وكذلك من دخل بها أو مات عنها زوجها، وقد دخل بها ثم زنت ترجم لأنها محصنة. والله أعلم .
السؤال 426: كيف تكون صلاة الخوف ؟
الجواب: يوجد لصلاة الخوف صور كثيرة. وسـأختار صورة لصلاة ثنائية، وصلاة ثلاثية، وصلاة رباعية. والناس اليوم يتكلمون عن الجهاد، ولو وقع الجهاد لما عرفنا أحكام الجهاد. ونسأل الذين ينادون بالجهاد اليوم لو وجدنا رأساً كيف نصلي عليه؟ وكيف نصلي صلاة الخوف؟ فيقولون : لا ندري، فعلى الأقل نعرف معرفه ولو يسيرة ببعض صور صلاة الخوف المشروعة.
وصلاة الخوف صلاة مسنونة، تصلى في الحضر والسفر، تصلى ركعتين وأربعاً . وكذلك تصلى ثلاثاً، وهي صلاة المغرب . فإن وقع سفر في جهاد حينئذ نصلي ركعتين . فيصلي الإمام ركعة ويصلي خلفه المأمومون، ثم يقوم الإمام للركعة الثانية، ويطيل القيام وأما المأمومون فيصلون الركعة الثانية على وجه العجلة, ويسلمون ويقومون. ثم تأت طائفة أخرى لم يصلوا خلف الامام فيصلون معه. ويأتمون به في الركعة الثانية، فيصلون ركعة، فيجلس الإمام في الركعة الثانية ويطيل الجلوس ويكثرمن الدعاء، وهم يتعجلون في الركعة الثانية، ويسلمون بتسليمه فيكون الامام قد صلى ركعتين ومن خلفه صلوا ركعتين ركعتين. والطائفة الأولى أدركت معه الركعة، والطائفة الثانية أدركت معه الركعة الثانية مع التسليم. فهذه صلاة الخوف في صورة ركعتين وهي ثابتة في الصحيحين في غزوة ذات الرقاع. فقد ثبت عند البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذات الرقاع فصلت معه طائفة وطائفة وجه العدو. فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً ، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجه العدو. وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتمو لأنفسهم ثم سلم بهم.
أما الصلاة الرباعية فمثلها، إلا أن الطائفة الأولى تصلي ركعتين فيقوم الإمام للثالثة ويطيل القيام، فتصلي الطائفة التي خلفه ركعتين على وجه العجلة، كل يصلي وحده، ثم ينصرفون وتأتي طائفة أخرى فتصلي الثالثة والرابعة مع الإمام ، وتكون لهم أولى وثانية. فيجلس الإمام ويطيل الجلوس حتى يتموا ركعتين أخريين فيسلمون بتسليم الامام.
أما الصورة الثالثة، وهي أداء ثلاث ركعات، فيصلي الامام بطائفة من المجاهدين ركعتين ثم يقوم للثالثة ويطيل ويتمون الثالثة وحدهم وينصرفون. وتأتي طائفة فتصلي ركعة مع الإمام، ويجلس الإمام ويطيل الجلوس، ثم يقومون ويصلون ركعتين والإمام ينتظرهم ويسلمون بتسليمه. وهذه الصورة ثابتة عن علي رضي الله عنه في صفين في صلاة المغرب.
وأما حمل السلاح في الصلاة فقد اشترطه الشافعية والمالكية فاشترطوا لصحة الصلاة أن يحمل المجاهد سلاحه وذلكم لعموم قوله تعالى :{فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم} وذهب الحنفية والحنابلة الى أن الأمر بأخذ السلاح في الصلاة إنما هو للإرشاد، فإن دعت الحاجة أخذناه، وإن لم تدع حاجة تركناه، وهذا أرجح لأن حمل السلاح لاصلة له بحركات الصلاة ولا بأفعال الصلاة .
وهناك نوع من أنواع صلاة الخوف, ويكون بالإيماء فقط وهذا يكون عند المبارزة وتطويلها، ويكون للقبلة ولغير جهة القبلة وعلى هذا معنى قول الله عز وجل : {فإن خفتم فرجالاً أو ركبانا} أي هذا إن خفتم في صلاتكم فمستقبلي القبلة أو غير مستقبليها. وإنما يكون هذا عند الضرورة والحاجة الشديدة وقد أخرج الامام أحمد في المسند عن عبدالله بن أنيس، رضي الله عنه قال: ((بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى خالد بن سفيان الهذلي فقال: اذهب فاقتله، فرأيته و قد حضرت صلاة العصر، فقلت : إني أخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي، أوميء إيماءاً نحوه، فلما دنوت منه كلمته ومشيت معه، حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد)).
أما العدد فقد اشترط بعض الفقهاء أن يكون العدد ثلاثة فأكثر، لقول الله عز وجل {فلتقم طائفة منهم معك}، لكن الصواب أن أقل الجمع اثنان وصلاة الخوف تجوز بالاثنين والحاجة تكون في مثل الصلاة المذكورة. والغالب أن في الجهاد وساحات المعركة تكون أكثر من اثنين. والله أعلم.
السؤال 427: ماذا يقصد بالجمهور ؟
الجواب : الجمهور الأكثرية ، فلما نقول في مسألة قال الشافعية كذا . ثم نقول على إثرها : وقال الجمهور فالمراد هنا الأئمة الأربعة عدا الشافعية . ولما نقول قال الأحناف ، ثم نقول : قال الجمهور : فالمراد الأئمة الثلاثة عدا الحنفية . كذلك لما يكون في المسألة ثلاثة أقوال قول للشافعي وقول لأبي حنيفة وقول للإمامين المتبقين فهنا الشافعي له قول ، وأبو حنيفة له قول ، والجمهور لهم قول . فالاثنان المتبقيان يصبحان جمهوراً أمام هذين الاثنين . وهكذا الأمر في الكتب المذهبية المعتنية بخلاف الأئمة الأربعة .
أما في الكتب التي تعتني بفقه السلف ، الصحابة والتابعين فلما يذكر الجمهور يراد بهم عدا المذكورين . فلما يقولون : قال جماهير السلف كذا ، ثم يقولون قال الشعبي وقتادة والحسن كذا ، أي عدا هؤلاء لا يحفظ عنه خلاف . أو يقولون : قال جماهير الصحابة كذا ، وقال أبو بكر وعمر والمغيرة كذا فعدا هؤلاء الثلاثة من الصحابة لا يعرف عنه خلاف . والبقية من الصحابة عدا هؤلاء يدخلون في الجمهور . وهكذا . والله أعلم .
السؤال 428: هل يجوز ان نسمع ونقرأ للفاسق والفاجر؟
الجواب : يجوز أن تسمع للفاسق والفاجر وأن تقرأ لهما ، بشرط أن تتمكن من معرفة المحق من المبطل ، والجيد من الرديء ، والخطأ من الصواب، والشرك من التوحيد، والبدعة من السنة, فإن علمت فالحمد لله . فمعرفة الشر في حق الذي يعرف السبيل ليس بحرام . بل معرفة الشر في حق من يعرف الخير من أجل التحذير والتنبيه والتحصين أمر كان عليه بعض الصحابة . كما قال الشاعر :
عرفت الشر لا للشر، ولكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
فأن يعرف الانسان الشر ليحذره لا حرج.
أما في مرحلة التنشئة وهو لايعرف المحق من المبطل ، فلا يجوز لأحد أن يأخذ شيئاً إلا بعد أن يتأكد أنه على حق . لذا قال ابن سيرين : ( إن هذا العلم دين . فانظروا عمن تأخذون دينكم) فالعلم الذي نتعلمه هو دين .فلا يجوز لأحد أن يسأل من شاء. ولا يجوز للمستفتي أن يسأل أحد إلا إن علم أن فيه صفتين، الأولى : أنه أهل , ويتكلم بعلم ، وإن لم يكن يعلم يقل لا أدري، أو دعني أراجع. والثانية: أن يكون ذا ديانة وورع، فلا يجيب من يحب جواب يختلف عمن يبغض، فإن كان محباً مال اليه، وإن كان مبغضاً مال عليه. فالعلماء يقولون المفتي الماجن يحجر عليه، وإن كان أهل، حتى لا يلعب بدين الناس فالمفتي يوقع عن رب العالمين في الارض فلإبن القيم كتاب سماه : "أعلام الموقعين عن رب العالمين" فالفتوى مقام خطير وليس بسهل . والفتوى كانت تدور بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن بديع كلام ابن القيم يقول : ((فإذا قل المفتون فقد يتعين على من يعلم الفتوى )) ولما كان العلماء كثر في زمن الصحابة والتابعين كانوا يتورعون، وكان كل منهم يحيل على الآخر، لأنهم يعلمون حرصاً من السائل، ويعلمون وجود من يصيب الخير والحق، في مثل هذه الفتوى . أما في العصور المتأخرة فإن أمسك أهل الحق، فإن أهل الباطل كثر . وما يخفى علينا حال المفتين اليوم، لاسيما على الفضائيات، يأتون بهم ويفصلونهم تفصيلاً وتستغرب لما تسمع من مثل القرضاوي على الفضائيات ويقول : على النساء المقيمات في فرنسا يحرم عليهن أن يرتدين اللباس الشرعي طاعة لأولياء الأمور. نعوذ بالله هذا عين الضلال، فأي أولياء أمور ؟ ومثل هذا فتاوي عديدة جداً.
وننبه المسلمين أن يحرصوا على دينهم وألا يسمعوا لأمثال هؤلاء، ويكفي أن هذه الأجهزة فاسدة يعرض عليها الحق والباطل، ولا يجوز للإنسان أن يعتمد في الفتوى عليها، ولا يجلس أمامها شارح صدره لها، وفاتح ذهنه لها مستوعباً لما يقال، وإن جاز الجلوس أمامها يجوز فقط لطالب العلم المتمكن، الذي يريد أن يزيف الباطل إن سمعه،وأن يحذر منه فقط، أما العوام فلا، ويكفي القول سقوطاً، أن يقال: يا شيخ سمعت في التلفزيون أو الستالايت كذا وكذا، فهذا العلم دين، فليحرص الإنسان وليحذر عمن يأخذ دينه.
فالإنسان إن أراد أن يشتري حاجة لأمور دنياه فإنه يستفسر ويسأل ويتعب، فواحد مثلاً يريد شراء بلاط لبيته فإنه يسأل عن جميع أنواع البلاط الموجود، ويتعرف على جميع أنواع البلاط الموجود في السوق المحلي والمستورد بجميع أصنافه، وهذا لأن قلبه متعلق به، أما لما يصل الأمر للدين فيقول الواحد منهم: ما يدرينا؟ فلماذا لا يعامل هذا الإنسان الفتوى كما يعامل بلاط بيته؟ فكيف اجتهد وسأل حصل على أفضل ما يريد من البلاط؟ فاحرص أيها المسلم على الفتوى مثل حرصك على أمر يخصك في د****، فاسأل واستفسر عمن تريد، أن تستفتيه في أمور دينك، وقال سفيان الثوري: (إذا أراد الله بالأعجمي والعامي والحدث خيراً، يسر الله له عالماً من أهل السنة)، وفقنا الله لما يحب ويرضى.
السؤال 428: ما هو حكم لبس القلنسوة؟
الجواب: القلنسوة كان يلبسها النبي صلى الله عليه وسلم، والهدي العملي في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، بل يبقى هذا الإسناد متصلاً صحيح النسبة إلى عصر أجدادنا، فكانوا يعتبرون من مشى كاشف رأسه فاسقاً، حتى أنهم غالوا في كشف الرأس، فكان الواحد لا يصلي خلف إمام كاشف رأسه، وهذا غلو لكن السنة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم، وصحبه ستر الرأس. له صور ثلاثة كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي القلنسوة، أو بالعمامة فوق القلنسوة، أو بالعمامة دون القلنسوة. فستر الرأس أحب الى الله من كشفه .
وكان من عادة المشارقة أنه من المروئات، وكانوا يعتبرون حاسر الرأس مخروم المروءة، خلافاً للمغاربة، فإنهم كانوا يكشفون رؤوسهم. وفي كتاب السير للذهبي في ترجمة بعض المغاربة قال : وكان يسير في الشارع حاسر الرأس. وهذا الكلام دلالة على ندرته. ومذكور في ترجمة القرطبي المفسر : كان يلبس طاقية تواضعاً. وكشف الرأس ليس حراماً، والصلاة به صحيحة، لكن الأحب الى الله الستر، والله أعلم .
السؤال: 429 هل تنصحون أن يتمذهب المسلم بأحد المذاهب الاربعة، يرجع إليها عند تضارب الآراء في بعض المسائل، وهل اتباع أحد المذاهب يؤدي إلى النجاة ، وهل على المسلم تتبع الآراء الأخرى في كتب الخلاف ؟
الجواب : المسألة طويلة وقد ألفت فيها مؤلفات . والواجب على المسلم أن يعلم معنى قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله . فمعنى شهادة المسلم أن لا إله إلا اله ، أي لامعبود بحق إلا الله . ومعنى قوله : أشهد أن محمداً رسول الله , أي لا متبوع بحق إلا رسول الله .
ومن دعا إلى اتباع إمام واحد دون سائر الأئمة، وأوجب على الأمة اتباع عالم بعينه، من الأئمة الأربعة أو من قبلهم أو ممن بعدهم، فهو ضال مضل يفسق ويبدع . فنحن لسنا بكريين ولا عمريين ولا عثمانيين ولا علويين. فنحن مسلمون نستسلم لأمر الله عز وجل ،فلانعبد إلا الله ولا نتبع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وننسب أنفسنا للإسلام. فادعاء وجوب اتباع عالم فقط ضلال لا يجوز، وهذا ما وقع فيه المتأخرون من المتمذهبين .
والمذهبية القديمة انقلبت الآن من اتباع المذاهب الأربعة إلى الحزبية ، فتفرق الناس شذر مذر كل في حزب يدعو له، أما الربانية، وعقد سلطان الولاء والبراء والحب والبغض على الطاعة، وعلى العلم ونصرة الدين، والعمل على قيام الدين ، ودعوة الناس إلى الدين وربطهم بالله واليوم الآخر ، هذه أمور ضاعت هذه الايام . وأصبح الواحد يبش في وجه أخيه إن كان من حزبه وإلا فيعرض عنه ولا يلتفت إليه، وإن كان أدين منه وأعلم وأتقى، فأصبحت الحزبية مذهبية جديدة .
ونحن ندعو إلى نصوص الشرع واتباع الكتاب والسنة، ونحترم جميع علمائنا ونتبرأ إلى الله ممن ينتقص قدرهم وممن يتكلم فيهم، وأولى العلماء بالاحترام الأئمة الأربعة : الإمام أبو حنيفة ، والإمام مالك ، والإمام الشافعي ، والإمام أحمد، نترحم عليهم ونحبهم ونعرف قدرهم، لكن لا نوجب على الأمة ألا يتبعوا إلا واحداً منهم . فالحق موزع بينهم وبين غيرهم. والعبرة بما قام عليه الدليل من الكتاب والسنة. وكلهم بين مصيب له أجران، ومخطئ له أجر. فمن لم يصب الدليل منهم فهو لم يتقصد أن يعارض أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
والأئمة الأربعة هم الذين أرشدونا وعلمونا أن نقول ما قلنا فقد قيل للشافعي : يا أبا عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم، كذا وكذا، فما قولك أنت ؟ فغضب الشافعي غضباً شديداً وقال: سبحان الله ؛أتراني خارجاً من كنيسة؟ أترى على وسطي زناراً؟ تقول لي : قال رسول الله وما قولك أنت ؟ ما قولي إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح عنه قوله : إذا صح الحديث فهو مذهبي، وكان الواحد منهم يقول : يحرم الرجل أن يقول بما قلنا حتى يعلم من أين أخذناه .
وهؤلاء الأئمة الأربعة نذكرهم على وجه الخصوص ؛ لأن الناس في فترة من الفترات تحزبوا لهم . حتى وصل الحال في التعصب لهم إلى أن ذكرت مسألة : هل يجوز للحنفي أن يتزوج الشافعية أم لا ؟ وذلك لأن الأحناف عندهم من قال : أنا مؤمن إن شاء الله فهو شاك في إيمانه، ومن شك في إيمانه فقد كفر أما الشافعية فعندهم يجوز للمسلم أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله تبركاً وخوفاً من العاقبة . فلذا قال بعض متعصبي الحنفية هل يجوز للحنفي أن يتزوج الشافعية تنزيلاً لهم منزلة أهل الكتاب نعوذ بالله من هذا . والشافعي وأبو حنيفة, رحمهما الله، بريئون من هذا التعصب المقيت .
فنقول الواجب على المسلمين أن يتبعوا القرآن والسنة، والرجال أدلاء على الحق، وقد يصيبون وقد يخطئون . والعصمة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست العصمة في قول أحد . لكن الخطأ الذي لا ينفك عن الانسان، لا ينقص قدر العالم، فهو معذور، ونحبه ونحترمه، فلا نطعن ولا نتكلم فيه. واتباع شخص بعينه لا يكون إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .
لكن في المسائل التي لا يوجد فيها أدلة وهي قائمة على الاستنباط والفهم، فالواجب على المسلم أن يتبع من يظن فيه الأهلية والتبحر والتوسع والضبط والعلم مع الورع والتقوى. فلا يمنع لطالب العلم أن يميل في مسألة ليس فيها نص لقول عالم من العلماء .
وأعلم الناس بهؤلاء الأئمة تلامذتهم . فكان المزني، رحمه الله من أخص تلاميذ الشافعي،رحمه الله، وكان يقول : لو جاز لأحد أن يقلد أحد ما قلدت إلا الشافعي، ومع هذا ما كان مقلداً له والتقليد يجوز ضرورة خصوصاً للعامي . والتقليد لا ينفك عنه الانسان؛ فالمشتغل بعلم الحديث لا يستطيع أن يتبحر في جزيئات الفقه أو اللغة. فلا بد أن يقلد من وضع قواعد اللغة في المسائل المشكلة، وهكذا في سائر العلوم. فالتقليد يجوز ضرورة . وقال الطحاوي مقولة شاعت وذاعت، قال : لا يقلد إلا غبي أو جاهل . فالتقليد ليس بعلم . والعلم أن تقول : قال الله قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتعرف المسألة وتعرف دليلها . والإنسان لا بد أن يعبد ربه على بصيرة وبينة، وعلى معرفة بما يحب الله ويرضى . والله أعلم.
السؤال430: هل هناك ثمرة عملية مترتبة على الخلاف في كون تكبيرة الإحرام ركناً أم شرطاً؟
الجواب : هذه مسألة وقع فيها خلاف بين الفقهاء ، ولهذا الخلاف ثمرة تترتب عليه. وليس الخلاف فيها خلافاً لفظياً نظرياً، إنما هو خلاف حقيقي في صورة نادرة .
فالحنفية يجعلون تكبيرة الإحرام من الشروط، فهم يلحقونها باستقبال القبلة والطهارة وما شابه. والجماهير يجعلون تكبيرة الاحرام من أركان الصلاة ، فهم يلحقونها بقراءة الفاتحة والركوع والسجود . فمن قال إنها شرط أخرجها من الصلاة . ومن قال إنها ركن أدخلها في الصلاة . فأول ركن عند الاحناف في الصلاة قراءة القرآن والواجب الفاتحة. وأول ركن في الصلاة عند الجمهور تكبيرة الاحرام.
وثمرة الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة قليلة ومحصورة المسأئل؛ فمثلا لو أن رجلاً حمل نجاسة فكبر ثم ألقى النجاسة فحكم صلاته عند الاحناف صحيحة ؛ لأنه لم يدخل بعد في الصلاة . كرجل يحمل نجاسة واستقبل القبلة ثم تخلص منها قبل بدء الصلاة . فصلاتة صحيحة . أما من جعل تكبيرة الاحرام ركناُ , ممن كبر ومعه نجاسة يعلمها وتخلص منها بعد ما كبر فصلاته باطلة.
وهذه الثمرة نادرة، لكن الحنفيه يذكرون هذة الثمرة في المسألة مشتهرة عندهم . وقبل بيان هذه المسألة نذكر حكم السلام من الصلاة , لأن له صلة بهذه المسألة . فهو ركن عند الجماهير . أما عند الأحناف فالتسليم عندهم من الواجبات ؛ فلو أن رجلاًُ أحدث قبل السلام وبعد الفراغ من الواجب في الجلوس الاخير ، فصلاته عند الجماهير باطلة، وهذا هو الصواب، لأن التسليمة الاولى ركن، أما عند الاصناف صلاته صحيحة ؛ لأن السلام عندهم من الواجبات أما المسألة المتعلقة بتكبيرة الاحرام والسلام هي لو أن رجلاً قام لثالثة في صلاة ثنائية، أو لرابعة في صلاة ثلاثية ، أو لخامسة في صلاة رباعية فإنة عند الحنفية من قام للثالثة يأتي بالرابعة، ومن قام للرابعة فإنه يأتي بالخامسة ومن قام للخامسة فإنه ياتي بالسادسة ؛ بناءً على أن تكبيرة الاحرام عندهم شرط فهي تصح لطاعتين ، فإن قام إنسان لثالثة في صلاة ثنائية يصلي رابعة فتكون اثنتان للفرض، واثنتان نافلة وكذلك تكبيرة الاحرام تجزئ عن الاربع ركعات والركعتين لمن صلى ستاُ وهكذا ، لأن الاصل في التنقل ان يكون ركعتين ركعتين ، والسلام واجب فإن تركه بعد الفرض وقام للنفل فصلاتة صحيحة فتكبيرة الاحرام عندهم شرط كالطهارة تجزئ للفريضة والنافلة . وكلاهم هذا مرجوح وليس براجح وقد تعرض النووي في (( المجموع )) لمذهب الحنفية وقال:(( هذ ا تكلف بارد))فإن الإتيان بركعة زائدة تكلف لا داعي له . والذي جعلهم يقولون بهذا أصلهم في حكم تكبيرة الاحرام والتسليم .
السؤال:431؟ ما معنى حديث (( الرؤيا الصالحة جزء من ست وأربعين جزءاُمن النبوة ))؟
الجواب : هذا الحديث له معنيان ، والمعنى الذي أراه راجحاُ وهو المشهور وهو الذي رجحه الحافظ في الفتح . وهو أن مدة النبوة ثلاث وعشرون سنة، ومدة الوحي التي كان يأتي بها النبي ، صلى الله عليه وسلم من خلال الرؤيا الصالحة ستة أشهر. فكانت نسبة الرؤيا الصالحة من أجزاء النبوة تساوي واحد الى ست وأربعين . فهذا أرجح الاقوال وأسلسها وأظهرها وأسلمها وأبعدها عن الكلفة ولذا فإن من علامات صلاح الإنسان، ومن علامات صدق حديثه أن يرى في الواقع ما يراه في المنام .
والمعنى الآخر قال به القرافي، وحاول فيه تعديد أجزاء النبوة، فقال تعبت ولم أظفر إلا باثنتين وأربعين خصلة. والحافظ ابن حجر طيب خاطره في الفتح وزاد عليها أربعة من عنده وفيها تكلف في الحقيقة. وهذا معنى مغمور . والصواب الأول والله أعلم.
السؤال: 432؟ ما معنى الحديث (( كل عمل ابن ادم له الإ الصوم فإنه لي ))؟
الجواب : هذا مما وقع فيه خلاف على أقوال . أرجها اثنان . فأرجح الأقوال هو أن كل الأعمال الحفظة والكتبة تعرف ثوابها وتكتبه ، الإ الصوم فإنه لله عز وجل ، أي يجازي به. ويؤكد هذ1ا رواية عند مسلم فيها فصل بين قوله صلى الله عليه وسلم وبين الحديث القدسي، فقال : (( كل عمل ابن أدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى : ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )) ففي هذا اشارة الى أن الصوم مستثنى من عمل الكتبة، فمثلا،ولله المثل الاعلى، رجل عنده عمال أعجبه عاملاً منهم لتفانيه في العمل، وله عليهم مسؤول، يعطيه مالاُ ليحاسب العمال، فأراد هذا الرجل أن يكرم هذا العامل المخلص فقال للمسؤل : حاسبهم إلا فلان فاجعل حسابه معي دون واسطتك ,. فهذا الانسان مستثنى من حساب المسؤول فكذلك الصوم مستثنى من أجر الكتبة، فإنه لله وهذا أقوى الأقوال .
وهناك قول آخر يشبه من حيث الثمرة، فيقول العلماء في معناه بأنه يعمق المراقبة في النفس. ولذا النبي صلى الله عليه وسلم، وصى رجلاُ بالصوم فقال له : (( عليك بالصوم فإنه لا ند له )) فإن المراد في عبادتنا أن نعمق مراقبة ربنا في نفوسنا. ومن أكثر العبادات التي تعمق مراقبة النفس لله الصوم . فكان كل العبادات أمام كون أثر المراقبة في النفس ظاهرة, فكأنها للانسان الإ الصوم فإنه يبقى لله ؛ بمعنى أن الصائم في كل لحظة وفي كل حين يشعر أن له رباً يراقبه.
وهناك معنى آخر ذكره ابن عيينة ، فقد نقل المنذري أن سفيان بن عيينة سئل عن هذا الحديث فقال : اذا كان يوم الحساب فإن الله عز وجل ، يحاسب عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله ، حتى لا يبقى إلا الصوم . أي إن العبد ان فنيت حسناته بسبب المظالم ولا ييقى شيء، فيجعل الله عز وجل الصوم له بمعنى أنه يجازي به عن الاشياء المتبقية. وهذاغريب، والارجح الاول .والله أعلم.
السؤال: 433؟ ما صحة حديث (( أنا ابن الذبيحين ))؟
الجواب : هذا الحديث وقع ذكره من قبلي في دروس الأصول، وهو في الحقيقة لا أصل له. وقد التبس علي بحديث آخر كنت قد صححته،ومازلت، وقد صححه جمع من العلماء, وهو حديث (( أنا ابن العواتك من سليم )) وهذا الحديث صححته في (( المجالسة )) برقم 2390)فالتبس علي حديث أنا ابن الذبيحين )) بهذا اللفظ وظننت انه هو الذي صححته واما حديث "انا ابن الذبيحين" بهذا لأصل له، ولم يثبت عن رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الزرقاني في بعض كتبه أنه حسن، وهذا من أوهامه . وورد لفظ نحو هذا اللفظ عند الحاكم في (( المستدرك 2/554)) وعند ابن جره في تفسيره (2/554) وهو ضمن حديث قال فيه أعرابي : (( يا رسول الله خلفت البادية يابسة هلك المال وضاع العيال ، فعد علي بما فاء الله عليك يا ابن الذبيحين )) فتبسم رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ينكر عليه . وهذا الحديث قال عنه الذهبي في "التلخيص"(9) سنده واه وقال لابن كثير في تفسيره (4/18):هذا حديث غريب جداً . وبين السيوطي علته في "الحاوي للفتاوى"( 2/35) بقوله : في اسناده من لا يعرف، فالحديث لا يصح . والله أعلم .
السؤال 434: هل هذان الحديثان: {لعن الله الشارب قبل الطالب}، {لا تجعلوا آخر طعامكم ماءاً}؟
الجواب: كلاهما لا أصل له، وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرم على أحد أن يقول قال صلى الله عليه وسلم كذا حتى يعلم أن أهل الصنعة الحديثية يصححوه أو يحسنوه. والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذكار الطعام والشراب بعد الفراغ منه أنه يقول: {الحمد لله الذي أطعمنيه وسقانيه من غير حول مني ولا قوة}، فكان يشرب بعد الطعام، فدلالة اللازم من هذا الحديث أنه يجوز الشرب على إثر الطعام ولا حرج في ذلك، والله أعلم..
السؤال : 435: هل قوله تعالى (( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون)) دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ؟
الجواب: الكافر يوم القيامة سوف يسأل عن كل شيء أمر الله به . وهذه الآية فيها إشارة لذلك ولكن الأصرح منها قوله تعالى {وويل للمشركين ، الذين لا يؤتون الزكاة .....} فالكافر مخاطب بالزكاة والصيام والصلاة . لكن لا يقبل ذلك منه حتى يدخل في الإسلام .
ونستفيد من ذلك أنه لو كان عند مسلم عامل نصراني في شهر رمضان , وطلب ماءاُ أو طعاماُ ، فلا يجوز له أن يقدن له الطعام والشراب . ولو كان غير مخاطب بالصوم كان له أن يقدم له ,وهكذا في سائر الفروع . وهذا الراجح أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة . وللدكتور عبد الكريم النملة دراسة مطبوعة في هذا الباب ,وهي جيدة اسمها" الإلمام في تكليف الكفار بفروع الإسلام" وهي عبارة عن دراسة نظرية تطبيقية حصر فيها الفروع المترتبة على الخلاف في هذه المسـألة , وفيها ما يشفي ويكفي .
أما ما يرد على هذه المسألة من إشكالية , أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أعطى عمر ثوباً من حرير, فقال : يا رسول الله علمت أن هذا ثوب من لا خلاق له : قال : نعم ولكني أعطيتك إياه لتهديه لغيرك, فأهداها لمشرك . فهنا ينبغي أن يفرق بين أشياء ؛ بين الواقع وبين الحل والحرمة ؛ وبين الأشياء التي تستخدم على وجه يكون حلالاً، وعلى وجه آخر يكون حراماً فالعباءة التي أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم، لعمر وأمره أن يهديها لغيره، فهذا الاستعمال بعد غير واضح، فقد تستخدمها المرأة، والنبي صلى الله عليه وسلم ، قال عن المال الحرام: {أعلفوه النواضح} فالدابة ليست مكلفه فلا يعطى المال الحرام لمكلف, فاعطائه للدابه يعني أنه لا يجوز أن يعطى لمن هو أرفع من الدابة من المشركين أو أهل الكتاب .
والحكم الشرعي لا يؤخذ من نص، إنما يؤخذ من نصوص والأصل أن ندور مع الظواهر ، فإن وقع ما فيه إشكال فقد نتكلف بعض الأحايين الجواب ؛ لتسلم لنا سائر النصوص. وقد صح عن عمر أيضاً أنه نوى الاعتكاف في بيت الله الحرام وهو مشرك، فلما أسلم سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فأوجب عليه الاعتكاف بالنذر الأول وهو مشرك. فقصة العباءة لا ترد بإشكال على هذه المسألة ؛ لأنه يجوز استخدامها من قبل المرأة أو أي استعمال غير اللبس لا حرام فيه . والله أعلم.
السؤال: 436: أليس من الأولى البيان للناس بالحجج والبراهين ما حدث بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدلاً أن يسمعوا الكلام الكاذب من بعض الفرق حولهم ؟
الجواب: أصحاب رسول اله صلى الله عليه وسلم ، زكاهم ربنا في كتابه ، وزكاهم نبينا، صلى الله عليه وسلم، بعث ليعلم ويزكي وقد قام النبي ، صلى الله عليه وسلم، بلا شك ، بمهمته . وقد أفلح ونجح، فمن يطعن فيهم فإنه في حقيقة الأمر يطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يطعن بالله ؛ لأن من طعن بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالجملة ، فإنما هو شاء أم أبى ، يطعن في القرآن الكريم فإن القرآن وصلنا من خلال الصحابة، فإن أسقطنا الصحابة فهذا يجعلنا نشك في القرآن هل هو كلام الله أم لا ؟ لذا العلماء يقولون من طعن في جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كافر مرتد .أما من يطعن في واحد منهم فهو فاسق، وقد قال الإمام أبو زرعة الرازي : (( من طعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو زنديق)).
وعلينا أن نذب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالحجج والبراهين وأن ننشر فضلهم في الأمة ؛ فضلهم مجموعين بالجملة ؛ وفضلهم مجموعين بوصف كأهل بدر، والحديبية، وهكذا، وأيضاً ننشر فضلهم منفردين . فهذا من العبادات والطاعات .
لكن ما جرى بينهم من خلاف وفتن، فإن الله لم يتكفل بحفظ ما جرى بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا النبي صلى الله عليه وسلم ، أرحنا وهذا من رحمته وشفقته بنا، فقال، فيما ثبت عنه عند الطبراني عن ابن عمر ، قال : {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا} فلا تنشغلوا بما لا ينفعكم وعليكم الانشغال بما يترتب عليه ثمر . ولما سئل سعيد بن المسيب عما جرى بين الصحابة من الفتن فقال مقولة تكتب والله بماء العيون ، وهو كلام عليه نور، والله قد يجري الحق على ألسنة بعض الصالحين فقال : (( فتنة نجى الله منها أيدينا فلننجي منها ألسنتنا )) والنبي صلى الله عليه وسلم ، يقول عن أصحابه : {والذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق كل يوم مثل أحد ذهباً [وفي رواية : أنفق كل يوم مثل أحد ذهباً] ما بلغ مد أحدهم أو نصيفه} فأين نحن وأين هم؟ {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم}.
فينبغي أن نمسك عن التفصيل في هذه الفتنة، لاسيما أن التفصيل قد دون في عصور قلقة ، وأصحاب هذا التفصيل مطعون في ديانتهم وعدلهم وضبطهم، وقد كذبوا متقصدين الجنف والحيف على قوم، والميل إلى قوم . فانظروا إلى تفاصيل الفتنة التي يذكرها طارق سويدان في أشرطته، فأسانيدها تدور على سيف بن عمرو التميمي، ولوط بن منحنس ، وأمثالهم من الكذابين. فكيف أسمع لتفصيل ما جرى ، بين الصحابة، وهم الأسوة والقدوة، لكلام واحد كذاب دجال. ومن يسمع يميل قلبه لجهة دون جهة. والقلب يدخل فيه بغض وكره لبعض الأشخاص فلا يوجد عندنا رواة ثقات أثبات معتدلين ذكروا الفتنة . ولو احتاج أحد اليوم أن يدرس الفتنة دراسة دقيقة بالأسانيد لاحتاج إلى المفقود من الكتب أكثر من حاجته للموجود، لاسيما كتاب "تاريخ الكوفة" لابن شبة، فهو مفقود . وقد لخص ابن حجر هذا الكتاب في "فتح الباري" في كتاب تاريخ الفتن، واقتصر على عيون الروايات، لكن لعله ترك منه ما الله به عليم، وما يسعف المتخصص في هذه الدراسة .
فهي مرحلة مضت ما تكفل الله بحفظها ؛ بخلاف أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عبد الله بن المبارك يقول : (( لو أن كذابا زور بالليل ان يكذب على رسول الله, صلى الله عليه وسلم بيسر الله في النهار من يفضحه ويبين كذبه")) لان الله قد تكفل بحفظ الدين ، ومن حفظ الدين حفظ السنة . أما حفظ ما جرى بين الأصحاب فما تكفل الله به . فلماذا الانشغال بهذا التفصيل ؟ وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليسوا في موطن شك ، ولا موطن ريبة ، وكلهم ثقات، نحبهم ونتولاهم . ونفضل بعضهم على بعض، فأفضلهم على الإطلاق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي, بهذا الترتيب، وعلي أفضل من معاوية، لكن معاذ الله أن نشتم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال: 437؟ ما صحة حديث (( إذا أكلتم فلازموا ))؟
الجواب : هذا لم أظفر به مسنداً ، وقد ذكر في كتب العربية مثل كتاب "النهاية" وغيره من كتب الغريب . ومعنى فلازموا اخلطوا الأكل بالشكر، وقولوا بين اللقم الحمد لله، وهذا يدلل على أنه منكر، إذا لو كان هذا موجوداً لنقل . ولا أعرقه مسنداً في كتاب من الكتب المطبوعة. والله أعلم .
السؤال: 438؟ ما رأيكم في كتاب "الوجيز في أصول الفقه" لعبد الكريم زيدان ؟
الجواب: هو كتاب جيد، عرض علم الأصول عرضاً سهلاً بثوب ولغة عصرية، أسقط منه كثيراً من علوم الكلام. لكن اختياراته تارة غير موفقة، وتارة غير راجحة . والله أعلم .
السؤال: 439؟ إذا زنا رجل فجلد، ثم عاد وزنا، فهل يجلد أم يرجم ؟
الجواب : لا يعتبر الرجل محصناً إذا زنا، فإن عاد فلا يرجم وإنما يجلد؛ فإنه لا توجد زوجة . وقد يقتل، ولكن قتله لا يكون من باب الحد، وإنما من باب السياسة الشرعية ، مثل شارب الخمر فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم, في مسند أحمد عن شارب الخمر : {من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد الثانية فاجلدوه ، فان عاد الثانيه فاجلدوه , فإن عاد الرابعة فاقتلوه} والمراد بقتله سياسة لا حداً .
والعلماء مختلفون ما الذي يحصن المسلم ؟ فقالوا : من كان عنده أمة فليس بمحصن ؛ لأنها تخالط الناس ولا يشعر أن له عرضاً . وقد توسع بعضهم فقال : لو كانت تحته كتابية فهو ليس بمحصن، انما المحصن من كانت تحته حرة مسلمة .
ولابن القيم كلام بديع عجيب يدلل على إمامته في كتابه "إعلام الموقعين" فقال: (وأما قوله: وجعل الحرة القبيحة الشوهاء تحصن الرجل، والأمة البارعة الجمال لا تحصنه . فهذا تعبير سيء عن معنى قبيح ؛ فإن حكمة الشارع اقتضت وجوب حد الزنا على من كملت عليه نعمة الله بالحلال فيتخطاه إلى الحرام . ولهذا لم يوجب كمال الحد على من لم يحصن، واعتبر للإحصان أكمل أحواله، وهو أن يتزوج بالحرة التي يرغب الناس في مثلها دون الأمة التي لم يبح الله نكاحها إلا عند الضرورة، فالنعمة بها ليست كاملة. ودون التسري الذي هو في الرتبة دون النكاح، فإن الأمة ولو كانت ما عسى أن تكون، لا تبلغ رتبة الزوجة لا شرعاُ ولا عرفاُ ولا عادة، بل قد جعل لكل منهما رتبة).
السؤال: 440؟ هل في ضلال الفرق الضالة خير لنا ؟
الجواب :الدنيا الخير فيها يشوبه الشر، والشر يشويه الخير . فقد يفعل الإنسان عبادة فيصيبه عجب ورياء فيهلك بسبب هذه العبادة وقد يذنب الإنسان ذنباً ، فينكسر قلبه بين يدي ربه، ويبقى باكياً خاشعاً ذليلاً بين يدي الله على إثر ذلك الذنب فالخير المحض لا يوجد في الدنيا، والشر المحض لا يوجد في الدنيا ، فالدنيا دار مكدرات ودار منغصات .
ووجود الفرق الضالة قد يعطي الإنسان المحق أن ينتبه لأشياء. وقد ذكر بعض العلماء حكماُ لله عز وجل، في خلق إبليس فهو أصل الشر ولا يوجد أشرمنه، ولله حكماً في خلقه . ومن ذلك أن تظهر قدرة الله في الذي يخلق؛ فالذي يخلق الشيء ونقيضه هو أقدر على الخلق من الذي يخلق الشيء دون نقيضه. وفي إبليس وجود أثار أسماء الله الحسنى ؛ فكيف نعلم أن الله جبار قهار مذل لولا وجود إبليس ؟ وكذلك الله تواب رحيم غفور وذلك على أثر المعصية .
وكل شر موجود، العاقل يستطيع أن ينظر فيه وأن يتجنبه ويكون له حكمة وموعظة من هذا الشر . ومن هذا الباب قص الله علينا قصص الأنبياء وأقوامهم, فذكر ربنا أنه أهلك كل أمة بسبب الشرك وبسبب ذنب من الذنوب. وبقيت إلى الآن وما عذبت، مع وجود جميع ذنوب الأمم فيها، من اللواط، وتطفيف الميزان وما شابه؛ لوجود توحيد فيها فبوجود أصل التوحيد فينا ، فهذا بفضل الله عز وجل، يرفع العذاب عنا. فالله عز وجل ، لما يذكر لنا الشر الذي وقع في الأمم التي قبلنا من أجل أن نتجنبه ونحذره، على حد قول الشاعر :
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوخيه ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
والله اعلم.
السؤال : 441؟ من فاتته صلاة الفجر، بأن نام عنها، بعد أخذه بالأسباب الشرعية هل يصبح وقت صلاتها عند قيامه من نومه مضيقاً أم موسعاً في حقه ؟
الجواب : الواجب الموقت الذي له حدان ، إذا فات فلا يجب قضاءه بالأمر الأول ، وإنما قضاءه يحتاج إلى أمر جديد . وقال النبي صلى الله عليه وسلم، : {من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها} فمتى نام الإنسان عن الصلاة أو نسيها فهو معذور، متى ذكرها يصليها .
فالأمر في ذلك ليس موسعاً لكن ليس مضيقاً ذاك التضييق الذي لا يجوز له فيه أن يفعل أي شيء وإنما يبدأ بالصلاة . فإن احتاج شيئاً ضرورياً يفعله وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وكل بلالاً في سفرة من الأسفار أن يوقظ المسلمين، فنام بلال وغلبته عيناه . فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معه والشمس في وجوههم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم منه معه أن يتحولوا من مكانهم، وقال: {هذا مكان بات فيه الشيطان} فالنبي النبي صلى الله عليه وسلم ، ما صابته تلك اللجة بسبب فوات الصلاة، إنما أمر أن ينتقلوا ثم توضأ وأمر بلالاً أن يؤذن، فأذن وصلوا السنة ثم صلى بهم جماعة وجهر بهم بالصلاة . وهذا يدلل على بطلان حديث {صلاة النهار عجماء}.
فمن نسي صلاة أو نام عنها، فوقتها الواجب متى تذكرها ومتى استيقظ، ويصليها أداءاً لا قضاءاً. وإن ضرورة وحاجة لتأخير قليل ، كما حصل مع النبي ومن معه بتحولهم من مكان إلى مكان ، فهذا لا يمنعه من أداء الصلاة أداءاً لا قضاءاً من غير وزر . وبشرط ألا ينام وهو متعمد ألا يستيقظ، فإن هذا صنع الفسقة ، والعياذ بالله تعالى .
السؤال: 442؟ ما حكم قراءة الأحاديث والمتون تجويدا كالقرآن ؟
الجواب : لا يجوز أن يقرأ شيء من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا من كلام أهل العلم تجويداً وترتيلاً كالقرآن . وهذا أمر لا نعرفه عن أحد من السابقين . فالترتيل خاص بكلام الله عز وجل . والخلاف واقع بين أهل العلم في جواز ترتيل الخطيب، وهو على المنبر، الآية من ا لقرآن . والراجح عدم الجواز؛ لأنه لو فعل لنقل . ذكر الآيات في معرض الاستدلال . والله أعلم .
السؤال : 443؟ هل قول الملائكة لنبينا ، صلى الله عليه وسلم ، في المعراج{مر أمتك بالحجامة}فيه دليل على وجوب الحجامة ؟ وهل هذا من باب الأمر بالأمر ؟
الجواب : الأمر بالأمر ليس أمر كما هو مقرر في الأصول . فقول النبي صلى الله عليه وسلم ، {مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع }ليس في هذا أمر للأولاد بالصلاة. إنما هو أمر لأولياء الأمور أن يأمروا أولادهم حتى يدربوهم على الصلاة . فالصبي إن لم يصلي لا يأثم فقول الملائكة للنبي صلى الله عليه وسلم ، { مر أمتك بالحجامة } ليس هو أمراً تكليفياً، وإنما هو للإرشاد. فالملائكة من حبها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ترشدها للإحتجام ؛ مما فيها من الفوائد الصحية . فالملائكة تعتني به من باب الإرشاد، لا من باب التكليف .
السؤال: 444؟ هل يختص الواجب الموقت بالفرائض، أم تدخل فيه النوافل؟ فمن أخر سنة الفجر بعد الفريضة، هل تقع أداءاًأم قضاءاً؟
الجواب مقرر في الأصول أن المندوب يدخل في مطلق الأمر، وليس في الأمر المطلق . وقال الله تعالى:{وافعلو الخير } فالخير هذا عام، يشمل الواجب والمندوب. ويقول تعالى:{وأمرو بالعرف } وهذا عام أبضاُ يشمل الواجب والمندوب .
والعلماء يفرقون بين مطلق الأمر والأمر المطلق، ويجعلون الأمر المطلق فرد من أفراد مطلق الأمر . والعلماء في قواعدهم في الأمر في جلها تنطبق على المندوب . فالواجب الوقت إن فات فيجب قضاءه بأمر جديد يشمل الواجب والمسنون. لذا لو أن رجلاُ فاتته سنة من الرواتب بتكاسل ودون أي سبب، فهذا لا يستطيع أن يقضيها، إلا بأمر جديد . لكن لو فاتته سنة بنسيان فيقضيها، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : {من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها حين يذكرها } فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عن صلاة، ولم يقل : فريضة وكذلك من شغل عن راتبة، وهو مصر عازم على صلاتها، فتداركه الوقت فأذن والعزيمة حاصلة عنده على صلتها وهو ذاكر لها ، لمن شغل فله أن يقضيها. وقد شغل النبي صلى الله عليه وسلم، ذات مرة عن صلاة سنة الظهر البعدية بتوزيع الغنائم، فتداركه الوقت، فصلاها بعد العصر. فمن شغل عن سنة يقضيها .
لكن رجل صرفه، لاشيء عنده، ذاكر غير ناسي وغير مشغول، تكاسل عن أداء راتبة، فليس له أن يقضيها بعد فوات وقتها. فالصلاة لها وقتها، والشرع له مصلحة وقصد في جعل الصلاة في الوقت،كما أن له مصلحة في جعل العبادة في المكان، أو جعلها في الليل أو النهار فلا يجوز لأحد أن يقول : أريد أن أصوم بالليل ؛ لأن للشرع مقصد في الصيام في النهار، كما أنه لا يجوز لرجل أن يقل أريد أن أقف لكن ليس في عرفة. وهكذا في سائر العبادات،. فالشرع له مصلحة في ربط الصلاة بالوقت ، وفي ربط الصلاة بالمكان فلا يجوز الأنفكاك . والله أعلم
السؤال : 445؟ ما هي الصلاة الوسطى ؟
الجواب : الخلاف في الصلاة الوسطى والكلام فيها كثير . وقد ألف الدمياطي مجلداً فبها، وهو مطبوع وألف غير واحد من أهل العلم كتباُ خاصة في الصلاة الوسطى . فالدمياطي له كتاب أسمى كتابه (( كشف المغطى في تبين الصلاة الوسطى )) ذكر فيه تسعة عشر قولاً في الصلاة الوسطى . والحافظ ابن حجر في الفتح ذكرها جميعاً ملخصة عنه، وزاد عليها قولاً فاته فأتمهم عشرين قولاً .
والراجح أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. وهنا مذهب الجماهير من السلف\، والأئمة الاربعة. ويستدلون بما ثبت عن قوله صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب : {قاتلهم الله ، شغلونا عن الصلاة الوسطى؛ صلاة العصر } وسميت الوسطى لأنها وسطى بين صلاتي الليل والنهار؛ فالنهار الفجر والظهر والليل المغرب والعشاء.
ووقت العصر معظم في جميع الأديان، وكان الناس قبل الإسراء والمعراج يصلون وقت العصر . ومن قبلنا كانوا مكلفين بالعصر ، كما يذكر العلماء. الغزالي في كتابه ((المستصفى )) أن جميع الأديان عظمت وقت العصر. وقد ثبت في صحيح الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم،قال: {ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم؛ رجل حلف على سلعة لقد أعطر بها أكثر مما أعطى وهو كاذب ؛ ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقطع بها مال رجل مسلم؛ ورجل منع فضل ماءه فيقول الله : "اليوم امنعك فضلي كما منعت فضل مالم تعمل يداك" ويقول العلماء : إثم المعصية بعد العصر أشد منه ما قبله. فالإثم قد يتضاعف بالمكان أو بالزمان أو بالحال. فليس إثم العالم كالجاهل، وليس إثم ما يفعل بمكة كإثم ما يفعل في غيرها، وكذلك العصر ولذا أقسم الله عز وجل ، بالعصر . والله أعلم .
السؤال :446؟ هل حديث {ماء زمزم لما شرب له } صحيح ؟ وهل يجوز نقله من مكة لغيرها من البلدان؟
الجواب : ماء زمزم هو (( طعام طعم ، وشفاء سقم )) كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد بقوله : طعام طعم؛ أي إنه يفي عن سائر الأطعمة. وشفاء سقم؛ أي أنه بإذن الله تعالى، يشفي به المؤمنين الصادقون، لاسيما في الأمراض العويصة التي ظهرت في هذا الزمان، والتي أنبأ عنها صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر في الصحيح : ( .....وما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها،الا ظهرت فيهم الاوجاع والامراض التي لم تكن في اسلافهم ) فشيوع المعاصي في المجتمع من أسباب ظهور الأمراض التي لم يعرفها من قبلنا من أسلافنا وحديث {ماء زمزم لما شرب له } له طرق وشواهد يصل بها إلى مرتبة الحسن . وأملى الحافظ ابن حجر مجلساُ خاصاً في طرق هذا الحديث . وأعلى من صححه سفيان بن عيينة، فقد صح عنه أن رجلاً قال له: ما قولك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، {ماء زمزم لما شرب له }أثابت عندك ؟ فقال : نعم . فقال : لقد شربت زمزم آنفاً على أن تحدثني مئة حديث : فقال له : اجلس ، فجلس وأسمعه مئة حديث . وفي هذه القصة الثابتة عنه إشارة صريحة في أن عيينة، وهو من الجهابذة ، يصحح الحديث وقد نصص على تصحيحه جميع من أهل العلم .
وأما حمل زمزم من مكة إلى سائر البلدان، فقد ذكر القشيري في كتابه (( السنن والمبتدعات )) أنه من البدع . وهذا الكلام ليس بصحيح . فقد صح عند البخاري في (( التاريخ الكبير ))، وعند الترمذي , من حديث عائشة رصي الله عنها ،قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحمل معه ماء زمزم في الأداوي والقرب ، وكان يصبه على المرضى ويسقيهم )) . وأخرج البيهقي بسند جيد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال : إنه صلى الله عليه وسلم كان يرسل وهو بالمدينة ، قبل أن تفتح مكة ، إلى سهيل بن عمرو أن اهد لنا من ماء زمزم, فيبعث إليه بمزادتين )) فله شاهد مرسل صحيح في مصنف عبد الرزاق برقم 9127. وذكر ابن تيميه في (( مجموع الفتاوي )) أن السلف كانوا يحملون معهم زمزم. فلا حرج في حمل ماء زمزم والاستسقاء والاستشفاء به بالسقيا والصب على مكان الداء، هذا من الهدي النبوي.
وقد شرب العلماء زمزم بنوايا عديدة، فهاهو الحاكم صاحب المستدرك يشربه بنية الإحسان بالتصنيف . وقد أحسن في تصنيفاته رحمه الله . وها هو ابن حجر شرب زمزم بنية أن يكون كالحافظ الذهبي في معرفته بالرجال وكان رحمه الله يقول : لا يحصى كم شربه من الأئمة لأمور نالوها وقال : أنا شربته في بداية طلبي للحديث بنية أن يرزقني الله حالة الإمام الذهبي في الحفظ ومعرفة الرجال . وقال : حججت بعد عشرين سنة وأن أجد في نفسي المزيد من تلك الرتبة . وقال: شربته فيما بعد بنية أن يجعلني لله كابن تيميه في معرفة الفرق والأديان . وقال ابن الهام في (( فتح القدير )) : والعبد الضعيف يقصد نفسه ) شربه للاستقامة والوفاة على حقيقة الإسلام فما أجدرنا أن نشرب زمزم بنية الثبات، وأن يخلصنا من الأدواء ما لا يعلمه إلا الله؛ من استجابة لحظ النفس ؛ أو الشهوة؛ أو الكلام فيما لا يعنيه؛ أو الانشغال بما لا ينبغي؛ أو ركوب الهوى وما لا يرتضى ؛ وما شابه من هذه الأدواء ؛ فكلنا بحاجة لأن نشرب زمزم بنية الصلاح والإصلاح, فالأمة تحتاج إلى المصلح الذي يعرف واجب الوقت ويشغلها به . نسأل الله أن يجعلنا هداة مهديين، وأن يجعلنا سلسلة هداية إلى يوم الدين
السؤال: 447؟ من هم الصابئة ؟
الجواب : الصابئة ديانة سماوية ، ذكرها الله عز وجل مع سائر الأديان ، فقال عز وجل في سورة الحج : {أن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء قدير } فالصابئة ، يقول بعض أهل العلم يعاملون معاملة المجوس. وقال ، صلى الله عليه وسلم، في المجوس {سنوا بهم سنة أهل الكتاب} كما في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وشيخ الإسلام يقول، في الرد على أهل المنطق ، إن الصابئة أقسام؛ فمن الصابئة من غير وبدل .
والصابئة يعتقدون بنبوة يحيى، عليه السلام, ومن الصابئة فرقة بدلت وغيرت، وهي مشركة في أصولها، تعظم الكواكب، وهم موجودون الآن في جنوب العراق ، وفي إيران ويعرفون بصابئة البطائح . ومنهم من يعبد الملائكة ، ويتجهون للنجوم والكواكب ، ويعظمون جهة القطب الشمالي . ولهم كتاب مقدس يسمى (( الكنزارية)) يعتقدون أنه صحف آدم . وفيه موضوعات كثيرة عن نظام تكوين الكون . وفيه أدعية وقصص. ومنه نسخة خطية كاملة في المتحف العراقي. وقد طبع في لا يزفغ في ألمانيا الشرقية سنة 1867م . وطبع قبله سنة1815في كوبنهاجن ولهم كتاب سمى "دراشا أديهيا" اي تعاليم يحيى، ولهم كتاب يسمى (قماها ديقهل زيووا ) هذا من مئتي سطر يعتقدون أن من يحمله لا يؤثر فيه الرصاص والسلاح . وهو شبيه بالحجب والتعاويذ .
ويعتقدون بالإله الواحد . ويعتقدون أن هناك ثلاثمائة نفس ليسوا بملائكة ولا جن ولا إنس, وهم نحت الآله وكل منهم متخصص بشيء, فواحد بالليل وآخر بالنهار وآخر بالشمس ، وهكذا وهؤلاء لهم أزواج والولد يكون بمجرد الكلمة, وهذه من الخرافات والوثنيات موجودة عندهم . وعندهم ثلاث صلوات صلاة قبل الشروق وصلاة عند الزوال , وصلاة عند الغروب . ولا يصومون ولا يعترفون بالصوم ولا يؤمنون بالجنة والنار . عندهم عقيدة التناسخ، فالمحسن روحه تذهب إلى من هو أحسن منه . والمسيء روحه تحل في كلب أو خنزير .
فالخلاصة أن الصابئة فرقة موجودة الآن وهي كافرة مرتدة ومنها فرقة موحدة في أصولها ومنها أصلاٌ وثنية . والموجودة الآن وثنية ، ولا تعامل معاملة أهل الكتاب من حيث جواز الزواج من نسائهم المحصنات أو أكل ذبائحهم . والله أعلم
السؤال : 448؟ لماذا لم يروي الشيخان في صحيحهما عن الإمام الشافعي أي حديث ؟
الجواب : لم يشترط إماما الدنيا في الحديث ، محمد اسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، لم يشترط على أنفسهما أن يخرجا لكل ثقة ، ولا أن يخرجا كل حديث صحيح . فمن الأشياء التي ننكرها على كثير من الناس قولهم : أريد أية أو حديث عن الصحيحين أو أحدهما حتى أخذ بقولك فهذا باطل ، ولا زم هذا الكلام أن البخاري ومسلماً لم يصححا إلا ما وضعاه في كتابيهما. وهذا تبرئاً منه ولم يقولا به .
والشافعي ثقة عندهما، لكنه ما عمر، وكان أصحاب الصحيحين يريان العلو في الإسناد، وأعلى ما عند الشافعي روايته عن مالك، وقد وقعت رواية مالك بواسطة لأصحاب الصحيحن ولو أنهم رويا عن الشافعي عن مالك بواسطة يحيى بن يحيى النيسابوري وعبد الله بم مسلمة القعنبي وغيرهما، والشيخان لم يتتلمذا على الشافعي ولم يرياه لأنه ما عمر، فلو أنهما رويا عنه لكان الإسناد نازلاً، وقد قال الإمام ابن معين: (الإسناد النازل قرحة في الوجه) وكان أحمد يقول: (الإسناد العالي سنة عمن سلف)، وكان محمد بن أسلم الطوسي يقول: (قرب الإسناد قربة إلى الله تعالى) فالأعلى أغلى. فلم يحيدا عنه عمداً.
وقال الإمام الذهبي في ترجمة الإمام الشافعي في "سير أعلام النبلاء" قال: (لم يقع لهما قدراً الرواية عن الشافعي) لكن أقول كما قال أبو زرعة الرازي، لما سئل عن هذا السؤال، في كتابه "الأجوبة المرضية عن الأسئلة المكية" قال: (إن الشيخين لم يسمعا منه، أما مسلم فلم يدركه أصلاً وأما البخاري فأدركه ولكن لم يلقه، وكان صغيراً، مع أنهما أدركا من هو أقدم منه وأعلى رواية فلو أخرجا حديثه لأخرجاه بواسطة بينهما وبينه مع أن تلك الأحاديث قد سمعاها ممن هو في درجته فروايتها عن غيره أعلى بدرجة أو أكثر والعلو أمر مقصود عند المحدثين).
وللصحيحين مهابة، وكل ما فيهما صحيح سوى أحرف يسيرة تكلم عليها العلماء، وللصحيحين حلاوة ومكانة في نفوس طلبة العلم، ومن يقلل من هذه المكانة فهذا غر جاهل، فإن نقد شيء مما في الصحيحين فإنما يكون بقدر وبمهابة، مع وجود من سبق إليه من الأئمة وهناك فرية بلا مرية على الشيخ الألباني بأنه لا ينظر إلى الصحيحين بمهابة، وهذا غير صحيح، فهو قد ضعف بعض ما في الصحيحين لكن كان مسبوقاً بالتضعيف على حسب القواعد التي وضعها الشيخان وغيرهما، والكلام في الغالب على أحرف، وليس على أصل الحديث، والله أعلم..
السؤال 449: ما القول الصحيح في حجية المرسل؟
الجواب: وقع خلاف بين العلماء في حجية المرسل، والناظر في مذهب الأئمة الأربعة في الاحتجاج بالحديث المرسل، يجد أن أقدمهم زمناً أكثرهم احتجاجاً به، وأن آخرهم زمناً أكثرهم تضييقاً في الاحتجاج به فأقدم الأمة أبو حنيفة والمرسل عند أبي حنيفة حجة بإطلاق، ثم الإمام مالك، ومالك عنده المرسل، حجة إذا عضده عمل أهل المدينة، ثم الإمام الشافعي والمرسل عنده حجة إن وجد ما يشهد له من الموقوف الصحيح أو مما يقبل الجبر من الحديث الضعيف، وآخرهم الإمام أحمد وهو لا يعتبر المرسل حجة.
والقول المعتمد عند العلماء المخرجين أن المرسل ضعيف لا يعتمد عليه وليس بحجة في ذاته، لكن ضعفه يسير يقبل الجبر، فيتساهل فيه في الشواهد ولا يتساهل في الأصول.
وقد ذكر الإمام الشافعي كلمة اشتهرت عنه وفهمت عنه خطأ، فقد قال: (أصح المراسيل مراسيل سعيد بن المسيب) وليس مراد الشافعي بمقولته هذه على التحقيق أن مراسيل سعيد بن المسيب حجة، وإن مراده أنه بالسبر وجد جل مراسيل سعيد بن المسيب تقبل الجبر، ولكن أعل الشافعي في "الأم" في أكثر من موطن الاحتجاج ببعض الأحاديث وهي من مراسيل سعيد؛ وذلك لأنه لم يجد لها ما يجبرها، فمراد الشافعي إذن أن مراسيل سعيد جلها ممكن جبره وإلا تبقى في دائرة الضعف وقد نصص على ذلك.
السؤال 450: كيف نوفق بين حديث {يا جرهد غط فخذك فإن الفخذ عورة} وبين حديث دخول أبي بكر وعمر وعثمان على النبي صلى الله عليه وسلم وفخذه مكشوفة؟
الجواب: أحاديث الفخذ وقع فيها خلاف بين أهل العلم، والظاهر منها التعارض وحديث جرهد صحيح على نزاع بين العلماء في صحته وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد دلى رجليه في بئر وقد كشف فخذيه، وجاء أبو بكر وعمر وجلسا ثم جاء عثمان فغطى فخذه صلى الله عليه وسلم فلما سئل عن ذلك، فقال: {ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة} ففي هذا الحديث أن الفخذ ليس بعورة، والظاهر من الحديثين التعارض وأحسن من جمع بينهما الإمام البخاري فقال حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط.
ومنهم من قال أنه يجوز في الفسحة والنزهة من الرخصة ما لا يجوز بغيرها فيترخص الإنسان في الفسحة والنزهة ما لا يترخص في غيرهما، ومنهم من قال الفخذ يجب ستره عند عدم أمن الفتنة، بخلاف إن لم يكن يراه إلا أناس قليلون والفتنة في حقهم محالة، كما وقع في حادثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من ضيقه وقال: هذه قضية عين، وهذا أضعف الأقوال، والخلاصة أن حديث جرهد صحيح وفيه شيء زائد عن سائر الأحاديث، والموفق من عمل بالشيء الزائد فالفخذ عورة، ولا يجوز للرجل أن يكشفه أمام الناس أو يسير في الطرقات كاشف الفخذ فأوقع من النبي صلى الله عليه وسلم حال ما تكررت وما ظهرت في المجتمع عامة، وإنما كانت في ظرف الفتنة فيه غير حاصلة، والله أعلم
__________________
السؤال 451: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكاسيات العاريات: {إلعنوهن فإنهن ملعونات} فهل يكون اللعن على مسمعهن أم سراً؟
الجواب: قال صلى الله عليه وسلم: {صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، قوم معهم سياط وأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها} وفي رواية عند أحمد: {إلعنوهن فإنهن ملعونات}، هذا حديث عظيم وجليل وواقعنا شاهد عليه، وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الظلم السياسي والفساد الخلقي قرينان ووجهان لعملة واحدة، فمتى وجد الظلم السياسي يكون معه الفساد الخلقي فإن الإنسان المغموس في حمأة الشهوة المشغول بالنظر لتبرج النساء فإنه لا يجرأ أن يقول للظالم إنك ظالم، ولا بد أن يعاقب بأقوام معهم سياط يجلدون الظهور، والإشارة في الحديث ظاهرة وذكر هذين الصنفين في الحديث ليس من عبث إنهما وحي من الله عز وجل.
أما اللعن فإن من فقهه أمور فإن الشرع أمر الناظر أن يلعن هذه المرأة حتى يدرأ عن نفسه شرها فإنك لا تستطيع أن تدرأ شر هذه المرأة المبترجة عن نفسك إلا إن قلت في نفسك واستشعرت بقلبك إن هذه ملعونة، فكيف يتمتع فيها الناظر؟
وللإنسان أن يقول هذا بلسانه على مسمع منها لكن إن ترتب على إسماعها فتنة فلا تسمعها درا للفتنة أمام إن لم يترتب فتنة فأسمعها ولا حرج في ذلك، وهذه المرأة الملعونة بعينها ولا يلزم من لعنها هذا أنه يحكم عليها من أهل النار إنما يحكم عليها اللعن مادامت على هذا الحال ولعنها بمعنى الدعاء عليها، فكما قال ابن تيمية : فإن النصوص التي ورد فيها اللعن في الشرع قسمان، قسم بمعنى الدعاء على الإنسان وقسم بمعنى تقرير الخروج والحرمان من رحمة الله، وقصة الرجل المسيء لجاره لا تخفى فقد صح أن رجلاً جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فأرشده إلى أن يخرج متاعه إلى قارعة الطريق فأصبح الناس يمرون ويستفسرون من الرجل عن ماله فلما كان يخبرهم بالخبر كان الناس يلعنون الجار المسيء حتى رجع وتاب، فلعن المعين بمعنى الدعاء عليه لا حرج فيه.
السؤال 452: هل هذا الحديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في نفر من أصحابه فوجد ريحاً فقال ليقم صاحب هذا الريح فليتوضأ، فلم يقم أحد حتى قالها ثلاثاً، ثم قال: {إن الله لا يستحي من الحق} فقال العباس: ألا نقوم كلنا يا رسول الله فنتوضأ قال {قوموا كلكم فتوضؤوا}؟
الجواب: هذا الحديث خرافة والناس يظنون في القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب الوضوء من اكل لحم الجزور وإنما أوجبه على الجميع على الرجل الذي أخرج الريح، وهذه القصة باطلة وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أكل لحم جزور فليتوضأ} وهذه قصة لا وجود لها في كتب السنة.
وقد ذكر شيخنا رحمه الله، قصة شبيهة بها ولم يعزها إلا لابن عساكر في "تاريخ دمشق" ووجدتها عند أبي عبيد في الطهور، وفي مصنف عبد الرزاق وهي من مرسل مجاهد، وفيها أصل بن أبي جميل وهو ضعيف، فالقصة ضعيفة لأمرين لواصل ولأنها من مرسل مجاهد، وذكرها شيخنا في السلسلة الضعيفة (برقم 1132) وقال معقباً عليها: وهذه القصة مع أنه لا أصل لها في كتب من السنة ولا في غير من كتب الفقه، والتفسير، فيما علمت فإن أثرها سيء جداً في الذين يروونها فإنها تصرفهم عن العمل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لكل من أكل لحم الجزور وكل من اكل من لحم الإبل أن يتوضأ كما ثبت في صحيح مسلم فهم يدفعون هذا الأمر الصحيح الصريح لأنه إنما كان ستراً على ذلك الرجل لا تشريعاً وليت شعري كيف يعقل هؤلاء مثل هذه القصة ويؤمنون بها مع بعدها عن العقل السليم والشرع القويم، فإنهم لو تفكروا فيها قليلاً لتبين لهم ما قلناه بوضوح فإنه مما لا يليق به صلى الله عليه وسلم أن يأمر بأمر لعلة زمنية ثم لا يبين للناس تلك العلة حتى يسير الأمر شريعة أبدية كما وقع في هذا الأمر، فقد عمل به جماهير من أئمة الأحاديث والفقه فلو أنه صلى الله عليه وسلم كان أمر به لتلك العلة المزعومة لبينها أتم البيان حتى لا يضل هؤلاء الجماهير باتباعهم للأمر المطلق لكن قبح الله الوضاعين في كل عصر ومصر، فإنهم من أعظم الأسباب التي أبعدت الكثيرين من المسلمين عن العمل بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن جماهير العاملين في هذا الأمر الكريم ووفق الآخرين للاقتداء بهم، في ذلك الأمر فالقصة رغم شيوعها وذيوعها بين الناس فإنها لا أصل لها والراجح عند أهل العلم ،أنه من أكل من لحم جزور فعليه الوضوء والله أعلم..
السؤال 453: ما حكم من لم نذبح له عقيقة ممن سنه فوق البلوغ؟
الجواب: إن شاء ذبح العقيقة عن نفسه إن كان ذلك بمكنته، ولا يدخل عليه حرج بذلك، فقد صحح بعض الحفاظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عق عن نفسه بعد النبوة ،لكن ليس هذا على وجه الإلزام، وإن كان هذا واجباً محدداً بين طرفين قضاؤه يحتاج إلى أمر جديد، فإن فعله صلى الله عليه وسلم هو الأمر الجديد، ولكن فعله يدلل على السنية لا الوجوب.
والواجب على الوالد أن يذبح عن ولده إن كان مستطيعاً في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين، فإن فاتت هذه الأوقات، فإن كان جاهلاً بالتوقيت فيعذر بالجهل فيذبح، في أقرب وقت، وإن لم يكن جاهلاً فله أن يذبح، لكن ذبحه اللاحق ليس كذبحه السابق، ولا يحتاج في هاتين الحالتين إلى أمر جديد، لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيه إذن عام، فأصبح فعله صلى الله عليه وسلم إذن لمن فاته التوقيت بعامة.
ويعق عن الذكر بشاتين وعن الأنثى بشاة، على الراجح لقوله صلى الله عليه وسلم: {عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة}، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين، كل منهما بشاة، فقال الشوكاني يجمع بين قوله وفعله، فأصل السنة شاة وتمامها شاتان، لكن روى النسائي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن بكبشين أملحين، وعن الحسين بكبشين أملحين، وهذا أصح طرق الحديث، فوافق قوله صلى الله عليه وسلم عمله، فالأصل في العقيقة عن الذكر أن تكون شاتين فإن لم يقدر إلا بواحدة فلا حرج، ولا مانع بأن يعق الجد عن المولود كما فعل صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين.
والعقيقة تكون بالأنعام ولا يجوز الشركة فيها، فلو أن اثنان اشتركا بجمل فهذا غير جائز على الراجح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كل مولود مرتهن بعقيقته}، فكل واحد له دم مستقل وعقيقة خاصة، فلا يوزع الدم بين اثنين، والعقيقة إن تعينت ثم فقدت فلا بد من العقيقة ولا يسقط، إلا إن كان الأب لا يستطيع إلا هذه المفقودة، فليس عليه العقيقة لعدم استطاعته لا لأن التي ضاعت قد أجزأت ولا يوجد سن معين للعقيقة، لكن يستحب أن نقتدي بفعله صلى الله عليه وسلم فتكون العقيقة كبشاً مليحاً أقرناً، ويستحب في الشاتين عن الذكر أن تكونا متساويتين لقوله صلى الله عليه وسلم: {عن الذكر شاتان متكافئتان}، وما قيده الشرع في الأضحية من السن والعيوب لا نقيسها على العقيقة فكل منهما باب بوحده، والله أعلم...
السؤال 454: ما حكم الحناء للرجال؟
الجواب: الحناء للرجال جائز، في حالة وممنوع في حالة ثانية، فإن كان استخدام الحناء للرجال من باب التجمل فهذا لا يجوز لأن الدلة والنعومة من سمات النساء، قال الله عز وجل: {أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} فالمرأة تنشأ في الحلية والزينة والتنعم والدلال.
أما استخدام الحناء للرجل على أنها علاج فلا حرج في هذا، فإن الحناء تستخدم، مثلاً لعلاج تشقق الجلد، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع مجموعة من النساء وكن يضعن أيديهن في ماء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع على إثرهن يده، فمدت امرأة يدها فرآها خشنة، فاستغرب النبي صلى الله عليه وسلم من خشونة يدها، وقال: {يد امرأة أم يد رجل؟} فقالت: يد امرأة، فقال لها صلى الله عليه وسلم: {اختضبي} أي تحني، فإن كان الحناء للزينة فهو للنساء فحسب، وإن كان للتطبب فهو جائز على حد سواء للرجال والنساء والله أعلم...
السؤال 455: هل يجوز للمسلم أن يصل أمه الكافرة؟
نعم ، إن كان الأبوان أو أحدهما مشركين فيجوز للابن أن يصلهما، وقال الله عز وجل، في سورة لقمان: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً}، فقد أمر الله الابن في هذه الآية إن كان أبوه يأمره بالشرك أن يحسن إليه وأن يبره، وقد أخرج الشيخان في صحيحهما عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: ((قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: {نعم صلي أمك})) فمن كان كافراً ثم امتن عليه بالإسلام فلا يقطع والديه، بل عليه أن يحسن إليهما، وأن يتودد لهما، وأن يطمع في إسلامهما، وأن يحرك العاطفة التي في قلوبهما نحوه نحو الدين، وأن يريهما أنه بإسلامه ازداد إحساناً لهما، وهذه طاعة من الطاعات.
وليس عقوق الأب المشرك كعقوق الأب المؤمن، وليس عقوق الأب المسلم الصالح كعقوق الأب المسلم الفاسق، وليس عقوق الأب الصالح العالم كعقوق الصالح الجاهل، فقد تزدحم الحقوق في حق الشخص الواحد، فالجار مثلاً له حق، فإن كان صالحاً فله حقان، وإن كان صالحاً وذا رحم فله ثلاثة عقوق، وهكذا فالوالد له حق، فإن كان مشركاً ينقص من حقه لكن يبقى أباً له، بر وصلة..
السؤال 456: من بدأ بتحية المسجد فأقيمت الصلاة ماذا يفعل؟
الجواب: إن كنت في بداية صلاتك فقد تزاحم أمران: سنة وفريضة، فاترك السنة للفريضة، فعند تزاحم الأمور يقدم الأهم، فمن أخطاء كثير من الناس من يدخل المسجد بعد بدء الصلاة في الركعة الأولى فيبدأ بدعاء الاستفتاح، وقد يركع الإمام وتفوته الفاتحة، فالأولى أن يبدأ بالفاتحة، إلا أن غلب على ظنه أنه يدرك الفاتحة، فيبدأ بدعاء استفتاح قصير ولا يطيل، فإن دعاء الاستفتاح سنة والفاتحة ركن، أما إن كنت في نهاية الصلاة كأن تكون في سجود الركعة الثانية وتستطيع أن تتم صلاتك وتدرك تكبيرة الإحرام فلا حرج.
أما كيفية الخروج من الصلاة النافلة إذا أقيمت الصلاة ففيها خلاف بين العلماء هل يسلم ويخرج من الصلاة، أم يخرج من غير سلام؟ والخلاف مبني على فهم قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة}، ومكمن الخلاف في قوله: {فلا صلاة} هل [لا] نافية أم ناهية؟ فإن كانت لا النافية فلا داعي للسلام لأن صلاته أصبحت غير منعقدة، كمن دخل في الصلاة ثم تذكر أنه غير متوضئ فهذا يخرج من الصلاة بغير سلام لأن صلاته ما انعقدت أصلاً، فتسليمه وعدمه سيان، لأنه بعد تذكره ليس في صلاة، فإن كان الشرع أبطل الصلاة، فلا داعي للتسليم، لأن التسليم من أعمال الصلاة.
أما إن كانت لا في الحديث ناهية، بمعنى أنها تنهاك أن تكمل الصلاة فسلم، وقد صح عند البخاري أن الرجل الذي صلى خلف معاذ لما أطال معاذ الصلاة أنه سلم وصلى منفرداً فهو قد سلم لأن صلاته قد انعقدت.
وعندي الأمر واسع، والخلاف في مثل هذه المسائل الذي لا يعضده عمل السلف، ولم يشتهر عمل السلف لا في هذا ولا في هذا، يبقى فيه نوع سعة، والله أعلم..
السؤال 457: هل يجوز لقوم أكلوا جميعهم البصل أو الثوم أن يصلوا جماعة؟
الجواب: ينظر في الجماعة إن كانت خارج المسجد فيجوز وإن كان في المسجد فلا أرى ذلك جائزاً، لأن المسجد يجمعهم ويجمع غيرهم، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أكل البصل والثوم والكرات فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى فيه بنو آدم} والمساجد من مظنة وجود الملائكة فيها، لأن فيها ذكر لله سبحانه وتعالى، أما إن كانوا في غير المسجد، وكان يؤذي بعضهم بعضاً فهذا أمر محتمل، أما أن يؤذوا غيرهم ممن لم يأكلوا البصل مثلهم، فلا.
وقد كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شموا رائحة الثوم والبصل من رجل فكان رجلان يحملانه إلى جهة البقيع، واليوم عندنا شيء آخر غير البصل والثوم، وهو الدخان فهو شر منهما والمدخن آثم لوجوده، في إضاعة المال وفي إلحاق الضرر بولده وأهله ونفسه، وفي إيذاء إخوانه المصلين والملائكة إن أتى المسجد وهو حديث عهد بالدخان.
السؤال 458: ما حكم كثرة الحلف لاسيما للبائعين، وهل تجب عليهم الكفارة؟
الجواب: من حلف وعقد قلبه، أكثر الحلف أم لم تكثر، فتجب في حقه الكفارة، وعلى كل يمين حلفه كفارة، وأما إن كان لغواً، يجري على لسانه من غير تعقيد قلب فلا كفارة عليه لقول الله عز وجل: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}، فالعبرة بتعقيد اليمين في القلب، وحتى عقد اليمين في القلب فيجب فعله، فإن رأى الحالف غيره خيراً منه فله ذلك بشرط الكفارة، والأصل أن يحفظ الإنسان يمينه لقوله تعالى: {واحفظوا أيمانكم}.
وكثرة الحلف عادة قبيحة ذكرها الله عز وجل من صفات أهل النار فقال: {ولا تطع كل حلاف مهين}، فكثرة الحلف ليست من صفات المؤمنين، وإن كان الحلف بالله جائزاً، لأنه تعظيم له سبحانه، لكن الإكثار منه على كل شاردة وواردة، وأن يكون شيئاً دارجاً على اللسان فهذا أمر ليس بحسن، لاسيما من قبل التجار، ولاسيما إن كان المقصد من الحلف ترويج السلعة فهذا أمر مذموم، وقد صح عند الحاكم في "المستدرك" عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة ....} وذكر الذين يحبهم، فقال أبو ذر: من الثلاثة الذين يبغضهم الله، فقال صلى الله عليه وسلم: {المختال الفخور والبخيل المنان والبائع الحلاف} والحلاف على وزن فعال، وهي صيغة مبالغة فهو كثير الحلف.
وأخرج ابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: مر أعرابي بشاة، فقلت: تبعها بثلاثة دراهم؟ فقال: لا والله، ثم باعها بثلاثة دراهم، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {باع آخرته بدنياه}، وكم من إنسان يحلف ألا يبيع ثم يبيع، وأخرج الشيخان في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب}، فمن أسباب عدم الكسب الحلف، وفي رواية عند أبي داود: {الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة} فالحلف يمحق البركة، وأخرج مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: {إياكم وكثرة الحلف فإنه ينفق ثم يمحق}، فهذه نصوص صريحة في عدم جواز كثرة الحلف على السلعة .
ومن مظنة كذب التجار اليوم كثرة الحلف، فإن رأيت تاجراً يكثر الحلف، فإنه يقوم في قلب صاحب الفراسة والفطنة أنه يكذب، ولو كان صادقاً ما احتاج لهذا الحلف، فإن أردت أيها التاجر أن تروج سلعتك فاذكر محاسنها، وأصدق في وصفها، وأترك الحلف الكاذب الذي يمحق البركة، وما أحوجنا في هذه الأيام للبركة، فما أكثر الأشياء وما أقل بركتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونحن بحاجة من الخطباء والوعاظ إلى بيان أسباب وجود البركة وأسباب نزعها من الأشياء فإن التاجر لا يرى بركة في تجارته على كثرتها، والأب لا يرى بركة في أولاده على كثرتهم، فما أحوجنا إلى أن ننتبه لهذه الأمور.
السؤال 459: هل يجوز للمسلم أن يفرح بما وقع بأعداء الله من الكفار من مصائب ونكبات وإن كان ذلك بسبب ظلم واعتداء وقع عليهم؟
الجواب: على هذا السؤال عند العز بن عبد السلام رحمه الله، في كتابه "قواعد الأحكام" (2/397) وهو كلام علمي محرر بعيد عن كل شر.
قال رحمه الله: (لو قتل عدو الإنسان ظلماً وتعدياً فسره قتله وفرح به، هل يكون ذلك سروراً بمعصية الله أم لا؟ قلت: إن فرح بكونه عصي الله فيه فبئس الفرح فرحه، وإن فرح بكونه تخلص من شره، وخلص الناس من ظلمه وغشمه، ولم يفرح بمعصية الله بقتله، فلا بأس بذلك؛ لاختلاف سببي الفرح، فإن قال: لا أدري بأي الأمرين كان فرحي؟ قلنا: لا إثم عليك، لأن الظاهر من حال الإنسان أنه يفرح بمصاب عدوه لأجل الاستراحة منه، والشماتة به، لا لأجل المعصية، ولذلك يتحقق فرحه وإن كانت المصيبة سماوية، فإن قيل: إذا سر العاصي حال ملابسته المعصية هل يأثم بسروره أم لا؟ قلت: إن سر بها من جهة أنها معصية آثم بذلك، وإن سر بها من جهة كونها لذة لا تنفك من فعل المعصية، فلا يأثم إلا إثماً واحداً، والإثم مختص بملابسة المعصية، والله تعالى أعلم) أ.هـ.
ونفهم من كلامه أنه لا يجوز للمسلم أن يفرح بالمعصية والظلم، وإنما يفرح بخلاص الناس من شر الظالم والمعتدي، ورحم الله العز، ورحم الله علمائنا فما تركوا لنا شاردة ولا واردة إلى يوم الدين إلا بينوها وفصلوها.
السؤال 460: ما هو التنكيس المكروه في القراءة للمصلي أو الإمام؟
الجواب: العلماء مختلفون في التنكيس، والتنكيس في القراءة هو أن تقع القراءة على غير ترتيب المصحف، وهذا هو المكروه عند الشافعية فهم يرون كراهة قراءة سورة قبل سورة ترتيبها متأخر عنها، فلو أن الإمام مثلاً قرأ في الركعة الأولى [الضحى] وفي الثانية [النازعات] فهذا عند الشافعية مكروه، لأن فيه تنكيساً، والصواب أنه مكروه ولا تنكيس فيه، وهو مكروه لأن الركعة الثانية تكون أطول من الأولى، والسنة أن تكون الأولى هي الأطول، فهو عند الشافعية مكروه من وجهين.
أما عند الجماهير فالتنكيس المكروه هو أن تقع القراءة في الركعة الأولى، من آخر السورة أو وسطها، وتكون في الركعة الثانية من أول السورة، وسبب هذه الكراهة مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الشائع الذائع عند الناس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بدأ بقراءة سورة في الركعة لم يركع حتى يتمها ومن أجل ذلك، لما صلى ذاك الفلاح خلف معاذ رضي الله عنه، مجرد ما بدأ معاذ بقراءة البقرة، فارق معاذ وصلى وحده، لأنه يعلم أن معاذ سيتمها ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الاقتصار في القراءة على أواخر السورة وإن كانت الصلاة بها صحيحة وكان من هديه صلى الله عليه وسلم المفقود عند الأئمة هذه الأيام، أنه كان يقرأ بالركعتين، بسور متشابهة، السورة ونظائرها، مما هما في نفس المعنى، وهذه سنة تكاد تكون مهجورة ولا يقدر عليها إلا من كان متمكناً من حفظه.
ومن قرأ وطول الاولى اكثر من الثانية ، وقرأ في الاولى سورة طويلة ، ثم في الثانية قرأ بسورة أخرى قبلها ، فالراجح ان هذا ليس بتنكيس مكروه، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم قيام الليل وابتدأ بالبقرة ثم ثنى بالنساء ثم رجع الى ال عمران . ثم ايضا ذاك الرجل الذي كان يستفتح صلاتة ب " قل هو الله احد " ثم يقرأ ما تيسر ، فشكوه الى رسول الله عليه السلام فسألة عن سر فعلة هذا فقال : أني احبها ، فقال له صلى الله عليه وسلم : " حبك اياها أدخلك الجنة" فأقره على فعله.
السؤال 461: هل زيارة القبور للنساء حرام؟
الجواب: المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والذي أراه راجحاً في المسألة مذهب المالكية، وهو أنه يجوز للمرأة أن تزور القبور بشرط عدم الإكثار، مع تحقق سائر الشروط الشرعية، أعني: أن تضبط نفسها فلا تشق ثوبها ولا تخدش وجهها، ولا تنوح، ولا تتزين، وتخرج بلباسها الشرعي.
والنبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور ،وزوارات على وزن فعالات فهي صيغة مبالغة المراد بها الإكثار، والنبي صلى الله عليه وسلم منع من زيارة القبور ثم أجاز ذلك علل ذلك بعلة يشترك فيها الرجال والنساء، فقال: {ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر بالآخرة}.فالتذكير بالآخرة علة مشتركة بين الرجال والنساء، فينبغي على المنع بالقيد المذكور وهو [زوارات] وهن المكثرات من الزيارة، فالأصل في المرأة أن تبقى في بيتها ولا تخرج ولا تكثر من الزيارة، لكن لو وقعت فلتة بالشروط الشرعية، مع عدم إكثار فلا أرى في ذلك حرجاً والله أعلم..
السؤال 462: ما حكم زواج المسيار؟
الجواب: زواج المسيار من الاسم لا مثيل له في الشرع، وقد فضل الله الرجال بما أنفقوا وبما يتحملون من تبعات والنفقة حق شخصي يجوز للمرأة أن تتنازل عنه والمبيت حق شرعي يجوز للمرأة أن تتنازل عنه دون مقابل، ولا يجوز أن تبيعه لكن لها أن تتنازل عنه، فلما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن سائر أزواجه بأن يتطبب عند عائشة، وكانت عائشة رضي الله عنها عالمة بالطب واللغة والفقه والحديث والأحساب والأنساب على صغر سنها، وكانت مرجعاً لكبار الصحابة.
فزواج المسيار إن كان فيه إعلان وإشهار وإذن ولي الأمر وشاهدين ودفع مهر وتنازلت المرأة عن حقها في المبيت في البيت وعفها الزوج، وتنازلت عن حقها في النفقة، فهذا جائز، وسبب زواج المسيار تسلط النساء، فالعصر للنساء، وإن جاز لأحد أن يطالب بحقه فللرجال أن يطالبوا بحقوقهم في هذه الأزمان، فبقوا يقولون ويرددون ويطالبون بحق النساء، حتى أصبحت المرأة كما نرى، حتى على إطار السيارة، يروجون للإعلان له بصورة المرأة العارية، فأصبحت سلعة وأصبحت مهانة، وكم تأثرت لما قرأت عن واحدة من ممثلات هوليود كيف كانت تصرخ بالمخرج وتقول له: كفاكم جشعاً وتجارة بأجسادنا، فالنساء العاقلات بدأنا يفهمن هذا، وأن دعاة تحرير المرأة يريدون أن تتعطل مهمتهن التي خلقهن الله لها.
فزواج المسيار إن وجدت الشروط، وأهمها الإعلان، والحد الواجب في الإعلان، كما يقول جماهير الفقهاء، أن يشهد اثنان من الثقات العدول، ألا يتواطئا على الكتمان فزواج المسيار عندها، والأحسن من زواج المسيار التعداد، وتعداد الزوجات من الأمور المهمة الي ينبغي أن تشيع وتنتشر، لاسيما في هذه الأزمان لكن ينبغي أن يكون بدافع من تطبيق الشرع، فإن آبائنا وأجدادنا ظلموا الدين لما عددوا، فالواحد منهم كان يعدد حتى ينتقم والمفلح مع زوجته ينبغي أن يعدد وأن يضرب مثلاً، والمسألة فقط تكدير خاطر ساعات وأيام وهذه هي ضريبته فقط، ولا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، أن يهنأ الرجل في نهاره وليله مع زوجتين.
السؤال 463: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن لم يخش المسلم العنت على نفسه قدم العلم والجهاد على النكاح) فهل هذه القاعدة أو المقولة خاصة بشيخ الإسلام نفسه باعتبار الظروف التي كان يعيش فيها من العلم والانشغال بالجهاد، وقلة الفتن في زمانه مقارنة بزماننا، أم هي عامة على الجميع وخاصة طلبة العلم؟
الجواب: قرر شيخ الإسلام هذا لغيره لا لنفسه، فهو يقرر أن من انشغل بالعلم الشرعي والجهاد في سبيل الله، واشتغل بمصالح المسلمين العامة وخدمتهم ولم يخش على نفسه العنت، ولم تنازعه شهوته، فهذا في حقه الانشغال بمصالح المسلمين أولى من النكاح، فلا نقول إن هذا حكم خاص بشيخ الإسلام.
والعلماء يقولون: إن أحكام النكاح تعتريها الأحكام الخمسة فقد يكون واجباً في حق بعض الناس وقد يكونا مندوباً وقد يكون مباحاً وقد يكون حراماً، والأصل في جل صوره عدا الاستثناءات أنه يدور بين الوجوب والندب، وعند العلماء المتزوج خير من الأعزب، وهذا تفضيل بالجملة لا على الأفراد، فقد يوجد شخص أعزب خير ملء الأرض من المتزوجين، لكن المتزوجون بالجملة خير، لأن المتزوج إن مات يترك وراءه من أبواب الخير ما لا يعلمه إلا الله، فالولد الصالح هو المبتغى من الزواج، فكل ما يفعله الولد من خير يكتب في صحيفة الأبوين، والذي يموت وهو غير متزوج فقد غلق وراءه كثيراً من أبواب الخير، ومن يموت له ولد يصبر على ذلك بنى الله له بيتاً في الجنة، والأولاد فرط فمن مات له أولاد وصبر فهم يأخذون بيده ويدخلونه الجنة، فالمرأة التي فقدت ثلاثاً من الولد قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: {لقد احتذرت بحذار من النار} فمثل هذه الأجور ليست لغير المتزوج.
والمتزوج نفسه لا تنازعه، يعبد الله بإتيانه أهله، وبنقفته عليهم، والمتزوج يتجمل بزوجته، كما قال تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، واللباس يستخدم زينة ويقي الحر والبرد، فالزوجة زينة للرجل يتزين بها عند الأقارب والمحارم لاسيما إن كانت صالحة، والبعض يترك الزواج ويقول أريد أن أكون طالب علم، فنقول له: اختر طالبة علم فإنها تعينك في الطلب، فمن أسباب تقدم طالب العلم أن يتزوج فتسكن نفسه، بشرط أن يحسن الاختيار.
السؤال 464: ما حكم صيام رجب، وهل فيه طاعة معينة مرغب فيها؟
الجواب: الله خالق الزمان والمكان والإنسان، والله يصطفى ويختار ما يشاء فقال تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} والله خلق الإنسان واختار الأنبياء من بني الإنسان واختار من بين الأنبياء الرسل واختار من بين الرسل أولي العزم واختار من بين أولي العزم محمداً صلى الله عليه وسلم وخلق المكان واختار المكان واختار مكة والمدينة وبيت المقدس من بين سائر الأمكنة، وخلق الزمان واختار، واختار من بين سائر الأيام يوم الجمعة واختار من بين أيام السنة يوم النحر، فأحب الأيام على الله على الإطلاق يوم النحر ثم يوم القر، وخلق الله الأشهر واختار، واختار من بين الأشهر أشهر الله الحرم، ففضلها على غيرها من الشهور، قال تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم}.
فجعل الله من بين الأشهر الأشهر الحرم وهي أربعة، ثلاثة سرد وواحد فرد، فثلاثة تأتي متتابعة وهي: محرم وذو القعدة، وذو الحجة، والفرد هو رجب، وشهر رجب كانت العرب وخصوصاً مضر، تعظم هذا الشهر فكانت العرب توقف القتال فيه، وكانت القبائل تمسك عن القتال وقد قالوا: إن رجب مأخوذ من الترحيب والترحيب هو التعظيم، وكانت العرب تصوم هذا الشهر كرمضان، وكانوا يتقربون إلى الله فيه بالذبح، والذبيحة التي تذبح في هذا الشهر كانت تسمى العتيرة، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يذبح فإن له ذلك، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {على كل أهل بيت في رجب ذبيحة}، فهذه ذبيحة لمن شاء فهي عادة جاهلية أقرها النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان بعض الناس في زمن التابعين يردون الصيام في رجب، بل كان بعضهم يبدأ الصيام في رجب، ولا ينتهي إلا بعد انقضاء رمضان، وقد ثبت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صام شهراً بتمامه إلا رمضان، وثبت أن عمر رضي الله عنه كان يضرب أيدي الرجبيين وهم الذين يصومون شهر رجب كاملاً تعظيماً له، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما عند الفاكهي بإسناد لا بأس به أنه قال: {لا يصم أحدكم رجب حتماً كرمضان ولكن يصوم ويفطر}، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كره للرجل أن يصوم رجب بتمامه.
وشهر رجب من الأشهر الحرم، وصح عن ابن عباس وقتادة أن الأعمال الصالحة في الأشهر الحرم، فليكثر منه، وما أطلقه الشرع نطلقه وما قيده الشرع نقيده، فالشرع ما حث بشيء بعينه من الطاعات في رجب إلا أنه عظمه وجعله من الأشهر الحرم، فمن كانت له عادة من قراءة للقرآن أو قيام لليل أو الصدقة أو الذكر أو صلة الرحم، وما شابه، فليكثر منها في الأشهر الحرم، ولو تقصد الإنسان صيام الاثنين والخميس أو قيام الليل ابتغاء تعظيم الأجر فلا حرج ولا ضير.
لكن لا يجوز أن نخص عبادة بعينها، أو أن نفعل طاعة لها، رسم معين وكيفية وهيئة معينة لم تثبت في شرع الله في هذا الشهر، وقد كان لتعظيم العرب لهذا الشهر فرصة للوضاعين والكذابين ومجال فسيح لهم، لوضع الأحاديث وذكر الأكاذيب والأباطيل والترهات وإلصاقها بهذا الدين، وإلحاقها بسيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم، فقد وضع الكذابون صلاة تسمى صلاة الرغائب وقد وضعها رجل نابلسي في بيت المقدس صلاها هو وآخر، ثم اشتهرت وذاعت، وقال أبو شامة المقدسي في كتابه "الباعث": (لما زرت بيت المقدس جائني هذا النابلسي واستتابني وأشهر توبته من هذه الصلاة التي كذبها ووضعها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زالت هذه الصلاة تصلى إلى هذه الأيام.)
والكذب خفيف وبيء، والحق ثقيل مريء، فالكذب والباطل ينتشر انتشار النار في الهشيم، وهذه الصلاة تؤدى في ليلة أول جمعة من رجب، فتصلى اثنتي عشرة ركعة، ويقرأ في كل ركعة سورة القدر ثلاث مرات، وسورة الإخلاص اثنتي عشرة مرة، ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية سبعين مرة، وعلى زعم واضعها يقول: بعد الصلاة الدعاء مستجاب، وهذا كذب، ويؤيد هذا الحسن والواقع والأحاديث، وقد نصص على وضع هذه اصلاة العلماء الربانيون التقات.
وكذلك اعتقاد أجر معين في رجب بصيام أيام معينة كما يتداول عند العوام أن من صام اليوم الأول له أجر ثلاث سنوات، وفي الثاني أجر سنتين والثالث أجر سنة، وما بعده أجر صيام يوم بصيام شهر، فهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من صام أول رجب ومنتصف رجب وآخر رجب عن النار احتجب}، وهذا كذب وافتراء بلا مراد، وكذلك زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي}، وهذا الحديث عند الديلمي وإسناده ضعيف جداً ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلم يثبت في رجب فضل معين، وقد ألف الحافظ ابن حجر كتاباً بديعاً سماه "تبيين العجب لما ورد في رجب}، وقرر فيه أنه لم يثبت في فضل رجب حديث واحد، وقد ألف ابن دحية كتاباً سماه "أداء ما وجب في وضع الوضاعين في رجب" وألف علي القاري رسالة بعنوان "الأدب في رجب" وغيرهم من العلماء ألفوا مصنفات وزيفوا كثيراً من الطاعات وبينوا وهائها، وبينوا كثير من الأحاديث المكذوبات على سيد البريات عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات، فلم يثبت في رجب إلا الترغيب في العتيرة، فمن أراد أن يذبح شاة فله ذلك.
ومن الأباطيل التي تكون في هذا الشهر الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج وقيام ليلها وصيام نهارها وهذا لم يثبت فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل الراجح أن الإسراء والمعراج لم يكن أصلاً في رجب كما ذكر الإمام النووي وكذلك العمرة لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في رجب، وإن كان ابن عمر يقول ذلك، فإن عائشة كانت تقول: ماذا يقول أبو عبدالرحمن فوالله إن النبي صلى الله عليه وسلم ما اعتمر في رجب قط.
ويحسن بالإنسان في هذا الشهر المعظم ويجدر به أن يتفقد نفسه، ويهيئها للإقبال على رمضان، فيأخذ بعزائم هذه النفس بأن تتقدم إلى الخير تقدماً بطيئاً عميقاً ولكن لا يطو قلبه على أجر معين، ولا يصنع طاعة لم تثبت في دين الله، وعموم الطاعات محببة في هذا الشهر لأنه من أشهر الله الحرم، والعاقل ينتبه لهذه المواسم فيكثر فيها من الطاعات المحببات التي تقرب من رب البريات.
السؤال 465: هل هذا حديث: {الحج ممحقة للفقر}؟
الجواب: هذا الحديث بهذا اللفظ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويغني عنه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: {تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر نفياً}.
فإن من أسباب الغنى أن يبقى الرجل متابعاً بين الحج والعمرة دائماً فإن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، وكلامه وحي يوحى قد قال ذلك وضمنه، ولذا لما سئل بكر بن عبد الله المزني التابعي الجليل رحمه الله، سئل عن رجل عليه دين هل له أن يحج؟ فقال: (نعم فإن الحج أقضى للدين}، أي من سبب قضاء الدين الحج، ثم ذكر الحديث، وقد صح في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله: {أيما عبد أصححت له بدنه، ووسعت له رزقه، ولم يفدني كل خمس سنوات مرة فهو محروم}، فأقل المتابعة بين الحج والعمرة، أن يحرص المسلم على أن يحج أو يعتمر في كل خمس سنوات ولو مرة، ومن تيسر له دون ذلك، فهذا حسن، والله أعلم.
السؤال 466: هل يجوز للمرأة أن تقبل يد حماها؟
الجواب: الحمو في الشرع يطلق على قريب الزوج بإطلاق، ولذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إياكم والدخول على النساء} قال رجل: أرأيت الحمو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: {الحمو الموت} والمراد بالحمو في هذا الحديث أخو الزوج فأخو الزوج يدخل ويخرج على زوجة أخيه حال غيابه دون ريبة ولا أحد يلتفت له، فهذا هو الموت، وكم نسأل على الهاتف من المتدينات أن أخا زوجها دخل عليها وفعل كذا وكذا، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.
أما والد الزوج فهو بمثابة الأب، وزوجة الابن بمثابة البنت، فيجوز للمرأة أن تصافح والد زوجها ويجوز لها أن تقبل يده، إن كان صاحب فضل، فتقبيل يد صاحب الفضل وصاحب العلم أمر مشروع بشرط ألا يكون شعاراً وديدنأ، إنما يقع فلتة.
وقد ألف ابن المقرئ الحافظ " من وفيات القرن العشرين" جزءاً سماه (الرخصة في تقبيل اليد) وألف بعض الغماريين كتاباً سماه "إعلام النيل في جواز التقبيل" وألف ابن الأعرابي تلميذ أبي داود صاحب السنن كتاباً سماه "القبل والمعانقة" وأوردوا فيها كثيراً من الأحاديث والآثار ومن بين ما ذكروا أن ابن عباس لما كان يطلب العلم عند زيد بن ثابت، أراد مرة أن يغير ابن عباس لشيخه ركوبه فلما أراد زيد أن يركب ووضع يده فإذا بابن عباس يقبلها فيقول زيد لابن عباس: ماذا فعلت؟ فيقول ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فيباغته زيد مرة ويقبل يده فاستغرب ابن عباس وقال: لماذا فعلت هذا؟ قال زيد: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا، صلى الله عليه وسلم، فأن نحب الصلحاء والعلماء من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه ديانة نتقرب بها إلى الله عز وجل، كيف لا، والله يقول: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}.
وفي هذه الحادثة إشارة إلى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته بينهم من التعظيم والاحترام والتبجيل ما يرد على أباطيل الشيعة، الذين يقوم في ذهنهم أن هناك نزاعاً وخصومة بين قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، والصواب أن العلاقة بين الصحابة والقرابة علاقة احترام وتعظيم وتبجيل وليست علاقة شتم ونزاع وخصومة، ونبرأ إلى الله عز وجل من هذا.
وتقبيل الرأس كذلك لأهل الفضل والعلم لا حرج فيه كتقبيل اليد بشرط ألا يكون شعاراً أما وضع اليد على الجبين بعد التقبيل فسئل عنها سفيان فقال: هذه السجدة الصغرى، وكان العلماء ينهون عن وضع اليد على الجبين، بعد التقبيل، والله أعلم.
السؤال 467: هل صيام الإثنين والخميس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما الحكمة فيه؟
الجواب: بلا شك فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام يومي الإثنين والخميس، وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم الإثنين فقال: {ذلك يوم ولدت فيه}، فالاحتفال بميلاده على هذا النحو احتفال مشروع، فمن أراد الاحتفال المشروع بميلاده صلى الله عليه وسلم فليصم الإثنين.
وأما سبب صيامه صلى الله عليه وسلم الإثنين والخميس فإن الأعمال ترفع إلى الله في هذين اليومين، وصيام الإثنين والخميس يعدل صوم شعبان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام شعبان،وكان يقول في سبب ذلك: {إن الأعمال ترفع إلى الله في شعبان وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم}، وصرح النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمال ترفع إلى الله في يومي الإثنين والخميس والظاهر أن الرفع يكون على أكثر من حال، فالرفع للأيام في الإثنين والخميس، ثم يكون رفع آخر للسنة في شعبان، والله أعلم..
السؤال 468: هل يقع الطلاق بعيداً عن المرأة؟ وما حكم من يحلف بالطلاق وهل الطلاق يمين؟ وعليه كفارة، وهل طلاق الحامل جائز ؟
الجواب: الشرع يريد للإنسان أن يعيش حياة مثالية، لكن هذه المثالية لا تتعارض مع طبيعة ولا تتناقض مع طبيعة الإنسان الخطاء، فهي مثالية تناسب طبيعة الإنسان من الخطأ والنسيان وما شابه، ولذا أذن الشرع بالفراق بعد الزواج، وجعل الشرع الفراق تارة بيد الزوج، وتارة بيد الزوجة، فإن كان الفراق بيد الزوج فهو الطلاق، وإن كان الفراق بيد الزوجة فهو الخلع، فللمرأة أن تختلع من زوجها إن كانت لا تستطيع أن تقيم دينها، والخلع والطلاق أمور استثنائية وليست هي الأصل، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {المختلعات هن المنافقات}، وقال أيضاً: {وكسرها طلاقها}، والشيطان يفرح للطلاق.
والشرع لما أذن للزوج أن يتخلص من زوجته أمر بالإحسان وجعل لذلك قواعد يغفل عنها المطلقون، فلا أظن اليوم أن طلاقاً يقع إلا والمطلق آثم، فإن أغلب طلاق الناس اليوم ردود فعل نفسية ويقع بعدم ترتب وعجلة لأتفه سبب وهذا في الشرع غير جائز.
والطلاق في الشرع قسمان، باتفاق العلماء: طلاق سني وطلاق بدعي، والطلاق السني أن يطلق الرجل زوجته في طهر لم يجامعها فيه، والطلاق البدعي أن يطلق الرجل زوجته وهي حائض، أو في طهر قد جامعها فيه، فأغلب الطلاق يكون والزوجة منفعلة نفسياً لاسيما في حال الحيض، ولذا الزوج الموفق ينبغي أن يراعي زوجته مراعاة خاصة في فترة حيضها، لأنها مريضة تنزف ولذا منع الشرع الزوج أن يطلق في الحيض.
وأغلب النساء إما أن تكون حائضاً وإما أن تكون طاهراً ويكون الزوج قد جامعها في ذاك الطهر، فإذا أراد الزوج أن يطلق زوجته طلاقاً سنياً فإن كانت حائضاً ينتظر حتى تطهر، وإن كانت طاهراً وجامعها في ذاك الطهر فإنه ينتظر متى ينتهي طهرها، ثم تحيض، ثم تطهر ثم يطلقها، فإن وقع الطلاق لم يأذن الشرع للمرأة أن تخرج من بيت زوجها في فترة الطلاق لمدة ثلاث حيضات، فتقضي عدتها في بيت زوجها، وتظهر زينتها ومفاتنها وعورتها على زوجها، ومتى وقع مس بشهوة أو قبلة بشهوة أو جماع انتهت العدة، ورجعت زوجة، فحتى لا يقع الطلاق يحتاج ألا يمس ولا يقبل زوجته بشهوة، أو يجامعها مدة ثلاث حيضات، فباغتسالها من حيضتها الثالثة وارتدائها ثيابها تصبح أجنبية عن زوجها أما وهي تغتسل وقبل أن ترتدي ثيابها له أن يقول لها : أرجعتك.
فبالله عليكم أيكون حال الطلاق اليوم على ما هو عليه لو أن الناس اتبعوا تعاليم دينهم؟ فالطلاق اليوم حالة مرضية عنترية موجودة بسبب نقص الرجولة فعندما يشعر أن رجولته قد خدشت تصيبه العنترية فيطلق، فهكذا طلاق المسلمين اليوم، فهو بعيد بعد الأرض عن السماء عن شرع الله عز وجل، والطلاق يقع دون إسماع الزوجة، لكن بشروط.
ومن الأفكار التي ينادى بها اليوم بصوات خافتة، وستظهر بقوة غداً وإن غداً لناظره لقريب، التقنينات التي تدعو ألا يعتد بالطلاق إلا على مسامع القاضي وهذا معارض للشريعة، لأن الشرع قلل من تدخل القاضي فيما بين الزوجين، لأنه يوجد ما بين الأزواج ما ينبغي ألا يطلع عليه أحد،حتى القاضي، لكن القوانين اليوم توسع من تدخل القاضي فيما بين الزوجين، ومن هذا التوسع المقترح، والذي أرجو الله أن يموت في مهده وألا يكلل بالنجاح، ألا يعتد القاضي بالطلاق، إلا إن كان على مسمعه فمن طلق في المحكمة فيقع الطلاق، وإن طلق خارج المحكمة فلا يقع، وهذا ليس من دين الله في شيء، فإنه لا يشترط لإيقاع الطلاق إسماع القاضي ولا إسماع الزوجة.
أما الحلف بالطلاق، فإن كثيراً من الأزواج إذا أراد أن يؤكد شيئاً أو يشدد في دعوة فلابد أن يقول: علي الطلاق، وهو يقول: أنا لا أريد الطلاق فإذا كان لا يريد الطلاق فلا يقع الطلاق، فهذا يمين وعليه كفارة اليمين، وهذا حاله كمن حلف على حرام كالمرأة التي نذرت أن تطوف بالبيت حاسرة الرأس، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تكفر عن يمينها فاليمين الحرام إن عقد القلب عليه فعليه كفارة.
لكن الحلف بغير الله حرام، فقد صح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من حلف بغير الله فقد أشرك}، وصح عن بعض السلف أن كان يقول: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقاً، فالذي يحلف الطلاق ولم يرد الطلاق عليه الكفارة ولا تحسب طلقة.
أما طلاق المرأة وهي حامل فهو سني وليس بدعي، لأن الجنين الموجود في البطن يردع الوالد ويزجره عن أن يتعجل، وبعض العوام يعتقد أن المرأة إن كانت حاملاً لا يمضي عليها الطلاق، وهذا خطأ، فالحامل تطلق على كل حال وإن طلقها وكان قد جامعها من قريب، فطلاق الحامل سني دائماً.
السؤال 468: يقول بعض الأطباء: إن المرأة تأخذ الإبر لزيادة الهرمونات الذكرية عند الجنين حتى يخرج الجنين ذكراً، هل هذا الكلام والفعل يجوز؟
الجواب: إن ثبت هذا في العلم، وما ترتب عليه من محظورات من مثل كشف العورة وما شابه، فلا أر ىفي هذا حرجاً، وهذا لا يتنافى مع سنة الله، فإن اكتشفنا سنة الله في الولد أو المطر، واستطعنا من خلالها أن نحصل ما يأذن الله لنابه فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
والأمور بيد الله عز وجل، كما قال تعالى: {يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً} وهذه قدرة الله عز وجل والأسباب هذه قد تقع وقد لا تقع، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يكون الولد من جميع الماء ولو أن أحدكم أهرق ماءه على صخرة وشاء الله أن يكون الولد لكان}، وكم من إنسان يحرص ألا يأتيه الولد ويأتيه الولد، وكم من إنسان يحرص على الولد ولا يأتيه، فسبحان الله، وهذا حتى ينكسر القلب أمام الرب عز وجل، ويبقى لعبد يشعر أنه بحاجة إلى ربه ويتضرع ويتوجه إليه بالسؤال بصدق وإخلاص.
السؤال 469: من كفر عن يمينه بالإطعام أو الكسوة هل ينال أجر الصدقة أم ينال أجر ناقل الصدقة؟
لا ينال بها أجر المتصدق ولا أجر حامل الصدقة، فهذه عبادة خاصة فرضها الله عليه وأداها فهي عبادة مستقلة قائمة برأسها لها أجرها غير عبادة الصدقة أو ناقل الصدقة، والله أعلم...
السؤال 470: من وشم على جسده ثم تاب ماذا عليه؟
الجواب: الوشم كانت تفعله العرب زينة، وفيه استخدام النار، ففيه تعذيب للنفس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لعن الله الواشمة والمستوشمة}، فالذي يفعل له والفاعل كلاهما ملعون.
ومن ابتلي بمثل هذا العمل، وكان في بدنه وشم، فليستر هذا الوشم لأنها علامة فجور وفسق وخروج على أمر الله عز وجل، وليس ملزماً بأن يزيله ويعذب نفسه مرة أخرى وليتب إلى الله وليندم ولا يعود فإن توفرت شروط التوبة فالحمد لله.
السؤال 471: ما رأيك بكتاب "أفعال الرسول" وكيف نفرق بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم الخاص به، وبين فعله الذي هو تشريع للأمة؟
الجواب: كتاب "أفعال الرسول" للأستاذ محمد الأشقر كتاب جيد، وهو أطروحة دكتوراة له في الأزهر، وهو كتاب جمع فأوعى كل ما يخص أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وقرر فيه جواب السؤال السابق.
فقد قرر أن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم أنها تشريع عام للأمة ما لم تقم قرينة أو يأت دليل على أن هذا الفعل خاص به، فمثلاً عدد أزواجه صلى الله عليه وسلم فهو خاص به، لأن الله قال: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} وصح في مسند أحمد وغيره عن غيلان بن أسلم الثقفي أنه لما أسلم كان تحته عشرة نساء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم آمراً: {اختر أربع وفارق سائرهن}، فلو كان أكثر من أربع جائزاً لما أمره أن يفارق سائر النساء عدا الأربع، فالقاعدة : أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم تشريع للأمة حتى تأتينا أدلة بأن هذا العمل خاص به.
وقد ألف جمع من العلماء في خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بينهم : العز بن عبدالسلام في كتابه "بداية السول في خصائص الرسول" واليسوطي في كتابه "الخصائص الكبرى" وهو مطبوع في مجلدين كبيرين، وهو من أوعبهم فاستوعب فيه كل ما كان خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم..
السؤال 473: ما حكم شركات التأمين؟
الجواب: التأمين نمط غربي دخيل علينا، وما أجمل ديننا، فهنالك من التعاليم الشرعية في دين الله عز وجل، ما تجعلنا لا نحتاج إلى التأمين.
وأحسن شيء للتأمين في شرع الله أن يقف معك أقاربك العصبة، فمن تجتمع معه إلى الجد السادس يكون بينكم شركة تأمين جبرية على رغم أنوف الجميع، فإنهم يتحملون معك الدية، ولا بد أن يقفون معك وتقف معهم.
ولما دخل العجم دين الله عز وجل، ولم يكن يوجد لهم من القرابة كان من الترتيبات الإدارية لملهم هذه الأمة عمر رضي الله عنه، كان له ترتيب بأن نقل الدية من العشيرة والعصبة إلى الديوان، ودون الدواوين لأهل المهنة الواحدة.
وشركات التأمين كلها مردها إلى شركات قليلة موجودة في ديار الغرب، وجلها في بريطانيا، فهذه الشركات الموجودة هي عبارة عن سماسرة بينك وبينها فهم يعملون عملية تسمى رد التأمين، فأنت لما تؤمن عندهم يؤمنون على تأمينك عند هذه الشركات فمرد التأمين لشركات قليلة جداً، وأغلب مكاسب الشركات قائم على الكذب والدجل، لأنهم أعرف بقوانين الشركات العالمية.
وهذه الشركات لا يشك عاقل في حرمتها لأسباب، من أهمها: لو أنك نظرت إلى الذين يؤمنون معك في هذه الشركات لوجدتهم الخمارات والمراقص والملاهي الليلية فأنت وهؤلاء شركاء في شركة التأمين، فأنت تدفع وهم يدفعون، فجل شركائك في هذه الشركة حالهم قائم على الرذيلة والخنا والمعاصي نسأل الله أن يحفظنا وأن يعصمنا منهم.
ثم إن هذه الشركات في حقيقة أمرها قمار، فواحد قد يدفع لها سنوات طويلة ولا يأخذ شيئاً، وآخر قد يدفع مرة واحدة ويأخذ الألوف، والفصل بين الأخذ وعدمه إنما هو بطريق الحظ والصدفة، وهذا هو عين القمار، فالقمار المحرم في الشرع مبدأ، وليست العبرة بالوسيلة، فقد يلعب الأولاد القمار وهم يلهون فيما بينهم في بعض لعبهم، وقد يلعب الكبار القمار بواسطة مسابقة (المليون درهم) مثلاً، أو بواسطة بطاقة (شوت) أو ببطاقة (اليانصيب) فتشتري بطاقة بدينار حتى تحصل مبالغ طائلة، فهذه كلها قمار، والقمار صورة مختلفة والعبرة بالمبدأ، فالذي ينظر إلى طبيعة العقود بين المؤمنين وبني شركات التأمين يجدها قماراً.
وشركات التأمين تتعلق بفتاوي بعض العلماء في هذا العصر كالشيخ مصطفى الزرقاء رحمه الله، فإنه يقول: إن التأمين له أصل في الشرع، وقد توجد شركة تأمين وفق الشرع، وقد توسع رحمه الله في موضوع الغرر، فالغرر عنده أوسع في نظره من سائر العلماء، ومع ذلك فهو لا يخبر هذه الشركات التأمينية الموجودة اليوم، فقد سألته قبل وفاته عمن يوزعون فتاويه في التأمين، فقال: هذه الشركات الموجودة اليوم أنا لا أقر بحلها، وأفتي بحرمتها، لكني عندي تصور لشركة من الممكن أن تكون شركة تأمينية حلالاً.
فالشركات التأمينية الموجودة اليوم كلها حرام، والحرمة تجتمع فيها من أكثر من وجه، والواجب على المكلف أن يتركها ولا يتعامل معها، إلا إن كانت إجبارية كحال أصحاب السيارات اليوم، فمن اضطر للتأمين فليؤمن بأقل محذور فالضرورات تبيح المحذورات والضرورات تقدر بقدرها، والله أعلم...
السؤال 474: ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: {إن الملائكة لا يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة}؟
الجواب: الصورة هنا في الحديث ليس المقصود بها التمثال، لأنه جاء في رواية عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير}، فالنبي صلى الله عليه وسلم فرق بين التماثيل والتصاوير فالصورة والتمثال والكلب في البيت تمنع دخول الملائكة.
والمراد بالملائكة هم ملائكة الرحمة، وليست الملائكة التي تحفظ الإنسان ولا التي تكتب الحسنات والسيئات ولا ملك الموت لأننا بالمشاهدة نعلم أن ملك الموت يقبض روح من يوجد في بيت فيه صورة أو كلب، فهذا الحديث من العام المخصوص فالمقصود ملائكة الرحمة التي لا توجد الشياطين معها، والملائكة الذين يتلمسون حلق الذكر التي أصبحت كثير من بيوت المسلمين محروماً منها، فلا يجد الرجل الراحة في بيته ولا يطيق الجلوس فيه، لأنه بيت لا يذكر الله فيه، ثم بعد ذلك كل يبكي ومنزعج مما يحصل بالمسلمين، فو الله إن الذي يحصل بنا قليل فالأصل أن نعظم الله في بيوتنا وأن نقيم دين الله في بيوتنا فعند ذلك يمتن الله علينا بأن يهيء لنا أن نقيم دينه في مجتمعاتنا، فالكل منا يبكي على الدين ويولول، أما العمل فيهدم الدين.
والدين بناؤه ليس بالقول، إنما بالعمل، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته والزوجة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والعبد راع في مال سيده، فالمطلوب أن نطهر بيوتنا من موانع دخول الملائكة، حتى نهنأ في بيوتنا، ونقيم دين الله عز وجل.
وإذا كان الكلب والصورة تمنع دخول الملائكة فمن باب أولى أن ما هو أكبر من ذلك كالزنا والخمر والنظر إلى العاهرات في الفضائيات والتلفاز أن يكون مانعاً من دخول الملائكة فكيف حال بيوت الملسمين الآن والحالة هذه؟ فعلينا أن نراجع حساباتنا وأن نتقي الله ربنا، وأن نبتعد عما يسخطه سبحانه، وأن نحقق عبودية الله عز وجل وتكون عبودية حقيقية وليست صورة فقط، فعندما نشعر بلذة الطاعة والعبادة.
أما الصورة المضطر إليها الإنسان، كالمعاملات الرسمية، فهذه جائزة للاضطرار وما عداها فإنها داخلة في عموم النهي عن التصاوير فإن الألف واللام للجنس، وسواء كانت معلقة أو غير معلقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ولم يقل: التصاوير المعلقة مثلاً، فإنها جميعاً تمنع من دخول الملائكة.
السؤال 475: هل تطلق المرأة إذا أتاها زوجها في الدبر؟ وما حكم من أتى امرأة أجنبية عنه في دبرها؟
الجواب: لا تطلق الزوجة إذا أتاها زوجها في الدبر، وهذه خرافة شائعة عند الناس ولها أثر سلبي خطير عند بعض النساء، فبعض النساء تظن أنه إن أتاها زوجها في الدبر أنها تطلق، فتصبح تتساهل في الزنا، لأنها تعتبر معاشرة زوجها لها زنا، فما أسهل أن تزني والشر لا يأتي إلا بشر.
وإتيان المرأة في دبرها حرام وكبيرة من الكبائر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: {ملعون من أتى امرأة في دبرها}، وقال أيضاً: {إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في محاشهن}، فيحرم على الرجل أن يتمتع بزوجته بحلقة الدبر بالإيلاج، وما عدا ذلك فحلال.
فالزوجة لا تطلق بهذا الفعل، لكن إن أصر الزوج على ذلك وأجبرها فيقول العلماء: لها أن ترفع أمرها للقاضي وتشكوه لأنه يجبرها على فعل الحرام، فالقاضي يعمل على التفريق بينهما بسبب إجبارها على هذا العمل المحرم أما بمجرد الفعل فلا تطلق.
أما من أتى امرأة أجنبية عنه في دبرها فهو زانٍ وعليه حد الزنا، لعمومات القرآن، فربنا قال: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً}، فسمى الزنا فاحشة، وقال الله عن قوم لوط: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين}، فسمى فعل قوم لوط فاحشة، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كتب الزنا على ابن آدم ولا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اليدين البطش [أو قال اللمس]، وزنا الشفتين التقبيل، وزنا الرجلين المشي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه} فالفرج هو الذي يصدق الزنا، والدبر فرج.
ومنهم من قال: من أتى المرأة من الدبر يعامل معاملة اللائط فيرمى من أعلى مكان، وهذا شر من الجلد، ومنهم من قال: يحرق بالنار، ويروى هذا عن أبي بكر وعلي وسعد بن أبي وقاص وعن الضحاك، وغيرهم، والخلاصة أن هذا من الزنا، والله أعلم..
السؤال 476: يقول صلى الله عليه وسلم: {من أدرك مع الإمام تكبيرة الإحرام أربعين يوماً كتبت له برائتان براءة من النار وبراءة من النفاق}، فهل السفر والمرض يقطع التتابع في إدراك تكبيرة الإحرام؟
الجواب: والله إن هذا لمشروع مهم، أن يقوم به كل واحد منا ولو مرة في حياته، فيلقى ربه وقد افتدى نفسه من النار والنفاق بوعد من الصادق المصدوق والصالحون قديماً كان الواحد منهم يشتري نفسه من الله مراراً وتكراراً فكان الواحد منهم يتصدق بمقدار ديته، وهي إثنا عشر ألف درهم، فيتصدق بها ويقول: اشتريت نفسي من الله، فترى في التراجم يقولون: اشترى نفسه من الله مرة أو اشترى نفسه من الله مرتين، أو ثلاثاً وهكذا...
أما بالنسبة لجواب السؤال فمن كان يحسب وجاءه مرض أو طرأ له سفر، فالمريض والمسافر معذوران في إدراك الجماعة، فنقول له بناءاً على أشباه المسألة ونظائرها : إذا كان في الفريضة معفو عنك هذا التتابع فمن باب أولى أن يكون معفو عنك في باب الفضيلة، فمن حسب عشرة أيام ومرض يومين، فبعدها يحسب الحادي عشر ولا يستأنف وكذلك المسافر، ولا أرى في هذا حرجاً، وأرى هذا القول قوياً.
أما بالنسبة للمرأة في هذا الأمر، فلا يمنع أن نقول إن هذا الحكم خاص بالرجال لكن للمرأة من الفضيلة في الصلاة في حجرتها أفضل من الصلاة في فناء بيتها، وفناء بيتها أفضل من الصلاة في المسجد، فأمر المرأة قائم على الستر، وقد صح عن أمهات المؤمنين أنهن بعد الحج لازمن حصرهن وما فارقنهن وهذا معنى قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن}.
وحتى يتم لك هذا الأمر عليك أن تسمع وراء الإمام تكبيرة الإحرام مدة أربعين يوماً متواليات، وذلك للصلوات الخمس، فإن فاتت واحدة تبدأ من جديد، وإن فاتت الصلاة بسبب النوم أيضاً تبدأ من جديد لأن عذر النوم ليس كالمرض، والسفر فإنه يمكن تداركه والله أعلم ....
السؤال 477: هل يشترط رؤية المنام عند الاستخارة؟ وهل يثبت حكم شرعي في الرؤيا؟
الجواب: المنامات لا تنبني عليها أحكام فقهية، وللمنامات مدخل كبير للشيطان وقد يلعب الشيطان بالإنسان في النوم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {الرؤيا ثلاثة، من الرحمن ومن الشيطان وحديث نفس}.
وكل رؤيا يمكن أن يكون للشيطان فيها نصيب، إلا صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي}، ودققوا في قوله في أول الحديث: {من رآني}، وفي آخره: {فإن الشيطان لا يتمثل بي}، فقد ترى صورة النبي صلى الله عليه وسلم وتسمع صوت الشيطان، فإن العصمة في الصورة صورة النبي صلى الله عليه وسلم وليس في السماع سماع صوته صلى الله عليه وسلم، فبعض الناس يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي كذا وكذا، ويكون الذي قاله ما له وجود في الدين، فالرؤيا تكون حقاً، لكن الصوت الذي سمعه من الشيطان.
لكن لو أن الصورة التي رأيتها ليست صورة النبي صلى الله عليه وسلم وألقي في نفسك أنه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا شيطان، لأنه لا يستطيع أن يتمثل صورة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية، أما صورة أخرى يتمثلها الشيطان ويلقي في نفسك أنه النبي فهذا ممكن، بل ممكن أن يتمثل الشيطان للإنسان في المنام ويلقي في قلبه أنه رب العزة، فكما أنه في عالم المشاهدة هناك من يقول أنه رب العزة، كالدجال، فلا يبعد في المنام أن يأتي شيطان من الشياطين ويقول للرائي: أنا رب العزة، فيظن إن كان جاهلاً أنه رأى الله، والله عز وجل على خلاف ما يتصور وما يتخيل الإنسان، وعلى خلاف ما يرى الإنسان في المنام {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
وأصدق الناس رؤيا أصدق الناس حديثاً، ومن كان صادقاً في كلامه، فإن رؤياه تصدق ويراها في الواقع، وأن ترى في الواقع ما ترى في المنام، هذه علامة خير، وهذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الرؤيا جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة}.
والرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي وإنما يستأنس بها، ولا يوجد صلة بين صلاة الاستخارة وبين الرؤيا، فلا يشترط لكل من استخار أن يرى رؤيا، لكن من استخار ثم نام فرأى ما يسر فهذه علامة خير، وعلامة انشراح صدر، ولكن لا تلازم بين الاستخارة وبين المنام.
والاستخارة تكون لما يرى أن له في هذا الأمر مصلحة، لأن في الحديث: {إذا هم أحدكم بالأمر ....} والإنسان لا يهم بالأمر إلا إن رأى أن له فيه مصلحة، وتكون الاستخارة في الأمور الدنيوية المباحة، لا في الأمور الشرعية، كأن يستخير أن يصوم أم لا، أو أن يصل رحمه أم لا، ولا تكون في الحرام..
وأيضاً تكون الاستخارة في الأمور التي يكون قادراً عليها، فلا يستخير على الزواج من إنسانة معينة، وهو ليس عنده مقدرة على الزواج، فيستخير الإنسان بعد أن يكاد يفعل، وكل المقدمات تأذن له بالفعل، فيستخير ويمضي بالفعل ولا يتردد، فإن يسر له الأمر فهذا من بركة الاستخارة، وإن لم ييسر له الأمر، وصرف عنه فهذا من بركة الاستخارة.
أما الخرافة القائمة في أذهان الناس أن المستخير ما لم ير، فلا تصح استخارته، فهذا ما أنزل الله به من سلطان، بل يترجح عندي أنه لا يشرع تكرار الاستخارة في الأمر الواحد، فلا يستخار على الشيء الواحد أكثر من مرة. والدعاء في صلاة الاستخارة، يكون بعد السلام على الراجح، والله أعلم ...
السؤال 478: ما عدة المرأة المتوفى عنها زوجها قبل الدخول؟
الجواب: المرأة التي طلقت ولم يدخل بها، فطلاقها مباشرة يصبح بائناً بينونة صغرى، فمن طلق زوجته قبل الدخول بها، فلا تحل له حتى يعقد عليها من جديد.
والخلاف بين العلماء: هل إن طلق ثم عاد وكتب كتابه عليها هل هدمت الطلقة الأولى أم لم تهدم؟ والراجح عندي أن العقد الجديد لغير الداخل يهدم الطلقة الأولى، وتبقى له طلقتان، لأن العقد وسيلة للوطء وأن الرجعة غير متحققة عنده.
فمن طلق زوجته قبل أن يدخل بها فإنها مباشرة تحل لغيره، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً}.
أما المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها فإنها تعتد بإجماع العلماء وعدتها أربعة أشهر وعشراً، فيحرم عليها أن تختضب، وأن تكتحل وأن تتطيب وأن تلبس المنمق من الثياب ويحرم على الراغبين بالزواج منها، أن يصرحوا بالخطبة لكن يجوز التعريض، لقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء}.
السؤال 479: هل الطلاق البدعي يقع؟
الجواب: الطلاق البدعي هو أن يطلق الرجل زوجته وهي حائض أو يطلقها وهي طاهر، ويكون الزوج قد جامعها في هذا الطهر، أو وهي نفساء، فهذا طلاق بدعي محرم، فالمرأة ليست كأثاث البيت تخرجه متى تشاء وتدخله متى تشاء.
ووقع خلاف بين أهل العلم، هل يقع الطلاق البدعي أم لا؟ فاختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن حزم قبلهما وبعض أهل العلم، أن الطلاق لا يقع، واختيار جماهير أهل العلم أن الطلاق البدعي يقع، وهذا الذي أراه صواباً لما أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (حسبت علي بتطليقة)، لما طلق زوجته طلاقاً بدعياً، فأعلم الناس بهذا الأمر ابن عمر، فلذا الراجح أن الطلاق البدعي يقع..
السؤال 480: هل أهل البدع مخلدون في النار أم يخرجون منها كأهل المعاصي من الموحدين؟
الجواب: البدعة قسمان: بدعة مكفرة وبدعة مفسقة، فمن كان عنده بدعة عقدية مكفرة فهذا كافر مخلد في النار.
وأهل البدع في الجملة ليسوا كفاراً ولذا فهم لا يخلدون في النار، إنما يعذبون في النار حتى يطهرون، ثم مآلهم الجنة والله أعلم...
السؤال 481: الذي يفطر في رمضان عامداً متعمداً يوماً واحداً ماذا عليه؟
الجواب: الناظر في كتب المطولات في هذه المسألة كالمجموع مثلاً يجد عجباً في حق من أفطر يوماً من رمضان عامداً متعمداً فمنهم من يقول: عليه أن يصوم شهرين متتابعين ومنهم من يقول عليه أربعة أشهر، ومنهم من يقول يصوم شهراً، ومنهم من يقول يقضي فقط.
والصواب على حسب القواعد المتبعة في الأصول أن من أفطر يوماً عامداً متعمداً فيكثر من صيام التطوع واليوم الواحد لا يجزئه ،لأننا لا نعلم من الشرع كفارة له، كمن فاتته صلاة عن عمد يكثر من صلاة التطوع فيكثر من التطوع والندم والتوبة فلا نقول يقضي ما فاته ويذهب الوزر وانتهى الأمر ، لا.
والقاعدة في هذه المسألة أن الواجب المحدد بين طرفين إن فات، فقضاؤه يحتاج إلى أمر جديد وليس قضاؤه بواجب بالأمر الأول ولا نعرف أمراً جديداً فكل ما قيل في هذه المسألة من أن عليه صيام شهر أو شهرين أو سنة، وغير ذلك لا دليل عليه.
ومن أخطأ في شيء فعليه أن يتقي الله فيه، فمن أخطأ في السرقة وتطفيف المكيال، وأكل المال بالباطل نقول له أكثر من الصدقة، ومن أخطأ في الزنا وأمور النساء نقول له غض بصرك وابتعد عما يثير شهوتك وهكذا من فرط في الصيام، نقول له: أكثر من صيام التطوع ومن فرط في الصلاة نقول له أكثر من صلاة التطوع والله أعلم...
السؤال 482: ما رأيك في الأحزاب الدينية؟
الجواب: لا نعرف في الدين إلا حزباً واحداً وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه: {أولئك حزب ألا إن حزب الله هم المفلحون}، فلا نعرف في الشرع أحزاباً والمسلم أخو المسلم شاء أم أبى.
والواجب على المسلمين الاجتماع لا الافتراق والحب والبغض والولاء والبراء يكون على مقدار الدين والعلم والتقوى، فكلما ازداد الإنسان علماً وديناً وجب على سائر المسلمين أن يكون مقدماً عندهم في الحب والولاء وكلما نقص دينه وخف ورعه وقل علمه، فحينئذ يقل الحب والولاء بمقدار النقص في التقوى والعلم.
وعلى هذا فإن أولياء أمور المسلمين الذين تجب عليهم طاعتهم هم العلماء والأمراء فمن أتاه الله علماً فهو ولي أمر ومخالفته حرام في الشرع.
والحب والبغض في الشرع يكون على حسب التقوى والورع وقد يجتمع في الشخص الواحد حب وبغض، فأحب شيئاً من خصاله وأبغض شيئاً، وقد يجتمع في شخص واحد ولاء وبراء، فأواليه في أشياء وأعاديه في أشياء ولذا أمرنا أن نقول حقاً وأن نصنع عدلاً ولا نعرف ميزاناً في الإسلام غير هذا الميزان.
ولما حصل نزاع بين رجل من الأنصار وآخر من المهاجرين أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أجاهلية وأنا بين ظهرانيكم}، فعد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك جاهلية مع أن المهاجرين والأنصار اسمان شرعيان مذكوران في كتاب الله في سياق المدح، في قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ورضي الله عنهم ورضوا عنه}، فإذا قال الإنسان : يا للـ ، واستنصر بعشيرته أو بحزبه أو بأصحابه على أخيه ولم يكن من ميزان الدين فهذه جاهلية .
ونحن لا نعرف في ديننا شيئاً يجمع المسلمين إلا الدين نفسه، فالقريب من الدين في العلم والعمل هو الواجب أن يكون قريباً من قلوب الناس وتأييدهم وحبهم والبعيد عن الدين في العلم والعمل يكون بعده عن حبهم وقلوبهم وتأييدهم بمقدار بعده فلا نعرف ميزاناً غير ذات الدين.
أما أن يجتمع كل مئة أو كل ألف أو ألفين على رجل وكل واحد منهم يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، ليشد الناس إليه فهذا القول فيه تجميع والفعل فيه تفريق، والعبرة بالحقائق لا بالأسماء فلا نعرف في ديننا تقسيمات وتحزبات يوالون ويعادون عليها، نعم كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أنصار ومهاجرون لكن هذين الإسمين لا يؤثران عليهم ولما كادا أن يؤثرا عليهم لما قال رجل يا للأنصار، والآخر يا للمهاجرين، عده النبي صلى الله عليه وسلم جاهلية، فإن أصبح الولاء والبراء على أسماء وإن كانت شرعية، فإن الشرع من هذا بريء ونسأل الله العفو والعافية.
السؤال 483: هل تجوز صلاة المرأة وهي تلبس الإشارب مع الجلباب وحجم شعرها وأذنيها ظاهر من وراء الإشارب، وإن لم تر البشرة؟
الجواب: الواجب على المرأة إن صلت فضلاً عن إذا خرجت، الواجب عليها أن تلبس لباساً سابغا، فلا يظهر شيء من بشرتها، ولا تلبس شيئاً يحجم عضواً من أعضائها.
فلما تلبس المرأة ما يسمى اليوم بالإشارب، ويظهر حجم الأذنين وشكل الشعر، هذا اللباس غير شرعي، ومن تفعل ذلك آثمة ولباسها هذا غير واف ولا كاف.
واللباس الشرعي أن تلبس المرأة خماراً، والخمار ما يخمر الرأس أي يغطيه، ولا يلزم أن يغطي الوجه، ويكون هذا الخمار سادلاً فلا يحجم شيئاً من أذنيها، ولا عظم كتفيها، ويغطي جيبها، وهو فتحة الصدر، وهذا يكون شبيهاُ بما نسميه اليوم بالبرنس، وهو غطاء الرأس الذي يمتد من الرأس وينزل على الكتفين فيغطي حجم الأذنين والشعر ويكون سادلاً على الصدر، وهذا من معاني قول الله عز وجل: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير التابعي الجليل، رحمه الله تعالى، قال في قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}، قال: (يسدلن عليهن من جلابيبهن وهو القناع فوق الخمار، ولا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها قناع فوق الخمار، وقد شدت به رأسها ونحرها), والقناع يكون فوق الإشارب، فإن الإشارب وإن كان سميكاً فإنه يظهر حجم الشعر والأذنين، فقد صح عند البيهقي وأحمد والضياء، بإسناد حسن عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة، مما أهداها إليه دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {مالك لم تلبس القبطية؟}، فقلت: كسوتها امرأتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : {مرها فلتجعل تحتها غلالاً فإني أخاف أن تصف عظامها}.
فلو كست وغطت لون البشرة ووصفت العظام وحجمتها فهذا فيه مخالفة، فالإشارب لا يعتبر ساتراً ومن تلبس الإشارب وإن لبست الجلباب دون البرنس فهي آثمة، للآية كما فهمها سعيد بن جبير وغيره وللحديث.
السؤال 484: كيف يحرج على الجن الذي يظهر على شكل أفعى في البيوت، وكم يفعل ذلك؟
الجواب: الجن من عقيدتنا، وربنا عز وجل خص سورة للجن في القرآن، ومن أنكر الجن فهو كافر لأنه أنكر شيئاً من القرآن الكريم.
والجن على ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقسام: قسم يحلون ويظعنون، وقسم يطيرون في الهواء، وقسم على شكل حيات وأفاعي، وهذه الأفاعي تكون في البيوت، وكانت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم مسكونة بالجن، وكان الجن فيها يظهر على شكل أفاعي، فقد صح عن مسلم عن نافع قال: كان ابن عمر يقتل الحيات كلهن، حتى حدثنا أبو لبابة بن عبد المنذر البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل جنان البيوت، فأمسك فهناك جنان في البيوت يظهر على شكل أفاعي، وفي رواية عند أبي داود عن أبي لبابة قال: نهى عن قتل جنان البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنها اللذان يخطفان البصر، ويتبعان ما في بطون النساء، فهذان النوعان أذن بقتلهما، وأما ما عداها من الأفاعي فلا تقتل إلا بالتحريج.
وهناك قصة في صحيح مسلم فيها عبرة، ولها صلة بهذا الموضوع فعن أبي السائب أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته قال: فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت، فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إلي أن أجلس، فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوماً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة}، فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به، وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح، فانتظمها به، ثم خرج، فركزه في الدار، فاضطربت عليه، فما يدري أيهما كان أسرع موتاً، الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقلنا له: ادع الله يحييه لنا، فقال: {استغفروا لصاحبكم}، ثم قال: {إن بالمدينة جناً قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان}.
والتحريج كما قال الإمام مالك يكفيه أن يقول له: أحرج عليك بالله واليوم الآخر ألا تبدو لنا ولا تؤذينا، وقال غير مالك: يقول لها: أنت في حرج إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالطرد والتتبع، ومنهم من قال: هذا لا يكون إلا في المدينة النبوية فقط، دون غيرها، والصواب أن هذا يكون إذا علمنا بالأمارات والقرائن، أن الجن موجود، فهذا يحرج عليه، إلا الأبتر، وهو مقطوع الذنب، وإلا ذو الطفيتين، وهي أفعى يكون على ظهرها خطان أسودان، فهذان الصنفان يسقطان الحمل، ويذهبان البصر، لشدة السم الذي فيهما، فيقتلان على أي حال.
وأما حيات البيوت، فلا تقتل إلا بعد التحريج، كما قال أبو لبابة لابن عمر، لما كان يتتبع الحيات ليقتلها، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذوات البيوت وهي البيوت التي يكون فيها حيات معروفة غير الصنفين المستثنيين فهذه لا تقتل إلا بعد التحريج لمدة ثلاثة أيام وليس ثلاث مرات، والله أعلم.
السؤال 485: هل يجوز التصدق عن الميت الذي لم يكن يصلي؟
الجواب: الذي لا يصلي ليس بكافر، على مذهب جماهير العلماء، إن لم يكن جاحداً للصلاة، أما إن جحدها فهو كافر، فالجحود أشد من الترك، لأن فيه شيئاً زائداً على الترك، فمن يشرب الخمر مثلاً ويقول: هي حرام، فهذا فاسق، أما من لا يشربها ويقول هي حلال وقد عاش في بلاد الإسلام فهذا كافر.
والمشهور عن الإمام أحمد أنه كان يكفر تارك الصلاة، على أي حال، لكن قد نقل المرداوي صاحب كتاب "الإنصاف" عن الإمام أحمد أن أصح قوليه أنه لا يكفر تارك الصلاة، والأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي ومالك لا يكفرون تارك الصلاة.
وقد رويت مناظرة بين الشافعي وأحمد حول تكفير تارك الصلاة وإن كان في سندها انقطاع، لكنها متينة وقوية من حيث المعنى، أوردها السبكي بإسناده في كتابه "طبقات الشافعية الكبرى" فقال: اجتمع الشافعي وأحمد، فقال الشافعي لأحمد: يا أبا عبد الله بلغني أنك تكفر تارك الصلاة، فقال أحمد: نعم، وأخذ بسرد الأحاديث التي استدل بها، فقال الشافعي لأحمد: تارك الصلاة كافر، فبم يسلم؟ فقال أحمد: يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فقال له الشافعي: هو يقولها، فسكت أحمد قليلاً، ثم قال: يصلي، فقال الشافعي رحمه الله: إن الله لا يقبل صلاة الكافر، فسكت أحمد رحمه الله.
فهذه المناظرة فيها قوة نفس المناظر، ولذا قال غير واحد: لما كان الشافعي يناظر رجلاً كان كأنه أسد يريد أن يأكل الذي أمامه، فما كان أحد يقوى على مناظرته، ومن يقرأ كتاب "آداب الشافعي ومناقبه" لابن أبي حاتم الرازي، لما يقرأ مناظرات الشافعي لغيره يستغرب من قوة عارضة الشافعي، رحمه الله..
فتارك الصلاة ليس بكافر، إن لم يكن جاحداً، فيجوز التصدق عن الميت التارك للصلاة،وهذه الصدقة تكون من ماله أو من مال ولده، والله أعلم...
السؤال 486: هل يجوز للعالم أو الواعظ أن يعظ على المنبر في غير يوم الجمعة؟
الجواب: يجوز للعالم أو الواعظ أو المدرس في غير يوم الجمعة أن يصعد المنبر وأن يخطب، وليس المنبر ليوم الجمعة فقط، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة: قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الفجر، ثم صعد المنبر، فخطنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى بنا الظهر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، فنزل فصلى بنا العصر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن إلى قيام الساعة، فأعلمنا أحفظنا.
وهذا كان في غير االجمعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر بعد صلاة الفجر، وبقي للمغرب، وهو يحدث أصحابه عن الفتن فيجوز لطالب العلم أو العالم أن يصعد المنبر في بعض الأحايين ويدرس وهو على المنبر، ولا حرج في ذلك، والله أعلم..
السؤال 487: هل هذا حديث: {استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود}، وما المقصود منه؟
الجواب: هذا الحديث حسنه شيخنا الألباني رحمه الله، والعلماء قديماً بينهم خلاف فيه.
وبعض الناس يستدل بهذا الحديث على العمل السري، وعلى التحزبات السرية، ويقول: نبدأ بالدعوة سراً كما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة سراً ثلاث سنوات، وهذا كلام باطل، ما أنزل الله به من سلطان، وديننا كامل ولا يوجد في ديننا شيء فيه سر، وصح عند أحمد عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: {إذا رأيتم أناساً يجتمعون على سر في دين الله فاتهمهم}.
فالدين ليس فيه أسرار، الدين: قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدين يقال لكل البشر، ومات صلى الله عليه وسلم والدين كامل، وهذا الحديث الذي يستدل به أهل التنظيمات على السرية، استدلالهم به باطل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: {فإن كل ذي نعمة محسود}. فمقصود الحديث أن صاحب النعمة من أسباب درء الحسد عنه، وعدم الإصابة بالعين أن لا يظهر النعمة.
وهذا لا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده}، فصاحب النعمة يتنعم بها، وتظهر عليه، لكن لا يغالي في ظهور النعمة، وإن تفرس في بعض الناس أنهم أهل حسد، وأصحاب عيون فارغة ولا يتقون الله، فلا يظهر هذه النعمة عليهم، ويظهر النعمة على من يثق بدينه، ولا يحسد، ويرضى بقدر الله عز وجل، فلا تعارض بين الحدثين، والله أعلم....
السؤال 488: هل يجب على المرأة غسل الجمعة؟ ومتى وقت الغسل؟
الجواب: المسألة تحتاج لتأمل ونظر، فإن ذهبت للصلاة في المسجد فالقول بالوجوب قوي، أما إن بقيت في بيتها فالخلاف يشتد.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {غسل الجمعة واجب على كل مسلم}، وهناك لفظ آخر صحيح: {غسل الجمعة واجب على كل محتلم}، والنساء يدخلن في خطاب الرجال، وأما إذا خاطب الشرع النساء فإن الرجال لا يدخلون معهن إلا بقرينة، أما في خطاب الرجال فإنهن لا يخرجن إلا بقرينة.
فمن أعمل اللفظ ووقف عنده، وهذا حال المحققين من العلماء في العبادات خاصة، كالصلوات والطهارات، فمن أعمل اللفظ، قال: المرأة تلحق بالرجل، قلبي يميل لهذا.
أما من نظر للمعنى، وأن الأصل في ذلك الاجتماع، وقد ألحق بعض العلماء الاجتماعات العامة بالجمعة، من حيث الاغتسال فمتى حصل اجتماع عام فيسن للإنسان أن يغتسل فمن نظر للمعنى، قال: ليس على المرأة غسل الجمعة، والراجح الأول.
والغسل يبدأ من بعد صلاة الفجر حتى الصلاة، وإلحاق ليلة الجمعة به فالموسع للمعنى يلحقه به، والشرع ألحق أشياء بأشياء لقربها منها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة المغرب بأنها وتر النهار، مع أن صلاة المغرب في الليل، لكن لقربها من النهار ألحقت به، فكذلك من ألحق الغسل ليلة الجمعة به، لكن أن يقع الاغتسال يوم الجمعة فهذا أفضل، والله أعلم...
السؤال 489: هل هذا حديث: {لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين} وما معناه؟
الجواب: هذا حديث ثابت في الصحيحين، وفي بعض طرقه: {لا يلدغ المؤمن من حجر واحد مرتين}.
فالأصل في المؤمن أن يكون فطناً آخذاً بالأسباب رابطاً إياها بالمسببات والنتائج، وخير من يوقعنا على معنى هذا الحديث سيرته صلى الله عليه وسلم فسيرته مليئة بفطنة المؤمنين ونور بصيرتهم وصدق فراستهم.
وأضرب على ذلك مثالاً واحداً فما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم في ساعات كانت أشد ما يمكن أن تكون عليه وعلى صحبه، وهي الساعات العصيبة التي قضاها صلى الله عليه وسلم ومن معه في غزوة الخندق فقد تألب في هذه الغزوة على المسلمين المشركون بسائر أصنافهم، واختلاف اتجاهاتهم، فاجتمع عليهم الشر كله، فاجتمع عليهم المنافقون في المدينة، وهذا أخبث وأخسأ أنواع الكفر، واليهود في شمال المدينة وكفار قريش في جنوبها فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم مطوقاً من كل ناحية فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم كما يقولون: بين فكي كماشة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، لكن أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم، يأخذ بالأسباب فيدبر ويخطط ويقاوم العدو بما معه، وكثير من المسلمين في هذه الأيام أصابتهم السذاجة فيظنون أن المهدي لما يظهر في آخر الزمان أن بيده عصا سحرية يقتل بها ويحارب، لكن الحقيقة أن المهدي يتسلح بسلاح العصر، ويخطط كما يخطط أهل العصر، فهو بشر من الناس يأخذ بالأسباب كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن غافلاً عما يجري حواليه.
وبعد غزوة الخندق لم يجتمع عليه الكفار أبداً، ولو اجتمعوا عليه لوقع في مثل هذا المحذور، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يقع في مثل هذا المحذور، فبعد هذا الاجتماع لكفار، فكر النبي صلى الله عليه وسلم وتأمل ووضع الأشياء في أماكنها، ومن بين ما ألهمه الله عز وجل، من أسباب حتى لايقع عليه هذا المحذور ثانية، ولا يلدغ من هذا الجحر مرة ثانية، صلح الحديبية ومن يقرأ تفسير قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً} يجد أن الفتح المبين هو صلح الحديبية.
وصلح الحديبية في الظاهر أدخل على المسلمين شر، وفي الباطن خير عميم، وكان سبباً من أسباب انتصار المسلمين وكسر شوكة المشركين، على سائر شاراتهم وأسمائهم وألوان كفرهم.
فلما عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلحاً كان يعلم مع من يعقد، فالذي يفي بعهده إن عاهد هو العربي، ويستحيل أن ينقض عهده، فلذلك عقد النبي صلى الله عليه وسلم العهد مع العرب الأقحاح الذين يحفظون العهد والوعد، وفي فهمي وتدقيري أن صلح الحديبية كان بين عينيه، وما خرج من المدينة إلا إليه، ولم يخرج معتمراً، وإن أظهر الاعتمار، فخرج بسلاح خفيف، والكفار الآن بين أمرين، أن يمنعوهم أو أن يقبلوهم.
والعربي كما يقول ابن خلدون: عنجهي بطبعه ما لم يسوسه الدين، فالعربي من غير دين عنجهي، وفيه كبر ويركب رأسه، وقد يصل ركوبه رأسه إلى حماقة، وقريش حريصة على أن تظهر أن مكة ليست لهم فقط، وإنما هي موئل الحجيج، ولهم في هذا مكاسب كثيرة، فلا يستطيعون أن يردوا المسلمين حجاجاً أو معتمرين، وأيضاً لا يستطيعون أن يقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق في الخيار إلا يبقوا على عنجهيتهم، أو يعقدوا عقد فيبقوا على ما هو متعارف عليه بين الأمم من أن مكة هذه موئل لجميع الناس في الحج والعمرة، فيحصلوا ما يريدون ولا يستطيعون ذلك إلا أن يبرموا عهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والقصة معلومة، وكيف أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم على أي شيء نعطي الدنية من ديننا، لكن كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على الصلح وقد جاء أكثر من طرف من الكفار حتى جاءه رجل وعلم أنه صاحب سياسة وود، وأنه جاء للحوار، فأبرم معه العقد ورجع.
وبهذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد كسر أحد فكي الكماشة، وهو كفار قريش وتفرغ بعد ذلك لليهود والمنافقين، ثم بعد ذلك يأتي مكة فاتحاً، فصلح الحديبية هو الذي فتح مكة.
إذاً فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب و{لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين}، هذه سنة لله شرعية، فينبغي للمسلمين أن يسلكوا سنة الله الكونية، فتتوائم سنة الله الشرعية مع سنة الكونية، وألا يكونوا أغبياء، فلا ينتبهوا للأخذ بالأسباب، فينبغي أن نفهم دين الله عز وجل، ونعمل له على حسب ما يتيسر لنا من الأسباب، والمؤمن إن كان فطناً ذكياً صاحب فراسة فإنه لا يلدغ من حجر مرتين، وإن لدغ من حجر واحد مرتين فإنه ينتفي عنه كمال الإيمان، والحديث على ظاهره ولا يحتاج أكثر مما ذكرنا، والله أعلم...
السؤال :490: هل يكتب للمريض أجر عمله وهو صحيح ؟
الجواب : نعم فإن مرض الإنسان ، سواء شاخ وكبر وأصبح هزيلاً، أو مرض مرضاً عارضاُ ، وكان مثلاً يقوم الليل ، ويصوم النافلة ،فإن الأجر والقلم يبقى على ما كان عليه. ومن فضل الله ورحمته أنه يكتب له في مرضه خير أجر كان بعمله في صحته،كما صح عند أحمد من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : {إذا اشتكى العبد المسلم قال الله تعالى للذين يكتبون : اكتبوا له أفضل ما كان يعمل } وفي رواية أخرى عند أحمد : {إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ، ثم مرض ، قيل للملك الموكل به : اكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً } وفي رواية أخرى صحيحة على شرط الشيخين عند أحمد : { ما من مسلم يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله الحفظة الذين يحفظونه أن اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة من الخير ما كان يعمل}.
فينبغي لذلك للسليم أن يغتنم صحته قبل مرضه وينبغي للشاب أن يغتنم شبابه قبل هرمه. ((ونعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) فهاتان نعمتان جليلتان عظيمتان من الله على العبد ؛ أن يكون صحيحاً سليماً وأن يكون عنده الفراغ . وما أكثر الفراغ هذه الأيام وما أكثر أسباب اللهو وإضاعة الوقت .
وكان قديماً الذي يضيع ماله سفيهاً يحجر عليه، والمال إن ذهب قد يعود، ولكن الأشد سفهاً الذي يضيع وقته ؛ فإن الوقت إن ذهب لا يعود أبداً.وإن أردتم أن تعرفوا دين الرجل وعقله ، فانظروا استغلاله وقته، فإن كان يستغل وقته فهو يحفظ رأسماله، وإلا فاغسل يدك منه . فمن ضيع وقته يقتل نفسه . وكان الحسن يقول : (( أدركت أقواماً أحرص على أوقاتهم من حرصكم على دنانيركم ودراهمكم )) وكان يقول (( ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا مضى يوم مات بعضك )) فاليوم الذي يمضي يموت منا، فنتقدم إلى الآخرة وإلى الموت شئنا أم أبينا كل يوم .
السؤال491؟ هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى تغطية الإناء الذي فيه طعام أو شراب ؟
الجواب: نعم، الأصل في المسلم إن بات فلا يجوز له أن يترك الآنية التي فيها الشراب ، أو الصحاف التي فيها الطعام إلا وهي مغطاة . ولو وضع في الثلاجة فأرجو أن تكون بمثابة الغطاء.
وتغطية الإناء ليلاً واجب ، وهذا خير للمسلم في دينه ودنياه والأحاديث الصحيحة صريحة في ذلك . فقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب ، وأطفئوا السراج ؛ فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح باباً ولا يكشف إناء ......} وفي حديث آخر في مسلم أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم : { غطوا الإناء، وأوكوا السقاء ؛ فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء} ولعل في هذا سراً عجز عنه الأطباء ، ولعلهم يعرفونه في يوم من الأيام. ولعل هذا سبب لحصول الداء في أول أمره،الذي لم يكن قد عرف من قبل.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم، على هذا الأمر تأكيداً شديداً، فقال: {فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً ، ويذكر اسم الله فليفعل } وهذا خير للمسلم في الحال والمآل، والمعاش والمعاد ، والله أعلم .
السؤال 492؟ أيهما أفضل : الاجتماع على الطعام ، أم الافتراق، وإذا أخذ الآكل نصيبه بصحن ولعق لإناء، أليس هذا أفضل ؟
الجواب : السائل استشكل أمرين الأول : أنه إذا أجتمع أناس على إناء كبير فيه طعام فهذا فيه خير ، لكن لا نستطيع أن نلعق الطعام، أما لو أخذ كل واحد نصيبه بإناء صغير فإن كل واحد يستطيع أن يلعقه ، وهذا خير ، والإناء الذي يلعقه صاحبه يستغفر له كما صح عن رسول اله صلى الله عليه وسلم وهذه البركة حتى نلمس ثمارها في حياتنا .
والأحسن من ذلك أن نسكب في إناء كبير بمقدار بحيث لو اجتمع عليه هؤلاء يلعقونه ، فنجمع بين البركتين وبين السنتين . فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عند أبي يعلى ، أنه قال : {أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي } واخرج أبو داود ابن ماجة عن وحشي ، رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لعلكم تأكلون متفرقين } فقال هذا الرجل : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه ؛ فإنه يبارك فيه} فالسنة أن نسكب بمقدار الحاجة وأن نجتمع على الطعام ، فنتحصل على ثمرتين وبركتين وطاعتين حث عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلماء الاجتماع يقولون : إن من الأمور التي لها أثر على الأخلاق أنواع الطعام والشراب. فالعائلة الواحدة لما تجتمع على طعام واحد تتفق أخلاقها . أما هذه الأيام فأفراد العائلة الواحدة كل يأكل وحده وقد يأكلون من أصناف عديدة ، فتختلف أخلاقهم، وهذا العمل مما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، من أننا سنتبع سنن من قبلنا ، فإنه من عمل أهل الكتاب ، فهم لا يجتمعون وكل يأكل وحده .
وإن من علامات الساعة أن يكثر الطعم ولا يذكر اسم الله عليه . فالسنة الاجتماع وذكر اسم الله على الطعام أما عند الضرورة إن أخذ الرجل مقداره بإناء فلا حرج فقد أخرج الإمام البخاري بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم، : {إذا أتى أحدكم خادمه الطعام فإن لم يجلسه معه ، فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين؛ فإنه ولي حره وعلاجه } فإن لم يجلس الخادم معه فإن يناوله بيده أكلة، فهذا لا حرج فيه عند الحاجة، وإلا فالأصل الاجتماع ولعق الإناء . والله أعلم.
االسؤال493: إذا استيقظ الواحد من نومه لصلاة الصبح ،وكان جنباً، والوقت ضيقاُ لرفع الجنابة، فماذا يفعل ؟
الجواب : هنا تزاحمت أمور، والأصل تقديم الأهم فالمهم. ولا يوجد في هذه المسألة نص في إثبات الأهم، فالمسألة قائمه على الاجتهاد .
فإن كان الوقت ضيقاً عن صلاة الجماعة، فإن مذهب جماهير العلماء أن الصلاة على طهارة تامة، أعني بغسل، مقدمة على الصلاة في جماعة بطهارة غير تامة، أي بتيمم، فالتخلف عن الجماعة والصلاة بطهارة تامة مقدم ، والخلاف في هذه المسألة ضعيف وشاذ .
أما الخلاف المعتبر عند العلماء في هذه المسألة في ترتيب الأولويات في لو أنه اغتسل فإن الوقت يفوته، فرخص غير واحد من أهل العلم بالتيمم ضرورة لرفع الحدث الأكبر والوضوء لرفع الحدث الأصغر. والخلاف في هذه المسألة مشتهر بين العلماء، ولم يثبت فيها نص، وترتيب الأولويات عند زحمها للنظر فيه مجال، والخلاف فيه واسع، والله أعلم
السؤال494:إذا دخل رجل المسجد مسبوقاً بركعة، وقد سهى الإمام وصلى خمس ركعات في صلاة رباعية , فهل على هذا المسبوق أن يأتي بركعة بعد تسليم الإمام، أم يكفيه أنه أتم أربع ركعات ؟
الجواب: ذكر هذه المسألة ابن النفور في كتابه المسمى "الفواكه العديدة والمسائل المفيدة" ومن حسنات هذا الكتاب، أنه يذكر في آخر كل باب مسائله المشكلة, ولما ذكر السهو قال: ومن المسائل المشكلة ، لو أن الإمام سهى فهل المسبوق يعقد بها ركعة أم لا ؟
وهذه مسألة ما قام عليها دليل خاص، ولا نقل عن الصحابة والتابعين فيما نعلم، والذي أراه إعمال الاستصحاب استصحاب الأصل، وهو أن الواجب عليه أربع ركعات، فلذا فإنها تجزئه، وتبرأ ذمته بما أدى ، فالذي أدركه من صلاته هو الواجب عليه، ولا شيء عليه. وكذلك لو كان مسبوقاً بركعتين وسهى الإمام بركعة زائدة فإنه يأتي بركعة والله أعلم .
السؤال : 495؟ يقولون في علم التخريج : رجاله ثقات، رجاله رجال قوي، الصحيح وإسناده صحيح، وجوده فلان، فما معنى هذه العبارات, وهل يحتج بها أم لا ؟
الجواب: التفصيلي يطول، لكن باختصار أقول : هذه العبارات كثيرة الدوران في كتب الحديث، وهي مذكورة بكثرة في الكتب التي حوت ألوفاً مؤلفة من الأحاديث، لاسيما الأحاديث التي هي خارج الصحيحين، والتي يعسر الحكم عليها بالتفصيل والتأهيل وإنما ينظر في إسنادها على وجه في نوع عجلة. وأكثر من هذه العبارات اثنان من العلماء كل منهما تابع الآخر، وهما : الإمام المنذري في كتابه المفيد النافع "الترغيب والترهيب"، والثاني : الإمام الهيثمي صاحب كتاب "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد"، الذي جمع فيه الزوائد على الكتب الستة الموجودة في مسند أحمد ، ومسند البزار وأبي يعلى، وفي معاجم الطبراني الثلاثة وعرض الكتب الستة على الكتب الستة , فأثبت الزوائد وأسقط المتكرر، فخرج معه ألوف مؤلفة, وهو مطبوع في عشر مجلدات . ولو أراد أن يخرج كل حديث تخريجاً مؤصلاً ومفصلاً لاحتاج معه الأمر إلى وقت طويل جداً.
والحافظ والمخرج مع كثرة ترداده ، وبتوفيق الله له أولاً وآخراً، ومع كثرة النظر في الرجال فإنه يعرف بالنظر في الإسناد أن هذا الإسناد رواته ثقات، وهل المدلس عنعن أم صرح بالتحديث، فيحكم حكما أولياً عجلاً على الإسناد .
فعندما يقول المخرج : رجاله ثقات يعني أن رجال الإسناد هذا غير مغموز فيهم, اجتمع فيهم شيء من ضبط مع عدالة ودين. وبادئ ذي بدء الحكم على الحديث صحيح حتى يثبت عندنا انقطاع، أو علة خفية وما شابه .
وقوله : رجاله رجال الصحيح يعني هذا الإسناد أخرج البخاري ومسلم أو أحدهما لكن مع مراعاة وملاحظة شيء واحد، وهو أن شيوخ هؤلاء ( الطبراني وأبي يعلى , وأمثالهم ) هم في طبقة أصحاب الصحيحين، فعندما يقول : رجاله رجال الصحيح يكون هذا بغض النظر عن الطبقة التي هي دون أصحاب الصحيحين لأنهم في طبقة البخاري ومسلم, فشيوخ الطبراني مثلاً يعاصرون البخاري ومسلم، فالمراد ما بعد الشيخ، أما ما قبل الشيخ فيستحيل أن يكون البخاري أو مسلم قد أخرج له ؛ لأنه إما مثله أو دونه إلا أحمد فإنه من طبقت شيوخ البخاري ومسلم، أقدمهم وفاة فلما يقال أخرجه أحمد ورجاله الصحيح ، فالمقصود كل السند .
أما إسناده قوي وإسناده جيد, مرتبة هي عند علماء التخريج فوق مرتبة الحسن ودون الصحيح . فالحسن في حفظه وضبطه شيء، لكن بعض الرواة يكون مغمزاً في ضبطه لكن الغمز خفيف ؛ فيكون أرفع من الحسن وأدنى من الصحيح ، فيقال فيه :إسناده قوي أو إسناده جيد
و إسناده صحيح يعني : اجتمع فيه ضبط جيد وعدالة في الرواة،مع الفحص عن التدليس, واللقيا بين الراوي والمروي عنه ، وهو أقوى شيء يحتج به. والذي يقال فيه إسناده جيد أقوى يحتج به . وكذلك يقال فيه رجاله رجال الصحيح أو رجاله ثقات يحتج به مع مزيد فحص، فالحكم الأولي صحيح ؛ لمن يحتاج إلى مزيد دراسة وتمحيص وتفتيش. والأضعف من هذا أن يقال : رجاله وثقوا ، أو رجاله رجال الصحيح إلا فلان وهو ثقة ، كما يقول الهيثمي أحياناً، وهذه العبارة لما يكون نزاع شديد بين العلماء في توثيقه ، ولم يوثقه إلا متساهل في التوثيق،كابن حبان مثلاً فيكون ثقة على ذمة من هو معروف من أئمة الجرح والتعديل بالتساهل في التوثيق .
أما جودة فلان، هذه كلمة دقيقة، ولا يستطيع أن يقولها إلا متبحر في العلم، وتعب تعباً شديداً وفحص ومحص وتأنى وتثبت. فعندما يكون عندنا حديث يكون ورد على أكثر من شكل، سواء في الإسناد أو المتن، وروي على ألوان وضروب، وبينها اختلاف، فمثلاً تكون قطعة من الحديث عزاها النبي صلى الله عليه وسلم لربه ، وهو ما يسمى بالحديث القدسي ، والقطعة الأخرى من الحديث حديث نبوي، أو حديث قسم منه مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، وقسم آخر موقوف على صحابي كله حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فيأتي بعض المدققين يمحص ويفصل ، فيفرق بين المرفوع والموقوف ،وبين الحديث النبوي والحديث القدسي، فمن فصل وميز يقال عنه جوده . فالمجود هو الذي يأتي بالحديث على حقيقته، وصورته.
والتجويد لا يستلزم منه التصحيح. قد يكون كثير من الرواة رووا الحديث مرفوعاً للنبي، صلى الله عليه وسلم، وهو في حقيقة أمره كلام لتابعي . مثل الحديث المشهور على ألسنة كثير من الناس اليوم: {رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر} وعند الفحص عنه نجد في ترجمة إبراهيم ابن أبي عيلة، التابعي الشامي، في "تهذيب الكمال" يقول : أخرج النسائي في الكني ، ويسوق هذا الحديث من كلام إبراهيم بن أبي عيلة بإسناد نظيف غاية، فالراوي الذي أتى بالحديث على حقيقة أمره بعد الفحص هو الذي يقال فيه جوده ، فلا يلزم من القول: جودة فلان أن يكون مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم .
وهذه العبارات يكثر تردادها في الكتب،وتلزم معرفتها طلبة العلم ؛ لأنها كلام المتخصصين ويحتاجها طلبة العلم.
السؤال 496؟ ما حكم الاشتغال بالوظائف أو الشركات الجمركية ؟
الجواب أما الشركات فلا حرج ؛ لأنها وسيلة لتخليص حقك فلا فرق بين أن تخلص البضاعة بنفسك أو أن تخلصها بوكيل، فالمخلص الذي يعمل في الشركة هو وكيل عنك ، وحكم الوكيل هو حكم الأصيل ، فإن منعنا الوكيل لإخراج البضاعة نمنع الأصيل أن يخرج بضاعته، ولا وجه لهذا الكلام أبداً ولا وزن له من الناحية الفقهية .
أما أن تفرض الدولة الضرائب على الناس فبعض أهل العلم يحرم ذلك إلحاقاً بالمكوس فالمرأة الغامدية ، لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، من يلعنها بعد أن رجمت نهاه وقال له : {لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له } فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ، صاحب المكس أشد من صاحب الزنا.
وبلا شك إن أخذ أموال الناس دون رضاهم حرام وقد ثبت عن جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله: {لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ولو كان عوداً من أراك} وهذه الجمارك تدفع من غير طيب نفس ومن غير إذن .
لكن العلماء المحققون لهم رأي في هذه المسألة، كالشافعي في "الموافقات" فقد يحث المسألة بحثاً أصولياً، مقيماً إياه على المقاصد، فقال : إن الشرع يمنع التعسف في استعمال الحق، وإن الشرع يقدم الحق العام على الحق الخاص، وإن الإنسان متى أمسك وتضرر غيره من عوام الناس، فهذا الإمساك ليس بصواب. فمثلاً إن وجد قطعة أرض لا يكون طريقاً للمسجد إلا من خلالها، فإنها تنزع من صاحبها رغماً عن أنفه، والنبي صلى الله عليه وسلم ، يقول: {رحم الله الأشعرين إنهم كانوا إذا أرملوا( أي فقروا) جمعوا طعامهم وأموالهم وقسموه بينهم بالسوية}. فأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك.
وإذا الدولة احتاجت ولا تستطيع أن تقوم بالأعباء الواجبة عليها، ولا أن تخدم الناس خدمة العامة، فأخذت من الناس مقدار الضرورة، وصرفته في حق عوام الناس فالأخذ بالمقدار، والعطاء لسائر الناس ، فالجمارك والضرائب حينئذ مشروعة وليست بممنوعة على قول غير واحد من المحققين ، هذا الذي أراه صواباً . والله أعلم
السؤال497: يقول بعضهم: إن طالب العلم إذا سمع شرحاً لكتاب ما، لأحد العلماء على الأشرطة كاملاً، مع أنه لم ير ذلك الشيخ، أو العالم، فهل يحق لذلك الطالب أن يقول عن ذلك الشيخ: قال شيخنا فلان، مع أنه ما جلس في مجالسه، وإنما سمع منه على الأشرطة؟
الجواب: للعلماء مشارب ومذاهب في تعليم الطلبة، فالعراقي مثلاً كان يعلم صهره وتلميذه الهيثمي فأرشده إلى فكرة الزوائد، فكان صاحب فكرة كتب الزوائد للهيثمي هو العراقي، فلا يلزم من الشيخ أن يقرأ عليه الكتاب، حتى يقول عنه الطالب : شيخي، وأبو حنيفة كان من منهجه في تعليم الطلبة السؤال والجواب، فيضع الإشكال ثم يجيب ثم يضع الإشكال على الجواب، وهكذا، وكان صاحب حجة.
فالعلماء لهم أساليب والنبي صلى الله عليه وسلم قال: {طلب العلم فريضة} وما حدد الوسيلة فالواجب على الصغير والكبير والذكر والأنثى والعالم والجاهل والقارئ والأمي أن يكون طالب علم، فالوسيلة ما حددت، والطلب هو الفرض ولذا يجوز للإنسان أن يقول: قال شيخنا فلان إن استفاد منه، وعرف فقهه معرفة خاصة، وإن لم يلقه ونجد من العلماء المتأخرين من يقول قال شيخنا ابن تيمية ويكون بينه وبين ابن تيمية أربعمائة سنة، فالذي يمعن الذهن من فقه ابن تيمية؟
والمهم في هذا الباب ألا يقع تلبيس ولا تدليس وألا يتشبع الإنسان بما لم يعط، فإن أردت أن تقول: قال شيخنا، وأنت لم تلقه وأوهمت سامعك أن لك به خاصة وأنك جثوت على الركب بين يديه، فهذا هو الممنوع أي التدليس والتلبيس وليس الممنوع التعظيم والتبجيل، فإنه إن كان مراد القائل التعظيم والتبجيل لمن استفاد منه، فهذا أمر حسن، لكن قل حقاً، واصنع عدلاً، فلا تلبس على السامع وتشعره أنك من خواص تلاميذه، وأنك رحلت إليه وما شابه، وإلا فهو من باب توقير العلماء، وتبجيلهم، والله أعلم....
__________________
من موقع االشيخ علي بن حسن بن علي الحلبي الاثري
السؤال 251: هل يصح أن تكون الآيات شواهد للأحاديث الضعيفة فتصححها؟ وكذلك هل يصحح الحديث بما جرى عليه العمل؟
الجواب: لا يصح ذلك، لأن معنى الآية صحيح، فالآية تكفي، لكن هنا ملحظ مهم ودقيق يجب أن نلتفت إليه وهو لما نقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نأتي بآية، فنحن نريد شاهداً ليس على كون هذا الكلام حقاً أم باطلاً، فإن القرآن كله حق، ولكن نريد أن نأتي بشاهد على أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد قال هذا أم لم يقله، فهل ممكن أن نأتي بالآية لكي تسعفنا وتجبر لنا الضعف الوارد في الإسناد فتجعلنا نقول: إن النبي قال هذا الكلام، فهل يصلح هذا؟ هذا لا يصلح، فإن الآية لا تصلح شاهداً للحديث الضعيف من حيثية أن النبي قد قال هذا الكلام، أما من حيثية أن هذا حق فإن الآية فيها الغنية وفيها الكفاية، وهي حجة.
أما ما عليه العمل، فهذا كلام واسع، ولا يجوز لنا أن نغض النظر عن الضعف، فالحديث الذي ضعفه يسير، وجرى عليه العمل عند الصحابة، والتابعين، فهذا يسعف أن نشد هذا بهذا، أما ما جرى عليه عمل المتأخرين، ونجعله جابراً لحديث واهٍ ضعيف جداً فيه متروك أو مجهول، فلا، أما حديث ضعفه يسير، وعلمنا من أحوال الصحابة والتابعين أنهم على هذا، فهذا يقبل الجبر، وهذا كلام ابن عبدالبر وغيره، والله أعلم...
السؤال 252: كيف لا يكون الحديث المرسل غير حجة، وهو الذي سقط من إسناده الصحابي والصحابة كلهم عدول؟
الجواب: لو نظرنا في مذاهب أهل العلم لوجدنا أن أبا حنيفة يعتبره حجة، ومالك يعتبره حجة، إذا وافق عمل أهل المدينة، والشافعي يعتبره ضعيف لكن يقبل الجبر، وأحمد لا يعتبره حجة بإطلاق، والصواب أن المرسل ضعيف ويقبل الجبر.
ولا يوجد تعارض بين أن الصحابة عدول وأن المرسل ضعيف، لأننا لو علمنا فقط أن الواسطة بين التابعي وبين النبي صلى الله عليه وسلم هي الصحابي فقط، لقلنا هو صحيح، لكن التابعون يروي بعضهم عن بعض، فقد يوجد ثلاثة من التابعين أو أكثر، يروي بعضهم عن بعض، فلكون الواسطة مجهولة واحتمال كونها من غير الصحابة كان المرسل ضعيفاً وليس بحجة.
ويوجد بعض الصحابة أيضاً يروي عن التابعين وقد ألف ابن حجر كتاباً سماه: "نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين" فلا يلزم أن التابعي يروي عن الصحابي فقد يروي عمن هو مثله وعمن هو دونه، وأما مرسل الصحابي فإن الصحابي لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يتقن منه، ورواية الصحابي عن التابعي نادرة وليست هي الأصل، والله أعلم...
السؤال 253: ماذا يفعل المسبوق في صلاة الجنازة؟
الجواب: الصلاة التي يشترط لها الوضوء، والتي تنطبق عليها جميع أحكام الصلاة، كما قال ابن تيمية رحمه الله، هي الصلاة التي تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم، وصلاة الجنازة كذلك، ولذا ذهب جماهير أهل العلم إلى أن المسبوق في صلاة الجنازة يأتي بالتكبيرات، فإن أدرك تكبيرتين يأتي باثنتين، وإن أدرك ثلاثاً يأتي برابعة وهكذا.
والمسألة الخلاف فيها بين الصحابة والتابعين، فمنهم من قال بتسليم الإمام، ومنهم من قال تأتي بالتكبيرات، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: {ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا}، ومنهم من قال: الفاتحة والصلاة الإبراهيمية هما بمثابة الثناء على الله والصلاة على نبيه بين يدي الدعاء فمن أدرك التكبيرة الثالثة، يكبر ويقول: الحمد لله والصلاة على رسول الله، ويبدأ بالدعاء للميت، وهذا القول أضعفها.
والذي تطمئن إليه نفسي أن المسبوق إن أدرك أربع تكبيرات مع الإمام يسلم، فالإمام قد يكبر ستاً أو سبعاً فإن فاته شيء منها وأدرك أربعاً فلا داعي للقضاء ويسلم، وإن لم يدرك أربعاً فليتمم على الأربع، هذا الذي أراه صواباً، والله أعلم..
السؤال 254: هل حديث: {أنا بريء ممن فرق واحتزب}، وما رأيكم في الحزبية، وما هو أحسن كتاب ألف فيها؟
الجواب: أما حديث {أنا بريء ممن فرق واحتزب}، فوجدت حديثاً قريباً منه، فهو من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها، قالت: {إلا إن نبيكم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب}، وهذا الحديث أخرجه القاضي اسماعيل في أحكام القرآن فيما نقل عنه الشاطبي ولم أقف على إسناده حتى أحكم عليه، ووجدت في "الدر المنثور" معزواً إلى عبد بن حميد في التفسير، وهذا التفسير للآن نقول عنه مفقود، ولعله يظهر، وكذلك عزاه لابن منيع في مسنده، ولأبي الشيخ، وظفرت بإسناد ابن نيع في مسنده في كتاب "اتحاف الخيرة المهرة" برقم (767) وفيه راوٍ مجهول، ولذا قال البوصيري عقبه: إسناده ضعيف.
لكن الآية: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعياً لست منهم في شيء}، وفي قراءة لورش والكسائي والحسن البصري ولعلي بن أبي طالب: {إن الذين فارقوا دينهم......} وفي هذا إشارة إلى أن من فرق دينه فإن مآله أن يفارق دينه.
والحزبية معناها أن نتعصب أو تتحزب لشيخ أو اسم أو شارة أو جماعة، وهذه مذمومة، والأصل في المسلم أن لا يتعصب لأحد، والأصل فيه أن لا يعقد سلطان الولاء والبراء والحب والبغض إلا على دين الله، فيزداد حبك لأخيك بازدياد دينه وعباداته وعلمه وأمانته، أما أن يتعلق قلبي بفلان لأنه من حزبي وإن كان قليل دين، وأبغض آخر لأنه ليس من حزبي، وإن كان عالماً أو صاحب دين فهذا تحزب مذموم.
والحزبية والعياذ بالله من أشد الموانع لقبول الحق فسبب عدم قبول الحق الحزبية، تأتيه بدليل واضح من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة فيردها عليك لما تعود من الألفة التي هو عليها، وكلنا يعلم أن أنصارياً ومهاجرياً حصل بينهما نزاع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل منهم نادى على عشيرته؛ فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، والمهاجرون والأنصار اسمان جليلان شرعيان محببان إلى الله، وهما خير من الأسماء الموجودة اليوم، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذين الرجلين قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: {أجاهلية وأنا بين ظهرانيكم!}.
فمن حكم حزبه وانصاع إليه دون بينة ولا سيما إن كان في ذلك مخالفة لدين الله، فهذه جاهلية، فعلينا ألا نتعصب إلا للحق، وأن نحب ونبغض ونوالي ونعادي في دين الله وليس في حزب وعلى شيخ، والشيخ الذي يجمع التلاميذ حوله ويأمرهم وينهاهم ألا يسمعوا من غيره هذه حزبية وهذه جاهلية، وكان أيوب السختياني يقول: ((إذا أردت أن تعرف خطأ شيخك فجالس غيره))، فمن يدعوكم ألا تسمعوا إلا منه فهذه حزبية، واسمعوا من كل الناس واجلسوا بين كل العلماء وطلبة العلم، فالحزبية لها أشكال ولها ألوان، وينبغي أن يكون الإنسان حراً طليقاً يدور مع نصوص الشرع، ولا يقبل أن يدور مع نفس الأشخاص المخلوقين.
أما أحسن كتاب كتب عن الحزبية، فقد رأيت كتاباً لصفي الرحمن المباركفوري الهندي اسمه "الأحزاب في الإسلام" وهو من أحسن ما كتب في رأيي وظني، من الحزبية، والله أعلم...
السؤال 255: ما هو الحكم الشرعي في الخلُّوات؟
الجواب: الخلوات الكلام عليها طويل وهي مذكورة في كتب فقهائنا وعلمائنا، وألف فيها غير واحد، ووجدت من قريب مجموع فيه ثماني رسائل مخطوطة عن الخلوات في تونس.
والخلوات اليوم موجودة على غير حال الأول، فالحال الأول الخلوات كانت تبحث في كتب الوقف، فمثلاً واحد أوقف مدرسة على مبنى وله أساتذة وطلبة على تعليم صحيح البخاري أو غيره، وطالب له محل في هذه المدرسة له مبيت وطعام وشراب، وأراد آخر أن يحل محله، فكان قديماً مقابل أن يتنازل له عن حقه في هذا الحضور يعطيه خلواً وبعض الفقهاء يسمونه [نقل القدم] أو [المفتاح] أو [الجلسة] أو [القفلية] ولها أسماء عديدة.
والآن الخلوات نقلت إلى الأجارات، والأجارات اليوم على النحو الذي تنعقد فيه شبيهة بالوقف فالبيت الذي أملكه أملك منه المنفعة، فإذا أخذت منفعته مني فأصبح لا أملك شيئاً فالمنفعة الآن ولما أصبح المستأجر كأنه مالك ولا يخرج ،وجدت الخلوات، فالخلو مقابل أن يملك الرجل المستأجر هذا المكان ومنفعته دون تحديد زمان.
لكن لو كانت المدة ملزمة لظهرت مسألة الخلوات بشكل واضح جلي، فواحد تأجر عند آخر محلاً لمدة عشر سنوات فاستغل المحل خمس سنوات وبقيت خمساً أخرى، وطرأ عليه أمر فأراد أن يسافر، فله أن يأخذ خلواً مقابل الخمس سنوات المتبقيات، لكن لو مضت العشر سنوات فلا يجوز له أن يأخذ خلواً فلو كانت المدة في عقد الإيجار ملزمة لظهرت مسألة الخلوات على وجه أحسن، لكن اليوم بما أن المالك يعلم أنه لا يقدر على إخراج المستأجر فهو يأخذ منه شيئاً زائداً مقابل أن يمكله المنفعة، لذا يجوز أخذ الخلو من المحل وإن لم يكن قد شغله.
وواقع الخلوات التي تعطى اليوم في المتاجر هي مزيج من حقوق متعددة من حق الاسم التجاري وموقع المحل، ومزاحمة الأقدام عليه وماأحدثه المستأجر في ملك المالك وهذا يسمى عند الفقهاء [حق الكدك]، والكدك هو ما يحدثه المستأجر من بناء دائم في ملك غيره، فلما يخرج من المحل يأخذ مقابله مالاً، فالخلوات اليوم في واقعها الموجود مباحة، وتؤخذ مقابل تمليك المدة، وفي بعض الأحايين، مقابل الاسم التجاري وما يحدثه المستأجر في ملك من شيء دائم لا يزول بخروجه منه، والله أعلم...
السؤال 256: قرأت في كتاب "أحكام الجنائز" لشيخنا رحمه الله، حديثاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤال الملكين للمؤمن في قبره: ((.... فيقال له اجلس وقد دنت له الشمس وقد آذنت للغروب، فيقال له: أرأيت في هذا الذي كان فيكم ما تقول فيه؟ ماذا تشهد عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولان إنك ستفعل)) فقال الشيخ الألباني معلقاً على هذا الحديث: صريح في أن المؤمن يصلي في قبره، وذكر حديثاً {أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون}، ما صفة هذه الصلاة، هل هي كصلاتنا أم ما هي صفتها؟
الجواب: الله أكبر، المؤمن في قبره لما يأتيه الملكان عقله وقلبه متعلق بالصلاة، فيقول للملائكة: دعوني حتى أصلي، ثم اسألوني، وهكذا شأن المؤمن.
والكلام على دار البرزخ، ودار البرزخ قوانينها ليست كقوانين الدنيا، ولها قوانين خاصة، والروح والبرزخ أشياء لا تدرك بالعقل ولا يجوز أن تخضع للمألوف، فعالم البرزخ العقل يبحث فيه عن صحة النقل فقط، فإن كان صحيح نقول يصلي، وكيف يصلي؟ لا ندري، والأنبياء لهم حياة في قبورهم، وكيف هذه الحياة، لا نعرفها، فهذا خبر في عالم الغيب، ليس للعقل إلا أن يتلقى ويبحث عن الصحة، فإن صح الخبر نقول: سمعنا وأطعنا.
وبهذا نرد على المفوضة وعلى الذين ينكرون صفات الله فإذا كان الإنسان نفسه عندما ينتقل من دار لدار العقل يتوقف، فكيف نعطل صفات ربنا عز وجل بحجة أنها تشبه صفات الخلق؟ فنحن نثبت صلاة للأنبياء وللمؤمن في القبور، بل نثيت حجاً وعمرة للأنبياء، كما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى موسى يحج في المنام ورؤيا الأنبياء حق، فنثبت ما ورد فيه النص ونسكت ونعرف قدر أنفسنا ولا نزيد على ذلك، ولا يوجد أحد ذهب لعالم البرزخ فجاء فأخبرنا وفصل لنا والعقل لا يدرك والنص قاضٍ على العقل، والله أعلم...
السؤال 257: ما الحكم الأكل من المزارع والبساتين العامة؟
الجواب :حكمه جائز بشرط الاستئذان، فمن دخل مزرعة فاشتهت نفسه ثماراً على شجرها يستئذن قبل أن يأكل، وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا أتيت على راعي الإبل فناد يا راعي الإبل، ثلاثاً فإذا أجابك، وإلا فاطلب واشرب من غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط(أي بستان) فناد يا صاحب الحائط ثلاثاً فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد، وفي رواية من غير أن تحمل}، فكل من غير إفساد أو حمل، ورد شهوتك، وقد ألف محمد بن عبد الهادي جزءاً مفرداً في الأحاديث التي فيها الأكل من الثمار التي في الحيطان ، والله أعلم ...
السؤال 258: ما هو أحسن تفسير لكتاب الله عز وجل؟
الجواب: هذا سؤال قد سئله غير واحد، فمنهم من قال: قلبك ،ومنهم من قال: الدهر، أي الزمن يكشف لك عن عجائب القرآن.
وربنا يقول: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}، فالقرآن سهل، ولكن العلة في النفوس التي تقبل على القرآن، فهو سهل ميسور ربنا يسره، والعلة في نفوس الناس، فربنا يقول: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} فالناس لا تنتفع بالقرآن لوجود الأقفال على القلوب..
والمطلوب منا التخلية قبل التحلية؛ أن نخلي نفوسنا عن هواها، وعما يدنسها وعن أمراضها وأن نقبل على كتاب الله بنفوس مطمئنة طيبة، وللقرآن وحشة، والبعيد عنه لما يقرأه يستثقله فالمطلوب أن نزيل هذه الوحشة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يبين في الحديث أن القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب، لذا فالمطلوب منا أولاً مع القرآن أن نقبل عليه بنفوس مطمئنة، وقلوب فيها حياة سليمة فيها رقة، فإن فعلنا فهذا هو مفتاح التعامل مع القرآن، والكلام الصعب تقبل على أي تفسير فتقرأه.
والتفاسير متنوعة، وأنصح طالب العلم أن يقرأ من التفاسير ما يخدم تخصصه، فالفقيه يلزمه تفسير القرطبي مثلاً، والمحدث يلزمه أن ينظر في تفسير الطبري أو ابن كثير، وهكذا.
فالعلة في عدم فهم القرآن القلوب المليئة بالشهوات الحريصة على الدنيا، وغير المقبلة على الآخرة، وهذا أكبر سبب لصد الناس عن القرآن.
وبعد أن يقبل الإنسان على قراءة القرآن بالمفتاح الموجود يقرأه قراءة يستكشف الكلمات الصعبة فقط، بتفسير موجز مثل: "زبدة التفسير" أو تفسير السعدي "تيسير الكريم المنان" ثم يبدا يتوسع فيقرأ "مختصر ابن كثير" ثم يرجع لـ "تفسير ابن كثير" وهكذا، وقد يضطر طالب العلم أن ينظر في بعض الآيات من أكثر من تفسير.
ويعجبني مسلك الشيخ الشنقيطي رحمه الله، ففي تفسيره قال: لا يلزم كل آية تفسر، ففسر الآيات التي تحتاج إلى استنباط أحكام ووقع فيها خلاف فحررها وأبدع رحمه الله تعالى، فأنصح بالنظر في تفسير "أضواء البيان".
لكن المهم أن الذي يريد أن يستفيد من القرآن أن يقبل على الآخرة وألا يتعلق بالدنيا، وأن يطهر نفسه من أدناسها فحينئذ ينتفع بالقرآن، {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}، فيكون شهيداً حاضراً فهنا يقع النفع من القرآن.
أما إن كنت تقرأ القرآن على خطاب من قبلنا وأنت غير معنى، أو على أنه كتاب ثقافة كما تقرأ غيره، فالنفع حينئذ بالقرآن قليل، فالعلة في عدم استفادة الناس من القرآن اليوم نفوسهم وقلوبهم وعدم التزكية وتدنيس النفس بالذنوب والمعاصي، والله أعلم..
السؤال 259: هل يجوز للعريس التخلف عن صلاة الجمعة والجماعة بسبب عرسه ثلاثة أو سبعة أيام؟
الجواب: ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيحين وفيه: {للبكر سبع وللثيب ثلاث}، لكن الناس للأسف يفهمون هذا الحديث على غير موضعه، وهذا الفهم الخاطئ وجدت ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام ينبه قديماً على أن بعض الناس فهم منه أنه يجوز للعريس إن تزوج بكراً أن يتخلف عن الصلاة أسبوعاً وإن تزوج ثيباً يجوز له أن يتخلف عن الجماعة ثلاثاً، ثم قال: وهذا خطأ لم يقل به فقيه معتبر.
وإنما معنى الحديث: أن الرجل إن تزوج امرأة ثانية، فإن كانت بكراً خصها جائزة بسبعة أيام، وإن كانت ثيباً فجائزتها أن يخصها بثلاث، ثم بعد ذلك تجب عليه القسمة، هنا يوم وهنا يوم.
والجماعة واجبة على العريس والجمعة أوجب ولا يجوز له أن يتخلف.
السؤال 260: هل هناك حديث فيه أنه من اتبع جنازة وتصدق يدخل الجنة؟
الجواب: أضمن لكم بإذن الله دخول الجنة وبضمان رسول الله، وليس من رأيي ولا من عقلي، إن جمعت هذه الأعمال في يوم ولو مرة واحدة، فاحفظوا هذه الأعمال وهذا أخرجه مسلم في صحيحه (برقم 1820) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أصبح منكم اليوم صائماً؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن تبع منكم اليوم جنازة؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن منكم عاد اليوم مريضاً؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة}.
السؤال 261: أشعر أن كثيراً من وقتي يضيع دون فائدة، فما هي نصيحتكم؟
الجواب: نصيحتي أن تعلم أنك وقت، ولو قال لك رجل أعطني أصبعك بمبلغ كذا، فهل تقبل؟ فأنت وقت إن مضى يوم مات بعضك، كالرزنامة كل يوم تنزع ورقة، ولا بد أن يأتي يوم تنتهي الرزنامة، فأنت مع الأيام هذا حالك، وقال عمر بن عبد العزيز: ((ابن آدم الليل والنهار يعملان فيك اعمل فيهما)) وكان الحسن البصري يقول: (لقد أدركت أقواماً هم أحرص على أوقاتهم من حرصكم على دنانيركم ودراهمكم).
ووالله إن الوقت أهم من المال، فمن أضاع ماله سفهاً دون فائدة يحجر عليه، مع أن المال إن فات يعود، أما الوقت إن فات فلا يعود فهذا سفه، أكثر من تضييع المال.
فنصيحتي لكم أن تحرصوا على أوقاتكم ولو بالذكر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن يسر: {لا يزال لسانك رطباً بذكر الله}، فابق قل: سبحان الله والحمد لله، فوقتك أهم من مالك وأهم من ولدك، ووقتك حياتك فمن ضيع حياته فالويل له.
السؤال 262: ما هو علاج الوسوسة؟
الجواب: الوسوسة؛ وما أدراك ما الوسوسة؟ هذا الداء الذي لا ينجع فيه دواء إلا من صاحبه. والوسوسة كما قال الإمام الشافعي: (لا تكون إلا من خبل في العقل، أو جهل في الشرع) وجاء رجل إلى ابن عقيل وقال له: يا إمام أضع يدي في الماء، وأغمسها ثم أرفعها، وأشك هل غسلت يدي أم لا؟ فقال له ابن عقيل: لا صلاة عليك، فقال: يا إمام كيف لا صلاة علي، فذكر له حديث رفع القلم عن ثلاث ومنهم المجنون حتى يبرأ.
والموسوس يحتاج إلى عزيمة في داخله، فلا يقضي على الوسوسة إلا العزم الداخلي، ووالله أعلم طالب علم أظنه من أهل الصلاح ويحفظ كتاب الله، وكان إمام مسجد وكان يبدأ الوضوء مع أذان الظهر، ويقول لي: ويؤذن العصر وأنا لم أتوضأ ولم أصلي.
والوسوسة تبدأ بالطهور والصلاة، وتنتهي بالله جل في علاه، والوسوسة من الشيطان تحتاج من الإنسان أن يعتصم بالله، قال السبكي لابنه: يا بني إذاكنت تسير ونبحك كلب، فماذا تفعل؟ قال: أرميه بحجر، قال: ثم نبحك؟ قال: أرميه بحجر، قال: ثم نبحك؟ ففطن الإبن أن أباه يريد شيئاً آخر، فقال: يا أبت ما أفعل؟ قال: ناد بأعلى صوتك وقل: يا صاحب الكلب كف عنا كلبك، لذا أحسن وسيلة للوسوسة أن تلتجئ إلى الله، وقل: يا رب ابعد عني الشيطان، وهذا معنى قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
والإنسان ضعيف والشيطان ضعيف، وإن التجأت إلى ربك القوي فستغلبه، وعلى الموسوس، أن يعلم الأحكام الشرعية وحدودها، وعليه أن يأخذ برخص العلماء، فيقرأ في الرخص، ولا يقرأ في التشدد، أما أن يستسلم الإنسان للوسوسة، فهذا داء عظيم، ولا يوجد له دواء، إلا من نفسه، لأن الوسوسة داء في العزيمة، فالعلاج وأن تقوى عزيمته، وأن يلجأ إلى الله، وأن يلوذ بحماه، وأن يعلم المطلوب منه وحدوده ولا يتعد ذلك، وأن يعلم أن التنطع في الدين ليس من دين الله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لن يشاد الدين أحد إلا غلبه}، والله أعلم..
السؤال 263: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {الولد للفراش وللعاهر الحجر}؟
الجواب: الحديث دل بمنطوقه على حكمين: أن المرأة إن كانت لها فراش شرعي وزنت، والعياذ بالله، فالولد ينسب لصاحب الفراش الشرعي، فوجود الزنا لا يمنع من نسبة الولد لأبيه، ودل على أن العاهر أي: الزاني له الحجر أي: يرجم.
ودل الحديث بإشارته على أنه لا يقع الزنا بالمتزوجة، إلا من رجل قد تزوج، فالذي يرجم بالحجر هو المحصن، والذي يزني بامرأة متزوجة هو رجل قد عرف أسرار النساء وغالباً غير المتزوج يطمع بالبكر.
السؤال 264: ضمني مجلس مع رجل يطعن في عثمان بن عفان، فماذا تنصحني أن أقول له؟
الجواب: نعوذ بالله من غضب الله، من طعن في صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على خطر عظيم، ورضي الله عن أبي زرعة الرازي شيخ البخاري، فقد قال: ((لا يطعن في أصحاب رسول الله إلا زنديق)).
وقيل للإمام أبي حنيفة، في محلتنا رجل قاص يطعن في عثمان ويقول إنه يهودي، فمذا نصنع معه، وكان أبو حنيفة رجلاً نبيهاً، فقال على الفور: أله ابنة غير متزوجة؟ قالوا: نعم، قال: أخبروه أن أبا حنيفة سيزورك ويطلب ابنتك، فجاء إليه، فقال له: إني أريد ابنتك لرجل يقرأ القرآن في ركعة، حيي، كثير النفقة، إلا أنه يهودي، فقال له: معاذ الله! فقال أبو حنيفة: أ أنت أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد زوج ابنتيه لعثمان؛ فقال: أستغفر الله ،فجعله يقلع عن ذنبه بهذا الخبر.
وأعجب كل العجب كيف يطعن في عثمان والنبي يزوجه ابنتيه، فو الله لا يفعل ذلك الواحد منا، فلو جاءك رجل مطعون في دينه أتزوجه ابنتك؟ فكيف النبي يزوج ابنتيه لعثمان وهو مطعون فيه؟ إن هذا طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما سئل أبو عبيد القاسم بن سلام عن الرافضة، قال: (هم أحمق خلق الله، لو كانوا دواب ما كانوا إلا حميراً) فهم يتكلمون في أبي بكر والنبي تزوج ابنته، ويتكلمون في عمر وعمر تزوج ابنة علي، ويتكلمون في عثمان والنبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه لعثمان، فنبرأ إلى الله ممن يطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبلادنا للأسف أصبح فيها رافضة، أتونا بسبب مصيبة حلت في بعض ديار المسلمين، وأصبحنا نسمع في الأزقة والشوارع أناساً يسبون أبا بكر وعمر، ونبرأ إلى الله من هذا، وهذا الأمر يحتاج منا إلى فطنة وإلى أخذ بالعزيمة، والداء في أوائله يمكن القضاء عليه، أما إن استشرى فمصيبة من المصائب، ولذا كل من يسمع الذي يشتم أن يأمر وينهى، وإن سكت اليوم عن أصحاب رسول الله، فو الله إنا غداً ساكتون عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعده القرآن وبعده عن ربنا عز وجل.
ومن يطعن في الصحابة يطعن في القرآن، لأن القرآن لم يصلنا إلآ من خلالهم، فلو كان الصحابة الذين نقلوا لنا القرآن مطعون فيهم فلا نأمن على القرآن، وسنجد من يشكك في القرآن، لأن الذين نقلوا لنا القرآن فيهم، وصدق أبو زرعة لما قال: ( لا يطعن في أصحاب رسول الله إلا زنديق)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {لو أن أحدكم تصدق كل يوم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم من البر أو نصيف المد}، أين نحن وهم، {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم}
وسئل سعيد بن المسيب عما جرى بين الأصحاب من الفتنة، فقال: (فتنة نجى الله منها أيدينا فننجي منها ألسنتنا) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا}، فدعوكم من الخوض في الفتنة ومن سماع الأشرطة التي تخوض في الفتنة، والعلاج الناجع أن نمسك وألا نخوض، ونقول هم خير منا.
وعلي أفضل من معاوية، لكننا نحب جميع أصحاب رسول الله؛ ولا نتبرأ من واحد منهم ونتبرأ ممن يطعن ولو في واحد فيهم، هذه عقيدتنا بإجمال في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال 265: ما هي الأيام التي كان يصومها النبي صلى الله عليه وسلم من كل شهر؟ هل هي في أوله أم أوسطه أم آخره؟
الجواب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتقصد ألا يفوته شيء ولا يصوم فيه، وثبت في صحيح مسلم عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة رضي الله عنها: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام}، قالت عائشة: نعم، فقالت معاذة: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ فقالت عائشة: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبالي من أي أيام الشهر يصوم.
فلو صام الإثنين والخميس أو الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، أيام الليالي البيض لا حرج، والله أعلم..
السؤال 266: ما صحة هذا الحديث: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل معاذاً عند سفره إلى اليمن: {بماذا تحكم بين الناس؟} قال: بكتاب الله، قال: {فإن لم تجد؟}، قال: بسنة رسوله، قال: {فإن لم تجد؟}، قال: باجتهادي))؟
الجواب: هذا الحديث مشهور الشهرة اللغوية لا الاصطلاحية عند علماء الأصول ويكثرون من ذكره، والحديث فيه ثلاث علل؛ فهو ضعيف ضعفه المحققون من أهل العلم، بل أفرده غير واحد بالتصنيف، وبين ضعفه.
وهذا الحديث فيه معنى منكر ،وهو أن السنة لا يلجأ إليها إلا بعد أن يفقد الحكم من كتاب الله، لأن السنة حجة بذاتها، لا أنها يلجأ إليها بعد أن لا نجد الحكم في كتاب الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا ألفين أحدكم متكئ على أريكته شبعان ريان، يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، إلا إني أوتيت الكتاب ومثله معه}، أي السنة، وقال الأوزاعي وغيره: السنة قاضية على الكتاب فهي حجة بنفسها، فالأحكام الشرعية تؤخذ من كتاب الله وسنة رسول الله معاً، فالصلاة واجبة في الكتاب والسنة، فإذا أخذنا بالقرآن لا نعلم عدد الركعات ولا نعلم كيفية الصلاة فالقرآن أوجب الصلاة والسنة فصلت الصلاة، فلا يوجد في القرآن أن صلاة الفجر ركعتين والظهر أربع وهكذا، وكذلك الزكاة، لذا فإن هذا الحديث منكر لأن السنة حجة بذاتها.
وبعض الناس يظن أن الوارد في القرآن واجب، وأن الوارد في السنة هو سنة، وهذا خطأ، ففي السنة شيء حرام، وشيء واجب، فالسنة لها معنيان: معنى حكم تكليفي وهو من الأحكام الخمسة فوق المباح ودون الواجب، ومعنى آخر السنة كمصدر تشريعي فهي كالقرآن فيها الأحكام الخمسة.
فمن استغنى عن السنة ضال مبتدع ومن أنكر حجية السنة، واعتمد على القرآن فقط فهذا كافر.
ولذا إنكار بعض الناس على طلبة أنهم مشغولون بالسنة وتاركون للقرآن لأنهم يظنون أننا لا نلجأ إلى السنة، إلا لما نفقد الحكم من القرآن، وهذا معنى خطأ أصلاً ومنكر في دين الله. فالسنة في التحليل والتحريم كالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه}، فالنبي يقول مثله، والنبي صلى الله عليه وسلم هوالذي فصل والقرآن الكريم فيه إجمال، ولو قيل: إن القرآن بعموم تشريعاته جاء ليضبط المفاهيم والتصورات وإن السنة جاءت بعموماتها لضبط السلوكيات، لكان الكلام فيه نصيب كبير من الصحة.
ولا يجوز لأحد أن يعيب على أحد بأن يقول: قال رسول الله فمن عاب هذا ما عرف معنى لزوم "أشهد أن محمداً رسول الله} لـ "أشهد أن لا إله إلا الله" فهما شهادتان متلازمتان لا تنفكان إلى يوم الدين، وهذا التلازم من ثمرته في الحياة أن يبقى على اللسان :قال الله، قال رسول الله، وهذا هو ديننا، فإن فقدنا ذلك في النازلة نذهب لأشرف الناس وهم الصحابة .
ومن أعجب العجب أن بعض يقول: فلان الخطيب لا يقول على المنبر إلا "قال الله" "قال رسول الله" سبحان الله! ماذا تريد أن يقول؟ أيحضر معه راديو على المنبر ليفتح على الأخبار؟ فلم يصعد الخطيب على المنبر إذن؟ من أجل "قال الله، قال رسول الله".
لكن ينبغي أن نفهم معناها ونربي الناس عليها، لأن في ذلك الغنية، ولكن نحتاج إلى المعاني الجيدة وعقل وقاد يربط كل شيء بـ"قال الله، وقال رسول الله" فلا نقبل لأحد أبداً أن يقرر شيئاً من عنده.
ومن لم يضبط المسائل المنصوص عليها من "قال الله وقال رسول الله" لن يفلح أن يستنبط منهما الأشياء التي تلزم الناس فالأمر الطبيعي أن نتدرج، والأمثلة التي وردت فيها النصوص مثل مدرس الرياضيات الذي يدرس الأمثلة النموذجية فنفهم هذه الأمثلة النموذجية، ونهضمها ولا تغيب عنا؛ حتى نتعداها إلى غيرها، فإن قصرنا فيها ممن باب أولى أن نزل بغيرها، فواحد ما عرف الأصول ولا السنة، ولم يقبل القرآن ثم يتزعم المسائل التي يحتار فيها العلماء ويتكلم فيها، ويتجرأ على كبار العلماء، وهذا من مفارقات أهل هذا الزمان.
فالأمة ضائعة والناس محتارون، والحلقة مفرغة، وبقي الناس يحتاجون إلى من يوصل هذا الفراغ وهم العلماء.
واعلموا أن سبيل الإصلاح في آخر الزمان هو سبيل العلماء كما قال مالك والفضيل: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
وكل الناس العاملين اليوم على نوايا طيبة وعلى حب الشرع وحرقة عليه، يحاولون أن يسدوا مسد العلماء الربانيين ولن يقدروا، فكم من مريد للخير لا يصيبه فالذي يريد أن يصيب الخير لا بد أن يكون عنده الأدوات والأدوات كما قلنا يبدأ بالأمثلة النموذجية ويحذقها حتى يصل إلى الأشياء التي الأمة بحاجة إليها.
وفقنا الله وإياكم للخيرات، وجنبنا الشرور والمنكرات ورزقنا وإياكم الإنصاف والتقوى، وأبعدنا عن الهوى وعن ركوب ما لا يرتضى.
السؤال 267: استشكل علي العلم؛ فتارة أقرأ فقهاً وتارة عقيدة، وتارة أحفظ، فإنني مشتت الفكر فلم أستطع أن أحفظ كما كنت سابقاً، فأرجو من فضيلتكم النصح مع إرشادي لبعض كتب كي أعتكف عليها، ليس فقط لفهمها، ولكن لحفظها، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: أما الاستشكال فهذا لا يقع إلا من حريص على الوقت، وأن يقع الإنسان في الاستشكال فهذا علامة من علامات بدايات الفهم، وكثير من الطلبة يبدأ متحمساً وبعد أن يقرأ مجموعة من الكتب يبدأ يستشكل المسائل، وهذا الاستشكال ينبغي أن يدفعه إلى الأمام، وما ينبغي أن يصيبه إحباط بسببه ذلك. أن أول علامات الفهم استشكال المسائل، ورحم الله الشافعي، فإنه كان يقول: كلما تعلمت مسألة ازداد علمي بمقدار جهلي، فأكثر الناس علماً هم أكثرهم هضماً لأنفسهم، ولذا قالوا: العلم ثلاثة أشبار من دخل الشبر الأول منه تكبر، ومن دخل الشبر الثاني منه تواضع، ومن دخل الشبر الثالث منه علم أنه لا يعلم شيئاً، فمآل العلم أن يعلم الإنسان أنه يعلم شيئاً فينظر إلى نفسه ويعرف حقيقة نفسه الأمارة بالسوء.
وطالب العلم ينبغي أن يحرص على وقته، وكان عمر يقول: (تفقهوا قبل أن تسودوا) أي احرصوا على الفقه قبل أن تصبحوا أصحاب سيادة، وكان سفيان يقول: (طالب العلم إن تزوج ركب البحر، فإن جاءه الولد انكسر به المركب) فإن كان طالب العلم شاباً صحيحاً ليس ذا عيال ولا مسؤولية ولا مهنة، وإنما هو في طور الطلب، فهذا بإمكانه أن يبني نفسه بنفسه، وأن يتقدم، وينبغي أن يكون التقدم سريعاً وتكون القراءة والتحصيل كثيراً، وهذا يحتاج إلى همة.
وقد ألف الإمام الصنعاني رسالة بديعة سماها: "إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد" قرر فيها أن الاجتهاد في عصره أيسر بآلاف المرات من الاجتهاد في العصور الأول، لأن العصور الأول كان الإنسان لا يستطيع أن يتحصل على الكتب، ولا أن يضبطها وكانت الكتابة قليلة، والآن الكتب كثيرة، والفهارس موجودة، لكن العلة اليوم في الهمة، وما أيسر الطلب وما أكثر العلم، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من أشراط الساعة ظهور القلم}، ومع استخدام القلم فإن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويلقى الجهل.
وياليت كثيراً من الناس لا يحسنون القراءة والكتابة، حتى يعرفون الحرص على حلق العلم، فكثير من الناس لا يجلسون في حلق العلم بسبب أنهم يعرفون القراءة والكتابة، فيقول أنا أقرأ، لكنه لا يجلس ولا يقرأ ولا يتعلم ويبقى جاهلاً ويستخدم القلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونصيحتي لطالب العلم أن يكون كالشجرة التي ينبغي إن نبتت أن تكون وارفة الظلال شديدة قوية، يجلس حولها ويتفيأ في ظلها عدد كبير، وألا يكون كالبقلة فينشغل بمسائل طنانة ومسائل موسمية، من غير ملكة ولا يكون فقيه نفس، ولا يتأصل ولا ينشغل بمسائل الباعث لانشغال بها غالباً الرئاسة والتقدم وأن يكون له وجود في المجالس، فالنبتة التي تزرع بسرعة كالبقل وغيره تنبت خلال أيام، لكن لا يتفيأ أحد في ظلها.
واليوم الناس بحاجة إلى من يغرس نفسه في باطن التربة، وأن يطول عليه الأمد والزمن، بحيث إن خرج يكون شجرة وارفة الظلال، يتفيأ الناس في ظلها، من حرارة الشبهات والشهوات الموجودة في المجتمعات بحيث يقع النفع والبركة بهذا الطالب.
وطالب العلم يستخدم المثل الذي يذكر على وجه الذم، لكن هو يحوره ويستخدمه على وجه المدح، وهو ((فرق تسد)) فهذا مثل سيء يقصد فرق بين الأمم تسد، لكن طالب العلم يستخدمه استخداماً شرعياً صحيحاً، فيقول: أفرق المسائل وأفرق العلوم حتى أسود، فينشغل بالمهم فالأهم، وينشغل بداية في بعض العلوم حتى ترسخ قدمه فيها، ثم ينتقل إلى علوم أخر.
ويصعب على طالب العلم أن ينشغل على وجه الحذق والإتقان ومعرفة العلوم على التفصيل في جميع أنواع العلوم فلا بد أن يفرق بين هذه العلوم فيبدأ مثلاً بالتوحيد والتفسير، ثم بعدها مثلاً يبدأ باللغة والأصول، وبعدها بالفقه وعلم المصطلح، وهكذا، يفرق بين العلوم حتى ترسخ قدمه فيها.
وينبغي لطالب العلم على أن يتقن العلوم على المتون المعتبرة عند أهل العلم، فتضبط أي علم على متن معتبر عند العلماء.
أما بالنسبة للحفظ فالذي أنصح به أنه أولى ما يتوجه إليه الحفظ كتاب الله، ثم أحاديث الأحكام مثل عمدة الأحكام أو بلوغ المرام فإن يسر الله لهذا الطالب أن يبقى مستمراً في الطلب حتى يجلس ليدرس ويقع الانتفاع به، فإنه سيسأل عن الأحكام الشرعية وجل الأحكام الشرعية مركبة على أحاديث الأحكام، فهو بحاجة إلى أن يحفظها ويستحضرها، وحفظ النصوص التي فيها العصمة مقدم على حفظ كلام البشر.
وطلبة العلم متفاوتون في الحفظ ووجدت بالتجربة ومن خلال المقابلة مع مجموعة من الأعلام والعلماء في هذا الزمان أن من رزقه الله حفظاً فتحقيقه قليل، ومن رزقه الله تحقيقاً فحفظه قليل، وقل من يجمع بين الأمرين، وهذا دلالة على نقصان الإنسان، وعلى أن التفرد إنما يكون لله عز وجل في الكمال.
ولا بد لطالب العلم أن يكون في محفوظه شيء من نصوص الوحي، وأيضاً مما يستملح من الآثار ومن أقوال السلف، ومن الأشعار ومن الحكم والأمثال والقصص فهذه أمور حسنة، وهي بمثابة الملح، لكن لا ينشغل بها، فطالب العلم ما ينبغي أن يكون قصاصاً، لكن لا بد أن تكون له مشاركة في أن يمس مشاعر الناس وأن يحفظ شيئاً مما يحتاجه الناس في الوعظ وغيره، هذه نصيحتي للسائل والله الموفق...
السؤال 268: هل يؤجر المكلف إذا ذكر الله في نفسه دون أن ينطق بلسانه؟
الجواب: نعم؛ ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم}، والشاهد فيه: {إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي}.
وقوله: {وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم}، يدل على أن الملائكة في مجموعهم أفضل من مجموع البشر لكن الآدمي الذي ينازع نفسه ويجاهدها، وينعى على الاستقامة ويترك الشهوة واللذة من أجل الله، ولا يأخذ منها إلا المباح فهو بفرده خير من المخلوق المجبول على الطاعة، فمحمد صلى الله عليه وسلم بعينه أفضل من الملائكة بأعيانهم، وهكذا، والله أعلم...
السؤال 269: ما حكم من عمل عملاً أراد به ابتداءً وجه الله بنية خالصة، ثم لما رأى غيره ينظر إليه دخل في قلبه الرياء، فأخذ يزين العمل ويحسنه مع بقاء النية الأصلية موجودة، ولكن أحب أن ينظر هذا إليه، فهل هذا يحبط العمل بالكلية وما هي الأسباب التي تعين على الإخلاص؟
الجواب: يقرر الإمام ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين" أن النية على ثلاثة أقسام: رجل دخل في عبادة ونيته أصالة الرياء فقال: هذا لا نصيب له من عبادته، والقسم الثاني رجل دخل بنية فيها إخلاص ودخل عليه الرياء فينقص من عمله من الأجور بمقدار الرياء الذي دخل عليه، والثالث رجل دخل في عمل بنية فيها إخلاص وبقي على الإخلاص ثم دخل عليه العجب بعد العمل فالعجب يأخذ من حسنة عمله بقدره، وقد يحبط العمل بالكلية، وقد قال بعض السلف: لأن أنام طول الليل وأصبح نادماً أحب إلي من أن أقوم طول الليل وأصبح معجباً.
لكن لو رجل دخل في صلاة ونوى أن يطيل فيها، ثم اطلع عليه بعض الناس فيقول: أريد أن أختصر صلاتي خوفاً من الرياء، هذا مخطئ، والصواب أن يبقى على نيته وأن يحسنها، فإن الإنسان إن أراد أن يعمل عملاً صالحاً فإن الشيطان يحاول ما استطاع أن يشوش عليه عمله، فنقول له: حسن نيتك وابق على عملك، فإن التقصير يكون من الشيطان، وهذه وصية لبعض السلف.
وفرق بين من هذا حاله وحال من دخل في الصلاة وهو ينوي التطويل والرياء.ويذكر ابن الجوزي في كتابه "أخبار الحمقى والمغفلين" عن بعض المغفلين أنه دخل الصلاة للرياء فصلى وأطال القيام وهو يصلي، والناس يثنون عليه، وهو مسرور من ثناء الناس فقال لهم وهو لا يشعر: ومع هذا فأنا صائم.
لذا فإن أهم شيء في تحصيل الإخلاص النية، أن تكون لك نية صالحة قبل العمل وأثناء العمل وبعد العمل، وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: ((إن أعجبك حديثك فاسكت، وإن أعجبك سكوتك فتحدث)) فقد يقع الرياء في السكوت أن يقال عنه مثلاً صاحب سمت طيب ومؤدب.
فالإخلاص يتحصل أكثر شيء بالنية، وكان بعض السلف يقول: (أحب أن تكون لي نية صالحة في قيامي، وقعدتي، ونومي وأكلي وشربي)، فيستحضر الإنسان النية قبل كل عمل، فقبل حضور الدرس المدرس والحاضر يستحضر أن هذا علم شرعي وأن هذا طاعة جليلة، ويستحضر انتظار الصلاة إلى الصلاة، وما فيها من أجر.
ومن الأسباب المعينة على الإخلاص، أن يحاول الإنسان أن يكون له في خلوته عبادة وطاعة وأن يحسنها أكثر من تحسينها لعبادته في جلوته.
ومن أسباب الإخلاص أن يدعو الإنسان ربه دائماً أن يرزقه الإخلاص وأن يتعوذ بالله من الرياء وأن يأخذ بالمأثور من قوله صلى الله عليه وسلم في أدعية الصباح والمساء ثلاثاً: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه}، فكان النبي يتعوذ به وهو أكمل الخلق، فما بالكم بغيره؟
ومن أسباب الإخلاص أن يعلم العبد أهميته وأن يعلم أن العمل لا يقبل إلا به، وأن الإنسان مهما كثر من عمل، فإنه لا يرفع له عمل دونه، فالأعمال صورة، وروحها الإخلاص وسر قبول الأعمال عند الله عز وجل، أن يكون صاحبها مخلصاً، وإن قصر فيها.
وأن يعلم الإنسان أن للإخلاص بركة وثمرة في هذه الدنيا قبل الآخرة، فالله عز وجل يبارك للمخلص في عمله ويرقيه من منزلة المخلِص إلى منزلة المخلَص بحيث لا يكون لنفسه ولا لشيطانه نصيب في عمله أو في قوله ولا في سكوته فيبقى ربانياً خالصاً، فالمخلص هو الذي يصطفيه الله عز وجل.
وببركة الإخلاص ينجو الإنسان، وتعلمون قصة الثلاثة في الغار كيف نجاهم الله بإخلاصهم، ونصرة الأمة تقع بالإخلاص، ويذكرون أن رجلاً كان يتزين بزي النساء، ويدخل الأفراح والمآتم، فدخل مأتماً يوماً، فضاعت درة، فقال أصحاب البيت: أغلقوا الباب كي نفتش، فأخلص لله في الدعاء، وعاهد الله تعالى لئن نجاه الله من هذه الورطة ليتوبن ولا يعودن لمثلها أبداً، فبقي يؤخر نفسه حتى وجدوا الدرة مع التي قبله، فقالوا: أطلقوا الحرة لقد وجدنا الدرة، فاستجاب الله له ببركة إخلاصه.
واعلموا أنه لا يخاف من الرياء إلا المخلص، وأن المرائي لا يسأل لا عن رياء ولا عن إخلاص، فإن خفت على عملك من الرياء، فاعلم أنك تعرف مقدار الإخلاص، وإن لم تخش على نفسك من ذلك فأنت على خطر، فنسأل الله أن يرزقنا الإخلاص وأن يرقينا في هذا المقام حتى يجعلنا مخلصين.
أما الرضا عن النفس فهو عارض، وأما العجب فهو دائم، فيظل المعجب يرى في نفسه تيهاً وكبراً، والرضا عن النفس هو ثمرة كاللذة فالطعام وهو بين أسنانك تشعر بلذته، فإن انتهى الطعام زالت اللذة، فيعود الإنسان ويبقى على خطر عند ذهاب اللذة.
ومن أشنع ثمار الرياء وأبشعها أن صاحبه لا بد أن ينتكس في الدنيا قبل الآخرة ،فلا يسلم المرائي له عمل في الدنيا قبل الأخرة، لكن الذي يرضى عن نفسه قليلاً هو يرتقي وهذا الرضا عارض.
وقد ورد في حديث نعرفه جميعاً فيه زيادة قد تغيب عنا، وهي مهمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها}، هذا أمر خطير جداً أن يعمل الواحد بعمل أهل الجنة حتى تصبح الجنة قريب منه بمقدار ذراع فيسبق عليه الكتاب والعياذ بالله، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وفي رواية في صحيح مسلم: {وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها}، فهو يعمل بعمل أهل الجنة في الظاهر لكن الباطن خراب، فهذا مآله أن يسبق عليه الكتاب ويعمل بعمل أهل النار.
لذا لا يسلم ولا ينجو إلا المخلص، وحبل الكذب قصير والإنسان يتعامل مع الله عز وجل، الذي يعلم السر وأخفى.
السؤال 270: هل يجوز استخدام سن من ذهب؟
الجواب: استخدام السن من الذهب، إن كان تجملاً فلا، وأما إن كان تطبباً؛ وفي الذهب ما ليس في غيره فجائز، وقد ثبت عن عرفجة، الصحابي البدري، أنه أصيب في بدر بأنفه، فاتخذ أنفاً من ذهب، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، واتخاذ السن كاتخاذ الأنف.
أما أن يكون الرجل أسنانه سليمة، ويتخذ سناً من ذهب زينة، لا تطبباً فهذا غير جائز، أما في التطبب فجائز ولا حرج، ولا فرق بين الرجل والمرأة في هذا.
السؤال 271: ما هو القول في كتاب "الحيدة" من حيث ثبوت نسبته إلى عبدالعزيز الكناني، وما رأيكم فيه؟
الجواب: كتاب "الحيدة" مادته حسنة بالجملة، وهو مناظرات من عبدالعزيز الكناني لبشر المريسي أمام المأمون، والمناظرات قوية مفحمة، تبين سداد وصواب مذهب أهل السنة في مسألة كلام الله عز وجل، وأن القرآن غير مخلوق، فمادته علمية جيدة.
لكن شكك غير واحد من أهل العلم في صحة نسبته لصاحبه، والتشكيك له أسباب وهي: ما ذكره الحافظ ابن حجر في "اللسان" في ترجمة عبدالعزيز الكناني، قال: كيف ينصر المأمون الاعتزال ويؤذي أهل السنة، وقد قامت هذه المناظرات بين يديه، كما هو في الكتاب، وقد أفحم بشر المريسي ولم يتكلم بكلمة، فالأصل أن يكون المأمون إن كانت هذه المناظرات واقعية صحيحة أن ينصر مذهب أهل السنة، لأن الحج لائحة، ولم يبق كلام أبداً لبشر، فيستبعد أن يبقى المأمون على مذهبه وأن يؤذي أهل السنة، وهذا كله قد جرى على هذه التفصيل بين يديه.
وقد قال ابن حجر هذا الكلام بعد أن نقل كلام الذهبي في الميزان، وهو أن في إسناده هذا الكتاب رجل اسمه محمد بن الحسن بن الأزهر، اتهمه أبو بكر ابن الخطيب بالوضع، فقال عنه: وضاعاً، فكتاب في سنده وضاع وحاله كما قال ابن حجر، قال: فهذه النسبة لم تثبت.
وهناك مسألة الخلاف فيها كبير بين العلماء، وهي هل يحتاج الكتاب إلى إسناد كالحديث؟ أم أن شهرته تكفي؟ فمنهم من قال تكفي الشهرة فإذا اشتهر عند أهل العلم أن فلاناً قد ألف كتاباً، فهذا يكفي، فما نحتاج لأن نثبت أن البخاري ألف صحيحاً مع أن إسناد البخاري موجود إلى اليوم.
وطبع حديثاً الشيخ علي الفقيهي كتاب "الحيدة" ومال في مقدمته إلى صحة النسبة، وأيد كلامه بأمرين، بعد مناقشة ما ذكره الحافظ ابن حجر في المأمون، فقال قد يبقى الإنسان على مذهبه ويسمع كلاماً يفحم، ويكون هناك دواعي تبقيه، فهذا لا يكفي.
ثم قال: أما موضوع إسناد الكتاب وأن فيه وضاعاً، فقد ثبت نقل لابن بطة في كتابه الإبانة، ينقل عن كتاب الجيدة بإسناد آخر رواته ثقات، فيا من تنكرون هذه النسبة بسبب هذا الرجل، هناك سند آخر، وأكد كلامه بالشهرة وأفاض في نقل العلماء عن هذا الكتاب فأثبت أن ابن تيمية وابن القيم والذهبي وحتى ابن حجر قد نقلوا عن هذا الكتاب وعزوه إلى صاحبه، فالقلب يميل إلى صحة النسبة، مع وجود إسناد ابن بطة في كتاب الإبانة، والله أعلم...
السؤال 272: ما صحة القاعدة الآتية: يحرم ما يأكل بنابه أو بمخلبه؛ أي اشتراط أكله بالناب أو بالمخلب، وعلى هذا ما حكم أكل الفيل؟
الجواب: القاعدة يدل عليها حديث نبوي شريف، ورد في صحيح مسلم عن أبي ثعلبة الخشاني رضي الله عنه، قال: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع} وأخرج أيضاً بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل ذي ناب من السباع فأكله حرام}، وأخرج بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير}.
إذن فكل حيوان يأكل بنابه ويفترس بنابه وكل طير يفترس بمخلبه فأكلهم حرام، كالأسود والفهود، والصقور والنسور فهذه قاعدة صحيحة.
ويستثنى الضبع كما جاء في مسند الإمام أحمد، فهو صيد، والراجح أنه يجوز أكله، وإن كان الضبع يأكل بنابه، وهنالك تصور عند كثير من الناس أن الشق الأيمن من الضبع حلال، والشق الأيسر حرام، وهذه خرافة ما أنزل الله بها من سلطان.
والضبع استثنى بنص، مع القول بأن الجماهير يحرمونه، لأنهم قالوا إن الحديث مضطرب، ولكن الاضطراب مرفوع، وليس كل اضطراب يعل به الحديث، وكل ما في الأمر هو هل الحديث مرفوع أم موقوف.
أما الفيل فقد ألف الدميري شيخ الحافظ ابن حجر، كتاباً سماه "حياة الحيوان الكبرى" رتب فيه أسماء الحيوانات على الحروف، وهو يشمل كل ما يتعلق بالحيوان فذكر عن كل حيوان تعريفاً به، وخواصه وذكر عن كل حيوان حكمه، من حيث الحل والحرمة على المذاهب وما ورد في ذلك من أحاديث وآثار وقصص وأشعار، وذكر ما يؤول في المنام إن رآه النائم، فهو كتاب موسوعة حول الحيوان.
ومما ذكر فيه عن الفيل (ص 234/ جـ2) قال: يحرم أكل الفيل على المشهور، وعلله في "الوسيط في الفقه" (أبو حامد الغزالي) بأنه ذو ناب مكادح، وقال: وفي وجه شاذ لأصحابنا بالجواز، فالقول المعتمد بالحرمة لأن له ناباً، وقال: قال الإمام أحمد: ليس الفيل من أطعمة المسلمين، وكرهه أبو حنيفة ورخص بأكله الشعبي.
فالراجح أن أكله حرام، كما قال أحمد: ليس من طعام المسلمين ولأن له ناباً، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم أكل ذي ناب من الحيوان، والله أعلم..
السؤال 273: هل يمكن أن يكون النوم عن صلاة الفجر من الابتلاء؟
الجواب: من نام عن صلاة الفجر فهذا معاقب، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من نام حتى يصبح فقد بال الشيطان في أذنيه}، وهذا الحديث وضعه البخاري في كتاب التهجد وقال أي: من نام حتى يسمع أذان الفجر فما بالكم من نام حتى تطلع الشمس فماذا نقول عنه؟ نسأل الله العفو والعافية.
والنوم عن صلاة الفجر إن كان فلتة لعرض بحكم تعب وما شابه فهذا وقع مع النبي في سفرة من الأسفار.
أما أن تكون هذه عادته فتفوته الصلاة، وتكون ثقيلة عليه، فهذه من صفات المنافقين لأن أثقل صلاة على المنافقين الفجر والعشاء ،ومن صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله.
ويذكرون عن سجان الحجاج، قال: كنت سجاناً للحجاج مدة طويلة فما دخل أحد السجن إلا سألته: هل صليت الفجر في جماعة؟ فيقول لي: لا، ولم يقل لي واحد منهم أنه صلى الفجر في جماعة.
لذا فمن صلى الفجر في جماعة فهو رعاية الله وكنفه، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله، فلنحرص على صلاة الفجر في جماعة والله الموفق.
السؤال 274: هل الركوب مع سائق التكسي دون محرم يعد خلوة محرمة لا تجوز؟
الجواب: نعم، المرأة إن ركبت مع السائق ولا يوجد بينهما أحد حالها كحال من جلست مع رجل أجنبي في حديقة عامة على مقاعد المتنزهات، فهي خلوة غير شرعية، {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما}، كما صح عند الترمذي بإسناد جيد.
وبعض الناس يلبسون ويشوشون ويسقطون شروط الخلوة الشرعية، التي تترتب عليها آثار وأحكام مقررة في الفقه، فيأخذون هذه الشروط ويجعلونها للخلوة المحرمة.
والعلماء يذكرون الخلوة الشرعية بين الزوج وزوجته التي عقد عليها، ولم يدخل بها، ويذكرون لها شروطاً إن وقعت فيجب لها المهر كله، فيقولون شروط الخلوة أن لا يكون مانع حسي من الدخول بها، كأن لا تكون حائضاً مثلاً وأن لا يكون هنالك مانع شرعي كأن يكون أحدهما صائماً صيام فريضة، وأن يوجدا في مكان يغلقان عليهما الأبواب ويسدلون الأستار، وألا يكون بينهما مميز، فهذه شروط الخلوة بين الزوج وزوجته التي لم يدخل بها.
وبعض أبالسة الإنس في هذا الزمان يجوزون للرجل أن يجلس مع المرأة ويعللون بأن شروط الخلوة الشرعية غير متوفرة، فمثلاً يقولون: الحائض يجوز أن تجلس معها، قاتلهم الله أنى يؤفكون، فهم متساهلون جداً في فقه المرأة، فيقولون: لو أن المرأة لبست بنطالاً ضيقاً وسترت شعرها وبشرتها فهذه تلبس لباساً شرعياً ولو صلت على هذه الحال فصلاتها جائزة.
فهذا الصنف أخذ شروط الخلوة الشرعية ووضعها في غير مكانها، فأن يخلو الرجل بالمرأة حرام، ولا يشترط في الخلوة أن يكون المكان مغلقاً، ولا يكون هناك مانع حسي، ولا شرعي، ولا مميز، لكن كلما وجدت هذه الشروط كانت الحرمة أشد، وكان الشيطان أغلب، وكم من سائق يرتكب الفواحش في سيارته على قارعة المكان، فهذه خلوة محرمة، والذي يشترط هذه الشروط يضع الأشياء في غير مكانها.
ولو كانت أكثر من امرأة مع الرجل في السيارة تخف الخلوة، لكن القاعدة المقررة عند أهل العلم أن اجتماع مجموعة رجال مع امرأة أهون من اجتماع مجموعة نساء مع رجل، لما ثبت في صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، وصحبه كانوا يدخلون النساء اللاتي غاب عنهن أزواجهن في الجهاد.
وقال الإمام النووي في شرحه على هذا الحديث: وفيه جواز دخول أكثر من رجل على المرأة إن دعت حاجة، لا سيما إن كانوا معروفين بالفضل والديانة والمروءة، أما اجتماع أكثر من امرأة على رجل فهو شر من ذلك، والله أعلم..
السؤال 275: هل يجوز أن أقول للشخص الذي أخذت منه شيئاً: يخلف عليك، فيرد هذا الشخص: على الله؟
الجواب: ربنا يقول: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}، فالله الذي يخلف ومن الذي يخلف غير على الله؟ فبعض الناس اليوم لما يأخذ من آخر شيء ويشكره فيقول يخلف على الله.
ومن الذي يقدر أن يخلف على الله، وله سبحانه ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، فهذه مقولة آثمة خاطئة ليس فيها أدب مع الله عز وجل.
السؤال 276: ما هو الأفضل العلم الشرعي أم الزواج؟ ومن هو الأولى؟
الجواب: الأصل ألا يوجد تعارض بين العلم والزواج، والأصل في الزواج أن يعين على الطلب، لكن بشرط حسن الاختيار.
وكثير من طلاب العلم لما تسأله تزوجت، يقول لك:لا أنا طالب علم، وما الذي يمنع أن تكون طالب علم ولك زوجة، لا سيما إن أحسن الإنسان الاختيار، واختار طالبة علم، فإنه يعمر وقته معها ويتقدمان في الطلب.
فلا يوجد مفاضلة بين الزواج وبين طالب العلم، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو سيد العلماء وله زوجات، فطالب العلم لا يمنعه طلبه أن يتزوج، إن كان الانقطاع الكلي للعمل يحتاج إلى فترة ويحتاج إلى نوع تفرغ.
لكن إن كانت الشهوات والفتن قريبة من الإنسان ونفسه تنازعه فحينئذ التخلية قبل التحلية، فأن يخلي الإنسان نفسه من شرورها مقدم على أن يحليها في الطاعة.
والزواج سكن فالإنسان يحتاج إلى الزوجة، لا سيما في هذا الزمان ،وأنا أنصح طلبة العلم، وأنصح أولياء الأمور للذكور والإناث أنصحهم وأدعوهم إلى الزواج المبكر، وأرى أن في الزواج المبكر فوائد عظيمة، لا سيما فيمن رزقه الله سعة من المال، فالزواج المبكر يعجل في رجولة الولد، والزواج المبكر يؤتي بثماره من حيث الولد، فالعنوسة تأخير الزواج من أسباب الفتنة في المجتمعات هذه الأيام.
وينبغي للغيَّر على الفضيلة وعلى الديانة، لا سيما من الأثرياء أن يكون لهم خطوات عملية في المجتمع تحد من العنوسة ومن صعوبات الزواج أمام الشباب لا سيما أن الزواج من الحاجيات الأصلية التي يجوز مساعدة الفقير عليها من مال الزكاة، فأنا أرى من مصارف الزكاة المهمة التي لها ثمرة وبركة هي أن يبحث الإنسان عن رجل صالح يريد أن يعف نفسه ولا يقدر على الزواج، فيعطيه من مال الزكاة فيكون سبباً في وجود الأولاد الصالحين، فهذه أشبه ما تكون بالصدقة الجارية. وهذا الباب ينبغي أن يعالج. فأهل الفساد وللأسف يتفنون في فسادهم وفي عرضه ويؤصلونه ويدعون إليه بقوة، وأهل الخير نائمون وغافلون، ومع وجود الملذات والشهوات إن أهل الخير غفلوا وأهل الشر تفننوا وجدوا واجتهدوا فمن الطبيعي أن نرى ما نرى هذه الأيام في المجتمعات .
السؤال 277: لي أخ، وفي بعض الأحيان أكرهه في الله، وفي بعض الأوقات تمر فترة طويلة جداً وأنا لا أتكلم معه بسبب معاصيه، وهو يصر أحياناً على المعصية، فهل انقطاع حديثي معه لفترة طويلة جداً تسبب لي الإثم، أم لا، لأني أبغضه في الله عز وجل؟
الجواب: بالنسبة للهجر فهو مشروع عند الضرورة، وأما أن يكره الرجل أخاه لله فهذا من علامات الإيمان فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : {من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان}، فالبعيد المؤمن مقدم على القريب الفاسق في الحب.
وأما أن تهجر أخاك فهذا لا يجوز إلا بعد النصيحة، وبعد أن يغلب على ظنك إن بقيت معه فإنك ستتأثر به سلباً أو إن غلب على ظنك إنك إن هجرته فإن هذا يردعه ويعيده إلى حظيرة الحق، والبعد عن الباطل، ويقرر العلماء أن الهجر دواء ينبغي أن يستخدم في وقته وبمقداره دون زيادة، فالأصل في المسلم أن تكون علاقته مع أقاربه لا سيما أشقائه حسنة، لكن إن خاف على نفسه من قربه منه أو إن قاطعه فيعيده للحق فهنا هجران شرعي صحيح.
وعلى العاقل أن يتدبر بواعثه ودوافعه للهجران وأن يكون ذلك من أجل الله عز وجل. فقد تهجر أخاك لمعصيته وتكون لك علاقة حسنة مع بعض الأصدقاء وهو شر حال من أخيك من حيث ديانته فهذا هجران ليس من أجل الله.
وذكر ابن أبي جمرة في "بهجة النفوس" قيداً نافعاً عزيزاً في الهجران، حتى يكون من أجل الله، وحتى يكون من أجل حظ النفس، وهذا القيد ذكره ابن أبي جمرة في حادثة الإفك، فمسطح الذي خاض في عرض عائشة، رضي الله عنها، كان أبو بكر رضي الله عنه، ينفق عليه لفقره، ولما خاض في عرض عائشة، بقي أبو بكر ينفق عليه، فلما أنزل الله براءة عائشة من السماء قطع أبو بكر النفقة على مسطح، فقال ابن أبي جمرة: (لو أن أبا بكر قطع النفقة بمجرد خوضه قبل نزول البراءة، لهجره من أجل حظ نفسه، ولكنه بقي ينفق عليه، وقطع النفقة عنه بعد أن أنزل الله برائتها فقطعه من أجل الله). فانظروا إلى دقة الباعث فقد يهجر بعض الناس من أجل الله طاعة وعبادة لكن في الوقت والقدر وعليه أن يبحث عن بواعث هذا الهجران وأن يخلص فيه لرب العالمين.
السؤال 278: ما حكم أكل الدجاج هذه الأيام، ونحن نعلم أن المزارع غالبها تستخدم الأعلاف المركزة، وهي عبارة عن جيف الحيوانات مثل الخراف والأبقار والدجاج، ومن ريش وعظم ودماء، كما نقل من بعض أصحاب هذه المزارع وذلك لاضطرارهم لفعلهم هذا لجلب الربح علماً بأن الدجاج في خلال شهر واحد منذ تفقيسه يصبح جاهزاً للأكل وهل يجوز أن نربي الدجاج في البيت مدة ثلاثة أيام ونطعمه من القمح والشعير حتى يخرج من حكم الجلالة إذا اعتبرنا أن هذا الدجاج الذي في المزارع حكمه حكم الجلالة؟
الجواب: الدجاج إن أكل النجاسات فهو جلالة، ولا يجوز أكله حتى يطعم الطاهر ثلاثة أيام فيتغير لحمه.
وأما بالنسبة إلى ما ذكر في السؤال مما يسمى اليوم عند أهل هذا الاختصاص بالعلف المركز، ويكون من الريش وبواقي الدجاج وغيره، ويخلط ويطعم، وينمو الدجاج نمواً سريعاً في وقت قصير.
ويذكر في هذا الباب أمور: الأمر الأول أن هذا نسبة من العلف وليس هو كل العلف، وفيما ينبغي أن هذه النسبة قليلة والغالب الحل، والأمر الثاني أن هذا الطعام يكون في مدة معينة، يطعم للدجاج ثم بعد هذه المدة يطعمونه العلف الطبيعي، وهذا يجعله يتغير ويصبح حلالاً والأمر الثالث أن في نجاسة الدم خلاف بين أهل العلم.
ولذا لا أرى حرجاً من جواز أكله والأحسن أن يتأكد الإنسان ويطعمه العلف الطاهر ومن وجد في نفسه شيئاً لا يأكل لكن لا يحرم على الناس ، والله تعالى أعلم.
السؤال 279: ما حكم نسيان التسمية على الذبيحة؟
الجواب: المسلم إن ذبح لابد لذبحه من شروط ومنها أن يذكر الله تعالى، ووقع خلاف بين أهل العلم، المسلم إن ذبح ولم يذكر اسم الله ناسياً فحرم ذبيحته الحنابلة، وجوزها الشافعية، وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قال: ((ذكر الله في قلب المسلم ذكر أو لم يذكر)).
أما مجرد الذكر على الشريط دون تسمية من الذابح فهذا مقصور وهذا لا يجوز والله تعالى أعلم.
السؤال 280: ما هو حكم العزل؟
الجواب: قد ثبت عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قوله: {كنا نعزل والقرآن ينزل}، وقول الصحابي: والقرآن ينزل فيه دلالة واضحة قوية على أن ذلك كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل، فقال: {تلك المؤودة الصغرى}، ولذا قال العلماء: إن العزل مكروه لأن النبي قال عنه: مؤودة، وفعل الصحابة له يدلل على عدم الحرمة، والعلماء يقولون الكراهية تشتد إذا عزل عن الحرة دون إذنها؛ فإن في النكاح عفة للذكر والأنثى، وكما أن للرجل حق التمتع بالزوجة، فإن للزوجة حق التمتع بالرجل، فلا يجوز للرجل أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها، خلافاً للأمة، فلا حق لها في ذلك.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: {لو أن أحدكم أراق ماءه على صخرة، وشاء الله أن يكون الولد لكان فإن الولد ليس من جميع الماء}.
والدعوة التي في الإعلام لتقليل المسلمين من أنسالهم دعوة باطلة، ودعوة يكرهها من يحب تكثير المسلمين، ونقول هذا وفي لوعة وحسرة، نحب أن يكثر عدد المسلمين بالعزة، وأن يكثر عدد الأمة المحمدية الحقة، وليست هذه الأمة، أمة الغثاء، التي أصبحت لا تسأل عن أحكام الله، وأصبح الواحد له من الذرية ماله، وكأنه محكوم عليهم بالنيران فكم من رجل يكون معنا في المسجد وأولاده لا يأتون المسجد ولا يصلون ولا يعرفون القبلة.
ولما نقول: تناكحوا وتناسلوا يا أمة محمد، ونرى المسلمات في التبرج، والمعاصي فيدخل في حزن ونحن نريد أن نكثر أمة محمد أمة الدعوة والدين، أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نريد أن نكثر أمة الغثاء، التي جلبت لهذه الأمة الأدواء.
وأعجب كل العجب ممن يحرص على المسجد وينس ابنه، وفي النهاية سيكون ابنه عدواً له في الدنيا والآخرة فإن أردت من ابنك أن يطيعك اليوم، لم يبق لك إلا أن يتقي الله ويخاف الله، ومجيئك بابنك إلى مسجد هو لك ،وأحضره صغيراً حتى لا تلام.
وأعجب كل العجب من امرأة شمطاء كبيرة، وهي تمشي في الطريق تتعاهد خمارها خشية أن يظهر شعرها، والبنت التي معها متبرجة، فإن جاز الكشف اكشفي أنت واستري على ابنتك، فأنت لست مطموعاً فيك، وابنتك مطموع فيها، فأعجب جداً من النساء، ابنة في سن الشباب والفتنة، تخرج متعطرة متبرجة متزينة، ثم أمها تجعل نفسها ورعة، وتتستر وتحرص على حجابها، فأي منطق وهذا وأي مفهوم وأي دين وأي عقل هذا وأي عادات؟! وأنا لا أتكلم عن كوكب آخر، وإنما أتكلم عن كوكبنا وعن حارتنا، وهذا واقعنا للأسف وموجود في كل مكان، والله لو أن أبناء المسلمين في المساجد لما بقي هذا حالنا.
وكلنا يهدم الدين، ويحمل في يده معول ويضرب الدين ضربات يتصدع الدين منها، ثم كلنا يبكي على الدين، فاليد تهدم واللسان يولول والعين تبكي، والأعين كاذبة والألسن كاذبة، فمن أراد أن يبني فليبين بنفس مطمئمنة وبخطة بعيدة، فالذي عنده ابن شارد يدفع ضريبة الشرود نتيجة إهماله لكن لتكن عنده خطة بعيدة يستوعب فيها الولد، وليفكر بتحسينه كما يفكر بتحسين وظيفته وأثاث بيته، فالواحد الذي يريد شراء الأكواب التي يستخدمها في الضيافة يتردد، ويقف طويلاً ويدخل محلات عديدة، وهو يبحث عن النوعية واللون والمنظر، فاجعلوا أبنائكم مثل هذه الأكواب، فو الله إن أكواب الشاي التي في البيوت أعز علينا من ديننا ومن ربنا فالولد إن شتم الرب، الأم والأب كأنهم لا يسمعون، وأما إن كسر كوب الشاي، فتقوم الدنيا ولا تقعد، فبالله عليكم أما نستحق ما نحن فيه، وكل الذي يحصل لإخواننا في جميع الدنيا بأيدينا ومنا.
والخطوة الصحيحة أن نبدأ بأنفسنا فربنا قال ذلك: {إن الله لا يغير ما تقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، ولكننا لا نريد التغيير، ولكننا كاذبون، والذين يتكلمون، يتكلمون وهم لا يعون، ولا يعرفون، وحالنا لا يسوى إلا أن نكون هكذا، ونكون ذيلاً وعبيداً مستحقرين، دماء الكلاب خير من دماء الواحد منا، فهذا حالنا فلنعرف قدر أنفسنا ولنعرف أعمالنا، ولنتفقد أحوالنا لعل الله عز وجل يرزقنا أن نغير ما بأنفسنا لعل الله يغير ما بنا ويرحمنا.
السؤال 281: ما صحة هذا الحديث: {مسكين رجل بلا امرأة مسكين رجل بلا امرأة، مسكين رجل بلا امرأة، مسكينة امرأة بلا رجل، مسكينة امرأة بلا رجل، مسكينة امرأة بلا رجل}؟
الجواب: طال بحثي عن هذا الحديث، ووجدته مشتهراً على ألسنة الوعاظ قديماً ولم يرد مسنداً في كتاب ولذا وجدت شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، في كتابه "أحاديث القصاص" (ص30-31) وفي مواطنين من مجموع الفتاوي (جـ11،ص125، 380) يقول: (هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وما أظن أجده مروياً ولم يثبت).
ثم وقفت على عبارة للإمام المنذري في كتابه البديع "الترغيب والترهيب" فقال بعد أن أورده وأورد قبله قوله صلى الله عليه وسلم: {الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصالحة}، ثم أورد هذا الحديث، فقال: ذكره رزين، ورزين هذا الأحاديث التي ينفرد بها جلها لا خطام لها ولا إسناد، قال المنذري: ولم أجده في شيء من أصوله، وشطره الأخير منكر، أي: {مسكين رجل امرأة.....}، وأما ما قبله: {الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة} فهذا صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم.
وإيراد ابن تيمية لهذا الحديث في كتابه "أحاديث القصاص" فيه إشارة إلى شهرته عند القصاص قديماً، ولا زال الأمر كما يقال : التاريخ يعيد نفسه، فلا يجوز لواعظ ولا لأحد أن ينسب هذا الحديث إلى رسول الله { البتة، فهو ليس بحديث ولا يوجد له إسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم...
السؤال 282: هل يجوز للمرأة أن تترك الصلاة بسبب الحمل ومشقته؟
الجواب: لا يجوز لأحد أن يترك الصلاة، ما دام عاقلاً يقظاً، وصورتان لا ثالث لهما، يمكن للإنسان أن يترك فيهما الصلاة، النسيان والنوم، والناسي يصليها متى ذكرها ، والنائم يصليها متى استيقظ، والمرأة الحامل إن كانت لا تقدر على القيام تصلي جالسة، فإن لم تقدر على الصلاة جالسة تصلي مضطجعة.
وكان عمران بن حصين معه الناسور، نسأل الله لنا ولكم العافية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الصلاة، فقال: {صل قائماً فإن لم تستطع فجالساً، فإن لم تستطع فعلى جنب} رواه أبو داود.
فلا يجوز للمكلف أن يترك الصلاة أبداً، فهذه المرأة إن لم تستطع أن تصلي قائمة تصلي جالسة، فلا يجوز أبداً ترك الصلاة، وترك الصلاة كبيرة من الكبائر، وربنا سمى تاركي الصلاة مجرمين، قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر، قالوا لم نكن من المصلين} فمن صفات المجرمين ترك الصلاة، ولذا بعض الناس لا يقدر أن يعيش في بيته ولا يهنأ به، لأنه يعيش مع مجرمين، فسعادة بعض الناس أن يقضي أوقاته خارج بيته، لأنه في سجن، فلو أن أولاده وأهل بيته عمروا هذا البيت بالصلاة وذكر الله، لوجد هناءة في بيته.
ومن السنة أن يتخذ في البيت مكان للصلاة، وبوب الإمام أبو داود في سننه باب تجمير المساجد التي في البيوت، فمن حق البيت كما أن فيه غرفة للضيوف وغرفة طعام وغيره، أن يكون فيه مكان للذكر والصلاة ولقراءة القرآن فعلينا أن نؤدي هذه الزكاة، زكاة البيت، وهذه الزكاة تزكي البيت، وتجعل فيه الطمأنينة والهناءة ،وفقنا الله لما يحب ويرضى.
السؤال 283: هل لأحد الأبوين أن يلزم ولده بنكاح من يريد؟
الجواب: لا يجوز للأب أن يجبر ابنه على نكاح من يريد، فإذا كانت البنت البكر لا يجوز نكاحها إلا بعد أن تسكت لحيائها، فما بالكم بالشاب الذي يقول بأعلى صوته: لا أريد فلانة، والأب يقول لا أزوجك إلا إياها، فاتق الله أيها لأب هذا أمر لا يجوز لك شرعاً.
ووجدت شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي يستدل على الجواز هذا بكلام بديع، يقول: (ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد وأنه إذا امتنع لا يكون عاماً، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه، كان النكاح كذلك وأولى، فإن أكل المكروه مرة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك).
فلا يجوز للأب أن يجبر ابنه على أن يتزوج امرأة بعينها، لكن له أن يجبره على أن يتزوج امرأة بصفات معينة كأن تكون ذات دين مثلاً، أما فلانة بعينها فلا، والله أعلم..
السؤال 284: أنا مدرس أعمل في إحدى مدارس وكالة الغوث الدولية، الحالة الحادثة كما يلي: يتم اقتطاع مبلغ من الراتب بنسبة 7% من راتب المدرس ويضاف حوالي 14% من إدارة الوكالة تجمع له في رصيدي الخاص، يستلمه في نهاية خدمته وهذا المبلغ أثناء الخدمة يتم تشغيله، في أوجه لا يعلمها المدرس، أهي مشروعة أم لا، خصوصاً أن القائمين عليها مؤسسات دولية يتم إعلام المدرس سنوياً بما حدث في رصيده التوفيري، من ربح أو خسارة، واحتمالية الربح والخسارة واردة بشكل فعلي، وقد حدث ذلك، فالسؤال هل يجوز الانتفاع بهذه الأرباح أم لا؟ وفي حالة الحرمة ما هي أوجه صرف تلك الأموال؟ وهل يجوز أخذ قرض من الوكالة، علماً بأن هذا القرض حسن بلا فوائد لكن يؤخذ مبلغ من الأموال زهيد بدل خدمة من ورق وأدوات قرطاسية وما شابه؟
الجواب: لو قال السائل علماً بأن هذا القرض حسن بلا ربا، لكان أحب إلي فإن الربا لا يجوز أن نسميها فوائد، وإن جاز لنا أن نغير اسمها فلنسميها مضار.
أما جواب السؤال فأقول –وأستعين بالله أولاً- ما يقتطع من راتبك لك، ثانياً ما تضيفه الجهة التي تعمل عندها عملاً حلالاً هو لك، تم تشغيل الأموال هذا الحلال منه لك، والحرام منه ليس لك، بمعنى أنك لا تملك ملكاً شرعياً.
وأما قول السائل بأن المدرسين لا يعلمون كيف تشغل هذه الأموال فليس بصحيح، فقد زارني منذ فترة بعض القائمين على مجلس المعلمين وقد أخبروني بأن النسب يعرفونها، وكل نسبة ربح يعرفون بماذا تعمل، فبعضها تربط مع بنوك على أمد بعيد بربا، وهذه ليست لك، وبعضها يكون من خلال متاجرات معينة وصفقات معينة وهذه لك، والنسب عندهم في كل عام معروفة، والمسألة تحتاج إلى أناة، وتحتاج إلى ورع وتقوى.
والمال الذي ليس للمعلم لا يجوز أن ينتفع به، ولا في معاشه ولا في درء المظلمة عن نفسه، كدفع الضرائب وما شابه ولكن يتصدق به، مع مراعاة قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً}، فالصدقة لا تقبل إلا إن كانت طيبة لكن أرجو أن يكون لهذا المتبرع أجر ناقل الصدقة، وليس أجر الصدقة، فلا يترك هذا المال في البنك، حتى لا يتقوى البنك بأموال المسلمين، والأفضل أن يخرجه في المرافق العامة للمسلمين ،مثل بناء الأدراج أو تعبيد الطرق، أو أشياء مهانة كحمامات المساجد، أو أشياء زائلة غير دائمة، وعموم النفقة جائزة إن شاء الله، فالقاعدة الفقهية عند أهل العلم أن المال الخبيث سبيله الصدقة والخلاصة أنه ما قطع من مرتبة أو أضيف عليه وما شغل بالحلال، وما شغل بالحرام يؤخذ ولا يترك وينفق ولا يستفاد منه، ولا في درء المظلمة.
أما بالنسبة للقرض فلا أرى حرجاً أن تأخذه، بل أنا أشجع على أخذه لأنه يقلل من عملية الربا لاسيما أنه كما وصفه بأنه حسن، وأما ما يدفع من كلفة القرطاسية وما شابه فهذا لا حرج فيه إن شاء الله، وبعد التمحيص والنظر مع السائلين من تلك اللجنة قالوا: إننا احتطنا ما استطعنا في أن تكون النسبة المخصومة بمقدار الكلفة فحسب، فإن زاد فإننا نعيد الأموال هذه إلى من أخذوا القرض فهذا أمر حسن والحمد لله، والله أعلم...
السؤال 285: انطلاقاً من قوله عليه السلام: {فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل}، هل يجوز للخاطب أن ينظر إلى شعر البنت أو رجليها قبل الخطبة؟ وما صحة الأثر المروي عن عمر بن الخطاب أنه نظر إلى ساق إحدى النساء حتى يكون أدعى لخطبتها؟ نرجو التوضيح والتفصيل.
الجواب: مذهب الجماهير الفقهاء المحررين منهم، لا يجوز للخاطب إلا النظر إلى الوجه والكفين، والعلماء يقولون: الوجه هو مكمن الجمال، والكفان بهما يعرف الخاطب هل المخطوبة سمينة أم نحيفة؟
أما قوله صلى الله عليه وسلم: {فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل}، فهذا من غير علمها فكان بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المغيرة بن شعبة يختبئ لمخطوبته، فإن أوقع الله عز وجل في قلب رجل أن يخطب امرأة بعينها، واستطاع من غير أن تعلم أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فلا حرج، لكن دون أن تعلم، أما أن تخرج عليه كاشفة الشعر أو الساقين أو اليدين، فهذا قول ضعيف، مرجوح عند الفقهاء.
وهناك قول ضعيف يستدلون بقصة عمر مع ابنة علي، وهذه القصة ضعيفة، ولم تثبت والقصة تقول إن عمر خطب إلى علي ابنته، أم كلثوم، فذكر له صغرها، فقيل له إن ردك فعاوده، فقال له علي: أبعث بها إليك، فإن رضيت بها فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عمر عن ساقيها، فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لفقأت عينك، وهذه القصة ضعيفة ؛ فيها إرسال وانقطاع، وكان شيخنا يصححها، ثم تراجع عن تصحيحها، وهذا ما تقتضيه قواعد الصنعة الحديثية، وما رام التفصيل فلينظر في السلسلة الضعيفة الجزء الثالث ص 433؛ فالقصة لم تثبت لكن ثبت أن عمر تزوج أم كلثوم ابنة علي، وهذه حبة رمان في أعين الرافضة، فلو كان عمر ليس بمرضي، فكيف علي يزوج ابنته له؟ فهذا أطعن في علي، وقبح الله الرافضة فيتكلمون على أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج ابنة أبي بكر، فهذا أطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ويتكلمون على عمر وعمر تزوج ابنة علي، وبعض الرافضة والعياذ بالله، وهم لا عقول لهم كما قال أبو عبيدة القاسم بن سلام، بعض الرافضة يقول: عمر لم يتزوج أم كلثوم، إنما تزوج جنية على صورة أم كلثوم، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهم أهل كذب وافتراء.
فالخلاصة أن هذه القصة لم تصح ولم تثبت وأنه لا يجوز أبداً للخطيب أن ينظر لمخطوبته إلا إلى الوجه والكفين، ولما أراد بعض أصحاب النبي أن يخطب امرأة من الأنصار، أرشده إلى العين، وقال له: {أنظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً}، يعني من صغر أو حول وما شابه، ثم قال: {إنه أحر أن يؤدم بينكما}، أي أحرى أن تقع الألفة والمحبة بينكما، فورع ولي الأمر في نظر الخاطب إلى ابنته هذا ورع كاذب وبارد ،فليس هذا بورع، ثم يسن أن تنظر المخطوبة إلى خطيبها أيضاً فهذا لا حرج فيه، وأما ما عدا الوجه والكفين فإن استطاع من غير هتك حرمة أن ينظر من غير علمها فلا حرج ، والله أعلم...
السؤال 286: ما هي الكيفية الصحيحة بالتفل والتعوذ في الصلاة من الشيطان كما جاء في الحديث عن الشيطان حنزب؟ فهل عملية التفل بلف الرأس أو بالنظر دون لف الرأس مع وجود من هو بجوارك في صلاة الجماعة؟
الجواب: من وجد شيئاً من همزات الشيطان في قلبه أثناء الصلاة فيسن له أن يلتفت عن يساره وأن يتفل ثلاثاً ويتعوذ بالله ثلاثاً ثم يعود، ولا حرج في ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا كما في صحيح مسلم أن هناك شيطاناً يسمى خنزب يأتي الإنسان في الصلاة يحاول أن يشغله بأشياء عنها.
وكثير من الناس يشكون من عدم الخشوع في الصلاة، ويجدون وساوس الشيطان في قلوبهم في الصلاة، والإنسان الذي يريد الخشوع في الصلاة عليه أن ينتبه إلى أمور:
أولاً: أن يأتي مبكراً للصلاة فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فالذي ينتقل من عمله إلى صلاته مباشرة دون فترة راحة وتبكير إلى الصلاة، يبقى في شغل كحال المروحة إن انقطع عنها التيار الكهربائي تبقى تدور قليلاً بعد انقطاع التيار .
ثانياً أن يكف لسانه ويحفظه ولا يتكلم باللغو فقد قال الله عز وجل: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون}، فمن لم يتكلم إلا حقاً وأكثر السكوت لقن الحكمة، فمن يكثر من اللغو لا يخشع في صلاته.
ثالثاً: أن يعرف الإنسان معنى ما يقرأ فلما تقول "الله أكبر" فتقول ذلك في مشاعرك وحسك، ولو أن المسلمين كبروا الله بجوارحهم وبأعمالهم كما يكبروه بألسنتهم فو الذي نفسي بيده ما بقي حالهم على ما هم عليه الآن، ثم تعرف معنى قولك: "بسم الله الرحمن الرحيم" فوالله من يشرب حراماً ويقول : بسم الله فهو كاذب، والذي يطأ حراماً ويقول بسم الله فهو كاذب، فمعنى قولك باسم الله أي يارب لولا أنك حللت هذا الشراب ما شربت، ولولا أنك حللت هذا الطعام ما أكلت ولولا أنك حللت هذا الوطأ ما وطأت، فمن أكل حراماً ووطئ حراماً وقال باسم الله فهو كاذب، فهو لا يأكل باسم الله ولا يطأ باسم الله.
ثم حتى يجد الإنسان الخشوع في الصلاة لا بد أن يقرأ شيئاً من تفسير الفاتحة، فيعرف معنى الرحمن الرحيم، ولماذا يقول الحمد لله رب العالمين ولا يقول الشكر لله، وكذلك عليه أن يعرف معنى الأذكار التي يقولها.
رابعاً: على المصلي أن يخرج من الروتين أن لا يبقى يقرأ الآيات هي هي، فالناس اليوم يصلون عادة لا عبادة، إلا من رحم الله، فيدخل في الصلاة ويكبر ويقرأ الفاتحة ويقرأ سورة لا يغيرها، ويركع ويقوم ويسجد والأذكار هي هي، لا يتحول عنها ثم يقول: السلام عليكم.... فبعض الناس يذكر كل شيء في صلاته إلا الله، وهذه صلاة لا تنفع من حيث الثمرة بأن تجعل الإنسان وقافاً عند حدود الله، بعيداً عن المنكر، وكثير من الناس الذين يعملون الحرام لو يفقهون صلاتهم لما بقوا على الحرام، الذي هم عليه ،فأن يبقى ملابساً للحرام ومصلياً، هذا من الأشياء العجيبة جداً فالصلاة أصبحت تفعل صورة لا حقيقة فلا روح فيها، ولذا ما أثرت على حياة المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فمن أسباب الخشوع في الصلاة أن تغير الأذكار فدعاء الاستفتاح كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أكثر من دعاء، فغير الصورة، واقرأ من محفوظك الجديد للقرآن وفي الركوع اقرأ أذكار أخرى غير سبحان ربي العظيم، كذلك القيام والسجود فهناك أذكار مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى تخرج الصلاة عن العادة إلى العبادة وأن تبقى رابطاً بين قلبك وعقلك فتقرأ وتتدبر.
وقد قرر العلماء أن أثر تغيير الأذكار على القلب كأثر تغيير الطعام على البدن، فالبدن إن بقي يأكل ألذ المطعومات فمع الاستمرار لا يستلذ بها، وإن كانت لذيذة في نفسها، لذا كثير من الناس يقول: يا شيخ أول ما بدأت أصلي كنت أجد خشوعاً ثم زال هذا الخشوع. فما هو السبب؟ فالسبب أمران : الأول : أن الله ألقى في قلبك حب الصلاة، فوجدت هذه اللذة في قلبك وأنت ما حافظت عليها، والثاني: أن الصلاة عند بدئك بها لم تكن عادة عندك مألوفة، فألفتها على حال معين ،واستمر هذا المألوف عندك، ومع كثرة هذه الألفة زالت لذتها وزال طعمها، فوالله لولا أن الأرض والسماء من المألفوات ما بقي رجل كافراً، فلأنهما من المألفوات زالت الآية وما أصبح الإنسان يستشعر أن الأرض والسماء آية من آيات الله عز وجل الكونية.
خامساً: ألا يأكل إلا حلالاً، حتى يجد الثمرة واستجابة الصلاة والدعاء، فيفهم قوله: سمع الله لمن حمد، ربنا ولك الحمد ، فقررت أن الله يسمع ممن يحمد وقد حمدت فالله يسمع لك، فتخر ساجداً فتسأل والله يسمع ويستجيب.
سادساً: أنت تكون في أذل حال بين يدي الله فينبغي أن تستشعر هذه الذلة ولما سئل الإمام أحمد عن قبض اليمين على اليسار في الصلاة قال (ذل في مقام رفعة)،فأنت ذليل بين يدي الله تقبض يديك، وهذا موطن ذل لا يجوز إلا لله ،فاعرف هذا المعنى وحافظ عليه.
هذه بعض المعاني التي تعين على الخشوع في الصلاة، ويبقى الخشوع هبة من الله عز وجل، فأحياناً الإنسان يكون مشغولاً جداً فيشعر بالخشوع وأحياناً يكون فارغاً جداً ولا يجد الخشوع، فاسأل ربك دائماً أن يرزقك الخشوع في الصلاة.
والخشوع والسكينة التي يتحصل عليها المسلم في صلاته لذة وسعادة وملك، كما قال ابراهيم بن أدهم، وردده العز بن عبد السلام، قال (يعيش العباد في لذة عباداتهم لو يعلمها الملوك لجالدوهم عليها بالسيوف)، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الخشوع في الصلاة وأن يجعل الصلاة قرة أعيننا فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة، فبوقوفك في ركعتين بين يدي الله يزول كل هم وغم، ومن يقدر على هذا إلا من يجد الخشوع، رزقنا الله وإياكم الخشوع.
السؤال 287: لا يوجد مسجد في المنطقة التي أسكن فيها فهل يجوز أن أصلي في البيت؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { من سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له إلا من عذر}، والعلماء يقولون ينبغي أن نحمل الحديث على ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أذن جهوري الصوت في وقت صحو من غير مكبرات الصوت فعلى كل من يسمعه يجب عليه التلبية، إلا المعذور، وما أكثر مساجد المسلمين اليوم، لكن من لم يسمع، فإن لبي بالسيارة فهذا أمر حسن، ومن وقع في شك فهذا أمر يعود للورع والتقوى، فكلما ازداد الورع كلما لبى الإنسان لاسيما أن الخطوات من أسباب رفع الدرجات، فبكل خطوة لمن توضأ وأحسن الوضوء ثم خرج ليقضي فريضة فبكل خطوة ترفع لك درجة وتكتب لك حسنة، ويمحى لك بها خطيئة كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن أيهما أفضل البيت القريب من المسجد أم البيت البعيد عن المسجد؟ بلا شك؛ البيت القريب أفضل، وأيهما أحسن المشي من البيت البعيد عن المسجد أم من البيت القريب؟ المشي من البيت البعيد أفضل، لكن البيت القريب أفضل أفضل؛ فخير البيوت بيته صلى الله عليه وسلم، وجل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كن يسكن في حجرات بجانب مسجده، فالنبي صلى الله عليه وسلم عقد على ثلاثة عشر امرأة ودخل بإحدى عشر امرأة، ومات عن تسع، وتسع من بيوت أزواجه كن بجانب المسجد، وبيتان فقط كانا بعيدين عن مسجده، صلى الله عليه وسلم، فلو كان بعد البيت أفضل، لكان هذا حال أغلب بيوت صلى الله عليه وسلم.
وربنا يقول: {إنا نكتب ما قدموا وأثارهم}، فقد ذكر ربنا أن يكتب كل شيء، وخص الآثار بالذكر، بمنزلته وأهميته. ومعنى قوله عز وجل: {وآثارهم}، الخطوات للمسجد ،ومن فضل الله علينا أن الله يكتب الخطوات في الذهاب والإياب كما ثبت عن أحمد وابن حبان بإسناد صحيح، من حديث عقبة بن عامر، وقصة بني سلمة معروفة لما أرادوا أن يقربوا من المسجد، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: {بنوا سلمة دياركم تكتب أثاركم}، ولذا أورد ابن جرير هذا الحديث، عند تفسير قول الله تعالى: {إنا نكتب ما قدموا وآثارهم}، ففسر الآثار بهذا الحديث،وأحسن تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فربنا خص الآثار بالذكر، لما لها من أجر، ولذا لا يزيد الإنسان في المشي إلى المسجد لكن لا تجب الجماعة إلا في حق من يسمع الآذان في وقت صحو، من مؤذن جهور الصوت، فهذا هو الواجب على كل من يسمع الأذان على هذه الحال، فإن لم يلبي يأثم، ويرتكب حراماً وصلاته صحيحة وتسقط من الذمة على أرجح الأقوال، والله أعلم...
السؤال 288: إذا ضاعت صلاة الجمعة علي، فماذا علي أن أفعل هل أصليها أربع مرات، سراً أم جهراً؟
الجواب: أما أن تصليها سراً أو جهراً أربع مرات، فالصواب ليس في السر ولا في الجهر، ولا في هذا التكرار، من أين جاء الأخ بأربع مرات؟ يصليها أربع ركعات ظهراً، كما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه ،عن أبي شيبة فيصبح حاله كحال من لا تجب الجمعة في حقه، لمرض أو مطر أو خوف أو امرأة فيصلي ظهراً، فمن فاتته الجمعة لعذر يصلي أربع ركعات ظهراً، والله أعلم...
السؤال 289: استعان بي أحد الأخوة لشراء سيارة فذهبت معه واشتريت له السيارة، وكانت نيتي خالصة لله، لكنه كافئني بهدية، واكتشفت فيما بعد عندما سألت أن هذه الهدية ستكلفني مبلغاً كبيراً من المال، لا أقدر عليه، فرددت عليه هديته، بعد مرور وقت، فهل علي حرج في ذلك؟
الجواب: هنا ثلاثة أمور؛ الأمر الأول: من أدب الإسلام قول النبي صلى الله عليه وسلم: {من صنع إليكم معروفاً فكافئوه} فأي رجل صنع لآخر معروف يستحب أن يكافأ وأخذ الهدية لا حرج فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {تهادوا تحابوا}،
والأمر الثاني: لا يجوز لمن يهدي أن يطمع في هدية أكبر منها، هذا أمر غير شرعي، وهذا تفسير قول الله تعالى: {ولا تمنن تستكثر}، أي لا تعطي عطية لغيرك تطلب أكثر منها، فإن أهداك رجل هدية فاقبلها، ولا حرج، لكن أن تظن أن هذه الهدية دين في ذمتك لا ليست هذه الهدية ديناً في ذمتك، فلا يجوز لمن يعطي الهدية أن يعطي بنية أن ترجع إليه بملابسات معينة يعرفها، أن ترجع أكثر منها، ومن الخرافات عند الناس، أن الهدية لا تهدى، هذا خطأ فالهدية تملك ملكاً شرعياً ويجوز لك أن تفعل بها ما تشاء، والأمر الثالث: أن الهدية عند العلماء من عقود الهبات، وليس من عقود المعاوضات، فيجوز للرجل أن يقبل الهدية، ويجوز أن يردها، وتقبل عند بعض أهل العلم بالإثابة، فإن أثيب المهدي فحينئذ لا يجوز له أن يرجع بها، وتقع الإثابة بأي دلالة من الدلالات العرفية، التي فيها القبول، فلو قال المهدي إليه للمهدي جزاك الله خيراً، أصبحت في حلاله ولا يجوز للمهدي أن يرجع فيها، ولو ابتسمت المرأة في وجه زوجها بعد أن أهداها فقد قبلت ولا يجوز للزوج أن يرجع في هديته أبداً، فبالإثابة يملك المهدي الهدية، فالهدية ليست واجبة، ما لم تثب.
ولا يجوز أن يرجع أحد في هديته إلا الوالد لولده ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، إلا الوالد لولده}، قال ابن قين وغيره: فهذا خاص بالوالد غير الوالدة، فالوالد له أن يعود، والوالدة ليس لها أن تعود، فغلب في هذا الحديث اللفظ على المعنى، لأن النبي قد خص الوالد، ولأن له فيه سبهة ملك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أنت ومالك لأبيك}، فإن عاد فهو يأخذ من ملك نفسه، والله تعالى أعلم...
السؤال 290: امرأة نذرت أن تصوم شهرين متتابعين ولم تستطع الصيام التتابعي، فماذا عليها؟
الجواب: أعجب من الناس، وعجبي لا ينتهي يوجبون على أنفسهم نذوراً لا يستطيعونها، فما الذي ألجأكم إلى هذه المضايق وكنتم في سعة من أمركم؟ النذر طاعة يوجبها العبد على نفسه، والمقرر في كتب القواعد أن هناك فروقاً بين النذر واليمين، فاليمين من حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه، فيستحب له أن يتحول عن يمينه ويكفر ،أما النذر فلا يجوز لمن وجد غيره خيراً منه أن يتحول إلى الذي هو خير، ويجب عليه أن يلتزم بالذي نذر، لأنه طاعة.
والنذر المشروط وهذه أغلب نذور الناس، فلا يستخرج إلا من البخيل ويجب على من نذر أن يفي بنذره، ومدح الله قوماً فقال: {يوفون بالنذر}، فيجب على من نذر أن يفي، ولا يجوز لمن نذر واستطاع أن يفي أن يتحول إلى غيره، خلافاً لليمين.
وينتقل الإنسان من النذر إلى كفارة اليمين، عند نذره بمعصية، أو عند نذره بشيء لا يقدر عليه، وقد نذرت امرأة أن تحج حاسرة الرأس، ونذر رجل أن يقف في الشمس ولا يقعد، فأمر صلى الله عليه وسلم الرجل والمرأة بأن يكفرا عن يمينهما وأما من نذر شيئاً يقدر عليه فعليه أن يفي به.
السؤال 291: ما هو حكم أكل القنفذ؟
الجواب: القنفذ حيوان معروف عند العرب، وكانوا يكنونه بأبي شوك؛ ويكنوه أيضاً أبو سفيان، الأنثى منه يطلقون عليها أم دلدل، وللعرب عجب كيف يكنون، وسمونه أيضاً العساعس لأنه لا يخرج إلا بالليل.
والقنفذ يأكل الأفاعي وإن لدغته الأفعى فيأكل الزعتر الأخضر ولا يضره سم الأفعى، فسبحان الله الذي قدر في هذا المخلوق أن يعرف هذه الأشياء، والقنفذ يحب العنب فيقطع قطوف العنب ويسقطها على الأرض، فيأكل حتى يشبع ثم يتمرغ بها، وما يعلق في شوكه منها يحمله إلى ولده، فسبحان الله!
وأصح الأقوال عند أهل العلم في أكله أنه حلال، وهذا مذهب الإمام الشافعي خلافاً لأبي حنيفة وأحمد فقد حرما القنفذ ،والتحريم ورد في حديث في أسانيده مجاهيل، أخرجه أبو داود في سننه بإسناده إلى ابن عمر، أنه سئل عن القنفذ فقرأ ابن عمر، قول الله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير....}، الآية، فقال له شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن القنفذ، {خبيث من الخبائث}، فقال ابن عمر: إن كان قال رسول الله هذا فهو كما قال، وهذا الحديث ضعيف، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا قال الإمام البيهقي وهو شافعي،وهو منصف رحمه الله، قال: لم يرو إلا من وجه واحد، وهو ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، فلم يثبت شيء في تحريم القنفذ.
لكن كيف يذكى القنفذ؟ القنفذ يوضع في الماء، ويسخن الماء قليلاً، فإن شعر بسخونة الماء مد رأسه فيذبح بعد مد رأسه.
ويذكرون عن دم القنفذ ولحم القنفذ أشياء عجيبة، يستخدمها كما يقول الأقدمون السحرة، ففيه خواص عجيبة، يقولون أن السيف إن غمس بدم القنفذ لا يقطع، وهذا على عهدتهم، وأنا لا أقرر إنما أنقل، فلا أريد أن أكون قاتلاً بالتسبب، والله أعلم...
السؤال 292: رجل اشترى من صاحب محل، فدفع المشتري قيمة البضاعة، وبقي للمشتري شيء، لعدم توافر الباقي مع البائع، فهل في هذا شيء؟
الجواب: لا يوجد شيء قطعاً، لكن الذهب والفضة فقط مثلاً بمثل، فإذا اشتريت ذهباً بمئتي دينار ومعك مئة وتسعون ديناراً، فلا يجوز لك أن تبقي عشرة دنانير، فلا يجوز أن يكون الذهب والفضة والنقود محل البيع والشراء بالذمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال عن الذهب والفضة: {يداً بيد مثلاً بمثل}.
أما أن تشتري ديناً من التاجر أو يبقى لك عنده شيء، فتشتري منه قمحاً طحيناً تمراً زبيباً ملحاً، فهذا أمر مجمع على حله ولا شيء فيه، أما الصرف فيكون يداً بيد.
أما الأصناف الستة الواردة في الحديث: {الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، يداً بيد، مثلاً بمثل}، فبعض الطلاب يفهمون منه أنه لا يجوز استدانة البر أو الملح أو بقية الأصناف. فهذا فهم خاطئ، والمقصود أنه لا يجوز أن تأخذ وتدفع بر إلا يداً بيد، خبز جيد مع بر رديء، مثلاً بمثل، وكذلك بقية الأصناف، أما أن تستدين بر أو ملح أو شعير أو غيره، فلا حرج، وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف فيه، وهذا الإجماع ذكره النووي في شرحه على صحيح مسلم عند هذا الحديث ، والله أعلم...
السؤال 293: أحرمت بعمرة واشترطت، وبعد وصولي إلى الحرم وجدت ازدحاماً فلم أطف إلا في اليوم الثاني فهل علي شيء؟
الجواب: الاشتراط في الحج والعمرة حسن ،لاسيما في هذا الزمان، وفقهائنا الأقدمون الذين يجوزون الاشتراط يقولون: الاشتراط جائز عند الحاجة.
والاشتراط معناه أن تقول لما تلبي بالحج أو العمرة: اللهم محلي حيث حبستني، أي: محلي من إحرامي حيث منعتني يا رب من الإتمام، وذلك من مرض مفاجئ أو ما شابه.
والنبي صلى الله عليه وسلم علم أم هانئ لما أحرمت بالحج أن تشترط ،وكانت أم هانئ عمته صلى الله عليه وسلم،كانت امرأة بدينة، فخشي عليها أن لا تقدر بسبب المشقة على إتمام الحج.
واليوم الناس يحجون ويعتمرون بالسيارات، والسيارة معرضة في كل حين إلى حادث، فحسن بمن يركب هذه المركبة أن يشترط بحيث لو حصل حادث، وما استطاع إتمام الحج أو العمرة، فليلبس ملابسه وما عليه شيء.
أما إن لم يشترط فلا يجوز له أن يلبس ملابسه حتى يذبح هدياً، ويرسله إلى الكعبة، وهذا صعب جداً.
والسائل يقول: أحرمت واشترطت ولم أتمكن من الطواف، إلا في اليوم الثاني، فإن بقي على إحرامه فإنه لا يلزم الحاج أو المعتمر أن يطوف أول دخوله مكة، فممكن أن يذهب للفندق ويرتاح وينام، ثم يطوف، فإن بقي هذا السائل على إحرامه ولم يتحلل من الإحرام وهذا الظاهر من السؤال فلا شيء عليه، اشترط أم لم يشترط.
السؤال 294: تجارتي قائمة على البيع بالديون؛ فكلما قبضت الدين قبل أن يحول عليه الحول، قمت بشراء بضاعة خلال فترة قصيرة، وأبيعها، فيرجع المال ديناً في ذمة الآخرين، والمال يزيد، فكيف أخرج زكاة مالي؟
الجواب: الظاهر من سؤال الأخ أن النصاب عنده يبقى طوال العام، لأنه يزداد، والدين إن مضى عليه الحول، وقبضه صاحبه، وكان بجملته قد بلغ النصاب، يزكيه حال قبضه، فمن كان له دين وقبضه بعد عدة سنوات، فإنه يزكيه على أرجح الأقوال مرة، والمال الذي لا يسد لصاحبه فلا زكاة فيه، وإن أراد أن يجعله صاحبه ما لا يزكى كل عام فهذا أمر حسن، لكن ليس بواجب عليه.
وبالنسبة لعروض التجارة، فإن مذهب جماهير أهل العلم وهذا الذي أراه راجحاً أنها تقوم، ويدفع اثنين ونصف بالمئة منها، فإن كانت تجارتك في أشياء تناسب الفقراء كأن تكون في المطعومات أو الملبوسات فتزكي عروض التجارة من جنسها وأما إن كانت لا تصلح فلا بد من قيمتها، وذلك بعد أخذك للدين بعد مضي الحول عليه،وأما المال المكتسب أثناء الحول، فأرجح الأقوال أن له حكم الحول، والله أعلم...
السؤال 295: يقول البعض: الله ما رأوه، بالعقل عرفوه، ويقولون يا ميسر لا تعسر، ما الحكم فيها؟
الجواب: الواجب على العبد أن يكون مؤدباً مع ربه، ولا يجوز له ألا يعرف قدره، وقديماً قالوا: من عرف قدر نفسه عرف قدر ربه، ويعزى هذا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس بحديث، لكن معناه حسن.
والأصل في العبد أن يعرف معنى مناجاته ربه لما يقرأ في الفاتحة قوله تعالى: {الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، فنسب النعمة إليه فقال: {أنعمت}، ولم يقل غير الذين غضبت عليهم وإنما قال: {غير مغضوب}، والمغضوب على وزن مفعول ،وهو في العربية يعمل عمل الفعل المبني للمجهول، فيحتاج نائب فاعل.
والله علمنا بما أخبر عن ابراهيم عليه الصلاة والسلام، أن الشر ينسب إلينا، وأن الخير ينسب إلى ربنا، فقال الله على لسان ابراهيم: {وإذا مرضت فهو يشفين}، فنسب المرض لنفسه، ثم قال {فهو يشفين} وأيضاً هذا من مثل قوله تعالى: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً}.
وكثير من الناس قليل أدب مع ربه فيقول مثلاً؛ يا رب شو عملتلك، فهذه قلة أدب مع الله، والعبد يعلم أن الخير كله فيما قدر الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ،إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له}، فالمؤمن يعلم أنه عبد، وأن الله جل في علاه هو مالكه وهو سيده، ولا يجوز له أن يتعدى عليه، ولا يجوز له أن يخرج عن أدبه.
والناس هذه الأيام في مخاطبتهم، يكون الواحد فاجراً فاسقاً زانٍ كذاب، أو امرأة متبرجة متعطرة زانية، ثم يقال: السيد أو السيدة، والعياذ بالله، عاهرة ويقال عنها سيدة، سيدة ماذا؟! وفي شرعنا السيد هو الإنسان الرفيع، فيحرم في شرعنا أن يقال السيد إلا لمن كان له سيادة من علم أو ولاية أو نسب أو رفعة، فالناس مع البشر يرفعون الوضيع، أما مع الله فلا يتأدبون.
فليس من أدب العبد إن خاطب سيده أن يقول له: لا تعسر، لكن يقول: يارب إن أريد بي شر فارفعه عني، أو يسره لي، فالعبد ينبغي له أن يعرف قدره، ويعرف قدر سيده، ولا ينسب لسيده شيء فيه شر.
أما قولهم: الله ما رأوه، بالعقل عرفوه، فهذه أيضاً فيها قلة أدب، فمعنى هذه أنك تجعل عقلك يعرف ربك، معرفة تفصيلية، وهذا خطاً، فلا يستطيع العبد بعقله أن يعرف ربه المعرفة التامة التي فيها معرفة الأسماء والصفات، فالعقل يدرك أن الله حق فقط، أما صفات الرب عز وجل لا يعرفها العقل، وإنما تعرف من الشرع.
وأسوأ من هذه العبارات قول كثير من الناس على شيء يريد أن يؤكده للمخاطب فيقول: هذا مثل الله واحد، فيجعل الشيء المشكوك فيه والذي يقبل النزاع حقيقة كحقيقة أن الله واحد، وهذا أمر خطأ وليس فيه أدب مع الله عز وجل، والسعيد يتأدب مع الله عز وجل.
ولذا كان أفضل الدعاء أن تعترف بقصورك، وأن تعترف بأن الله عز وجل له نعم عليك، وأنك مقصر، فسيد الاستغفار: {اللهم أنت ربي خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت}، فتعترف فيه بعبوديتك، ثم تعترف بقصورك ثم تتبرأ إلى الله من ذنوبك ،ثم تعترف أن لله نعمة عليك وبعد هذه المقدمات تقول: وأبوء بذنبي؛ أي أنا يا رب ما اجترأت عليك، وإنما عصيت لقصوري وضعفي، فاغفر لي فإن هذا الطلب لا يلجأ به لأحد إلا إليك، فهذه المعاني مهمة ينبغي أن يبقى العبد مستحضراً لها ذاكراً إياها، والله الهادي وهو المسدد والموفق.
السؤال 296: ما هي أرجح الأقوال في الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة؟
الجواب: يوم الجمعة يوم فاضل، وهو سيد الأيام وأفضلها من أيام الأسبوع، وقد تاه عنه من قبلنا، فاختار اليهود السبت، واختار النصارى الأحد، وبقي الجمعة سالماً لنا، لكن أعمال التزكية فيه هي روحه، وقد ابتعد المسلمون عنه، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أتباع المتأخرين سنن من كان قبلهم، ومن باب الاتباع سنن من كان قبلنا ألا نتفرغ يوم الجمعة للطاعة والعبادة ولا إلى ما يحب الله ويرضى.
والجمعة له مزايا وخصائص، ومن مزاياه أن فيه ساعة استجابة، والناظر في كلام أهل العلم في ساعة الاستجابة يجد اختلافاً كثيراً بينهم فيها وفي تحديدها مع القول بأن هذه الساعة موجودة، وليست بمرفوعة وستبقى إلى يوم الدين.
وهذه الساعة تشبه في نظائرها تحديد ليلة القدر وتحديد اسم الله الأعظم، فهذه الأمور الثلاثة لم يقع قطع في تحديدها، وأنا أقول: هذه بمثابة القنابل الموقوتة التي بقيت في نوع فيه خفاء.
لكن أرجح الأقوال في هذه الساعة بعد إثباتها قولان، فثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: {فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله إياه}، وذكر الصلاة هنا من باب التمثيل، فقد يكون في دعاء وقراءة قرآن وذكر.
وتحديدها على القولين، فإما إنها من جلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة وورد في ذلك حديث عند مسلم في صحيحه، فأخرج مسلم بسنده إلى أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة)) قال أبو بردة: قلت نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {هي بين ما يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة}، وهذا الحديث هو من رواية مخرمة بن بكير عن أبيه، وقد أعل بالانقطاع، ولكن مخرمة له عن أبيه كتاب، فهو صحيح وهو وجادة، والوجادة حجة يعمل بها.
والقول الثاني، وهو قول جماهير أهل العلم، أن هذه الساعة في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، فكأن الوقت مستغرق في العبادة وتلاوة القرآن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والذكر، فيكون ذلك بين يدي أن يرفع الإنسان يديه بالدعاء لذا فالذي يريد أن يظفر بهذه الساعة ينبغي أن يكون وقته مملوءاً، وهذا إشارة من قوله صلى الله عليه وسلم: {وهو قائم يصلي}، فهو يوم صلاة وتزكية وعبادة وطاعة.
ويدلل على أنها الساعة الأخيرة ما أخرجه أبو داود في سننه (برقم 1044) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يوم الجمعة ثنتا عشرة –يريد ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أتاه الله عز وجل فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر}، وأخرج سعيد بن منصور في سننه بإسناده إلى أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف قال: {إن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا فتذاكروا في ساعة الجمعة فتفرقوا ولم يختلفوا أنها في آخر ساعة من يوم الجمعة}.
ولا يبعد أن يقال: إن ساعة الجمعة دوارة بين هذين، تارة في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، وتارة تكون من جلوس الإمام حتى تنقضي الصلاة، وفي هذه ذكرى، والمحروم من حرم هذه المواسم، وحرم بركتها وفضلها وخيرها، فكم من إنسان أصابته السعادة في الدنيا قبل الآخرة، بسبب التقصد بالدعاء في وقت فاضل، وكم من إنسان حرم السعادة بسبب غفلته عن هذه المواسم، نسأل الله أن يجعلنا من السعداء وأن يجنبنا الشقاء، وأن يجعلنا من المقبولين عنده إن شاء الله.
السؤال 297: ما هو حكم أكل الأفاعي؟
الجواب: الأفعى حرام عند جماهير أهل العلم، لضررها ولنابها وللسم الذي فيها، وحرم غير واحد من العلماء الترياق الذي يصنع منها، فلحمها حرام تناوله في جميع الصور.
ويعزى الحل لمالك ،والإمام مالك أكثر من توسع في تحليل المطعومات وهذا الحل ليس بثابت عنه، وإن قال به بعض من ينتسب إلى مذهبه.
والراجح في لحوم الأفاعي والحيات أنها حرام وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها، فكانت تقتل وتترك، فلو كانت حلالاً لكان تركها من باب إضاعة المال، وهناك قاعدة عند الشافعية وهي: كل ما يؤمر بقتله فيحرم أكله، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الدابة التي يفعل فيها الفاحشة، فإن كانت مأكولة اللحم فتذبح ولا تؤكل، فهي قاعدة أغلبية ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات في الحل والحرم. وسماهه الفويسقة وقال: ما سالمناهن منذ حاربناهن، فأمر بقتل الأفاعي إلا حيات البيوت، فإنها تنذر ثلاثاً كما ورد في الحديث، وبعضهم حمل ذلك على المدينة فحسب لأنه قال: إنها مسكونة والراجح أنها عامة، إلا ذوات الخطين فهذه تقتل على أي حال؛ لضررها البالغ، والله أعلم..
السؤال 298: هل صح أن علامات الساعة إصابة الناس بالسمنة؟
الجواب: إفاضة المال وكثرته من علامات الساعة، فقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعوف بن مالك الأشجعي، وكان متكئاً تحت قبة من أدم، فقال: يا عوف؛ {أعدد ستاً بين يدي الساعة....}، فذكر الستة وذكر من بينها فقال: {وأن يعطى الرجل مئة دينار ويظل ساخطاً}، أما السمنة فقد ثبت ذكرها في الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم}، قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد القرنين الثالث أم لا، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن بعدكم قوماً يقولون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن}.
فالسمنة من علامات الساعة، وهي في الرجل دلالة على الترفه والتنعم وعدم إعمال للبدن.
وليس كل علامات الساعة حرام، فمن علامات الساعة مانحبه، كفتح بيت المقدس والقسطنطينية، والجامع بين علامات الساعة أنها أشياء لم تكن ولم تعهد في زمن الصحابة، فمنها الشيء المحمود ومنها الشيء المذموم.
ومن اللطائف أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: (ما رأيت في سمين خيراً قط إلا في محمد بن الحسن) فقد كان محمد بن الحسن سميناً وكان فطناً، فالسمن يظهر في آخر الزمان على حال لم يكن معروفاً في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم..
السؤال 299: ما صحة حديث: {ما خاب من استخار، وما ندم من استشار}، فهل هذا حديث، وما حكمه؟
الجواب: هذا الحديث وجدته عند الطبراني في المعجم الصغير، بزيادة في آخره: {ما خاب من استشار، ولا ندم من استخار، وما اقتصد من عال}، وصحابيه أنس بن مالك رضي الله عنه، وفي إسناده عبدالقدوس بن حبيب وهو كذاب، ورواه عنه ابن عبدالسلام وتفرد به عنه، واتهمه ابن حبان بالوضع، فهو حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن المقولة حسنة، وهي حكمة، فالاستخارة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وكذلك المشورة، فأن يستخير الإنسان ويستشير أمر محمود، لكن رفع هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حرام ولا يجوز.
السؤال 300: ما رأيكم في تفسير الكشاف للقرآن الكريم؟
الجواب: الكشاف صاحبه الزمخشري، المتوفى في القرن السادس سنة 538؛ وكتابه من حيث الدقائق اللغوية والنكات البيانية والبلاغية في الذروة.
لكن أقلق العلماء وأزعجهم لمشرب صاحبه العقدي فهو معتزلي جلد، ولذا قال الإمام البلقيني شيخ الحافظ ابن حجر، قال: استخرجت من الكشاف اعتزالاً بالمناقيش، فمثلاً يقول في تفسير الله عز وجل: {ومن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}، يقول: أي فوز أعظم من دخول الجنة، وفي كلامه هذا إشارة إلى نفي الرؤيا، فإنه يوجد فوز أعظم من دخول الجنة، وهو أن يرى المؤمنون ربهم.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله، في كتابه: "مقدمة في أصول التفسير" في أثناء كلامه عن تفاسير المعتزلة: من هؤلاء من يكون حسن العبادة يدس البدع في كلامه دساً، وأكثر الناس لا يعلمون، كصاحب الكشاف ونحوه، حتى إنه يروج على خلق كثير من أهل السنة، كثير من تفاسيرهم الباطلة.
وقال الإمام الذهبي في ترجمة الزمخشري في "ميزان الاعتدال" قال: صالح لكنه داعية إلى الاعتزال، أجارنا الله فكن حذراً من كشافه.
وقال السيوطي في كتابه "التحذير": وممن لا يقبل تفسيره المبتدع خصوصاً الزمخشري في كشافه فقد أكثر فيه من إخراج الآيات عن وجهها إلى معتقده الفاسد بحيث يسرق الإنسان من حيث لا يشعر، وأساء فيه الأدب على سيد المرسلين في مواضع عديدة، فضلاً عن الصحابة وأهل السنة.
ألف كتاباً سماه "الالتفات عن إطراء الكشاف" ذكر فيه أنه عقد التوبة من إطرائه وتاب إلى الله فلا يقرأه ولا ينظر فيه أبداً لما حواه من الإساءة المذكورة.
وقال: قال ابن السبكي: وقد استشارني بعض أهل المدينة النبوية أن يشتري منه نسخة ويحملها إلى المدينة فأشرت عليه بألا يفعل، حياءاً من النبي صلى الله عليه وسلم، أن ينقل إلى بلد هو فيها كتاب فيه ما يتعلق بجنابه، وقال: على أنه آية في بيان أنواع البلاغة والإعجاز، لولا ما شابه من الاعتزال.
فالعلماء اعتنوا بكتابه وعندي مخطوط للسمين الحلبي فيه رد على اعتزاليات الزمخشري في الكشاف، وألف ابن المنير الإسكندراني كتاباً سماه "الإنصاف في بيان اعتزاليات الكشاف" وهو مطبوع بذيله.
وكتاب الكشاف حوى أحاديث موضوعة لاسيما الأحاديث الواردة في فضائل السور، فاعتنى العلماء بتخريجه، وأوسع تخريجات أحاديث الكشاف تخريج الزيلعي، وهو مطبوع في أربع مجلدات، واختصره ابن حجر في "الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف".
فالكشاف فيه عقدتان سيئتان ، الاعتزال والأحاديث الضعيفة والموضوعة، وللعلماء جهود مشكورة في تصويب هذين العيبين، وقد اعتنى باعتزاليته جمع، وللأسف لم يطبع إلا تعقبات ابن المنير، وهنالك عشرات الكتب بينت اعتزاليات الكشاف ما زالت مخطوطات محفوظة في مكتبات العالم.
وممن اعتنى به وهذبه ورتبه وزاد عليه وتعقبه بنفس قوي أبو حيان في "البحر المحيط" فالذي يقرأ"البحر المحيط"يستطيع أن يستخرج مجلدين أو ثلاثة في تعقب الزمخشري، وفي بيان اعتزاليته في الكشاف.
وممن أكثر من النقل منه النسفي في تفسيره، وحذف اعتزاليته، ولكن النسفي أشعري العقيدة، هذا ما عندي بالنسبة للكشاف، والله أعلم ...
__________________
السؤال 301: ما أفضل كتاب تكلم عن الصوفية في هذا العصر، وما رأيك بالصوفية، وخصوصاً أن مالكاً يقول: من تشرع ولم يتصوف فقد تزندق؟
الجواب: أما بالنسبة للمقولة عن مالك فهي كذب صراح، لم ينقلها أحد من تلاميذه، ويذكرها المتأخرون من الصوفية كالشعراني وغيره، وإثباتها عنه دونه خرط القتاد،ولا يوجد نص في ديننا لا من كتاب ربنا ولا من أحاديث نبينا فيه ذكر للصوفية، وديننا فيه تزكية، وينبغي أن نضبط العبارات وقد قالوا قديماً: من ضبط المقدمات سلم في النهايات.
وأما الانشغال بحرمان الروح والسهر والمجاهدة، فهذه موجودة في جميع الأديان، حتى عند البراهمة وعند اليهود يوجد هذا أما ديننا ففيه تزكية، وأشد واجب في شرعنا هو إعطاء كل ذي حق حقه، أن تعطي بدنك حقه على غير حساب الروح، وأن تعطي روحك حقها من غير إهمال جانب البدن، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الأتقياء، وهو أفضلهم وما ابتعد عن الدنيا ونال نصيبه منها، حتى أن عائشة كانت تقول: {كان يقوم حتى نقول لا ينام، وكان ينام حتى نقول: لا يقوم، وكان يفطر حتى نقول لا يصوم، وكان يصوم حتى نقول لا يفطر}، فهذا هو التمام والكمال .
وأما الانعزال عن الدنيا بالكلية وإدخال الحرمان على النفس والمجاهدات البدعية فهذا أمر ما أنزل الله به من سلطان، والذكر ينبغي أن يكون على وفق ما شرع النبي صلى الله عليه وسلم، فكل طريق إلى الجنة مسدود إلا طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وكل طاعة [غير واردة عن نبينا] فهي مردودة على صاحبها ثبت في الصحيح أن عائشة رضي الله عنها، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.
والاصطلاحات مهمة فربنا يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث ليزكي، فتزكية الروح من الأمور التي بعث بها صلى الله عليه وسلم، وأما لفظة التصوف والصوفية فلا يوجد لها ذكر لا في كتاب ربنا ولا في حديث نبينا، والتصوف بمعنى البعد عن الدنيا موجود عند كل الناس، وهي ليست دلالة على الخير، والخير أن تضع الأشياء في أماكنها وكل الخير في هديه صلى الله عليه وسلم.
وقيل إن الصوفية من الصفاء أو أهل الصفة وغير ذلك، وهذا الكلام ليس بمسلم لأصحابه، فالصوفية ظهرت في القرون المتأخرة، ولم تعرف بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والخير كله في الشرع ولا يوجد في الشرع ظاهر وباطن، ولا يوجد أسرار، كما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب سلمان بكلام فارسي، وكان يخاطب بلال بكلام الزنج، هذا كلام باطل ما أنزل الله به من سلطان.
والصوفية راجت سوقها بسبب الجهل ،والصوفية والعلم لا تجتمعان، فمتى علم الناس قال الله ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تنطلي عليهم الأكاذيب.
وفي كتب الصوفية المتأخرين أعاجيب الأكاذيب، وأعاجيب الغرائب، فمن يقرأ كتبهم يستغرب كل الاستغراب، كيف هذا الشيء يكون في دين الله عز وجل، فمثلاً واحد مجذوب على رأيهم يكون ولياً لله، فيخلع ملابسه ويصعد على المنبر ويخطب، ويوجد عند الشاميين تعلق بهذا، فيعتقدون أن من أولياء الله مجاذيب ومجانين، نعوذ بالله من هذا! والإمام الشافعي يقول: ((إن لم يكن العلماء أولياء الله فلا أعلم من هم)).
ويعتقدون أن هنالك حضرات في أذكارهم البدعية، ويسمونها الحضرة، لأنهم يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر هذه الحضرة، ولذا في حضراتهم يكون فيها كرسيان فارغان، واحد للنبي وواحد لشيخ الطريقة، وهذا كذب وافتراء وهراء ما أنزل الله به من سلطان، فلو كان النبي حياً لجاء إلى الصحابة لما اختلفوا، والنبي صلى الله عليه وسلم في حياة برزخية خاصة به في قبره، وعندي كتاب لصوفي مخرف اسمه "أبدع ما كان في إثبات أن محمداً لا يخلو منه زمان ولا مكان" فبالله عليكم إن لم تكن هذه هي الخرافة فما هي الخرافة؟
والدروشة إذا قيل لهم هل فعلها النبي وصحبه؟ قالوا: نحن خضنا بحارً وقفت الأنبياء في ساحله، قبح الله هذه البحار وقاتل الله من خاض فيها، فكل شيء فوق هدي النبي صلى الله عليه وسلم مرفوض مردود ، فديننا دين النبي صلى الله عليه وسلم،ودين صحبه، لا يوجد عندنا أناس عندهم دين أكثر من دين محمد وصحبه، لذا كان سعيد بن المسيب يقول: ((ما لم يعرفه أهل بدر فليس من دين الله في شيء)).
فقولهم: نحن خضنا بحارً وقف الأنبياء بساحله، فيقولون: نحن نذكر ذكراً ليس كذكر محمد، بل نحن نذكر ذكراً أرفع من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم نحن نذكر ذكراً كذكر الملائكة، الذين هم حول العرش، فيقول ابن العربي، سيدهم في كتابه: "الفتوحات المكية" في تفسير قول الله: {وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والأرض} فقال: ابراهيم لما رأى ملكوت السماوات رأى كيف يذكر الملائكة ولم يصل أحد إلى مرتبة ابراهيم إلا عدد قليل من الصوفية، فرأوا ملكوت السماوات والأرض، فهم يذكرون الله كذكر الملائكة، ومع كون هذا كذباً فنحن لسنا متعبدين بعبادة الملائكة، ولكننا متعبدون بما تعبد محمد صلى الله عليه وسلم ربه.
وياليت المسلمين يفهمون معنى قولهم: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" فمعنى قولك أشهد أن لا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله، ومعنى قولك: أشهد أن محمداً رسول الله، أي: لا متبوع بحق إلا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا قال الجنيد رحمه الله: تنكت النكتة في قلبي، فلا أقيم لها وزناً حتى يقوم عليها شاهداً عدل من الكتاب والسنة، فكل ما يقع في القلب وكل ما ينكت في القلب من صغيرة وكبيرة ينبغي عرضها على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما وافقهما فعلى العين والرأس، وكل ما خالفهما فكما قال عامر الشعبي رحمه الله: ضعه في الحش.
ولما قيل للإمام الشافعي: يقول النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فما قولك أنت؟ فغضب وقال: سبحان الله! أتراني خراجاً من كنيسة؟ أترى على وسطي زناراً؟ تقول لي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما قولك أنت؟ ما قولي إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فؤلاء أتوا من الجهل، ولعبت فيهم الشياطين، فالواحد منهم يمكث في الخلوة أياماً طويلة، على ماء قليل ومن غير نوم بسهر وتعب وجوع وتخيلات، فيخيل أن يرى شيئاً، ويرى، فالأطباء يقولون: إن الدماغ مع شدة السهر ومع شدة الجوع يفرز أشياء تجعله يتوهم، كما حصل مع قريش لما توهموا سحب الدخان من شدة الجوع الذي نزل بهم فيقول الواحد منهم: رأيت الله، وعبدت الله، حتى أتاني اليقين، فيجلس الشيخ منهم على الكرسي ويؤذن ولا يصلي، يقال له: صل يا شيخ، فيقول: عبدت الله (فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين)، وجائني اليقين، ثم يقول الواحد منهم: ما أدراك؟ الشيخ يصلي يتوضأ بماء الغيب ويصلي في مكة، وهو من أهل الخطوة، وأنتم لا تعلمون.
الشيخ ذهب إلى مكة صلى ورجع، على العقول السلام، فمن يقول بهذا الكلام ليس بمكلف، فهو مجنون والكلام معه عبث.
وأنا لا أغالي فهذا والله موجود، فأول ما صليت كنت ولداً صغيراً، فذهبت إلى زاوية من هذه الزوايا، وكنت أذهب مع أخي، وكان صوفياً ثم تاب الله عليه، فكنت أرى هذه الأشياء وأنا عمري آنذاك سبع أو ثمان سنوات.
فديننا لا متبوع فيه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما قولهم: سلم نفسك لشيخك كما يسلم الميت نفسه لمغسله على حمالة الأموات، فهذا ليس من ديننا في شيء، فكل شيء يحتاج إلى دليل وبرهان، أما تحسين الظن في المشايخ وإن فعلوا المنكرات فليس هذا من دين الله في شيء.
وفي كتاب "الميزان" للشعراني يقول: بال الشيخ فجاء المريد فشربها ساخنة، أي دين هذا؟! وأن نعتقد في المجانين أنهم أولياء الله عز وجل ،أهذا دين؟ هذا خرافة.
ودخل في ديننا كما دخل في دين اليهود والنصارى من التبديل والتحريف، ولا ننكر هذا، ولكن الله تكفل بحفظ دينه، فالفرق بيننا وبين غيرنا أن الله قال عمن قبلنا من اليهود والنصارى: {بما استحفظوا من كتاب الله} وقال عن كتابنا: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
فكتابنا محفوظ بحفظ الله، وأما كتاب من قبلنا محفوظ إن حفظوه، ولذا وقع تبديل وتحريف في دينهم، وما ظهر الأصيل من الدخيل، ولا الجيد من الرديء، ولا الحسن من القبيح في دينهم، وأما في ديننا فالحمد لله، ستبقى طائفة منصورة إلى يوم الدين، تظهر الصواب من الخطأ، قال الإمام عبدالله بن المبارك: (ما بيت رجل الكذب على رسول الله في ليل إلا قبض الله له في النهار من يكشف كذبه)، فالله حفظ هذا الدين.
فمهما هؤلاء يلعبون، سيظهر زيفهم، وأكثر من أظهر زيفهم في الزمن الماضي، لما راج سوقهم، وظهرت بضاعتهم، شيخ الإسلام ابن تيمية، فكان هؤلاء يضعون على جلودهم أشياء تؤخذ من جلود الضفادع فيدهنون بها أجسامهم ويدخلون النيران، فلا يحترقون، وهم البطائحية الرفاعية، قال ابن تيمية: فمشيت إلى الإمام وبينت له زيفهم، وكان يعتقد بهم الولاية، وقلت له: يغتسلون بالماء الحار، وأغتسل معهم، وتشعل النيران وندخلها، ومن كان ولياً لله فلا تحرقه النار، فأخبرهم فأبوا دخول النار: قال: ولو فعلوا لدخلت النار وإني لأرجو أن أنجو منها كما أنجى الله ابراهيم.
فلما كشف زيفهم ما كان إلا أن يكفروه، وأشهروا كفره، وتواطأ متأخروهم مع متقدميهم على تكفيره، وتكفير شيخ الإسلام وسام له، وممن كشف زيفهم وأزاح اللثام عن باطلهم في العصور المتأخرة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب، ونقول هذا تديناً لا تزلفاً ولا تزلقاً لأحد، فكذبوا عليه وأصبح من يقول: قال الله، قال رسول الله، وينادي بالعقيدة الصحيحة، يقولون عنه وهابي.
وممن حمل مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بلاد الشام ونادى بضرورة تصحيح عقائد المسلمين وكشف ما دخل على الدين من زيغ، شيخنا محمد ناصر الدين الألباني الإمام في هذا العصر، رحمه الله، وكان الشيخ جراء فعله كان ينبز ويقولون عنه وهابي، فكان يقول: الوهابي نسبة إلى الله عز وجل الوهاب فعلى هذا المعنى أقبل، وإلا فأنا متبع النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء إن أردتم أن تعرفوهم فاسألوهم: ما رأيكم بشيخ الإسلام ومحمد بن عبدالوهاب والألباني؟ فهذه علامات فارقة، ولا ذنب لهؤلاء العلماء إلا أنهم قالوا: دين الله كتاب وسنة، فما لم تأت الحجة فلا نقبل هذا من دين الله.
والاصطلاح الشرعي ليس الصوفية، وإنما التزكية،وحسن السمت، قال صلى الله عليه وسلم: {خصلتان لا تجتمعان في منافق، حسن السمت وفقه في الدين}، فلا نعرف في الكتاب والسنة ذكر للصوفية، فإن قيل: التصوف العبادات التي جاء بها الشرع، نقول: لماذا نستعير عبارات من غير الشرع؟ وشرعنا كامل وديننا كامل، والحمد لله.
أما أحسن كتاب عن الصوفية ،فالكتب كثيرة ،وأحسن من قوم الصوفية شيخ الإسلام ابن تيمية، ففي كتبه كشف لألاعيبهم وباطلهم، وقد جمع غير واحد من المعاصرين "شيخ الإسلام والصوفية" وكتب من المعاصرين أخونا الشيخ محمود عبدالرؤوف قاسم كتاباً جيداً أنصح بقرائته اسمه"الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ" ومن محاسن هذاالكتاب أنه ما نقل كلمة واحدة ولا حرف واحد من غير كتبهم، ومن محاسنه ذكر فيه قرابة مئة صفحة بعنوان: إضحك مع الصوفية، وتقرأ فيه عجائب، وما نقل شيئاً إلا من كتبهم وعن أعلامهم، فما نظر للصوفية من منظار غيره، قرأ كتبهم ونقل، وقال: هذه المراجع وهذه الطبعات وانظروا، والذي ينظر في هذا الكتاب يعلم حقيقة الصوفية، ومن هم الصوفية، فكل من يقع في قلب شك في ذلك، فأنصحه بقراءة هذا الكتاب فقد كفى ووفى، والله أعلم..
السؤال 302: ما هو حكم ارتفاع الأصوات في المساجد؟
الجواب: ارتفاع الأصوات في المساجد من الأمور المنكرة في شرعنا، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إياكم وهيشات الأسواق}، ويا للأسف في بيوت الله على إثر الدروس تحصل من قبل طلبة العلم هيشات، وهذا أمر ليس بحسن، وهذا أمر مستنكر، ولبيت الله حرمة فينبغي أن نراعيها.
وثبت في موطأ مالك أن عمر بن الخطاب دخل المسجد فوجد رجلين قد ارتفعت أصواتهما فهم بضربهما بدرته، رضي الله عنه، فلما رآهما غرباء عن المدينة ،سألهما فقالا: من اليمن، فقال: ((لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً)) فضرب المتحدث الذي يرفع صوته في المسجد سنة عمرية.
وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليخبر الناس بتعيين ليلة القدر على وجه فيه جزم ويقين فسمع جلبة في المسجد فأخبر أن الله عز وجل رفع ليلة القدر، والمراد رفع تعيينها على وجه الجزم، وليس كما يقول الرافضة أنها مرفوعة بالكلية، فبسبب الأصوات في المساجد من أسباب عدم تنزل الرحمات، ومن أسباب الحرمان من الخيرات.
فينبغي أن نحافظ على المسجد، وينبغي ألا تشوش فكثير من الناس يصلون الرواتب في المسجد، ولا يصلونها في البيت، وإن كان هذا خلافاً للسنة، لكنه لا يخول لك أن ترفع صوتك وأن تشوش عليه، فهو ترك السنة ولكن أنت لا تفعل الحرام، فلا تشوش على أخيك وإن كان لك كلام، فتكلم خارج المسجد، وحافظ على حرمة المسجد، وفقنا الله وإياكم للخيرات، وجنبنا الشرور والمنكرات، وجعلنا مهديين هداة.
السؤال 303: ما حكم المرأة التي تخرج من بيتها متعطرة؟
الجواب: هو حرام، وتجمع كلمة أهل العلم على حرمته، والدليل على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة}، وقد جاءت أحاديث كثيرة في حرمة التطيب للمرأة للصلاة، فما بالك في تطيبها لغير الصلاة؟
وأخرج الإمام النسائي وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا خرجت المرأة فلتغتسل من الطيب، كما تغتسل من الجنابة}، وفي لفظ: {أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد فلا تقبل لها صلاة حتى تغتسل غسل الجنابة}، فالمرأة التي تخرج متطيبة ليجد الرجال ريحها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {فهي زانية}، وفي الحديث السابق فيه: {فلتغتسل غسل الجنابة}، فكأنه قد زني بها حقيقة، فالمرأة التي تخرج متطيبة لا تقبل لها صلاة حتى تغتسل.
وهناك مشادة وقعت بين الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، مع امرأة متطيبة، أخرج النسائي والبيهقي في سننهما بإسناد صحيح عن عبدالرحمن بن الحارث عن أبي عبيد عن جده، قال: {خرجت مع أبي هريرة من المسجد ضحىً، فلقيتنا امرأة بها من العطر لم أجد بأنفي مثله قط، فقال أبو هريرة: عليك السلام، فقالت: وعليك، فقال لها: أين تريدين؟ قالت: المسجد، قال: ولأي شيء تطيبت بهذا الطيب؟ قالت: للمسجد، فقال: آلله؟ قالت: آلله، قال: آلله؟ قالت: آلله، قال إن حبي أبا القاسم أخبرني أنه لا تقبل لامرأة صلاة تطيبت بطيب لغير زوجها، حتى تغتسل منه غسل الجنابة، فاذهبي فاغتسلي ثم ارجعي فصلي}.
لذا من موجبات الغسل التي يهملها الفقهاء، ولا ينبه إليها كثير من طلبة العلم، المرأة التي تخرج متطيبة، فإن الغسل في حقها واجب، ولا تقبل لها صلاة حتى تغتسل.
فالمرأة التي تخرج للصلاة متطيبة هذا حالها، فما بالكم بالمرأة التي تخرج كاسية عارية متطيبة لتفتن الرجال، فما هو حالها؟ نسأل الله العفو والعافية.
السؤال 304: هلا حدثتنا عن الصبر وأقسامه وفضله؟
الجواب: (الصبر نصف الإيمان)، كما قال ابن مسعود ويعزى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، والصواب أنه من قول ابن مسعود ،ولذا كان يقول بعض السلف: (الإيمان نصفان، نصف صبر ونصف شكر)، وكان يقرأ على إثر ذلك قوله تعالى: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}، وكان عمر بن الخطاب يقول: (خير عيش أدركناه الصبر) والصبر منزلته من الإيمان كمنزلة الرأس من البدن.
والصبر أقسام، خيره وأفضله وأحبه إلى الله الصبر على الطاعة، والمرتبة الثانية الصبر على ترك الشهوة والمعصية، والمرتبة الثالثة الصبر على قدر الله وقضاءه، فخير هذه المراتب المرتبة الأولى، لذا كان الواحد من السلف إذا فعل طاعة يصابر عليها حتى يلقى الله، وكانوا يكرهون التحول والتنقل.
والصبر فيه الخير كله، لقول الله عز وجل: {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}، والخير في الدنيا والآخرة، أما في الآخرة فقول الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، فيوم القيامة يحاسب الجميع إلا الصابرون، وأما في الدنيا فالفلاح مرتبط بالصبر، لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}.
وفي الحقيقة الصبر يكون عند الصدمة الأولى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب}، وهذا عند الصدمة الأولى، فالصابر هو الذي يكبت غضبه، ويحلم على الناس، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني، قال: {لا تغضب}، فاستقل هذه الوصية، فقال: أوصني، قال: {لا تغضب}، ثم كررها ثالثة، فقال له صلى الله عليه وسلم: {لا تغضب، ولك الجنة}.
ومن المعلوم أن أكثر أسقام وأمراض البدن والروح والقلب إنما تنشأ عن عدم الصبر، فما كشفت صحة القلوب والأبدان والأرواح بمثل الصبر، وهل الشجاعة والعفة والكرم والتصدق إلا ثمرة من ثمرات الصبر، فالصبر خلق تنبعث منه أخلاق حميدة كثيرة شهيرة، والإنسان يصبر إن علم قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: {ومن يتصبر يصبره الله}، وحديثه في جامع الترمذي: {من رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط}.
وكان عمر بن الخطاب يقول: ((لئن كان الشكر والصبر بعيرين ما عبئت أيهما أركب}، ويقول: ((خير عيش أدركناه الصبر}، فخير ما يدرك الإنسان أن يصبر على طاعة الله، وخير اللحظات تقتضيها أن تصبر وأن تنزع وتحرر نفسك من حظوظها وشهواتها، وملذاتها من أجل الله، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فأحسن الصدقات أن تتصدق وأنت فقير تحتاج المال.
ومن صبرعن شهوة النساء والنظر إليهن، يجد في نفسه من اللذة، وانشراح القلب، والنور الذي يدخله، ما لا يعلمه إلا الله ،فمن استعف أعفه الله، وما سبب قساوة قلوب الناس اليوم، ووجود الغلظة والحجب على القلوب، وعدم وجود النور الذي ينشرح إليه القلب إلا عدم حفظ الناس لأبصارهم، ولذا كان قول الله تعالى: {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}، بعد آيات غض البصر، فمن حجب نفسه وغض بصره وصابر على الطاعة في سبيل الله، لا بد أن يبقى على خير، ولا بد أن يجد نوراً ولذة وانشراحاً وأخباتاً وطمأنينة في قلبه.
والناس اليوم يظنون أن الصبر فقط أن تترك المعصية، وهذا خطأ، فالأحسن من الصبر على المعصية، أن تصابر نفسك على الطاعة، فالنفس تميل للدعة والراحة، فلا تعطها حظها وافطمها عن ذلك، وإن سلكت مسلكاً فيه شيء يحبه الله، واظب عليه وابق عليه، واصبر وصابر ورابط تفلح بإذن الله.
السؤال 305: رجل توسل لزوجته أن تسمعه، ولا تذهب حتى تسمع كلامه، وكان بينهما جدال، فأعرضت عنه الزوجة، فغضب وقال لها: أنت طالق، طالق، طالق، ثم في اليوم الثاني مات الرجل، فهل على زوجته هذه عدة طلاق، أم عدة وفاة؟
الجواب: المرأة يجب عليها أن تطيع زوجها، ولا يجوز لها أن تخالفه، ولا يجوز لها أن تثوره بحيث يطلقها، فهذه رعونة وقلة عقل، بالإضافة إلى قلة الديانة والتقوى.
لكن كما قالوا، في القواعد الفقهية عند العلماء: المفتي أسير المستفتي، فلا يلزم إن أجاب المفتي عن سؤال، لا يلزم أن يكون المفتي قد أقر ما في السؤال، ويحسن به البيان، ويجيبه بما يريد فقط، لكن لا يلزم أن تستخرج من كلامه دلالات.
والمرأة إن طلقها زوجها، ثم مات عنها، وهي في عدة الطلاق، ولم يرجعها، فهنا يحصل تداخل بين العدتين، عدة الطلاق وعدة الوفاة، وإن كانت العدتان من جنسين فالتدخل هو كلمة الفقهاء، بل حكى ابن المنذر الإجماع على التدخل في هذه الصورة فعدة الطلاق حيضات وعدة الوفاة أشهر، فالعدتان من جنسين مختلفين، ومع هذا في مثل هذه الصورة العلماء مجمعون على تداخل العدد، فالمرأة تعتد عدة واحدة، وتتداخل العدتان، فتفعل الأعلى والأدنى تدخل في الأعلى، كمن يسرق فيجب في حقه قطع اليد، ثم قتل فوجب في حقه القتل، فلا يوجد داعي لأن نقطع يده، ثم نقتله، فقتله يكفي، فالأدنى يدخل في الأعلى.
لذا على هذه المرأة أن تعتد عدة الوفاة، وذلك يكفيها بإجماع أهل العلم، فتعتد أربعة أشهر وعشراً، وهذه العدة تكون للأمرين الطلاق والوفاة، وتبدأ عدتها من يوم الوفاة، لأن العبرة بعدة الوفاة، إلا إن كانت حاملاً فتبقى بعد الأربعة أشهر وعشراً حتى تضع حملها.
السؤال 306: جاء في الحديث: {ثلاثة يدعون الله عز وجل، فلا يستجاب لهم، رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق، فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه....}، هل يفيد هذا الحديث وجوب طلاق المرأة السيئة الخلق، ووجوب كتابة الدين والإشهاد عليه؟
الجواب: نعم؛ فكتابة الدين واجبة ،وهذا مذهب الحنابلة وهو أرجح الأقوال، على خلاف مستفيض في المسألة، وهو ظاهر القرآن، إلا إن وجد الرهن، أو إن كان الشيء قليلاً يتساهل الناس فيه إن لم يقض، وهو ليس من باب الدين، وأرى إلحاق صورة ثالثة، لو أن رجلاً أعطى آخر ديناً، وهو في نيته أن يتصدق عليه إن لم يرجعه ،فما كتب لهذا الملحظ فهذا الأمر واسع.
أما المرأة السيئة الخلق فتطلق، وسوء الخلق له معانٍ كثيرة، الشتم واللعن، والشكوى، وعدم الرضا، وإظهار القبائح والسيئات، وعدم العفو عن الزلات، والتقصير البشري المعتاد وما شابه، وفي قصة ابراهيم عليه السلام، مع زوجة ابنه اسماعيل لما سألها عن حالها، قالت: نحن في أسوأ حال وفي شر حال وشكت منه ،فهذا سوء خلق، فقال ابراهيم عليه السلام: إن جاء اسماعيل فأقرئيه السلام، وأخبريه أن أباك يأمرك أن تغير عتبة بابك، فجاء فأخبرته الخبر، فقال لها اسماعيل: إن أبي يأمرني أن أطلقك، فطلقها.
ويقع بين الأزواج ما وقع بين النبي وأزواجه، واعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه جميعاً في المسجد شهراً كاملاً، وخرج عليهم في اليوم الثلاثين، فلما قيل له: لم تتم الشهر، قال: {الشهر تسع وعشرون}، [فقد يقع مثل هذا]، لكن تكون الحياة في الجملة على وجه فيه خير وتقدير واحترام.
ومن أسباب استقرار حياة الأزواج، أن يحترم الزوج أهل زوجته، وأن تحترم الزوجة أهل زوجها، فلا يذكر الزوج أهل زوجته إلا بخير، وألا تذكر الزوجة أهل زوجها إلا بخير، وأن يحترم الصغير الكبير، وأن يعرف حقه، فتعلم الزوجة أن حماها بمثابة أبيها، ويعلم الزوج أن حماه بمثابة أبيه، فإن وجد هذا فما بعده هين، أما إن غابت هذه الأخلاق ولم يحترم الصغير الكبير، واعتدى عليه، ولم يوقره، فهذا من أهم أسباب الطلاق في هذا الزمان ،والله أعلم.
السؤال 307: امرأة علمت بوفاة زوجها بعد انقضاء عدتها، فماذا عليها؟
الجواب: الواجب المحصور بين حدين إن فات لا يجب بالأمر الأول، وقضاءه لا يجب بالأمر الأول، لذا من قصرت في عدتها فلا تقضي ما قصرت فيه.
وهناك خلاف بين أهل العلم إذا علمت بعد الوفاة فمنهم من اعتبر العدة من حيث بلوغها الخبر، وهذا له وجه، لاسيما في النظر للمعنى، والله أعلم...
السؤال 308: ما هو حكم لعب البلياردو؟
الجواب: الأصل في الرياضات المحمدية أنها توقع الأبدان وتقويها، وتجعل صاحبها يستثمر الأوقات المهدورة في أدائها مقابل فائدة معتبرة، ولذا من الرياضات المحمدية التي مارسها صلى الله عليه وسلم، وشجع عليها السباق، العدو على الأقدام، والعدو على الخيل، والمصارعة، فقد صارع صلى الله عليه وسلم بطلاً عربياً كان يسمى ركانة بنفسه، وأظهر نبوته من خلال صرعه.
وأما الألعاب التي تمارس ولا تعود على صاحبها بما يعين على الجهاد في سبيل الله عز وجل، فهذا الأمر ليس بمحمود.
ولعبة البلياردو هي لعبة أشبه ما تكون بالتسلية، وهي لعبة عرفت في القرن الثالث عشر في أوروبا، وأكثر من مارسها لويس الرابع عشر، وكان يمارسها هذا الملك بعد الغداء، وهذه لعبة تمارس من خلال طاولة فيها ثقوب، وعصا تضرب بها كرات على هذه الطاولة، لتدخل هذه الثقوب، وفق قانون معين، وهذه اللعبة فيها هدر للوقت دون كبير فائدة، وإن كان فيها المشي، فكما يقولون من لعب مئة شوط متتاليات فكأنما مشى ألفي قدم حول الطاولة.
والذي انشرح صدري إليه، من خلال ما أعلم من القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية، أن هذه اللعبة لا تخلو من مكروه، من أجل هدر الوقت من غير كبير فائدة، وعدم وجود نظير لها يشجع عليه الشرع، وغالباً تصطحبها أمور قد تجعلها حراماً، فهي للأسف موطن اجتماع شباب لا يقيمون للدين وزناً، ولا لصلاة الجماعة، بل يهدرون الأوقات ويضيعونها، وأمر آخر أن أغلب صورها التي تمارس في الواقع يصطحبها قمار، والقمار يكون من خلال أن المغلوب هو الذي يدفع.
أما المعاوضات الشرعية في الرياضات فهذا باب واسع ولا بأس من إلمامة سريعة بأصولها،فهذا باب امتحن به بعض الأئمة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، بل سجن ابن القيم من أجل هذه المسألة، وهي مسألة المعاوضة على الفروسية.
والمعاوضة إن كانت من طرف خارج عمن يلعبون، كأن يقول طرف لاثنين: من غلب أجعل له كذا، فهذا حلال، وليس من باب القمار في شيء، وإنما هذا من باب الجعالة.
والجعالة مشروعة ومشروعيتها في القرآن والسنة، وذلك من مثل قوله تعالى في سورة يوسف: {ولمن جاء به حمل بعير}.
وأما إن كانت المغالبة من طرفين الغالب يأخذ والمغلوب يدفع، فهذا هو القمار، سواء كان المدفوع مالاً، أم طعاماً، أم شراباً، قل أو كثر، سواء كان بغيضاً أم حبيباً، أجنبياً أم قريباً، فما يلعبه الناس اليوم في سهراتهم، كالضاما والشدة والنرد، على أن المغلوب يطعم الموجودين أو يسقيهم شيئاً، فهذا المطعوم أو المشروب في دين الله قمار، حرام بذله، حرام أخذه وحرام أكله، بل حرام المشارطة عليه السابقة.
وأما ما يبذل في توقيح الأبدان وفي المراهنة على مسائل علمية من أصول الأديان، من جعل بين الطرفين يأخذه الغالب، ويدفعه المغلوب، فهو جائز، وهذا أقرب إلى ظاهرة الأدلة الشرعية وأرجحها وأسلمها، فقد تراهن أبو بكر مع كفار قريش على من يغلب، الفرس أو الروم، وكان المسلمون يحبون أن يغلب الروم الفرس، لأن الروم أهل كتاب، فتراهن أبو بكر معهم على شيء معلوم، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على هذه المراهنة، وهذه مراهنة على مسائل العلم الكبار.
وأما المراهنة على ما يوقح الأبدان فقد صنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بنفسه مع ركانة لما تحداه، وكان ركانة رجل لا يغلب، ولا يستطيع أحد أن يرميه الأرض، فاستعان النبي صلى الله عليه وسلم بربه وغلبه ثلاثاً، وكان بينهما المراهنة في كل مرة على شاة، فلما أراد ركانة أن يدفع ثلاثة شياة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تجمع عليك خسارتين}، فعفا عنه، وورد عن ابن اسحق وغيره أن ركانة قال: والله لا يقدر على صرعي إلا نبي، فأشهد أنك رسول الله.
وهنا نكتة ولطيفة، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم، آمن به كثير من الناس وكان علاج الإيمان أشياء تخص هؤلاء الناس، فمراعاة حال المخاطب وحاجة المخاطب ونفسيته لا يقوى عليها إلا الموفق، فالأحنف بن قيس كان بخيلاً، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، وكان النبي قد غنم في بعض المعارك من الغنم أشياء كثيرة، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم تعلقه بالمال، أقطعه وادياً من غنم، فاستغرب وقال: والله لا يصلح ذلك إلا نبي، فأشهد أنك رسول الله.
السؤال 309: ما هو حكم إلقاء الألغاز بين طلبة العلم والانشغال بها؟
الجواب: اللغز في اللغة حفرة يصنعها اليربوع أو الفأرة أو الضب، وسمي بذلك لأن هذه الدواب تحفر هذه الحفرة مستقيماً في الأرض إلى أسفل، ثم تعدل إلى يمينه أو شماله فتعمي وتلغز من يبحث عنها في باطن الأرض، فسموا هذا الميل إلى اليمين أو الشمال إلغازاً، فهذا هو أصل اللغة في العربية.
وهنالك ألغاز علمية، وقد كتب ابن فرحون كتاباً في الألغاز الفقيهة في مذهب المالكية، وهنالك مؤلفات في المذاهب المتبوعة في الألغاز، وهنالك ألغاز عليمة عند الأقدمين ولا يخلو منها كتاب من كتب الأدب، فهنالك ألغاز مثلاً في القلم أو الكتاب أو المحبرة وما شابه، فالألغاز باب مطروق قديماً عند العلماء، ومنهم من ألغز بأشعار، ومنهم من ألف في بعض الألغاز كتباً، كما فعل المقريزي في لغز الماء، فله رسالة مطبوعة في ذلك.
والألغاز العلمية ليست بمذمومة بإطلاق، وليست بمحمودة بإطلاق، فطرح الألغاز في مسائل العلم، إذا كان من باب الطرق التي تحفز وتنشط أذهان الطلبة، للوصول إلى الجواب المطلوب، بحيث يستقر في الذهن ولا يزول، فهذا أمر لا حرج فيه، وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب العلم، باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من علم، وأسند (برقم 62) إلى عبد بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المؤمن، حدثوني ما هي؟}، فقال عبدالله بن عمر،وكان صغيراً، فوقع الناس في شجر البوادي فوقع في نفسي أنها النخلة، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هي النخلة. قال ابن حجر في فتح الباري في فوائد هذا الحديث: فيه جواز امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى، مع بيانه لهم إن لم يفهموه، وفيه التحريض على الفهم في العلم، وفيه ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام، وفيه إشارة أن الملغز له ينبغي ألا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز له باباً يدخل منه، بل كلما قربه كان أوقع في نفسه.
أما الألغاز التي يقصد بها التعجيز، والألغاز التي لا ينبني عليها فائدة ولا يكون فيها كبير علم، ولا ينبني عليها علم شرعي، فهذه الألغاز مذمومة، وقد ورد في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأغلوطات.
والحديث فيه ضعف، وقد نهى الأوزاعي عن المسائل التي فيها صعاب العلم, وقد كره السلف الخوض في مسائل العلم التي لم تقع، وهذا الباب الذي فيه شدة إلغاز، ولا ينبني عليه كبير فائدة ليس بمحمود، وممن ذمه الماوردي، رحمه الله، في كتابه "أدب الدنيا والدين" فله كلمة جميلة في ذم الألغاز العلمية التي يراد منها التصعيب، ولا ينبني عليها علم، فقال: ((وأما اللغز فهو تحدي أهل الفراغ، وشغل ذوي البطالة، ليتنافسوا في تباين قرائحهم، ويتفاخروا في سرعة خواطرهم، فيستكدوا خواطر قد منحوا صحتها فيما لا يجدي نفعاً، ولا يفيد علماً، فهم كأهل الصراع الذين قد صرفوا ما منحوه من صحة الأجسام إلى صراع كدود يصرع عقولهم، ويهد أجسامهم، لا يكسبهم حمداً، ولا يجدي عليهم نفعاً، فانظر إلى قول الشاعر:
رجل مات وخلف رجلاً ابن أم ابن أبي أخت أبيه
ما هو أم بني أولاده وأبا أخت بني عم أخيه
أخبرني عن هذين البيتين، وقد روعك صعوبة ما تضمناه من السؤال، إذا استكدك الفكر في استخراجه فعلمت أنه أراد ميتاً خلف أباً وزوجة وعماً، فما الذي أفادك من العلم، ونفى عنك من الجهل؟ ألست بعد علمه تجهل ما كنت جاهلاً من قبله؟ !)) أ.هـ.
فهذه الألغاز التي لا ينبني عليها عمل تتعب الخاطر، وتكده وترهقه، والخاطر والعقل والذهن له قوة، إذا صرفت في مثل هذه الأشياء كان ذلك على حساب أشياء أخر، كحال الذي يلعب الشدة لما يرجع إلى بيته لا يستطيع أن يتابع ولداً، ولا أن يفكر في أمر البيت وإدارة شؤونه، لأن طاقته الذهنية وقوة تفكيره وضعها في مكان، ثم أراد في بيته أن يسترخي ويستريح، فكلما طلب منه رأي أو مشورة كلما نفر وضج وغضب.
لكن الإنسان إذا أعمل فكره وذهنه وجمع خاطره في لغز علمي لمسألة تعود عليه بنفع، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أراد أن يشبه لهم الأمر الذي لا يحس، وإنما هو فكري محض، فيمثله بشيء ملموس لتتقوى الفائدة، فهذا أمر محمود.
أما تضييع الأوقات في حل المسابقات التي تسمى الثقافية ولا تعود على صاحبها بنفع، فهذا أمر ليس بحسن، ولاسيما إن كان مقابل هذا الأمر دفع مال، مثل شراء جريدة أو مجلة فيها كوبون أو ورقة مسايقة تكون كلفتها خمس قروش فيشتريها بنصف دينار يبتغي الجائزة، فهذا الشراء قمار، فإن كانت هذه السلعة قد شريت من أجل الكوبون والجائزة فهذه مقامرة، أما إن كانت تشترى دونها، والكوبون تحصيل حاصل، فلا أرى في هذا قماراً، وأما أن تباع ورقة أسئلة بنصف دينار، ويجمع ثمن هذه الأوراق ويعود شيء من هذا الثمن إلى بعض الناس، فهذا أيضاً قمار، وهذا ما يفعله بعض شباب المساجد، وهذا قمار لا يجوز شرعاً، وهذا الحال كحال أوراق اليانصيب، فأوراق اليانصيب تباع الورقة بدينار مثلاً، يشترك بها مئة ألف مثلاً، فمئة ألف دينار توزع منها خمسين ألف جوائز، وعشرين ألف للباعة، وثلاثين ألف دينار لمن ينظم المسابقة، فالكل يقامر على دينار، والأرقام المذكورة من باب التمثيل لا من باب الدراسة، والله أعلم..
السؤال 310: ما رأيك في العبارات التالية: ((اللهم اجعلنا في مستقر رحمتك)) القول عن المسجد الأقصى: ثالث الحرمين الشريفين، و (الشريعة صالحة لكل زمان ومكان)؟
الجواب: أما القول بأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، فهذا كلام فيه قصور ولا يجوز شرعاً وإن اشتهرت هذه العبارة على ألسنة الوعاظ والمفكرين والخطباء، فالقول [ان الشريعة صالحة لكل زمان ومكان لا ينفي إصلاح الزمان والمكان بغير الشريعة، فالشريعة صالحة وغيرها صالح.
والصواب أن يقال: إن الشريعة مصلحة للزمان والمكان، وأما القول بأن الشريعة صالحة فقد يكون غيرها صالح، فالعبارة قاصرة، ولا تفي بالغرض، ولا تؤدي المقاصد من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، فالصواب أن نقول: الشريعة فقط هي المصلحة لكل زمان ولكل مكان.
ولله سنة وينبغي لدعاة الإصلاح أن يدركوها جيداً، وقد أدركها وانتبه إليها أنبياء الله، فمن سنة الله الكونية التي تتوافق مع سنة الله الشرعية، أن الشر هو الذي يظهر بادئ ذي بدء، وهذا الشر تطرأ عليه عوامل ويجربه الناس حتى يعلموا فساده، كما فعل موسى مع فرعون، لما قال له تلقي أو نلقي، قال موسى: {ألقوا}، فالبدء بالشر خير من البدء بالخير، لأننا لو بدأنا بالخير وجاء الشر ما علمنا قدر الخير، فمن رحمة الله بنا أن يمنع عنا، لأحوال تقتضيها أمورنا وقربنا وبعدنا عن ربنا، أن نحكم شريعته، حتى لما تتحكم الشريعة نعرف الخيرات التي فيها، ونكون قد ذقنا الأمرين والويلات، وضججنا برفع الأصوات والصراخات والآهات قبلها.
وهذا من رحمة الله بنا، وموسى ما ألقى حتى ألقى السحرة، فلما ألقى السحرة أنتفش الباطل، وظهر له شيء من رونق وشيء من لمعان، لكن إن جاء الحق بجانبه سرعان ما يظهر الزيف الذي في الباطل، لذا إن كنت تريد أن تناظر غيرك ويناقشك، فلا تبدأ أنت بإلقاء الحق الذي عندك، وليبدأ هو بإلقاء ما عنده فأنت بعض الأشياء عندك مسلمات تريد أن تبني عليها ويريد أن يناقشك فيها، فتنشغل انشغالاً طويلاً، وتحتاج إلى تأصيل وتقعيد وتخرج عن الموضوع الذي تناقشه، لكن اجعله هو الذي يتكلم، فبعد أن يتكلم تتكلم أنت. فلما يظهر الحق حينئذ يموت الباطل، كما فعل موسى مع السحرة، وهذا منهج الموفق.
ونحن بحكم جهلنا ضاعت دولة الخلافة بسببه، فمفتي روسيا في زمن الدولة العثمانية كان يحرم استخدام الأسلحة النارية ويوجب الاقتصار على استخدام القوس فقط أمام الأسلحة النارية، وذكر هذه الفتوى محمد أنور الكشميري في كتاب الجهاد في شرح صحيح البخاري، المسمى "فيض الباري بشرح صحيح البخاري" فهذا الجهل قطعاً سيضيع الأمة والجهل الذي كان موجوداً في آخر الدولة العثمانية هو الذي ضيع الأمة وأجدها على هذا الحال.
ونحن نقول أن كل خير ينبغي أن يبنى على العلم، وكل خير لم يبن على العلم، فمآله إلى ضياع وتباب وزوال، وعدم البقاء، والعلم هو علم الكتاب والسنة، ولذا أسلافنا وصلوا إلى ما وصلوا إليه لما علموا مراد الله وفهمومه وفهموا الثوابت من المتغيرات، وحتى يهملون اللفظ ويعملون بالمعنى ومتى يغلبون اللفظ، حينئذ قام الدين وانتصر، وينبغي أن نفهم الدين على هذا الحال وعلى هذا النحو.
أما عبارة اللهم اجعلنا في مستقر رحمتك، فعبارة جائزة من وجه، ممنوعة من وجه آخر، ونقول لصاحبها: ماذا تريد بها؟
ومما ينبغي أن يعلم أن الرحمة المضافة إلى الله عز وجل ، كما قرر ابن القيم في "بدائع الفوائد" في موطنين، تنقسم إلى قسمين، إضافة مفعول إلى فاعله، وإضافة صفة إلى الموصوف بها، فإذا أردنا (مستقر رحمتك) إضافة الصفة للموصوف بها، فهذا لا يجوز، لأن مستقر رحمة الله بإضافة الصفة وهي الرحمة إلى الموصوف وهو الله ،يكون مستقر الرحمة ذات الله،فهل يجوز أن يقول الداعي: اللهم اجمعنا في ذاتك؟ فعلى معنى إضافة الصفة لموصوف ممنوعة، وعلى المعنى إضافة المفعول إلى الفاعل،بمعنى أن الرحمة هي ثمرة ونتيجة لفعل، وحينئذ تكون هي الجنة، فعلى هذا المعنى تكون جائزة.
وقد بوب الإمام البخاري في "الأدب المفرد" قال: (كتاب من كره أن يقال: اللهم اجعلني في مستقر رحمتك) وأسند إلى أبي الحارث الكرماني وهو ثقة، قال: (سمعت رجلاً قال لأبي رجاء: أقرأ عليك السلام، وأسأل الله عز وجل أن يجمع بيني وبينك في مستقر رحمته، فقال أبو رجاء: وهل يستطيع أحد ذلك؟ فما مستقر رحمته؟ قال: الجنة، قال لم تصب، قال: فما مستقر رحمته؟ قال: رب العالمين)، فالمستقر ما يقر فيه الشيء، أي يوجد فيه، والصفة إنما تستقر وتوجد في الموصوف، وتعلقها بغيرها من باب إضافة المفعول إلى فاعله، أي آثارها، فإذا كان مراد الداعي الجنة فهذا كلام صحيح، أما بإضافة الموصوف إلى الصفة فهذا ليس بصحيح، هذا هو الراجح، وتفصيل هذه المسألة موجود في "بدائع الفوائد" جـ2 ص183، وجـ4 ص72، وفي "إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين" لمحمد مرتضى الزبيدي في الجزء السابع ص578 كلام حسن في هذا ،وعند ابن علان الشافعي في كتابه "الفتوحات الربانية شرح الأذكار النواوية" جـ7 ص179-181، له كلام بديع مفصل في هذه العبارة.
أما إطلاق ثالث الحرمين الشريفين على الأقصى، فهذا لا يجوز لأن الأقصى ليس بحرم، لكن هل هذا يقلل من أهمية الأقصى؟ معاذ الله.
وحرام في الشرع أن تقول: حرم المسجد، أو نقول: حرم السيدة نفيسة كما في مصر، أو حرم الجامعة، المكان الحرم هو المكان الذي يحرم فيه الصيد ويحرم فيه قطع الشجر، والأقصى ليس بحرم، وهو أولى القبلتين، وأحد المساجد الثلاثة التي لا يجوز شد الرحال إلا إليها، وله أجر خاص وفضيلة خاصة، لكن لا نطلق عليه لفظة الحرم، لأنه يجوز الصيد في ساحاته فهو ليس كحرم مكة والمدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن ابراهيم قد حرم مكة، فإني أحرم المدينة، من عير إلى ثور}، ومكة من صاد فيها فعليه جزاء ما صاد بمثله من النعم، والمدينة من صاد فيها يؤخذ سلبه عنوة، فلا يملك الصيد لمن صاده.
ووجدت كلاماً لابن تيمية في الفتاوي جـ ص14-15، يقول فيه: (والأقصى اسم للمسجد كله، ولا يسمى هو ولا غيره حرماً وإنما الحرم مكة والمدينة خاصة، وفي وادي وج الذي في الطائف نزاع بين العلماء)، والأقصى ليس بحرم باتفاق العلماء ،فلا نقول عنه: ثالث الحرمين الشريفين، والله أعلم..
السؤال 311: هل قاعدة: الثواب على قدر المشقة، صحيحة أم لا؟
الجواب: ليست هذه القاعدة صحيحة باطراد، وهذا مما لا شك فيه، فإن من مقاصد الشرع رفع الحرج عن المكلف، وقال عز وجل: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، وقال: {يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه}، وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه}، وفي رواية صحيحة {إن الله يحب أت تؤتى رخصه كما يحب أن تجتنب معاصيه}.
فليس دائماً الأجر على قدر المشقة، فهناك من الأعمال اليسيرة ماله ثواب عظيم وجزيل وهو سهل ميسور، فأفضل الكلام: لا إله إلا الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم}.
أما المشقة التي لاتنفك عن العبادة فلها أجر أعظم من عبادة أخرى لا يوجد فيها مشقة، أما أن يتقصد الإنسان إدخال المشقة على نفسه فهذا ليس بحسن، فمثلاً صلاة الجماعة المشي إليها من مكان بعيد أحب إلى الله من المشي إليها من مكان قريب، لكن البيت القريب من المسجد أفضل. ولا يجوز أن يتخطى العبد مسجد حيه، ويدخل المشقة على نفسه من غير سبب، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخطي المساجد ،مع أن فيها مشقة ،والأحب إلى الله، أن تصلي في المسجد القريب منك، ولما نذر أبو إسرائيل أن يظل قائماً ولا يستظل ولا يكلم الناس قال النبي صلى الله عليه وسلم: {مروه فليجلس وليستظل وليتكلم}، فهذه مشقة ما أنزل الله به من سلطان، فالقاعدة ليست على إطلاقها.
لكن لو وجدت عندنا طاعة والمشقة لا تنفك عنها فحينئذ الأجر على قدر المشقة، أما طاعة أصل إليها بأريحية دون مشقة، وهناك طريق آخر يوصل إليها به يتنطع وإدخال المشقة على نفسي، فهذا التقصد في إدخال المشقة ليس من دين الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {هلك المتنطعون}، أي المتشددون الذين يدخلون على أنفسهم المشقات، وهم في غنى عنها، والشرع في غنى عنها، والله أعلم..
السؤال 312: ما هي نصيحتكم للعاق أبويه، وهو من طلبة العلم؟
الجواب: لا حول ولا قوة إلا بالله .
طالب العلم ينبغي أن يكون أسوة وقدوة، وينبغي أن يضرب المثال الحسن في علاقته مع سائر الناس، فكيف مع من هم سبب وجوده، وهما الأبوان؟
والعقوق قبيح، ومن العابد أقبح، ومن طالب العلم أقبح وأقبح.
وطالب العلم لا يوفق إلا برضا أبويه، وطالب العلم لماذا يطلب العلم؟ فلو أنك وجدت طريقاً للجنة أقصر من طريق طلب العلم، أتسلكه أم تبتعد عنه؟ تسلكه أليس كذلك؟ فطلب العلم عند الموفق اليوم هو أقرب طريق للجنة، فمجلس طلب العلم له جائزة، وجائزته أن تغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة، وأن يذكر الله تعالى من فيه بأسمائهم وأعيانهم مباهياً بهم الملأ الأعلى، وكفى بهذا فخراً وكفى بهذا أجراً.
والقاعدة التي يعلمها هذا الطالب أن التخلية قبل التحلية، فمن على يده نجاسة لا يضع عليها طيباً، وإنما يضع الطيب بعد أن يزيل النجاسة، فهذا طالب العلم يسلك طلب العلم، من أجل الجنة، ما عمل بهذه القاعدة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يدخل الجنة قاطع}، رواه الشيخان، فأنت تطلب العلم من أجل الجنة، فخلي وابتعد عن الأسباب التي تحول دون دخول الجنة، حتى إن تحليت بطلب العلم دخلتها، فتخلى قبل أن تتخلى.
ثم كيف الإنسان يبقى يستمر في الخيرات والتوفيق، من الله عز وجل في حياته الدنيا، وهو متلبس بأسباب الغضب، غضب الله عز وجل، فالإنسان إن سما وعلا وإن أصبح عالماً وإن أصبح غنياً أو ذا شهادة، وإن أصبح ذا منزلة اجتماعية فينبغي أمام أبويه أن يخفض هذه الأجنحة، وألا يطير بها، وأن يتواضع لأبويه فربنا يقول: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}.
فأمام الوالدين لا شهادة ولا طلب علم ولا ثراء ولا مال وإنما خفض أجنحة وذل، ومن يقرأ ترجمة قتادة بن دعامة التابعي الجليل، يجد كيف كان يتكلم مع أمه بذلة، فيكاد لا يسمع صوته.
فليس بر الأب أن تطعمه أو أن تعطيه مالاً فقط، فقد يقع مع الإطعام والنفقة عقوق، كأن لا تسمع رأيه وتنفر فيه وترفع صوتك على صوته، فالبر أوسع من الإطعام والنفقة، وهذا من محاسن ديننا، وهذا من معايب ومقابح الكفار اليوم، فالأب يكبر ويضعف بدنه ولكنه صاحب تجربة، فالابن المسلم يعمل على رضاه، لا يتحرك إلا بإذنه واستشارته، والأب يضعف ولا يقوى أن يخدم نفسه، والابن لا يسقط له كلمة ولا رأي في الأرض ويحترمه ويعتبره تاجاً على رأسه، ويعبد الله عز وجل بتبجيله وتعظيمه وتوقيره.
أما الكافر لما يكبر أباه يذهب به ويضعه في دار العجزة، ويأت ببدل منه بكلب في بيته، فكفاهم قبحاً هذا، وكفانا فخراً بآبائنا أن نتسابق لرضاهم بأن نخدمهم فيما لا يقدرون عليه، وإن كانت هذه الخدمة تؤذي النفس، لكن يفعلها الإنسان مبتغياً الأجر والثواب من الله عز وجل، لأن بر الوالدين، لاسيما الأم، سبب من أسباب التوفيق.
وتأملوا قول الله عز وجل: {وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً}، فمن مفهوم المخالفة في الآية أن من لم يبر والدته فهو في الدنيا جبار شقي، فلا يوفق لمال ولا لجاه ويصاب بالحرمان والانتكاسات وعدم التوفيق، وهذا أمر مشاهد. وكذلك قوله تعالى: {وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً}، فمن لم يكن باراً بوالديه فهو في الدنيا جبار وعاصي.
إذن بر الأب أولى الناس به طالب العلم، لكي يدفع عن نفسه أن يكون في الدنيا أن يكون جباراً شقياًً.
والإنسان لا يستطيع أن يطلب الخير على غيره، حتى يستقر في بيته، وحتى يعظم أبويه، وحتى يجد من زوجه وأولاده قرة عين له، قال تعالى في الدعاء: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً}، فالإنسان يكون للمتقين إماماً لما يجد قرة عينه في بيته، لما يعيش في طمأنينة وسكون وراحة في بيته، وينعم ويسعد بزوجه وأولاده، والخير الذي عنده يفيض عليهم، بعد ذلك يفيض على غيرهم، فهذه مفاهيم ومعاني ينبغي ألا ننساها.
وقبيح جداً بطالب العلم أن يكون عاقاً، فطالب العلم ينبغي أن يقدم أمر أبويه على كل أمر، وينبغي أن يعبد الله عز وجل بهذا، لاسيما أن هذه أبواب مفتحة للجنة معرضة لأن تغلق في أي وقت، فهنيئاً لمن له أم وهنيئاً لمن له أب.
ومن العقوق الذي يفعله كثير من الناس اليوم، سواء كان آباؤهم أحياءً أم أمواتاً أن ينسى الابن الدعاء لأبويه، فكثير منا لا يدعو لأبويه، وهذا نوع من أنواع العقوق، فإن من باب البر بالأبوين أن تكثر من الدعاء لهما، ولا ينساهما ولاسيما في الأوقات التي يرجى فيها الإجابة، وفي الأحوال والهيئات التي تجد لك فيها حضور قلب وخشوع وقرب زائد من الله عز وجل، نسأل الله عز وجل أن يبعد العقوق عنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا، وأن يجعلنا من البارين.
السؤال 313: هل يجوز أن يلعب أحد لعبة الأتاري وهو في نفس الوقت يسمع لشريط ديني ويخفض صوت جهاز الأتاري وهل هذا من إضاعة الوقت؟
الجواب: لعب الأتاري مضيعة للوقت، وهو شبيه بما قلناه عن البلياردو، واليوم كثرت أسئلة الألعاب، والأمة مليئة بها، وطلبة العلم ينبغي أن يحرصوا على أوقاتهم وطالب العلم إن أهدر وقته كما يهدره الآخرون فنام كما ينامون وتمتع كما يتمتعون، ولعب كما يلعبون، فكيف يبهر الناس ويتفوق عليهم، فهذه الألعاب تدخل تحت الكراهة لهدر الوقت دون تحقق مقصد شرعي معتبر، والله أعلم...
السؤال 314: دخل رجل المسجد، فبدأ بصلاة تحية المسجد، وبعد تكبيرة الإحرام أذن، فهل يكمل صلاته أم يخرج منها؟
الجواب: الأصل فيمن بدأ بطاعة أن يتمها ولا يجوز له أن يخرج عنها أو يبطلها إلا بنص كصيام النافلة فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد وغيره قوله: {الصائم أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر}، أما من انشغل بصلاة ثم أذن فلا يجوز له أن يخرج من صلاته بسبب الآذان.
لكن يستحب لمن دخل المسجد وعلم أنه إن انشغل بتحية المسجد فإنه يفوته سنة الترداد مع المؤذن، يستحب له أن ينتظر ولا يجلس ويبقى واقفاً حتى يؤذن المؤذن ويرد معه، ثم بعد الترداد ينشغل بتحية المسجد، وممن نصص على ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح.
لكن لو أن هذا الداخل ما انتبه، وبدأ بتحية المسجد ثم سمع الأذان بعد تكبيرة الإحرام، فلا يشرع له أبداً أن يخرج من صلاته، وليبق في الصلاة، وهناك رواية عن أحمد: يتمم صلاته ويردد مع المؤذن، ولا أرى هذا، ولكن يتمم الصلاة على ما هي عليه، وفاتته سنة الترداد مع المؤذن.
والجمع بين الطاعات ما استطاع المكلف أن يفعل فهذا حسن، وإلا إن تلبس بطاعة فما ينبغي أن يخرج منها.
وهنا تنبيه لمن دخل والمؤذن يؤذن، والإمام على المنبر، فبعض الناس ينشغلون بالترداد مع المؤذن، ولما يشرع الخطيب في الخطبة يبدأون بتحية المسجد، وهذا خطأ، لأن الاستماع للخطبة على أرجح الأقوال وعلى ظاهر الأدلة والنصوص أنه واجب. والترداد مع الأذان سنة على قول الجماهير، وقد ثبت في مصنف ابن أبي شيبة أن الصحابة كانوا يتكلمون والمؤذن يؤذن. فالأصل أن ينشغل هذا الداخل بتحية المسجد وإن كان المؤذن يؤذن حتى يتمكن من الاستماع إلى خطبة الجمعة ،والله أعلم ...
السؤال 315: ما هو حكم العمليات الانتحارية؟
الجواب: العمليات الانتحارية إن كان هكذا اسمها، وكان اسمها يناسب حقيقتها، فهي ليست بمشروعة، فالعمليات الانتحارية والعمليات الاستشهادية ألفاظ غير موجودة في كتب فقهائنا وعلمائنا.
والسؤال يحتاج إلى صياغة شرعية، ما ينبغي أن يكون الجواب في السؤال، فإن كان الجواب في السؤال فلا داعي له أصلاً، فإن قيل ما هو حكم العمليات الانتحارية؟ فالانتحار حرام، وإن قيل ما هو الحكم في العمليات الاستشهادية؟ فالاستشهاد من الطاعات التي يحبها الله ويرضاها، فكان الجواب في السؤال، فما ينبغي أن يكون الجواب في السؤال.
ولو سأل السائل: ما حكم أن يهجم الرجل على الأعداء، والموت محقق في حقه إثر هذا الهجوم فهل هذا عمل مشروع أم ممنوع؟ لكان هذا السؤال علمياً بهذه الطريقة، أما لو قيل: ما حكم أن يحمل الرجل المتفجرات وأن يكون بين الأعداء وأن يفجر نفسه بهم، لا يريد الخلاص بنفسه، وإنما يريد إلحاق الضرر بأعداء الله عز وجل؟ لكان هذا السؤال مشروعاً، فينبغي أن نصوب السؤال قبل البدء به.
ثم ما يجوز لأحد، لاسيما العوام، وطلبة العلم المبتدئين، ما يجوز لهم بأي حال من الأحوال أن يتعدوا طورهم، وألا يعرفوا قدر أنفسهم، فينبغي أن يحترموا العلماء، ولا يجوز لهم أبداً التطاول على الفقهاء إن أفتوا بأي مسألة كانت، وذلك بشروط؛ أولاً: ألا يصادموا نصاً، والثاني: أن يكون أهلاً، وأهل العلم يحترمونهم ويعرفون قدرهم، ثالثاً: أن يعملوا بفتواهم بالقواعد المتبعة عند العلماء. فعندها الكلام الذي يقولوه إن أصابوا فيه فلهم أجران، وإن أخطأوا فيه فلهم أجر، وهم أمام الله عز وجل معذورون.
أما فرد العضلات، وتطويل الألسنة على الفقهاء والعلماء فهذا صنيع غير الموفقين، وصنيع المخذولين المحرومين، فالعلماء لهم قواعد متبعة، وهم في قواعدهم محترمون، ولا يجوز أن يتعدى عليهم، فمثلاً: من القواعد المتبعة عند الحنفية وعند المالكية أن من سيطر على شيء بالقوة فيكون مالكاً له ملكاً شرعياً، فإن جاء آخر فنزعه منه وثبت أنه نزعه منه بشروط السرقة مثلاً، وهذا الذي سرق لم يأخذ ماله وإنما أخذ مال غيره، فإنه يفتون بقطع اليد، فهل يجوز لأحد اليوم أن يحط وأن يقدح ويشتم ويلعن المالكية والحنفية لأنهم يقولون أنه من استولى على شيء قهراً فإنه يملكه؟ معاذ الله، لا يفعل ذلك إلا مخذول.
فهذه المسائل تطرح وتذكر على بساط البحث مقيدة بنصوص الشرع، وبالقواعد المتبعة، أو باجتهادات العلماء السابقين، أو بأشباه المسألة ونظائرها في دين الله عز وجل، ويحاول الباحث قدر جهده أن يصل إلى حكم الله عز وجل بالاجتهاد، والأمر بين صواب وخطأ.
وهذه المسألة بهذه الحروف وبهذه العبارات غير موجودة عند علمائنا الأقدمين، ولكن الموجود عند علمائنا اجتهادات في مسائل شبيهة بهذه المسألة وقد اعتمد العلماء على نصوص شرعية.
وأقول رأيي في هذه العمليات قبل أن أذكر بعض النصوص وذكر بعض الاجتهادات والنقولات عن العلماء.
فالذي أراه صواباً في هذه المسألة، بعد استخارة الله عز وجل وطول تأمل، وقد سئلت عبر الأوراق في هذا الدرس عشرات المرات عن هذه المسألة، فالذي أراه أن هذه العمليات مشروعة بقيود وشروط، وأن مرتكبيها أمرهم إلى الله عز وجل، نحسبهم أنهم قد أخلصوا الصلة بالله وأحكموها، وأخلصوا لله قبل القدوم على هذه العمليات، فنرجو الله عز وجل أن يتقبلهم، وهذا الرأي الذي أقوله هو رأي إمام هذا العصر الشيخ محمد ناصرالدين الألباني، فإنه كان يجيز هذه العمليات بقيود وشروط يأتي التنبيه عليها.
أما أن يقوم الرجل ويهجم على غيره بموت متحقق عنده لكي يصيب مقتلاً، أو يحصل ضرراً بالأعداء، فهذا جائز بنصوص السنة، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث صهيب بن سنان رضي الله عنه، في قصة الغلام مع الساحر، والقصة الطويلة، وأراد الملك أن يقتل الغلام فما استطاع، فعلم الغلام الملك كيف يقتله؟ وقال له: ((إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني)) ففعل الملك ذلك، فقال الناس: آمنا برب الغلام، وكان مقصد هذا الغلام أن يسمع الناس هذا الكلام من الملك فيؤمنوا به بعد قتله، ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((إن الغلام أمر بقتل نفسه من أجل مصلحة ظهور الدين، ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار، وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه، إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين)) (الفتاوي 28/540).
وهناك نصوص وردت عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تأذن وتدلل وتقوي هذا الأمر، فقد أخرج أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بإسناد صحيح عم أسلم بن عمران قال: ((حمل رجل بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب رضي الله عنه: ((نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدنا معه المشاهد، ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار،فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه ونصره حتى فشا الإسلام، وكثر أهله ،وكنا قد آثرناه على أهلينا والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها فنرجع إلى أهلينا وأموالنا، فنقيم فيهما، فنزل فينا قول الله تعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد في سبيل الله عز وجل.
فالذي قد حمل بنفسه، وقد قيل فيه إنه ألقى بنفسه إلى التهكلة، فقد رد ذلك أبو أيوب الأنصاري،وقال: إن التهلكة أن نترك الجهاد وأن ننشغل في الأموال والأولاد، فهذه هي التهلكة، وإننا إن فعلنا ذلك فإننا نلقي بأيدينا إلى التهلكة، بأن نطمع أعداء الله عز وجل في أموالنا وأراضينا وأعراضنا وأنفسنا.
وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8/34) وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدد، فصرخ الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته وكان لظنه أنه يرهب العدو بذلك، أو يجرئ المسلمين عليهم، أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة ،فهو حسن، ومتى كان مجرد التهور فممنوع، وقال ابن خريز منداد، وهو من علماء المالكية، كما في تفسير القرطبي (2/363) قال: (فأما أن يحمل الرجل على جملة العسكر أو على جماعة اللصوص والمارقين والخوراج فلذلك حالتان، إن غلب على ظنه أنه يقتل من حمل عليه وينجو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكي نكاية ويؤثر أثراً ينتفع به المسلمون فجائز أيضاً، وقد بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل فصنع فيلاً من طين، وآنس به فرسه حتى ألفه فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل فحمل على الفيلة التي كان يتقدمها، فقيل له: إنه قاتلك، فقال: لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين.
وكذلك يوم اليمامة لما تحصنت بنو حنيفة في الحديقة، قال البراء بن مالك: ضعوني في الترس وألقوني إليهم، ففعلوا وألقوه وفتح الباب ودخل المسلمون، وقتل رضي الله تعالى عنه، فهجم على العدو وحده، وكان الموت متحققاً عنده، وهذا لا حرج فيه إن شاء الله.
وقال محمد بن الحسن الشيباني، كما في تفسير القرطبي أيضأً: (لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه، لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة المسلمين، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يعد جوازه، ولأن فيه منفعة للمسليمن من بعض الوجوه، وإن كان قصده إرهاب العدو، وليعلم صلابة السلمين في الدين فلا يبعد جوازه، وإذا كان في نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله، وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}.
إذن في هذه النقول، وقبلها النصوص من فعل الصحابة ومما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جواز أن يحمل الرجل الواحد على العدو، وإن تحقق موته إن ترتب على ذلك منفعة معتبرة للمسلمين، وأما إن لم تتحقق المنفعة للمسلمين فهذا تهور ولا يجوز.
والجهاد قسمان؛ جهاد طلب وجهاد دفع ،وجهاد الطلب لا بد فيه من إمام ومن أمير حتى يحصل ترتيب للجهاد، أما في الدفع فلا يحتاج إلى إذن الإمام.
وإن كان الجهاد جهاد دفع وقام البعض بذلك، فكان شيخنا رحمه الله تعالى، يشترط المشورة، وألا يكون ذلك على وفق أن يركب الرجل رأسه، وإنما ينبغي أن يكون ذلك وفق خطة، وهذه الخطة لا بد فيها من مشورة وتخطيط، أما أن يقوم كل على وفق رأسه في جهاد الدفع، فلا.
ثم لا بد أن يترتب على ذلك مصالح معتبرة، وازدحام المصالح والمفاسد في المحل الواحد هذا الأمر يسبب الخلاف في كثير من المسائل الفقهية التي اختلف فيها العلماء اختلافاً معتبراً، فهذه المسألة تختلف المصالح والمفاسد فيها، باختلاف وجهات النظر، فمن غلب المفاسد فمنعها فلا يقال عنه خائن، ولا يقال عميل، فالمصالح والمفاسد أمرها شائك في هذا الأمر.
وعلى طلبة العلم أن يحفظوا هذه القاعدة التي قررها الشاطبي رحمه الله تعالى، في كتابه الموافقات (جـ5/114) وهي قاعدة مهمة ينتبه إليها الموفق، قال: ((محال الاجتهاد المعتبر هي ما تردد بين طرفين وضح في كل واحد منهما قصد الشارع في الإثبات في أحدهما والنفي في الآخر، فلم تنصرف البتة إلى طرف النفي، ولا إلى طرف الإثبات))، فالعمل لم يظهر فيه نفي ولا إثبات فيظهر فيه خير وشر، ومنفعة ومضرة، فلما تزدحم فهذا الازدحام من مجال الاجتهاد المعتبر.
وهذه العمليات نرجو الله عز وجل أن يتقبل أصحابها ولا يجوز لأحد أن يحكم عليهم بخسران أو بضلال ،هذا خطأ، ولا يجوز أيضاً لأحد أن يجزم لهم الجنة، إنما نقول: المرجو من الله عز وجل أن يتقبلهم، وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد والسير باب رقم 77 قال: ((باب لا يقال فلان شهيد، فيحرم على الواحد منا أن يجزم بالشهادة لأي كان)) وقد ألف يوسف بن عبدالهادي المعروف بابن المبرد كتاباً ما زا ل محفوظاً في المكتبة الظاهرية وهذا الكتاب عنوانه "حرمة الجزم للأئمة الأربعة بأن لهم الجنة" فلا يجوز للواحد منا أن يقول عن أحد الأئمة الأربعة أنه في الجنة كأبي بكر وعمر والعشرة المبشرين بالجنة، لكن لا يلزم من هذا أن نقول إنهم هالكون معاذ الله، هم أئمة الدين وأهل الورع والتقى، والواجب علينا أن نقول: الظنون والمرجو من الله عز وجل أنهم من أهل الجنة، لكن لا يجوز أن نجزم لأحد لم يقم نص عليه بعينه أنه من أهل الجنة.
وقد قص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة فيها عبرة لمن يعتبر: ((قال رجل لآخر: إن الله عز وجل لم يقبل عملك، فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي: {قل له إن الله قد قبل عمله وأحبط عملك}، فلا يجوز لأحد أن يقول: الله يقبل من فلان، ويرد عمل فلان، لكن هل يوجد شجاعة وجود أكثر من أن يجود الرجل بنفسه؟ لا والله لا نعلم جوداً أكثر من هذا، فالمرجو من الله عز وجل أن من قام بهذا أن يتقبله الله، وبعد ذلك ومع ذلك وقبل ذلك الأمر بيد الله، والله عز وجل هو اعدل العادلين.
ثم من المسائل التي ينبغي أن ينبه عليها في هذا الباب أولاً: أن العاقل ينظر إلى مراعاة الخلاف في المسائل، فمراعاة الخلاف من منهج الموفقين، وأن نهدر الخلاف ولا ننظر إليه في المسائل، فليس هذا من دين الله عز وجل في شيء، فمثلاً: الحنفية يجوزون للمرأة أن تزوج نفسها بنفسها، والجماهير يحرمون ذلك، ويعتبرون من فعلت ذلك فقد زنت، فلو أن امرأة حنفية دينة صينة عفيفة زوجت نفسها بنفسها، فهل يجوز لأحد أن يقول عنها زانية؟ أم أن خلاف العلماء لا بد من اعتباره؟ فلا بد من مراعاة اختلاف العلماء، فإنه من مناهج الموفقين ،فمن أفتى بمسألة بأصل قام عنده فهذا ينبغي أن يحترم أصله، ويقال له: إما مصيب وإما مخطئ ،أما تطويل اللسان على العلماء فهذا والعياذ بالله تعالى من قلة التوفيق، وقلة الديانة، ولا يفعل ذلك إلا من طاش عقله وفق رأيه.
فالمسائل العلمية تطرح ويقال فيها صواب وخطأ، وبعد ذلك الله عز وجل أعدل العادلين، وكلام البشر مهما كانوا لا يغير حقائق الأشياء عند الله عز وجل.
ثانياً: قد يقول قائل: النصوص التي ذكرت في حديث صهيب وفي قصة أبي أيوب وفي قصة البراء وغيره، هذا كله وقع فيه القتل بيد الآخرين، وليس بيد المكلف نفسه، فاختلفت هذه المسألة عمن يقتل نفسه، فأقول: الفرق معتبر، ولذا أقول لمن خالف الذي ذكرت في مثل هذه المسألة الخلاف معتبر، وهذه المسألة تتذبذب بين أصلين، أصل الاستشهاد والإقدام وإعمال النكايا في العدو، ورفع همة المسلمين، وبين أصل الحرمة أن يقتل الرجل نفسه، ولمسألة إن تذبذبت بين أصلين، كما قال الشاطبي من مجال الاجتهاد المعتبر.
لكن هذا لا ينافي ما قررت، من جواز أن يهجم الرجل بنفسه، وأن يقتل العدو ويكون هذا القتل بيده لا بيد عدوه، وهنالك نظائر لهذه المسألة وهذه النظائر ينبغي أن يقدم لها مقدمة.
فأيهما أشد؛ أن تقتل المسلم، أو أن تقتل نفسك فلو خيرت بين أن تقتل غيرك أو تقتل نفسك، فأيهما أشد؟ بلا شك أن تقتل مسلماً أشد من أن تقتل نفسك، وقد علمنا من أحكام الفقهاء رحمهم الله تعالى، لو أن الكفار تترسوا بالمسلمين فإنه يجوز لنا أن نقتل المسلم، من أجل المصلحة المعتبرة، لقتل الكفار.
فكانت نظائر المسألة في مثل هذه العمليات تأذن بالجواز، ولا تأذن بالمنع، لأن قتل النفس أقل درجة في المحذور من قتل الغير، وقد جوز الشرع قتل الغير في حالة تترس الكفار بالمسلمين، فأن يجوز أن يقتل الرجل نفسه في مثل هذه الصورة إن أعمل نكاية معتبرة عند العدو، فهذا أمر لا حرج فيه، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى 28/537) قال: ((فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بالمسلمين، وضيق على المسلمين إذا لم يقاتلوا فإنه يجوز أن نرميهم، ونقصد الكفار، ولو لم نخوف على المسلمين جاز رمي أولئك المسلمين أيضاً في أحد قولي العلماء)).
وأخيراً أقول في مثل هذه المسألة: في هذه العمليات لو أردنا أن نتكلم عليها مجردة عما يجري على ساحة المسلمين اليوم لقلنا الآتي: إذا أردنا أن نتكلم عن العمليات بعبارات أهلها، فهذه العمليات العسكريون هم الذين يحددون فوائدها ومضارها، فهم أهل الاختصاص وأهل الخبرة، وهذه العمليات تسمى في علم العسكرية عمليات وخز الدبوس، فإنت إن حملت دبوساً، وضربت غيرك به، فمن المعلوم عند العقلاء أن هذا الدبوس لا يقتل، أليس كذلك؟ وإنما هذا الدبوس يثور الأعصاب ،ويجعل هذا الإنسان يتخذ قرارات سريعة غير مدروسة لهيجانه وثوران أعصابه.
ولذا من المقرر عند العسكريين أن مثل هذه العمليات ثمارها تجنى على وجه العجلة، لما يكون هناك جيش يقابل جيشاً، فحينئذ هذه العمليات ترفع من معنويات، وتخفض من معنويات، وتثور الأعداء، وتجعلهم يتخذون قرارات سريعة، تكون هذه القرارت بحسبان الفريق المقابل.
ومن المعلوم ومن البدهيات والمسلمات والمؤكدات والمقررات أن المسلمين جميعاً على وجه الأرض اليوم آثمون بسبب ما يحصل لإخوانهم في فلسطين، من هتك أعراض وقتل أنفس، فالمسلمون آثمون بالجملة، فمن قام واجتهد وغلب على ظنه أن مثل هذه العمليات تخفف من وطأة هؤلاء الأعداء أو أنها تقل من الضرر اللاحق بهم فهذه شجاعة ما بعدها شجاعة، نرجو الله عز وجل أن يتقبل أصحابها.
وما ينقل عن شيخنا رحمه الله من أنه كان يقول عن هؤلاء (فطايس) وما شابه، فهذا كذب ملفق عليه، ونتحدى أحداً يأتي بخبر عنه، كان الشيخ رحمه الله يقول: لكل سرائرهم ونواياهم إلى الله، ونرجو الله أن يتقبلهم. وكيف يقول هذا وهو بنفسه رحمه الله تعالى، في 1948م لما حصل القتال مع اليهود خرج بنفسه إلى فلسطين من سوريا يحمل السلاح، ليقاتل في سبيل الله على أرض فلسطين ولكن الشيخ له حساد، وكلام حساده يشيع وينتشر، وتضيع الحقائق ولا تظهر.
وأقول من باب الإنصاف ومن باب العدل والحق، ووضع الأشياء في أماكنها هذا الرأي هو رأي الشيخ، وهو الذي أراه تدل عليه سائر النصوص، ونظائر المسألة وأشباهها، والله أعلم.
السؤال 316: ما هي السنة في إنزال الميت القبر؟
الجواب: هنالك مجموعة من السنن في إدخال الميت القبر، السنة الأولى: ينبغي أن يتولى إنزال الميت القبر ذووه من الرجال دون النساء، حتى لو كانت المتوفاة امرأة، فينبغي أن يعمل على إنزالها الرجال دون النساء، لأن هذا هو الأمر المعهود في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ولأن الرجال أقوى، ولأنه يترتب على إدخال النساء الميت القبر، تكشف عورات، وأولياء الأمر مقدمون على غيرهم، وقد صح أن الذي تولى دفن النبي صلى الله عليه وسلم وإنزاله في قبره علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقبه سفران، وهؤلاء من ذويه، ولما فرغوا قال علي رضي الله عنه: ((إنما يلي الرجل أهله)).
ويجوز للرجل أن يتولى بنفسه تغسيل زوجته وإنزالها القبر، واعتقاد العوام أنه لا يجوز للزوج أن يغسل زوجته ولا أن يمسها، وأنه إن فعل ذلك ينقض غسلها فهذه خرافات ما أنزل الله بها من سلطان، فقد كانت تقول عائشة: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ازواجه)) وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه المرض، فقلت: وارأساه، فقال صلى الله عليه وسلم: {وددت أن ذلك كان وأنا حي، (أي وددت لو أنك يشتد عليك المرض وتموتين وأنا حي) فهيأتك ودفنتك}، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يتمنى إلا الشيء المشروع، فقالت: ((فقلت: غيرى (أي من غيرتي) كأني بك في ذلك اليوم عروساً ببعض نساءك)) فقال صلى الله عليه وسلم: {أنا وارأساه}.
ثم مشروط لمن يتولى دفن الميت وإنزاله القبر أن يكون لم يقارف ولم يجامع أهله في تلك الليلة، لما ثبت في صحيح الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان، ثم قال صلى الله عليه وسلم: {هل منكم من رجل لم يقارف أهله تلك الليلة}، فقال أبو طلحة: نعم أنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: {إنزل}، قال: فنزلت في قبرها وقبرتها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل على إنزال ابنته والظاهر أن ذلك كان لعلة، فقد قال للناس: {هل منكم من رجل لم يقارف أهله تلك الليلة}.
ثم ينبغي أن نعمل على إدخال الميت القبر من مؤخرة القبر، من جهة الرجلين، فقد أخرج أحمد وابن شيبة بسند صحيح عن ابن سيرين قال: ( كنت مع أنس ابن مالك في جنازة، فأمر بالميت فسل من قبل رجل القبر) أي من جهة الرجل.
ثم من السنة أن يقول الذي يدخل الميت القبر أن يقول في لحده: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك في صحيح حديثه صلى الله عليه وسلم.
ثم يجعل الميت على جنبه الأيمن، ويجعله جهة القبلة، ويجعل تحت رأسه حفنة من تراب كوسادة، ويفك العقد كما صح عن أبي هريرة، ويجعل خد الميت على هذه الوسادة من التراب ، هذه الأمور المسنونة في إدخال الميت القبر، والله أعلم..
السؤال 317: نبهتنا على خطأ استعمال كلمة (بسيطة) نود توضيح ذلك، ودرجت على ألسنة الناس قولهم (على ما أعتقد)، فهل هذا تعبير صحيح؟
الجواب: كلمة (بسيط) أو (بسيطة) في استخدام الناس من الناحية اللغوية خطأ، فالعرب تقول: وجيز ويقابله بسيط، فالبسيط الشيء الكبير الممتد وعكسه وجيز، وكثير من الناس يقول لك: يا شيخ عندي أمر بسيط، ويقصد قليل.
وفي القاموس، بسطه: نشره كبسطه، وليس معنى بسيط قليل، لكن وجيز معناها قليل ولذا قال الله عز وجل: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير}، ومعناها لو وسع الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض، فالله لا يبسط الرزق لعباده ويعطيهم ما يتمنون لمصلحتهم.
والعرب تقول عن الأرض البسيطة لأنها ممتدة.
ومن الأخطاء أيضاً يترجمون معنى كلمة (SIMPLE) والتي تعنى السهل يترجمون معانها البسيط وبنوا عليها البساطة والتبسيط ومن هنا حصل الخطاً.
ومن الأخطاء أيضا يقولون: فلان بسيط، أو لا يعتقد هذا إلا البسطاء. وهذه كلمات أعجمية ما أنزل الله بها من سلطان، وفي "لسان العرب" لابن منظور يقول: رجل بسيط: منبسط لسانه، أي طويل، وامرأة بسيط، ورجل بسيط اليد، منبسط بالمعروف، ومنبسط الوجه متهلل فهذه الكلمة لا تدلل على أن فلان بسيط بمعنى أنه مغفل أو بمعنى أن الأمر سهل.
أما استخدام ((على ما أعتقد)) للأمر المشكوك فيه، فهو أيضاً ليس بمشروع، لا في العربية ولا في الشرع، فالذي تعتقده هو الذي تجزم به جزماً، وليس بمعنى الذي أظن، فالعقيدة الشيء الراسخ في القلب ولا يوجد معه شك، وفي ظني الخطأ في استخدام هذا التعبير هو من استخدامه باللغة الإنجليزية، فكلمة (believe) تستخدم بالإنجليزية تستخدم على الوجهين، والمراد يعرف من السياق ، وهذا بخلاف العربية، والله أعلم..
السؤال 318: ما حكم أرباح صندوق توفير البريد؟
الجواب: صندوق البريد يعمل بالمال الذي عنده، ويعطي قروضاً دون أن يملك السلعة، ودون أن يشتريها وهذا أمر ليس بشرعي، فالتوفير مع صندوق البريد توفير غير شرعي، ولا يجوز، لأنه يبيع ويشتري ما لا يملك، والله أعلم..
السؤال 319: ما حكم التنبؤ بالأحوال الجوية وهل هو من علم الغيب؟
الجواب: ليس هو من التنبؤ في علم الغيب في شيء لا من قريب ولا من بعيد، وقال الله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ....} فالله هو الذي ينزل الغيث.
وكل ما يعلمه أصحاب الأرصاد الجوية، إنما يعرفون سنن الله عز وجل، في سرعة الريح وتوجه الريح ،ويحسبون هذا بقواعد، وحالهم كحال من يرى الجنين قبل أن ينزل من رحم أمه، فهل الذي يعرف جنس الجنين تقول إنه يعرف الغيب؟ لا، فهو رأى الجنين بعينيه، من يقول هذه تحمل بأنثى هذه تحمل بذكر دون أن يرى الجنين في رحم أمه، فهذا على الغيب، وكذلك من يقول بعد شهر يأتينا مطر.
أما معرفة نزول المطر، بعد معرفة مقدماته، وتمام خلقه فهذا ليس من علم الغيب، وإنما معرفة سنة الله في اتجاه الريح وفق قواعد معينة.
أرأيتم لو أن رجلاً صعد إلى ظهر بيته ونظر بالناظور فرأى من مكان بعيد سيارة تشبه سيارة أخيه، ويعلم المسافة، ويضبط كيف يسوق أخوه السيارة، فقال لزوجته سيأتي أخي بعد ربع ساعة، فإن كانت المقدمات التي يعلمها صحيحة، سيكون كلامه صحيحاً، فهل كلامه هذا من علم الغيب؟ لا، فمعرفة أصحاب الأرصاد الجوية نزول المطر بناء على مقدمات حركة الريح وغيرها، وما اكتشفوه من سنن الله عز وجل في الكون، وهذا خلاصة الموضوع.
السؤال 320: ماذا ورد في الحجامة؟ وهل تنصح بها وهل لها مواعيد محددة؟
الجواب: الحجامة من الأدوية النبوية التي غفل عنها الناس، ولها فوائد صحية كثيرة، وهي دواء لكثير من الدواء، فالناس اليوم غافلون عن هذا الدواء النبوي.
وقد وردت أحاديث صحيحة عديدة في فضل الحجامة، أذكر شيئاً منها وأتعرض لبعض أحكامها لعلنا ننشر هذا الدواء وهذه السنة في الناس.
فقد ثبت عند الترمذي في الشمائل عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن أمثل ما تداويتم به الحجامة}، وثبت في سنن أبي داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن كان في شيء مما تداوون به خير ففي الحجامة}، وثبت عند ابن ماجه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا كلهم يقول لي: يا محمد عليك بالحجامة} فالملائكة أرشدت النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر.
وقد ثبت في سنن أبي داود عن أبي كبشة الأنماري قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه، ويقول: {من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشء لشيء}، فقد احتجم صلى الله عليه وسلم على هامته أي: رأسه، وبين كتفيه، وثبت أنه احتجم صلى الله عليه وسلم على قدمه، ويحتجم الإنسان مكان الداء والحاجة، وكان لابن عباس ثلاثة غلمان يحتجمون، وصار من غلمانه من يتقن الحجامة.
وثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله أن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة، فأمر صلى الله عليه وسلم أبا طيبة أن يحجمها، فقال جابر: حسبت أنه قال (أي أبو طيبة) كان أخاها من الرضاعة ،أو أنه كان غلاماً لم يحتلم.
فالحجامة إذن دواء أرشدت الملائكة النبي إليه، وفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وحث أمته عليه، وأرشد أم سلمة زوجته إليه، والأطباء يقررون اليوم أن فيها فائدة، لاسيما في العمر الأول للإنسان، أي ما قبل الأربعين.
ويقولون إن الحجامة تنفع من الاحتقانات والالتهابات والآلام العصبية والوجع الذي ينخز ويأتي فجأة، وكذلك تنفع من الخمول والكسل، وتنفع عند الشكوى من سوء الذاكرة، وضعف الحافظة، وقد جربت ذلك بنفسي مراراً، ووجدتها نافعة بإذن الله عز وجل، ويستحبون أن تقع الحجامة دون تخمة ودون جوع شديد، ولا يستحبون أن تفعل الحجامة بعد الحمام.
وأنفع ما تكون الحجامة في اليوم السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين من الشهر الهجري، كما أرشد لذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ففي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من احتجتم لسبع عشر وتسع عشر وإحدى وعشرين كان شفاءً من كل داء}، وثبت عند الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبعه ويوم تسعة عشر ويوم إحدى وعشرين}.
والحجامة ينبغي أن يقوم بها حاذق عارف بالصنعة، وأن يستخدم المواد المعمقة الطبية، وأن يكون ممارساً لها، وأما إن فعلت في غير وقتها، فقد تسبب داءً أو تقطع عرقاً.
والحجامة كأس من الهواء يوضع مكان الداء، ثم يشرط هذا المكان بمشرط طبي عدة جروح يسيرة، ثم يوضع كأس الهواء ويسحب الدم، هذه الحجامة باختصار، لكن ينبغي أن يقوم بها عارف حاذق، وينبغي مراعاة نصائح الأطباء، ومراعاة الأوقات التي وقتها صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد تضر بصاحبها، فقد ثبت في سنن أبي داود عن معمر، قال: (احتجمت فذهب عقلي حتى كنت ألقن الفاتحة في صلاتي) وكان رحمه الله قد احتجم في هامته.
وأقول لإخواني، لاسيما لمن أكرمهم الله بدراسة الطب أو بدراسة التمريض، أن يعملوا على نشر هذه السنة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل}، فما ينبغي أن تبقى هذه السنة مهجورة، وينبغي لمن يحسن ذلك وله عادة ودربة أن يتبرع بأن يخدم إخوانه بذلك، وأن يعلم الناس القيام بمثل هذا الأمر.
وورد النهي عن الحجامة يوم الأربعاء والسبت والجمعة فالإنسان يحتجم غير هذه الأيام، ويوافق حجامته أيام السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين من الشهر الجاري. فهذا بإذن الله نافع.
ولا يجوز للحاجم أن يطلب مالاً لكن لو أعطي يأخذ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجم وكان يعطي الحجام دينارً، ومما يذكر عن الإمام أحمد أنه لما كان يحتجم يأبى أن يعطي الحجام أكثر من دينار، ويقول: ((هذا الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم))، ولذا أحسن ما يقال في الإمام أحمد من صفة رحمه الله، تابعي جليل تأخر به الزمن، فكان وقافاً على السنن وأقوال الصحابة، وأقوال التابعين ، وحتى الصحابة أو التابعون اختلفوا في أقوال فله بعدد خلافهم من الأقوال، رحمه الله تعالى.
السؤال 321: ما حكم جائزة [المليون درهم] وما حكم الاشتراك بها؟
الجواب: تتفنن أبالسة الجن والإنس اليوم في الوقوع في المحاذير، وهذه الجائزة التي شاع وذاع خبرها، وأصبحت على كل لسان، وأصبح يفكر في الاشتراك بها كل بيت للأسف، ليست شرعية، وهي من باب القمار وهي حرام.
والقمار له ضروب وألوان، ومن بين هذه الضروب والألوان ما يجري اليوم من جائزة المليون درهم.
وهناك اتفاق بين شركة الاتصالات وبين أصحاب هذا البرنامج، ويكون لهم نصيب، ويشغلون هاتفك عن عمد، فإما أن يسمعوك غناء ،وهذا هو الغالب حتى يرد عليك الكمبيوتر أو يسمعونك شعراً يأخذ عقلك بحيث تتابعه، وتطيل المكالمة.
وهذه المكالمات لها ثمن، وثمنها أكبر من ثمن أوراق اليانصيب، وقد قرأت في جريدة الحياة الإماراتية أن عائلة اشتركت في هذه المساقبة ودفعت خمسين ألف درهم مقابل هذا الاشتراك.
وهذه المسابقة على الخطوط البريطانية ويشغلونك ويعطونك أسئلة على الكمبيوتر، وقد تكون الأسئلة تخالف الشريعة كالغناء وغيره، فهم يعطونك شيئاً ويأخذون من مجموع المشتركين أكثر مما يعطون، وأنت تقامر تدفع ثمن المكالمة وقد تجيب وقد لا تجيب، مقامرة، فهذه المسابقة تخضع لمبادئ القمار، والله أعلم.
السؤال 322: ما صحة الحديث: عقد النبي مع جابر بن عبدالله جلسة طارئة، وقال له: {يا جابر إن الله لم يكلم أحداً من خلقه إلا من وراء حجاب، ولكنه كلم أباك عبدالله بدون حجاب}؟
الجواب: الحديث صحيح بشواهده وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه وابن أبي عاصم في الجهاد وغيرهم بإسناد حسن من غير ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد جلسة طارئة، فهذا الكلام من السائل.
ونص الحديث عند ابن ماجه: عن طلحة بن فراش قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: لما قتل عبدالله بن عمر بن حرام يوم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا جابر ألا أخبرك ما قال عز وجل لأبيك؟} فقلت : بلى، فقال صلى الله عليه وسلم: {ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحاً، فقال: {يا عبدي تمنى علي أعطك} قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الله عز وجل: {إنه سبق مني أنهم لا يرجعون}، قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله عز وجل: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً} الآية، فالحديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا دلالة على أن الشهداء أحياء عند الله عز وجل، ولهم حياة خاصة بهم في البرزخ، وقد ثبت من حديثه صلى الله عليه وسلم أن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر في الجنة، ولذا حرم الله على الأرض أن تأكل لحوم الشهداء ومنهم من قال أن هذا يلحق به العلماء وحفظه القرآن، لكن التوسع في القياس في عالم الغيب توسع غير مرضي، ولكن بلا شك إعمالاً للمعنى، واعتماداً للمعنى، واعتماداً على النصوص الأخرى فإن الأرض محرم عليها أن تأكل من باب أولى الأنبياء، فأين الشهداء من الأنبياء، وقد ورد في ذلك نص يقول به النبي صلى الله عليه وسلم: {الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون}، وقد ألف الإمام البيهقي رسالة مطبوعة أكثر من مرة، اسمها "حياة الأنبياء في قبورهم" والله أعلم.
السؤال 323: كيف يحرر الأقصى؟
الجواب: أقول –والله المستعان- من مقدمات تحرير المسجد الأقصى أن نحرر عقولنا من الخرافة ومن الجهل، وأن نحرر مساجدنا من الأكالين لدينهم الكذابين الدجالين، فإن قام على مساجدنا من يقوم بالمهمة الشرعية التي أوجبها الله عليهم، فحينئذ هذا من مدعاة تحرير المسجد الأقصى.
تحرير المسجد الأقصى مطلب شرعي وواجب على الأمة، وأمر لابد منه، لكن لابد من ترجمة ذلك ذلك بخطوات عملية، وألا تبقى الأمور صياح.
وقرأت مقالة لرجل بروفسور اسمه شاكر مصطفى من فلسطين له مقالة أحتفظ بها يقول أنه مر بكتاب باللغة العبرية ، يلخص في مقالته التي سماها "من الغزوة اليهودية إلى الصهيونية ومن الغزوة الصهيونية إلى اليهودية" يلخص ما قام به مجموعة من الباحثين اليهود، الذين درسوا عصر صلاح الدين، وتعمقوا في هذه الدراسة، وأخضعوها للقواعد التي تخص العلوم الإنسانية اليوم،ويقولون هدفنا من هذه الدراسة معرفة الأسباب التي أوجدت صلاح الدين حتى نعمل على تطويل عمرنا بحيث نعمل على عدم وجود هذه الأسباب التي ستظهر صلاح الدين .
فدرسوا عصر صلاح الدين دراسة علمية، ودرسوا كل ما يخص الإنسان ونمط الحياة، ودرسوا المساجد، هل لها دور فنعطل مهمة المسجد في إظهار صلاح الدين، حتى درسوا نداءات الباعة في الأسواق في عصر صلاح الدين، حتى يعرفوا كيف الناس يفكرون، ودرسوا الأهازيج التي تنوم الأمهات أبنائها عليه، وهل هذه الأهازيج لها دور في إظهار صلاح الدين، فدرسوا كل شيء.
والصراع صراع حضارة وصراع علم، فأن نبقى جهلة أسراء الخرافة، لا نعرف الواجب الشرعي ولا نقبل على الواجبات الشرعية، ونتعامل مع أحكام ديننا بمجرد عاطفة، فهذا لا يكفي، وسنن الله عز وجل لا ترحم، وأحسن ما في العلم أنه حقائق، من أخذها ودرسها وصل إلى مبتغاه ومراده، فلما يكون في مجتمع من المجتمعات مثلاً حدادون أو نجارون غشاشون وكذابون فقولوا لي كيف أبواب بيوت الناس وشبابيكها تكون؟ فلماذا دين الناس اليوم خرب؟ لأن القائمين على الوعظ والإرشاد والخطابة ليسوا بصادقين، يبحثون عن المال آخر الشهر، ولا بأس أن يأخذ الإمام والخطيب مالاً، لكن المهم أن يكون نائحة ثكلى يهتم بأمر دينه، ويغار على أحكام دينه وأن يؤدي حق الله عز وجل، أما أن يكون إماماً كذاباً، يحلف أيماناً مغلظة كذباً وزوراً وبهتاناً، فهذا بحاجة إلى أن نحرر مسجده قبل أن نحرر المسجد الأقصى، وهذا مطلب شرعي، وهكذا للأسف كثير من مساجد المسلمين، نسأل الله العفو والعافية.
فتحرير المسجد الأقصى أن نعرف ديننا، أن نعرف ربنا، وأن نعرف كيف دخل علينا الشيطان، ثم أن نعرف واجب الوقت وننشغل به، فننشغل بما نقدر عليه لنصل إلا ما لا نقدر عليه، ويبارك الله لنا فيما نقدر عليه ببركة صدقنا وإخلاصنا، فيفتح علينا ما لا نقدر عليه، شيئاً فشيئاً حتى نصل إلى المبتغى وإلى المراد.
وأما التفرغ والتألم وإطلاق الويلات والصيحات والصراخات فهذا لا يكفي، وفقنا الله لما فيه الخير، وجعلنا أئمة هدى مفاتيح خير مغاليق شر.
السؤال 324: رجل رضع من أم أمه، فهل له أن يتزوج من ابنة خاله؟
الجواب: ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة}، وفي لفظ منها: {إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة}، وفي لفظ ثالث عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب}.
فهذا الرجل لما يرضع من جدته أم أمه يكون بمثابة الابن لها في الرضاعة، فحينئذ يصبح هو وخاله إخوة في الرضاعة، وتصبح بنات أخواله جميعاً هو عم لهن في الرضاعة، ولا يجوز للرجل أن يتزوج ابنة أخيه.
وهنا إشكال يقع عند بعض الناس، يكثر السؤال عن أخي الراضع، فأخو الذي رضع أجنبي فله أن يتزوج من بنات الخال وبنات الخالة، أما الذي رضع فهو الذي يأخذ الحكم، وهناك خرافة أيضاً أنه يحرم على من قد رضع رضعت معه فقط، أما أخواتها فلا، وهذه خرافة ما أنزل الله بها من سلطان، فهو بمجرد أنه رضع من الجدة أصبح ابناً لها من الرضاعة،ولذا أصبح أخاً لجميع أخواله وجميع خالاته، فهو خال لبنات خالاته من الرضاعة، وهو عم لبنات أخواله من الرضاعة، أما إخوانه فهم أجنبيون.
وإذا أردتم أن تعرفوا أحكام الرضاعة، فاعملوا بالقاعدة التي قد ذكرتها عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة}، فمثلاً أم لها ولد اسمه محمد، أرضعت ولد آخر أجنبي عنها في الولادة اسمه أحمد،فإذا أردنا أن نعرف أحكام أحمد في الرضاعة فلنجعل أحمد بدل من محمد، فالأحكام التي تجري على محمد تجري على أحمد، وجميع أخوات محمد أخوات أحمد، وجميع أخوات أم محمد خالات لأحمد الذي قد رضع، وجميع أخوات أبو محمد عمات لأحمد، وهكذا .
فمسألة الرضاعة سهلة، وليست بصعبة، والمهم أن نعمل بالقاعدة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة} فالأحكام التي تجري على الولد من الصلب تجري على الولد الرضيع، أما الذي لم يرضع مالنا وإياهم.
والتي أرضعت إن كان لها أبناء فيجوز لهم أن يتزوجوا أخوات الذي رضع، فالحكم يخص فقط الذي رضع، والذي لم يرضع من سائر إخوانه فلهم أن يتزوجوا من بنات المرضع.
أما عدد الرضعات المشبعات فالراجح عند أهل العلم أن عدد الرضعات المشبعات خمس، كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((خمس من الرضعات المشبعات يحرمن)).
أما تحديد الرضعة المشبعة، فإن الأم التي ترضع لا تعرف، والولد الذي يرضع لا يعرف، فالفقهاء يقولون: الرضعة المشبعة تكون بأن يأخذ الرضيع الثدي بإرادته، وأن يتركه بإرادته.
وإن لم يقع النكاح فإعمال خلاف الفقهاء واعتباره أمر مهم، فمذهب الحنفية الرضعة الواحدة تحرم، ومذهب البعض الثلاث للحديث: {لا تحرم الإحلاجة والإحلاجتان}، فقالوا إذن تحرم الثلاث، وهذا مذهب المالكية، وقول عند الحنابلة فمفهوم المخالفة أن الثلاثة تحرم، لكن هذا المفهوم عند الشافعية، وعلى الراجح، أنه لا يعمل به، لأنه قام مقامه ما هو أقوى منه من منطوق قوله صلى الله عليه وسلم: {خمس رضعات يحرمن}، فالمنطوق مقدم على مفهوم المخالفة.
والأخ من الرضاعة لا يورث، لكن له حكم الأخ فله أن يسافر معها ولها أن تظهر عليه بشعرها، وله أن يخلو بها ويصافحها وما شابه، وجماهير أهل العلم يشترطون في هذه الرضاعة أن تكون في السنتين، أما ما بعد السنتين فلا تؤثر الرضاعة إلا عند الضرورة فقط.
السؤال 325: إذا كانت المرضعة نصرانية، فهل لها نفس الأحكام؟
الجواب: الأحكام الشرعية تتعلق بالأفعال لا بالذوات، فلها نفس الأحكام، لكن ما ينبغي للمسلم أن يسلم ولده لفاسقة أو كافرة قد ترضعه شيئاً من الحليب قد تكون من شيء حرام.
وقد ذكر بعض من ترجم لإمام الحرمين الجويني رحمه الله، وقد كان لا ينار ولا يباري في كلامه في المعقولات، لاسيما في علم أصول الفقه، وكان إن درس يقوم عدد كبير من المسمعين الذين ينقلون كلامه ليتمكن من كان في آخر المجلس من سماع حديثه وقيل كان في مجلسه أكثر من سبعين مسمع، كل واحد يأخذ من الذي قبله حتى رقم سبعين، وكان إما الحرمين بين الحين والحين في الدرس تأخذه سكتة، ويغيب ذهنه ولا يستطيع أن يبقى على قريحته وملكته وقوته وجودته في العطاء، فلما كان يسأل عن ذلك، قال: ((لما كنت طفلاً صغيراً أخذتني أمة، وكانت تأكل الحرام، فأرضعتني، فنزل في جوفي شيء من حليبها، فلما رآني أبي معها أخذني، ووضع أصبعيه في فمي حتى قئت الحليب الذي شربته منها، فهذا من أثر تلك الرضعة)) فماذا نقول نحن اليوم؟ وهذا السكوت من أثر تلك الرضعة، ورحم الله من قال: من أكل حلالاً طاع الله شاء أم أبى، ومن أكل حراماً عصى الله شاء أم أبى.
ولذا ثقل العبادات والطاعات، وعم انشراح الصدر وعدم وجود الإخبات واللذة في الإقبال على الطاعات، والعلم والعبادات، فإن من أكبر أسباب ذلك أكل الحرام وعدم الورع، ومن تورع وجاهد وترك شيئاً لله، فإنه يتعامل مع أعدل العادلين، ومع أحكم الحاكمين/ ومع من لا يعجزه شيء، فمن ترك شيئاً لله لابد أن يعوضه الله خيراً فيما ترك، ومصداق ذلك قول الله تعالى: {إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم}، والآية لها سبب، نزلت في مشركي أهل بدر الأسرى، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآية تشمل جميع الناس في جميع الأعصار والأمصار، والله أعلم.
السؤال 326: رجل أخر صلاة المغرب ليجمعها مع العشاء جمع تأخير، فطال التأخير إلى ما قبل منتصف الليل بخمس دقائق، فإن صلى المغرب دخل وقت العشاء إلى ما بعد منتصف الليل، فهل يصلي العشاء أولاً ليكون في وقته ثم يصلي المغرب؟
الجواب: المسألة فيها تفصيل، إن كان الرجل ناسياً الصلاة فليصل العشاء في وقتها ثم بعد ذلك يصلي المغرب.
وأما إن كان ذاكراً وأراد أن يجمع جمع تأخير، فيجمع التأخير يصبح الوقت مشترك، فهذا الآخر هو آخر للصلاتين فليجهد أن يصلي المغرب على عجلة، ثم يصلي العشاء، وإن أدرك ركعة فقام من السجدة الثانية من الركعة الأولى فأدركها في الوقت، فمن أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة، لاسيما أن الترتيب بين المجموعتين في جمع التأخير سنة وليس من الشروط لأن الوقت وقت الصلاة الثانية، بينما الترتيب في جمع التقديم من شروط صحة الجمع، وهذا التفريق هو الذي ارتضاه ابن القيم في كتاب "إعلام الموقعين" لما ذكر من آداب المفتي، قال: إن سئل عن مسألة فيها تفصيل فينبغي أن يفصل، من قبل الترتيب بين المجموعتين.
وبعض أهل العلم يرخص في مثل هذه، فيجعلون وقت صلاة العشاء ممتد إلى صلاة الفجر ضرورة، ويقولون هناك فرق بين الوقت الاختياري والوقت الضروري، ففي حق النائم والمشغول يكون الوقت إلى منتصف الليل، والراجح ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمر بن العاص، والحديث طويل وورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم عن العشاء: {ووقتها إلى منتصف الليل}، فلا يجوز تأخير صلاة العشاء بعد منتصف الليل، والليل يبدأ من أذان المغرب وينتهي بالفجر الصادق، فهذا الوقت يقسم ويضاف على وقت المغرب، عنده يكون منتصف الليل.
ولا يوجد لمنتصف الليل حد ثابت فإنه يختلف باختلاف الساعات على حسب طول الليل وقصره، والله أعلم.
السؤال327: امرأة أرادت أن تعطي زوجها من ميراثها، فهل يحق لإخوتها أن يمنعوها، وماذا تنصحون في هذه الحالة؟
الجواب: المرأة تملك، وملكها صحيح،ولا يجوز حرمان المرأة من الملك، فهي كالرجل تماماً، ولها أن تستثمر أموالها، وإن ملكت ملكاً شرعياً فلها أن تتنازل لأبيها أو لإخوانها أو لزوجها، ولا يجوز لأحد أن يمنعها، وإنما كل ما يرد في البال إنما يكون من باب المناصحة، وبيان ما ينفعها فقط، أما يمنع الأخ أخته من أن تعطي ما أخذت من الميراث لزوجها فليس له ذلك، فالمال إن امتلكته فلها أن تتصرف فيه.
لكن إن كانت سفيهة وقامت القرائن على ظلمها، وتصرفت تصرف السفيه، فحينئذ هذه الصورة لها حكم خاص، أما إن كانت عاقلة فلها أن تضع ما تملك في المكان الذي ترى، ولا يجوز لأحد أن يجبرها على التصرف في مالها، والله أعلم..
السؤال 328: هل يجوز للرجال أن يرقوا النساء الأجنبيات؟
الجواب: لا يوجد في الزمن الأول، وهو الزمن الأنور، وهو خير الأزمنة وأفضل القرون لا يوجد أناس متخصصون بالرقية، فلو سألنا من كان من الصحابة متخصصاً بالميراث لقلنا فلان وفلان، ولو سألنا من كان متخصصاً بفقه المنازل لقلنا فلان وفلان، ومن كان متخصصاً بالتفسير لقلنا فلان وفلان، وهكذا في سائر العلوم لكن لو قلنا: من كان من بين الصحابة والتابعين يعمل بالرقيا؟ فلا نعرف أحداً متخصصاً بها.
فالرقيا للمرأة تكون ممن يخص هذه المرأة، فامرأة احتاجت للرقيا يرقيها زوجها، ابنها أخوها أبوها، والبركة بالقرآن وليست بالراقي، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً}. فيشترط في الرقية أن يكون المرقي عنده يقين أن القرآن ينفع، وأنه شفاء، والعلماء يقولون: القرآن شفاء للأبدان، وشفاء للأرواح، فإن قرأ إنسان وهو متيقن والمقروء عليه متيقن، وعنده إيمان تام بأن القرآن ينفع، فالحمد لله.
فالمرأة الأصل فيها أن يرقيها أحد محارمها، فإن احتاجت للرقيا وتعذر هذا المحرم، فحينئذ تلجأ إلى من يرقيها وتلتمس فيه الصلاح، ويشترط أن لا تقع الخلوة بينها وبين الراقي، وكثير من الذين يرقون، والعياذ بالله، دجالون، ولا يجوز للمرأة أن يخلو الراقي بها، فهذا حرام، ولا يجوز للراقي أن يمسها وإنما يقرأ عليها، إلا عند الضرورة القصوى كالطبيب.
والعلماء يقولون: يحرم على المرأة أن تذهب عند الطبيب الذكر، يجب عليها أن تذهب للطبيبة المسلمة، فإن لم تجد المسلمة تتحول للطبيبة الكتابية، والطبيبة الكتابية في الشرع مقدمة على الطبيب المسلم، لأنها امرأة مثلها، ولا تظنوا أن الأطباء جماد لا يتأثرون، فالأطباء فيهم أحاسيس، وبعض الورعين منهم يسألون ويقولون نجد في أنفسنا شيئاً من الشهوة لما تأتيه المرأة شابة وجميلة، وتكشف عن مواطن الشهوة، فلا تقل لا يجد في نفسه، إلا إن سلبته من مشاعره وأحاسيسه، وينبغي للرجل أن يغار على ابنته وزوجته، ولا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يذهب بها مباشرة إلى الطبيب مع وجود الطبيبة، فإن وجدت الطبيبة المسلمة فحرم أن تذهب إلى الكتابية، فإن لم توجد المسلمة ولا الكتابية تذهب للطبيب المسلم، فإن تعذر وجود المسلم تذهب للطبيب الكتابي، وبعض الناس اليوم يذهب إلى الطبيب الكافر مباشرة، لا أقول الكتابي ولكن الكافر الملحد الفاجر، وهذا حرام.
وتقع اليوم بسبب هذه التجاوزات كثير من المحاذير الشرعية، قد يعلمها الزوج وقد لا يعلمها، بل قد تعلمها المرأة وقد لا تعلمها، وقد تعلمها وتشعر بها وتخجل أن تتكلم بها، ولذا ينبغي أن نحتاط.
ويجب على الأطباء، لاسيما في الكشف عن العورات ومسها، يجب ألا يمارس ذلك بنفسه، وينبغي أن تكون عنده من الممرضات والطبيبات ليدرأ ما استطاع هذا عن نفسه، وتأملوا قول الله: {ولا تقربوا الزنا}، ولم يقل: ولا تزنوا، فالخلوة من قربان الزنا، والمس والمصافحة من قربان الزنا، والسفر إلى بلاد الكفر من قربان الزنا، والتكسر في الكلام من قربان الزنا وهكذا. والله أعلم.
السؤال 329: من هم السيخ، وما هي أشهر معتقداتهم؟
الجواب: في الحقيقة الكلام عن السيخ قليل ونادر، وتعبت لما وجدت تصوراً عنهم.
والسيخ طائفة أسسها رجل كان في حيرة من أمره اسمه [نانك]، ولد في البنجاب، وهي بين نيودلهي في الهند ولاهور في الباكستان، سنة 1469 ميلادية، وكان من صغره محباً للخلوة والعزلة وكانت تظهر عليه علامات النبوغ، وبقيت هذه الصورة معه حتىظن أبوه أن فيه مرضاً أو شيئاً.
ثم سرعان ما أقبل على العلم، ومن صغره وفي سرعة تفوق كل تصور أتقن الفارسية، والهندوسية والسنسكراتية، ثم انكب في شبابه على دراسة الأديان فدرس الديانة البوذية والهندوسية والإسلامية والتقى برجل مسلم مخرف، للأسف، اسمه سيد حسن درويش، وكان يقول هذا بوحدة الوجود، وكان يحسن الأديان كلها، فأصابته دعوى تحسين الأديان كلها من خلال هذا الرجل، وغلاة الصوفية وأعلام القائلين بوحدة الوجود منهم، وعلى رأسهم ابن عربي، وابن الفارض يمدحون الكنائس والقسيسين والحاخامات، ويرون أن جميع الأديام مقبولة وكلها توصل إلى الله بغض النظر عن الطريقة.
فتأثر به هذا الرجل، وبقي فترة من الفترات يدعو إلى أن جميع هذه الأديان التي درسها فيها خير، وأنها على حق.
ثم بعد كبره استنكر كثيراً مما كان يشاهد مما يمارس ديانة من قبل الهندوس، من مثل حرق جثث الموتى، وقد كرسه الهنود تقليداً مقدساً لهم، وبقي في حيرة من أمره، حتى يذكر بعض خواصه ممن كتب عن حياته أنه جاء مع بعض المسلمين إلى مكة وحج، وشارك المسلمين في حجهم، وأنه تخلف أياماً بعد أن رجع أصحابه وبقي في مكة، ثم تعرف على الشيعة، وسافر إلى كربلاء ونظر إلى طقوسهم وشاركهم.
ثم بعد فترة من الزمن وكثرة تأمل بدأ يظهر مخالفات قوية للديانة الإسلامية، والديانة الهندوسية، وبما أنه كان في الهند، كان أغلب الذين يعيش بينهم من الهندوك ظهرت مخالفاته للديانة الهندوسية بقوة وبشدة، وكتب في ذلك كتابين موجودين، يسمى أحدهما "الفيدا" أو "الويدا" والثاني كتاب سماه "غرونانك" وغرو بالهندية معناها الشيخ، أي الشيخ نانذ، وأتباعه من بعده يعتقدون أن هذين الكتابين مقدسان وأنه مما أوحاه الله عز وجل إليه.
ومن الأشياء التي خالف فيها العقيدة الهندوسية القول بتناسخ الأرواح، وخالف بقوة وبشدة نظام الطبقات الذي هو موجود عند الهندوس، حيث يعتقدون أن الناس مراتب وأن الله خلق بعض الناس من وجهه، وبعضهم من صدره وبعضهم من يده، وبعضهم من قدمه، وكل في طبقة على حسب المكان الذي خلقه الله منه، فمن كان من الرأس فهو أرفع ممن كان من الصدر وهكذا، فحارب هذه الأمور محاربة شديدة.
وناناك لم يعرف الإسلام معرفة حقيقية، ومن خلال ما اطلع وقرأ أنشأ ديانة جديدة، والمكان الذي ولد فيه الباكستان، إلى أتباعه يحجون إليه ويسمى (نانك كانا صاحب) بجانب لاهور، ويحج إليه السيخ كل عام.
وبعد وفاته ترك مبادئ ليست واضحة وليست كلية، ثم جاء بعده مجموعة من أتباعه خلفوه، والإمام الثاني عندهم اسمه [آنجد] وكان عمره لما خلفه خمسة وثلاثين عاماً، ومات سنة 1552 للميلاد، وخلفه آخر اسمه [أمرداس] ومات سنة 1574 للميلاد، وقد نجح هذا في نشر التعليم السيخية الجديدة، وعمل على أشياء ميزتهم عن الهندوس، فخصصهم بطقوس معينة عند الميلاد وعند الوفاة.
وأبطل عزلة المرأة، وشجع على الزواج بواحدة، وشجع الاتصال بين الطبقات، وشجع الزواج من الأرامل بعد وفاة الأزواج، ومنع بشدة العادة الهندوسية التي تسمى الساتي، وهي حرق المرأة بعد أن يموت زوجها.
وجاء بعد هذا الخليفة الثاني مجموعة آخرون، حتى جاء خليفتهم العاشر، وهو الذي قعد قواعد دينية، وقواعد الدين عندهم الآن مأخوذة منه واسمه [غوبند] وتوفي سنة 1708 للميلاد، وقد وحد صفوف السيخ وقواعدهم وحرشهم بقوة وشدة ضد الهندوس وضد المسلمين، وبث فيهم روح العداء للمسلمين على وجه الخصوص، وفتح الباب على مصراعيه لمن أراد الدخول في ديانة السيخ، وجعل لقومه زياً خاصاً بهم، وأوجب على كل سيخي أن يبقى دائماً يحمل قطعة من حديد، وألا يحلق شيئاً من شعر جسده ولا رأسه، وأوجب تعظيم البقر وعدم قتله، ورفع جميع القيود عن أتباعه في المأكل والمشرب، وأوجب على كل سيخي إذا لقي أخاه تحية معينة، تقال بالهندي ومعناها [لتحيا فكرة الحرية نحو جوبند]، وأوجب على الآخر أن يرد عليه بقوله [ياذا العظمة لفتوح هذا الشيخ]، فأوجد ذكره على كل لسان من أتباعه.
وقد وقع انقسام شديد بين السيخ على إثر وفاة هذا الخليفة العاشر، فمنهم من قال أن هذا هو الخاتمة، وهذه الفرقة تسمى [أتاري خالصة]، وفرقة أخرى تسمى [بزنتاري]، لا توجب الالتزام بالتقاليد السابقة، وتجوز أن يأتي إمام آخر، وأن ينسخ، وأن يفعل ما يشاء، ويعتقدون بإمام موجود يسمى [باب جرمشن سيبخ]، ومن معتقدات هؤلاء حمل السلاح للحماية من المسلمين ومعتقداتهم، وأنه لابد للسيخي قبل أن يموت أن يعمل جاهداً بأن يقتل مسلماً حتى يحوز على رضا إلهه.
وفي الحقيقة وقعت مذابح كثيرة في البنجاب والهند بين السيخ والمسلمين ،وقد حرق السيخ سنة 1961، مئتي امرأة شابة مسلمة، ووقفوا مع الإنجليز في حربهم ضد الأفغان، سنة 1838، وتمكنوا من تحويل كثير من المساجد إلى معابد، وقد هاجم السيخ سنة 1710، [شهمايو] مدينة سرهند لمدة أربعة أيام وعاثوا فيها الفساد وقتلوا ألوف مؤلفة من المسلمين في هذه البلدة.
وهذا الخليفة العاشر جعل لسيخ مبادئ وقواعد خمس، وتسمى الكافات الخمس، وكلها مبدوءة بحرف الكاف وهي: الكيش وهي عدم مساس الشعر بمقص، والكانغا وهي الضفائر المجدولة فوق الرأس، والكاتشا وهي تحريم ارتداء الدوت الهندي لأنه يعيق الحركة، واستبداله بشيء يسمى الكاتشا وهي سروال متسع يضيق عند الركبتين، وهو بمثابة ارتداء السروال العسكري، ليكون استعداد في كل حين للقتال، والرابع الكارا وهي حرمة الزينة والحلي والجواهر، والاكتفاء بسوار حديدي يلف حول المعصم يسمى الكارا.
ويعتقدون أن هذا السوار يمنع من إيذاء الشيطان ويوضع في اليد اليمنى، والخامس يسمى الكيربان، وهو سيف لابد أن يحمله كل سيخي، وهو يستل من مكان يصعب الاطلاع عليه.
هذه المبادئ موجودة في دين السيخ، فالسيخ استقر حالهم وأمرهم على الحقد على الإسلام والمسلمين، وللأسف كثير من بلاد المسلمين يفتحون لهم الباب على مصراعيه للدخول إلى ديارهم، وأن يعيشوا معهم، فالسيخ فرقة كافرة ليس لها من الإسلام نصيب، وهي فرقة حاقدة على المسلمين، يرون أن قتلهم فيه رضى لإلههم ، هذا باختصار عنهم، والموضوع يقبل البسط.
السؤال 330: ما هي قصة التابوت الواردة في سورة البقرة؟
الجواب: التابوت قامت حوله خرافات كثيرة، وجلها من خرافات بني إسرائيل، موجودة في تفسير "الخازن" وغيره، ولا داعي لذكرها.
وذكر الله عز وجل التابوت في سورة البقرة، بقوله: {وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة}، فالله يخبرنا عن نبي من أنبياء بني إسرائيل، أنه قال لقومه: إن علامة بركة ملك طالوت فيكم أن يرد عليكم التابوت الذي أخذ منكم، وفيه سكينة من ربكم، أي وقار وجلالة، وفيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، أي فيه شيء من عصا وملابس موسى وهارون، وقيل شيء من رضاض الألواح التي ألقاها موسى من يديه، فيما أخبر الله عز وجل، تحمله الملائكة، يروى عن ابن عباس قال: ((جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت، والناس ينظرون إليه.
فهذه آية من آيات الله التي أخبر الله عنها، وقعت في بني إسرائيل في زمن نبي من أنبياءهم للملك طالوت، وكان عبداً صالحاً، والله أعلم.
السؤال 331: هل السؤال والجواب علم قائم بذاته، مع أن له سلبيات منها عدم ذكر الاختلاف بين الفقهاء، وهل السؤال والجواب يفيد طلب العلم بدل الكتب؟
الجواب: السؤال والجواب بلا شك فيه علم، وله سلبيات وله إيجابيات، وأما كونه علماً فالدليل عليه حديث جبريل، فقد جاء جبريل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، ثم سأل عن الساعة وأشراطها فهل قال جبريل شيئاً غير السؤال؟ لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم}، فجبريل علم الناس بالسؤال، فإذا كان السؤال علماً، فما بالكم بالسؤال مع الجواب؟ فبلا شك أنه علم.
وهنا لفتة ألفت النظر إليها، قد يسأل الرجل عن مسألة يحتاجها السامعون، ويكون تعليمه إياهم من باب السؤال، مثلاً يجلس الإنسان مع بعض أقاربه أو أصحابه وعندهم قصور في أشياء، وبينكم طالب علم، فاسأل وإن كنت تعلم الجواب، فاسأل ما يحتاجونه ما لا يستطيعون التعبير عنه، فقد يقع الواحد منهم في المحذور وهو لا يشعر، فأنت تسأل عنه.
ومن فوائد العلم، العلم بالسؤال أن المجلس يكون بمثابة الفاكهة، ففيه كما يقولون: من كل بستان زهرة، فأسئلة في البيوع، وأخرى في الزواج، وأخرى في الطهارة، أو اللغة وغيرها، فمن فوائده أنه يناسب جميع الأذواق، فبعض الناس يقول: أنا يصعب علي أن أفهم كل الدرس، وأن أركز ساعة والشيخ يتكلم، فأشياء أفهمها وأشياء لا أفهمها، بخلاف درس السؤال.
ومن فوائد السؤال أنه ينبغي أن يكون فيه عناية بالنوازل والأشياء الجديدة، فهذه قد لا توجد في الكتب، وإسقاط القواعد على المسائل لا يقدر عليه إلا من كان عنده ملكة ووفقه الله عز وجل.
ومن سلبيات درس السؤال والجواب أنه قد يقع الجواب في مسألة لها قيود، قبلها شيء وبعدها شيء، فيجتهد واحد فيضع الجواب في غير محله، فإن المفتي يفتي بناءً على القيود التي في السؤال، فيأتي آخر ويضع الجواب في مسألة بغير هذه القيود، فيضعها في غير مكانها، ولذا فإن من القواعد الفقهية التي يذكرها الفقهاء: المفتي أسير المستفتي، فالمفتي يجيب على الحادثة بالقيود والضوابط الموجودة في السؤال دون استطراد، لكن إن وقع استطراد فأجاب عن المسألة وحواشيها وما يتعلق بها، فهذا أمر حسن، وهذه سنة نبوية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أناس ير**** البحر وليس معهم ماء للوضوء فهل يتوضأون من ماء البحر؟ فقال لهم: {هو الطهور ماءه الحل ميتته}، فقال النووي في المجموع: هم سألوه عن مسألة فأجابهم عن مسألتين، فإن من يركب البحر لابد أن يسأل عما يلفظه البحر من ميتة، فأجابهم عن سؤالهم وزيادة.
ولذا يحسن بمن يسأل عن مسألة ولها أشباه ونظائر هو يعلم أنه إن سكت فإنهم سيسألون عنها، فيحسن أن يأتي عليها، ويجيب عنها. وطريقة السؤال والجواب طريقة الإمام أبي حنيفة في التعليم، فإنه ما كان يجلس يعلم وإنما يجلس ويسأل، ويضع إشكالاً ثم يحل الإشكال، وهكذا، يقوي قرائح الطلبة بالسؤال والجواب، فتخلف يوماً عن طلبته فجاءت امرأة تستفتيه فقال المقدمون من تلاميذه، زخر وأبو يعقوب والشيباني، قالوا: نجتمع على جواب، فاجتمعوا على جواب، فلما جاء الإمام عرضوا عليه المسألة، فقال لهم أبو حنيفة: بماذا أجبتم المرأة؟ قالوا: بكذا، فوضع إشكالاً على جوابهم، فأقنعهم بأن جوابهم خطأ، ثم وضع إشكالاً على إشكاله، وأقنعهم أن جوابهم صواب، وبقي على هذا الحال، فكان رحمه الله صاحب قوة قريحة ومسائل دقيقة.
وكان الإمام مالك لما يأتيه واحد من أتباع أبي حنيفة يقول: أنت تسأل عن سلسلة؛ عن مسألة على أثرها مسألة على إثرها مسألة، فإن رمت هذا فابعد عنا إلى العراق، وتتلمذ على أبي حنيفة، فكان الإمام مالك لا يعرف إلا أن يقول: أدركت أهل المدينة على كذا، ولما جاء أبو يوسف وناقشه في الصاع، كم مقداره، فغضب الإمام مالك، وكان له هيبة، ولا يقوى أحد على مجادلته، وأبو يوسف معتاد على طريقة أبي حنيفة في السؤال والجواب، فلما ناقشه أبو يوسف غضب وقام من المجلس، ثم عاد في اليوم الثاني إلى مجلسه وبيده الصاع الذي كان يكيل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: تقول لي ما مقدار الصاع؟ هذا الصاع الذي كان يكيل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الإمام مالك يقول عن أبي حنيفة: ((لو أراد أبو حنيفة أن يقنعك أن اسطوانة هذا المسجد من ذهب لاستطاع)) فكان يقطع الكلام مع تلامذته، ولما جاءه أسد بن الفرات قال له: ((تحول عني إلى أبي حنيفة)).
وممن نشر العلم والفقه والتوحيد والحديث على طريقة السؤال والجواب، شيخنا الألباني، رحمه الله، فأغلب مجالسه كانت في السؤال والجواب، وله أكثر من خمسة آلاف شريط مسجل في العلم الشرعي في سائر فنونه على طريقة السؤال والجواب، فالسؤال والجواب علم بلا شك.
السؤال 332: هل كلمة مثواه الأخير، وقدس الله ثراه، أو طيب الله ثراه، جائزة؟
الجواب: كلمة مثواه الأخير التي تقال في نشرة أخبار الموتى، فيقال انتقل فلان إلى مثواه الأخير، أي القبر، هذا فيه إلحاد وإنكار البعث والجنة والنار، فليس مثوى الإنسان الأخير القبر، فهي عبارة ليست بصحيحة.
أما طيب الله ثرى فلان، وما شابه هذا دعاء لأن يطيب الله عز وجل وأن يقدس ويطهر من وجد في هذا المكان، ولا أرى في هذه العبارات فيها تجوز ومجاوزة، والله أعلم.
السؤال 333: ما صحة حديث {الدنيا جيفة وطلابها كلاب}؟
الجواب: هذا الحديث موضوع وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو قيل لا أصل له لكان أجود، وبعد بحث وفتش وجدت بأسانيد ضعيفة جداً ومنقطعة عن علي عند أبي الشيخ مثلاً أنه قال: (الدنيا جيفة وطلابها كلاب)، وعند أبي نعيم عن يوسف بن أسباط قال: قال علي: (الدنيا جيفة فمن أرادها فليصبر على مخالطة الكلاب) وهذا أيضاً لم يثبت من علي، فلم تثبت هذه المقولة لا في المرفوع ولا في الموقوف.
والدنيا جيفة إن أشغلت عن الآخرة، وما أحسن الدين والدنيا إن اجتمعا، والعاقل يأخذ نصيبه من الدنيا، ويوظف حظه منها فيما يعود عليه بنفع في الآخرة، فإنها ممر للآخرة، أما احتقار الدنيا والنظر لها بمنظار أسود فهذا ليس بحسن، والصحابة أخذوا منها نصيبهم بالحلال، وتقووا فيه على طاعة الله عز وجل.
السؤال 334: ما صحة هذا القول: {إذا كان هناك شخص تارك للصلاة، فلا تنزل الشفاعة على أربعين منزلاً}؟
الجواب: هذا القول ليس بصحيح ويحتاج إلى دليل، وهذه تخالف قول الله عز وجل: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وهذا من خرافات الناس، وما أنزل الله بها من سلطان، فما لم يرد دليل فهي خرافة.
السؤال 335: بما أن رواية الحديث تمت بالمعنى، فهل يحتج بالحديث في شواهد اللغة العربية؟
الجواب: كون الحديث هل يحتج به أم لا، هذا مما وقع فيه خلاف شديد بين أهل العلم، فمنهم من منع، وعلى رأسهم ابن الضائع المتوفي سنة 680، وأبو حيان الأندلسي المتوفي سنة 745، والسيوطي المتوفي سنة 911، ومنهم جوز على الإطلاق وعلى رأسهم ابن مالك الأندلسي المتوفي سنة 672، والدماميني المتوفي سنة 897.
ومنهم من فصل، وعلى رأسهم الإمام الشاطبي في غير المطبوع من كتبه، وهو من وفيات سنة 790هـ، وقد نقل عنه ابن الراعي في كتابه الأجوبة المرضية التفصيل، وخلاصته: أن الحديث حجة، إذا قامت القرائن والأدلة على أن الراوي قد اعتنى باللفظ، فبعض الرواة لا يرون بالمعنى، وهنالك قرائن يعرفها أهل اللغة، من أن مثل هذا الحديث فيه من جزالة الألفاظ وشدة التركيب وبلاغته ما لا يصدر إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا النوع قال فيه الإمام الشاطبي: هو أولى ما يحتج به النحويون واللغويون والبيانيون ويبنون عليه علومهم.
وللدكتور حسن موسى الشاعر كتاب مطبوع سماه "النحاة والحديث النبوي" فيه تفصيل هذه المسألة، فالخلاصة أن الحديث النبوي يحتج به في العربية ما لم يقم دليل وقرينة تبين لنا أن الراوي قد تصرف باللفظ، والله أعلم..
السؤال 336: رأيت في أحد المكتبات كتاباً بعنوان "الرخصة في الغناء والطرب" تحقيق الجمل، ورأيته قد وضع صوراً لمخطوطه الكتاب، فهل هو كما ادعى؟
الجواب: الكتاب اسمه "الرخصة في الغناء والطرب بشرطه" ألفه محمد بن أحمد بن قيماز الذهبي، وهو في الحقيقة ليس من تأليفه، وإنما هو اختصار لكتاب "الإمتاع بأحكام السماع" لكمال الدين أبي الفضل جعفر بن تغلب الأجفوي، المتوفى سنة 748، وممن أذكر أن هذا الكتاب للذهبي واختصره ابن العماد في "شذرات الذهب 6/156" وهذا الكتاب مخطوطته في مكتبتي ونسخته من أكثر من عشر سنوات تمهيداً لطبعه، لكن طرأت ظروف، وأنا استفدت من السؤال أن الكتاب مطبوع، وأنا لا أعلم أن هذا الكتاب قد طبع، وطباعته لابد أن تكون حديثة، أو في مصر، والكتاب صحيح النسبة، لخص فيه الذهبي كتاب الأجفوري.
والسماع الفطري والترنم الفطري بالأشعار والحداء ليس فيه حرج للرجال، إذا كان على السجية، من غير أن يتخذه مهنة، ويتعلم السلالم الموسيقية، ويكون بألفاظ جيدة، وكان البراء وأنجشة حاديين، وكان البراء بن مالك حادي الرجال، وأنجشة حادي النساء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأنجشة لما يحدو والإبل تسرع كان يقول له: {يا أنجشة رويدك رفقاً بالقوارير}، لأن النساء تتأذى من سرعة الإبل، وهذا يأذن للرجل أن يعبر بتعبيرات الرقة عن النساء، فالحداء جائز من غير آلات الموسيقى، وغير ألفاظ سيئة، ومن غير أن يكون هذا صنعة له، فيفعل هذا فلتات، لاسيما إن دعت الحاجة فتقع منه على وفق الفطرة، وشيخنا الألباني رحمه الله، عقد في كتابه "تحريم آلات الطرب" فصلاً لجواز هذا النوع من الغناء، ولا يشرع للرجال أي نوع من أنواع الغناء غير هذا ، والله أعلم
أما التكلف في أعراس البدو قد يقع فيه تنطيط زائد وتصنع وهذا لا يجوز، وقد صحح شيخنا عند البيهقي عن عائشة أنه لما ختن ابن أخيها، جاءوا برجل حادياً، فوجدته يغني ويهتز كأنه شيطان فقالت: ((من الذي جاء بك، أنت شيطان أخرج)) فطردته لتصنعه وتكلفه، والله أعلم.
السؤال 337: إذا كان أبي يضع ماله في البنك، لكن لا أدري هل يأخذ عليه فائدة أم لا، وهل يجوز لي إن اشترى أبي شيئاً فيه فائدة مثل الماعز أن أشرب حليبها؟
الجواب: إن كنت وجدت شاة لقطة، فلك أن تأخذها وأن ترعاها وأن تشرب من حليبها،مقابل رعيك لها،فكيف وهي ملك أبيك، وهي أقوى من اللقطة.
والأمر الآخر أن أباك ماله حلال، وأنت في شك، والأصل تقديم التحذير من الربا على مسامع أبيك في مجلس عام، حتى ينجو أبوك، وإن تيقنت أن أباك يأخذ شيئاً من الربا، فهذا لا يحرم مطمعك ولا مشربك، لاسيما إن كنت قاصراً، وإن لم تكن قاصراً فلك أن تأكل وتشرب لأن أصل المال الحل، وهذا الربا تجب التوبة منه، وإخراجه في مصارفه لأنه خبيث، والمال الخبيث سبيله الصدقة.
وعليك أن تقدم النصيحة لأبيك بشفقة، وتواضع وأن تقدم بين يدي النصيحة ما يجعل أباك يقبلها من ذكرك لفضائله عليك، وأنك حريص عليه وما شابه، وتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء في المواطن التي تظن فيها الاستجابة بأن يشرح الله صدر أبيك لأن يترك هذه المعصية.
السؤال 338: إذا أصيب رجل بجنابة ولم يعلم بأنها جنابة، فهل عليه إثم؟
الجواب: من كان جاهلاً وإن صلى بها، فهذا يشمله قوله صلى الله عليه وسلم: {وضع القلم عن ثلاث}، ومنها الناسي ، وهذا ناسي ولا شيء عليه، ومن وقع في محذور وهو لا يعلم، فهذا لا شيء عليه، لأنه لا يعلم أنه أجنب وصلاته صحيحة.
السؤال 339: هل تلاوة القرآن بأحكام التجويد في الصلاة للإمام واجب؟
الجواب: ربنا يقول: {ورتل القرآن ترتيلاً}، فالواجب على كل مسلم إماماً كان أم مأموماً عالماً كان أم طالب علم أم جاهلاً، فالواجب عليه إن قرأ القرآن أن يستقيم لسانه به وأن يقرأه بأحكامه.
والعبرة بالثمرة، فلو فرضنا أنه يقرأه قراءة صحيحة، سليمة خالية من اللحن الخفي، فضلاً عن اللحن الجلي، فقد أدى الواجب، وإن لم يعلم أحكام التجويد ويعرفها المعرفة النظرية، كأن يعرف أنواع المدود ومخارج الحروف وأحكام النون وهكذا.
لكن يصعب ويعسر على الرجل أن يعلم وأن يتقن ذلك إلا بأن يعرف القواعد، فمعرفة القواعد بمثابة الوسيلة للواجب، فالبعض يقول: هل الصحابة يعرفون المدود وغيرها من الأحكام؟ لا، لكن الصحابة يقرأون بثمار هذه الأحكام، فمثلاً الصحابة لا يعرفون الفاعل والمفعول به، والمفعول لأجله، لكن لسانه مستقيم بالعربية، فالثمرة من دراسة العربية أن يبتعد عن اللحن الجلي والخفي، فيجب على الإنسان أن يقرأ القرآن كما أنزله الله عز وجل.
واللحن الخفي كثير في قراءة الناس، ولا يسلم منه إلا عدد يسير جداً من الأئمة، فيولدون حروفاً أحياناً، وأحياناً لا يعطون الحروف حقوقها، لكن اللحن الجلي يسلم منه كثير من المتعلمين، وصحة الصلاة دائرة على عدم وجود اللحن الجلي ،أما اللحن الخفي فالصلاة صحيحة، مثل مخرج الضاد والظاء مخرج عسر، ولذا ذكر ابن كثير في أواخر تفسير الفاتحة: ((ولعسر التمييز بين مخرج الضاد والظاء ولعدم حذق هذا إلا عدد قليل، ممن قرأ الضاد ظاءاً والعكس فصلاته صحيحة، والشاميون والمصريون يقرأون الضاد دالاً مفخمة، والحجازيون والعراقيون يقرأون الضاد ظاءً والفرق بينهما عسر، لذا فالصلاة صحيحة، إن وقع الإنسان في اللحن الخفي دون الجلي، والله أعلم..
السؤال 340: هل يجوز للمرأة أن تلبس في بيتها البنطال أو الملابس الضيقة مثل [الفيزون]، وما شابه إذا لم يكن عندها في البيت أطفال؟
الجواب: أن تتزين المرأة لزوجها فلا حرج، وإن لبست البنطال وليس في هذا تشبه بالرجال، فالتشبه أن تظهر أمام الناس، ولا يقول فقيه أنها إن تجردت فيجوز للزوج أن ينظر إليها، وإن لبست البنطال فنظره إليها حرام، ليس هذا من الفقه في شيء.
والتشبه ظاهرة وأما إن لم يكن ظاهرة عامة فليس هذا من التشبه، فلو أن امرأة تجلس مع زوجها في مكان ولا يراهما أحد، فاحتاجت لبرد طرأ، وتكاسل أن تذهب وتلبس فوضعت عباءة زوجها عليها، فهل هذا تشبه بالرجال؟ ولو أن رجلاً دخل الحمام بحذاء زوجته فهل هذا تشبه بالنساء؟ لا يقول أحد أن هذا تشبه.
فالتشبه أن تظهر المرأة في الشارع بالبنطال، أو بين النساء بالبنطال فهذا تشبه، أما ما يخص الزوج فالزينة عامة، ولا يجوز لنا أن نقيدها إلا بقيد شرعي، فيجوز للمرأة أن تلبس ما يكشف شيئاً من بدنها أو أن تلبس ما يحجم عورتها زينة لزوجها.
أما أمام أولادها ومحارمها، فلا، وضابط العورة في هذا أن العضو الذي يزين تكشفه، والذي لا يزين لا تكشفه، فالشعر وأسفل الساقين واليدان والجيد فهذا كله تكشفه المرأة أمام محارمها، أما أن تكشف المرأة عن ثديها أو ظهرها أمام محارمها فحرام ولا يجوز لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: {المرأة عورة}، والله أعلم..
السؤال 341: هل يعقب المصلي الذي يسمع الإمام في الصلاة بآية تفيد الرد، مثلاً{أليس الله بأحكم الحاكمين}، وغير ذلك من الآيات، هل يعقب بقوله بلى، أم أن ذلك في صلاة النافلة لا الفريضة؟
الجواب: الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم من هديه المهجور عند كثير من الأئمة هذه الأيام، لاسيما في صلاة القيام، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بآية رحمة سأل الله، وإذا مر بآية عذاب تعوذ، فهذه سنة مهجورة عند كثير من الأئمة، وما علمنا هذا وما ورد عنه في الآية المذكروة إلا في القيام، ولو فعل الفرائض لنقل، والذي ينشرح إليه قلبي وتطمئن إليه نفسي، أن هذه الكلمات تقال في القيام، والخلاف قديم بين أهل العلم في ذلك، لعدم وجود النقل، والله أعلم..
السؤال 342: هل صحيح أن [السبيرتو] نجس؟
الجواب: جماهير الفقهاء يقولون إن الخمر نجس نجاسة مادية، والراجح عند المحققين من العلماء أن قول الله عز وجل عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أنها رجس، أن هذه النجاسة نجاسة معنوية، كقول الله تعالى: {إنما المشركون نجس}، فالمشرك نجس نجاسة معنوية، هذا مذهب أهل السنة، خلافاً للرافضة، فإن المشرك عندهم نجس نجاسيه حسية، فيرون أن صافح كتابياً أو كافراً لا تجوز له صلاة حتى يغسل يديه، والصواب أن المشركين نجاستهم نجاسة معنوية، فمن صافح نصرانياً فلا يجب عليه أن يغسل يديه، إنما النجاسة التي في قلبه من الشرك بالله عز وجل هذا هو المعني بأنهم نجس.
وكذلك الخمر نجاستها على الراجح عند المحققين من العلماء أن نجاستها نجاسة معنوية وليست حسية، ولذا لا يجوز بيعها ولا شرائها، ولا يجوز بيع العنب لمن يصنع الخمر.
ولذا من وضع على نفسه السبيرتو أو الطيب الذي فيه كحول فهذا صلاته صحيحة، ولا حرج عليه في صلاته، لأن الخمر ليس بنجس، ومن باب أولى أن لا تكون الكحول نجسة لاسيما إن كانت هذه الكحول في الطيب.
أما مسألة استخدام العطر الذي فيه كحول فمنهم من جوز بإطلاق بناءاً على أن الطيب والعطر ليس خمراً لا لغة ولا عرفاً ولا استعمالاً، والاستعمال الشاذ لا يخرجه عن كونه طيباً فلو وجد إنسان شاذ يشرب السبيرتو أو العطر فلا يجعله خمراً.
وبعض أهل العلم يقول أنه يجوز استخدام الطيب الذي فيه كحول إن الكحول مغلوبة وليست بغالبة، ومنهم من يحرم على الإطلاق.
والذي يمل إليه قلبي استخدام الطيب بجميع أنواعه، سواء كان فيه كحول أو ليس فيه كحول، أو غالباً أو مغلوباً، بناءاً على أنه ليس خمراً لا استعمالاً ولا عرفاً ولا لغة، وهذا يوسع استخدام السبيرتو للجروح لأننا لو ألحقناه بالخمر، فربنا قال: {فاجتنبوه}، وكما نعلم من قواعدنا الفقهية أن الأحكام الشرعية لا تتعلق بالذوات، وإنما تتعلق بالأفعال، إلا الخمر فإنها تتعلق بالذات والفعل، فربنا علق الاجتناب بالخمر، ولذا بعض من أزاغ الله قلبه والعياذ بالله، يقول: لا يوجد آية في كتاب الله تحرم الخمر، نقول: نعم؛ لكن يوجد في القرآن {فاجتنبوه}، عن الخمر، فالخمر يجب اجتنابه فحرم بيعه، وحرم شراءه، وحرم حمله ،وحرم مصنعه، بينما التحريم مثل: {حرمت عليكم أمهاتكم}، {حرمت عليكم الميتة}، وما شابه يتعلق فقط بالفعل، فالميتة حرام أكلها فقط، أما الاستفادة منها فإن دبغ جلدها فجائز، والاستفادة من شعرها وعظمها جائز، فلو قال الله: حرمت الخمر لكان الحرام في الشرب، أما حملها لجاز، وربما جاز البيع والشراء، فقول الله {فاجتنبوه}، أشد بكثير من قوله {حرمت}.
ومما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي أقوام يستحلون الخمر والحرير والحر والمعازف، وكم عجبت لما قرأت لابن القيم في "إغاثة اللهفان" أنه يناقش أناساً في قولهم: إن اللواط حلال، ويطيل النقاش، فقلت: هذا إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فالنبي أخبرنا أنه سيأتي أقوام في آخر الزمان يقولون: الخمر حلال، وسمعنا هؤلاء ،وسيأتي أقوام يقولون: الحرير حلال ،وسمعنا هؤلاء، وسيأتي أقوام يقولون: المعازف حلال.
وكم استغربت لما قرأت مقالة في جريدة "الحياة" الإماراتية مع رجل لا أعرفه ،ولم أقرأ له شيئاًن وهو نكرة، وفقهه أعوج، وينبغي أن يحذر منه، وهو ما سمونه الكبيسي، وللأسف أمثاله يمكنون من الفضائيات، لكي يشوشوا على الناس دينهم، فكم استغربت لما قرأت له هذه المقالة التي يقول فيها: بعض السذج من الفقهاء يقولون: إن من يسمع الغناء فهو فاسق، فيقول-عامله الله بما يستحق- وأما أنا فأقول: من لا يسمع الغناء فهو فاسق، أعوذ بالله من هذا الخذلان وأعوذ بالله من هذا الضلال، فهذا ضلال ما بعده من ضلال.
ونعود لسؤالنا فإن استخدام السبيرتو حلال، ولاسيما أن استخدامه على الجروح الآن قد عم وطم، حتى بعض متأخري الفقهاء كابن عابدين وهو حنفي المذهب وفي مذهبه الخمر نجس، قال: وأنا أفتي بأن السبيرتو حلال، وأنه طاهر وليس بنجس، والله أعلم .
السؤال 343: رجل ماله من حرام كبيع الخمر مثلاً، فهل إن بنى مسجداً يؤجر عليه أم لا؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم أجابنا على مثل هذه المسألة بقوله: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً}، والمال الحرام الخبيث الذي بيد المكلف يجب عليه أن يتخلص منه، ومما هو وارد في كتب القواعد الفقية، قولهم: المال الخبيث سبيله الصدقة، فمن كان بيده ما ل خبيث فيجب عليه أن يتخلص منه وهذا الخلاص يكون بالصدقة، وهذه الصدقة الأفضل أن يراعى فيها الأمور الثلاثة الآتية: الأمر الأول: أن تكون في الأشياء المهانة، وليس في الأشياء المحترمة الجليلة، كأن يعبد الإنسان مثلاً، طريقاً لعامة المسلمين، أو حمامات لمسجد أو عامة، وما شابه، الأمر الثاني: الشيء الزائل خير من الشيء الدائم، الأمر الثالث: الشيء الذي فيه ملك عام خيرمن الشيء الذي فيه ملك خاص، فالصدقة على الفقير والمسكين ملك خاص، والذي في الملك العام أحب إلى الله من الملك الخاص، هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، ويرى أيضاً شيخ الإسلام أن عموم الصدقة تجزئ، فإنه إن كان ماله من حرام وحصلت الصدقة فهذا يكفر الحرام الذي بيده إذ أخرجها.
وسمعت بعض مشايخنا يقول: أرجو أن يناله أجر ناقل الصدقة، فلما يكون بجانبي فقير، وما عندي ما أتصدق به عليه، فأذهب إلى رجل غني، فأطلب منه مالاً لهذا الفقير، وأنقله من مكان بعيد إليه، فأنا ليس لي ثواب المتصدق، وإنما لي ثواب ناقل الصدقة، فعندما أحمل المال من الربا ومن الخمر وأبحث عن موضعه وأضعه فيه فهذا فيه أجر، لكن ليس أجره كأجر من كان ماله بيده حلالاً. ولذا من كان بيده مال حرام فلا يجوز له أن يستفيد منه، ويجب عليه إخراجه في عموم الصدقات، والله أعلم...
السؤال 344 : ما ردكم على من يزعم أن ابن تيمية كافر، لأنه يقول: إن الله جسم؟
الجواب: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، من أئمة هذا الدين، ومن كفره فهو أضل من حمار أبيه، ولا يعلم من بين لحييه، وهذه المقولة تشبه ممن خرجت من بين لحييه ما يخرج من بين رجليه، والعياذ بالله تعالى.
شيخ الإسلام ابن تيمية له مواطن قلقة ينظر إليها من يعرفه نظرة فيها إعجاب، وينظر إليها من لا يعرفه، ولا يعرف فقهه واصطلاحاته نظرة فيها ريبة فيخرج من خلالها بتكفيره.
وهنا لفتة أقولها زيادة على الجواب، وفيها فائدة، أن شيخ الإسلام رحمه الله، ذكر من أسباب ضلال المتأخرين أنهم أسقطوا الاصطلاحات الواردة في النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، على ما عهد وما عرف في أذهانهم، فينبغي أن نحرر الاصطلاح قبل الحكم عليه، والحكم يكون على حقائق الأشياء، لا على الأسماء، فلو أن رجلاً أخذ كوباً فيه ماء، وقال لآخر: اشرب هذا الخمر، فهل ما في هذا الكوب من ماء يصبح خمراً؟ أم يبقى ماءً حلالاً والمقولة ظالمة؟ يبقى الماء حلالاً ، أليس كذلك.
ولشيخ الإسلام رحمه الله تعالى، محاكمة لمخالفيه ومعارضيه ومنتقديه دقيقة، ويفرض معهم في بعض المواطن وفي بعض المضايق أشياء من الباطل ليرجعهم إلى الحق، وفرض الباطل للخصم لإرجاعه إلى الحق من منهج القرآن، قال الله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}، فهل يجوز لرجل معتوه أن يقول: إن القرآن يقول إن لله ولد؟ معاذ الله، ففرض الباطل لإرجاع الخصم إلى الحق، هذا أمر جائز، فشيخ الإسلام في المواطن التي أخذت عليه من كتبه لم تكن في معرض تقريره للعقيدة، وإنما كانت في معرض رده على الخصوم، فلا يوجد اعتراض لرجل على ابن تيمية في معرض تقريره للعقيدة، وهذه قاعدة تحفظ.
ومن بين هذه الاعتراضات كلامه في الجسم؛ فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: نقول لمن يقول إن الله جسم، ما مرادكم؟ وماذا تريدون بهذه الكلمة؟ إن قلتم كذا فهذا كفر، فهذا كفر، بل أشد كفراً من اليهود والنصارى، وإن قلتم كذا، فأنا لا أكفركم ولكن أقول كلمتكم هذه خطأ، ما أطلقها الله على نفسه ولا نبينا على ربه ولا الصحابة، فهذا الإطلاق بدعة لكن لا أكفر. فبعض الناس لا ينتبه لحقائق الأشياء، ويطلق الأحكام على عواهنها، ويرسلها دون فقه، فيقول: من قال إن الله جسم فقد كفر, وشيخ الاسلام في بعض المواطن من كتبه لا يكفر من يقول إن الله جسم، فهو يقول إن الله جسم فهو كافر، هذا ضلال، وهذا ليس فيه حق ولا عدل، فهو يسقط كلمة الجسم في كتب ابن تيمية على المفهوم عنده هو، والحق أننا إذا أردنا أن نحاكم عالماً فنحاكمه باصطلاحاته هو لا باصطلاحات غيره، فمثلاً في كتاب المجموع للإمام النووي (4/253) قال: (وممن يكفر من يجسم تجسيماً صريحاً) أي ممن يقول إن الله عز وجل جسم ، فهذا يكفر.
واصطلاح إن الله جسم ما تكلم فيه السلف وقبله النبي صلى الله عليه وسلم لا بإثبات ولا بنفي، وهو اصطلاح حادث بدعي لا يجوز إطلاقه على الله عز وجل، وقد تعرض شيخ الإسلام لهذا المصطلح لكثير من كتبه، أصل على بعض منها، فمن راد أن يعرف كلام شيخ الإسلام حول هذا الاصطلاح فلينظر في كتبه الآتية: "شرح حديث النزول" (ص 69-76) "مجموع الفتاوي"(3/ص306-310، 13/304-305) "منهاج السنة النبوية" (2/134-135، 192، 198-200، 527)
والخلاصة، وأجمل لكم، والكلام ظاهر بين، ولا أريد أن أفصل، يقول شيخ الإسلام في كتابه "شرح حديث النزول" وانظروا إلى دقته وإلى عدله، وإلى الحق الذي معه، خلافاً للمشوشين عليه، قاتلهم الله أنى يؤفكون، يقول: ((لفظ الجسم مبتدع في الشرع محرف في اللغة، ومعناه في العقل متناقض)) ويقول: ((من زعم أن الرب عز وجل مؤلف ومركب بمعنى أنه يقبل التفريق والانقسام والتجزئة، فهذا من أكفر الناس وأجهلهم))، وقوله(( شر من الذين يقولون إن لله ولداً، بمعنى أنه انفصل منه جزء فصار ولداً له))، ويقول عن الكرامية: ((وهم متفقون على أنه سبحانه جسم لكن يحكى عنهم نزاع في المراد بالجسم، هل المراد به أنه موجود، قائم بنفسه، أو المراد أنه مركب؟ فالمشهور عن أبي الهيثم وغيره من نظارهم أنه يفسر مراده بأنه موجود قائم بنفسه مشار إليه، لا بمعنى أنه مؤلف مركب، وهؤلاء ممن اعترف نفاة الجسم بأنهم لا يكفرون، فإنهم لم يثبتوا معنىً فاسداً في حق الله تعالى، لكن أخطأوا في تسمية كل ما هو قائم بنفسه، أو ما هو موجود جسماً من جهة اللغة، قالوا: فإن أهل اللغة لا يطلقون لفظ الجسم إلا على المركب، والتحقيق أن كلا الطائفتين مخطئة على اللغة، أولئك الذين يسمون كل ما هو قائم بنفسه جسماً، وهؤلاء الذين سموا كل ما يشار إليه وترفع الأيدي إليه جسماً، وادعوا أن كل ما كان كذلك فهو مركب، وأن أهل اللغة يطلقون لفظ الجسم على كل ما كان مركباً، فالخطأ في باللغة والابتداع في الشرع مشترك بين الطائفتين)) أ.هـ.
ومقصود شيخ الإسلام أن يقول أن من يقول إن الله جسم فهو مبتدع، ونستفصل ممن يقول إن الله جسم؛ ما مرادك؟ إن كان مرادك إن الله حق قائم بذاته، يشار إليه ليس في داخل الدنيا، فهذا كلامه حق، وتسميته خطأ، ومن قال إن الله جسم أي مركب مؤلف، فهذا كافر أكفر من اليهود والنصارى.
وهذا حق وعدل، ولذا من يكفر شيخ الإسلام بقوله إن الله جسم، أضل من حمار أبيه ولا يفهم ماذا يخرج من فيه، ولم يرجع إلى كلام شيخ الإسلام، رحمه الله تعالى، وهذه مضايق لا أحب أن تلقى لولا هذا السؤال، لأن بعض الناس لا هم له إلا أن يكفر ابن تيمية ومهمته في هذه الحياة تكفيره، فلا عمل له ويشيع في الخافقين، وينشر في المشرق والمغرب تكفير ابن تيمية، في الكتابة والدروس، ولا أدري لماذا هذا، لكن قال الله تعالى: {ومن يضلل فما له من هاد}.
وما أشاعه ابن بطوطة عنه أن قال: إن الله ينزل كما أنزل عن هذا المنبر، وابن بطوطة لما دخل دمشق كان ابن تيمية في سجن القلعة، فما رآه وما التقى به.
السؤال 345: سألت من أثق بعلمه عن عمل معين، وفهمت أنه حلال، ثم سألت بعد مدة طويلة شخصاً آخر، فأفتاني بالحرمة، ثم قرأت في المسألة فوجدت أني أميل بقوة إلى الرأي ألاول فهل الفتوى الثانية تنقض الفتوى الأولى، فيصبح المال الذي حصلت عليه من العمل حراماً، وهل الأخذ بالرأي الأول، والاقتناع به يحرم علي الاستمرار بالعمل؟
الجواب: المسألة التي يفتي بها مفت أهل وذو اجتهاد ولم يصادم نصاً من النصوص الشرعية، صريحاً صحيحاً، فهذا اجتهاده معتبر، والواجب على الإنسان أن يعبد مولاه بما يغلب على ظنه أنه أمره وحكمه، ومن المقرر عند العلماء أن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد، فالصحابة رضي الله عنهم للواحد منهم أكثر من رأي، والرأي القديم بقي محفوظاً، والشافعي له مذهب قديم وجديد، والقديم مدون في كتبه، ويقرر النووي في مقدمة شرحه للمهذب أن الفتوى في أربع عشرة مسألة على المذهب لقديم، ويسردها.
والمطلوب منك أن تعبد ربك بما يترجح عندك أنه حكمه، فإن ثبت لديك، دون هوى، بالدليل أن هذا حلال لك، فهو حلال، والاجتهاد السابق مأجور عليه الإنسان، فإن بذل ما يستطيع من جهد ثم تبين له خلافه، فلا عيب عليه ولا حرج أن يعود إلى الحق، فالعلم بحث، والعلم لا يقبل الجمود ولا الهمود، والله أعلم..
السؤال 346: هل صح أن ملك الموت يسمى عزرائيل؟
الجواب: جميع النصوص التي فيها تسمية ملك الموت بعزرائيل هي من الإسرائيليات، فلم يثبت في كتاب ولا في سنة ولا في أثر عن صحابي أن اسم ملك الموت عزرائيل.
وأعلى ما ورد في تسمية ملك الموت عزرائيل أثر ورد عن الحسن البصري، وقول الحسن ليس بحجة، وليس ملزماً لنا، والقرآن يذكر ملك الموت، وفي حديث البراء وغيره أيضاً ملك الموت دون تسميته عزرائيل، والله أعلم..
السؤال 347: ما صحة حديث {من احتكر قوت المسلمين أربعين يوماً يريد الغلاء، فقد برئ من ذمة الله وبرئ الله منه}؟
الجواب: هذا الحديث وجدته في المسند للإمام أحمد، وفي مصنف ابن أبي شيبة، ومسند أبي يعلى، وعند ابن عدي في الكامل، وعند أبي نعيم في الحلية، من حديث ابن عمر، وإسناده ضعيف فيه راوٍ يكنى أبو بشر، وهو مجهول كما في "العلل" (برقم 1174)، و"الجرح والتعديل"(9/347) كلاهما لابن أبي حاتم.
وورد بلفظ {من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس أو الجذام}، عند أحمد عن ابن عمر، وإسناده ضعيف، وورد أيضاً بإسناد ضعيف عند أحمد، والحاكم، عن أبي هريرة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {من احتكر يريد أن يتغالى به على المسلمين، فهو خاطئ وقد برئت منه ذمة الله}.
ويغني عن هذا كله ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (برقم 165) عن معمر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من احتكر فهو خاطئ} فالاحتكار حرام، فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحتكر خاطئاً، أي آثم، وليس بمعنى مخطئ ،والله أعلم..
السؤال 348: يختم بعض الخطباء خطبته بآية: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به}، هل هذا من السنة، وما نصيحتكم لمن يفعله؟
الجواب: القاعدة: ما أطلقه الشرع نطلقه، وما قيده الشرع نقيده ،فلا يجوز لنا أن نقيد شيئاً أطلق، ولا أن نطلق شيئاً قيد، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يختم خطبة الجمعة بكلام واحد، فما تيسر للخطيب أن يختم به الخطبة فلا حرج.
أما المداومة على نمط معين في ختم خطبة الجمعة، فهذا أمر ليس بمشروع، وليس بجائز، سواء من الدعاء أو الترحم أو الترضي، فهذا كله ليس بجائز، وإنما يفعل الخطيب ما يسر الله له، وما ألقاه على لسانه، من غير مداومة، وينبغي أن يحرص على هذا من كان معروفاً باتباعه للسنة، لأن المداومة عنده على شيء قد تجعل مستمعيه يظنوها سنة، فعليه أن يحيد عن المداومة على شيء معين.
وأما بدء الخطبة فمن السنة أن تكون بخطبة الحاجة ،كما هو ثابت من هديه صلى الله عليه وسلم، وهدي أصحابه رضي الله عنهم.
السؤال 349: هل تنصح طالب العلم المبتدئ بحضور درس الخميس "شرح صحيح مسلم"؟
الجواب: الأحاديث متجددة والمباحث جديدة، فمن كان ذا همة، وعنده مكنة وقدرة على المتابعة فحضوره لدرس الخميس جائز.
وللمشايخ والعلماء في تخصيص درس للمبتدئين مشارب ومذاهب، فمثلاً كان الشيخ السعدي رحمه الله، يخص الطلبة المبتدئين بدرس يدرسه من طلبته، وكان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، يدرس المتقدمين درساً ويخص المبتدئين بدرس بنفسه، وكان الشيخ ابن عيثمين رحمه الله، يقول: (لا مانع عندي أن يحضر درسي المتقدم والمبتدئ).
فهذه وسائل، ودرس الخميس درس واظبنا عليه والحمد لله، في شرح صحيح مسلم، وفيه علم وفيه تركيز على الرواة، والأسانيد على حسب المقتضي لذلك، وفيه خير، ومن داوم عليه فإنه إن شاء الله تعالى يستفيد.
وأنصح طالب العلم أن يكون له نصيب من المدارسة، فالقراءة جزء من تأسيس شخصية طالب العلم، والمذاكرة جزء آخر، والسماع جزء ثالث، والجرد جزء رابع،والبحث جزء خامس فطالب العلم ينبوع الأساليب.
ومن الضروري بمكان لطالب العلم أن يتعود القراءة النصية، حتى يمتحن عقله وفهمه، هل إن قرأ وحده يفهم صواباً أم خطاً؟ فمن عجائب الأديب المصري الرافعي لما رد على طه حسين، وقد أولغ في الفساد وقال ما قال، فيقول الرافعي له: (لقد قرأت خبراً عن السلف [وهو في "عيون الأخبار" لابن قتيبية] كان بعضهم يكتب خلاف ما يسمع، ويعلم خلاف ما يكتب)، فقال: (كنت أظن أن هذه خرافة حتى قرأت كتبك، فوجدتك تنقل خلاف ما في الكتب وتفهم خلاف ما تقرأ).
فبعض الناس يظن أنه يقرأ صواباً، وهذا أكثر ما يظهر في القرآن، فيقول بعضهم: أنا لما أقرأ القرآن وحدي لا أخطئ، لكن إن قرأت على الشيخ أخطأ في الفاتحة، أنت يا مسكين لا تدري أنك لا تخطئ، فمن يدريك عندما تقرأ وحدك أنك لا تخطئ، فمن أسس طلب العلم، ومن الأهمية بمكان لطالب العلم، أن يقرأ قراءة جيدة، فأنصح كل طالب علم أن يكون له شيخ وأستاذ يقرأ عليه قراءة نصية، فقراءة الكتب هي الجادة التي كانت عند الأقدمين، وعندما تقرأ في التراجم تجد: قرأ علي الشيخ كذا وكذا وكذا، حتى الحافظ ابن حجر ألف أربع مجلدات في أسماء الكتب التي قرأها على المشايخ فهذه القراءة النصية أنصح بها، والله أعلم..
السؤال 350: هل القاعدة الفقهية حجة يصح الاستدلال بها؟
الجواب: القاعدة الفقهية ليست حجة، والقواعد الفقهية مأخوذة من استقراء النصوص الشرعية، وإنما القاعدة يستنبط منها والخلاف على درجات.
فأقبح وأسوأ خلاف، الخلاف الذي يصادم نصاً فينكر على مخالف النص وإن كان فقيهاً، لذا القاعدة التي تقول: المسائل التي فيها خلاف لا إنكار فيها ليست على إطلاقها، وعالج ابن القيم هذه القاعدة معالجة جيدة، فعلماء الكوفة كانوا يقولون بحل النبيذ، وأهل مكة كانوا يقولون بحل محاشر النساء، ثم مات الخلاف، والمحققون من الحنفية يخطئون من يقول بحل النبيذ، فلو أن رجلاً اليوم أحيا خلاف أهل الكوفة بيننا أنقول لا ينكر في المسائل التي فيها خلاف، أم ننكر عليه؟ ننكر عليه.
وكان الإمام أحمد في بغداد وأهل الرأي في بغداد فلما سمع الإمام أحمد بعض الناس المتصدرين للفقه يجوزون النبيذ، ألف كتابه المطبوع اليوم "كتاب الأشربة" ويذكر العلماء في ترجمته أنه كان في كمه دائماً وكان أينما جلس قرا على جلاسه منه حتى قضى على هذه الفتنة.
فهذا الخلاف الأول، ولا يعبأ بالمخالف، لكن يعتذر له، إلا المسائل التي تزاحمتها النصوص، واعلموا أن كل مسألة المحققون على اختلاف أعصارهم وأمصارهم اختلفوا فيها، وبقي الخلاف فيها ممتداً فالخلاف في مثل هذه المسألة معتبر، مثل مسألة الخلاف في القراءة خلف الإمام فكتب بعضهم ورقة يظن كاتبها أنه سيقضي على الخلاف بين العلماء في هذه الورقة، وهذا خطأ، فقد ألف علماء شبه القارة الهندية في القرن الرابع عشر والثالث عشر ألف رسالة أو أكثر، في مسألة القراءة خلف الإمام، والعلماء المعتبرون من القديم إلى الآن لم يتفقوا على قول واحد في المسألة فالخلاف معتبر.
الدرجة الثانية في الخلاف مسألة لا نص فيها، وتخرج على القواعد، ومسألة تتزاحمها قواعد مختلفة فالخلاف هنا واسع.
الدرجة الثالثة من الخلاف، مسألة لا نص فيها ولا تقبل التخريج على القواعد، وإنما الجواب فيها مقاصد الشريعة، فالخلاف هنا أوسع.
والفقيه من يعرف الخلاف، وسبب الخلاف وفي أي المسائل الخلاف معتبر، وفي أي المسائل الخلاف غير معتبر، وقال قتادة رحمه الله: (من لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم أنفه رائحة الفقه) فمعرفة الخلاف من الأمور المهمة.
فالقواعد الفقهية ليست بحجة، وإنما تبنى المسائل عليها، ومن أسباب معرفة الراجح من المرجوح ومعرفة الحق من الباطل في مسائل الفقه، أن تعرف سبب الخلاف، وأن تتصوره، فمن تصور سبب الخلاف يحسن متى يقوي اللهجة إن خالف، ومتى يضعفها، متى يعذر ومتى لا يعذر.
ومن الكتب النادرة بل تكاد تكون درة يتيمة التي اعتنت من بين كتب الفقه بأسباب اختلاف الفقهاء في كل مسألة على انفراد كتاب ابن رشد "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" فيذكر منه اختلاف العلماء، وفيه سمة لا توجد في غيره، حيث يقول لك بعد ذكر الخلاف أو قبله: (وسبب اختلاف العلماء في هذه المسألة......) ويذكر لك سبب الاختلاف، فمن يقرأه تتقوى ملكته في الفقه، وقد نبه على هذا في كتاب الصرف، فقال: (كما نجد أكثر متفقهة زماننا يظنون أن الأفقه هو الذي حفظ مسائل أكثر، وهؤلاء عرض لهم شبيه ما يعرض لمن ظن أن الخفاف هو الذي عنده خفاف كثيرة الا الذي يقدر على عملها. وهو بين ان الذي عنده خفاف كثيره سيأتيه إنسان بقدم لا يجد في خفافه ما يصلح لقدمه، فيلجأ إلى صانع الخفاف ضرورة، وهو الذي يصنع لكل قدم خفاً يوافقه فهذا مثال أكثر المتفقهة في هذا الوقت). فحال الذي عنده ملكة فقهية كحال الذي يصنع الخفاف، واليوم نحتاج للصناع لا الذين يبيعون فنحتاج لمن عنده ملكة فقهية.
فالملكة الفقهية من الأمور المهمة التي ينبغي لطلبة العلم أن يحصلوها، من خلال النظر في كتب القواعد والأصول، وأسباب اختلاف العلماء والأشباه والنظائر للمسائل وهي من الأمور المهمة تقوي الترجيح لأن الشرع قواعد مطردة وإن لم يكتب في الأشباه والنظائر إلا أصحاب المذاهب لكن النظر فيها مهم، والله أعلم..
__________________
السؤال 351: هل يجوز لمن يملك النصاب أن يؤدي زكاة ماله على دفعات شهرية، وهل له ان يحسب الدين من الزكاة؟
الجواب: يجوز للرجل أن يؤدي زكاة أمواله على دفعات، ولا حرج في ذلك، لكن بشرطين: أن ينوي عند كل دفعة انها زكاة، والشرط الثاني: يجوز التقديم ولا يجوز التأخير، فمثلاً رجل حوله في رمضان، وأراد أن يدفع الزكاة بأقساط، فلما يأتي رمضان ينبغي أن يكون قد وفى وسدد جميع المبلغ، أما أن يقسطها بعد رمضان فلا يجوز، فبقدوم رمضان يصبح المال ليس ملكاً له، وينبغي أن يخرجه لمستحقيه امتثالاً لأمر الله عز وجل.
أما احتساب الدين من الزكاة، فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن نظر إلى حقائق الأشياء قال هذا جائز،وقال ما الفرق بين أن أعطيه مائة دينار زكاة، ولي عليه مئة دينار ديناً، ثم يرجعها إلي فيسد دينه، وبين ان أسامحه بالمائة دينار؟ وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك.
ومذهب الشافعي وقول عند أحمد أن الزكاة لا تجوز إلا بالتمليك ،لأن الله يقول: {خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، فمن أسقط المال من الذمة، لا يزكي ماله، ولا يزكي نفسه ،بل هذا تعميق للشح في النفس.
وقلبي يميل إلى لو ان رجلاً داين آخر، ونوى بأنها إن لم ترجع إليه، فإنها من زكاة ماله، فإنها إن شاء الله تعالى من الزكاة، لأن التزكية حاصلة ،وهي فيها إعطاء، وما يلزمه أحد أن يعطي ديناً، فهو يقول: إن أرجعها إلي أصرفها في مصارف الزكاة، وإن لم يرجعها إلي فهي زكاة مالي إليه، وبهذا لا أرى حرجاً إن شاء الله تعالى، والله أعلم..
السؤال 352: هل في أن يتقصد الرجل أن يدفع زكاة ماله في رمضان فضل؟
الجواب: نعم ولا حرج في ذلك، فقد أخرج مالك في "الموطأ" عن عثمان أنه خطب ذات مرة، وقال: ((شهر صيامكم شهر زكاتكم)) وقول عثمان ذلك من على المنبر يقوي حجيته ،لأنه على مسمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
السؤال 353: ما حكم الجهر بالذكر بعد الصلاة؟
الجواب: الاصل في الذكر أن يكون سراً، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، أنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً في السفر يكبر الله بأعلى صوته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً}، فلا يجوز للرجل أن يجهر بذكره على أصل القاعدة، إلا ما ورد فيه الجهر، والأصل في الذكر بعد الصلوات أن يكون سراً.
لكن ثبت في صحيح مسلم قول ابن عباس: (( كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير))، وهذا كما قال الشافعي والشاطبي وقد أصل وفصل الشاطبي في أواخر كتابه "الاعتصام" هذه المسألة، وقد بين بما لا يزيد عليه أن هذا الجهر كان فقط من اجل التعليم، فيجوز للإمام أن يجهر بالأذكار ليعلم الناس فقط.
والظاهر من صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان في المدينة ولم يكن في مكة، فمتى رأى الإمام مصلحة في جهره بالذكر لوجود اناس في المسجد لا يفقهون ولا يعلمون هذه الذكار فيجهر أمامهم حتى يحصل التعليم، فمتى حصل التعليم يرجع إلى الأصل، وهو الإسرار.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمكث في مصلاه بمقدار قوله {اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام}، ثم يخرج فأين الجهر؟ فالذكر كان يقع منه في الطريق، وهذا ثابت عن أبي بكر وعمر كما في سنن البيهقي، وغيره، كانا لا يجلسان بعد الصلاة إلا بمقدار الجلوس على رضف الجمر.
أما الجلوس والذكر مع تمطيط وترنم وتطريب، فليس هذا من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر السلف على من يفعل ذلك، ولم يرد الجهر بالذكر عن احد من الصحابة إلا ابن عمر رضي الله عنهما، وابن عمر له انفرادات والله أعلم.
السؤال 354: الرجاء التفصيل في مسألة متابعة الإمام؟
الجواب: مسألة متابعة الإمام مسألة اختلفت فيها وجهات النظر، والعلماء مختلفون في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {إنما جعل الإمام ليؤتم به}.
والذي أراه راجحاً أن الإمام متى زاد في الصلاة فعلى المأمومين أن يذكروه، فإن أصر على الزيادة قاموا معه وتابعوه، وأما إن خالف الإمام هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بهيئة من الهيئات فنحن أسعد بهديه صلى الله عليه وسلم منه، وأستعير قوله لعلي أخرجها النسائي في المجتبى، بإسناد جيد، فقال: ((أنترك سنة نبينا لفعل أعرابي بوال على عقبيه)) فمتى رأيتم الإمام في هيئة من الهيئات خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فأنا أسعد بهدي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الإمام، والعبرة بمتابعة الإمام الأكبر، لقوله صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي}.
لكن لو أن الإمام خالف هديهه صلى الله عليه وسلم، فزاد مثل قنوت الفجر، فلا يجوز لي أن أخالفه، وأقنت معه. وهذا عندي معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: {يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساؤوا فعليهم}، وهذا فهم الصحابة للمسألة فيما أفهم، فابن مسعود لما أتم عثمان وصلى أربعاً في السفر، قام في الناس خطيباً كما في صحيح الإمام مسلم، وقال: {والذي نفسي بيده لقد صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ركعتين، وصليت خلف أبي بكر ركعتين، وصليت خلف عمر ركعتين، وها أنا ذا أصلي أربعاً فيا ليت حظي من أربع ركعتان متقلتان إن الخلاف كله شر}، فابن مسعود أتم خلف عثمان ركعتين تامتين لم ير مشروعيتهما، فمتى زاد الإمام زدنا بعد تنبيهه على خطأه، لكن من كان يشار إليه بالبنان ويحسب عليه فعله كما يحسب عليه قوله كأن يكون طالب علم أو عالم، وصلى خلف إمام قد خالف هدى النبي صلى الله عليه وسلم فعليه أن يفعل ما فعله ابن مسعود بأن يبرئ ذمته فعليه بالبيان، فابن مسعود بين وبرأ ذمته وقال إن الخلاف كله شر.
ويا ترى عثمان لماذا أتم؟ هل تقصد أن يصادم هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ معاذ الله ،فهو قد اجتهد والحق مع صاحبيه، وقوله وفعله مرجوح وليس براجح وإنكار ابن مسعود عليه في محله، وأرجح الأقوال في إتمام عثمان ما وقع التصريح به، من عثمان نفسه وهو الذي رجحه الحافظ في الفتح، فقد قال عثمان {أصلي وينظر إلي الأعراب فإن رجعت ظنوا أن الرباعية ركعتان} فنظر إلى مآل الفعل.
والصواب أن يصلي ركعتين ولابد أن يسأل الناس أو ان يقع البيان، فيقرن الفعل مع البيان، فمن فعل فعلاً وظن أن يوضع في غير مكانه فالبيان يسعفه في أن يضع الشيء في مكانه ثم لا يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل إنه كان له بيت في مكة، والأول أرجح لأنه هو الذي علل به،، وتعليله مقدم على تعليل غيره . والله أعلم.
السؤال 355: ما هي البهائية ومن هم البهائيون وكيف نشأت ومتى؟
الجواب: البهائية فرقة مرتدة ضالة كافرة، من انتسب إليها خرج من الإسلام، وليس له نصيب فيه، ولا يجوز الصلاة عليه، ولا يورث ولا يرث ولا يدفن في مقابر المسلمين.
والبهائية نشأت في إيران سنة 1260هـ، 1844م، فقد دعمها الاستعمار البريطاني وكانت من ورائها اليهودية ولا زالت.
ولذا هذه الفرقة تقوى في ديار المسلمين ولها وجود قوي في العراق، وفي كثير من البلدان، والآن لها وجود قوي في فلسطين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أسس هذه الفرقة رجل يسمى: علي محمد رضا الشيرازي، وأعلن عن نفسه أنه [الباب]، ولما مات قام بالأمر من بعده الميرزا حسين علي الملقب بالبهاء، وسمى أتباعه بالبهائيين نسبة له، وله كتاب اسمه الأقدس وتوفي البهاء سنة 1892م .
وهنالك شخصيات لها أثر في ديانتهم، من أهمها امرأة بغي تسمى قرة العين، انفصلت عن زوجها وفرت منه تبحث عن المتعة، وعقدت مؤتمراُ سنة 1269م أعلنت فيه أن شريعة البهاء نسخت الإسلام.
ومن أعلامهم أيضاً أخي البهاء، رجل يسمى علي، وهو الملقب عندهم بالأزل، ونازع أخاه في خلافة الباب، ثم انشق عنه، وله كتاب مقدس عندهم يسمى الألواح.
ويعتقد البهائيون أن الباب هو الذي خلق كل شيء بكلمته، وهو المبدأ الذي ظهرت عنه جميع الأشياء، ويقولون: إنه حل واتحد وذاب جسمه في جميع المخلوقات ويقولون: إن من مات على صلاحٍ، بمعاييرهم ومقاييسهم، فإن روحه تنتقل إلى شيء مشرف، ومن مات على فساد فإن روحه تنتقل إلى الخنازير والكلاب وما شابه، وهذا ما يسمى بتناسخ الأرواح.
والبهائية يقدسون رقم ((19)) والمعجزة 19 في القرآن التي قرأناها في بعض الكتب ورائها وسببها البهائية، وعندهم السنة تسعة عشر شهراً، والشهر تسعة عشر يوماً.
ويقولون بنبوة بوذا، وكونفوشيوس، وزرادشت، وأمثالهم من حكماء الصين والهند والفرس، ويوافقون اليهود بقولهم بأن المسيح قد صلب، وينكرون معجزة الأنبياء جميعاً، وينكرون حقيقة الملائكة، وحقيقة الجن، وينكرون الجنة والنار، ويرون أن النعيم والعذاب إنما يكون بتناسخ الأرواح فحسب، ويعتقدون أن القيامة إنما تكون فقط بظهور البهاء، وقبلتهم البيت الذي ولد فيه الباب، بشيراز في إيران.
ويحرمون على المرأة الحجاب، ويحللون لها المتعة، وعندهم أن المرأة مشاع لكل الناس، فلا يوجد للمرأة حرمة عندهم.
وعندهم كتب يعارضون فيها القرآن الكريم، وينكرون أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ويرون استمرار الوحي، وأنه لم ينقطع، ويوجدون بكثرة في إيران، ولهم وجود في سوريا، العراق، ولبنان، وفلسطين، ولهم وجود في هذه الديار، ولهم مدارس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالبهائية قوم كفار يحرم أن نعاملهم معاملة المسلمين ولا يرثهم مسلم ولا يرثوا مسلماً ولا نغسلهم ولا نكفنهم ولا ندفنهم في مقابر المسلمين، لأنهم مرتدون خارجون عن الملة، وبهذا يفتي جميع علماء المسلمين، والله أعلم..
السؤال 356: امرأة دخل عليها وقت الصلاة، وهي طاهر، ثم حاضت قبل خروج الوقت، ولم تؤد الصلاة، فهل تبقى الصلاة في ذمتها؟
الجواب: إن المرأة إذا جائها الحيض في وقت الصلاة، وكان بإمكانها أن تصلي هذه الصلاة وما صلتها، فتبقى هذه الصلاة واجبة في ذمتها، قولاً واحداً عند العلماء، فمتى طهرت فأول واجب عليها، أن تغتسل وتقضي صلاة الظهر.
ومتى علمت المراة أن وقت الحيض قد قرب، فيجب عليها ان تسارع في اداء الصلوات في أول وقتها، ويصبح الوقت في حقها كوقت المحكوم عليه بالقتل، فمن حكم عليه بالقتل الساعة الواحدة مثلاً، والظهر يؤذن الساعة الثانية عشر والنصف، فهذا وقت صلاة الظهر عنده غير موسع، ويجب عليه اداء الصلاة قبل الواحدة، لأن الوقت عنده أصبح حقيقياً، وكذلك الحائض متى علمت من خلال عادتها أو أمور تعرفها أنه سيأتيها الحيض، فيجب عليها أن تعجل في صلاتها حتى لا يباغتها الحيض ويمنعها ،فإن باغتها وهي لا تدري، فتبقى الصلاة في ذمتها وتجب عليها بعد الطهر، والله أعلم.
السؤال 357: من المراد بالشيخين عند الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة، ونقرأ في كتب الأحناف الصاحبين والطرفين والأئمة الثلاثة فمن هم، ومن المراد بالسلف عندهم؟
الجواب: هذا السؤال فيه اصطلاحات تدرج عليها الفقه، ومعرفة هذه الاصطلاحات من الأمور المهمة حتى لا يقرأ الإنسان أشياء مبهمة، ويفهم.
فالشيخان عند الحنفية هما الإمامان ابو حنيفة وأبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم، وأينما قرأت في كتب الحنفية، لهما عندهما قالا، وما شابه، فالمراد بهام أبو حنيفة وأبو يوسف.
إلا إن ذكر أحدهما قبل ذلك فيكون المراد محمد بن الحسن معهما، فإن قيل قال أبو حنيفة ثم قيل: وقالا فالمراد أبو يوسف ومحمد، وإن قيل قال محمد بن الحسن، ثم قيل وقالا، فالمراد أبو حنيفة وأبو يوسف، وهكذا، لكن الشيخان عندهما أبو حنيفة وأبو يوسف، والطرفان أبو حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني، ومعنى لهما: أي أدلتهما، والأئمة الثلاثة عندهم هم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد.
وأما الشيخان عند المالكية فهما القاضي عبدالوهاب بن نصر البغدادي وشيخه ابن القصار.
وأما عند الشافعية فالمراد بالشيخان عندهم هما الرافعي والنووي.
وأما الشيخان عند الحنابلة فهما مجد الدين بن تيمية جد شيخ الإسلام، صاحب كتاب "المحرر" وابن قدامة المقدسي صاحب "المغني" .
أما الشيخ عند الحنابلة فالمتقدمون من الحنابلة يريدون به القاضي أبو يعلى، كابن عقيل في كتبه، وأبو الخطاب الكلوذاني، واما المتأخرون منهم كأمثال صاحب الفروع، وصاحب الإقناع، وكتب ابن القيم، لما يقولون: قال الشيخ أو قال شيخنا فالمراد به ابن تيمية، وهذه الاصطلاحات مهمة تنفع طالب العلم فلما يقرأ يعرف ينسب الأقوال إلى أصحابها، والله أعلم.
السؤال 358: ما صحة حديث {كما تكونوا يولى عليكم}؟
الجواب: لحديث أخرجه الديلمي عن أبي بكرة مرفوعاً، وفيه يحيى بن هاشم، وهو كذاب يضع الحديث، وله طريق آخر عند ابن جميع في "معجم الشيوخ" (149) وعند القضاعي في مسنده، من طريق آخر عن أبي بكرة وفيه المبارك بن فضالة وهو ضعيف، والراوي عنه أبو أحمد الكرماني وهو مجهول أفاده الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف المسمى "الكافي الشاف" فهذا الحديث لم يصح ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن معناه أمر أخذ بالاستقراء، فغالباً يكون الناس باهتماماتهم، على حسب الوالي عليهم، ووجد لأبي منصور الثعالبي المتوفى سنة 429هـ ، في كتاب مطبوع اسمه "لطائف المعارف" وجدت له كلاماً جميلاً يخص هذا الحديث، ويؤكد أن هذا الكلام بالجملة معناه صحيح فيقول أبو منصور الثعالبي: (كان الأغلب على عبد الملك بن مروان حب الشعر فكان الناس في ايامه يتناشدون الاشعار ويتدارسون اخبار الشعراء ؟؟؟؟؟ بها وكان الاغلب على الوليد بن عبد الملك حب البناء واتخاذ المصانع وكان الناس في ايامه يخوضون في رصف الأبنية، ويحرصون على التشييد والتأسيس وكان الأغلب على سليمان بن عبدالملك حب الطعام والنساء، فكان الناس في أيامه يصفون ألوان الأطعمة ويذكرون اطايبها، ويستكثرون من الحرص على أحاديث النساء، ويتسائلون عن تزوج الحرائر، والاستمتاع بالسراري، ويتجاوزون في الباه، وكان الأغلب على عمر بن عبدالعزيز حب الصلاة والصوم وكان الناس في أيامه يتلاقون فيقول الرجل لأخيه: ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ وبكم تختمه؟ وكم صليت البارحة؟ وهل أنت صائم؟ وكان يزيد بن عبدالملك يحب الخيل وكان الناس يتنافسون في اختيارها، ويتقربون إليها، باتخاذ الأجود والأحسن منها، وكان هشام بن عبدالملك يحب الثياب ونفائس اللباس وكان الناس في أيامه يتبارون في التجارة فيها، ويتواصفون أنواعها، وكان الوليد بن يزيد صاحب لهوٍ وشراب وسماع، وكان الناس في أيامه يتشاغلون في الملاهي ويترخصون في النبيذ ويقولون بالسماع، وقد صدق من قال: إن الناس على دين ملوكهم والسلطان سوق يجلب إليها ما ينفق فيها.
إذن هذه المقولة حكمة مأخوذة من خلال النظر في تاريخ الناس، أما عزو ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم على انه حديث فليس بصحيح والله أعلم..
السؤال 359: ما رأيك بالشيخ عبد الحميد كشك؟
الجواب: الشيخ عبدالحميد كشك، واعظ الدنيا عندي، ولا أرى من أتقن الوعظ مثله، وهو أول من نبه الناس وجعلهم يتداولون المواعظ في الأشرطة، وهو رجل يحبب الناس في الإسلام، وخاصة في النبي صلى الله عليه وسلم، فمن يسمع أشرطته يحب النبي صلى الله عليه وسلم حباً كثيراً، والرجل له هجمات شرسة على كثير من المتكلمين في الشرع، لكن ينبغي أن يحذر أشد الحذر مما في أشرطته من أحاديث وقصص، فهو يأتي بالصحيح والضعيف، والواهي والقصص التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومن أسباب انتشار الأحاديث الموضوعة، في هذا الزمان جماعة التبليغ والشيخ عبدالحميد كشك، فهم يكثرون من ذكر ما لذ وطاب ولا يبحثون عما ثبت وصح ،وقد قال الإمام الذهبي-رحمه الله-: (وأي خير في حديث اختلط صحيحه بواهيه وأنت لا تفليه ولا تبحث عن ناقليه) فالأصل في الإنسان قبل أن يستدل أن تتثبت عنده الصحة.
وهذه الخصلة ليست بسهلة ،والكمال عزيز أو عديم، فمن يسمع للشيخ كشك ينبغي أن يحرص على هذا الأسر، وإلا فالرجل قوي جداً في الوعظ متين في اللغة، صاحب عارضة وحجة قوية، ويأسر ويشد المستمع إليه، لكن هذه اللوثة في أشرطته نحذر منها، والله الهادي والموفق.
السؤال 360: ما حكم طلب المسلم الدعاء من أخيه المسلم؟
الجواب: طلب الدعاء من المسلم للمسلم ينظر فيه، فالإكثار منه ليس بحسن، وهو في بعض الصور مشروع وفي بعضها ممنوع. وقد كره السلف لما رأوا الإكثار من طلب الدعاء منهم، ذلك وكثير من الناس اليوم، من المصلين أو طلاب العلم لما يتلقون ثم يتفرقون فيقول كل واحد منهم للآخر ادع لي.وقال ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه "الحكم الجديرة بالإذاعة" قال: (وقد كان عمروغيره من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، يكرهون أن يطلب منهم الدعاء، ويقولون: أأنبياء نحن؟ فدل على أن هذه المنزلة لا تطلب إلا من الأنبياء) فأنت كلما رأيت أخاك تقول هل: ادع لي، ادع لي، هذا ليس بحسن، وأخرج ابن جرير عن سعد بن أبي وقاص أنه لما قدم الشام أتاه رجل فقال له: استغفر لي، وكان سعد مجاب الدعوة، فقال له سعد: ((غفر الله لك))، ثم أتاه آخر، فقال: استغفر لي، فقال له: ((لا غفر الله لك، ولا غفر الله لذاك، أنبي أنا؟)) فلما خرجت فلتة من ذاك الرجل قال: ((غفر الله لك))، ولما تزاحم عليه الناس قال: ((لا غفر لله لك ولا غفر الله لذاك، أنبي أنا؟)) ففهم سعد، كما قال الشاطبي في الاعتصام قال: (فهم سعد من هذا الرجل أمراً زائداً وهو أن يعتقد فيه أنه مثل النبي، أو أنه وسيلة إلى أن يعتقد فيه مثل ذلك، أو يعتقد أن طلب الدعاء سنة تلزم، أو تجري في الناس مجرى السنن اللازمة فمنع سعد ذلك)، ففي مثل هذه الصورة لا يجوز طلب الدعاء، أما من غير هذه الأمور فلا أرى فيها حرجاً.
وأخرج ابن جرير عن زيد بن وهب، أن رجلاً قال لحذيفة: استغفر لي، فقال له حذيفة: ((لا غفر الله لك))، ثم قال حذيفة: ((هذا يذهب إلى نساءه فيقول: استغفر لي حذيفة أترضين أن يدعو الله أن يجعلك مثل حذيفة؟)) فكره حذيفة أن يشتهر هذا الأمر ،وأن يعتقد في حذيفة ما لايدعيه، وقد أسند ابن جرير عن ابراهيم التمعي، قال: (كانوا يجتمعون فيتذاكرون فلا يقول بعضهم لبعض استغفر لي) أي الصحابة، وأسند الخطيب في كتاب "التلخيص" عن عبيد الله بن أبي صالح قال: (دخل علي طاووس يعودني فقلت له يا أبا عبد الرحمن ادع الله لي) فقال: (ادع لنفسك فإن الله عز وجل يجيب المضطر إذا دعاه)، فأن يترك الإنسان الدعاء لنفسه، ويطلب من غيره وأن يجري هذا الطلب مجرى السنن اللازمة، ويعتقد فيمن يطلب منه الدعاء اعتقاداً زائداً، فهذه كلها عوارض ولوازم، تجعلنا نقول: إن هذا الطلب على هذا الحال وهذه المواصفات ممنوع.
وقد أجمل ذلك شيخ الإسلام في كتابه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" فقال: (ومن قال لغيره من الناس ادع لي أو أدع لنا، وقصد بأن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء، وينفع هو أيضاً بأمره، ويفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير فهو مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤتم به، ليس هذا من السؤال المردود، وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته، لم يقصد نفع ذلك، والإحسان إليه فهذا ليس من المقتدين بالرسول صلى الله عليه وسلم، المؤتمين به في ذلك، بل هذا من السؤال المرجوح الذي تركه إلى الرغبة إلى الله وسؤاله ، [وقد وقع تحريف هنا في كل الطبعات إلا طبعة الشيخ ربيع، فوقع بدل وسؤاله ورسوله، وهذا خطأ فالرغبة لا تكون إلا لله]، أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله، وهذا كله من سؤال الأحياء الجائز المشروع) فينظر للقائل: أدع لي، إذا كان يأمره بعبادة وطاعة فهذا فيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا كان مقصوده طلب حاجته فهذا من السؤال المرجوح، والمطلوب أن تسأل الله حاجتك وألا تسأل غيره.
وأما حديث (( لاتنسانا يا أخي من دعائك)) لم يثبت ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما حيث النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لأبي بكر وعمر: {إن رأيتما أويساً القرني فاسئلاه أن يدعو لكما}، والحديث الظاهر منه أنه حسن، رغم أن الإمام مالكاً كان ينكره، وكان يقول: لا يوجد أويس، والحديث فيه إلمامة إلى أن هذا أمر خاص بأويس، فلم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم، من أحد أن يدعو لأحد إلا لهذا الرجل، لأنه عرف باستجابة دعوته، وأما من عداه فما أدرانا أنه مثله؟ والأصل في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأمثالهما أن الذريعة مسدودة في حقهم بأن يتجهوا للمخلوق وأن ينسوا الخالق، أما من عداهم فهذا الفساد يلحق بهم.
فإذا سلمت المحاذير مما ورد في كلام ابن تيمية والشاطبي فلا أرى حرجاً، والذي أنكره كثرة الطلب، وأن يكون ذلك شعاراً للإنسان كلما التقى آخر يقول له: أدع لي أدع لي، وهذا لا يدعو وهذا لا يدعو، فأصبحت كأنها شعار ملاقاة بدل السلام عليكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السؤال 361: هل هناك فرق بين أهل الكتاب والملحدين والوثنيين، في كفرهم، وهل أهل الكتاب مخلدون في النار؟
الجواب: من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبلغته الدعوة، ولم يؤمن به فالجنة عليه حرام، وهو مخلد في النار، وربنا عز وجل كفر من قال: إن الله ثالث ثلاثة، ومع هذا فقد خص اهل الكتاب بحل طعامهم وبحل المحصنات من نسائهم، فأهل الكتاب اليوم من سمع برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يستجب لدعوته خالد مخلد في النار، لكن بما أنه من أهل الكتاب فله حكم خاص به، يخص به عن سائر أحكام المشركين، فالله الذي كفرهم والله الذي فرق بين المشركين والذين أواتوا الكتاب.
أما من حيث إقامة الحجة على كل كتابي في الدنيا فهذا فيه تضييق، والقول بمجرد السماع بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولو سألت الذي سمع به من محمد؟ ويقول لك اسم مدينة مثلاً، فلم يتحقق السماع، فمن بلغه الإسلام، وعلم أن هناك نبي، اسمه محمد وجاء يشرع، فيجب عليه أن يدرس هذا الشرع، ويجب عليه أن يتطلبه، ونحن لا نتوقف في تكفير أهل الكتاب حتى نقيم على كل واحد منهم الحجة، فالإسلام والشرع ظهر وبلغ كل الناس، ولكن هناك آحاد من الناس ربما يموتون وهم يبحثون عن الحق ولا يعرفونه، وقد بذلوا ما يستطيعون، فهؤلاء أمرهم إلى الله عز وجل، وقد يلحقون بمن يمتحنون بعرصات يوم القيامة، والله أعلم..
السؤال 362: هل تصح نسبة كتاب الكبائر إلى الإمام الذهبي؟
الجواب: كتاب الكبائر قطعاً للإمام الذهبي، وقد وقفت على اكثر من نسخة خطية، وواحدة منها في الظاهرية، نقلت من خطه، لكن الكتاب المطبوع والموجود في السوق، الذي فيه خرافات وقصص وحكايات فهذا كتاب مكذوب على الذهبي.
كتاب الذهبي كتاب نظيف، وأضعف ما فيه بعض أحاديث انفرد فيها الحاكم ،وقال فيها الذهبي: (وهو حديث صحيح رواه الحاكم والتصحيح على عهدته)، فهذا أضعف ما ورد في الكتاب، أما الكتاب الموجود في السوق، وفيه أحاديث من امثال: ((تارك الصلاة يبتلى بخمس عشرة خصلة، خمسة في الدنيا، وخمسة في البرزخ، وخمسة في الآخرة....)) فأذكر منذ أكثر من عشرين سنة قرأت كتاب الذهبي وبعد فترة ليست ببعيدة، قرأت في "ميزان الاعتدال" وهو للذهبي، فيذكر ترجمة راو من الأحمدين، فيقول عنه: (وقد ركب حديث تارك الصلاة يبتلى بخمس عشرة خصلة، وقال : لا يروج ذلك إلا على حمار) فقلت كيف يروج ذلك على الذهبي في كتاب "الكبائر" فهذا الحديث لا يروج إلا على بليد لا يعرف الحديث والنقد الحديثي، فاستغربت ذلك، حتى امتن الله علي وعرفت المخطوطات، وكنت حريصاً يومها أشد الحرص أن أقف على مخطوطة الذهبي فعلمت أن منه نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق، فحصلت النسخة وقابلت عليها فوجدت أن الكتاب المطبوع هذا فيه أربع أخماس حشو وكذب وزيادة على كتاب الذهبي، وهو مليء بالموضوعات والكاذيب والخرافات.
والذهبي إمام ناقد وهو القائل: (وأي خير في حديث اختلط صحيحه بواهيه وأنت لا تفليه ولا تبحث عن ناقليه) فهو امام صاحب تحقيق، وكتابه مختصر يقتصر فيه على الحاديث وجلها صحيحة، أو حسنة، والضعيف فيه قليل، وضعفه يسير، ونقلها من باب الترغيب والتريب وقال فيها العهدة، على الحاكم الذي صححها، والحاكم عنده تساهل في التصحيح، والكتاب الآخر المطبوع الكبير فهذا كذب وافتراء على الذهبي ولا يجوز نسبته إليه، ولا يجوز قرائته إلا لمن يميز بين الصحيح والضعيف والغث والسمين، والله أعلم.
السؤال 363: ما رأيك في سيد قطب؟
الجواب: سيد قطب أخطأ فيه اثنان، واقول هذا عبادة، وأعبد الله عز وجل فيما أقول: فقد أخطأ في سيد قطب من كفره، وقد عامله وحمل عباراته ما لايخطر بباله ولواحد كتاب في تكفير سيد قطب، وهذا ظلم له، فمن الظلم له أن نحمل ألفاظه ما لا يخطر في باله، بل من الظلم لسيد قطب أن نعامله وأن نحاكم ألفاظه وعباراته بعبارات واصطلاحات العلماء، وإنما نحاكمها بعبارات واصطلاحات الادباء، وهناك فرق كبير بين الأمرين.
سيد قطب في كتبه يقول عن ربنا عز وجل "ريشة الكون المبدعة" ويقول أيضا ًعن ربنا "مهندس الكون الأعظم" فيا ترى لما يقول سيد عن ربنا الريشة المبدعة، هل يظن سيد أن الله ريشة؟ وهل يظن انه مهندس عنده أنه مهندس عنده أدوات هندسية؟ قطعاً لا، فمن يكفر سيد لأنه يظن أن سيد يعتقد أن الله ريشة، هذا ظلم لسيد قطب، ولذا من كفر سيد قطب فإنه يحاكم ألفاظه باصطلاحات العلماء، وسيد قطب من الأدباء وليس من العلماء، ولو نفهم فقط هذا الأمر لارتحنا، وهذا يقصر علينا مسافة واسعة، وهذا فريق غلا في الحط على سيد.
وعندنا فريق آخر اعتبر سيد قطب منطقة محرمة، والويل كل الويل لمن تكلم عليه، فيقول : سيد فعل وفعل.... نقول: ما فعله له، ونسأل الله أن يتقبله وهو أفضى إلى أحكم الحاكمين.
لكن الخطورة فيما كتب وفيما كتب أشياء ينبغي أن تقوم، وأوجب الواجبات في تقويم ما كتب يلقى عاتق أخيه الأستاذ محمد قطب، وياليت محمد قطب يطبع كتب أخيه وفي هوامشه تعليقات فيها بيان لأخطاء سيد قطب، ويبين أنه ليس مراده كذا وكذا، فحينئذ نرتاح من غلو الكافرين ونرتاح من تاويل المأولين الذين لا يريدون أن يقولوا إن سيد قد وقع في كلامه خطأ، وانا أرى أن هذا واجباً فمهما كتب العلماء في أخطاء سيد قطب، تبقى كتبه شائعة، ولا يصل التقويم الذي كتبه أهل العلم، من أمثال الشيخ ربيع وغيره، بلغة العلم ونقد العلماء، لا يصل إلى كل الناس، لاسيما المعجبين بسيد قطب.
فسيد قطب كتب بعاطفة ،وكتب بتجوز، وكتب بعبارات الأدباء، فوقعت في كتبه أشياء مرودوة، مرفوضة بلغة العلماء. ونحن نتكلم عن التوحيد فسيد ينكر ان يكون الله استوى على عرشه، ويقول استوى بمعنى استولى، وهذا خطأ كبير، بل ينكر العرش ويأوله ،ويوجد في كتب سيد قطب عبارات شديدة حول الصحابة، لاسيما عمرو بن العاص ومعاوية، فمثلاً في كتابه "كتب وشخصيات" (242) يقول: (وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لايملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل)، فهذه عبارات خطيرة جداً، في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقولها من يعرف العقيدة، ويعلم أن الواجب علينا أن نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكما جاء في الحديث: {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا}، أما أن يوصف معاوية وعمر بالكذب والغش والخديعة فنبرأ إلى الله من هذا، وفي كتابه "العدالة الاجتماعية" (172) يصف حكم الخليفة الراشد عثمان بأنه فجوة بين حكم أبي بكر وعمر وبين علي، وفي ص 159، يقول عن حكم عثمان: (تغير شيء ما على عهد عثمان، وإن بقي في سياج الإسلام)، بل يقول: (جاء علي ليرد التصور الإسلامي للحكم إلى نفوس الحكام والناس) فكأن عثمان ما كان يحكم بالإسلام، وهذه عبارات شديدة لا نرضاها.
فمن يكفر سيد قطب مخطئ، ومن يسوغ ويبرر لسيد أخطاؤه مخطئ، وينبغي ان نكون جريئين كي لا نجرئ السفهاء، على سيد، فنصرح ونقول: هذا خطأ وهذا خطأ ومراده كذا كي تكون حجراً في وجه من يكفر سيد قطب، ونضع الأشياء في اماكنها ففي سيد غلو في الحب وغلو في البغض، وكثير من شباب اليوم للأسف يتعلمون دين الله وينشأون على كتب سيد قطب، وكتب سيد قطب لا يوجد فيها علم شرعي، فيها خواطر وعواطف وأدب، وليس علماً شرعياً، فالأصل في الشباب أن يتأصلون في العلم الشرعي، من خلال كتب الأئمة والفقهاء والعلماء، فينبغي أن يكون الإقبال على الكتاب والسنة وهذا ما عندي في هذه المسألة وفقني الله وإياكم للخيرات وجنبني وإياكم الشرور والمنكرات.
السؤال 364: ما صحة هذا الحديث وما معناه: {يؤجر المسلم في كل شيء إلا في شيء يضعه في التراب}؟
الجواب: الحديث صحيح وثابت في صحيح الإمام البخاري، فقد أخرجه برقم 5672، بسنده إلى خباب بن الأرت –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب}، وفي رواية عند الترمذي قال: أو قال {البناء}.
وهذا محمول على ما زاد عن الحاجة، فما لابد منه مما يقي الحر والبرد فيؤجر صاحبه عليه، وأما ما زاد عن الحاجة فهذا لا يؤجر صاحبه عليه، وفي رواية عند الطبراني في "الأوسط" عن أبي بشر الأنصاري: {إذا أراد الله بعبد سوءاً أنفق ماله في البنيان}، فإنفاق المال في البنيان ليس بمحمود، لاسيما التوسع في ذلك، والله أعلم.
السؤال 365: إذا تعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم، مع فعله، هل نقدم القول أم الفعل؟
الجواب: من المعلوم أن تقديم القول هو المسلك المتبع عند جماهير العلماء، لأن الفعل يعتريه الخصوص، ويعرف هذا بالاستقراء، والقول عام ،والفعل يعتريه نوع الخصوص فالقول مقدم على الفعل غالباً، والله أعلم..
السؤال 366: إذا زالت السترة من أما المصلي فإنه يتقدم إليها أو إلى غيرها، ما الدليل على ذلك ومن قال به من أهل العلم؟
الجواب: قال به مالك وغيره من أهل العلم، وبينت ذلك في كتابي "القول المبين في أخطاء المصلين" وأما الدليل فالعمومات من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يصلين أحدكم إلا إلى سترة وليدن منها}، أي يقرب، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأرادت شاة أن تمر بين يديه فتقدم حتى ألصق بطنه بالجدار، ومرت الشاة من خلفه، فينبغي للإنسان أن يكون حريصاً.
والناس يعتقدون أن الحركة في الصلاة بمحمودة، بل البعض يعتقد أن ثلاث حركات في الصلاة تبطلها، وهذه خرافة نبهنا عليها من قبل، فإن ترتب على الحركة إتمام وتحسين للصلاة فهي محمودة، فلو كان رجل يصلي ،في ممر الناس فتحرك خطوة وابتعد عن ممر الناس، حتى يصفو ذهنه، فهذا تقدم محمود، والأصل في الحركة الكراهة، لحديث عبادة بن الصامت في صحيح مسلم: {اسكنوا في صلاتكم}، لكن إن ترتب على الحركة القليلة في الصلاة تحسين فهذا محمود.
والضابط بين القليل والكثير في الحركة في الصلاة العرف فما يعرف أنه قليل فهو قليل، وما يعرف أنه كثير فهو كثير ،وقلنا بالقليل لأن الأصل في الصلاة أفعال مخصوصة، والإنسان إن أدخل شيئاً في الصلاة لحاجة وضرورة، فعليه أن يقل، لأن ليس هذا لأصل، والأصل في المسبوق أنه ليس بمأمور بالسترة، لكن إن ترتب على الحركة شيء مطلوب كفتح طريق للناس، فيتحرك قليلاً ليتفرغ ذهنه ويحسن صلاته.
السؤال 367: مسافر دخل في الصلاة خلف مقيم في التشهد الأخير أيتم أم يقصر، وما الدليل؟
الجواب: ثبت عند أحمد وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سنة عن إتمام المسافر خلف المقيم، فقال: ((تلك سنة أبي القاسم)) وقول الصحابي: تلك سنة أبي القاسم حجة، وحجيتها ودلالتها كحجية ودلالة الحديث المرفوع، فلما حكم الرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالواجب على المسافر إن صلى خلف مقيم، سواء أدرك ركعة أم لم يدرك، أو أدرك شيئاً أو أدرك الصلاة من أولها فالحكم واحد، ومن فرق هو يحتاج للدليل على التفريق، فالأصل أن نستصحب الحديث بجميع صوره وحالاته ولو أدرك ركعتين من رباعية فعليه الإتمام.
السؤال 368: جاء في دعاء المسافر: {أنت الصاحب في السفر}، هل الصاحب من أسماء الله تعالى؟
الجواب: لا، الصاحب في السفر هذه صفة، وليست اسماً من أسماء الله عز وجل، ولا يجوز لأحد أن يدعو ويقول: يا صاحب، أو يسمى عبدالصاحب، فالأسماء يسأل بها الله عز وجل ويتعبد بها، أما الصفات فلا.
السؤال 369: جاء في الحديث: {يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود}، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعائشة بين يديه، كيف نجمع بينهما؟
الجواب: ثبت في صحيح مسلم أنه يقطع الصلاة ثلاث ومن بينها المرأة الحائض، والمراد بالحائض البالغ، وليس المراد أنها حائض حال مرورها، إذ يتعسر معرفة ذلك، والراجح من أقوال العلماء أن المرأة الحائض إن مرت بين رجل وسترته وليس من بعد سترته أنها تبطل صلاته.
أما أن يصلي الرجل والمرأة بين يديه فيجوز ذلك كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة، لكن لا يجوز المرور منها بين يديه فكل نص نضعه في موضعه، ولا نشوش على النصوص بعضها ببعض، والله أعلم..
369: هل هذا الحديث {رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر}؟
الجواب: هذا ليس بحديث، ويقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم، رجع من معركة فقال هذه المقولة، ويزعمون أن الجهاد هو جهاد النفس، وأن الجهاد الأصغر هو جهاد المعركة، وهذه المقولة قالها تابعي شامي اسمه إبراهيم بن أبي عبلة، أسندها عنه النسائي في كتابه "الكنى" وهو مفقود فيما أعلم، وأورد إسناد النسائي المزني في ترجمة إبراهيم في كتابه "تهذيب الكمال" فهذه مقولة تابعي وليست حديثاً نبوياً.
السؤال 370: في أحد المقررات الشرعية في فلسطين تعريف السنة بأنه ما ورد عن الرسول والصحابة من قول أو فعل، ما صحة هذا الكلام، وهل فعل الصحابي من السنة؟
الجواب: قول الصحابي الذي له حكم الرفع للنبي صلى الله عليه وسلم له قيود، وهذا الإطلاق الموجود في التعريف فيه توسع، وهو غير مرضي، فالصحابي إن صح القول عنه في الأمور الغيبية التي لا تدرك بالرأي ولا تعرف بالاجتهاد ولم يعرف عنه أخذ عن أهل الكتاب فقوله هذا له حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة في بعض المسائل متعارضة ونعرف أقوالاً للصحابة أنكرها آخرون.
وبعض الصحابة أخذ عن أهل الكتاب كعبدالله بن عمرو، وابن عباس التقى بمن يأخذ عن أهل الكتاب وسمع منهم، فيعامل كمعاملة عبدالله بن عمرو بن العاص الذي وقعت له صحف في أجنادين فكان يروي منها، وأبو هريرة كابن عباس التقى ببعض من أسلم من اليهود، وكانوا يتناظرون بل التقى أبو هريرة بكعب الأحبار يوماً كاملاً وهو يقص عليه من أخبار بني إسرائيل، فأصبح حكمه كحكم من يأخذ عن بني اسرائيل.
والحاكم في "المعرفة" يقول: إن تفسير الصحابي له حكم الرفع، وأنكر ذلك عليه بكلام فيه إطالة، وهو مشبع ممتع، ابن حجر، في "النكت على ابن الصلاح" وبين أن هذا الكلام ليس على إطلاقه، فقد يجتهد الصحابي فيفسر آية بناءاً على ما يعلم من العربية، وكم من صحابي فسر بعض آيات القرآن وأورد أشعاراً في أثناء تفسيره وقد تقع الإصابة وقد لا تقع، فإذا كان قول الصحابي في القرآن ليس كله له حكم الرفع، فما بالكم فيما عداه من الأحكام الفقهية، والاجتهادات؟ وسئل ابن مسعود يوماً عن مسألة فعلقها شهراً، وبقي يطلب من السائل أن يتردد عليه شهراً كاملاً،حتى فتح الله عليه وانشرح صدره، لقول فيها، فلما أفتاه في مجلس قال بعض من في المجلس: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي بما قلت، وفرح ابن مسعود فرحاً شديداً.
لذا من أسباب اختلاف الفقهاء أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، تفرقوا في الأمصار، والسنة تفرقت معهم، فبعضهم ذهب للشام وبعضهم ذهب للكوفة، وبعضهم للبصرة، وبعضهم نزل اليمن وبعضهم نزل مصر، وسئلوا عن مسائل النبي سئل عنها، أو قال فيها، فقد يكون بعضهم اجتهد فيها ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرف الحديث، فمن في البصرة، مثلاً، قال يقول النبي صلى الله عليه وسلم، ومن في الكوفة اجتهد فلم يقصد الصحابي إن قال قولاً يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد أن يعارض النبي صلى الله عليه وسلم معاذ الله، وإنما اجتهد عند الاضطرار.
ولذا بما أن الحق موزع بين الصحابة، فالحق أصبح موزعاً بين التابعين، ثم بقي موزعاً بين أتباعهم حتى وصل الأمر للأئمة الأربعة، فالأئمة الأربعة أئمتنا ونحبهم، ونتبرأ إلى الله ممن ينتقص أو يطعن فيهم، لكننا لا نقول أن أقوالهم كلها حق، فكما أن الحق توزع مع من قبلهم فأيضاً توزع الحق فيهم، ولسنا ملزمين في دين الله عز وجل، أن نتبع واحداً منهم، ونحن نبحث عن الحق، لاسيما أن أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي كانوا بعد الأئمة الأربعة، والأحاديث التي تفرقت في الأمصار جمعوها ودونوها وأصبح الباحث عن السنة والحق الأمر عنده ميسور.
ومخطئ في هذا الأمر اثنان ، مخطئ من ينتقص الأئمة الأربعة، ومخطئ من يقول: يجب أن نتبع واحد منهم، والصواب أن نعترف بقدرهم وأن نعرف أنهم اجتهدوا وبذلوا أقصى ما يستطيعون، ووصلوا الليل بالنهار، في البحث عن الحق فمن وفق إليه فله أجران، ومن لم يوفق إليه منهم فله أجر، وبذل الذي يستطيع، والواحد منا إن بلغه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف قول إمام معتبر فليقل كما قال شيخ الإسلام في "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" : (هذا الإمام معذور، بتركه لهذا الحديث، وأنا لا يجوز إلا أن أتبع الحديث، ولا يجوز لي أن أقلد هذا الإمام) والله أعلم..
السؤال 371: ما حكم الكل بالأيدي دون الملاعق؟
الجواب: الأكل باليد هذه هو هديه صلى الله عليه وسلم، وهدي صحبه، والأكل يكون باليمين على وجه الوجوب، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، رجلاً يأكل بشماله أن يأكل بيمينه، فقال: لا أستطيع، قالها كبراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {ما استطعت}، فما استطاع بعدها أن يرفع يده إلى فمه، وليس في هذا غلظة ولا شدة، فلو أن رجلاً قال اليوم لرجل: النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، ولم يستجب، فأنبه أو دعا عليه، لاسيما إن كان الرد بسبب الكبر لا بسبب التأويل أوالخلاف المعتبر، لكان لهذا وجه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاثة أصابع، وهذا هو الخير وهو البركة، وأما الأكل بالخمس فهو الشره، وليس من السنة، وقد وجدت كلاماً لابن قتيبة في كتاب بعنوان "تفضيل العرب على العجم" أو "الرد على الشعوبيين" رد فيه على من يفضل العجم على العرب بقولهم: إن العجم يأكلون بالملاعق والسكاكين، وأن العرب ياكلون بأيديهم، ومن يأكل بالملعقة والسكين فهو أرقى ومتقدم اكثر ممن يأكل بيده، فأولى ابن قتيبة هذه الشبهة بكلام جيد فقال في كتابه: (وأما أكلهم بالسكين فمفسد للطعام، منقص للذته، والناس يعلمون، إلا من عاند منهم، وقال بخلاف ما تعرفه نفسه، أن أطيب المأكول ما باشرته كف آكله، والتقذر من اليد الطاهرة ضعف وعجب، وأولى من التقذر باليد البلغم واللعاب الذي لا يسوغ الطعام إلا به، ويد الطباخ والخباز تباشره، والإنسان ربما كان منه أقل تقذراً وأشد أنساً)، فإن كان لا بد من التقذر، فتقذر من يد من باشر الطهي والخبز والعجن.
فأكل اليد فيه لذة، وهو السنة، لكن لا يكون بشره، إنما يكون باليمين بثلاث فحسب، ومن لم يحسن الأكل بثلاث، ولم يستطع إلا بالخمس، فاستخدام الملعقة تقللاً من الشره أقرب للسنة من استخدام الخمس في المعنى لا في اللفظ، فمثل هذه المسائل ينظر فيها للمعنى، والأحسن قطعاً وقولاً واحداً في الدين والدنيا الأكل باليد، لكن على الحال الذي أكل به صلى الله عليه وسلم من غير شره، والله أعلم..
السؤال 372: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات؟
الجواب: مذهب أهل السنة وسط بين الجافي والغالي، وأهل السنة والجماعة، وعقيدة السلف الصالح في صفات الله عز وجل، أنهم يؤمنون بما أثبته الله عز وجل، لنفسه في كتابه، أو ما صح عن نبيه صلى الله عليه وسلم، في سنته، وربنا يقول: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}، فبعد أن نزه الله عز وجل نفسه عن كل نقص أثنى على أنبيائه، لأن أنبيائه أعلم بالرب والمعبود، والإله سبحانه من غيرهم، فهم لا يصفون ربهم إلا بما يستحق، فنؤمن بما جاء في كتاب الله وبما جاء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما ورد من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تأويل ولا تعطيل.
وما ورد في الكتاب والسنة فعلى العين والرأس وذلك على حسب قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، وهي قاعدة كلية في الأسماء والصفات، فما أثبته الله عز وجل نثبته، ولا يجوز أن نقول: ليس مراد الله كذا، إنما مراد الله كذا، لأننا إن قلنا فمعنى ذلك أن هذا المراد قد شبهناه بالمخلوق، فما أولنا وما حولنا اللفظ عن ظاهره إلى غيره إلا لما قام في أذهاننا تشبيه والأصل أن الله عز وجل حق غيب نؤمن به على وفق ما ورد دون إعمال العقول، فالعقل دوره التسليم للنص، ويبحث عن صحة النقل فإن ثبت فالعقل ينبغي أن يستسلم، ولا يجوز للعقل أبداً أن يخضع الله عز وجل إلى القواعد التي عنده، فالله غيب نؤمن به كما ورد، فربنا يقول: {يد الله فوق أيديهم}، فلله يد، كيف اليد؟ معاذ الله أن نخوض في ذلك، فإنه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
وهذه الآية تفيدنا أصلين مهمين، الأصل الأول أن ما يخيل إليك من قبل الشيطان أن الله على نحو كذا أو كذا، فاضربه بقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}، فالله عز وجل، على خلاف ما يخطر في البال، وينسج في الخيال، فكل ما يخطر ببالك فالله على خلافه، لأنه {ليس كمثله شيء}.
ومن باب الفائدة بالآية؛ علمنا ربنا أن نجمل في النفي، لما ننفي النقص عن ربنا، فليس من الأدب معه سبحانه أن نفصل في النفي، ومن الأدب معه سبحانه أن نجمل في النفي، ومن الأدب مع الله جل في علاه، أن نفصل في الإثبات لأن الله قال: {وهو السميع البصير}، فالنفي مجمل والإثبات مفصل، فليس من الأدب مع الله أن نقول: إن الله ليس بلحم، ليس بدم، ليس الله بكذا، كما يقول المعتزلة والفرق الضالة، فهم يفصلون في النفي، ويجملون في الإثبات وهذا على خلاف القرآن، والقرآن يعلمنا أن نجمل في النفي وأن نفصل في الإثبات فلا يجوز أن نعطل صفة ولا أن نؤلها ولا أن نشبهها ولا أن نخرجها عن لفظها، فمثلاً يقولون في قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم}، أي قدرة الله عز وجل، نقول: نحن لا ننكر أن قدرة الله فوق قدرة البشر جميعاً، لكن ننكر أن يكون المراد بالآية اليد هي القدرة، ولذا لما امتنع إبليس من السجود لآدم قال له تعالى: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}، فلو كان المعنى بقدرتي لقال الشيطان: وأنت يارب خلقتني بيديك، فإن الشيطان خلق بقدرة الله، فإذن خلق الله آدم بيده على الحقيقة، وكيف ذلك؟ لا ندري كيف هي ونفوض أمرها إلى الله.
والصفات من المتشابهات إن أريد بها الكيفية وإن أريد بها المعنى فهي ليست من المتشابهات، وإنما من المحكمات، ذلك أن التشابه في الذوات يقتضي التشابه في الصفات، والتشابه في الصفات لا يقتضي التشابه في الذوات، فلو أخذنا صفات متعددات ونسبناها إلى ذوات مختلفات لاختلفت الصفات باختلاف الذوات، فكيف وذات الله ليست كذاتنا، ولنأخذ صفة الرأس، مثلاً، ونقول: رأس جبل، رأس إبرة، فاختلفت الصفة باختلاف نسبتها إلى موصوفها، فاختلفت الصفات باختلاف الذوات، فكيف لما تكون ذات الله عز وجل، ليست كذاتنا، وبالتالي فصفاته ليست كصفاتنا.
ومن عطل صفات الله فهو في الحقيقة يعبد عدماً، وسيخرج في النهاية إلى ذات ليس لها وجود في الخارج وإنما وجودها في الذهن وهذا يفتح علينا باب الإلحاد، والقرمطة والعياذ بالله، ومن اعتقد في صفات الله أنها كصفات البشر، هو في حقيقة أمره يعبد صنماً.
وبعض الناس يقولون: نحن نثبت الصفة، كاليد مثلاً، لكن لا نعرف معناها وهذا يلزم منه أن الله أنزل على جبريل كلاماً جبريل لا يعلمه، وأنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً ومحمد صلى الله عليه وسلم لا يعلمه، فمن فوض المعنى ولم يفوض الكيفية فهذا مذهب ضلالة، لأن لازم ذلك أن جبريل قال صوتاً ما علم معناه، وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ولم يعلم معناه، وأصبحت يد الله كأي صفة أخرى، ولما تأتي صفات متغايرات لذات الله عز وجل فإنه يقوم في الذهن أن لهذه معنى ولهذه معنى، وأن هذه غير تلك، وهذا ينقض أصل القول: بأن الأصل تفويض المعنى، لأنه يقوم في ذهن العاقل أن هناك تغاير بين الصفات لما تأتي متغايرات في الكتاب والسنة.
إذن نؤمن بما ورد في كتاب الله وبما ثبت في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على النحو الذي ورد، ولا نعطل ولا نشبه ولا نكيف ولا نتخيل، والله على خلاف ما يخطر في بالنا، أما إن أردت ربك ومعبودك أن يدخل في عقلك هذا أمر لازمه أنك ما عرفت ربك حق معرفته، وما قدرته حق قدرته، وجاء رجل ملحد إلى أبي حنيفة، وبدأ يسأل عن ذات الله عز وجل، وكانا يجلسان على نهر الفرات، فأخذ أبو حنيفة رحمه الله يحفر حفرة صغيرة ويأخذ من ماء النهر ويضع في الحفرة، فيتكلم الملحد وأبو حنيفة يتشاغل عنه، فقال الملحد: يا هذا انقطعت في المناظرة وسقطت حجتك وليس لك كلام، أنا في ملذا وأنت في ماذا؟ فقال له أبو حنيفة: أنا أريد أن أنقل نهر الفرات في هذه الحفرة، فقال الملحد له: إنك لمجنون، فقال أبو حنيفة: هذا أنت إن عجزت أن تنقل هذا النهر في هذه الحفرة وأنت تريد مني أن أجعل ربي ومعبودي في عقلك!
فالرب حق نؤمن بأسمائه وصفاته على ما ثبت في الكتاب وصحيح السنة، ونمسك ولا نستفصل، كما ثبت نقول هو ثابت في كتاب ربنا، على مراد ربنا، من غير تعطيل ولا تخييل ولا تمثيل فهذا مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات ومن أول شيئاً فهو خارج عن أهل السنة والجماعة ولا يلزم من التأويل الكفر فالذين يؤلون من أهل القبلة لا من أهل السنة ، والله أعلم .
السؤال 373: ما دلالة الحديث: {إن أبي وأباك في النار}؟
الجواب: هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين ابي؟ فقال: {أبوك مع أبي}، فولى، فقال الناس: إنه يزعم أن أباه في النار، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أين أبوك وأبي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي وأباك في النار}.
هذا الحديث بعض الناس أنكره، وبعض الناس أخرجه عن ظاهره، ونحن لا نحب الحديث في هذا الباب لأنه لا ينبني عليه عمل ،لكن حبنا لنبينا صلى الله عليه وسلم حب شرعي لا حب عاطفي، فنحن نحب نبينا من خلال النصوص وليس حبنا له لنتغزل بشكله وجماله، فحبنا له أن ننشر سنته وأن نتعلمها وان نعلمها هذا هو الحب الشرعي.
أبو إبراهيم عليه السلام فيما أخبر القرآن، {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}، فجعلها كلمة باقية في عقب إبراهيم وأتباع إبراهيم إلى يوم الدين، يقولون لآبائهم وأقربائهم وأقوامهم إن كفروا وحادوا إننا براء منكم، فما الداعي لإخراج هذا الحديث عن ظاهره؟ هي العاطفة والأصل أن تدور العاطفة مع الشرع، وقد صح من حديث ابن مسعود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن الله له، ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لها فلم يؤذن له، والحديث على ظاهره.
هنالك أحاديث أن الله قد أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به، ثم مات مباشرة، وهذه الأحاديث لا اسانيد لها، كما قال السهيلي في "الروض الأنف" والعجب من أقوام يتركون الحديث الثابت في صحيح مسلم، ويعلمون بأحاديث لا أصل لها، ثم يقولون: العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد، لكن تثبت بالخرافات والأحاديث التي لا أسانيد لها، وهي كلام قصاص ما أنزل الله بها من سلطان، وما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا ربنا أن ذلك كان مع أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، فمن استنكر هذا فليستنكر ذاك، والشرع في كل مسألة لها أشباه ونظائر، فهذا الحديث شبيه بمسألة في القرآن فلا يستنكر ذلك، إلا من جمحت به العاطفة ومن لم يدور مع النصوص الثابتة، واعمل الخرافة، والله أعلم.
السؤال 374: ما هو افضل كتاب تنصحنا بالقراءة فيه عن قصص الأنبياء عليهم السلام؟
الجواب: خير كتاب فصل أخبار الأنبياء كتاب الله عز وجل ،وذكرت قصص الأنبياء في كتاب الله مفصلة تارة ومجملة تارة، وبينها المفسرون، وما سلم بيان المفسرين من أخبار واهية، أو من إسرائيليات في بعضها يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: {حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج}.
وممن ذكر أخبار الأنبياء بتفصيل ابن كثير في "البداية والنهاية" ثم استل قديماً ما يخص الأنبياء بكتاب خاص اسمه: "قصص الأنبياء" فقصص الأنبياء لابن كثير هو برمته في كتاب "البداية والنهاية" لكن ابن كثير جمع فأوعى، فأكثر الجمع ولم يعتن بالنقد، وجاء الحافظ ابن حجر فهذب كتاب قصص الأنبياء، لابن كثير في كتاب طبع حديثاً لأول مرة سماه "تحفة النبلاء في قصص الأنبياء" فهذب ابن حجر الأخبار، فأسقط الواهي والموضوع ونبه على أشياء، وحوى الأشياء النظيفة والأشياء المكتملة فكان كتابه من حيث النقل من أصفى الكتب.
أما من حيث التحليل والاستنباط والفوائد فقد كتب المعاصرون كثيراً في هذا الباب، ومن خير ما كتب من المعاصرين عندي ثلاثة أولهم محمد أحمد العدوي، في كتاب له اسمهع "دعوة الرسل إلى الله تعالى" له وقفات جميلة، والثاني الشيخ محمد الفقي في كتابه "قصص الأنبياء أحداثها وعبرها" والثالث الشيخ ربيع الوادعي في كتابه "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى" فهؤلاء الثلاثة خير من كتب في قصص الأنبياء من حيث الوقوف على الحكم والموعظة والدروس المستنبطة والمستفادة بعد سرد ما ورد على وجه فيه إجمال والله أعلم..
السؤال 375: عقدت على فتاة متوسطة الجمال، ووافقت عليها أمي في أول الأمر إلا أنها بعد ذلك قالت إنها ليست جميلة ولا توافق عليها، مع أنها تطيعني فيما آمرها به، من أوامر الله عز وجل، فمن أطيع، أمي فأطلقها أم أمسكها؟
الجواب: إن كانت أمك عادلة تقية ورعة ذات علم وذات فهم وتقدير وتعلم ذلك منها، فأطع امك، فقد بدا لها ما لم يبدو لك، وقد يكون من حكمتها ألا تخبرك بما بدا لها. واما إن كانت أمك تبحث فقط عن الجمال، وتريد صفات متميزة، وهي ليست عادلة، وتغلب الدنيا على الآخرة، فلا تطعها، لاسيما إن عقدت عليها، فالطاعة بالمعروف والطلاق مما يحب الشيطان، والله أعلم..
السؤال 376: ما هو الوضع الصحيح في وضع اليدين في الصلاة، على السرة أم غير ذلك؟
الجواب: الأحاديث التي فيها قبض اليمين على الشمال ووضعها تحت السرة في الصلاة ضعيفة ومراسيل ولا يجوز الاحتجاج بها، لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن علي ذلك بأسانيد صحيحة.
السؤال 377: جاء عن الإمام مالك أنه قال عمن يحف شاربه، أرى أن يوجع ضرباً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أحفوا الشوارب} فما الجواب؟
الجواب: نعم من يحلق شاربه يوجع ضرباً، وهي مثلة كما كان يقول الإمام مالك، ومراد الإمام مالك في الإحفاء الحلق بالكلية، ومراد النبي صلى الله عليه وسلم: بقوله: {أحفوا الشارب}، أي خذوا منه وأكثروا من الأخذ، فالإحفاء معنى مشترك بني الأخذ بالكلية والتشديد في الأخذ، كما يقول الإمام ابن عبد البر.
وقد جاءت روايات أخرى فيها: {قصوا الشارب، جزوا الشارب، أنهكوا الشارب}، فرواية أنهكوا تبين لنا الإحفاء الوارد في الحديث، فالمراد الجز والأخذ حتى تظهر البشرة، فمن السنة أخذ الشارب أخذاً شديداً وليس الحلق فإنه مثلة، فالإحفاء الوارد في الحديث غير الإحفاء الوارد في كلام الإمام مالك، وحلق الشارب أسوأ من حلق الليحة ،وحلق اللحية عند الأئمة الأربعة حرام، فكيف بحلق الشارب.
أما ما روي عن عمر بن الخطاب أنه كان لما يقسم يفتل شاربه فهذا يحمل على أن الإنسان لا يضع كل اهتمامه وخلقه في شعره وشواربه، فأحياناً تمر بالإنسان مشاغل وأشياء تجعل شاربه ثخين، لأنه منشغل عن ذلك، كما تمر عليه أوقات لا يصبغ، ولا يكون عقله بالصبغ، لكن من السنة الصبغ بين الحين والحين، ومن السنة حتى تفقد الإنسان نفسه يستقصي شاربه ويأخذ منه شديداً فما تركه عمر عبادة إنما تركه للانشغال وما شابه، والله أعلم.
السؤال 378: المرأة التي عليها صيام شهرين متتابعين, كيف تقضي وهي يأتيها الحيض؟
المرأة التي عليها صيام شهرين متتابعين فجاء عذر شرعي أو عذر حسي فله أن يفطر فإن زال العذر فيجب عليه أن يتابع مع زوال العذر، فإنسان عليه صيام شهرين متتابعين فسافر سفراً معتاداً عليه أو حج، وقد أذن الشرع للمسافر أن يفطر، فله أن يفطر، وهذا عذر شرعي، والعذر الحسي مثل المرض، فيفطر ومتى زال المرض يرجع ويتابع.
والحيض عذر حسي، فامرأة قتلت رضيعها خطأ، فعليها صيام شهرين متتابعين، فجائها الحيض، تفطر، ولما تطهر من الحيض تتابع، ولو أنها أفطرت يوماً زائداً بعد الحيض، فيجب الإعادة من جديد، والمسافر إن أفطر يوماً بعد انقطاع السفر، فيجب الإعادة من جديد، فأيام السفر والحيض تسقط بلا حسبان ثم تصام فيما بعد، وهذا أمر معفو عنه، لا أعرف خلافاً يعتد به في المسألة.
السؤال 379: هل يجوز قتل الضفدع للتداوي؟
الجواب: الأصل في قتل الضفدع الكراهية، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع، أما إذا ما وجد الدواء إلا فيها فهذه ضرورة وإذا وجد ما يسد مسد ما في هذا الضفدع لا يجوز القتل، والله أعلم..
السؤال 380: هل يجوز شراء الذهب بالتقسيط لأجل؟
الجواب: الذهب ينبغي أن يباع يداً بيد مثلاً بمثل، وأحكام النقود كالذهب، والمعتد بهم من الفقهاء، يوجبون الزكاة على النقد، الذي بين أيدينا، لأنها في حكم الذهب فلما تشتري ذهباً بنقود ينبغي أن يكون يداً بيد، فلا يجوز شراء الذهب ديناً، والله أعلم..
السؤال 381: ما حكم من زوج ابنته لرجل لا يصلي أو لرجل يصلي لكن عنده معاصي ظاهرة كترك الجماعة وحلق اللحية والتدخين؟
الجواب: الأصل ألا يزوج المسلم ابنته إلا لصاحب خلق ودين، وينبغي النظر إلى الأمرين مجتمعين، الخلق والدين، فليس الدين فقط، ولا الخلق فقط، وإنما مجتمعين، قال صلى الله عليه وسلم: {إذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض}.
والذي لا يصلي عند بعض أهل العلم كافر، والعياذ بالله، والراجح التفصيل، إن كان جاحداً فكافر، وإن كان متكاسلاً ففاسق، وتزويج الفاسق حرام لا يجوز، لكن النكاح صحيح، ووطئه ليس بزنا، ولكن ولي أمر الفتاة يكون آثماً وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: {من زوج موليته إلى مبتدع فقد قطع رحمها}، فمن يزوج ابنته لفاسق أو مبتدع فهو في حقيقة الأمر يقطع رحمه، فكيف وتارك الصلاة اليوم يستهين بكثير من المحرمات فتارك الصلاة عنده كثير من المحذورات والمخالفات، ولا يقيم وزناًَ للحلال والحرام، فقد يأتي زوجته وهي حائض، وقد يأتيها في الدبر، وقد يستمتع بها على حال غير شرعي، وقد يطلب منها أن تنزع الحجاب، وقد يطلب منها أن تصافح الرجال وغير ذلك، فمن يزوج موليته لمثل هذا يعرضها للإثم والكبائر وإلى أن تفتن في دينها، فيحرم على ولي الأمر أن يزوج ابنته رجلاً ليس بصاحب دين، أو ليس بصاحب خلق، وإن كان من المصلين وصاحب ثوب ولحية ويصلي في الصف الأول، وليس بصاحب خلق لا يزوج.
ويعرف خلقه ودينه بالسؤال والتحري وأعجب من كثير من أولياء الأمور يعرفون إخوة أو أصدقاء يعظمون لأوامر الله ودينه، وعندهم بنات أو أخوات ويبحثون عن غيرهم، وهذا من العجب العجاب، وجاءني مرة شابان من السعودية فقال أحدهما: أريد زوجة من بلاد الشام، وكان الظرف صعباً على إثر أزمة الخليج، التي فرقت الشعوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فألقى الله في قلبي شيئاً فقلت له: يا فلان لماذا تصاحب فلاناً؟ قال: إني أحبه ونعم وصاحب دين وخلق، قلت أترضى أن يكون صهراً لك، قلت للاخر: أ عندك أخت؟ قال: نعم، قلت : أتقبل أن يكون فلان صهرك؟ قال : نعم، فرجعا وتزوج أخت صاحبه في هذا السفر، فأنت قد تتعب وأنت تبحث عن زوجة ،وعندك أخ في المسجد وأنت تحبه وهو يحبك وعنده أخت تناسبك، وهو يتمنى لو أنك طلبت أخته، وليس من العيب أن يعرض الرجل ابنته أو أخته على من يرى أنه صاحب دين، وهذا صنيع الخلفاء الراشدين.
السؤال 382: هل مرور المرأة أو الطفل أو الشاة بين يدي المصلي هل يبطل الصلاة أم أنها لا تكون على الوجه التام؟
الجواب: ثبت في صحيح مسلم: {يقطع الصلاة ثلاث، المرأة الحائض والحمار والكلب الأسود}، فهذه الأصناف الثلاثة إذا مرت بين المصلي وسترته تقطع صلاته، وعلى أرجح الأقوال أنها تبطلها، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله، والمراد بالحائض : البالغ.
وأما ما عدا هذه الأصناف كالصبي والشاة وغيرها، فقد صح عن ابن مسعود قوله: ((إنها تنقص نصف أجر الصلاة)) كما في مصنف ابن أبي شيبة، وقول ابن مسعود هذا موقوف له حكم الرفع، لأنه من أمور الغيب، وقوله هذا يقوي القول ببطلان الصلاة بمرور الحائض والكلب الأسود والحمار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد خصها بالذكر بشيء خاص، والله أعلم.
السؤال 382: هل يجوز أن تقبل أو تؤكل هدية، رجل يعمل في بنك؟
الجواب: يجوز ذلك، لكن من توسع في قبول الهدية ممن يعمل في بنك معظم حق الله عليه تجاهه، فيجب عليه الأمر والنهي والنصيحة بالحسنى.
السؤال 384: هل يجوز أن أدعو إلى الله وأن آمر بالمعروف وأنه عن المنكر، مع أني لا أطيق أعمال الدين جيداً؟ وهل هذا من باب {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم}؟
الجواب: ذكر ابن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس" أن من مداخل الشيطان على الإنسان أنه إن رأى منكراً وكان الرائي يفعله فإنه يقول له: لا تنكر، فقال الواجب على من رأى منكراً وهو يفعله الواجب عليه أمران: أن ينكر حتى يظهر الشرع وتعاليم الشرع، ويزول المنكر ويتأكد في حقه أن يقلع عنه، أما أن تسكت وأنت تفعل المنكر فقد وقعت في إثمين، فإن أمرت وبقيت على المنكر فأنت واقع في إثم، فالواجب أن تنكر وأن تجأر إلى الله كي تتخلص من هذا البلاء،الذي أنت فيه، والله أعلم..
السؤال 385: طالب علم حريص على دروس العلم، وتحصيل العلم الشرعي، فيؤثر ذلك على عمله، وتحصيل لقمة العيش له، ولمن يعول، فما هي حدود ذلك؟ مع إسداء النصيحة لنا للتوفيق بين الأمرين؟
الجواب: هذا أمر من الله عز وجل، فالله يوفق من يشاء لما يحب ويرضى، وربك يخلق ما يشاء ويختار فلا يجوز للإنسان بحجة القراءة وطلب العلم أن يضيع أهله وأن يضيع من يعول، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: {كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول}.
وقلت أكثر من مرة أن الجهاد ليس هو أشق واجب شرعي، وإنما عندي أشق واجب شرعي أن تعطي كل ذي حق حقه، فالزوجة والأولاد لهم حق، والمطلوب من الإنسان أن يجمع بين كل الخير، وأن يكون له نصيب من كل خير، فالعبادة لا تطلق في الشرع فقط على الصلاة والصيام والحج، وإنما أيضاً من سعى ليعف نفسه، ويطعم أهله وحسنت نيته فهذا في عبادة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {وأن يضع الرجل اللقمة في فم زوجته صدقة}، ولذا لم يتسنى لجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينقطعوا للأخذ عنه، وهو رسول الله وسيد المرسلين ،فأبو هريرة كان يقول عن غيره: ((شغلتهم الأسواق)) وكان الصحابة يتناوبون فجمعوا بين إعفاف النفس والعمل وبين الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا حريصين على الخير، ومع ذلك ما ضيعوا من يعولون فمن جلس بحجة العلم وضيع من يعول، فهذا ليس من دين الله في شيء.
ومن يسر الله له تفرغاً ويساراً في الدنيا، أو وسيلة بأقل وقت، وصرف سائر وقته في العلم والعبادة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث نغفل عنه: {نعمتان مغبون فيها كثير من الناس، الصحة والفراغ}، فيا عبد الله إن كنت صحيحاً فارغاً فأنت في نعمة عظيمة وجليلة، فاحرص على هذه النعمة، وطلب العلم اليوم يحتاج إلى شباب وقوة وجلد وسهر، الكبير في فراغ لكنه ليس في صحة، والإنسان الذي عنده نهم لطلب العلم وما عنده فراغ فهذا لم يكتمل له تمام النعمة، والحياة اليوم في دعة وراحة، والوظائف اليوم جلها يبقى لك من النهار الشيء الكثير، لكن العلة اليوم في الهمة، فهمم الناس ضعيفة، ويقينها على فضل العلم الشرعي، حاجته ليست كما ينبغي.
فلا يجوز للإنسان ترك العمل ويجلس وأيضاً لا يجوز للإنسان أن ينصرف عن العلم الشرعي، وعن العبادات وينشغل بالدنيا بالكلية، والسعيد من وضع الأشياء في أماكنها والله الموفق للخيرات والهادي للصالحات.
السؤال 386: هل إذا حصل بين الإنس والجن زواج يكون شرعياً، وهل يستطيعون أن ينجبوا أطفالاً ولأي الفئتين ينتسب الأطفال إذا كان هنالك أطفال؟
الجواب: أما الجن فإن معنى جن في اللغة غطى وغاب، ولذا إذا أخذنا استقاقات جن في اللغة، وجدنا التغطية والغياب هي القاسم المشترك بينها، فتقول جنة إذا غابت تربتها بالحفرة وتقول حجن إذا غطى صدر صاحبه في المعركة، وتقول مجنون إذا غطي عقله، وتقول جنين إذا غطي في بطن أمه، ويقال جِنٌ إذا غاب عن الأبصار.
والجن لا نعرفه معرفة تفصيلية إلا من خلال الأخبار التي ثبتت في الكتاب والسنة، والعقل لا يجوز له أن ينكر الجن ،ومن أنكر الجن بالكلية فيخشى عليه من الردة والكفر، فالقول العصري أن المراد بالجن الفيروسات وما شابه فهذا ضلال، والعياذ بالله.
وربنا قال عن الجن كنا طرائق قدداً فالجن منهم الصالحون ومنهم المفسدون، وطرائق قدداً أي أصحاب مذاهب شتى؛ فكان يقول بعض التابعين: في الجن شيعة وخوارج وأشاعرة، وأهل سنة.
والجن في أصل خلقتهم كما ثبت في "مستدرك الكبير" وعند البيهقي في "الأسماء والصفات" من حديث أبي ثعلبة الخشني، رضي الله تعالى عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الجن ثلاثة أصناف فصنف لهم أجنحة، يطيرون بها في الهواء، وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون}، والجن خلق من خلق الله عز وجل، مكلفون مأمورون منهيون، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وأمرهم ومنهم من استجاب له ومنهم من كفر وضل، والعياذ بالله.
فالجن خلق من خلق الله لا يجوز لأحد أن ينكرهم، ولا يجوز لأحد أن يفصل عنهم بعقله، ولا بتجربته.
أما زواج الجن للإنس فالمتعة حاصلة، فقد يتمتع الإنسي بالجني، والجني بالإنسي، لكن الزواج بالمفهوم الشرعي هل هو حلال؟ لا، والأحاديث التي فيها التصريح بوقوع الزواج من الإنسي للجني، كلها ضعيفة لم تثبت في سنة، بل استنبط غير واحد من الفقهاء من قول الله عز وجل {ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً}، أن فيه دلالة على أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة من غير جنسه، وورد عند أبي داود في سننه من حديث عائشة (برقم 5107) قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هل رُئي فيكم المغربون؟} قلت: وما المغربون؟ قال: {الذي يشترك فيهم الجن}، وهذا حديث لم يثبت، وكذا أخرج أبو الشيخ في "العظمة" وابن عدي في "الكامل" وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أحد أبوي بلقيس كان جنياً}، وهذا أيضاً ضعيف جداً، وهنا قصة لم تصح ولم تثبت من الإمام مالك أنه سئل: هل يجوز للرجل أن يتزوج الجنية؟ فسكت ولم يجب، ثم في مجلس خاص سئل: لِمً لَمْ تجب؟ فقال: (يجوز لكن أخشى أن تأتي المسلمة حاملاً من الزنا، ويقال لها: ماذا فعلت؟ فتقول: تزوجني جني) فهي غير صحيحة عن مالك، ومدارها على رجل يكنى أبي عثمان واسمه سعيد بن داود الزنبري، وهو ضعيف جداً، ولم ترد القصة عن غيره.
وقد ذكر الألوسي في تفسيره عند ذكر بلقيس، ذكر حكايات كثيرة جداً وقال هي أشبه شيء بالخرافات، وقال: إن الظاهر على تقدير وقوع التناكح بين الإنس والجن الذي قيل يصفع عنه السائل لحماقته، فعلى تقدير التناكح فلا يكون بينهما توالد.
وقد اتصل بي شيخنا مرة، وقد علم أني أجمع كلام شيخ الإسلام عن الجن وله كلام بديع، فقال لي الشيخ مرشداً: هل وقفت على كلام الألوسي في تناكح الإنسي من الجني؟ فقلت له: لا، قال: فاسمع، وألقى علي كلام الألوسي وهو جميل جداً، وهو قوله: (ثم ليت شعري إذا حملت الجنية من الإنسي هل تبقى على لطافتها فلا ترى، والحمل على كثافته فيرى، أو يكون الحمل لطيفاً مثلها فلا يريان، فإذا تم أمره تكثف وظهر كسائر بني آدم؟ أو تكون كشكل نساء بني آدم، ما دام الحمل في بطنها؟ وهو فيها يتغذى وينمو بما يصل إليها من غذائها وكل من الشقوق [أي التفريعات السابقة] لا يخلو عن استبعاد كما لا يخفى) فالحمل والزواج غير وارد، أما الاستمتاع والتمتع فهذا حاصل.
الجن مخلوقات ليست كثيفة قد تحل البدن، وإن حلت البدن قد يحصل استمتاع، لكن لا يجوز أن نقول: النكاح شرعي بين الإنسي والجني ولا يجوز أن نقول عن أحد أبويه جنياً، ومن اللطائف أن الإمام الذهبي في "السير" (4/459) قال عن الطحاوي: حدثنا يونس بن عيد الأعلى قال: قدم علينا رجل كذاب، اسمه يغنم بن سالم، فجئته فسمعته يقول: تزوجت امرأة من الجن، فقال يونس بن عبد الأعلى فلم أرجع إليه، فالعلماء قديماً كانوا يعتبرون هذا الكلام من باب الخرافة ومن باب الكذب، فمن يخبر أنه تزوج جنية وكان يجلس ويحدث لا يرجع إليه ولا يتكلم معه.
وقد ذكر صاحب "سلك الدرر" (2/12) أن الحامد العمادي له رسالة سماها "تقاقع الشن في نكاح الجن" ونفى وقوع النكاح الجن بالكلية.
أما الصرع فلا يبعد أن يقع صرع، وصرع الجن للإنس من عقيدة أهل السنة والجماعة ولم ينكره إلا المعتزلة، فالذي ينكر دخول الجني ببدن الإنسان معتزلي، وليس بسني، فالأدلة الكثيرة الصريحة الصحيحة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جواز دخلو الجني بدن الإنسي، بل في القرآن الكريم ما يدل على ذلك، فمثلاً في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس، أن امرأة سوداء قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: {إن شئت دعوت الله لك، وإن شئت صبرت ودخلت الجنة} فقالت: أصبر لكن أدع الله لي ألا اتكشف، فدعى الله لها، فأصبحت تصرع ولا تتكشف، والنظر في طرح هذا الحديث يجد أن صرعها كان بسبب الجن، وقال الحافظ ابن حجر: يؤخذ من طرق هذا الحديث أوردتها أن الذي كان بأم زخر كان من صرع الجن،لا من الخلط، فالصرع الذي يطرأ على الدماغ قسمان: بسبب الجن أو بسبب أخلاط في الدماغ ناتجة عن أبخرة فاسدة تخرج من المعدة إلى الدماغ أو أسباب أخرى توقع خلل في الدماغ، فالحافظ ابن حجر يقول: أن صرع المرأة السوداء أم زخر كان بسبب الجن لا بسبب الأخلاط، وربنا يقول: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}، والآية صريحة في أن مس الشيطان يقع في حق من يأكل الربا، وقال ابن تيمية : لا أدري هو في حق من يأكل الربا، أو في حق من يقول: البيع مثل الربا، ولا يبعد أن يقع المس في الطرفين، والزمخشري في "الكشاف" يقول: وتخبط الشيطان من زعمات العرب يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرعه، والزمخشري معتزلي، و"الكشاف" صوبه ابن المنير، وبين ما عنده من اعتزاليات، فقال ابن المنير في كتابه: الانتصاف في بيان اعتزاليات صاحب الكشاف قال: وهذا القول [أي الصرع] أي الحقيقة من تخبط الشيطان بالقدرية، في زعماتهم المردودة بقواطع الشرع، أي قولهم أن هذا من تخبطات العرب، هذا من تخبط الشيطان بهم، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان فيستهل صارخاً} تم ذكر حديث {التقطوا صبيانكم أول العشاء فإنه وقت انتشار الشياطين} وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لنا أن نحبس أولادنا، وقت انتشار الشياطين، أمر معقول المعنى وهو المس.
وقال ابن المنير أيضاً : بعد إيراد هذين الحديثين: واعتقاد السلف وأهل السنة أن هذه أمور على حقائقها واقعة كما أخبر الشرع عنها، وإنما القدرية خصماء العلانية، فلا جرم أنهم ينكرون كثيراً مما يزعمونه مخالفاً لقواعدهم، من ذلك السحر وخبطة الشيطان، ومعظم أحوال الجن وإن اعترفوا بشيء من ذلك فعلى غير الوجه الذي يعترف به أهل السنة وينبئ عنه بظاهر الشرع في خبط طويل لهم فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون.
والبعض يحتج بقول الشافعي: من زعم أنه يرى الجن فهو فاسق ترد شهادته، وهذا القول صحيح عن االشافعي أسنده عنه بإسناد بصحيح الإمام البيهقي في "مناقب الشافعي" لكن ليس في قول الشافعي ما يدل على إنكار المس إنما الشافعي يريد أنه من يزعم أنه يرى الجن على الحقيقة التي خلقهم الله عليها، فبعض الناس يحملون هذا الكلام على غير محمله ،ويحملونه ما لا يحتمل، وهذا من الضلال وربنا يقول عن الشيطان: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} فالشيطان وأعوانه يرونا ولا نراهم، فالشافعي قال ما قال، استنباطاً من هذه الآية، لكن الشيطان يتشكل على صورة امرأة صورة هر، صورة عجوز وغير ذلك ،فعندها يرى كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة فالاستدلال بهذا القول على إنكار الصرع استدلال فاسد لا وزن له، وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد قلت لأبي: إن أقواماً يقولون إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال: يا بني إنهم يكذبون، إنما الشيطان يتكلم على لسانهم.
وقال شيخ الإسلام في "الفتاوى" (24/267) وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشارع وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك، ويذكر أيضاً في "مجموع الفتاوى" (19/12) أن طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرزاي وغيرها ينكرون دخول الجن في بدن المصروع فالنغمة التي نسمعها اليوم من إنكار صرع الجني للإنسي نغمة قديمة قال بها أئمة الضلالة المعتزلين، والأدلة صحيحة وصريحة، واضحة بينة على إثبات دخول الجني بدن الإنسي.
ومن الأدلة على ذلك أن عثمان ابن العاص شكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم نسيان القرآن، وفي رواية عرض لي شيء في صلاتي حتى أني لا أدري ما أصلي، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يده على ظهره وكان يضرب على ظهره ويقول: يا شيطان أخرج من صدر عثمان، وهذا حديث صحيح صريح في أن الجني يصرع الإنسي وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم،: {إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم}، وقوله أيضاً: {إن الشيطان جاثم على قلب إبن آدم}أو قال{واضع خطمه على قلب ابن آدم ،إن ذكر خنس، وإن نسي وسوس}.
وهذه عقيدة مشهورة عند الأقدمين وممن قال بها أبو الحسن الأشعري، فقال في كتابه "مقالات الإسلاميين" (435-436): واختلف الناس في الجن هل يدخلون في الناس على مقالتين؟ فقال قائلون محال أن يدخل الجن في الإنس، وقال قائلون يجوز أن يدخل الجن الناس، لأن أجسام الجن أجسام رقيقة فليس بمستنكر أن يدخلوا في جوف الإنسان من فروقه، كما يدخل الماء والطعام في بطن الإنسان وهو أكثف من أجسام الجن، ويكون الجنين في بطن أمه وهو أكثف من الشيطان، وليس بمستنكر أن يدخل الشيطان إلى جوف الإنسان, وقال رحمه الله في كتاب "الإبانة" (32) : ونقر أن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه خلافاً للمعتزلة والجهمية، كما قال تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما الذي يتخبطه الشيطان من المس}.
وقال الإمام البقاعي في تفسيره "نظم الدرر" (4/112) : مشاهدة المصروع يخبر بالمغيبات وهو مصروع غائب، وربما كان يلقى في النار وهو لا يحترق، وربما ارتفع في الهواء من غير رافع، فكثيراً جداً مشاهد... إلى غير ذلك من الأمور الموجبة للقطع، أن ذلك من الجن أو الشياطين.
ولا يستنكر أبداً أن يكون الجني مع الإنسي وقد أخبر ربنا عز وجل في كتابه فقال: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}، فمن يضعف عن ذكر الله عز وجل الشيطان يتخبطه لاسيما إن كان في مجلس غفلة أو كان يأكل الربا، وقل من ينجو من تخبطات الشيطان فالإنسان كالحصن والحصن له أبواب ومنافذ وهذه الأبواب والمنافذ إن لم يكن عليها حراسة فإن العدو يطمع في دخول هذا الحصن، وإن لم يحصن الإنسان نفسه بذكر ربه عز وجل وبالبعد عن المحرمات ومجالس الغيبة والغفلة فإنه معرض لأن يمسه الشيطان وأن يلعب به وأن يصرعه ويدخل بدنه.
وأختم بكلام لابن القيم في "زاد الميعاد" (4/63) قال: وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم، ولو كشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه الأوراح الخبيثة وهي في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت ولا يمكنها الامتناع عنها ولا مخالفتها وبها الصرع الأعظم الذي لا يفيق صاحبه إلا عند المفارقة، والمعاينة، فهناك يتحقق أنه كان هو المصروع حقيقة، والله المستعان فكثير ممن ينكر الصرع مصروع، نسأل الله العفو والعافية إنكار الصرع ضلال، وهو مذهب الفرق الضالة قديماً، أما ما يذكر أنه أخذت لقطة بالكاميرا لجني ونشرت في بعض الصحف فهذه خرافة، فالتوسع في إثبات الجن من غير إخبار خطأ، والتوسع في إعمال العقل خطأ، والصواب أن ندور مع ظواهر النص، والله أعلم....
السؤال 387: بعض الناس يصلون سنة الجمعة البعدية بعد الصلاة مباشرة هل هذا العمل صحيح؟
الجواب: لقد حرص الإسلام على جعل الإشياء في أماكنها ولذا إعمالاً لهذه القاعدة حث الشرع على تعجيل الفطر، وتأخير السحور حتى يقع الفطر في أول الوقت الذي يجوز فيه الأكل، ويقع السحور في آخر الوقت الذي يجوز فيه الأكل، وكذا منع الشرع أن يصام قبل رمضان بيوم، وحرم الشرع أن يصام بعد رمضان بيوم، حتى مع مضي الزمن يبقى رمضان ظاهراً من حيث البداية ومن حيث النهاية.
وكذا صلاة الجمعة، فصلاة الجمعة صلاة مستقلة قائمة برأسها وليست بديلة عن الظهر، والرافضة لا يصلون الجمعة بغياب الإمام وكثير منهم إن صلى خلف الإمام لا يسلمون، ولما يسلم الإمام يقومون ويصلون ركعتين فيوصلون الأربعة معاً، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل السنة بالفريضة، وقد ثبت في صحيح الإمام مسلم (برقم883) بسنده إلى عمر بن عطاء بن أبي الخوار، أن نافع بن جبير أرسل إلى السائب يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، ألا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج.
وخير صلة للصلاة أن نخرج، ونؤدي النافلة في البيت، فالقاعدة عند الصحابة والتبعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وما يحرص عليه المقتدين ألا يصلوا النافلة والرواتب إلا في البيوت، وثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذا رأى رجلاً يصلي سنة المغرب في المسجد ضربه بدرته، وأمره أن يرجع إلى بيته فيصلي النافلة فيه، وثبت في صحيح مسلم بسنده إلى جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً}، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً}، فالقبور لا يصلى عندها، فاليوم بيوت الناس كالقبور، ولا يذكر الله فيها إلا قليلاً، والشياطين تذكر في البيوت أكثر من ذكر الله، فالتلفاز والمحطات الفضائية وما يسخط الله يذكر في بيوتنا إلا من رحم الله منا، عبارة عن مطاعم وفنادق، فهي أماكن للطعام والنوم، وأما العلم والذكر فإن الأب اليوم، للأسف، يخجل أن يجمع زوجته وأولاده على قراءة للقرآن في البيت، وإن فعل فإن الأولاد يتضاحكون فيما بينهم، أما أن يشتري بأمواله تلك الأجهزة التي يعرض من خلالها أفسق الفسقة وأفعالهم من الخنا والفجور فهذا أصبح علامة خير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة}، والمخاطبون في هذا الحديث هم الصحابة رضوان الله عليهم، وكانوا يصلون في مسجده صلى الله عليه وسلم، والركعة فيه بألف ركعة، فصلاة السنة في البيت أفضل من صلاة ألف ركعة في المسجد، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة الراتبة في البيت أفضل من الصلاة في بيت الله الحرام، والصلاة فيه بمئة ألف ركعة، والناس بسبب جهلهم تفوتهم أجور عظيمة فمن أراد أن يحصل الخير بأجمعه وكلياته فعليه بالعلم ،فإن تفقه وتعلم فإنه يعرف ماذا يحب الله، فيعمل أعمال قليلة وفيها خير كثير، وكان من هدي السلف أنهم لم يكونوا يصلون الراتبة في المسجد ،بل عرف عن بعض الصالحين أنه ما كان يصلي في المسجد إلا الفريضة فقط.
وإن صلينا الراتبة في المسجد لضرورة فلابد أن نفصلها عن الفريضة لاسيما الجمعة، حتى لا نتشبه بالرافضة الذين لا يسلمون على رأس ركعتين ويصلون الركعتين بالجمعة وينون الظهر والإمام يصلي الجمعة، وأمرنا بمخالفة الضالين.
السؤال 388: إذا زنا رجل بامرأة وحملت منه هل ينسب الولد له وهل يحق لنا أن نقول إن هذه المرأة عاهر، ولو زنت لمرة واحدة فقط؟
الجواب: إن لم يعرف عن هذه المرأة أنها زانية، ويتيقن هذا الرجل أنه ما اتصل بها غيره، فله أن يلحق الولد به، وقد قال بهذا جمع من الأقدمين، من أهل العلم، فهو قول اسحق بن راهويه، وذكر عن عروة،وسليمان بن يسار، وقال الحسن البصري وابن سيرين: يلحق الولد بالواطئ، إذا أقيم عليه الحد، ويرثه، وكذلك قال بالإلحاق إبراهيم النخعي، وقال أبو حنيفة: لا أرى بأساً إن زنا الرجل فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولده، وهذا اختيار ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوي" (32/112-113، 139) وثبت في "موطأ" مالك أن عمر رضي الله عنه، كان يليط [يلحق] أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام.
وهذه الفتوى توسع على الشاردين البعيدين عن الله، عز وجل، من المسلمين، الذين يقيمون في ديار الكفر، فكثيراً ما نسأل فيقول السائل: تكون لي صاحبة وأعاشرها بالحرام، والعياذ بالله، ولا تعاشر غيري بيقين، فحملت مني، وأريد أن أتزوجها، فهل هذا الولد ولدي أم لا؟ من اقوال هذه الثلة من التابعين ما يخول جواز هذا الإلحاق.
أما لو كانت هذه المرأة يزني بها كثيرون فالولد لا ينسب للزاني، وإنما ينسب ابن الزنا لأمة، ولو كان لهذه المرأة فراش شرعي،وزنت وحملت، ولا تدري ممن حملت، فالولد ينسب لصاحب الفراش الشرعي، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الولد للفراش وللعاهر الحجر} ، فالولد ينسب للزوج، وللعاهر الحجر، أي للزاني الرجم، لأن المرأة المتزوجة لا يطمع أن يزنى بها إلا المتزوج، والله أعلم...
السؤال 389: هل يجب على المرأة خدمة زوجها من صنع الطعام وغسل الثياب وكنس البيت؟
الجواب: المسألة فيها خلاف بين الفقهاء قديماً، وكان قديماً قد شاعت ظاهرة الخدم والإماء ،وكانت المرأة لا تخدم بحكم كثرة وجود الإماء والخدم، والأمة كانت تشتريها الزوجة، ومن يقرأ ما كتب في تراثنا في أسعار العبيد وشرائهم يعلم أن الأمة كلما كانت بشعة كان سعرها أغلى، لأن المرأة هي التي تختارها وتعلم أن لزوجها أن يطأها إن ملكها أما أمة زوجته فلا يطأها حتى يملكها.
وبعض أهل العلم قديماً قال: ليس على المرأة خدمة لزوجها، وهذا ليس بصحيح والصحيح العشرة بين الزوجين بالمعروف، وعليه فيجب على المرأة أن تخدم زوجها الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، وتتنوع هذه الخدمة بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، فالبدوية مثلاً ترعى الغنم ويجب عليها أشياء تختلف عن الواجب على القروية، وليست خدمة القوية كالضعيفة، ولا الصحيحة كالمريضة، وليست خدمة امرأة الغني كالفقير، فهذه بحقها خدمة، وتلك بحقها خدمة، فيتنوع الواجب على المرأة بتنوع الأحوال، والواجب الخدمة التي تقع في العادة من مثل هذه المرأة لمثل هذا الزوج.
وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة بخدمة البيت وقضى على علي بما كان خارجاً من البيت، وقد ثبت أن فاطمة رضي الله عنها، أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى من الرحى وسألته خادماً يكفيها لذلك، فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم لأمر عجيب فيه سر لا يعرفه إلا المجرب، فأرشدها إلى أن تسبح قبل أن تنام ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وأن تكبر أربعاً وثلاثين، وهل بين الشكوى والإرشاد صلة؟ نعم، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (من حافظ على التسبيح والتحميد والتكبير قبل النوم فإنه يرزق بهمة وقوة على عمل لا يعلمها إلا الله عز وجل}، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدها لما شكت ضعفها إلى ما يقويها على عملها، وهو الذكر قبل النوم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم ما أوجب لها خادمة، وقد قضى عليها بالعمل في بيتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر عائشة وسائر أزواجه فكان يقول: {يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا}، وكان يقول: {يا عائشة هلمي الشفرة واشحذيها}، فكان يأمرها بالعمل، فالواجب على المرأة خدمة زوجها الخدمة التي تجب على مثلها لمثله، وليس الزوج المضياف كغير المضياف، فإن كان مضيافاً فعليها خدمة زائدة، وهذا الحد يعتد به بالعرف والعادة، وكما يقولون : العادة محكمة، وهذه قاعدة من القواعد الخمس الكلية التي يدور عليها الفقه في جل مسائله، أما القول بأن الخدمة ليست واجبة في حق المرأة فإنه يعطل هذه النصوص، فالمرأة إن قصرت في خدمة زوجها فهي آثمة، وهذا أرجح الأقوال، والله أعلم..
السؤال 390: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {شيبتني هود}؟
الجواب: هذا حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، فيه ذكر للآخرة، وفي سورة هود قوله عز وجل: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا}، قال ابن القيم في "مدارج السالكين": (الذي شيب من هود صلى الله عليه وسلم هذه الآية)، فالاستقامة لا تكون عن هوى وإنما تكون الاستقامة على حسب ما أمرت، ولا يستطيع الإنسان أن يستقيم كما أمر إلا بعد أن يعلم بماذا أمر، ثم بعد ذلك يستقيم عليه.
والإنسان بنفسه ضعيف، ويحتاج إلى إخوة له يذكرهم ويذكروه، يعينهم ويعينوه، ولذا قال الله تعالى: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا}، والطغيان مجاوزة الحد، فالإنسان يبقى على الاستقامة إن بقي في الطريق ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، فمن تشدد في دين الله قصر، ومن تساهل أفرط، والسعيد من بقي في الصراط، فهذه آية شيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والاستقامة عزيزة ولذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: ((واستقيموا ولا تروغوا روغان الثعلب، ويستقيم الإنسان بأن يدور مع الشرع،لا أن يدورالشرع معه، متى شاء قال هذا حلال وهذا حرام، ومتى شاء جعل دين الله وأوامر الله وراء ظهره، فبعض الناس يتشدق بالدين فيدور الدين معه ولا يدور مع الدين، يجعل الدين كأنه مخزن يأخذ منه ما يشتهي في الوقت الذي يشتهي، وإن بحثت عن دين الله عنده فلا تجده على نفسه ولا في بيته ولا على أولاده ولا على زوجته ،ولا في معاملته ولا أحواله فيتكلم عن الدين بهوى وشهوة، وهذا والعياذ بالله، أسوأ خلق الله، فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب به هواه.
والسعيد من دار مع الدين واستجاب لأمر الله، ومن استقام على أمر الله عز وجل، ومن كان على استقامة فالله حافظه، وهم أولياء الله عز وجل، {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}، والبشارة تكون في النزع، وفي الدنيا لا يصيبه ما يحزنه، لأن الله وليه فالله يتكفل بحفظه ويفرج عنه، ويحفظ الله أولياءه في حلهم وترحالهم في صحتهم ومرضهم، في أنفسهم وأهليهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: {تعرف علي في الرخاء، يعرفك في الشدة}.
وكم من إنسان يكون حتفه وقهره وذله بتدبيره، لأنه ما أوكل أمره إلى الله عز وجل، وكم من إنسان قتل بسبب ماله، ولو كان فقيراً ما قتل ،فالله هو الحافظ، قال صلى الله عليه وسلم: {احفظ الله يحفظك}، ومن استقام على أمر الله فهو ولي الله، فأولياء الله الذين يستقيمون على أمره ولا يروغون روغان الثعلب كما قال عمر رضي الله عنه، رزقنا الله التقوى وجعلنا متبعين لأوامره وبعيدين عن الهوى وركوب ما لا يرتضى.
السؤال 391: ما معنى الحديث: {عليكم بالإثمد، فإنه منبتة للشعر مذهبة لقذى مصفاة للبصر}؟
الجواب: الإثمد هو الكحل والنبي صلى الله عليه وسلم يحث على الكحل، ويريد أن نحرص عليه ولا نهمله، وهذا إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم للذكور والإناث وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل في اليمنى ثلاث واليسرى باثنتين بمروريد، ولا يلزم من الكحل أن يظهر لونه أمام الناس، ويوجد من الكحل ما ليس له لون كالسواد ،وإنما لونه لون البشرة، فلا يظهر أثره عند استعماله فالنبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على الإثمد، لأنه يجلو البصر وينبت شعر رموش العين، ويقيوها، ويذهب القذى من العين، فالكحل سنة تنفع العين.
والكحل حجر أسود يوجد بكثرة في المغرب، وأحسن أنواعه الكحل الموجود في أصبهان في إيران، وأجوده السريع التفتيت، والذي لفتاته لمعة، وداخله أملس، ليس فيه شيء من الأوساخ فهو يشد أعصاب العين ويقول ابن القيم في الزاد أنه من اكتحل بالإثمد مع العسل، فإنه يذهب صداع الرأس، والله أعلم...
السؤال 392: ما رأيكم بقول القائل: إن أكثر علماء الأمة أشاعرة وأن اعتقادهم هو الأصح؟
الجواب: القول بأن الأشعرية هي الاعتقاد الأصح، فهذه فرية بلا مرية، فالصحابة ماتوا ولم يعرفوا الصفات السلبية والوجودية ولا الجوهر والعرض، ولا الاصطلاحات الفلسفية الحادثة، وكان السلف يقولون: العلم بعلم الكلام جهل، والجهل به علم، وكان الشافعي يقول: حكمي على من ترك الكتاب والسنة ،وأقبل على كلام الفلاسفة أن يطاف بهم بين القبائل والوديان وأن يرموا بالجريد والنعال ويقال: هذا جزاء من أقبل على علم الكلام وترك الكتاب والسنة.
وعلماء الأمة المزكون الأطهار الأخيار الذين نحبهم ونجلهم هم الذين كانوا في العصور الثلاثة الأولى وهي العصور المفضلة، وهذه العصور كانت موجودة قبل أن يخلق أبو الحسن الأشعري، فأبو الحسن الأشعري توفي سنة 330 هـ ، فهل العلماء الذين كانوا قبله وقد زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم، هل كان دينهم ناقصاً حتى جاء أبو الحسن الأشعري؟!
وأبو الحسن الأشعري كان معتزلياً ثم لما عرف مذهب أحمد رجع وتاب، وإن كان رجوعه بالجملة وبقي عنده غبش في بعض الجزئيات، ومن كان على شيء ورجع عنه فإنه يرجع رجوعاً جملياً وليس جزئياً، فإن تعلق بعض أتباعه ببعض هذه الجزئيات فلا يجوز لهم من خلالها أن يشككوا في رجوع أبي الحسن، لأن الإنسان يظل إنساناً فيعلق به ما كان يقول به سابقاً، ورجوعه رجوع إلى قواعد كلية، فأبو الحسن الأشعري بريء مما عليه المتأخرون.
وبعض العلماء من مثل النووي وابن حجر تأثروا بكلام الأشاعرة ونقلوه وارتضوه وما كانوا محققين في علم التوحيد، فابن حجر كان محققاً في علم الحديث، والنووي كان محققاً في علم الفقه، ولما حققوا بعض المسائل حققوا ما هو على خلاف الأشاعرة، فالحافظ ابن حجر لما حقق مسألة الصوت لله في الفتح اختار خلاف مذهب الأشاعرة، والنووي في مقدمة المجموع لما حقق أو تكليف واجب على المكلف والأشاعرة يقولون إن أول واجب على المكلف النظر فلما حقق ذلك خطأ هذا القول، وقال: أول واجب على المكلف النطق بلا إله إلا الله، لأن التوحيد الذي ندعو إليه توحيد فطري، بعيد عن الفلسفة، وعن علم الكلام، فجعل ابن حجر والنووي كالباقلاني والجويني وغيرهم من الأشاعرة الأقحاح المنشغلين بعلم الكلام، البعيدين عن نصوص الوحيين الشريفين، هذا ظلم.
فابن حجر والنووي ما أنشئا تأويلاً، ولا شيئاً جديداً عند الأشعرية، وكل الذي وقع منهم أنهم نقلوا عبارات لمؤلفين قبلهم ولبعض مشايخهم وسكتوا عنها، وفرق بين من جدد في المذهب واخترع فيه وزاد عليه وأنشأ، وبين من نقل بغفلة وعدم تحقيق فالقول بأن ابن حجر والنووي أشاعرة كسائر الأشاعرة هذا خطأ، والقول بأن علماء الأمة أشاعرة ليس بصحيح ،فالأمة الطائفة المنصورة موجودة فيها، وهي ما كانت على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا الدين، والله أنزله كاملاً على قلبه وهذه الاصطلاحات الفلسفية التي عند الأشاعرة ما كانت موجودة، وما كان يعرفها لا أبو بكر ولا عمر، ولا سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سعيد بن المسيب يقول، فيما أسنده إليه ابن عبدالبر، : (ما لم يعرفه البدريون فليس من دين الله في شيء)، وأهل بدر ما علموا هذه الأشياء.
وبعض الأشاعرة يريد أن يتلطف مع الصحابة والتابعين فيقولون: ما كان عليه الصحابة أسلم، وما كان عليه المتأخرون أحكم، وهذه شنشنة فارغة، فما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم وأحكم، وهو دين الله الذي ارتضاه وأحبه وبلغه النبي صلى الله عليه وسلم، فالزعم بأن علماء الأمة كلهم أشاعرة هذا كلام من لا يدري ماذا يخرج من بين لحييه كلام جاهل لا يعرف شيئاً، والله أعلم..
السؤال 393: ما هو الصواب في التشهد تحريك الأصبع أم الإشارة فقط؟
الجواب: الحديث الذي أخرجه ابن حبان وابن خزيمة والطبراني وأصله في سنن أبي داود، من حديث زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن الشاشي عن أبيه عن وائل بن حجر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا تشهد أحدكم فليمد السبابة وليحركها وليدع بها}، وهذا إسناده حسن، وظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد وبدأ بالتشهد مد السبابة وحركها، ومعنى قوله يدعو بها أي يبقى يحركها حتى يصل الدعاء الاستعاذة من أربع قبل السلام.
وكان الشيخ ناصر رحمه الله يرى الاقتصار على وجه واحد فيرى أن المد مع التحريك فيه شيء زائد، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي كان إذا تشهد يمد السبابة وكان الشيخ ابن باز رحمه الله، يرى جواز المد دون تحريك إعمالاً لحديث ابن عمر، ويجوز المد مع التحريك إعمالاً لحديث وائل، وهذا رأي القرطبي في التفسير، والصنعاني في سبل السلام، وجمع من أهل العلم، فمن اقتصر على الإشارة دون التحريك فقد عمل بحديث ابن عمر ومن حرك عمل بحديث وائل بن حجر، وكلاهما سنة، وكلا الحديثين ثابت صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الشيخ ناصر يرى المد مع التحريك إعمالاً للحديثين، معاً والمد دون تحريك إعمال لحديث واحد والإعمال للحديثين معاً والمد إعمال لحديث واحد والإعمال لجميع الأحاديث مقدم على إعمال حديث دون حديث لاسيما أن هناك لفظه عند أبي داود من حديث ابن عمر مدارها على مجهول: (كان يمد السبابة لا يحركها).
والذي أراه أن المد مع التحريك سنة، ومن دون تحريك سنة، والحديثان ثابتان، صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قول ابن خزيمة عن حديث التحريك: تفرد به زائدة لا يدل على أنه شاذ كما يظن البعض، فالحديث الفرد الغريب يكون صحيحاً مثل حديث {إنما الأعمال بالنيات}، وأخرجه الشيخان وكثير من الناس يقرأ كلام ابن خزيمة بما يشتهي لا بما كتب، والله أعلم..
السؤال 394: ما حكم صلاة التسابيح؟
الجواب: كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى، يرى ضعف حديث صلاة التسابيح، وصلاة التسابيح أربع ركعات في القيام بعد الفاتحة وسورة يقال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمسة عشر مرة، وتقال في الركوع بعد أذكار الركوع تقال هذه التسبيحات عشر مرات، وعند القيام من الركوع بعد التسميع والتحميد، تقال عشراً، وبعد أذكار السجود تقال عشراً، وبين السجدتين تقال عشراً، وبعد القيام من السجدة الثانية وقبل النهوض تقال عشراً، وفي هذه أصل لجلسة الاستراحة.
وصلاة التسابيح اشتهر عن الإمام أحمد أنه كان يضعفها، وذكر ابن قدامة في "المغني" عن الإمام أحمد أنه قال عنها بدعة، وذلك لأنها ما ثبتت عنده من صحيح فعله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه "الأجوبة على مشكاة المصابيح" أنها صحت عند أحمد بأخرة، وأن أحمد تراجع عن تضعيفها، واشتهر القول عنه بالبدعية، وبقي ما هو مدون في كتب الحنابلة هو الشائع إلى هذه العصور.
وقد صحح صلاة التسابيح الإمام مسلم بن الحجاج، وصححها جمع، وألف في تصحيحها ابن ناصرالدين كتابه "الترجيح في صلاة التسابيح" فجمع جميع طرق صلاة التسابيح، وكان شيخنا إمام هذا العصر في الحديث الشيخ الألباني رحمه الله، كان يحسن صلاة التسابيح.
ومن الخطأ فعل صلاة التسابيح في جماعة ومن الخطأ توقيت صلاة التسابيح كل عام في ليلة السابع والعشرين من رمضان، فلا يجوز لنا أن نقيد شيئاً أطلقه الشرع، فلا نفعل شيئاًعند أنفسنا، ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم، صلاة التسابيح في جماعة فصلاة التسابيح تؤدى فرادى في أي وقت شئت أن تؤديها فأدها، والله أعلم..
السؤال 395: ما حكم من يقبل زوجته في نهار رمضان بشهوة؟
الجواب: تقبيل الزوجة في نهار رمضان بشهوة جائز، لكن بشرط ألا يتمادى الإنسان فكانت عائشة كما ثبت في الصحيحين تقول: ((كان رسول الله يقبل وهو صائم)) وتضحك، وكانت تقول: ((كان رسول الله يقبل في رمضان وهو أملككم لإربه)).
ولما سئل عمر رضي الله عنه، عن التقبيل أجاب بجواب بديع يدلل على فقه غزير عنده، فقال: ((القبلة كالمضمضة)) فلو أن رجلاً أمسك الماء في فمه ثم لفظه فصيامه صحيح، فقبل الشرب يقع الماء في الفم، وقبل الجماع تقع القبلة، فإذا الإنسان اقتصر على المضمضة دون الشرب صح صيامه، فكذلك إذا اقتصر على القبلة دون الوطء، ففي تشبيهه دقة.
وبعض الفقهاء, وصح عن ابن عباس ذلك، أنه فرق بين الصغير والكبير فمنع الشاب من القبلة بشهوة، سداً للذريعة، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، وجوز للشيخ الكبير أن يقبل، لأن يملك شهوته، فقد صح عند البيهقي أن رجلاًشاباً جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وسأله عن قبلة الصائم، فقال: ((أكره لك ذلك)) فقال شيخ بجانبه: وأي وجه للكراهية، فقال ابن عباس: ((أما أنت فلا أكره لك ذلك فإنه لا خير عند إستك)) وهذا التفريق له وجه، والله أعلم.
السؤال 396: هل يحق للصغار غير المكلفين الوقوف في الصف الأول في الصلاة، وبعضهم أرجع صبياً من الصف الأول، وهو يحفظ القرآن، فما الحكم؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يليه أولو الأحلام والنهى، والصبي المميز يعتد به في الصف، فلو صلى رجل وصبي خلف إمام فإنهما يقفان في صف خلف الإمام، ولو صلى صبي وامرأة مع إمام، فإن الصبي يقف بحذاء الإمام، والمرأة تقف خلفهما، فالصبي المميز يعتد به في الصف، فإن سبق المميز إلى الصف الأول دون أن يكون خلف الإمام فمن حقه أن يبقى في الصف، ولا يجوز طرده وأخذ هذا المكان منه عنوة، أما خلف الإمام فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يليه أولو الأحلام والنهى، أما أطراف الصف أو الصف الثاني وغير ذلك يأتي الرجل فيجد صبياً مميزاً فيرجعه فهذا لا يجوز.
أما غير المميز فلا يعتد به في الصف، وهو الذي لا يدرك، فكيف إن كان يحفظ القرآن؟ فإنه يجوز أن يقدم إماماً فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى على قوم صبياً كان يحفظ البقرة، وصح أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم عين صبياً ما بلغ ليؤم الناس، وكان فقيراً ما عنده ما يستر عورته في الصلاة فكان إذا سجد بان إسته، فقيل: غطوا عنا إست إمامكم، فالراجح من قولي الفقهاء، أنه يجوز للصبي المميز أن يؤم الناس، إن كان أقرؤهم، ولو لم يكن بالغاً، لكن لا يكون خلف الإمام وإن كان حافظاً، لأنه قد يقع مع الإمام طارئ فلا يستطيع أن يتدارك ما يقع مع الإمام، فلا يكون خلف الإمام إلا أصحاب العقول والأحلام.
وإن رجع الصبي فقدم كبيرا جائز ،مع القول بأنه لا إيثار في القربات، حتى مع أبيك لا تؤثرة في القربات، وحديث {جنبوا صبيانكم مساجدكم}، لم يثبت، لكن نجنب من يؤذي، كالمعتوه والمجنون إن كان مؤذياً، إما إن كان لا يؤذي فله أن يصلي وله أن يدخل المسجد لكن لا يلي الإمام، والله أعلم..
السؤال 397: هل هناك نهي في أن ينظر كل من الزوجين إلى عورة الآخر أثناء الجماع؟
ما دام أن الشرع قد أحل الوطء بين الزوجين، فإنه لا يوجد عورة للرجل على زوجته ولا العكس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل عارياً مع عائشة، وكانا يغتسلان من واحد ويمازحها ويقول لها: إبق لي، وتقول له: إبق لي، وما يذكر من أن النظر في فرج المرأة يورث العمى والبرص وما شابه، فهذه خرافات، وما يذكر أن عائشة قالت: ((ما رأى ذاك مني، وما رأيت ذاك منه)) فهذا لم يثبت ولم يصح، وثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: {احفظ عورتك إلا من زوجتك أو أمتك} فلا يوجد للزوجة عورة ولا للأمة، والله أعلم..
السؤال 398: هل قراءة القرآن الجماعية جائزة أم لا؟
الجواب: قراءة القرآن جماعة بنفس واحد تعبداً هذه بدعة، ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإن وقعت للتعلم فلا أرى فيها حرجاً ليستقيم اللسان، كأن يردد الأستاذ والطلبة يرددون معه، لاسيما إن كانوا صغاراً أو كانوا أعاجم، أما فعلها عبادة وتقرباً إلى الله فهي بدعة كما قال الإمام مالك، رحمه الله، والمطلوب في القرآن إن قرئ أن نستمع واحد يقرأ والبقية يستمعون وقد سئل الإمام مالك عن قراءة القرآن بالإدارة وقراءة القرآن بنفس واحد، كما يفعله أهل الاسكندرية في زمنه فقال: ذلك بدعة، والله أعلم..
السؤال 399: ما حكم الأموال التي يحصلها الرجل من العمل في إصلاح التلفاز والفيديو والستلايت؟
الجواب: الأصل في الأعمال الحل، لكن إن قام ظاهر يخالف الأصل، فالظاهر يقدم عليه، فإن هذا الظاهر كان حلالاً فالحمد لله فإن جاءك رجل صاحب ديانة واستقامة لا يستخدم هذه الأشياء إلا في الحل [إن وجد]، فلا حرج، وأما غير ذلك فحال استخدام هذه الأجهزة معروف، أما الحريص من طلبة العلم هذه الأيام، فكما كان يقول جمال الدين القاسمي، رحمه الله، لو كان الوقت يباع لاشتريته، فطالب العلم لا يوجد لديه وقت أن ينظر إلى الخير، إن وجد، في مثل هذه الأجهزة.
وقد يقال إن الفيدوي قد يقتصر الإنسان فيه على أشياء مشروعة، ويتحكم فيه، فإن صلح لأهل الديانة ومن يستخدمه على وجه شرعي فلا أرى في هذا حرجاً، وكذلك المسجل، فالعبرة بالقرائن التي تحتف بهذا التصليح، فإن قامت قرائن ظاهرة تخالف الحل، فالظاهر يقضي على الأصل، ومن يفعل هذا ويدقق يتعب، ولا يبقى في هذه المهنة أما من كان يتقن هذه المهنة وهي ليست عمله الأصلي وأراد أن يخدم أخاً له بظروف يعلمها فله ذلك، وله أن يتقاضى أجراً، والله أعلم..
السؤال 400: أيهما أفضل: التزكية والرقائق أم العلم والتعلم؟
الجواب: من تعلم دين الله عز وجل، وعلم أسراره وأحكامه فإنه يثبت عليه إلى الممات وإنه ينشرح صدره لدين الله ويهنأ به، وما وجدت أهنأ من العلماء في حياتهم فضلاً عن دينهم، فإنهم يعطون كل ذي حق حقه.
وأما ذكر الرقائق والزهديات فهذه ذكرها على القلب آني، وقلما تسلم من سلبيات من اختلاط الصحيح بالضعيف ومن المغالاة، وإذا ضبط الشيخ فقد يكون السامع لا يحسن وضع الأشياء في أماكنها وتختلط عليه الأمور ولذا لا يقدم شيء على العلم.
وواجب هذا الوقت العلم، ومصيبة الأمة، وما أوصل الأمة إلى ما وصلت إليه الخرافة والجهل، فيجب على كل مصلح، إن أراد أن يتقي الله، أن يعمل على محاربة الخرافة والجهل، وكلما توسع علم الناس، ودخل اليقين في قلوبهم على أن دين الله حق، وعلى أن مصلحتهم في دنياهم قبل أخراهم، إنما هي في اتباع كتاب الله عز وجل، وصحيح سنته صلى الله عليه وسلم، فنحن حينئذ نصعد وفي المآل نسعد، فهذا واجب الوقت الذي يجب على الجميع أن يشغل نفسه ويشغل من يلوذ به، جعلنا الله مفاتيح خير ومغاليق شر، وهداة مهديين وأن يجعلنا من طلبة العلم الجادين العاملين المخلصين ، المتجردين عن حظوظ أنفسهم، العارفين لواجب وقتهم.
__________________
لسؤال 401: كيف نوفق بين حديث: {حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج}، وبين إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه، في إمساكه التوراة؟
الجواب: حديث: حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج، يتعلق بالشيء العارض ،لا عمل الإنسان المتفرغ الذي ينظر في كتاب وينشأ عليه، فنحن دائماً نحذر طالب العلم أن ينشأ على الباطل، ويقرأ في كتب الشبه وأهل البدع، فالأصل في طالب العلم في بداية نشأته العلمية أن يصفي مورده ومشربه، ولا يأخذ إلا من الشيء الصحيح الثابت، ولا يقامر ولا يغامر ولا يجرب فهذا ليس من ديننا، فديننا كتاب وسنة، لكن إن جاء عن بني اسرائيل الشيء العارض تحدث به ولا حرج.
لكن الصحف التي وقعت بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ما كان حديثاً، إنما كان انقطاعاً يريد أن يقرأها ويتأملها، وفيها ما يجوز التحديث به، وما لا يجوز التحديث به، فالحالتان اختلفا ولا يوجد بينهما تعارض فضلاً عن تناقض، والله أعلم..
السؤال 402: هل هذا حديث: {إن أبغض الحلال عند الله الطلاق}؟
الجواب: هذا حديث مروي لكنه ضعيف سنداً وقد بينت ضعفه بالتفصيل في تعليقي على كتاب الموافقات، وضعيف أيضاً في المتن، فكيف يكون أبغض الحلال، والحلال ما تساوى طرفاه فكيف يكون حلالاً بغيضاً؟ فالفعل والترك إن تساويا فهذا حلال، فشرب الشاي مثلاً حلال، إن شربت أو ما شربت عند الله سيان، فكيف يكون حلالاً عند الله بغيضاً؟ هذا لا يصلح، فالحديث ضعيف سنداً وفي متنه نكارة، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال 403: ما هي السنة في الهوي للسجود على اليدين أم على الركبتين؟
الجواب: المسألة مما وقع فيها خلاف بين الفقهاء قديماً، فقد ذهب الحنفية والمالكية إلى وضع اليدين قبل الركبتين، وذهب الشافعية والحنابلة إلى وضع الركبتين قبل اليدين، وورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه}، وزعم ابن القيم في "زاد المعاد" أن هذا الحديث مقلوب، وأن الراوي أخطأ، وكان ينبغي على الراوي أن يقول: {وليضع ركبتيه قبل يديه}، لأن البعير أولى ما ينزل على يديه.
والصواب أن الراوي لم يخطئ ولا يجوز لنا أن نخطئ الرواي بالظن ما دام أن للحديث مساغاً وتأويلاً مقبولاً ومعروفاً في العربية، فعند العرب للبعير أربع ركب، فالبعير ينزل على ركبتيه اللتين في يديه، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه}، فآخره يوافق أوله، ولم يقع قلب عند الراوي، والزعم بالقلب زعم يحتاج إلى قرائن وأدلة، وهناك وجه قوي في العربية معروف يأذن بالتناسب والتناسق بين شطر الحديث الأول وشطره الثاني، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يهوي ساجداً، ومن لوازم ذلك النزول على اليدين قبل الركبتين.
والشريعة عامة وليست خاصة فهي تشمل الصغير والكبير والقوي والضعيف، فالكبير والضعيف كيف سينزل؟ ينزل على ركبتيه، والمسجد الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه كان يفرش بالحصى والتراب يستطيع أن ينزل على ركبتيه؟ أم إنه ينزل على يديه، فالشريعة عامة، والسعيد من استنبط الأحكام الشرعية مراعياً أمرين كليين: ما تتحمله اللغة العربية، والنظر إلى حال المخاطبين عند التشريع، فالنظر إلى حال المخاطبين عند التشريع يأذن بسنية النزول على اليدين قبل الركبتين، وهذا ما أراه راجحاً وإن قال به الإمام ابن القيم رحمه الله، وعلى هذا الأدلة الصريحة، وما يناسب عموم الشريعة، والله أعلم...
السؤال 404: هل الدروز مسلمون، وما هي معتقداتهم؟
الجواب: الدروز فرقة مارقة خارجة عن دين الإسلام، ليس لهم في الإسلام نصيب، كيف وهم لا يؤمنون بأي نبي أو رسول من رسل الله، وإن كانوا يتظاهرون بالإسلام، لكنهم يتعمدون مخالفة المسلمين ويكرهونهم، ويعبدون ربهم في إيذائهم، فلا يوجد في محالهم ومناطقهم مساجد، وهم يعبدون الله عز وجل، بالكذب على المسلمين والتقيا، ويعتقدون أن الرسل هم أبالسة، وهذا يذكر في كتبهم.
والدروز فرقة تتكتم على دينها؛ لذا فالنساء عندهم لا دين لهن، والرجال لهم دين يعطونه بمبايعة وطقوس بعد الأربعين، ومن أظهر هذا الدين وأباح به فإنه يقتل، لكن هنالك جهود لعلمائنا الأقدمين والمحدثين في بيان معتقداتهم، وكذلك هنالك كتب لهم في ديانتهم، والعلم كما يقولون: لا أمير فيه إلا العلم، والعلم لا يقبل التخبئة، فالعلم حقيقة منتشرة، والمعلومات مع مضي الزمن لا يبقى فيها سر. ووجود الفوضى اليوم، والتحلل من العادات والتقاليد، هذا عندي من مؤشرات وإرهاصات تحقق الخلافة الراشدة وأن يعود الناس بمحض إرادتهم، ومن غير ضغط عادات ولا تقاليد، إلى ما كان عليه السلف الصالح.
والدروز يعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله، وهو أبو علي المنصور ابن العزير بالله الفاطمي، المتوفى سنة 375هـ، 985م، والمؤسس الفعلي للدروز هو حمزة بن علي الزوزني المتوفى سنة 430هـ، فهو الذي ألف كتب عقائد الدروز، وهو مقدس عندهم، بل هو عندهم كالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، عند المسلمين، وكان معه رجل اسمه محمد بن اسماعيل الدرزي ،ومعروف بـ ((نشتكن)) كان مع حمزة في تأسيس عقائد الدروز، إلا أنه تسرع في إعلان ألوهية الحاكم، وكان ذلك سنة 407هـ، مما أغضب حمزة عليه، وأثار الناس ضده، وكاد أن يقتل، فتحول إلى دمشق ودعا هناك إلى مذهبه وظهرت الفرقة الدرزية التي ارتبطت باسمه، ثم دبر له وقتل.
الدروز لا يعتقدون بالجنة ولا بالنار ولا باليوم الآخر، ويعتقدون بتناسخ الأرواح، فأما العابد فروحه تصعد لأعلى أو تنعم في بدن آخر، وأما العاصي روحه تنتقل إلى الكلاب والخنازير والحمير وما شابه، ويعتقدون أن دينهم ناسخ لجميع الأديان ولهم كتاب مقدس يسمى عندهم "المصحف المنفرد" وهم يظهرون التفاخر بالانتساب إلى حكماء الهند، والفراعنة، ويعظمون الفراعنة، ويحرمون تعدد الزوجات ويحرمون علىالزوج إن طلق أن يعيد زوجته، ويرون أن الفحشاء والمنكر في كتبهم يراد بهما أبو بكر وعمر، فهم يبغضون أبا بكر وعمراً بغضاً شديداً.
ومجتمعاتهم تنقسم إلى قسمين من ناحية دينية؛ الأول الروحانيون، والقسم الثاني: الجثمانيون، والروحانيون عندهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام، رؤساء وعقلاء وأجاويد، والجثمانيون ينقسمون عندهم إلى أمراء وجهلة.
ويحكمهم من ناحية دينية رجل يمتثلون لأوامره وتعاليمه يسمى عندهم بشيخ العقل،وله نواب ومساعدون.
ولهم رسائل مقدسة، مئة وإحدى عشرة رسالة، من تأليف حمزة ورجل آخر عندهم مقدس يسمى بهاء الدين، ولهم كتاب مقدس أيضاً اسمه: "النقاط والدوائر" ألفه عبدالغفار تقي الدين ت 905هـ.
هذه مجمل عقائد الدروز ومن خلالها يتبين لنا أنهم كفار لا يؤمنون بالأنبياء واليوم الآخر، ويعتقدون ألوهية الحاكم بأمر الله، ولا يعتقدون بما نعتقد، فهم كفار يحرم تزويجهم أو الزواج منهم، وتحرم ذبائحهم، ومن أحسن من كتب عنهم دراسة الأستاذ محمد الخطيب ونال بها درجة الماجستير في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، سماها "عقيدة الدروز عرض ونقد" وله رسالة أيضاً نال بها الدكتوراة تعرض للدروز في فصل من دراسته وهي "الحركات الفاطمية الهدامة في الإسلام" فهاتان دراستان متخصصتان عن الدروز.
السؤال 405: هل يجوز أن نقول: علي عليه السلام؟
الجواب: أما أن السلام على علي فنثبت معناه، و(عليه السلام) مصطلح خاص بالأنبياء، فالاصطلاح ينظر إلى إطلاقه وإلى شهرته، ولا ينظر فيه إلى معناه اللغوي، فمثلاً اصطلاح: (عز وجل) هذا يطلق في حق الله تعالى،لكن أليس محمد عزيز وجليلاً؟ لكن هل يجوز أن نقول محمد عز وجل؟ لغة نعم، لكن اصطلاحاً لا؛ لأنه أصبح خاصاً بالله تعالى، فلا يطلق على غيره، فاصطلاح عليه السلام خاص بالأنبياء، وإن كان بالمعنى اللغوي يطلق على علي وغيره.
لكن هذا الاصطلاح أصبحنا نراه من استخدامات أهل البدع في الغلو في علي، رضي الله عنه، فإنهم يخصونه به، وهذا أمر منكر، فإن الاصطلاح الخاص بالصحابة هو: (رضي الله عنه) ويجوز أن نقول عن الصحابة عليهم السلام إن ذكرناهم موصولين بالنبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: على محمد وآله وصحبه جميعاً عليهم صلوات الله وسلامه.
وعند الرافضة حديثاً مكذوباً: {من قطعني عن آلي بعلي فعليه لعنه الله}، فالرافضة يمنعون أن تقول: محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام بناءً على هذا الحديث المكذوب، وإنما يقولون: على محمد وآله الصلاة والسلام بدون علي، ولعنه الله على الكذابين.
السؤال 406: ما الفرق بين الحرام والمكروه كراهة تحريمية؟
الجواب: لا فرق بينهما من حيث الثمرة، حتى عند من يفرق بينهما، وكذلك الواجب والفرض لا فرق بينهما من حيث الثمرة، فالأصناف يفرقون بين الواجب والفرض، وبين الحرام والمكروه كراهة تحريمية، فيجعلون ما ثبت بدليل قطعي (قرآن أو حديث متواتر)، إن كان فيه أمر فهو فرض، وإن كان فيه نهي فهو نهي فهو حرام، وما ثبت بدليل ظني (حديث غير متواتر) إن كان أمراً فهو واجب وإن كان نهياً فهو المكروه كراهة تحريمية.
وكذا يلحقون ما استنبط وما اجتهد فيه من الأشياء الحادثة التي لم يرد فيها نص، فيغلبون عبارة المكروه كراهة تحريمية على عبارة الحرام، فالدخان مثلاً عند الحنفية يقولون عنه: مكروه كراهة تحريمية ولا يقولون حرام، لأنه لم يرد في نص، والمكروه كراهة تحريمية عند الحنفية يأثم صاحبه، ويثبت الفسق بالمكروه كراهة تحريمية، فلا يفرقون من حيث الثمرة، بين المكروه كراهة تحريمية وبين الحرام، فيؤثمنون فاعل الحرام كما يؤثمنون فاعل الكراهة التحريمية، وإنما التفريق عندهم بالدليل الذي يثبت، والله أعلم ...
السؤال 407: ما معنى قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك}؟
الجواب: الآية فيها خلاف طويل وكثير، والعلماء ذكروا أشياء منها ما هو قريب ومنها ما هو بعيد، وأبعد الوجوه عندي أنها نزلت خاصة في امرأة بغي كانت في المدينة تسمى هزال وهذا بعيد، وكذلك من الأقوال البعيدة في الآية أنها نزلت في أهل الصفة أنهم وجدوا الطعام والشراب والمبيت عند البغايا فأرادوا أن يتزوجوهن، ولم يثبت هذا بسند صحيح.
وأقوى الأقوال أنها جاءت لاستشباع واستشناع الزنا، وقد بين المولى عز وجل، أن الزاني طبعه خبيث فلا يستطيب بالحسن المليح، فلا يطيب له إلا الخبيث، الزانية، والزانية لا يطيب لها إلا الزاني الخبيث، فالعلماء قالوا ليست الآية على ظاهرها، بمعنى لو أن رجلاً مسلماً محصناً عنده امرأة محصنة وزنا، فلا تحرم عليه زوجته، ورجح القرطبي وابن العربي أن المراد بالنكاح في الآية: {الزاني لا ينكح}، أي يطأ، فتكون هذه الاية من الآيات التي ذكر فيها النكاح بمعنى الوطء، كما ورد في قوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} فالزاني تحت حمأة الشهوة وشدتها لا يكترث فيطأ الزانية أو المشركة، فالمهم أن يلبي هذه العزيزة البهيمية عنده دون أن ينظر إلى الموطوءة كما ينظر الذي يريد الزوجة والولد، فالزاني لا يبحث إلا عن زانية أو مشركة، وكذلك الزانية لا تبحث عن زان أو مشرك، فالمراد بالآية الإخبار.
ويؤكد هذا ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عمرو بن شعيب عن أبي عن جده أن مغيثاً كان ينقل أسارى الكفار وكانت له صديقة في مكة تسمى عناق فرآها ذات يوم في مكة، وكانت مشركة فعرضت عليه الزواج فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما عرضت عليه، فقال له صلى الله عليه وسلم: {إنها لا تحل لك إنها مشركة}.
ولا يجوز أن نستنبط من هذه الآية أنه يجوز أن يتزوج المشرك من المسلمة الزانية، وإنما المراد الإخبار ولا يجوز أن نقول أن المسلم إذا زنا زكانت تحته امرأة ليست زانية، فلا نقول إنها لا تحل له، وأصبحت زوجته حراماً عليه، فإنما المراد الإخبار بأن الزاني لا يبحث عن زانية أو مشركة، لا تقيم لشرفها وزناً، وكذلك الزانية لا تبحث إلا عن زان أو مشرك، والله أعلم..
السؤال 408: ماذا تفعل الحائض في العمرة؟
الجواب: المرأة الحائض إذا مرت بالميقات فلا يجوز لها أن تتجاوزه إلا بنية، ولا يشترط في النية عند الإحرام الطهارة، فيجوز للمرأة أن تلبي بالعمرة أو الحج، وإن كانت حائضاً، فتمر بالميقات وتقول: لبيك اللهم بعمرة أو لبيك اللهم بحج إن كانت حاجة.
والأحسن في حق الذكر والأنثى هذه الأيام الاشتراط، أن يقول الملبي بالحج أو العمرة: لبيك اللهم بعمرة اللهم محلي حيث حبستني، لأننا اليوم نركب السيارات، وقد يحصل ما ليس في الحسبان، فإذا قال الإنسان: اللهم محلي حيث حبستني ،فمتى حبس عن العمرة أو الحج يلبس ملابسه ولا شيء عليه، أما لو لم يستثني لكان لعدم استثنائه ضريبة فيحتاج إلى أشياء وليس هذا محل تفصيله.
والحائض لا يجوز لها أن تطوف في البيت ويجب عليها أن تتمهل وتنتظر حتى تطهر، فمتى طهرت فهي محرمة، فلا داعي لأن تذهب للتنعيم، وتبقى محظورات الإحرام في حقها كما هي وهي حائض، وحتى طهرت تغتسل في سكنها ثم تذهب وتطوف وتسعى وتتحلل.
وصورة أخرى للمرأة المعتمرة أو الحاجة أن تمر على الميقات وهي طاهر، ثم تحيض فيما بعد وقبل التلبس بالطواف، فهنا صورتها كالصورة السابقة لا فرق.
وهنالك صورة ثالثة: أن تمر المرأة على الميقات وهي طاهر، ثم تطوف بالبيت وهي طاهر، ثم يأتيها الحيض في أثناء طوافها ،فمتى جاءها الحيض تمسك، والعلماء لهم قولان هنا، هل تعيد أم تبني بعد طهرها، والراجح أنه إن طال الفصل فإنها تبدأ من جديد، وبلا شك حتى تطهر يطول الفصل.
وصورة أخرى: أن يأتيها الحيض بعد أن تتم الطواف، ففي هذه الحالة جماهير العلم يجوزون لها أن تسعى وهي حائض، وهذا مذهب الأئمة الأربعة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والمسعى لا يحتاج إلى طهارة لا من أكبر ولا من أصغر، أما مذهب الحسن البصري فلا يجوز لأحد أن يسعى إلا وهو طاهر، وكان شيخنا رحمه الله، في آخر حياته يرجحه، بناءً على عموم قوله تعالى: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما}، فذكر الله السعي كالطواف بالبيت، وهذا عندي بعيد، والذي أرجحه ويميل إليه قلبي مذهب جماهير أهل العلم، من أن السعي لا يحتاج إلى وضوء، والله تعالى أعلم..
السؤال 409: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم عن نجد {منها يطلع قرن الشيطان}؟
الجواب: حتى يتبين معناه لا بد من أمرين، أما الأول فأن ننظر في طرق الحديث لعل فيها ما يعين على الفهم، والأمر الثاني أن نعرف نجد، والكلام طويل وكثير، وقد ألف حكيم محمد أشرف وندهو، وهو من علماء الهند، رسالة سماها "أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان" وفصل فيها تفصيلاً حسناً بديعاً المراد من قوله صلى الله عليه وسلم عن نجد منها يطلع قرن الشيطان.
وقد ثبت في كتاب الفتن من صحيح الإمام البخاري برقم 7094، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا}، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ قال ابن عمر: فأظنه قال في الثالثة {هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان}، وبوب البخاري على هذا الحديث: "باب الفتن قبل المشرق" وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {رأس الكفر قبل المشرق}، وفي البخاري: {رأس الكفر نحو المشرق}، وثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير نحو المشرق: إن الفتنة ها هنا}، فالمشرق المعنى هو مشرق المدينة حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مسلم أيضاً عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يستقبل المشرق يقول: {ألا إن الفتنة ها هنا، ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان}.
وعند مسلم عن ابن عمر فيه تصريح، وفهم من ابن عمر لمراد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول ابن عمر: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم لكبيرة، سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الفتنة تجيء من ها هنا}، وأمأ بيده نحو المشرق {من حيث يطلع قرن الشيطان}، فابن عمر فهمه من هذا الحديث من حيث المشرق أنه العراق، ثم قال: وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وفي رواية عند الترمذي، قال ابن عمر: {انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم}،
والنجد في اللغة العربية المكان المرتفع، وفي "النهاية" لابن الأثير: يمتد من خندق كسرى في المدينة كان نجده في المدينة أو من تهامة، إلى العراق، ومن كان في المدينة كان نجده بادية العراق، والعراق هي مشرق أهلها، وفي حديث ابن حوالة عند أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة، جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق}، قال ابن حوالة: خير لي يا رسول الله؟ قال: {عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده فإن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل لي بالشام وأهله}، وفي رواية عند البزار{فمن رغب عن ذلك فليلحق بنجدكم}، وفي الحديث السابق {وجند بالعراق}، فنجد المرادة بالحديث العراق، وذلك يكون لمن لم يستطع اللحوق بالشام ولا باليمن، وفي صحيح البخاري: {يخرج أناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم}، وفي رواية للبخاري: وأهوى بيده قبل العراق وقال: {يخرج منه قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم}، وقد ورد في حديث ابن عمر وابن عباس لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا} قالوا: وفي عراقنا، قال صلى الله عليه وسلم: {منها يطلع قرن الشيطان}، والاستنباط ملغي مع التنصيص فالنبي صلى الله عليه وسلم نصص في هذه الأحاديث أن المراد بنجد العراق.
والواقع قديماً وحديثاً يشهد أن الزلزال والفتن والفرق وأصولها من الروافض والخوارج والمعتزلة من العراق، والمحن على مر العصور موجودة في العراق، لذا قال مالك نبي المفكر الجزائري : لقد ظلموا بغداد لما سموها دار السلام فلا سلام فيها.
السؤال 410: هل يجوز لي أحسب هدايا المناسبات التي أعطيها لرحمي من الزكاة علماً بأن الهدايا نقود، وبعضهم فقراء؟
الجواب: لما يصل الأمر عند الناس إلى المال يبدأون يبحثون عن مسوغات كما يقولون أخرج المال من كمك واجعله في جيبك، وكثير من الناس يسأل: أيجوز لي أن أعطي ولدي من زكاة مالي؟ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: {فتنة أمتي المال}، فالمال فتنة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمال فتنة قلة وكثرة، فالذي لا مال معه مفتون، والذي معه مال كثير مفتون، وأول فتنة أمة محمد في المال هي أن يضن الناس بالدينار، فالإمساك هو أول الفتنة، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعتم بالعينة....}، فالناس يلجأون للربا، إذا ضن أصحاب الأموال منهم بأموالهم، ونحن نحتاج إلى محلات ونشرات ووعظ من الأئمة لأن يحيوا القرض الحسن بين الناس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذانب البقر وتمسكتم بالأرض وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم}. فأول الذل إمساك الدينار والدرهم.
وبالنسبة لهدايا الناس فيما بينهم فإن العبرة ليست بالأسماء وإنما العبرة بالحقائق فأنت تقول: هذه هدية وهي في حقيقتها ليست هدية، وإنما هي دين في صورة هدية، ففي أعراف الناس من أعطى مالاً في مناسبة كالعرس مثلاً، ممن يعطي هذا المال يعتبره ديناً في ذمة الآخر، ويوصي به أبناءه، فمن يعطي قريباً له هدية، في مناسبة اجتماعية فإنه ينتظر ردها، أما إذا كان ليس من عادته العطاء، فلا يعطي في مناسبة وادخر هذا العطاء وأشعرهم أن هذا العطاء ليس له صلة بالمناسبة.
فالهدايا في المناسبات ليست هدايا في التكليف الفقهي الصحيح وإنما هي دين، لكن العلماء يقولون: قيمة الدين مسامح فيه، والفرق بينه ليس ربا، كالجار يأخذ من جاره رغيف خبز ويرجعه رغيف خبز، فليس مثلاً بمثل، لكن ليس هذا بربا، وهذا أمر معفو عنه، من باب عموم البلوى، ومن باب أن المقصد الشرعي من حرمة الربا غير حاصل في مثل هذه الفروق القليلة بين الهدايا، فلا يجوز للرجل أن يعطي أقاربه مالاً وينوي بها زكاة في المناسبات الاجتماعية، أما إن أعطاها في غير مناسبة، فالحمد لله، فالزكاة للرحم له عليه أجران، والله أعلم ...
السؤال 411: شخص كلفني بشراء سيارة وهو في بلد آخر، فاشتريت له السيارة بالمبلغ الذي بعثه لي ، وأخذت لنفسي أتعاباً من غير أن يعلم، فما حكم هذا الأخذ؟
الجواب: هذه المسألة تخرج على قاعدة: يد الأجير يد أمانة، لا يد ضمانة، فمثلاً: رجل يعمل عنده أجير، فكل مصلحة أو فائدة مالية عبر هذا الأجير أثناء العمل تعود إلى صاحب العمل ، فرجل اشتغل عنده صانع في بيته، كهربائي مثلاً وفرغ وقته لعمل الكهرباء في البيت، فوكله صاحب البيت، بشراء ما يلزم من مواد، فلا يحل لهذا الصانع أن يأخذ ربحاً من صاحب هذا البيت، على المواد، إنما يحاسبه بالثمن الذي اشترى فيه المواد.
ومثال آخر رجل عنده بضاعة في المطار فقال لأجير عنده: اذهب وحصلها، فقدر الله أن يكون وقت ذهابه للمطار وقت سفر قريب له، فذهب معه إلى المطار بالسيارة، فلا يجوز له أن يحسب أجرة السيارة على صاحب العمل لأن الأجير يده يد أمانة لا يد ضمانة، والعلماء يقولون: الغنم بالغرم، فلو أن الأجير أتلفت هذه البضاعة في يده من غير تقصير منه فإنه لا يغرمها، ولأنه لا يغرم، فإنه لا يغنم، وكذلك لو أن جارة قالت لجارة: اشتري لي كذا وكذا، شيئاً معروفاً سعره وهذه الجارة لسبب ما أخذت سعراً دون السعر المعتاد، فهذا الفرق في السعر لمن وكلت وليس لمن اشترت ، لأنه لو تلف هذا الشيء في يدها فلا تغرمه، لكن لو أن هذه الجارة تعاملت مع جارتها على أنها تبيع وتشتري فأوصتها شيئاً تعلم أنها تبيعه وتشتريه فحينئذ لها أن تربح منها.
فكذلك المسألة فإن وكلك على أنك صديق فلا يجوز أن تربح، وإن وكلك على أنك تاجر ورآك أميناً عارفاً بالسيارات وتبيع وتشتري فحينئذ تربح منه، أما أن تربح منه وهذه ليست مهنتك ويحفظ هو هذا العمل جميلاً في ذمته، يعتبره ديناً ويبحث عن مناسبة أخرى يخدمك فيها، فهذا لا يجوز، وفي مثل هذا أسند أبو نعيم في "الحلية" عن عمر بن عبد العزيز قال: ((ليس من المروءة الربح على الإخوان)) أما في التجارة فلا حرج، أما أن تعامل معك على أنك أخ ولست تاجر ثم تبيع وتربح فهذا ليس بمشروع، ومن الأدلة على عدم المشروعية أن فيه نوعاً من الغش، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {الإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس}. وهذا لو علم أنك أخذت مالاً فإنه ينزعج ويحيك في صدره شيء. والله أعلم ..
السؤال 412: كيف نتعامل مع أحاديث الفتن؟ وما أحسن الكتب المصنفة فيه؟ وهل صحيح أن أشراط الساعة الوسطى قد ظهرت وبقيت الكبرى؟
الجواب: لقد كثر الكلام عن الساعة، بل حدد بعض الناس مدة لها، بل ألف بعضهم كتاباً سماه "عمر أمة الإسلام" وبعضهم يحلف أيماناً مغلظة أن المهدي سيظهر بعد عشر سنوات، إلى غير ذلك من الخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والسعيد في عالم الغيب من دار مع ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتعجل، ولم يسقط الأحاديث على أحداث قبل وقوعها، فإنه تنبؤ واعتداء على الغيب، وهذا يخالف هدي السلف في التعامل مع أحاديث الفتن.
وقد سئلت كثيراًَ عن كتاب "عمر أمة الإسلام" وهذا له تعلق بالسؤال فأقول: هذا الكتاب جل الأحاديث التي فيه صحيحة وثابتة وقد اعتمد مؤلفه تصحيح المحدثين، لكن للكتاب عقدتان، الأولى: أنه اعتمد أخبار بني إسرائيل من التوراة والإنجيل المحرفة المزيفة،وجعلها في مرئية الأحاديث النبوية، والعقدة الثانية: أنه نسج بين الأحاديث التي ذكرها، صلى الله عليه وسلم، وجعل لها تسلسلاً من رأسه، فيقول: هذا قبل هذا ، وهذا يترتب عليه هذا، وهكذا، وهذا التسلسل يحتاج إلى نص خاص ،فما لم يأت نص فلا يجوز لنا أن نربط بين حديثين لا نعرف أيهما الأول وأيهما الآخر، فاستطاع بأسلوب رشيق أن يخدع القارئ ويدخل الباطل إلى عقله، ويجعله يعتقد أن عمر هذه الأمة معروف.
أما تحديد هل نحن في أشراط الساعة الصغرى أم الوسطى، فهذا كلام ذائع بين الناس، والسعيد من وقف مع ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما اغتر بالاصطلاحات وإن ذاعت وشاعت، وكان الشعبي يقول: ((إذا استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل)) وكان سعيد بن المسيب يقول: ((ما لا يعرفه أهل بدر فليس في دين الله من شيء)) واصطلاحات أشراط الساعة الصغرى والوسطى والكبرى، لم نظفر بها ولم نعرفها، لا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا على لسان صحبه، قد يقال: هذا اصطلاح ولا مشامة في الاصطلاح، نقول: نعم لا مشامة في الاصطلاح، لكن هذا الاصطلاح، حتى أجيب على سؤال السائل، ليس بمنضبط، فالصغرى بالنسبة لنا وسطى بالنسبة لآبائنا أو أجدادنا، والكبرى بالنسبة لآبائنا وأجدادنا وسطى بالنسبة لنا، وهكذا، والأحسن من هذا أن نردد مع ابن كثير في كتابه "النهاية في الفتن والملاحم" قوله: ((ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم ووقع)) ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم ووقع شطره، وينتظر وقوع الشطر الثاني منه، ((ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم ولم يقع)) فما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم لا بد أن يقع، لأن أشراط الساعة من باب إخبار الله تعالى لنبيه علم الغيب.
وأحاديث يتعامل معها كثير من الناس على أصل عقدي بدعي فاسد، فلا يجوز لنا على أي حال من الأحوال أن نفهم أحاديث الفتن على غير فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز للواحد منا أن يقول: بما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أخبر عن الفتن، وفيها من الشرور الشيء الكثير، فنقول بما أن النبي قد أخبر فلنقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الفتنة، فلا بد أن تقع، وهدي السلف في التعامل مع أحاديث الفتن أنهم كانوا يردونها ويدرؤونها عن أنفسكم وعمن يلوذ بهم، وعن مجتمعاتهم، فلا يستسلمون لها، وكانوا يعتقدون أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بها من باب الرأفة والرحمة بأمته فحسب، وليس من باب أن ينتظروها ويقولوا: لا بد أن يقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فالواجب علينا أن ندرأ الفتنة عن أنفسنا وعن أمتنا، فإن انتظرنا الفتنة وجلسنا مكتوفي الأيدي لا نحاربها، ففهمنا هذا قائم على أصل القدرية، وليس على أصول أهل السنة.
والواجب علينا في أحاديث الفتن، أولاً أن نتعلمها ولذا صح عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يعلمون أبنائهم أحاديث الفتن كما يلقنونهم السورة من القرآن الكريم، وكانت أحاديث الفتن مشتهرة على الألسنة، وكانت تشاع وتذاع في المجالس، وينبغي أن تذكر من أجل أن تدر أو تدفع.
أرأيتم إلى الأب الحنون الحريص على ابنه، لما يريد ابنه أن يغير بلده، وينتقل مثلاً من ديار الإسلام إلى ديار الكفر، فيقول له: يا أبت ترى كذا، وترى كذا وكذا ،وهو يقول هذه الأمور حتى يحذره ويقوى عزيمته في داخله في أن يرد هذه الفتن، وكنت أقرأ آية في كتاب الله، فأستغرب منها ولا أفهمها، وهي قول الله تعالى عن أهل بدر لما ذهبوا للقتال، وهم خير الأصحاب، بل الملائكة التي قاتلت معهم هم خير الملائكة، فقال الله عنهم في سورة الأنفال: {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}. هل يوجد هلع أكثر من هذا؟ أن يساق الإنسان للموت وهو ينظر إليه! ووصف أهل بدر هكذا، لأن الله خيرهم بين أمرين، بين القافلة وبين القتال، والنفس إن خيرت تميل إلى السهولة واليسر، فإن وقع الأشد، وقعت الطاعة.
لكن النفس إن تحفزت وتقوت واستعدت للأمور الصعاب فإنها تبقى قوية، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أنفسهم أنهم ما استعدوا في حديثهم لأنفسهم آنذاك للجهاد. فكان هذا حالهم .وليس هذا تنقيصا لهم ، معاذ الله ، وإنما هذا إشعار بطبيعة النفس البشرية .فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الفتن آخر الزمان ، حتى تبقى العزيمة والهمة قوية ، ويتحقق قوله صلى الله عليه وسلم: {حتى تجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضاً، حتى تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي} كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر و الطويل فالمؤمن يعلم أن الفتن ستشتد وتزداد مع مضي الزمن ، فيوجد في داخله من القوة ما يعادل أو يكون أقوى من ضغط الفتنة عليه. وكم من إنسان يحيد ويسقط ، لأن العاصفة أقوى منه وقد يكون اعتقاده وتصوره سليما لكن العلة في إرادته ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الفتن لكي يبقى في دواخلنا عزيمة أكيدة بأننا سنرى العجائب آخر الزمان فمهما رأيت يا عبد الله فلا تغير ولا تبدل ، مهما اشتدت بك الأمور ، فانتظر الموت وسل ربك أن تموت على ألا تفتن في دينك ، ولذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرج أحمد وغيره ، من دعاءه {اللهم إن أسالك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني ، وإن أردت بي وبقومي فتنة فاقبضني إليك غير مفتون} فالموت أحب للمؤمن من أن يفتن في دينه. فنتعامل مع الفتن بنفس المؤمن الحريص على أن يبقى على الجادة، وأن تبقى عنده الاستعدادات ليرى العجائب آخر الزمان ، فلا يحيد ولا ينحرف ولا ينافق ولاأقول لايجامل ، والنفاق كثير بل النفاق والكذب أصبح شعار العصر ، والنفاق هو عنوان اللباقة اليوم وشعار المجالس فهكذا نتعامل مع الفتن لا أن نستسلم لها، فنتعامل مع أحاديث الفتن على هذا المحور الذي تجعل الأحاديث تدور عليه.
وأسمع لبعض الخطباء، وأقرأ لبعض من يكتب، لا سيما في الجرائد والمجلات، فأرى أنهم يفهمون أحاديث الفتن فهماً خطيراً على أصل غير شرعي بل هو بدعي .
وأما الكتب المصنفة في الفتن، فأنا أحب الكتب المسندة وطالب العلم ينبغي أن ينظر في الإسناد، لأنه لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، كما قال الزهري وغيره ، فمن أوعب الكتب وأجودها تحقيقا وطباعة كتاب " الفتن " لأبي عمرو الداني المقرئ المشهور وكتابه مطبوع في ثلاث مجلدات وممن كتب في الفتن نعيم بن حماد ونعيم اختلط وفي حفظه شيء، فدمج الأحاديث والألفاظ لكن كتابه يستأنس به وممن جمع في الفتن ابن كثير في كتابه "النهاية في الفتن والملاحم" فجمع وأحسن واستوعب ونقد هذا أحسن ما كتب في الفتن والله اعلم
السؤال 413: ما رأيك في هذه المقولة: أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب؟
الجواب: هذه مقولة جاهلية الإسلام منها بريء، فانظروا إلى سماحة الإسلام وعدله لما قال النبي صلى الله عليه وسلم مما ثبت في الصحيح من حديث أنس: {أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً}، فقال الصحابة: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: {تأخذ فوق يده}، فأنت مع أخيك على طاعة الله عز وجل، وليس على الغريب أو ابن عمك، فإن كان ابن عمك محقاً، فأنت معه على أخيك، بل إن كان الغريب محقاً فأنت معه ضد أخيك وأبيك، أما هذه المقولات الجاهلية ما أنزل الله من سلطان فيها حمية أهل الجاهلية، الحمية للقرابة وللقبيلة، وهذا شأن العرب قديماً أما الإسلام فقد طلب من المسلم أن يدور مع الحق، والعدل، أينما وجد، والله أعلم..
السؤال 414: هل يوجد عند الشيعة تحريف للقرآن؟
الجواب: قرأت من أكثر من عشرين سنة، كتيبات ولما كنت أقرأ أن الشيعة يحرفون القرآن ، والله لاأصدق ، فأقول : مسلم يقول بتحريف القرآن؟ شيء عجيب ، فمهما بلغ به الضلال، وعشعش الشيطان في قلبه وعقله فيصعب أن الإنسان يقول : أن كلام الله في القرآن قد حرف . حتى يسر الله لي على مراحل إثبات هذه الحقيقة بأدلة قطعية . فلما من الله علي وقرأت تفسيرالإمام القرطبي قال : باب ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن وخالف مصحف عثمان بالزيادة والنقصان والإمام القرطبي متوفى سنة 671ه يعني أن الكلام قبل ثورة الخميني في إيران بقرون ، فالكلام ليس كلام سياسي كما يقول ويزعم البعض ، فكلامنا نقدي ، ونعوذ بالله تعالى من أن نغير؟ أو نحرف أو أن نَظلم أو أن نُظلم.
ثم وجدته ينقل عن الإمام أبو بكر محمد بن القاسم الانباري ـ، وللأنباري كتاب "الرد على من غير القرآن" وهو متوفى سنة 328ه فالمسألة قديمة . وينقل القرطبي عن الأنباري كلاماً جميلاً، يقول: (حتى نبغ في زماننا هذا زائغ زاغ عن الملة ، وهجم على الأمة بما يحاول به إبطال الشريعة التي لا يزال الله يؤيدها، ويثبت أسسها ، وينمي فروعها ، ويحرسها من معايب أولي الجنف والجور ، ومكايد أهل العدواة والكفر ، فزعم أن مصحف عثمان ، باتفاق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصويب ما فعل ،لايشتمل على جميع القرآن ،إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف قد قرأت ببعضها ، وسأقرأ بقيتها) وبدأ يسرد ما زعمه ذاك الكافر من أن القرآن قد غير وبدل ، ويذكر الأمثلة . فهذا إذن معروف من القرن الرابع.
ووجدت في "مناقب أبي حنيفة" للكردلي المتوفى سنة 827ه ، وينقل عنه هذا الكاري في كتابه البديع "شم العوارض بذم الروافض" وهو كتاب قيمته أنه علمي تأريخي . وعلى الكاري هروي، وهراه في زمن على الكاري كانت قطعة من إيران ، ثم انفصلت عنها في معاهدة أبرمت سنة 1890 للميلاد ، حيث فصلت على إثرها أفغانستان عن إيران . وقد كتب على الكاري كتابه "شم العوارض" وقد حولت في عصره إيران من السنة إلى الشيعة ورأى كيف فعل الشيعة الأفاعيل في أهل السنة وكان آنذاك طفلاً ، فلما ذهب إلى مكة ودرس فيها كتب ما رآ ه آنذاك . وذكر أشياء تشيب لها الولدان . وذكر أن الذي كان يصلي ويضع يمينه على يسراه ، كان يقتل أحياناً في الصلاة وأحياناً خارج المسجد . وكان الذي يغسل قدميه في الوضوء يقتل . وهذا شاهد بعينيه ، حيث قتل من أهل السنة عشرات الألوف , وعلى إثرها حولت إيران من السنة إلى الشيعة فينقل على القاري عن الكردلي قوله: (إن للرافضة أحاديث موضوعة ، وتأويلات باطلة للآيات ، وزيادات وتصحيفات كزيادة والعصر ونوائب الدهر) وكقوله {إن علينا للهدى} حرفوه [إن علياً للهدى] وهم قوم بهت يزعمون أن عثمان أسقط خمس مائة كلمة من القرآن ، منها قوله تعالى : {ولقد نصركم الله ببدر} فزادوا فيه [بسيف علي] و{ألم نشرح لك صدرك} زادوا [وجعلنا علياً صهرك] وهكذا في آيات كثيرة . وهذا كلام العلماء الأقدمين ، القرن الرابع والقرن السابع والقرن التاسع والقرن الحادي عشر .
وكنت قد قرأت للشيخ محب الدين الخطيب ، وهو من العلماء المعاصرين قرأت له أن أئمة الشيعة لهم مؤلفات وتصريحات بأن القرآن الذي بين أيدينا محرف . ثم ظفرت بمجموعة من النقول عن أئمتهم فيقول محمد بن محمد النعمان ، الملقب بالمفيد ، وهو من الأئمة المسندين عندهم ، يقول في "أوائل المقالات"(ص91): أن الأخبار جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن ، وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان وشيخ آخر من مشايخهم ، هو أبو الحسن العاملي يقول في "مرآة الأنوار"(ص36) : (أعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها ، أن هذا القرآن الذي بين أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،شيء من التغيرات ، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات ))
ويقول بعض معاصريهم ، نعمة الله الجزائري، يقول في كتاب "الأنوار النعمانية" (2/357): (أن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي ، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الاخبار المستفيضة ، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف بما في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً ، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها) فهذه كلمات لأئمتهم الأقدمين والمعاصرين فيها التصريح بأن القرآن الذي بين أيدينا قد سقطت منه آيات .
وقرآت عند محب الدين الخطيب أن عالمهم المقدم عندهم كما ابن تيمية عندنا ، وهو الطبرسي أن له كتاب كبير اسمه "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" وكما ذكرت في البداية أني أول ما قرأت مثل هاذا الكلام لم أكد أصدق هذا فتطلبت كتاب "فصل الخطاب" وحصلته من مكتبة من مكتبات الهند مخطوطاً بخط الطبطباني أحد كبار علمائهم له تفسير كبير وأذكر لكم بعض كلامه من أول الكتاب فيقول : ( .. وبعد فيقول العبد المسيء حسين بن محمد تقي النور الطبرسي جعله الله من الواقفين ببابه المتمسكين بجنابه ، هذا كتاب لطيف ، وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن ، وفضائح أهل الجور والعدوان ، وسميته فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ، وجعلت له ثلاث مقدمات ، وبابين ، وأودعت فيه من بدائع الحكمة ما تقر به كل عين . وأرجو ممن ينتظر رحمته المسيئون أن ينفعني به في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون) ثم في آخر الكتاب يأتي بباب : الساقط من سورة البقرة ، الساقط من سورة آل عمران.....وهكذا سورة سورة
لكن ليس كل الشيعة يقولون بهذا ، فيوجد بين الشيعة مغفلين عن مذهبهم الرديء، فحماهم الله من الكفر ، فلا نكفر هؤلاء لغفلتهم عن مذهبهم ، وإن سموا أنفسهم شيعة فنحن لا نكفر الشيعة جملة ، لأننا نقيم الأحكام على الحقائق والمعاني ، وليس على الألفاظ والمباني . فمن يزعم أن القرآن الذي بين أيدينا سقط منه حرف واحد ، أو أن فيه شيئاً ليس من كلام الله ، فهو كافر ليس له في الإسلام نصيب .
فمن خلال هذه الأمور يتبين لنا أن القول بأن القرآن فيه نقص قول مشهور عند الشيعة على اختلاف الأعصار والأمصار . بل محققوهم كتبوا فيه بعض المصنفات الكبار نسأل الله عز وجل العفو والعافية .
السؤال 415: إذا قدر لشخص أن يصلي داخل الكعبة، فأين تكون قبلته؟
الجواب : الصلاة داخل الكعبة فيها خلاف بين أهل العلم، والراجح من أقوال ومذهب المحققين، جواز الصلاة داخل الكعبة، في الفريضة والنافلة. ووردت أحاديث أن الصلاة لا تجوز في سبعة مواطن، ومنها: داخل الكعبة وفوقها، وهذا حديث ضعيف جداً لم يثبت ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عباس وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، نفوا أن يكون النبي قد صلى داخل الكعبة، وثبت عن بلال في الحديث المتفق عليه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى داخل الكعبة ورجح البخاري وغيره رواية المثبت على رواية الثاني، وابن عباس وأسامة لم يبلغهما وبلال بلغه، فقد ثبت في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنه قال: ((سألت بلالاً فقلت: صلى فيه [أي في البيت]، قال: نعم، فقلت: في أي؟ فقال بلال: بين الاسطوانتين))
وقياس الصلاة بالطواف قياس مع الفارق ومذهب المالكية المنع وهو قول عند الحنابلة، والمشهور عند الحنابلة الكراهة مع الجواز ومذهب الشافعية والحنفية الجواز، واختيار الجواز في الفريضة، والنافلة هو اختيار الشيخ السعدي، وابن باز والألباني، وابن تيمية، والقول بالجواز هو الذي تقضيه النصوص، وثبت في صحيح مسلم عن عثمان ابن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل فيه وصلى ركعتين والظاهر أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في النافلة والفريضة كالنافلة، إذ اشترط القبلة في الحالتين.
وأما القول أن الصلاة في الكعبة فيها استدبار للكعبة، فنقول: هذا ليس بمانع ولا يكفي أن يكون ذلك مانعاً لاسيما أن النص قد صح، وأما القول بأن المصلي لا يستقبل جميع القبلة، فنقول: في كثير من البلدان المسلمون يصلون ويستقبلون جهة من الجهات، فأينما توجه المصلي داخل الكعبة أو على ظهرها فصلاته صحيحة، في الفريضة والنافلة، وليس فيها فضل زائداً إلا أنه تقصد أن يصلي في المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، بين الاسطوانتين، والله أعلم.
السؤال 416: ما حكم عمل المرأة؟
الجواب: الأصل في المرأة أن تبقى في بيتها، قال تعالى: {وقرن في بيوتكن}، فإن اضطرت للخروج للعمل فيجب ألا تخرج إلا بشروط، ومن شروط الخروج ألا تتبرج، {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}، قال ابن جرير في تفسيره: ((المرأة كانت تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، بأن تظهر مقدم شعرها، وجيبها، هكذا كانت النساء، يتبرجن في الجاهلية الأولى)) فلو أنه يا ترى رأى نسائنا اليوم ماذا يقول عن هذا التبرج؟ فنسأل الله العفو.
وقال الله تعالى في سورة القصص في قصة موسى لما سأل الامرأتين : {قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير} فموسى عليه السلام مر على امرأتين تبعدان الغنم عن السقي، فاستغرب منهما، وسألهما ما شأنكما؟ فبينا أنهما لا تجعلا الغنم يختلط بالغنم حتى لا يختلطا بالرجال، حتى يبتعدوا ويصدر الرجال عن الماء وأنهما ما خرجتا للسقي إلا لأن أباهما شيخ كبير، فلو كان أباهما يستطيع الخروج ما خرجتا.
وخروج المرأة من بيتها للعمل يسبب لها ويلات في المجتمع والويلات جسيمة وعظيمة، وأغلب الأزواج يضايقهم خروج الزوجة من البيت للعمل، وكذلك خروجها للعمل يسبب البطالة في المجتمع والمرأة تجهد في عملها ولا تستطيع أن ترعى بيتها وأولادها، وأن تقوم بالمهمة التي أوجبها الله عليها، والعمل من أسباب عنوسة النساء ،فكثير من الآباء لا يزوجون بناتهم بسبب المال الذي تأتي به ابنته من عملها.
ومن شروط خروج المرأة للعمل أن تكون تقية، ألا تفتن ولا تفتن، وأن تجد مكنة من نفسها، في المحافظة وعدم مماحكة الرجال، ومخاطبتهم، وهذا الصنف نادر جداً، ممن يعملن هذه الأيام، والمرأة التي تخالط الرجال يصبح عندها قحة وقلة أدب وتكون برزه، وتعترض وتعلي صوتها، وأجمل ما في المرأة حياؤها، والمرأة التي تعمل مع الرجال تفقد هذا الحياء، فتفقد أجمل ما عندها فاختلاط المرأة بالرجال حرام ،فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} ويقول أيضا: {إياكم والدخول على النساء}، قال رجل من الأنصار: أرأيت الحمو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: {الحمو الموت}، فالمرأة يطمع بها ولو أن المرأة علمت كيف ينظر إليها الرجال ما خاطبت واحداً منهن، لكن المرأة المؤمنة غافلة فنظرة المرأة للرجل، ليست كنظرة الرجل للمرأة، فإن المرأة مطلوبة، ولا ينظر إليها الرجل إلا بشهوة وشهوة الرجل أقوى من شهوة المرأة بمرات، والقول بالعكس خرافة، ولذا المرأة دائماً مطلوبة وليست بطالبة.
ومن شروط عمل المرأة أن يكون أصله حلالاً فلا تعمل في بنك والواجب على المرأة في عملها ألا يؤثر عملها على أصل مهمتها، من إصلاح للبيت ورعاية أولادها والقيام بمهام زوجها، فإن تعارضا فالبيت والزوج والأولاد مقدمون على العمل ولابد من الالتزام باللباس الشرعي وأن تعرف أحكام الله عز وجل في الزينة لئلا تقع في المحظور ولا بد من إذن الوالي، فلا تخرج من غير إذن زوجها أو أبيها أو من يقوم مقامه ،فهذه شروط عمل المرأة وإن كانت المرأة أصلاً ليس مطلوباً منها النفقة والنظر في أموال الناس يجد مخالفات كثيرة والتساهل شديد في هذا الباب، نسأل الله عز وجل أن يهدي نسائنا لما يحب ويرضى. والله أعلم..
السؤال 417: ما الفرق بين كتابي "التمهيد" و"الاستذكار" لابن عبد البر؟ وهل كتاب ابن رشد "بداية المجتهد" تلخيص للاستذكار ؟
الجواب: ليس كتاب "بدايةالمجتهد" فيه ميزة لاتوجد في كتاب، وهي سبب اختلاف الفقهاء فيذكر فيه سبب ومنشأ الخلاف بين الفقهاء .
وأما كتابي "التمهيد" و"الاستذكار" فكلاهما شرح لـ "موطأ" مالك . وهما كتابان مستقلان ليس بينهما صلة . والصنعة الحديثية في "التمهيد" غالبة. والصنعة الفقهية في "الاستذكار"غالبة ويوجد في "التمهيد" فقه، ويوجد في "الاستذكار" حديث وإسناد و"التمهيد" رتبه على شيوخ مالك, ورتب الشيوخ على الحروف رواية يحيى الليثي . وأما "الاستذكار" فشرحه على ترتيب "الموطأ" المطبوع برواية يحيى الليثي . فالتمهيد عسر فحتى تستخرج الحديث منه فلا بد أن تعرف اسم شيخ الامام مالك فيه , ثم ترجع إليه في الحروف على التمهيد أما الاستذكار فقد شرحه على الترتيب المطبوع من رواية يحيى بن يحيى الليثي . وكلاهما كتاب مستقل . وكتاب "التمهيد" أجل
وذكر الذهبي في ترجمة ابن عبد البر في "السير" لما ذكر "الموطأ" قال : له هيبة . وقال : من أجل شروحه "التمهيد"، وأورد مقولة العز بن عبد السلام : ما طابت نفسي بالفتوى حتى اقتنيت المغني والمحلى . فقال الذهبي على إثرهذه المقولة : قلت : من نظر في هذين الكتابين ، "التمهيد" لابن عبد البر و"السنن الكبير" للبيهقي وأدمن النظر في هذه الكتب حتى يستحضر ما فيها فهو العالم حقاً. فهذه كتب مهمة . وعندي لولا ابن عبد البر لما ذهب ابن حزم وما جاء في إسناد مذاهب التابعين ومن بعدهم . فابن عبد البر هو صاحب الفضل وهو صاحب الإسناد , لأن عمر ابن حزم في العلم قصير ، فوقعت له مصنفات بالإجازة لانه أمير . والذي تعب واجتهد ابن عبد البر . وكان في المضايق يقول ابن حزم : كتب الى ابن عبد البر , فيأتي بالأسانيد . فابن عبد البر اعتنى عناية رائعة بمذاهب الصحابة والتابعين ومن بعدهم . وأسند وتكلم على الرواة وتكلم على الأحاديث وفقهها .
وبطبع "التمهيد" فرح طلاب العلم ومحبي الكتب و"التمهيد" النقل منه أشهر عند العلماء المتأخرين . وإن كنت وجدت ابن القيم في "إعلام الموقعين" لما يقول : قال ابن عبد البر , فغالباً ينقل من "الاستذكار" لأنه أسهل والله أعلم.
السؤال 418: رجل كان يعامل ابنته كما يعامل زوجته، ولم يكن يتناول الخمر، وكان محافظاً على الصلاة إلا أنه كان يتناول بعض الأدوية للأمراض النفسية وبعدها تاب، فهل تنتفي عنه صفة الأبوة؟
الجواب: لا تنتفي عنه صفة الأبوة بل الذي أتى امرأة بزنا وحملت وأنجبت ابنة فإن هذه الإبنة تنسب إليه ولا يجوز أن يتزوجها، والزعم بأن مذهب الشافعي بأنه يجوز للرجل أن يتزوج ابنته من الزنا، هذا كذب عليه، والأبوة تلحق بإبنة الزنا، من جانب ولا تلحق من جانب آخر، فتلحق من جهة النسب، ولا تلحق من جهة الميراث، هذا هو الراجح.
وظاهرة إتيان المحارم شاعت، وعلى أولياء الأمور أن ينتبهوا فاليوم الزواج عسر، وكأن الولي يريد أن يبيع ابنته ولا يعلم المسكين أن الزواج ستر على البنت، قبل أن يكون ستراً على الرجل، فالعاقل من بحث لابنته عن زوج صالح ولأن الزواج عسر ولا يوجد عند الناس تقوى الله، وواعظ التقوى مات في قلوب الناس فلا يوجد صلاة ولا ذكر، وأصبحت البيوت فنادق ومطاعم، فأن يجمع الأب أولاده على ذكر الله، فهذا أمر يتضاحكون منه، أما أن يدفع الأموال ويجمعهم على العاهرين والعاهرات في الفضائيات فهذا أمرٌ محمود، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فيرى الأخ والأخت في الفضائيات العجب العجاب، ولا يوجد بين الأخ وأخته ستر للعورات، فالأخت أمام أخيها بالبنطال الضيق أو فستان النوم الشفاف، فبوجود المسوغات وعدم تفريغ الشهوة بالزواج وغياب التقوى ماذا يبقى؟ فنسأل الله العفو والعافية.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من أتى إحدى محارمه فاقتلوه} وهذه الظاهرة منتشرة فالذي يسمع أسئلة الناس على الهاتف يسمع العجب العجاب، ويعلم كم تدنت نفوس الناس وكم تدهورت أخلاقهم وكم شردوا وابتعدوا عن الله عز وجل، وكم تحللوا من بقية العادات والتقاليد التي فيها شيء من القيام بأمر الله عز وجل فهذا المسؤول عنه يبقى أبيها، لكنه أتى كبيرة من الكبائر، يستحق عليها القتل، والله أعلم.
السؤال 419: هل حديث {من نام حتى أصبح فقد بال الشيطان في أذنه} المراد به عن صلاة الفجر أم بقيام الليل ؟
الجواب : هذا الحديث ثابت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ,((ذاك رجل بال الشيطان في أذنه )) وفي رواية إسنادها حسن عند أحمد في المسند أن الحسن البصري قال عقب هذا الحديث : إن بوله والله ثقيل . وهذا الحديث بوب عليه البخاري: باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه، ووضعه في كتاب التهجد . وذكر المنذري في "الترغيب والترهيب" ووضعه تحت باب : الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شيء من الليل . فعلى مفهوم البخاري والمنذري لهذا الحديث معناه : من نام حتى مطلع الفجر ولم يقم الليل .
لكن ظفرت برواية تبين أن المراد من نام عن صلاة الفجر وليس من نام عن قيام الليل . فقد أخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ : {من نام عن الفريضة حتى أصبح فقد بال الشيطان في أذنه}وإسنادها صحيح . فالمراد إذن من نام عن الفريضة . والأمور المحتملة إن جاء نص فإنه يقضي على الاحتمال . وهذه الطريقة من ميزات ابن حجر في "فتح الباري " فلإنه أزال الاحتمالات فالتنصيص مقدم على الاستنباط . والله اعلم.
السؤال420:هل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ، منع علياً أن يتزوج على فاطمة ، وهل في ذلك نهي عن تعدد الزوجات ؟
الجواب : القصة المشار إليها صحيحة ثابة في الصحيحين . فعن المسور بن مخرمة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو علىالمنبر وهو يقول : {إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم ثم لاآذن لهم ، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم . فإنما ابنتي بضعة مني ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها} وفي رواية : {واني لست أحرم حلالاُ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبنت عدو الله مكاناُ واحد أبداً} وليس في هذا الحديث إشارة إلى أن تعداد الزوجات ممنوع . فتعدد الزوجات مسموح بل مرغّب فيه . كيف لا وربنا يقول : {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}. ولو قال ربنا : {فانكحوا من النساء مثنى وثلاث ورباع}لكان التعداد فرضاً لكن قال : {فانكحوا ما طاب} فقد تطيب الثانية وقد لا تطيب .
والأصل في الزواج التعداد لأن الله بدأ بالمثنى . وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال: ( خير الناس أكثرهم أزواجاً) يريد النبي صلى الله عليه وسلم ، قد عقد على ثلاث عشرة امرأة ، ودخل بإحدى عشر ، ومات عن تسع من النسوة فالتعداد من ديننا، وأما القول بأن هذا الحديث يلغي التعداد ،فكذب وزور وباطل . وهذا الحديث له توجيه .
وللأسف في بعض بلاد المسلمين اليوم ألغي التعداد ، وأصبح جريمة يحاسب عليها القانون . وبعضهم يسوغ ذلك بقوله إن التعداد من الأمور المباحة ويجوز لولي الأمر أن يقنن الشيءالمباح وهذا كذب ولا يجوز لولي الامر أن يتعدى على أمر قد حلله الله وشرعه . فالخليلات مأذون بهن . وأما الحليلات من الأزواج فهذا أمر يعاقب عليه القانون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وهذا فيه إباحية ومحاربة للفضيلة والخلق والدين .
وإن من سنة الله على اختلاف الأعصار والأمصار أن النساء أكثر من الرجال . والعنوسة موجودة بكثرة في كثير من البيوت . ولا بد من أولياء الأمور أن يقبلوا بالتعداد فالتعداد من محاسن ديننا . لكن واقعنا اليوم لا يأذن به . فعدم الإذن به من سوء واقعنا لا من ديننا . فانظروا معي ، لو أن الرجل لا ينظر إلا إلى وجه محارمه ، أمه وأخته وعمته وخالته ، فإنه يصبح عنده دافعاً نفسياً قوياً في أن يتلذذ بغير زوجته . فالتعداد يصلح في مجتمع الطهر والستر ولا يصلح التعداد إلا لمن عنده طهر ، فكلما غض الرجل بصره وحفظ فرجه احتاج للنساء أكثر . ولذا أكثر الناس حاجة للرجال النبي صلى الله عليه وسلم ، أطهر الناس ، وكان أكثرهم أزواجاً .
والتعداد في جاء ضمن قواعد ونمط حياة ، وليس التعداد منبتا. وما أودعه الله في الطبيعة من الخيرات ، هنالك في الشرع ميزانية في بيت مال المسلمين ، حاصل ما أودعه الله في الطبيعة يعود على المسلمين على عدد رؤوسهم وأفرادهم . فلو واحد عنده عدة زوجات وأولاده كثر ، فإن نصيبه من بيت المال يكثر . وهذا فيه إغراء. والشرع لما جاء بالتعداد جاء بشرائع كثيرة تعين وتشجع على التعداد . فالنبي صلى الله عليه وسلم ،مثلا يقول : {من أحيا أرض موات فهي له} ومن وافقت كنيته كنية زوجته من الصحابة محصورون وألف بعض العلماء مؤلفات فيمن وافقت كنيته كنية زوجته فما زادوا عن الستين، أما جل الصحابة فيكون هو أبو كذا وزوجته أم كذا، لأن المجتمع الإسلامي مجتمع جهاد وعطاء، وليس مجتمع خمولٍ وركود، فهو مجتمع فتح، وما كان التعداد للشهوة فقط، وإنما كان من باب الستر والفضيلة وحفظ الأولاد والزوجات، فكان الرجل يغار على زوجة أخيه وابن عمه.
ومن أواخر الإحصائيات في الأردن عدد العانسات في الأردن يزيد على مئة ألف امرأة، فأولياء الأمور إن لم يقبلوا بالتعداد فما هو السبيل لعفة هؤلاء؟ فالتعداد لابد منه.
وقد طرحت فرنسا مسابقة من أحسن كتاب حول المرأة، فشارك مسلم فيها ونال الجائزة الأولى، ويقول في مقدمة كتابه: كانت مشكلة التعداد عندي هي عقدة بحثي، ففطنت إلى أمر، فأخذت إحصائيات لعدد النساء وعدد الرجال في العالم لمدة عقد من السنوات، فوجد أن عدد النساء في العالم أربع أضعاف الرجال في العالم، فقلت إن أردنا الفضيلة والعدل نعطي كل واحد أربعاً فسقطت المشكلة عندي.
فسنة الله الكونية توافق سنة الله الشرعية، في هذا الباب، فالتعداد أمر لابد منه، لكن نمط حياتنا هو الذي يفسد علينا التعداد، فالأنانية من قبل النساء من جهة، وكذلك نمط الحياة الاجتماعي وتطبيق التعداد في واقعنا يبشع ويشنع صورة التعداد في ديننا، فإن التعداد في الواقع الآن لا يكون إلا في حق من يريد أن ينتقم أو يظلم أو من لم يرزق ولداً، أو من لم يوفق مع زوجته وما شابه، فصارت المرأة إن عدد عليها زوجها فكأنها في أنظار المجتمع مقصرة، وكذلك الناس يعتبرون زوجها بتعداده عليها بأنه ظالم لها، فهذه الصورة لابد أن تمسح، ويقع التعداد في شرعنا بضوابطه وقيوده، وعلى الحال الذي شرعه الله عز وجل.
أما قصة علي وفاطمة رضي الله عنهما، ما منع فيها النبي صلى الله عليه وسلم التعداد، فالنبي صلى الله عليه وسلم تصرف هاهنا على أنه ولي لأمر لعلي لا على أنه مشرع، ولذا قال في آخر حديث: {لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً} فكأنه يريد أن يقول لعلي: أنت ما اخترت إلا ابنة أبي جهل لتعيش مع فاطمة فالنبي صلى الله عليه وسلم منع علياً بحكم كونه ولياً له، وهو عمه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: {ولا أحل حراماً ولا أحرم حلالاً} ففي هذه القصة النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الحلال ما أحله الله ،والحرام ما حرمه الله، وأن التعداد حلال، لكن منع علياً أن يختار ابنة أبي جهل.
وجواب آخر على القصة، قال به بعض أهل العلم، أن هذا خاص ببنات النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بعد، والأول أقوى منه، وعللوا ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: {إنما بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها}، فهذا تعليل للمنع، وقد يؤيد هذا أن علياً ما تزوج على فاطمة في حياتها، والأول أرجح لأن الشريعة عامة، والله أعلم.
السؤال421: مامعنى {أن تلد الأمة ربتها}؟
الجواب : أن تلد الأمة ربتها هذا من أشراط الساعة . ووقع هذا بكثرة في زمن العباسيين ومن بعدهم . وفيه إشارة الى كثرة اتخاذ السراري , فإن الأمة لما توطأ , فإن السيد يجوز لها أن يبيعها. لكن لما تلد تسمى أم ولد , فإن أصبحت أم ولد فلا يجوز للسيد أن يبيعها فالذي يعيق هذه الأمه ابنها , فأصبح ابنها كأنه سيدها , فهو الذي منعها من البيع .
السؤال422: ما صحة القصة الآتية :عن أنس قال ((كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى أبو معلق ، وكان تاجراً يتجر بمال لهو ولغيره يغرب به في الآفاق . وكان ناسكاً ورعاً. فانطلق مرة فمسكه لص وهدده بالسلاح , فقال له : ضع ما معك فإني قاتلك . قال : أما المال فلي
قال: أما إن أبيت فذرني أصلي أربع ركعات فكان من دعائه في آخر جلسة أن قال : ياودود يا ذالعرش المجيد يا فعال لما يريد أسألك بعلمك الذي لايرام وملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أرجاء عرشك أن تكفيني شر هذا اللص , يا مغيث أغثني، ثلاث مرات، ودعا بهذا ثلاث مرات، فإذا هو بملك قد أقبل بيده حربة رابطها بين أدني فرسه، فلما بصر باللص أخذ ما معه وقتله . ثم أقبل إليه وقال : قم. قال : أنا ملك من السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول فسمع لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمع لأهل السماء رجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل : دعاء مكروب ، فدعوت الله تعالى أن يوليني كربك . قال اعلم أنه من توضأ وصلى أربعا ودعا بهذا الدعاء استجيب له؟
الجواب : هذه قصة شهيرة الدوران على الألسنة ، ويذكرها كثير من الناس في مقام الوعظ . وهي موجودة بإسناد مظلم . أخرجها ابن أبي الدنيا في كتابيه: "الهواتف"( برقم 14)"مجابي الدعوة" (برقم 23). وأخرجها جمع من طريقه ، منهم ابن بشكوال في كتابه : "المستغيثين بالله" (برقم 3). والضياء المقدسي في "العدة للكرب والشدة" (برقم 32) . واللالكائي في كتابه "الكرامات" (برقم 111). وعيد المغني المقدسي في كتابه "الترغيب في الدعاء" (برقم 61). وابن الأثير في "أسد الغابة" في ترجمة أبي معلق .
والقصة إسنادها مظلم وفيه كثير من المجاهيل . وهذه القصة على الرغم من شهرتها فإننا لم نظفر بواحد من الحفاظ أو العلماء حكم بصحتها أو حسنها . وانما مدارها على رواة مجهولين . فحكم العلماء قديماً عليها بالضعف . ولا يجوز لأحد أن يحكيها . كيف لا وفي آخرها ترغيب في صلاة ودعاء مخصوص. ولو كانت صحيحة لكانت هذه الصلاة مشتهرة في كتب الفقهاء ولسموها صلاة المكروب والقصاصون الذين يذكرون ما يعجب فيغربون، وما يطرب فيكذبون فنقول لهم اتقوا الله، وعلموا الناس وفي الصحيح غنية وديننا كامل ، ولسنا بحاجة الى أقاصيص الكذابين ، ولا إلى ترهاتهم ولا إلى بواطلهم. والله أعلم .
السؤال 423: ما حكم تشميت العاطس في الصلاة ؟ وقول العاطس في الصلاة الحمد لله ؟
الجواب: ثبت عند الترمذي من حديث رفاعة، رضي الله عنه ، قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم،فعطست فقلت الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى . فلما صلى رسول الله وانصرف فقال : {من المتكلم في الصلاة ؟} وأنا ساكت وقالها ثانية وثالثة ، فقلت بعد الثالثة : أنا يا رسول الله . قال : {كيف قلت ؟} قال : فذكرته . فقال صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها} ففي هذا الحديث وقع حمد ونطق به دون حديث نفس , وأقره النبي صلى الله عليه وسلم, على هذا الحمد.
ومنهم من قال ، إن هذه الصلاة كانت سنة . وهذا ليس بصحيح لأمرين ، الأول : ظاهر الحديث أنه كان يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم. والنبي يصلى خلفه الفرائض . والثاني : فقد ثبت في "المجتبى" للنسائي (2/145)،وعند أبي داود في "السنن" (773) قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، صلاة المغرب فوقع التصريح بأنها صلاة المغرب.
لذا من عطس في صلاته فيسن له أن يحمد الله تعالى . وبهذا قال جماهير أهل العلم . ومن فرق بين السنة والفريضة ما سبق يدل على خلاف ذلك .
ومنهم من قال : لايسن ذلك . واعتمدوا على حديث عند الترمذي : {العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة من الشيطان} وهذا الحديث ضعيف. فالعطاس من الرحمن في الصلاة وخارج الصلاة . فمن عطس يحمد الله ولو كان في الصلاة.
أما تشميت العاطس في الصلاة فلا يجوز قولاً واحداً خلافاً للعهد الأول ، فقد كان ذلك مشروع في فترة. ثم منع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
السؤال424: ما الفرق بين كتابي: "تهذيب الكمال"و"تهذيب التهديب"؟
الجواب : الفرق بين الكتابين يعرفه المشتغلون بعلم الحديث. ومعرفة ذلك للمشتغلين بعلم الحديث يترتب عليه ثمرة، وهي مهمة، وتجعل طالب علم الحديث يحرص على الكتابين.
في "تهذيب التهذيب" يذكر ابن حجر في ترجمة آخر راو من رواة الكتب الستة، يذكرما فات المزي في "تهذيب الكمال" ويبدأ ذلك بقوله : ((قلت)) فإن المزي يذكر أقوال أئمة الجرح والتعديل في كل راو. فيقف ابن حجر على أقوال أئمة آخرين في الراوي فيذكرها. وغالباً ما تكون الزيادة من أقوال ابن سعد ، مسلمة بن القاسم، ابن القانع والنسوي. وابن حجر أخذ هذه الزيادات من مغلطاي في كتابه : "إكمال تهذيب الكمال" الذي طبع كاملاً من قريب .
ثم إن المزي يذكر أسماء شيوخ وتلاميذ كل راوي, ويعمل جاهداً على الحصر والإستقصاء، ويرتبهم على حروف المعجم. وابن حجر يختصر ولا يذكر أسماء جميع التلاميذ والشيوخ. وإنما يذكر المختصين بالشيخ المترجم له من الشيوخ والتلاميذ، ويقلب ترتيب المزي. فيرتب على المختصين بالشيخ، فالذي يقدمه يكون من طبقة متقدمة عن طبقة الذي يؤخره، سواء في الشيوخ والتلاميذ. فإذا أردت قراءة ترجمة راو ومعرفة أخص تلاميذه.، أو أخص شيوخه فتعرف ذلك من "تهذيب التهذيب" أما في تهذيب الكمال فلا تستطيع معرفة ذلك. فإن بعض الرواة كشعبة وسفيان يصل عدد شيوخهم الى مئات. فابن حجر يبدأ بذكر أكثر الناس التصاقاً بالمترجم له. فكل من الكتابين فيه زوائد وفوائد عن الآخر. والله أعلم.
السؤال 425: هل تعتبر المطلقة والمتوفى عنها زوجها محصنة؟ وكذلك الزوجة التي لم يمسها زوجها ؟
الجواب : التي لم يمسها زوجها ليست بمحصنة. فمن طلقت ولم يدخل بها فليست بمحصنة. أما من دخل بامرأة ثم طلق ثم زنا فيرجم. وكذلك من دخل بها أو مات عنها زوجها، وقد دخل بها ثم زنت ترجم لأنها محصنة. والله أعلم .
السؤال 426: كيف تكون صلاة الخوف ؟
الجواب: يوجد لصلاة الخوف صور كثيرة. وسـأختار صورة لصلاة ثنائية، وصلاة ثلاثية، وصلاة رباعية. والناس اليوم يتكلمون عن الجهاد، ولو وقع الجهاد لما عرفنا أحكام الجهاد. ونسأل الذين ينادون بالجهاد اليوم لو وجدنا رأساً كيف نصلي عليه؟ وكيف نصلي صلاة الخوف؟ فيقولون : لا ندري، فعلى الأقل نعرف معرفه ولو يسيرة ببعض صور صلاة الخوف المشروعة.
وصلاة الخوف صلاة مسنونة، تصلى في الحضر والسفر، تصلى ركعتين وأربعاً . وكذلك تصلى ثلاثاً، وهي صلاة المغرب . فإن وقع سفر في جهاد حينئذ نصلي ركعتين . فيصلي الإمام ركعة ويصلي خلفه المأمومون، ثم يقوم الإمام للركعة الثانية، ويطيل القيام وأما المأمومون فيصلون الركعة الثانية على وجه العجلة, ويسلمون ويقومون. ثم تأت طائفة أخرى لم يصلوا خلف الامام فيصلون معه. ويأتمون به في الركعة الثانية، فيصلون ركعة، فيجلس الإمام في الركعة الثانية ويطيل الجلوس ويكثرمن الدعاء، وهم يتعجلون في الركعة الثانية، ويسلمون بتسليمه فيكون الامام قد صلى ركعتين ومن خلفه صلوا ركعتين ركعتين. والطائفة الأولى أدركت معه الركعة، والطائفة الثانية أدركت معه الركعة الثانية مع التسليم. فهذه صلاة الخوف في صورة ركعتين وهي ثابتة في الصحيحين في غزوة ذات الرقاع. فقد ثبت عند البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذات الرقاع فصلت معه طائفة وطائفة وجه العدو. فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً ، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجه العدو. وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتمو لأنفسهم ثم سلم بهم.
أما الصلاة الرباعية فمثلها، إلا أن الطائفة الأولى تصلي ركعتين فيقوم الإمام للثالثة ويطيل القيام، فتصلي الطائفة التي خلفه ركعتين على وجه العجلة، كل يصلي وحده، ثم ينصرفون وتأتي طائفة أخرى فتصلي الثالثة والرابعة مع الإمام ، وتكون لهم أولى وثانية. فيجلس الإمام ويطيل الجلوس حتى يتموا ركعتين أخريين فيسلمون بتسليم الامام.
أما الصورة الثالثة، وهي أداء ثلاث ركعات، فيصلي الامام بطائفة من المجاهدين ركعتين ثم يقوم للثالثة ويطيل ويتمون الثالثة وحدهم وينصرفون. وتأتي طائفة فتصلي ركعة مع الإمام، ويجلس الإمام ويطيل الجلوس، ثم يقومون ويصلون ركعتين والإمام ينتظرهم ويسلمون بتسليمه. وهذه الصورة ثابتة عن علي رضي الله عنه في صفين في صلاة المغرب.
وأما حمل السلاح في الصلاة فقد اشترطه الشافعية والمالكية فاشترطوا لصحة الصلاة أن يحمل المجاهد سلاحه وذلكم لعموم قوله تعالى :{فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم} وذهب الحنفية والحنابلة الى أن الأمر بأخذ السلاح في الصلاة إنما هو للإرشاد، فإن دعت الحاجة أخذناه، وإن لم تدع حاجة تركناه، وهذا أرجح لأن حمل السلاح لاصلة له بحركات الصلاة ولا بأفعال الصلاة .
وهناك نوع من أنواع صلاة الخوف, ويكون بالإيماء فقط وهذا يكون عند المبارزة وتطويلها، ويكون للقبلة ولغير جهة القبلة وعلى هذا معنى قول الله عز وجل : {فإن خفتم فرجالاً أو ركبانا} أي هذا إن خفتم في صلاتكم فمستقبلي القبلة أو غير مستقبليها. وإنما يكون هذا عند الضرورة والحاجة الشديدة وقد أخرج الامام أحمد في المسند عن عبدالله بن أنيس، رضي الله عنه قال: ((بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى خالد بن سفيان الهذلي فقال: اذهب فاقتله، فرأيته و قد حضرت صلاة العصر، فقلت : إني أخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي، أوميء إيماءاً نحوه، فلما دنوت منه كلمته ومشيت معه، حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد)).
أما العدد فقد اشترط بعض الفقهاء أن يكون العدد ثلاثة فأكثر، لقول الله عز وجل {فلتقم طائفة منهم معك}، لكن الصواب أن أقل الجمع اثنان وصلاة الخوف تجوز بالاثنين والحاجة تكون في مثل الصلاة المذكورة. والغالب أن في الجهاد وساحات المعركة تكون أكثر من اثنين. والله أعلم.
السؤال 427: ماذا يقصد بالجمهور ؟
الجواب : الجمهور الأكثرية ، فلما نقول في مسألة قال الشافعية كذا . ثم نقول على إثرها : وقال الجمهور فالمراد هنا الأئمة الأربعة عدا الشافعية . ولما نقول قال الأحناف ، ثم نقول : قال الجمهور : فالمراد الأئمة الثلاثة عدا الحنفية . كذلك لما يكون في المسألة ثلاثة أقوال قول للشافعي وقول لأبي حنيفة وقول للإمامين المتبقين فهنا الشافعي له قول ، وأبو حنيفة له قول ، والجمهور لهم قول . فالاثنان المتبقيان يصبحان جمهوراً أمام هذين الاثنين . وهكذا الأمر في الكتب المذهبية المعتنية بخلاف الأئمة الأربعة .
أما في الكتب التي تعتني بفقه السلف ، الصحابة والتابعين فلما يذكر الجمهور يراد بهم عدا المذكورين . فلما يقولون : قال جماهير السلف كذا ، ثم يقولون قال الشعبي وقتادة والحسن كذا ، أي عدا هؤلاء لا يحفظ عنه خلاف . أو يقولون : قال جماهير الصحابة كذا ، وقال أبو بكر وعمر والمغيرة كذا فعدا هؤلاء الثلاثة من الصحابة لا يعرف عنه خلاف . والبقية من الصحابة عدا هؤلاء يدخلون في الجمهور . وهكذا . والله أعلم .
السؤال 428: هل يجوز ان نسمع ونقرأ للفاسق والفاجر؟
الجواب : يجوز أن تسمع للفاسق والفاجر وأن تقرأ لهما ، بشرط أن تتمكن من معرفة المحق من المبطل ، والجيد من الرديء ، والخطأ من الصواب، والشرك من التوحيد، والبدعة من السنة, فإن علمت فالحمد لله . فمعرفة الشر في حق الذي يعرف السبيل ليس بحرام . بل معرفة الشر في حق من يعرف الخير من أجل التحذير والتنبيه والتحصين أمر كان عليه بعض الصحابة . كما قال الشاعر :
عرفت الشر لا للشر، ولكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
فأن يعرف الانسان الشر ليحذره لا حرج.
أما في مرحلة التنشئة وهو لايعرف المحق من المبطل ، فلا يجوز لأحد أن يأخذ شيئاً إلا بعد أن يتأكد أنه على حق . لذا قال ابن سيرين : ( إن هذا العلم دين . فانظروا عمن تأخذون دينكم) فالعلم الذي نتعلمه هو دين .فلا يجوز لأحد أن يسأل من شاء. ولا يجوز للمستفتي أن يسأل أحد إلا إن علم أن فيه صفتين، الأولى : أنه أهل , ويتكلم بعلم ، وإن لم يكن يعلم يقل لا أدري، أو دعني أراجع. والثانية: أن يكون ذا ديانة وورع، فلا يجيب من يحب جواب يختلف عمن يبغض، فإن كان محباً مال اليه، وإن كان مبغضاً مال عليه. فالعلماء يقولون المفتي الماجن يحجر عليه، وإن كان أهل، حتى لا يلعب بدين الناس فالمفتي يوقع عن رب العالمين في الارض فلإبن القيم كتاب سماه : "أعلام الموقعين عن رب العالمين" فالفتوى مقام خطير وليس بسهل . والفتوى كانت تدور بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن بديع كلام ابن القيم يقول : ((فإذا قل المفتون فقد يتعين على من يعلم الفتوى )) ولما كان العلماء كثر في زمن الصحابة والتابعين كانوا يتورعون، وكان كل منهم يحيل على الآخر، لأنهم يعلمون حرصاً من السائل، ويعلمون وجود من يصيب الخير والحق، في مثل هذه الفتوى . أما في العصور المتأخرة فإن أمسك أهل الحق، فإن أهل الباطل كثر . وما يخفى علينا حال المفتين اليوم، لاسيما على الفضائيات، يأتون بهم ويفصلونهم تفصيلاً وتستغرب لما تسمع من مثل القرضاوي على الفضائيات ويقول : على النساء المقيمات في فرنسا يحرم عليهن أن يرتدين اللباس الشرعي طاعة لأولياء الأمور. نعوذ بالله هذا عين الضلال، فأي أولياء أمور ؟ ومثل هذا فتاوي عديدة جداً.
وننبه المسلمين أن يحرصوا على دينهم وألا يسمعوا لأمثال هؤلاء، ويكفي أن هذه الأجهزة فاسدة يعرض عليها الحق والباطل، ولا يجوز للإنسان أن يعتمد في الفتوى عليها، ولا يجلس أمامها شارح صدره لها، وفاتح ذهنه لها مستوعباً لما يقال، وإن جاز الجلوس أمامها يجوز فقط لطالب العلم المتمكن، الذي يريد أن يزيف الباطل إن سمعه،وأن يحذر منه فقط، أما العوام فلا، ويكفي القول سقوطاً، أن يقال: يا شيخ سمعت في التلفزيون أو الستالايت كذا وكذا، فهذا العلم دين، فليحرص الإنسان وليحذر عمن يأخذ دينه.
فالإنسان إن أراد أن يشتري حاجة لأمور دنياه فإنه يستفسر ويسأل ويتعب، فواحد مثلاً يريد شراء بلاط لبيته فإنه يسأل عن جميع أنواع البلاط الموجود، ويتعرف على جميع أنواع البلاط الموجود في السوق المحلي والمستورد بجميع أصنافه، وهذا لأن قلبه متعلق به، أما لما يصل الأمر للدين فيقول الواحد منهم: ما يدرينا؟ فلماذا لا يعامل هذا الإنسان الفتوى كما يعامل بلاط بيته؟ فكيف اجتهد وسأل حصل على أفضل ما يريد من البلاط؟ فاحرص أيها المسلم على الفتوى مثل حرصك على أمر يخصك في د****، فاسأل واستفسر عمن تريد، أن تستفتيه في أمور دينك، وقال سفيان الثوري: (إذا أراد الله بالأعجمي والعامي والحدث خيراً، يسر الله له عالماً من أهل السنة)، وفقنا الله لما يحب ويرضى.
السؤال 428: ما هو حكم لبس القلنسوة؟
الجواب: القلنسوة كان يلبسها النبي صلى الله عليه وسلم، والهدي العملي في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، بل يبقى هذا الإسناد متصلاً صحيح النسبة إلى عصر أجدادنا، فكانوا يعتبرون من مشى كاشف رأسه فاسقاً، حتى أنهم غالوا في كشف الرأس، فكان الواحد لا يصلي خلف إمام كاشف رأسه، وهذا غلو لكن السنة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم، وصحبه ستر الرأس. له صور ثلاثة كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي القلنسوة، أو بالعمامة فوق القلنسوة، أو بالعمامة دون القلنسوة. فستر الرأس أحب الى الله من كشفه .
وكان من عادة المشارقة أنه من المروئات، وكانوا يعتبرون حاسر الرأس مخروم المروءة، خلافاً للمغاربة، فإنهم كانوا يكشفون رؤوسهم. وفي كتاب السير للذهبي في ترجمة بعض المغاربة قال : وكان يسير في الشارع حاسر الرأس. وهذا الكلام دلالة على ندرته. ومذكور في ترجمة القرطبي المفسر : كان يلبس طاقية تواضعاً. وكشف الرأس ليس حراماً، والصلاة به صحيحة، لكن الأحب الى الله الستر، والله أعلم .
السؤال: 429 هل تنصحون أن يتمذهب المسلم بأحد المذاهب الاربعة، يرجع إليها عند تضارب الآراء في بعض المسائل، وهل اتباع أحد المذاهب يؤدي إلى النجاة ، وهل على المسلم تتبع الآراء الأخرى في كتب الخلاف ؟
الجواب : المسألة طويلة وقد ألفت فيها مؤلفات . والواجب على المسلم أن يعلم معنى قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله . فمعنى شهادة المسلم أن لا إله إلا اله ، أي لامعبود بحق إلا الله . ومعنى قوله : أشهد أن محمداً رسول الله , أي لا متبوع بحق إلا رسول الله .
ومن دعا إلى اتباع إمام واحد دون سائر الأئمة، وأوجب على الأمة اتباع عالم بعينه، من الأئمة الأربعة أو من قبلهم أو ممن بعدهم، فهو ضال مضل يفسق ويبدع . فنحن لسنا بكريين ولا عمريين ولا عثمانيين ولا علويين. فنحن مسلمون نستسلم لأمر الله عز وجل ،فلانعبد إلا الله ولا نتبع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وننسب أنفسنا للإسلام. فادعاء وجوب اتباع عالم فقط ضلال لا يجوز، وهذا ما وقع فيه المتأخرون من المتمذهبين .
والمذهبية القديمة انقلبت الآن من اتباع المذاهب الأربعة إلى الحزبية ، فتفرق الناس شذر مذر كل في حزب يدعو له، أما الربانية، وعقد سلطان الولاء والبراء والحب والبغض على الطاعة، وعلى العلم ونصرة الدين، والعمل على قيام الدين ، ودعوة الناس إلى الدين وربطهم بالله واليوم الآخر ، هذه أمور ضاعت هذه الايام . وأصبح الواحد يبش في وجه أخيه إن كان من حزبه وإلا فيعرض عنه ولا يلتفت إليه، وإن كان أدين منه وأعلم وأتقى، فأصبحت الحزبية مذهبية جديدة .
ونحن ندعو إلى نصوص الشرع واتباع الكتاب والسنة، ونحترم جميع علمائنا ونتبرأ إلى الله ممن ينتقص قدرهم وممن يتكلم فيهم، وأولى العلماء بالاحترام الأئمة الأربعة : الإمام أبو حنيفة ، والإمام مالك ، والإمام الشافعي ، والإمام أحمد، نترحم عليهم ونحبهم ونعرف قدرهم، لكن لا نوجب على الأمة ألا يتبعوا إلا واحداً منهم . فالحق موزع بينهم وبين غيرهم. والعبرة بما قام عليه الدليل من الكتاب والسنة. وكلهم بين مصيب له أجران، ومخطئ له أجر. فمن لم يصب الدليل منهم فهو لم يتقصد أن يعارض أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
والأئمة الأربعة هم الذين أرشدونا وعلمونا أن نقول ما قلنا فقد قيل للشافعي : يا أبا عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم، كذا وكذا، فما قولك أنت ؟ فغضب الشافعي غضباً شديداً وقال: سبحان الله ؛أتراني خارجاً من كنيسة؟ أترى على وسطي زناراً؟ تقول لي : قال رسول الله وما قولك أنت ؟ ما قولي إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح عنه قوله : إذا صح الحديث فهو مذهبي، وكان الواحد منهم يقول : يحرم الرجل أن يقول بما قلنا حتى يعلم من أين أخذناه .
وهؤلاء الأئمة الأربعة نذكرهم على وجه الخصوص ؛ لأن الناس في فترة من الفترات تحزبوا لهم . حتى وصل الحال في التعصب لهم إلى أن ذكرت مسألة : هل يجوز للحنفي أن يتزوج الشافعية أم لا ؟ وذلك لأن الأحناف عندهم من قال : أنا مؤمن إن شاء الله فهو شاك في إيمانه، ومن شك في إيمانه فقد كفر أما الشافعية فعندهم يجوز للمسلم أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله تبركاً وخوفاً من العاقبة . فلذا قال بعض متعصبي الحنفية هل يجوز للحنفي أن يتزوج الشافعية تنزيلاً لهم منزلة أهل الكتاب نعوذ بالله من هذا . والشافعي وأبو حنيفة, رحمهما الله، بريئون من هذا التعصب المقيت .
فنقول الواجب على المسلمين أن يتبعوا القرآن والسنة، والرجال أدلاء على الحق، وقد يصيبون وقد يخطئون . والعصمة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست العصمة في قول أحد . لكن الخطأ الذي لا ينفك عن الانسان، لا ينقص قدر العالم، فهو معذور، ونحبه ونحترمه، فلا نطعن ولا نتكلم فيه. واتباع شخص بعينه لا يكون إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .
لكن في المسائل التي لا يوجد فيها أدلة وهي قائمة على الاستنباط والفهم، فالواجب على المسلم أن يتبع من يظن فيه الأهلية والتبحر والتوسع والضبط والعلم مع الورع والتقوى. فلا يمنع لطالب العلم أن يميل في مسألة ليس فيها نص لقول عالم من العلماء .
وأعلم الناس بهؤلاء الأئمة تلامذتهم . فكان المزني، رحمه الله من أخص تلاميذ الشافعي،رحمه الله، وكان يقول : لو جاز لأحد أن يقلد أحد ما قلدت إلا الشافعي، ومع هذا ما كان مقلداً له والتقليد يجوز ضرورة خصوصاً للعامي . والتقليد لا ينفك عنه الانسان؛ فالمشتغل بعلم الحديث لا يستطيع أن يتبحر في جزيئات الفقه أو اللغة. فلا بد أن يقلد من وضع قواعد اللغة في المسائل المشكلة، وهكذا في سائر العلوم. فالتقليد يجوز ضرورة . وقال الطحاوي مقولة شاعت وذاعت، قال : لا يقلد إلا غبي أو جاهل . فالتقليد ليس بعلم . والعلم أن تقول : قال الله قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتعرف المسألة وتعرف دليلها . والإنسان لا بد أن يعبد ربه على بصيرة وبينة، وعلى معرفة بما يحب الله ويرضى . والله أعلم.
السؤال430: هل هناك ثمرة عملية مترتبة على الخلاف في كون تكبيرة الإحرام ركناً أم شرطاً؟
الجواب : هذه مسألة وقع فيها خلاف بين الفقهاء ، ولهذا الخلاف ثمرة تترتب عليه. وليس الخلاف فيها خلافاً لفظياً نظرياً، إنما هو خلاف حقيقي في صورة نادرة .
فالحنفية يجعلون تكبيرة الإحرام من الشروط، فهم يلحقونها باستقبال القبلة والطهارة وما شابه. والجماهير يجعلون تكبيرة الاحرام من أركان الصلاة ، فهم يلحقونها بقراءة الفاتحة والركوع والسجود . فمن قال إنها شرط أخرجها من الصلاة . ومن قال إنها ركن أدخلها في الصلاة . فأول ركن عند الاحناف في الصلاة قراءة القرآن والواجب الفاتحة. وأول ركن في الصلاة عند الجمهور تكبيرة الاحرام.
وثمرة الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة قليلة ومحصورة المسأئل؛ فمثلا لو أن رجلاً حمل نجاسة فكبر ثم ألقى النجاسة فحكم صلاته عند الاحناف صحيحة ؛ لأنه لم يدخل بعد في الصلاة . كرجل يحمل نجاسة واستقبل القبلة ثم تخلص منها قبل بدء الصلاة . فصلاتة صحيحة . أما من جعل تكبيرة الاحرام ركناُ , ممن كبر ومعه نجاسة يعلمها وتخلص منها بعد ما كبر فصلاته باطلة.
وهذه الثمرة نادرة، لكن الحنفيه يذكرون هذة الثمرة في المسألة مشتهرة عندهم . وقبل بيان هذه المسألة نذكر حكم السلام من الصلاة , لأن له صلة بهذه المسألة . فهو ركن عند الجماهير . أما عند الأحناف فالتسليم عندهم من الواجبات ؛ فلو أن رجلاًُ أحدث قبل السلام وبعد الفراغ من الواجب في الجلوس الاخير ، فصلاته عند الجماهير باطلة، وهذا هو الصواب، لأن التسليمة الاولى ركن، أما عند الاصناف صلاته صحيحة ؛ لأن السلام عندهم من الواجبات أما المسألة المتعلقة بتكبيرة الاحرام والسلام هي لو أن رجلاً قام لثالثة في صلاة ثنائية، أو لرابعة في صلاة ثلاثية ، أو لخامسة في صلاة رباعية فإنة عند الحنفية من قام للثالثة يأتي بالرابعة، ومن قام للرابعة فإنه يأتي بالخامسة ومن قام للخامسة فإنه ياتي بالسادسة ؛ بناءً على أن تكبيرة الاحرام عندهم شرط فهي تصح لطاعتين ، فإن قام إنسان لثالثة في صلاة ثنائية يصلي رابعة فتكون اثنتان للفرض، واثنتان نافلة وكذلك تكبيرة الاحرام تجزئ عن الاربع ركعات والركعتين لمن صلى ستاُ وهكذا ، لأن الاصل في التنقل ان يكون ركعتين ركعتين ، والسلام واجب فإن تركه بعد الفرض وقام للنفل فصلاتة صحيحة فتكبيرة الاحرام عندهم شرط كالطهارة تجزئ للفريضة والنافلة . وكلاهم هذا مرجوح وليس براجح وقد تعرض النووي في (( المجموع )) لمذهب الحنفية وقال:(( هذ ا تكلف بارد))فإن الإتيان بركعة زائدة تكلف لا داعي له . والذي جعلهم يقولون بهذا أصلهم في حكم تكبيرة الاحرام والتسليم .
السؤال:431؟ ما معنى حديث (( الرؤيا الصالحة جزء من ست وأربعين جزءاُمن النبوة ))؟
الجواب : هذا الحديث له معنيان ، والمعنى الذي أراه راجحاُ وهو المشهور وهو الذي رجحه الحافظ في الفتح . وهو أن مدة النبوة ثلاث وعشرون سنة، ومدة الوحي التي كان يأتي بها النبي ، صلى الله عليه وسلم من خلال الرؤيا الصالحة ستة أشهر. فكانت نسبة الرؤيا الصالحة من أجزاء النبوة تساوي واحد الى ست وأربعين . فهذا أرجح الاقوال وأسلسها وأظهرها وأسلمها وأبعدها عن الكلفة ولذا فإن من علامات صلاح الإنسان، ومن علامات صدق حديثه أن يرى في الواقع ما يراه في المنام .
والمعنى الآخر قال به القرافي، وحاول فيه تعديد أجزاء النبوة، فقال تعبت ولم أظفر إلا باثنتين وأربعين خصلة. والحافظ ابن حجر طيب خاطره في الفتح وزاد عليها أربعة من عنده وفيها تكلف في الحقيقة. وهذا معنى مغمور . والصواب الأول والله أعلم.
السؤال: 432؟ ما معنى الحديث (( كل عمل ابن ادم له الإ الصوم فإنه لي ))؟
الجواب : هذا مما وقع فيه خلاف على أقوال . أرجها اثنان . فأرجح الأقوال هو أن كل الأعمال الحفظة والكتبة تعرف ثوابها وتكتبه ، الإ الصوم فإنه لله عز وجل ، أي يجازي به. ويؤكد هذ1ا رواية عند مسلم فيها فصل بين قوله صلى الله عليه وسلم وبين الحديث القدسي، فقال : (( كل عمل ابن أدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى : ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )) ففي هذا اشارة الى أن الصوم مستثنى من عمل الكتبة، فمثلا،ولله المثل الاعلى، رجل عنده عمال أعجبه عاملاً منهم لتفانيه في العمل، وله عليهم مسؤول، يعطيه مالاُ ليحاسب العمال، فأراد هذا الرجل أن يكرم هذا العامل المخلص فقال للمسؤل : حاسبهم إلا فلان فاجعل حسابه معي دون واسطتك ,. فهذا الانسان مستثنى من حساب المسؤول فكذلك الصوم مستثنى من أجر الكتبة، فإنه لله وهذا أقوى الأقوال .
وهناك قول آخر يشبه من حيث الثمرة، فيقول العلماء في معناه بأنه يعمق المراقبة في النفس. ولذا النبي صلى الله عليه وسلم، وصى رجلاُ بالصوم فقال له : (( عليك بالصوم فإنه لا ند له )) فإن المراد في عبادتنا أن نعمق مراقبة ربنا في نفوسنا. ومن أكثر العبادات التي تعمق مراقبة النفس لله الصوم . فكان كل العبادات أمام كون أثر المراقبة في النفس ظاهرة, فكأنها للانسان الإ الصوم فإنه يبقى لله ؛ بمعنى أن الصائم في كل لحظة وفي كل حين يشعر أن له رباً يراقبه.
وهناك معنى آخر ذكره ابن عيينة ، فقد نقل المنذري أن سفيان بن عيينة سئل عن هذا الحديث فقال : اذا كان يوم الحساب فإن الله عز وجل ، يحاسب عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله ، حتى لا يبقى إلا الصوم . أي إن العبد ان فنيت حسناته بسبب المظالم ولا ييقى شيء، فيجعل الله عز وجل الصوم له بمعنى أنه يجازي به عن الاشياء المتبقية. وهذاغريب، والارجح الاول .والله أعلم.
السؤال: 433؟ ما صحة حديث (( أنا ابن الذبيحين ))؟
الجواب : هذا الحديث وقع ذكره من قبلي في دروس الأصول، وهو في الحقيقة لا أصل له. وقد التبس علي بحديث آخر كنت قد صححته،ومازلت، وقد صححه جمع من العلماء, وهو حديث (( أنا ابن العواتك من سليم )) وهذا الحديث صححته في (( المجالسة )) برقم 2390)فالتبس علي حديث أنا ابن الذبيحين )) بهذا اللفظ وظننت انه هو الذي صححته واما حديث "انا ابن الذبيحين" بهذا لأصل له، ولم يثبت عن رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الزرقاني في بعض كتبه أنه حسن، وهذا من أوهامه . وورد لفظ نحو هذا اللفظ عند الحاكم في (( المستدرك 2/554)) وعند ابن جره في تفسيره (2/554) وهو ضمن حديث قال فيه أعرابي : (( يا رسول الله خلفت البادية يابسة هلك المال وضاع العيال ، فعد علي بما فاء الله عليك يا ابن الذبيحين )) فتبسم رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ينكر عليه . وهذا الحديث قال عنه الذهبي في "التلخيص"(9) سنده واه وقال لابن كثير في تفسيره (4/18):هذا حديث غريب جداً . وبين السيوطي علته في "الحاوي للفتاوى"( 2/35) بقوله : في اسناده من لا يعرف، فالحديث لا يصح . والله أعلم .
السؤال 434: هل هذان الحديثان: {لعن الله الشارب قبل الطالب}، {لا تجعلوا آخر طعامكم ماءاً}؟
الجواب: كلاهما لا أصل له، وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرم على أحد أن يقول قال صلى الله عليه وسلم كذا حتى يعلم أن أهل الصنعة الحديثية يصححوه أو يحسنوه. والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذكار الطعام والشراب بعد الفراغ منه أنه يقول: {الحمد لله الذي أطعمنيه وسقانيه من غير حول مني ولا قوة}، فكان يشرب بعد الطعام، فدلالة اللازم من هذا الحديث أنه يجوز الشرب على إثر الطعام ولا حرج في ذلك، والله أعلم..
السؤال : 435: هل قوله تعالى (( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون)) دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ؟
الجواب: الكافر يوم القيامة سوف يسأل عن كل شيء أمر الله به . وهذه الآية فيها إشارة لذلك ولكن الأصرح منها قوله تعالى {وويل للمشركين ، الذين لا يؤتون الزكاة .....} فالكافر مخاطب بالزكاة والصيام والصلاة . لكن لا يقبل ذلك منه حتى يدخل في الإسلام .
ونستفيد من ذلك أنه لو كان عند مسلم عامل نصراني في شهر رمضان , وطلب ماءاُ أو طعاماُ ، فلا يجوز له أن يقدن له الطعام والشراب . ولو كان غير مخاطب بالصوم كان له أن يقدم له ,وهكذا في سائر الفروع . وهذا الراجح أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة . وللدكتور عبد الكريم النملة دراسة مطبوعة في هذا الباب ,وهي جيدة اسمها" الإلمام في تكليف الكفار بفروع الإسلام" وهي عبارة عن دراسة نظرية تطبيقية حصر فيها الفروع المترتبة على الخلاف في هذه المسـألة , وفيها ما يشفي ويكفي .
أما ما يرد على هذه المسألة من إشكالية , أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أعطى عمر ثوباً من حرير, فقال : يا رسول الله علمت أن هذا ثوب من لا خلاق له : قال : نعم ولكني أعطيتك إياه لتهديه لغيرك, فأهداها لمشرك . فهنا ينبغي أن يفرق بين أشياء ؛ بين الواقع وبين الحل والحرمة ؛ وبين الأشياء التي تستخدم على وجه يكون حلالاً، وعلى وجه آخر يكون حراماً فالعباءة التي أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم، لعمر وأمره أن يهديها لغيره، فهذا الاستعمال بعد غير واضح، فقد تستخدمها المرأة، والنبي صلى الله عليه وسلم ، قال عن المال الحرام: {أعلفوه النواضح} فالدابة ليست مكلفه فلا يعطى المال الحرام لمكلف, فاعطائه للدابه يعني أنه لا يجوز أن يعطى لمن هو أرفع من الدابة من المشركين أو أهل الكتاب .
والحكم الشرعي لا يؤخذ من نص، إنما يؤخذ من نصوص والأصل أن ندور مع الظواهر ، فإن وقع ما فيه إشكال فقد نتكلف بعض الأحايين الجواب ؛ لتسلم لنا سائر النصوص. وقد صح عن عمر أيضاً أنه نوى الاعتكاف في بيت الله الحرام وهو مشرك، فلما أسلم سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فأوجب عليه الاعتكاف بالنذر الأول وهو مشرك. فقصة العباءة لا ترد بإشكال على هذه المسألة ؛ لأنه يجوز استخدامها من قبل المرأة أو أي استعمال غير اللبس لا حرام فيه . والله أعلم.
السؤال: 436: أليس من الأولى البيان للناس بالحجج والبراهين ما حدث بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدلاً أن يسمعوا الكلام الكاذب من بعض الفرق حولهم ؟
الجواب: أصحاب رسول اله صلى الله عليه وسلم ، زكاهم ربنا في كتابه ، وزكاهم نبينا، صلى الله عليه وسلم، بعث ليعلم ويزكي وقد قام النبي ، صلى الله عليه وسلم، بلا شك ، بمهمته . وقد أفلح ونجح، فمن يطعن فيهم فإنه في حقيقة الأمر يطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يطعن بالله ؛ لأن من طعن بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالجملة ، فإنما هو شاء أم أبى ، يطعن في القرآن الكريم فإن القرآن وصلنا من خلال الصحابة، فإن أسقطنا الصحابة فهذا يجعلنا نشك في القرآن هل هو كلام الله أم لا ؟ لذا العلماء يقولون من طعن في جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كافر مرتد .أما من يطعن في واحد منهم فهو فاسق، وقد قال الإمام أبو زرعة الرازي : (( من طعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو زنديق)).
وعلينا أن نذب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالحجج والبراهين وأن ننشر فضلهم في الأمة ؛ فضلهم مجموعين بالجملة ؛ وفضلهم مجموعين بوصف كأهل بدر، والحديبية، وهكذا، وأيضاً ننشر فضلهم منفردين . فهذا من العبادات والطاعات .
لكن ما جرى بينهم من خلاف وفتن، فإن الله لم يتكفل بحفظ ما جرى بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا النبي صلى الله عليه وسلم ، أرحنا وهذا من رحمته وشفقته بنا، فقال، فيما ثبت عنه عند الطبراني عن ابن عمر ، قال : {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا} فلا تنشغلوا بما لا ينفعكم وعليكم الانشغال بما يترتب عليه ثمر . ولما سئل سعيد بن المسيب عما جرى بين الصحابة من الفتن فقال مقولة تكتب والله بماء العيون ، وهو كلام عليه نور، والله قد يجري الحق على ألسنة بعض الصالحين فقال : (( فتنة نجى الله منها أيدينا فلننجي منها ألسنتنا )) والنبي صلى الله عليه وسلم ، يقول عن أصحابه : {والذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق كل يوم مثل أحد ذهباً [وفي رواية : أنفق كل يوم مثل أحد ذهباً] ما بلغ مد أحدهم أو نصيفه} فأين نحن وأين هم؟ {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم}.
فينبغي أن نمسك عن التفصيل في هذه الفتنة، لاسيما أن التفصيل قد دون في عصور قلقة ، وأصحاب هذا التفصيل مطعون في ديانتهم وعدلهم وضبطهم، وقد كذبوا متقصدين الجنف والحيف على قوم، والميل إلى قوم . فانظروا إلى تفاصيل الفتنة التي يذكرها طارق سويدان في أشرطته، فأسانيدها تدور على سيف بن عمرو التميمي، ولوط بن منحنس ، وأمثالهم من الكذابين. فكيف أسمع لتفصيل ما جرى ، بين الصحابة، وهم الأسوة والقدوة، لكلام واحد كذاب دجال. ومن يسمع يميل قلبه لجهة دون جهة. والقلب يدخل فيه بغض وكره لبعض الأشخاص فلا يوجد عندنا رواة ثقات أثبات معتدلين ذكروا الفتنة . ولو احتاج أحد اليوم أن يدرس الفتنة دراسة دقيقة بالأسانيد لاحتاج إلى المفقود من الكتب أكثر من حاجته للموجود، لاسيما كتاب "تاريخ الكوفة" لابن شبة، فهو مفقود . وقد لخص ابن حجر هذا الكتاب في "فتح الباري" في كتاب تاريخ الفتن، واقتصر على عيون الروايات، لكن لعله ترك منه ما الله به عليم، وما يسعف المتخصص في هذه الدراسة .
فهي مرحلة مضت ما تكفل الله بحفظها ؛ بخلاف أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عبد الله بن المبارك يقول : (( لو أن كذابا زور بالليل ان يكذب على رسول الله, صلى الله عليه وسلم بيسر الله في النهار من يفضحه ويبين كذبه")) لان الله قد تكفل بحفظ الدين ، ومن حفظ الدين حفظ السنة . أما حفظ ما جرى بين الأصحاب فما تكفل الله به . فلماذا الانشغال بهذا التفصيل ؟ وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليسوا في موطن شك ، ولا موطن ريبة ، وكلهم ثقات، نحبهم ونتولاهم . ونفضل بعضهم على بعض، فأفضلهم على الإطلاق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي, بهذا الترتيب، وعلي أفضل من معاوية، لكن معاذ الله أن نشتم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال: 437؟ ما صحة حديث (( إذا أكلتم فلازموا ))؟
الجواب : هذا لم أظفر به مسنداً ، وقد ذكر في كتب العربية مثل كتاب "النهاية" وغيره من كتب الغريب . ومعنى فلازموا اخلطوا الأكل بالشكر، وقولوا بين اللقم الحمد لله، وهذا يدلل على أنه منكر، إذا لو كان هذا موجوداً لنقل . ولا أعرقه مسنداً في كتاب من الكتب المطبوعة. والله أعلم .
السؤال: 438؟ ما رأيكم في كتاب "الوجيز في أصول الفقه" لعبد الكريم زيدان ؟
الجواب: هو كتاب جيد، عرض علم الأصول عرضاً سهلاً بثوب ولغة عصرية، أسقط منه كثيراً من علوم الكلام. لكن اختياراته تارة غير موفقة، وتارة غير راجحة . والله أعلم .
السؤال: 439؟ إذا زنا رجل فجلد، ثم عاد وزنا، فهل يجلد أم يرجم ؟
الجواب : لا يعتبر الرجل محصناً إذا زنا، فإن عاد فلا يرجم وإنما يجلد؛ فإنه لا توجد زوجة . وقد يقتل، ولكن قتله لا يكون من باب الحد، وإنما من باب السياسة الشرعية ، مثل شارب الخمر فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم, في مسند أحمد عن شارب الخمر : {من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد الثانية فاجلدوه ، فان عاد الثانيه فاجلدوه , فإن عاد الرابعة فاقتلوه} والمراد بقتله سياسة لا حداً .
والعلماء مختلفون ما الذي يحصن المسلم ؟ فقالوا : من كان عنده أمة فليس بمحصن ؛ لأنها تخالط الناس ولا يشعر أن له عرضاً . وقد توسع بعضهم فقال : لو كانت تحته كتابية فهو ليس بمحصن، انما المحصن من كانت تحته حرة مسلمة .
ولابن القيم كلام بديع عجيب يدلل على إمامته في كتابه "إعلام الموقعين" فقال: (وأما قوله: وجعل الحرة القبيحة الشوهاء تحصن الرجل، والأمة البارعة الجمال لا تحصنه . فهذا تعبير سيء عن معنى قبيح ؛ فإن حكمة الشارع اقتضت وجوب حد الزنا على من كملت عليه نعمة الله بالحلال فيتخطاه إلى الحرام . ولهذا لم يوجب كمال الحد على من لم يحصن، واعتبر للإحصان أكمل أحواله، وهو أن يتزوج بالحرة التي يرغب الناس في مثلها دون الأمة التي لم يبح الله نكاحها إلا عند الضرورة، فالنعمة بها ليست كاملة. ودون التسري الذي هو في الرتبة دون النكاح، فإن الأمة ولو كانت ما عسى أن تكون، لا تبلغ رتبة الزوجة لا شرعاُ ولا عرفاُ ولا عادة، بل قد جعل لكل منهما رتبة).
السؤال: 440؟ هل في ضلال الفرق الضالة خير لنا ؟
الجواب :الدنيا الخير فيها يشوبه الشر، والشر يشويه الخير . فقد يفعل الإنسان عبادة فيصيبه عجب ورياء فيهلك بسبب هذه العبادة وقد يذنب الإنسان ذنباً ، فينكسر قلبه بين يدي ربه، ويبقى باكياً خاشعاً ذليلاً بين يدي الله على إثر ذلك الذنب فالخير المحض لا يوجد في الدنيا، والشر المحض لا يوجد في الدنيا ، فالدنيا دار مكدرات ودار منغصات .
ووجود الفرق الضالة قد يعطي الإنسان المحق أن ينتبه لأشياء. وقد ذكر بعض العلماء حكماُ لله عز وجل، في خلق إبليس فهو أصل الشر ولا يوجد أشرمنه، ولله حكماً في خلقه . ومن ذلك أن تظهر قدرة الله في الذي يخلق؛ فالذي يخلق الشيء ونقيضه هو أقدر على الخلق من الذي يخلق الشيء دون نقيضه. وفي إبليس وجود أثار أسماء الله الحسنى ؛ فكيف نعلم أن الله جبار قهار مذل لولا وجود إبليس ؟ وكذلك الله تواب رحيم غفور وذلك على أثر المعصية .
وكل شر موجود، العاقل يستطيع أن ينظر فيه وأن يتجنبه ويكون له حكمة وموعظة من هذا الشر . ومن هذا الباب قص الله علينا قصص الأنبياء وأقوامهم, فذكر ربنا أنه أهلك كل أمة بسبب الشرك وبسبب ذنب من الذنوب. وبقيت إلى الآن وما عذبت، مع وجود جميع ذنوب الأمم فيها، من اللواط، وتطفيف الميزان وما شابه؛ لوجود توحيد فيها فبوجود أصل التوحيد فينا ، فهذا بفضل الله عز وجل، يرفع العذاب عنا. فالله عز وجل ، لما يذكر لنا الشر الذي وقع في الأمم التي قبلنا من أجل أن نتجنبه ونحذره، على حد قول الشاعر :
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوخيه ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
والله اعلم.
السؤال : 441؟ من فاتته صلاة الفجر، بأن نام عنها، بعد أخذه بالأسباب الشرعية هل يصبح وقت صلاتها عند قيامه من نومه مضيقاً أم موسعاً في حقه ؟
الجواب : الواجب الموقت الذي له حدان ، إذا فات فلا يجب قضاءه بالأمر الأول ، وإنما قضاءه يحتاج إلى أمر جديد . وقال النبي صلى الله عليه وسلم، : {من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها} فمتى نام الإنسان عن الصلاة أو نسيها فهو معذور، متى ذكرها يصليها .
فالأمر في ذلك ليس موسعاً لكن ليس مضيقاً ذاك التضييق الذي لا يجوز له فيه أن يفعل أي شيء وإنما يبدأ بالصلاة . فإن احتاج شيئاً ضرورياً يفعله وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وكل بلالاً في سفرة من الأسفار أن يوقظ المسلمين، فنام بلال وغلبته عيناه . فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معه والشمس في وجوههم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم منه معه أن يتحولوا من مكانهم، وقال: {هذا مكان بات فيه الشيطان} فالنبي النبي صلى الله عليه وسلم ، ما صابته تلك اللجة بسبب فوات الصلاة، إنما أمر أن ينتقلوا ثم توضأ وأمر بلالاً أن يؤذن، فأذن وصلوا السنة ثم صلى بهم جماعة وجهر بهم بالصلاة . وهذا يدلل على بطلان حديث {صلاة النهار عجماء}.
فمن نسي صلاة أو نام عنها، فوقتها الواجب متى تذكرها ومتى استيقظ، ويصليها أداءاً لا قضاءاً. وإن ضرورة وحاجة لتأخير قليل ، كما حصل مع النبي ومن معه بتحولهم من مكان إلى مكان ، فهذا لا يمنعه من أداء الصلاة أداءاً لا قضاءاً من غير وزر . وبشرط ألا ينام وهو متعمد ألا يستيقظ، فإن هذا صنع الفسقة ، والعياذ بالله تعالى .
السؤال: 442؟ ما حكم قراءة الأحاديث والمتون تجويدا كالقرآن ؟
الجواب : لا يجوز أن يقرأ شيء من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا من كلام أهل العلم تجويداً وترتيلاً كالقرآن . وهذا أمر لا نعرفه عن أحد من السابقين . فالترتيل خاص بكلام الله عز وجل . والخلاف واقع بين أهل العلم في جواز ترتيل الخطيب، وهو على المنبر، الآية من ا لقرآن . والراجح عدم الجواز؛ لأنه لو فعل لنقل . ذكر الآيات في معرض الاستدلال . والله أعلم .
السؤال : 443؟ هل قول الملائكة لنبينا ، صلى الله عليه وسلم ، في المعراج{مر أمتك بالحجامة}فيه دليل على وجوب الحجامة ؟ وهل هذا من باب الأمر بالأمر ؟
الجواب : الأمر بالأمر ليس أمر كما هو مقرر في الأصول . فقول النبي صلى الله عليه وسلم ، {مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع }ليس في هذا أمر للأولاد بالصلاة. إنما هو أمر لأولياء الأمور أن يأمروا أولادهم حتى يدربوهم على الصلاة . فالصبي إن لم يصلي لا يأثم فقول الملائكة للنبي صلى الله عليه وسلم ، { مر أمتك بالحجامة } ليس هو أمراً تكليفياً، وإنما هو للإرشاد. فالملائكة من حبها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ترشدها للإحتجام ؛ مما فيها من الفوائد الصحية . فالملائكة تعتني به من باب الإرشاد، لا من باب التكليف .
السؤال: 444؟ هل يختص الواجب الموقت بالفرائض، أم تدخل فيه النوافل؟ فمن أخر سنة الفجر بعد الفريضة، هل تقع أداءاًأم قضاءاً؟
الجواب مقرر في الأصول أن المندوب يدخل في مطلق الأمر، وليس في الأمر المطلق . وقال الله تعالى:{وافعلو الخير } فالخير هذا عام، يشمل الواجب والمندوب. ويقول تعالى:{وأمرو بالعرف } وهذا عام أبضاُ يشمل الواجب والمندوب .
والعلماء يفرقون بين مطلق الأمر والأمر المطلق، ويجعلون الأمر المطلق فرد من أفراد مطلق الأمر . والعلماء في قواعدهم في الأمر في جلها تنطبق على المندوب . فالواجب الوقت إن فات فيجب قضاءه بأمر جديد يشمل الواجب والمسنون. لذا لو أن رجلاُ فاتته سنة من الرواتب بتكاسل ودون أي سبب، فهذا لا يستطيع أن يقضيها، إلا بأمر جديد . لكن لو فاتته سنة بنسيان فيقضيها، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : {من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها حين يذكرها } فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عن صلاة، ولم يقل : فريضة وكذلك من شغل عن راتبة، وهو مصر عازم على صلاتها، فتداركه الوقت فأذن والعزيمة حاصلة عنده على صلتها وهو ذاكر لها ، لمن شغل فله أن يقضيها. وقد شغل النبي صلى الله عليه وسلم، ذات مرة عن صلاة سنة الظهر البعدية بتوزيع الغنائم، فتداركه الوقت، فصلاها بعد العصر. فمن شغل عن سنة يقضيها .
لكن رجل صرفه، لاشيء عنده، ذاكر غير ناسي وغير مشغول، تكاسل عن أداء راتبة، فليس له أن يقضيها بعد فوات وقتها. فالصلاة لها وقتها، والشرع له مصلحة وقصد في جعل الصلاة في الوقت،كما أن له مصلحة في جعل العبادة في المكان، أو جعلها في الليل أو النهار فلا يجوز لأحد أن يقول : أريد أن أصوم بالليل ؛ لأن للشرع مقصد في الصيام في النهار، كما أنه لا يجوز لرجل أن يقل أريد أن أقف لكن ليس في عرفة. وهكذا في سائر العبادات،. فالشرع له مصلحة في ربط الصلاة بالوقت ، وفي ربط الصلاة بالمكان فلا يجوز الأنفكاك . والله أعلم
السؤال : 445؟ ما هي الصلاة الوسطى ؟
الجواب : الخلاف في الصلاة الوسطى والكلام فيها كثير . وقد ألف الدمياطي مجلداً فبها، وهو مطبوع وألف غير واحد من أهل العلم كتباُ خاصة في الصلاة الوسطى . فالدمياطي له كتاب أسمى كتابه (( كشف المغطى في تبين الصلاة الوسطى )) ذكر فيه تسعة عشر قولاً في الصلاة الوسطى . والحافظ ابن حجر في الفتح ذكرها جميعاً ملخصة عنه، وزاد عليها قولاً فاته فأتمهم عشرين قولاً .
والراجح أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. وهنا مذهب الجماهير من السلف\، والأئمة الاربعة. ويستدلون بما ثبت عن قوله صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب : {قاتلهم الله ، شغلونا عن الصلاة الوسطى؛ صلاة العصر } وسميت الوسطى لأنها وسطى بين صلاتي الليل والنهار؛ فالنهار الفجر والظهر والليل المغرب والعشاء.
ووقت العصر معظم في جميع الأديان، وكان الناس قبل الإسراء والمعراج يصلون وقت العصر . ومن قبلنا كانوا مكلفين بالعصر ، كما يذكر العلماء. الغزالي في كتابه ((المستصفى )) أن جميع الأديان عظمت وقت العصر. وقد ثبت في صحيح الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم،قال: {ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم؛ رجل حلف على سلعة لقد أعطر بها أكثر مما أعطى وهو كاذب ؛ ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقطع بها مال رجل مسلم؛ ورجل منع فضل ماءه فيقول الله : "اليوم امنعك فضلي كما منعت فضل مالم تعمل يداك" ويقول العلماء : إثم المعصية بعد العصر أشد منه ما قبله. فالإثم قد يتضاعف بالمكان أو بالزمان أو بالحال. فليس إثم العالم كالجاهل، وليس إثم ما يفعل بمكة كإثم ما يفعل في غيرها، وكذلك العصر ولذا أقسم الله عز وجل ، بالعصر . والله أعلم .
السؤال :446؟ هل حديث {ماء زمزم لما شرب له } صحيح ؟ وهل يجوز نقله من مكة لغيرها من البلدان؟
الجواب : ماء زمزم هو (( طعام طعم ، وشفاء سقم )) كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد بقوله : طعام طعم؛ أي إنه يفي عن سائر الأطعمة. وشفاء سقم؛ أي أنه بإذن الله تعالى، يشفي به المؤمنين الصادقون، لاسيما في الأمراض العويصة التي ظهرت في هذا الزمان، والتي أنبأ عنها صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر في الصحيح : ( .....وما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها،الا ظهرت فيهم الاوجاع والامراض التي لم تكن في اسلافهم ) فشيوع المعاصي في المجتمع من أسباب ظهور الأمراض التي لم يعرفها من قبلنا من أسلافنا وحديث {ماء زمزم لما شرب له } له طرق وشواهد يصل بها إلى مرتبة الحسن . وأملى الحافظ ابن حجر مجلساُ خاصاً في طرق هذا الحديث . وأعلى من صححه سفيان بن عيينة، فقد صح عنه أن رجلاً قال له: ما قولك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، {ماء زمزم لما شرب له }أثابت عندك ؟ فقال : نعم . فقال : لقد شربت زمزم آنفاً على أن تحدثني مئة حديث : فقال له : اجلس ، فجلس وأسمعه مئة حديث . وفي هذه القصة الثابتة عنه إشارة صريحة في أن عيينة، وهو من الجهابذة ، يصحح الحديث وقد نصص على تصحيحه جميع من أهل العلم .
وأما حمل زمزم من مكة إلى سائر البلدان، فقد ذكر القشيري في كتابه (( السنن والمبتدعات )) أنه من البدع . وهذا الكلام ليس بصحيح . فقد صح عند البخاري في (( التاريخ الكبير ))، وعند الترمذي , من حديث عائشة رصي الله عنها ،قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحمل معه ماء زمزم في الأداوي والقرب ، وكان يصبه على المرضى ويسقيهم )) . وأخرج البيهقي بسند جيد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال : إنه صلى الله عليه وسلم كان يرسل وهو بالمدينة ، قبل أن تفتح مكة ، إلى سهيل بن عمرو أن اهد لنا من ماء زمزم, فيبعث إليه بمزادتين )) فله شاهد مرسل صحيح في مصنف عبد الرزاق برقم 9127. وذكر ابن تيميه في (( مجموع الفتاوي )) أن السلف كانوا يحملون معهم زمزم. فلا حرج في حمل ماء زمزم والاستسقاء والاستشفاء به بالسقيا والصب على مكان الداء، هذا من الهدي النبوي.
وقد شرب العلماء زمزم بنوايا عديدة، فهاهو الحاكم صاحب المستدرك يشربه بنية الإحسان بالتصنيف . وقد أحسن في تصنيفاته رحمه الله . وها هو ابن حجر شرب زمزم بنية أن يكون كالحافظ الذهبي في معرفته بالرجال وكان رحمه الله يقول : لا يحصى كم شربه من الأئمة لأمور نالوها وقال : أنا شربته في بداية طلبي للحديث بنية أن يرزقني الله حالة الإمام الذهبي في الحفظ ومعرفة الرجال . وقال : حججت بعد عشرين سنة وأن أجد في نفسي المزيد من تلك الرتبة . وقال: شربته فيما بعد بنية أن يجعلني لله كابن تيميه في معرفة الفرق والأديان . وقال ابن الهام في (( فتح القدير )) : والعبد الضعيف يقصد نفسه ) شربه للاستقامة والوفاة على حقيقة الإسلام فما أجدرنا أن نشرب زمزم بنية الثبات، وأن يخلصنا من الأدواء ما لا يعلمه إلا الله؛ من استجابة لحظ النفس ؛ أو الشهوة؛ أو الكلام فيما لا يعنيه؛ أو الانشغال بما لا ينبغي؛ أو ركوب الهوى وما لا يرتضى ؛ وما شابه من هذه الأدواء ؛ فكلنا بحاجة لأن نشرب زمزم بنية الصلاح والإصلاح, فالأمة تحتاج إلى المصلح الذي يعرف واجب الوقت ويشغلها به . نسأل الله أن يجعلنا هداة مهديين، وأن يجعلنا سلسلة هداية إلى يوم الدين
السؤال: 447؟ من هم الصابئة ؟
الجواب : الصابئة ديانة سماوية ، ذكرها الله عز وجل مع سائر الأديان ، فقال عز وجل في سورة الحج : {أن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء قدير } فالصابئة ، يقول بعض أهل العلم يعاملون معاملة المجوس. وقال ، صلى الله عليه وسلم، في المجوس {سنوا بهم سنة أهل الكتاب} كما في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وشيخ الإسلام يقول، في الرد على أهل المنطق ، إن الصابئة أقسام؛ فمن الصابئة من غير وبدل .
والصابئة يعتقدون بنبوة يحيى، عليه السلام, ومن الصابئة فرقة بدلت وغيرت، وهي مشركة في أصولها، تعظم الكواكب، وهم موجودون الآن في جنوب العراق ، وفي إيران ويعرفون بصابئة البطائح . ومنهم من يعبد الملائكة ، ويتجهون للنجوم والكواكب ، ويعظمون جهة القطب الشمالي . ولهم كتاب مقدس يسمى (( الكنزارية)) يعتقدون أنه صحف آدم . وفيه موضوعات كثيرة عن نظام تكوين الكون . وفيه أدعية وقصص. ومنه نسخة خطية كاملة في المتحف العراقي. وقد طبع في لا يزفغ في ألمانيا الشرقية سنة 1867م . وطبع قبله سنة1815في كوبنهاجن ولهم كتاب سمى "دراشا أديهيا" اي تعاليم يحيى، ولهم كتاب يسمى (قماها ديقهل زيووا ) هذا من مئتي سطر يعتقدون أن من يحمله لا يؤثر فيه الرصاص والسلاح . وهو شبيه بالحجب والتعاويذ .
ويعتقدون بالإله الواحد . ويعتقدون أن هناك ثلاثمائة نفس ليسوا بملائكة ولا جن ولا إنس, وهم نحت الآله وكل منهم متخصص بشيء, فواحد بالليل وآخر بالنهار وآخر بالشمس ، وهكذا وهؤلاء لهم أزواج والولد يكون بمجرد الكلمة, وهذه من الخرافات والوثنيات موجودة عندهم . وعندهم ثلاث صلوات صلاة قبل الشروق وصلاة عند الزوال , وصلاة عند الغروب . ولا يصومون ولا يعترفون بالصوم ولا يؤمنون بالجنة والنار . عندهم عقيدة التناسخ، فالمحسن روحه تذهب إلى من هو أحسن منه . والمسيء روحه تحل في كلب أو خنزير .
فالخلاصة أن الصابئة فرقة موجودة الآن وهي كافرة مرتدة ومنها فرقة موحدة في أصولها ومنها أصلاٌ وثنية . والموجودة الآن وثنية ، ولا تعامل معاملة أهل الكتاب من حيث جواز الزواج من نسائهم المحصنات أو أكل ذبائحهم . والله أعلم
السؤال : 448؟ لماذا لم يروي الشيخان في صحيحهما عن الإمام الشافعي أي حديث ؟
الجواب : لم يشترط إماما الدنيا في الحديث ، محمد اسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، لم يشترط على أنفسهما أن يخرجا لكل ثقة ، ولا أن يخرجا كل حديث صحيح . فمن الأشياء التي ننكرها على كثير من الناس قولهم : أريد أية أو حديث عن الصحيحين أو أحدهما حتى أخذ بقولك فهذا باطل ، ولا زم هذا الكلام أن البخاري ومسلماً لم يصححا إلا ما وضعاه في كتابيهما. وهذا تبرئاً منه ولم يقولا به .
والشافعي ثقة عندهما، لكنه ما عمر، وكان أصحاب الصحيحين يريان العلو في الإسناد، وأعلى ما عند الشافعي روايته عن مالك، وقد وقعت رواية مالك بواسطة لأصحاب الصحيحن ولو أنهم رويا عن الشافعي عن مالك بواسطة يحيى بن يحيى النيسابوري وعبد الله بم مسلمة القعنبي وغيرهما، والشيخان لم يتتلمذا على الشافعي ولم يرياه لأنه ما عمر، فلو أنهما رويا عنه لكان الإسناد نازلاً، وقد قال الإمام ابن معين: (الإسناد النازل قرحة في الوجه) وكان أحمد يقول: (الإسناد العالي سنة عمن سلف)، وكان محمد بن أسلم الطوسي يقول: (قرب الإسناد قربة إلى الله تعالى) فالأعلى أغلى. فلم يحيدا عنه عمداً.
وقال الإمام الذهبي في ترجمة الإمام الشافعي في "سير أعلام النبلاء" قال: (لم يقع لهما قدراً الرواية عن الشافعي) لكن أقول كما قال أبو زرعة الرازي، لما سئل عن هذا السؤال، في كتابه "الأجوبة المرضية عن الأسئلة المكية" قال: (إن الشيخين لم يسمعا منه، أما مسلم فلم يدركه أصلاً وأما البخاري فأدركه ولكن لم يلقه، وكان صغيراً، مع أنهما أدركا من هو أقدم منه وأعلى رواية فلو أخرجا حديثه لأخرجاه بواسطة بينهما وبينه مع أن تلك الأحاديث قد سمعاها ممن هو في درجته فروايتها عن غيره أعلى بدرجة أو أكثر والعلو أمر مقصود عند المحدثين).
وللصحيحين مهابة، وكل ما فيهما صحيح سوى أحرف يسيرة تكلم عليها العلماء، وللصحيحين حلاوة ومكانة في نفوس طلبة العلم، ومن يقلل من هذه المكانة فهذا غر جاهل، فإن نقد شيء مما في الصحيحين فإنما يكون بقدر وبمهابة، مع وجود من سبق إليه من الأئمة وهناك فرية بلا مرية على الشيخ الألباني بأنه لا ينظر إلى الصحيحين بمهابة، وهذا غير صحيح، فهو قد ضعف بعض ما في الصحيحين لكن كان مسبوقاً بالتضعيف على حسب القواعد التي وضعها الشيخان وغيرهما، والكلام في الغالب على أحرف، وليس على أصل الحديث، والله أعلم..
السؤال 449: ما القول الصحيح في حجية المرسل؟
الجواب: وقع خلاف بين العلماء في حجية المرسل، والناظر في مذهب الأئمة الأربعة في الاحتجاج بالحديث المرسل، يجد أن أقدمهم زمناً أكثرهم احتجاجاً به، وأن آخرهم زمناً أكثرهم تضييقاً في الاحتجاج به فأقدم الأمة أبو حنيفة والمرسل عند أبي حنيفة حجة بإطلاق، ثم الإمام مالك، ومالك عنده المرسل، حجة إذا عضده عمل أهل المدينة، ثم الإمام الشافعي والمرسل عنده حجة إن وجد ما يشهد له من الموقوف الصحيح أو مما يقبل الجبر من الحديث الضعيف، وآخرهم الإمام أحمد وهو لا يعتبر المرسل حجة.
والقول المعتمد عند العلماء المخرجين أن المرسل ضعيف لا يعتمد عليه وليس بحجة في ذاته، لكن ضعفه يسير يقبل الجبر، فيتساهل فيه في الشواهد ولا يتساهل في الأصول.
وقد ذكر الإمام الشافعي كلمة اشتهرت عنه وفهمت عنه خطأ، فقد قال: (أصح المراسيل مراسيل سعيد بن المسيب) وليس مراد الشافعي بمقولته هذه على التحقيق أن مراسيل سعيد بن المسيب حجة، وإن مراده أنه بالسبر وجد جل مراسيل سعيد بن المسيب تقبل الجبر، ولكن أعل الشافعي في "الأم" في أكثر من موطن الاحتجاج ببعض الأحاديث وهي من مراسيل سعيد؛ وذلك لأنه لم يجد لها ما يجبرها، فمراد الشافعي إذن أن مراسيل سعيد جلها ممكن جبره وإلا تبقى في دائرة الضعف وقد نصص على ذلك.
السؤال 450: كيف نوفق بين حديث {يا جرهد غط فخذك فإن الفخذ عورة} وبين حديث دخول أبي بكر وعمر وعثمان على النبي صلى الله عليه وسلم وفخذه مكشوفة؟
الجواب: أحاديث الفخذ وقع فيها خلاف بين أهل العلم، والظاهر منها التعارض وحديث جرهد صحيح على نزاع بين العلماء في صحته وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد دلى رجليه في بئر وقد كشف فخذيه، وجاء أبو بكر وعمر وجلسا ثم جاء عثمان فغطى فخذه صلى الله عليه وسلم فلما سئل عن ذلك، فقال: {ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة} ففي هذا الحديث أن الفخذ ليس بعورة، والظاهر من الحديثين التعارض وأحسن من جمع بينهما الإمام البخاري فقال حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط.
ومنهم من قال أنه يجوز في الفسحة والنزهة من الرخصة ما لا يجوز بغيرها فيترخص الإنسان في الفسحة والنزهة ما لا يترخص في غيرهما، ومنهم من قال الفخذ يجب ستره عند عدم أمن الفتنة، بخلاف إن لم يكن يراه إلا أناس قليلون والفتنة في حقهم محالة، كما وقع في حادثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من ضيقه وقال: هذه قضية عين، وهذا أضعف الأقوال، والخلاصة أن حديث جرهد صحيح وفيه شيء زائد عن سائر الأحاديث، والموفق من عمل بالشيء الزائد فالفخذ عورة، ولا يجوز للرجل أن يكشفه أمام الناس أو يسير في الطرقات كاشف الفخذ فأوقع من النبي صلى الله عليه وسلم حال ما تكررت وما ظهرت في المجتمع عامة، وإنما كانت في ظرف الفتنة فيه غير حاصلة، والله أعلم
__________________
السؤال 451: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكاسيات العاريات: {إلعنوهن فإنهن ملعونات} فهل يكون اللعن على مسمعهن أم سراً؟
الجواب: قال صلى الله عليه وسلم: {صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، قوم معهم سياط وأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها} وفي رواية عند أحمد: {إلعنوهن فإنهن ملعونات}، هذا حديث عظيم وجليل وواقعنا شاهد عليه، وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الظلم السياسي والفساد الخلقي قرينان ووجهان لعملة واحدة، فمتى وجد الظلم السياسي يكون معه الفساد الخلقي فإن الإنسان المغموس في حمأة الشهوة المشغول بالنظر لتبرج النساء فإنه لا يجرأ أن يقول للظالم إنك ظالم، ولا بد أن يعاقب بأقوام معهم سياط يجلدون الظهور، والإشارة في الحديث ظاهرة وذكر هذين الصنفين في الحديث ليس من عبث إنهما وحي من الله عز وجل.
أما اللعن فإن من فقهه أمور فإن الشرع أمر الناظر أن يلعن هذه المرأة حتى يدرأ عن نفسه شرها فإنك لا تستطيع أن تدرأ شر هذه المرأة المبترجة عن نفسك إلا إن قلت في نفسك واستشعرت بقلبك إن هذه ملعونة، فكيف يتمتع فيها الناظر؟
وللإنسان أن يقول هذا بلسانه على مسمع منها لكن إن ترتب على إسماعها فتنة فلا تسمعها درا للفتنة أمام إن لم يترتب فتنة فأسمعها ولا حرج في ذلك، وهذه المرأة الملعونة بعينها ولا يلزم من لعنها هذا أنه يحكم عليها من أهل النار إنما يحكم عليها اللعن مادامت على هذا الحال ولعنها بمعنى الدعاء عليها، فكما قال ابن تيمية : فإن النصوص التي ورد فيها اللعن في الشرع قسمان، قسم بمعنى الدعاء على الإنسان وقسم بمعنى تقرير الخروج والحرمان من رحمة الله، وقصة الرجل المسيء لجاره لا تخفى فقد صح أن رجلاً جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فأرشده إلى أن يخرج متاعه إلى قارعة الطريق فأصبح الناس يمرون ويستفسرون من الرجل عن ماله فلما كان يخبرهم بالخبر كان الناس يلعنون الجار المسيء حتى رجع وتاب، فلعن المعين بمعنى الدعاء عليه لا حرج فيه.
السؤال 452: هل هذا الحديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في نفر من أصحابه فوجد ريحاً فقال ليقم صاحب هذا الريح فليتوضأ، فلم يقم أحد حتى قالها ثلاثاً، ثم قال: {إن الله لا يستحي من الحق} فقال العباس: ألا نقوم كلنا يا رسول الله فنتوضأ قال {قوموا كلكم فتوضؤوا}؟
الجواب: هذا الحديث خرافة والناس يظنون في القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب الوضوء من اكل لحم الجزور وإنما أوجبه على الجميع على الرجل الذي أخرج الريح، وهذه القصة باطلة وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أكل لحم جزور فليتوضأ} وهذه قصة لا وجود لها في كتب السنة.
وقد ذكر شيخنا رحمه الله، قصة شبيهة بها ولم يعزها إلا لابن عساكر في "تاريخ دمشق" ووجدتها عند أبي عبيد في الطهور، وفي مصنف عبد الرزاق وهي من مرسل مجاهد، وفيها أصل بن أبي جميل وهو ضعيف، فالقصة ضعيفة لأمرين لواصل ولأنها من مرسل مجاهد، وذكرها شيخنا في السلسلة الضعيفة (برقم 1132) وقال معقباً عليها: وهذه القصة مع أنه لا أصل لها في كتب من السنة ولا في غير من كتب الفقه، والتفسير، فيما علمت فإن أثرها سيء جداً في الذين يروونها فإنها تصرفهم عن العمل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لكل من أكل لحم الجزور وكل من اكل من لحم الإبل أن يتوضأ كما ثبت في صحيح مسلم فهم يدفعون هذا الأمر الصحيح الصريح لأنه إنما كان ستراً على ذلك الرجل لا تشريعاً وليت شعري كيف يعقل هؤلاء مثل هذه القصة ويؤمنون بها مع بعدها عن العقل السليم والشرع القويم، فإنهم لو تفكروا فيها قليلاً لتبين لهم ما قلناه بوضوح فإنه مما لا يليق به صلى الله عليه وسلم أن يأمر بأمر لعلة زمنية ثم لا يبين للناس تلك العلة حتى يسير الأمر شريعة أبدية كما وقع في هذا الأمر، فقد عمل به جماهير من أئمة الأحاديث والفقه فلو أنه صلى الله عليه وسلم كان أمر به لتلك العلة المزعومة لبينها أتم البيان حتى لا يضل هؤلاء الجماهير باتباعهم للأمر المطلق لكن قبح الله الوضاعين في كل عصر ومصر، فإنهم من أعظم الأسباب التي أبعدت الكثيرين من المسلمين عن العمل بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن جماهير العاملين في هذا الأمر الكريم ووفق الآخرين للاقتداء بهم، في ذلك الأمر فالقصة رغم شيوعها وذيوعها بين الناس فإنها لا أصل لها والراجح عند أهل العلم ،أنه من أكل من لحم جزور فعليه الوضوء والله أعلم..
السؤال 453: ما حكم من لم نذبح له عقيقة ممن سنه فوق البلوغ؟
الجواب: إن شاء ذبح العقيقة عن نفسه إن كان ذلك بمكنته، ولا يدخل عليه حرج بذلك، فقد صحح بعض الحفاظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عق عن نفسه بعد النبوة ،لكن ليس هذا على وجه الإلزام، وإن كان هذا واجباً محدداً بين طرفين قضاؤه يحتاج إلى أمر جديد، فإن فعله صلى الله عليه وسلم هو الأمر الجديد، ولكن فعله يدلل على السنية لا الوجوب.
والواجب على الوالد أن يذبح عن ولده إن كان مستطيعاً في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين، فإن فاتت هذه الأوقات، فإن كان جاهلاً بالتوقيت فيعذر بالجهل فيذبح، في أقرب وقت، وإن لم يكن جاهلاً فله أن يذبح، لكن ذبحه اللاحق ليس كذبحه السابق، ولا يحتاج في هاتين الحالتين إلى أمر جديد، لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيه إذن عام، فأصبح فعله صلى الله عليه وسلم إذن لمن فاته التوقيت بعامة.
ويعق عن الذكر بشاتين وعن الأنثى بشاة، على الراجح لقوله صلى الله عليه وسلم: {عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة}، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين، كل منهما بشاة، فقال الشوكاني يجمع بين قوله وفعله، فأصل السنة شاة وتمامها شاتان، لكن روى النسائي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن بكبشين أملحين، وعن الحسين بكبشين أملحين، وهذا أصح طرق الحديث، فوافق قوله صلى الله عليه وسلم عمله، فالأصل في العقيقة عن الذكر أن تكون شاتين فإن لم يقدر إلا بواحدة فلا حرج، ولا مانع بأن يعق الجد عن المولود كما فعل صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين.
والعقيقة تكون بالأنعام ولا يجوز الشركة فيها، فلو أن اثنان اشتركا بجمل فهذا غير جائز على الراجح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كل مولود مرتهن بعقيقته}، فكل واحد له دم مستقل وعقيقة خاصة، فلا يوزع الدم بين اثنين، والعقيقة إن تعينت ثم فقدت فلا بد من العقيقة ولا يسقط، إلا إن كان الأب لا يستطيع إلا هذه المفقودة، فليس عليه العقيقة لعدم استطاعته لا لأن التي ضاعت قد أجزأت ولا يوجد سن معين للعقيقة، لكن يستحب أن نقتدي بفعله صلى الله عليه وسلم فتكون العقيقة كبشاً مليحاً أقرناً، ويستحب في الشاتين عن الذكر أن تكونا متساويتين لقوله صلى الله عليه وسلم: {عن الذكر شاتان متكافئتان}، وما قيده الشرع في الأضحية من السن والعيوب لا نقيسها على العقيقة فكل منهما باب بوحده، والله أعلم...
السؤال 454: ما حكم الحناء للرجال؟
الجواب: الحناء للرجال جائز، في حالة وممنوع في حالة ثانية، فإن كان استخدام الحناء للرجال من باب التجمل فهذا لا يجوز لأن الدلة والنعومة من سمات النساء، قال الله عز وجل: {أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} فالمرأة تنشأ في الحلية والزينة والتنعم والدلال.
أما استخدام الحناء للرجل على أنها علاج فلا حرج في هذا، فإن الحناء تستخدم، مثلاً لعلاج تشقق الجلد، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع مجموعة من النساء وكن يضعن أيديهن في ماء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع على إثرهن يده، فمدت امرأة يدها فرآها خشنة، فاستغرب النبي صلى الله عليه وسلم من خشونة يدها، وقال: {يد امرأة أم يد رجل؟} فقالت: يد امرأة، فقال لها صلى الله عليه وسلم: {اختضبي} أي تحني، فإن كان الحناء للزينة فهو للنساء فحسب، وإن كان للتطبب فهو جائز على حد سواء للرجال والنساء والله أعلم...
السؤال 455: هل يجوز للمسلم أن يصل أمه الكافرة؟
نعم ، إن كان الأبوان أو أحدهما مشركين فيجوز للابن أن يصلهما، وقال الله عز وجل، في سورة لقمان: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً}، فقد أمر الله الابن في هذه الآية إن كان أبوه يأمره بالشرك أن يحسن إليه وأن يبره، وقد أخرج الشيخان في صحيحهما عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: ((قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: {نعم صلي أمك})) فمن كان كافراً ثم امتن عليه بالإسلام فلا يقطع والديه، بل عليه أن يحسن إليهما، وأن يتودد لهما، وأن يطمع في إسلامهما، وأن يحرك العاطفة التي في قلوبهما نحوه نحو الدين، وأن يريهما أنه بإسلامه ازداد إحساناً لهما، وهذه طاعة من الطاعات.
وليس عقوق الأب المشرك كعقوق الأب المؤمن، وليس عقوق الأب المسلم الصالح كعقوق الأب المسلم الفاسق، وليس عقوق الأب الصالح العالم كعقوق الصالح الجاهل، فقد تزدحم الحقوق في حق الشخص الواحد، فالجار مثلاً له حق، فإن كان صالحاً فله حقان، وإن كان صالحاً وذا رحم فله ثلاثة عقوق، وهكذا فالوالد له حق، فإن كان مشركاً ينقص من حقه لكن يبقى أباً له، بر وصلة..
السؤال 456: من بدأ بتحية المسجد فأقيمت الصلاة ماذا يفعل؟
الجواب: إن كنت في بداية صلاتك فقد تزاحم أمران: سنة وفريضة، فاترك السنة للفريضة، فعند تزاحم الأمور يقدم الأهم، فمن أخطاء كثير من الناس من يدخل المسجد بعد بدء الصلاة في الركعة الأولى فيبدأ بدعاء الاستفتاح، وقد يركع الإمام وتفوته الفاتحة، فالأولى أن يبدأ بالفاتحة، إلا أن غلب على ظنه أنه يدرك الفاتحة، فيبدأ بدعاء استفتاح قصير ولا يطيل، فإن دعاء الاستفتاح سنة والفاتحة ركن، أما إن كنت في نهاية الصلاة كأن تكون في سجود الركعة الثانية وتستطيع أن تتم صلاتك وتدرك تكبيرة الإحرام فلا حرج.
أما كيفية الخروج من الصلاة النافلة إذا أقيمت الصلاة ففيها خلاف بين العلماء هل يسلم ويخرج من الصلاة، أم يخرج من غير سلام؟ والخلاف مبني على فهم قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة}، ومكمن الخلاف في قوله: {فلا صلاة} هل [لا] نافية أم ناهية؟ فإن كانت لا النافية فلا داعي للسلام لأن صلاته أصبحت غير منعقدة، كمن دخل في الصلاة ثم تذكر أنه غير متوضئ فهذا يخرج من الصلاة بغير سلام لأن صلاته ما انعقدت أصلاً، فتسليمه وعدمه سيان، لأنه بعد تذكره ليس في صلاة، فإن كان الشرع أبطل الصلاة، فلا داعي للتسليم، لأن التسليم من أعمال الصلاة.
أما إن كانت لا في الحديث ناهية، بمعنى أنها تنهاك أن تكمل الصلاة فسلم، وقد صح عند البخاري أن الرجل الذي صلى خلف معاذ لما أطال معاذ الصلاة أنه سلم وصلى منفرداً فهو قد سلم لأن صلاته قد انعقدت.
وعندي الأمر واسع، والخلاف في مثل هذه المسائل الذي لا يعضده عمل السلف، ولم يشتهر عمل السلف لا في هذا ولا في هذا، يبقى فيه نوع سعة، والله أعلم..
السؤال 457: هل يجوز لقوم أكلوا جميعهم البصل أو الثوم أن يصلوا جماعة؟
الجواب: ينظر في الجماعة إن كانت خارج المسجد فيجوز وإن كان في المسجد فلا أرى ذلك جائزاً، لأن المسجد يجمعهم ويجمع غيرهم، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أكل البصل والثوم والكرات فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى فيه بنو آدم} والمساجد من مظنة وجود الملائكة فيها، لأن فيها ذكر لله سبحانه وتعالى، أما إن كانوا في غير المسجد، وكان يؤذي بعضهم بعضاً فهذا أمر محتمل، أما أن يؤذوا غيرهم ممن لم يأكلوا البصل مثلهم، فلا.
وقد كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شموا رائحة الثوم والبصل من رجل فكان رجلان يحملانه إلى جهة البقيع، واليوم عندنا شيء آخر غير البصل والثوم، وهو الدخان فهو شر منهما والمدخن آثم لوجوده، في إضاعة المال وفي إلحاق الضرر بولده وأهله ونفسه، وفي إيذاء إخوانه المصلين والملائكة إن أتى المسجد وهو حديث عهد بالدخان.
السؤال 458: ما حكم كثرة الحلف لاسيما للبائعين، وهل تجب عليهم الكفارة؟
الجواب: من حلف وعقد قلبه، أكثر الحلف أم لم تكثر، فتجب في حقه الكفارة، وعلى كل يمين حلفه كفارة، وأما إن كان لغواً، يجري على لسانه من غير تعقيد قلب فلا كفارة عليه لقول الله عز وجل: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}، فالعبرة بتعقيد اليمين في القلب، وحتى عقد اليمين في القلب فيجب فعله، فإن رأى الحالف غيره خيراً منه فله ذلك بشرط الكفارة، والأصل أن يحفظ الإنسان يمينه لقوله تعالى: {واحفظوا أيمانكم}.
وكثرة الحلف عادة قبيحة ذكرها الله عز وجل من صفات أهل النار فقال: {ولا تطع كل حلاف مهين}، فكثرة الحلف ليست من صفات المؤمنين، وإن كان الحلف بالله جائزاً، لأنه تعظيم له سبحانه، لكن الإكثار منه على كل شاردة وواردة، وأن يكون شيئاً دارجاً على اللسان فهذا أمر ليس بحسن، لاسيما من قبل التجار، ولاسيما إن كان المقصد من الحلف ترويج السلعة فهذا أمر مذموم، وقد صح عند الحاكم في "المستدرك" عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة ....} وذكر الذين يحبهم، فقال أبو ذر: من الثلاثة الذين يبغضهم الله، فقال صلى الله عليه وسلم: {المختال الفخور والبخيل المنان والبائع الحلاف} والحلاف على وزن فعال، وهي صيغة مبالغة فهو كثير الحلف.
وأخرج ابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: مر أعرابي بشاة، فقلت: تبعها بثلاثة دراهم؟ فقال: لا والله، ثم باعها بثلاثة دراهم، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {باع آخرته بدنياه}، وكم من إنسان يحلف ألا يبيع ثم يبيع، وأخرج الشيخان في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب}، فمن أسباب عدم الكسب الحلف، وفي رواية عند أبي داود: {الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة} فالحلف يمحق البركة، وأخرج مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: {إياكم وكثرة الحلف فإنه ينفق ثم يمحق}، فهذه نصوص صريحة في عدم جواز كثرة الحلف على السلعة .
ومن مظنة كذب التجار اليوم كثرة الحلف، فإن رأيت تاجراً يكثر الحلف، فإنه يقوم في قلب صاحب الفراسة والفطنة أنه يكذب، ولو كان صادقاً ما احتاج لهذا الحلف، فإن أردت أيها التاجر أن تروج سلعتك فاذكر محاسنها، وأصدق في وصفها، وأترك الحلف الكاذب الذي يمحق البركة، وما أحوجنا في هذه الأيام للبركة، فما أكثر الأشياء وما أقل بركتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونحن بحاجة من الخطباء والوعاظ إلى بيان أسباب وجود البركة وأسباب نزعها من الأشياء فإن التاجر لا يرى بركة في تجارته على كثرتها، والأب لا يرى بركة في أولاده على كثرتهم، فما أحوجنا إلى أن ننتبه لهذه الأمور.
السؤال 459: هل يجوز للمسلم أن يفرح بما وقع بأعداء الله من الكفار من مصائب ونكبات وإن كان ذلك بسبب ظلم واعتداء وقع عليهم؟
الجواب: على هذا السؤال عند العز بن عبد السلام رحمه الله، في كتابه "قواعد الأحكام" (2/397) وهو كلام علمي محرر بعيد عن كل شر.
قال رحمه الله: (لو قتل عدو الإنسان ظلماً وتعدياً فسره قتله وفرح به، هل يكون ذلك سروراً بمعصية الله أم لا؟ قلت: إن فرح بكونه عصي الله فيه فبئس الفرح فرحه، وإن فرح بكونه تخلص من شره، وخلص الناس من ظلمه وغشمه، ولم يفرح بمعصية الله بقتله، فلا بأس بذلك؛ لاختلاف سببي الفرح، فإن قال: لا أدري بأي الأمرين كان فرحي؟ قلنا: لا إثم عليك، لأن الظاهر من حال الإنسان أنه يفرح بمصاب عدوه لأجل الاستراحة منه، والشماتة به، لا لأجل المعصية، ولذلك يتحقق فرحه وإن كانت المصيبة سماوية، فإن قيل: إذا سر العاصي حال ملابسته المعصية هل يأثم بسروره أم لا؟ قلت: إن سر بها من جهة أنها معصية آثم بذلك، وإن سر بها من جهة كونها لذة لا تنفك من فعل المعصية، فلا يأثم إلا إثماً واحداً، والإثم مختص بملابسة المعصية، والله تعالى أعلم) أ.هـ.
ونفهم من كلامه أنه لا يجوز للمسلم أن يفرح بالمعصية والظلم، وإنما يفرح بخلاص الناس من شر الظالم والمعتدي، ورحم الله العز، ورحم الله علمائنا فما تركوا لنا شاردة ولا واردة إلى يوم الدين إلا بينوها وفصلوها.
السؤال 460: ما هو التنكيس المكروه في القراءة للمصلي أو الإمام؟
الجواب: العلماء مختلفون في التنكيس، والتنكيس في القراءة هو أن تقع القراءة على غير ترتيب المصحف، وهذا هو المكروه عند الشافعية فهم يرون كراهة قراءة سورة قبل سورة ترتيبها متأخر عنها، فلو أن الإمام مثلاً قرأ في الركعة الأولى [الضحى] وفي الثانية [النازعات] فهذا عند الشافعية مكروه، لأن فيه تنكيساً، والصواب أنه مكروه ولا تنكيس فيه، وهو مكروه لأن الركعة الثانية تكون أطول من الأولى، والسنة أن تكون الأولى هي الأطول، فهو عند الشافعية مكروه من وجهين.
أما عند الجماهير فالتنكيس المكروه هو أن تقع القراءة في الركعة الأولى، من آخر السورة أو وسطها، وتكون في الركعة الثانية من أول السورة، وسبب هذه الكراهة مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الشائع الذائع عند الناس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بدأ بقراءة سورة في الركعة لم يركع حتى يتمها ومن أجل ذلك، لما صلى ذاك الفلاح خلف معاذ رضي الله عنه، مجرد ما بدأ معاذ بقراءة البقرة، فارق معاذ وصلى وحده، لأنه يعلم أن معاذ سيتمها ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الاقتصار في القراءة على أواخر السورة وإن كانت الصلاة بها صحيحة وكان من هديه صلى الله عليه وسلم المفقود عند الأئمة هذه الأيام، أنه كان يقرأ بالركعتين، بسور متشابهة، السورة ونظائرها، مما هما في نفس المعنى، وهذه سنة تكاد تكون مهجورة ولا يقدر عليها إلا من كان متمكناً من حفظه.
ومن قرأ وطول الاولى اكثر من الثانية ، وقرأ في الاولى سورة طويلة ، ثم في الثانية قرأ بسورة أخرى قبلها ، فالراجح ان هذا ليس بتنكيس مكروه، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم قيام الليل وابتدأ بالبقرة ثم ثنى بالنساء ثم رجع الى ال عمران . ثم ايضا ذاك الرجل الذي كان يستفتح صلاتة ب " قل هو الله احد " ثم يقرأ ما تيسر ، فشكوه الى رسول الله عليه السلام فسألة عن سر فعلة هذا فقال : أني احبها ، فقال له صلى الله عليه وسلم : " حبك اياها أدخلك الجنة" فأقره على فعله.
السؤال 461: هل زيارة القبور للنساء حرام؟
الجواب: المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والذي أراه راجحاً في المسألة مذهب المالكية، وهو أنه يجوز للمرأة أن تزور القبور بشرط عدم الإكثار، مع تحقق سائر الشروط الشرعية، أعني: أن تضبط نفسها فلا تشق ثوبها ولا تخدش وجهها، ولا تنوح، ولا تتزين، وتخرج بلباسها الشرعي.
والنبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور ،وزوارات على وزن فعالات فهي صيغة مبالغة المراد بها الإكثار، والنبي صلى الله عليه وسلم منع من زيارة القبور ثم أجاز ذلك علل ذلك بعلة يشترك فيها الرجال والنساء، فقال: {ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر بالآخرة}.فالتذكير بالآخرة علة مشتركة بين الرجال والنساء، فينبغي على المنع بالقيد المذكور وهو [زوارات] وهن المكثرات من الزيارة، فالأصل في المرأة أن تبقى في بيتها ولا تخرج ولا تكثر من الزيارة، لكن لو وقعت فلتة بالشروط الشرعية، مع عدم إكثار فلا أرى في ذلك حرجاً والله أعلم..
السؤال 462: ما حكم زواج المسيار؟
الجواب: زواج المسيار من الاسم لا مثيل له في الشرع، وقد فضل الله الرجال بما أنفقوا وبما يتحملون من تبعات والنفقة حق شخصي يجوز للمرأة أن تتنازل عنه والمبيت حق شرعي يجوز للمرأة أن تتنازل عنه دون مقابل، ولا يجوز أن تبيعه لكن لها أن تتنازل عنه، فلما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن سائر أزواجه بأن يتطبب عند عائشة، وكانت عائشة رضي الله عنها عالمة بالطب واللغة والفقه والحديث والأحساب والأنساب على صغر سنها، وكانت مرجعاً لكبار الصحابة.
فزواج المسيار إن كان فيه إعلان وإشهار وإذن ولي الأمر وشاهدين ودفع مهر وتنازلت المرأة عن حقها في المبيت في البيت وعفها الزوج، وتنازلت عن حقها في النفقة، فهذا جائز، وسبب زواج المسيار تسلط النساء، فالعصر للنساء، وإن جاز لأحد أن يطالب بحقه فللرجال أن يطالبوا بحقوقهم في هذه الأزمان، فبقوا يقولون ويرددون ويطالبون بحق النساء، حتى أصبحت المرأة كما نرى، حتى على إطار السيارة، يروجون للإعلان له بصورة المرأة العارية، فأصبحت سلعة وأصبحت مهانة، وكم تأثرت لما قرأت عن واحدة من ممثلات هوليود كيف كانت تصرخ بالمخرج وتقول له: كفاكم جشعاً وتجارة بأجسادنا، فالنساء العاقلات بدأنا يفهمن هذا، وأن دعاة تحرير المرأة يريدون أن تتعطل مهمتهن التي خلقهن الله لها.
فزواج المسيار إن وجدت الشروط، وأهمها الإعلان، والحد الواجب في الإعلان، كما يقول جماهير الفقهاء، أن يشهد اثنان من الثقات العدول، ألا يتواطئا على الكتمان فزواج المسيار عندها، والأحسن من زواج المسيار التعداد، وتعداد الزوجات من الأمور المهمة الي ينبغي أن تشيع وتنتشر، لاسيما في هذه الأزمان لكن ينبغي أن يكون بدافع من تطبيق الشرع، فإن آبائنا وأجدادنا ظلموا الدين لما عددوا، فالواحد منهم كان يعدد حتى ينتقم والمفلح مع زوجته ينبغي أن يعدد وأن يضرب مثلاً، والمسألة فقط تكدير خاطر ساعات وأيام وهذه هي ضريبته فقط، ولا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، أن يهنأ الرجل في نهاره وليله مع زوجتين.
السؤال 463: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن لم يخش المسلم العنت على نفسه قدم العلم والجهاد على النكاح) فهل هذه القاعدة أو المقولة خاصة بشيخ الإسلام نفسه باعتبار الظروف التي كان يعيش فيها من العلم والانشغال بالجهاد، وقلة الفتن في زمانه مقارنة بزماننا، أم هي عامة على الجميع وخاصة طلبة العلم؟
الجواب: قرر شيخ الإسلام هذا لغيره لا لنفسه، فهو يقرر أن من انشغل بالعلم الشرعي والجهاد في سبيل الله، واشتغل بمصالح المسلمين العامة وخدمتهم ولم يخش على نفسه العنت، ولم تنازعه شهوته، فهذا في حقه الانشغال بمصالح المسلمين أولى من النكاح، فلا نقول إن هذا حكم خاص بشيخ الإسلام.
والعلماء يقولون: إن أحكام النكاح تعتريها الأحكام الخمسة فقد يكون واجباً في حق بعض الناس وقد يكونا مندوباً وقد يكون مباحاً وقد يكون حراماً، والأصل في جل صوره عدا الاستثناءات أنه يدور بين الوجوب والندب، وعند العلماء المتزوج خير من الأعزب، وهذا تفضيل بالجملة لا على الأفراد، فقد يوجد شخص أعزب خير ملء الأرض من المتزوجين، لكن المتزوجون بالجملة خير، لأن المتزوج إن مات يترك وراءه من أبواب الخير ما لا يعلمه إلا الله، فالولد الصالح هو المبتغى من الزواج، فكل ما يفعله الولد من خير يكتب في صحيفة الأبوين، والذي يموت وهو غير متزوج فقد غلق وراءه كثيراً من أبواب الخير، ومن يموت له ولد يصبر على ذلك بنى الله له بيتاً في الجنة، والأولاد فرط فمن مات له أولاد وصبر فهم يأخذون بيده ويدخلونه الجنة، فالمرأة التي فقدت ثلاثاً من الولد قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: {لقد احتذرت بحذار من النار} فمثل هذه الأجور ليست لغير المتزوج.
والمتزوج نفسه لا تنازعه، يعبد الله بإتيانه أهله، وبنقفته عليهم، والمتزوج يتجمل بزوجته، كما قال تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، واللباس يستخدم زينة ويقي الحر والبرد، فالزوجة زينة للرجل يتزين بها عند الأقارب والمحارم لاسيما إن كانت صالحة، والبعض يترك الزواج ويقول أريد أن أكون طالب علم، فنقول له: اختر طالبة علم فإنها تعينك في الطلب، فمن أسباب تقدم طالب العلم أن يتزوج فتسكن نفسه، بشرط أن يحسن الاختيار.
السؤال 464: ما حكم صيام رجب، وهل فيه طاعة معينة مرغب فيها؟
الجواب: الله خالق الزمان والمكان والإنسان، والله يصطفى ويختار ما يشاء فقال تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} والله خلق الإنسان واختار الأنبياء من بني الإنسان واختار من بين الأنبياء الرسل واختار من بين الرسل أولي العزم واختار من بين أولي العزم محمداً صلى الله عليه وسلم وخلق المكان واختار المكان واختار مكة والمدينة وبيت المقدس من بين سائر الأمكنة، وخلق الزمان واختار، واختار من بين سائر الأيام يوم الجمعة واختار من بين أيام السنة يوم النحر، فأحب الأيام على الله على الإطلاق يوم النحر ثم يوم القر، وخلق الله الأشهر واختار، واختار من بين الأشهر أشهر الله الحرم، ففضلها على غيرها من الشهور، قال تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم}.
فجعل الله من بين الأشهر الأشهر الحرم وهي أربعة، ثلاثة سرد وواحد فرد، فثلاثة تأتي متتابعة وهي: محرم وذو القعدة، وذو الحجة، والفرد هو رجب، وشهر رجب كانت العرب وخصوصاً مضر، تعظم هذا الشهر فكانت العرب توقف القتال فيه، وكانت القبائل تمسك عن القتال وقد قالوا: إن رجب مأخوذ من الترحيب والترحيب هو التعظيم، وكانت العرب تصوم هذا الشهر كرمضان، وكانوا يتقربون إلى الله فيه بالذبح، والذبيحة التي تذبح في هذا الشهر كانت تسمى العتيرة، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يذبح فإن له ذلك، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {على كل أهل بيت في رجب ذبيحة}، فهذه ذبيحة لمن شاء فهي عادة جاهلية أقرها النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان بعض الناس في زمن التابعين يردون الصيام في رجب، بل كان بعضهم يبدأ الصيام في رجب، ولا ينتهي إلا بعد انقضاء رمضان، وقد ثبت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صام شهراً بتمامه إلا رمضان، وثبت أن عمر رضي الله عنه كان يضرب أيدي الرجبيين وهم الذين يصومون شهر رجب كاملاً تعظيماً له، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما عند الفاكهي بإسناد لا بأس به أنه قال: {لا يصم أحدكم رجب حتماً كرمضان ولكن يصوم ويفطر}، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كره للرجل أن يصوم رجب بتمامه.
وشهر رجب من الأشهر الحرم، وصح عن ابن عباس وقتادة أن الأعمال الصالحة في الأشهر الحرم، فليكثر منه، وما أطلقه الشرع نطلقه وما قيده الشرع نقيده، فالشرع ما حث بشيء بعينه من الطاعات في رجب إلا أنه عظمه وجعله من الأشهر الحرم، فمن كانت له عادة من قراءة للقرآن أو قيام لليل أو الصدقة أو الذكر أو صلة الرحم، وما شابه، فليكثر منها في الأشهر الحرم، ولو تقصد الإنسان صيام الاثنين والخميس أو قيام الليل ابتغاء تعظيم الأجر فلا حرج ولا ضير.
لكن لا يجوز أن نخص عبادة بعينها، أو أن نفعل طاعة لها، رسم معين وكيفية وهيئة معينة لم تثبت في شرع الله في هذا الشهر، وقد كان لتعظيم العرب لهذا الشهر فرصة للوضاعين والكذابين ومجال فسيح لهم، لوضع الأحاديث وذكر الأكاذيب والأباطيل والترهات وإلصاقها بهذا الدين، وإلحاقها بسيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم، فقد وضع الكذابون صلاة تسمى صلاة الرغائب وقد وضعها رجل نابلسي في بيت المقدس صلاها هو وآخر، ثم اشتهرت وذاعت، وقال أبو شامة المقدسي في كتابه "الباعث": (لما زرت بيت المقدس جائني هذا النابلسي واستتابني وأشهر توبته من هذه الصلاة التي كذبها ووضعها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زالت هذه الصلاة تصلى إلى هذه الأيام.)
والكذب خفيف وبيء، والحق ثقيل مريء، فالكذب والباطل ينتشر انتشار النار في الهشيم، وهذه الصلاة تؤدى في ليلة أول جمعة من رجب، فتصلى اثنتي عشرة ركعة، ويقرأ في كل ركعة سورة القدر ثلاث مرات، وسورة الإخلاص اثنتي عشرة مرة، ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية سبعين مرة، وعلى زعم واضعها يقول: بعد الصلاة الدعاء مستجاب، وهذا كذب، ويؤيد هذا الحسن والواقع والأحاديث، وقد نصص على وضع هذه اصلاة العلماء الربانيون التقات.
وكذلك اعتقاد أجر معين في رجب بصيام أيام معينة كما يتداول عند العوام أن من صام اليوم الأول له أجر ثلاث سنوات، وفي الثاني أجر سنتين والثالث أجر سنة، وما بعده أجر صيام يوم بصيام شهر، فهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من صام أول رجب ومنتصف رجب وآخر رجب عن النار احتجب}، وهذا كذب وافتراء بلا مراد، وكذلك زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي}، وهذا الحديث عند الديلمي وإسناده ضعيف جداً ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلم يثبت في رجب فضل معين، وقد ألف الحافظ ابن حجر كتاباً بديعاً سماه "تبيين العجب لما ورد في رجب}، وقرر فيه أنه لم يثبت في فضل رجب حديث واحد، وقد ألف ابن دحية كتاباً سماه "أداء ما وجب في وضع الوضاعين في رجب" وألف علي القاري رسالة بعنوان "الأدب في رجب" وغيرهم من العلماء ألفوا مصنفات وزيفوا كثيراً من الطاعات وبينوا وهائها، وبينوا كثير من الأحاديث المكذوبات على سيد البريات عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات، فلم يثبت في رجب إلا الترغيب في العتيرة، فمن أراد أن يذبح شاة فله ذلك.
ومن الأباطيل التي تكون في هذا الشهر الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج وقيام ليلها وصيام نهارها وهذا لم يثبت فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل الراجح أن الإسراء والمعراج لم يكن أصلاً في رجب كما ذكر الإمام النووي وكذلك العمرة لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في رجب، وإن كان ابن عمر يقول ذلك، فإن عائشة كانت تقول: ماذا يقول أبو عبدالرحمن فوالله إن النبي صلى الله عليه وسلم ما اعتمر في رجب قط.
ويحسن بالإنسان في هذا الشهر المعظم ويجدر به أن يتفقد نفسه، ويهيئها للإقبال على رمضان، فيأخذ بعزائم هذه النفس بأن تتقدم إلى الخير تقدماً بطيئاً عميقاً ولكن لا يطو قلبه على أجر معين، ولا يصنع طاعة لم تثبت في دين الله، وعموم الطاعات محببة في هذا الشهر لأنه من أشهر الله الحرم، والعاقل ينتبه لهذه المواسم فيكثر فيها من الطاعات المحببات التي تقرب من رب البريات.
السؤال 465: هل هذا حديث: {الحج ممحقة للفقر}؟
الجواب: هذا الحديث بهذا اللفظ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويغني عنه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: {تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر نفياً}.
فإن من أسباب الغنى أن يبقى الرجل متابعاً بين الحج والعمرة دائماً فإن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، وكلامه وحي يوحى قد قال ذلك وضمنه، ولذا لما سئل بكر بن عبد الله المزني التابعي الجليل رحمه الله، سئل عن رجل عليه دين هل له أن يحج؟ فقال: (نعم فإن الحج أقضى للدين}، أي من سبب قضاء الدين الحج، ثم ذكر الحديث، وقد صح في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله: {أيما عبد أصححت له بدنه، ووسعت له رزقه، ولم يفدني كل خمس سنوات مرة فهو محروم}، فأقل المتابعة بين الحج والعمرة، أن يحرص المسلم على أن يحج أو يعتمر في كل خمس سنوات ولو مرة، ومن تيسر له دون ذلك، فهذا حسن، والله أعلم.
السؤال 466: هل يجوز للمرأة أن تقبل يد حماها؟
الجواب: الحمو في الشرع يطلق على قريب الزوج بإطلاق، ولذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إياكم والدخول على النساء} قال رجل: أرأيت الحمو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: {الحمو الموت} والمراد بالحمو في هذا الحديث أخو الزوج فأخو الزوج يدخل ويخرج على زوجة أخيه حال غيابه دون ريبة ولا أحد يلتفت له، فهذا هو الموت، وكم نسأل على الهاتف من المتدينات أن أخا زوجها دخل عليها وفعل كذا وكذا، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.
أما والد الزوج فهو بمثابة الأب، وزوجة الابن بمثابة البنت، فيجوز للمرأة أن تصافح والد زوجها ويجوز لها أن تقبل يده، إن كان صاحب فضل، فتقبيل يد صاحب الفضل وصاحب العلم أمر مشروع بشرط ألا يكون شعاراً وديدنأ، إنما يقع فلتة.
وقد ألف ابن المقرئ الحافظ " من وفيات القرن العشرين" جزءاً سماه (الرخصة في تقبيل اليد) وألف بعض الغماريين كتاباً سماه "إعلام النيل في جواز التقبيل" وألف ابن الأعرابي تلميذ أبي داود صاحب السنن كتاباً سماه "القبل والمعانقة" وأوردوا فيها كثيراً من الأحاديث والآثار ومن بين ما ذكروا أن ابن عباس لما كان يطلب العلم عند زيد بن ثابت، أراد مرة أن يغير ابن عباس لشيخه ركوبه فلما أراد زيد أن يركب ووضع يده فإذا بابن عباس يقبلها فيقول زيد لابن عباس: ماذا فعلت؟ فيقول ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فيباغته زيد مرة ويقبل يده فاستغرب ابن عباس وقال: لماذا فعلت هذا؟ قال زيد: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا، صلى الله عليه وسلم، فأن نحب الصلحاء والعلماء من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه ديانة نتقرب بها إلى الله عز وجل، كيف لا، والله يقول: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}.
وفي هذه الحادثة إشارة إلى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته بينهم من التعظيم والاحترام والتبجيل ما يرد على أباطيل الشيعة، الذين يقوم في ذهنهم أن هناك نزاعاً وخصومة بين قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، والصواب أن العلاقة بين الصحابة والقرابة علاقة احترام وتعظيم وتبجيل وليست علاقة شتم ونزاع وخصومة، ونبرأ إلى الله عز وجل من هذا.
وتقبيل الرأس كذلك لأهل الفضل والعلم لا حرج فيه كتقبيل اليد بشرط ألا يكون شعاراً أما وضع اليد على الجبين بعد التقبيل فسئل عنها سفيان فقال: هذه السجدة الصغرى، وكان العلماء ينهون عن وضع اليد على الجبين، بعد التقبيل، والله أعلم.
السؤال 467: هل صيام الإثنين والخميس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما الحكمة فيه؟
الجواب: بلا شك فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام يومي الإثنين والخميس، وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم الإثنين فقال: {ذلك يوم ولدت فيه}، فالاحتفال بميلاده على هذا النحو احتفال مشروع، فمن أراد الاحتفال المشروع بميلاده صلى الله عليه وسلم فليصم الإثنين.
وأما سبب صيامه صلى الله عليه وسلم الإثنين والخميس فإن الأعمال ترفع إلى الله في هذين اليومين، وصيام الإثنين والخميس يعدل صوم شعبان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام شعبان،وكان يقول في سبب ذلك: {إن الأعمال ترفع إلى الله في شعبان وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم}، وصرح النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمال ترفع إلى الله في يومي الإثنين والخميس والظاهر أن الرفع يكون على أكثر من حال، فالرفع للأيام في الإثنين والخميس، ثم يكون رفع آخر للسنة في شعبان، والله أعلم..
السؤال 468: هل يقع الطلاق بعيداً عن المرأة؟ وما حكم من يحلف بالطلاق وهل الطلاق يمين؟ وعليه كفارة، وهل طلاق الحامل جائز ؟
الجواب: الشرع يريد للإنسان أن يعيش حياة مثالية، لكن هذه المثالية لا تتعارض مع طبيعة ولا تتناقض مع طبيعة الإنسان الخطاء، فهي مثالية تناسب طبيعة الإنسان من الخطأ والنسيان وما شابه، ولذا أذن الشرع بالفراق بعد الزواج، وجعل الشرع الفراق تارة بيد الزوج، وتارة بيد الزوجة، فإن كان الفراق بيد الزوج فهو الطلاق، وإن كان الفراق بيد الزوجة فهو الخلع، فللمرأة أن تختلع من زوجها إن كانت لا تستطيع أن تقيم دينها، والخلع والطلاق أمور استثنائية وليست هي الأصل، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {المختلعات هن المنافقات}، وقال أيضاً: {وكسرها طلاقها}، والشيطان يفرح للطلاق.
والشرع لما أذن للزوج أن يتخلص من زوجته أمر بالإحسان وجعل لذلك قواعد يغفل عنها المطلقون، فلا أظن اليوم أن طلاقاً يقع إلا والمطلق آثم، فإن أغلب طلاق الناس اليوم ردود فعل نفسية ويقع بعدم ترتب وعجلة لأتفه سبب وهذا في الشرع غير جائز.
والطلاق في الشرع قسمان، باتفاق العلماء: طلاق سني وطلاق بدعي، والطلاق السني أن يطلق الرجل زوجته في طهر لم يجامعها فيه، والطلاق البدعي أن يطلق الرجل زوجته وهي حائض، أو في طهر قد جامعها فيه، فأغلب الطلاق يكون والزوجة منفعلة نفسياً لاسيما في حال الحيض، ولذا الزوج الموفق ينبغي أن يراعي زوجته مراعاة خاصة في فترة حيضها، لأنها مريضة تنزف ولذا منع الشرع الزوج أن يطلق في الحيض.
وأغلب النساء إما أن تكون حائضاً وإما أن تكون طاهراً ويكون الزوج قد جامعها في ذاك الطهر، فإذا أراد الزوج أن يطلق زوجته طلاقاً سنياً فإن كانت حائضاً ينتظر حتى تطهر، وإن كانت طاهراً وجامعها في ذاك الطهر فإنه ينتظر متى ينتهي طهرها، ثم تحيض، ثم تطهر ثم يطلقها، فإن وقع الطلاق لم يأذن الشرع للمرأة أن تخرج من بيت زوجها في فترة الطلاق لمدة ثلاث حيضات، فتقضي عدتها في بيت زوجها، وتظهر زينتها ومفاتنها وعورتها على زوجها، ومتى وقع مس بشهوة أو قبلة بشهوة أو جماع انتهت العدة، ورجعت زوجة، فحتى لا يقع الطلاق يحتاج ألا يمس ولا يقبل زوجته بشهوة، أو يجامعها مدة ثلاث حيضات، فباغتسالها من حيضتها الثالثة وارتدائها ثيابها تصبح أجنبية عن زوجها أما وهي تغتسل وقبل أن ترتدي ثيابها له أن يقول لها : أرجعتك.
فبالله عليكم أيكون حال الطلاق اليوم على ما هو عليه لو أن الناس اتبعوا تعاليم دينهم؟ فالطلاق اليوم حالة مرضية عنترية موجودة بسبب نقص الرجولة فعندما يشعر أن رجولته قد خدشت تصيبه العنترية فيطلق، فهكذا طلاق المسلمين اليوم، فهو بعيد بعد الأرض عن السماء عن شرع الله عز وجل، والطلاق يقع دون إسماع الزوجة، لكن بشروط.
ومن الأفكار التي ينادى بها اليوم بصوات خافتة، وستظهر بقوة غداً وإن غداً لناظره لقريب، التقنينات التي تدعو ألا يعتد بالطلاق إلا على مسامع القاضي وهذا معارض للشريعة، لأن الشرع قلل من تدخل القاضي فيما بين الزوجين، لأنه يوجد ما بين الأزواج ما ينبغي ألا يطلع عليه أحد،حتى القاضي، لكن القوانين اليوم توسع من تدخل القاضي فيما بين الزوجين، ومن هذا التوسع المقترح، والذي أرجو الله أن يموت في مهده وألا يكلل بالنجاح، ألا يعتد القاضي بالطلاق، إلا إن كان على مسمعه فمن طلق في المحكمة فيقع الطلاق، وإن طلق خارج المحكمة فلا يقع، وهذا ليس من دين الله في شيء، فإنه لا يشترط لإيقاع الطلاق إسماع القاضي ولا إسماع الزوجة.
أما الحلف بالطلاق، فإن كثيراً من الأزواج إذا أراد أن يؤكد شيئاً أو يشدد في دعوة فلابد أن يقول: علي الطلاق، وهو يقول: أنا لا أريد الطلاق فإذا كان لا يريد الطلاق فلا يقع الطلاق، فهذا يمين وعليه كفارة اليمين، وهذا حاله كمن حلف على حرام كالمرأة التي نذرت أن تطوف بالبيت حاسرة الرأس، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تكفر عن يمينها فاليمين الحرام إن عقد القلب عليه فعليه كفارة.
لكن الحلف بغير الله حرام، فقد صح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من حلف بغير الله فقد أشرك}، وصح عن بعض السلف أن كان يقول: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقاً، فالذي يحلف الطلاق ولم يرد الطلاق عليه الكفارة ولا تحسب طلقة.
أما طلاق المرأة وهي حامل فهو سني وليس بدعي، لأن الجنين الموجود في البطن يردع الوالد ويزجره عن أن يتعجل، وبعض العوام يعتقد أن المرأة إن كانت حاملاً لا يمضي عليها الطلاق، وهذا خطأ، فالحامل تطلق على كل حال وإن طلقها وكان قد جامعها من قريب، فطلاق الحامل سني دائماً.
السؤال 468: يقول بعض الأطباء: إن المرأة تأخذ الإبر لزيادة الهرمونات الذكرية عند الجنين حتى يخرج الجنين ذكراً، هل هذا الكلام والفعل يجوز؟
الجواب: إن ثبت هذا في العلم، وما ترتب عليه من محظورات من مثل كشف العورة وما شابه، فلا أر ىفي هذا حرجاً، وهذا لا يتنافى مع سنة الله، فإن اكتشفنا سنة الله في الولد أو المطر، واستطعنا من خلالها أن نحصل ما يأذن الله لنابه فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
والأمور بيد الله عز وجل، كما قال تعالى: {يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً} وهذه قدرة الله عز وجل والأسباب هذه قد تقع وقد لا تقع، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يكون الولد من جميع الماء ولو أن أحدكم أهرق ماءه على صخرة وشاء الله أن يكون الولد لكان}، وكم من إنسان يحرص ألا يأتيه الولد ويأتيه الولد، وكم من إنسان يحرص على الولد ولا يأتيه، فسبحان الله، وهذا حتى ينكسر القلب أمام الرب عز وجل، ويبقى لعبد يشعر أنه بحاجة إلى ربه ويتضرع ويتوجه إليه بالسؤال بصدق وإخلاص.
السؤال 469: من كفر عن يمينه بالإطعام أو الكسوة هل ينال أجر الصدقة أم ينال أجر ناقل الصدقة؟
لا ينال بها أجر المتصدق ولا أجر حامل الصدقة، فهذه عبادة خاصة فرضها الله عليه وأداها فهي عبادة مستقلة قائمة برأسها لها أجرها غير عبادة الصدقة أو ناقل الصدقة، والله أعلم...
السؤال 470: من وشم على جسده ثم تاب ماذا عليه؟
الجواب: الوشم كانت تفعله العرب زينة، وفيه استخدام النار، ففيه تعذيب للنفس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لعن الله الواشمة والمستوشمة}، فالذي يفعل له والفاعل كلاهما ملعون.
ومن ابتلي بمثل هذا العمل، وكان في بدنه وشم، فليستر هذا الوشم لأنها علامة فجور وفسق وخروج على أمر الله عز وجل، وليس ملزماً بأن يزيله ويعذب نفسه مرة أخرى وليتب إلى الله وليندم ولا يعود فإن توفرت شروط التوبة فالحمد لله.
السؤال 471: ما رأيك بكتاب "أفعال الرسول" وكيف نفرق بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم الخاص به، وبين فعله الذي هو تشريع للأمة؟
الجواب: كتاب "أفعال الرسول" للأستاذ محمد الأشقر كتاب جيد، وهو أطروحة دكتوراة له في الأزهر، وهو كتاب جمع فأوعى كل ما يخص أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وقرر فيه جواب السؤال السابق.
فقد قرر أن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم أنها تشريع عام للأمة ما لم تقم قرينة أو يأت دليل على أن هذا الفعل خاص به، فمثلاً عدد أزواجه صلى الله عليه وسلم فهو خاص به، لأن الله قال: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} وصح في مسند أحمد وغيره عن غيلان بن أسلم الثقفي أنه لما أسلم كان تحته عشرة نساء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم آمراً: {اختر أربع وفارق سائرهن}، فلو كان أكثر من أربع جائزاً لما أمره أن يفارق سائر النساء عدا الأربع، فالقاعدة : أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم تشريع للأمة حتى تأتينا أدلة بأن هذا العمل خاص به.
وقد ألف جمع من العلماء في خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بينهم : العز بن عبدالسلام في كتابه "بداية السول في خصائص الرسول" واليسوطي في كتابه "الخصائص الكبرى" وهو مطبوع في مجلدين كبيرين، وهو من أوعبهم فاستوعب فيه كل ما كان خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم..
السؤال 473: ما حكم شركات التأمين؟
الجواب: التأمين نمط غربي دخيل علينا، وما أجمل ديننا، فهنالك من التعاليم الشرعية في دين الله عز وجل، ما تجعلنا لا نحتاج إلى التأمين.
وأحسن شيء للتأمين في شرع الله أن يقف معك أقاربك العصبة، فمن تجتمع معه إلى الجد السادس يكون بينكم شركة تأمين جبرية على رغم أنوف الجميع، فإنهم يتحملون معك الدية، ولا بد أن يقفون معك وتقف معهم.
ولما دخل العجم دين الله عز وجل، ولم يكن يوجد لهم من القرابة كان من الترتيبات الإدارية لملهم هذه الأمة عمر رضي الله عنه، كان له ترتيب بأن نقل الدية من العشيرة والعصبة إلى الديوان، ودون الدواوين لأهل المهنة الواحدة.
وشركات التأمين كلها مردها إلى شركات قليلة موجودة في ديار الغرب، وجلها في بريطانيا، فهذه الشركات الموجودة هي عبارة عن سماسرة بينك وبينها فهم يعملون عملية تسمى رد التأمين، فأنت لما تؤمن عندهم يؤمنون على تأمينك عند هذه الشركات فمرد التأمين لشركات قليلة جداً، وأغلب مكاسب الشركات قائم على الكذب والدجل، لأنهم أعرف بقوانين الشركات العالمية.
وهذه الشركات لا يشك عاقل في حرمتها لأسباب، من أهمها: لو أنك نظرت إلى الذين يؤمنون معك في هذه الشركات لوجدتهم الخمارات والمراقص والملاهي الليلية فأنت وهؤلاء شركاء في شركة التأمين، فأنت تدفع وهم يدفعون، فجل شركائك في هذه الشركة حالهم قائم على الرذيلة والخنا والمعاصي نسأل الله أن يحفظنا وأن يعصمنا منهم.
ثم إن هذه الشركات في حقيقة أمرها قمار، فواحد قد يدفع لها سنوات طويلة ولا يأخذ شيئاً، وآخر قد يدفع مرة واحدة ويأخذ الألوف، والفصل بين الأخذ وعدمه إنما هو بطريق الحظ والصدفة، وهذا هو عين القمار، فالقمار المحرم في الشرع مبدأ، وليست العبرة بالوسيلة، فقد يلعب الأولاد القمار وهم يلهون فيما بينهم في بعض لعبهم، وقد يلعب الكبار القمار بواسطة مسابقة (المليون درهم) مثلاً، أو بواسطة بطاقة (شوت) أو ببطاقة (اليانصيب) فتشتري بطاقة بدينار حتى تحصل مبالغ طائلة، فهذه كلها قمار، والقمار صورة مختلفة والعبرة بالمبدأ، فالذي ينظر إلى طبيعة العقود بين المؤمنين وبني شركات التأمين يجدها قماراً.
وشركات التأمين تتعلق بفتاوي بعض العلماء في هذا العصر كالشيخ مصطفى الزرقاء رحمه الله، فإنه يقول: إن التأمين له أصل في الشرع، وقد توجد شركة تأمين وفق الشرع، وقد توسع رحمه الله في موضوع الغرر، فالغرر عنده أوسع في نظره من سائر العلماء، ومع ذلك فهو لا يخبر هذه الشركات التأمينية الموجودة اليوم، فقد سألته قبل وفاته عمن يوزعون فتاويه في التأمين، فقال: هذه الشركات الموجودة اليوم أنا لا أقر بحلها، وأفتي بحرمتها، لكني عندي تصور لشركة من الممكن أن تكون شركة تأمينية حلالاً.
فالشركات التأمينية الموجودة اليوم كلها حرام، والحرمة تجتمع فيها من أكثر من وجه، والواجب على المكلف أن يتركها ولا يتعامل معها، إلا إن كانت إجبارية كحال أصحاب السيارات اليوم، فمن اضطر للتأمين فليؤمن بأقل محذور فالضرورات تبيح المحذورات والضرورات تقدر بقدرها، والله أعلم...
السؤال 474: ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: {إن الملائكة لا يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة}؟
الجواب: الصورة هنا في الحديث ليس المقصود بها التمثال، لأنه جاء في رواية عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير}، فالنبي صلى الله عليه وسلم فرق بين التماثيل والتصاوير فالصورة والتمثال والكلب في البيت تمنع دخول الملائكة.
والمراد بالملائكة هم ملائكة الرحمة، وليست الملائكة التي تحفظ الإنسان ولا التي تكتب الحسنات والسيئات ولا ملك الموت لأننا بالمشاهدة نعلم أن ملك الموت يقبض روح من يوجد في بيت فيه صورة أو كلب، فهذا الحديث من العام المخصوص فالمقصود ملائكة الرحمة التي لا توجد الشياطين معها، والملائكة الذين يتلمسون حلق الذكر التي أصبحت كثير من بيوت المسلمين محروماً منها، فلا يجد الرجل الراحة في بيته ولا يطيق الجلوس فيه، لأنه بيت لا يذكر الله فيه، ثم بعد ذلك كل يبكي ومنزعج مما يحصل بالمسلمين، فو الله إن الذي يحصل بنا قليل فالأصل أن نعظم الله في بيوتنا وأن نقيم دين الله في بيوتنا فعند ذلك يمتن الله علينا بأن يهيء لنا أن نقيم دينه في مجتمعاتنا، فالكل منا يبكي على الدين ويولول، أما العمل فيهدم الدين.
والدين بناؤه ليس بالقول، إنما بالعمل، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته والزوجة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والعبد راع في مال سيده، فالمطلوب أن نطهر بيوتنا من موانع دخول الملائكة، حتى نهنأ في بيوتنا، ونقيم دين الله عز وجل.
وإذا كان الكلب والصورة تمنع دخول الملائكة فمن باب أولى أن ما هو أكبر من ذلك كالزنا والخمر والنظر إلى العاهرات في الفضائيات والتلفاز أن يكون مانعاً من دخول الملائكة فكيف حال بيوت الملسمين الآن والحالة هذه؟ فعلينا أن نراجع حساباتنا وأن نتقي الله ربنا، وأن نبتعد عما يسخطه سبحانه، وأن نحقق عبودية الله عز وجل وتكون عبودية حقيقية وليست صورة فقط، فعندما نشعر بلذة الطاعة والعبادة.
أما الصورة المضطر إليها الإنسان، كالمعاملات الرسمية، فهذه جائزة للاضطرار وما عداها فإنها داخلة في عموم النهي عن التصاوير فإن الألف واللام للجنس، وسواء كانت معلقة أو غير معلقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ولم يقل: التصاوير المعلقة مثلاً، فإنها جميعاً تمنع من دخول الملائكة.
السؤال 475: هل تطلق المرأة إذا أتاها زوجها في الدبر؟ وما حكم من أتى امرأة أجنبية عنه في دبرها؟
الجواب: لا تطلق الزوجة إذا أتاها زوجها في الدبر، وهذه خرافة شائعة عند الناس ولها أثر سلبي خطير عند بعض النساء، فبعض النساء تظن أنه إن أتاها زوجها في الدبر أنها تطلق، فتصبح تتساهل في الزنا، لأنها تعتبر معاشرة زوجها لها زنا، فما أسهل أن تزني والشر لا يأتي إلا بشر.
وإتيان المرأة في دبرها حرام وكبيرة من الكبائر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: {ملعون من أتى امرأة في دبرها}، وقال أيضاً: {إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في محاشهن}، فيحرم على الرجل أن يتمتع بزوجته بحلقة الدبر بالإيلاج، وما عدا ذلك فحلال.
فالزوجة لا تطلق بهذا الفعل، لكن إن أصر الزوج على ذلك وأجبرها فيقول العلماء: لها أن ترفع أمرها للقاضي وتشكوه لأنه يجبرها على فعل الحرام، فالقاضي يعمل على التفريق بينهما بسبب إجبارها على هذا العمل المحرم أما بمجرد الفعل فلا تطلق.
أما من أتى امرأة أجنبية عنه في دبرها فهو زانٍ وعليه حد الزنا، لعمومات القرآن، فربنا قال: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً}، فسمى الزنا فاحشة، وقال الله عن قوم لوط: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين}، فسمى فعل قوم لوط فاحشة، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كتب الزنا على ابن آدم ولا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اليدين البطش [أو قال اللمس]، وزنا الشفتين التقبيل، وزنا الرجلين المشي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه} فالفرج هو الذي يصدق الزنا، والدبر فرج.
ومنهم من قال: من أتى المرأة من الدبر يعامل معاملة اللائط فيرمى من أعلى مكان، وهذا شر من الجلد، ومنهم من قال: يحرق بالنار، ويروى هذا عن أبي بكر وعلي وسعد بن أبي وقاص وعن الضحاك، وغيرهم، والخلاصة أن هذا من الزنا، والله أعلم..
السؤال 476: يقول صلى الله عليه وسلم: {من أدرك مع الإمام تكبيرة الإحرام أربعين يوماً كتبت له برائتان براءة من النار وبراءة من النفاق}، فهل السفر والمرض يقطع التتابع في إدراك تكبيرة الإحرام؟
الجواب: والله إن هذا لمشروع مهم، أن يقوم به كل واحد منا ولو مرة في حياته، فيلقى ربه وقد افتدى نفسه من النار والنفاق بوعد من الصادق المصدوق والصالحون قديماً كان الواحد منهم يشتري نفسه من الله مراراً وتكراراً فكان الواحد منهم يتصدق بمقدار ديته، وهي إثنا عشر ألف درهم، فيتصدق بها ويقول: اشتريت نفسي من الله، فترى في التراجم يقولون: اشترى نفسه من الله مرة أو اشترى نفسه من الله مرتين، أو ثلاثاً وهكذا...
أما بالنسبة لجواب السؤال فمن كان يحسب وجاءه مرض أو طرأ له سفر، فالمريض والمسافر معذوران في إدراك الجماعة، فنقول له بناءاً على أشباه المسألة ونظائرها : إذا كان في الفريضة معفو عنك هذا التتابع فمن باب أولى أن يكون معفو عنك في باب الفضيلة، فمن حسب عشرة أيام ومرض يومين، فبعدها يحسب الحادي عشر ولا يستأنف وكذلك المسافر، ولا أرى في هذا حرجاً، وأرى هذا القول قوياً.
أما بالنسبة للمرأة في هذا الأمر، فلا يمنع أن نقول إن هذا الحكم خاص بالرجال لكن للمرأة من الفضيلة في الصلاة في حجرتها أفضل من الصلاة في فناء بيتها، وفناء بيتها أفضل من الصلاة في المسجد، فأمر المرأة قائم على الستر، وقد صح عن أمهات المؤمنين أنهن بعد الحج لازمن حصرهن وما فارقنهن وهذا معنى قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن}.
وحتى يتم لك هذا الأمر عليك أن تسمع وراء الإمام تكبيرة الإحرام مدة أربعين يوماً متواليات، وذلك للصلوات الخمس، فإن فاتت واحدة تبدأ من جديد، وإن فاتت الصلاة بسبب النوم أيضاً تبدأ من جديد لأن عذر النوم ليس كالمرض، والسفر فإنه يمكن تداركه والله أعلم ....
السؤال 477: هل يشترط رؤية المنام عند الاستخارة؟ وهل يثبت حكم شرعي في الرؤيا؟
الجواب: المنامات لا تنبني عليها أحكام فقهية، وللمنامات مدخل كبير للشيطان وقد يلعب الشيطان بالإنسان في النوم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {الرؤيا ثلاثة، من الرحمن ومن الشيطان وحديث نفس}.
وكل رؤيا يمكن أن يكون للشيطان فيها نصيب، إلا صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي}، ودققوا في قوله في أول الحديث: {من رآني}، وفي آخره: {فإن الشيطان لا يتمثل بي}، فقد ترى صورة النبي صلى الله عليه وسلم وتسمع صوت الشيطان، فإن العصمة في الصورة صورة النبي صلى الله عليه وسلم وليس في السماع سماع صوته صلى الله عليه وسلم، فبعض الناس يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي كذا وكذا، ويكون الذي قاله ما له وجود في الدين، فالرؤيا تكون حقاً، لكن الصوت الذي سمعه من الشيطان.
لكن لو أن الصورة التي رأيتها ليست صورة النبي صلى الله عليه وسلم وألقي في نفسك أنه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا شيطان، لأنه لا يستطيع أن يتمثل صورة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية، أما صورة أخرى يتمثلها الشيطان ويلقي في نفسك أنه النبي فهذا ممكن، بل ممكن أن يتمثل الشيطان للإنسان في المنام ويلقي في قلبه أنه رب العزة، فكما أنه في عالم المشاهدة هناك من يقول أنه رب العزة، كالدجال، فلا يبعد في المنام أن يأتي شيطان من الشياطين ويقول للرائي: أنا رب العزة، فيظن إن كان جاهلاً أنه رأى الله، والله عز وجل على خلاف ما يتصور وما يتخيل الإنسان، وعلى خلاف ما يرى الإنسان في المنام {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
وأصدق الناس رؤيا أصدق الناس حديثاً، ومن كان صادقاً في كلامه، فإن رؤياه تصدق ويراها في الواقع، وأن ترى في الواقع ما ترى في المنام، هذه علامة خير، وهذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الرؤيا جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة}.
والرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي وإنما يستأنس بها، ولا يوجد صلة بين صلاة الاستخارة وبين الرؤيا، فلا يشترط لكل من استخار أن يرى رؤيا، لكن من استخار ثم نام فرأى ما يسر فهذه علامة خير، وعلامة انشراح صدر، ولكن لا تلازم بين الاستخارة وبين المنام.
والاستخارة تكون لما يرى أن له في هذا الأمر مصلحة، لأن في الحديث: {إذا هم أحدكم بالأمر ....} والإنسان لا يهم بالأمر إلا إن رأى أن له فيه مصلحة، وتكون الاستخارة في الأمور الدنيوية المباحة، لا في الأمور الشرعية، كأن يستخير أن يصوم أم لا، أو أن يصل رحمه أم لا، ولا تكون في الحرام..
وأيضاً تكون الاستخارة في الأمور التي يكون قادراً عليها، فلا يستخير على الزواج من إنسانة معينة، وهو ليس عنده مقدرة على الزواج، فيستخير الإنسان بعد أن يكاد يفعل، وكل المقدمات تأذن له بالفعل، فيستخير ويمضي بالفعل ولا يتردد، فإن يسر له الأمر فهذا من بركة الاستخارة، وإن لم ييسر له الأمر، وصرف عنه فهذا من بركة الاستخارة.
أما الخرافة القائمة في أذهان الناس أن المستخير ما لم ير، فلا تصح استخارته، فهذا ما أنزل الله به من سلطان، بل يترجح عندي أنه لا يشرع تكرار الاستخارة في الأمر الواحد، فلا يستخار على الشيء الواحد أكثر من مرة. والدعاء في صلاة الاستخارة، يكون بعد السلام على الراجح، والله أعلم ...
السؤال 478: ما عدة المرأة المتوفى عنها زوجها قبل الدخول؟
الجواب: المرأة التي طلقت ولم يدخل بها، فطلاقها مباشرة يصبح بائناً بينونة صغرى، فمن طلق زوجته قبل الدخول بها، فلا تحل له حتى يعقد عليها من جديد.
والخلاف بين العلماء: هل إن طلق ثم عاد وكتب كتابه عليها هل هدمت الطلقة الأولى أم لم تهدم؟ والراجح عندي أن العقد الجديد لغير الداخل يهدم الطلقة الأولى، وتبقى له طلقتان، لأن العقد وسيلة للوطء وأن الرجعة غير متحققة عنده.
فمن طلق زوجته قبل أن يدخل بها فإنها مباشرة تحل لغيره، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً}.
أما المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها فإنها تعتد بإجماع العلماء وعدتها أربعة أشهر وعشراً، فيحرم عليها أن تختضب، وأن تكتحل وأن تتطيب وأن تلبس المنمق من الثياب ويحرم على الراغبين بالزواج منها، أن يصرحوا بالخطبة لكن يجوز التعريض، لقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء}.
السؤال 479: هل الطلاق البدعي يقع؟
الجواب: الطلاق البدعي هو أن يطلق الرجل زوجته وهي حائض أو يطلقها وهي طاهر، ويكون الزوج قد جامعها في هذا الطهر، أو وهي نفساء، فهذا طلاق بدعي محرم، فالمرأة ليست كأثاث البيت تخرجه متى تشاء وتدخله متى تشاء.
ووقع خلاف بين أهل العلم، هل يقع الطلاق البدعي أم لا؟ فاختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن حزم قبلهما وبعض أهل العلم، أن الطلاق لا يقع، واختيار جماهير أهل العلم أن الطلاق البدعي يقع، وهذا الذي أراه صواباً لما أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (حسبت علي بتطليقة)، لما طلق زوجته طلاقاً بدعياً، فأعلم الناس بهذا الأمر ابن عمر، فلذا الراجح أن الطلاق البدعي يقع..
السؤال 480: هل أهل البدع مخلدون في النار أم يخرجون منها كأهل المعاصي من الموحدين؟
الجواب: البدعة قسمان: بدعة مكفرة وبدعة مفسقة، فمن كان عنده بدعة عقدية مكفرة فهذا كافر مخلد في النار.
وأهل البدع في الجملة ليسوا كفاراً ولذا فهم لا يخلدون في النار، إنما يعذبون في النار حتى يطهرون، ثم مآلهم الجنة والله أعلم...
السؤال 481: الذي يفطر في رمضان عامداً متعمداً يوماً واحداً ماذا عليه؟
الجواب: الناظر في كتب المطولات في هذه المسألة كالمجموع مثلاً يجد عجباً في حق من أفطر يوماً من رمضان عامداً متعمداً فمنهم من يقول: عليه أن يصوم شهرين متتابعين ومنهم من يقول عليه أربعة أشهر، ومنهم من يقول يصوم شهراً، ومنهم من يقول يقضي فقط.
والصواب على حسب القواعد المتبعة في الأصول أن من أفطر يوماً عامداً متعمداً فيكثر من صيام التطوع واليوم الواحد لا يجزئه ،لأننا لا نعلم من الشرع كفارة له، كمن فاتته صلاة عن عمد يكثر من صلاة التطوع فيكثر من التطوع والندم والتوبة فلا نقول يقضي ما فاته ويذهب الوزر وانتهى الأمر ، لا.
والقاعدة في هذه المسألة أن الواجب المحدد بين طرفين إن فات، فقضاؤه يحتاج إلى أمر جديد وليس قضاؤه بواجب بالأمر الأول ولا نعرف أمراً جديداً فكل ما قيل في هذه المسألة من أن عليه صيام شهر أو شهرين أو سنة، وغير ذلك لا دليل عليه.
ومن أخطأ في شيء فعليه أن يتقي الله فيه، فمن أخطأ في السرقة وتطفيف المكيال، وأكل المال بالباطل نقول له أكثر من الصدقة، ومن أخطأ في الزنا وأمور النساء نقول له غض بصرك وابتعد عما يثير شهوتك وهكذا من فرط في الصيام، نقول له: أكثر من صيام التطوع ومن فرط في الصلاة نقول له أكثر من صلاة التطوع والله أعلم...
السؤال 482: ما رأيك في الأحزاب الدينية؟
الجواب: لا نعرف في الدين إلا حزباً واحداً وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه: {أولئك حزب ألا إن حزب الله هم المفلحون}، فلا نعرف في الشرع أحزاباً والمسلم أخو المسلم شاء أم أبى.
والواجب على المسلمين الاجتماع لا الافتراق والحب والبغض والولاء والبراء يكون على مقدار الدين والعلم والتقوى، فكلما ازداد الإنسان علماً وديناً وجب على سائر المسلمين أن يكون مقدماً عندهم في الحب والولاء وكلما نقص دينه وخف ورعه وقل علمه، فحينئذ يقل الحب والولاء بمقدار النقص في التقوى والعلم.
وعلى هذا فإن أولياء أمور المسلمين الذين تجب عليهم طاعتهم هم العلماء والأمراء فمن أتاه الله علماً فهو ولي أمر ومخالفته حرام في الشرع.
والحب والبغض في الشرع يكون على حسب التقوى والورع وقد يجتمع في الشخص الواحد حب وبغض، فأحب شيئاً من خصاله وأبغض شيئاً، وقد يجتمع في شخص واحد ولاء وبراء، فأواليه في أشياء وأعاديه في أشياء ولذا أمرنا أن نقول حقاً وأن نصنع عدلاً ولا نعرف ميزاناً في الإسلام غير هذا الميزان.
ولما حصل نزاع بين رجل من الأنصار وآخر من المهاجرين أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أجاهلية وأنا بين ظهرانيكم}، فعد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك جاهلية مع أن المهاجرين والأنصار اسمان شرعيان مذكوران في كتاب الله في سياق المدح، في قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ورضي الله عنهم ورضوا عنه}، فإذا قال الإنسان : يا للـ ، واستنصر بعشيرته أو بحزبه أو بأصحابه على أخيه ولم يكن من ميزان الدين فهذه جاهلية .
ونحن لا نعرف في ديننا شيئاً يجمع المسلمين إلا الدين نفسه، فالقريب من الدين في العلم والعمل هو الواجب أن يكون قريباً من قلوب الناس وتأييدهم وحبهم والبعيد عن الدين في العلم والعمل يكون بعده عن حبهم وقلوبهم وتأييدهم بمقدار بعده فلا نعرف ميزاناً غير ذات الدين.
أما أن يجتمع كل مئة أو كل ألف أو ألفين على رجل وكل واحد منهم يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، ليشد الناس إليه فهذا القول فيه تجميع والفعل فيه تفريق، والعبرة بالحقائق لا بالأسماء فلا نعرف في ديننا تقسيمات وتحزبات يوالون ويعادون عليها، نعم كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أنصار ومهاجرون لكن هذين الإسمين لا يؤثران عليهم ولما كادا أن يؤثرا عليهم لما قال رجل يا للأنصار، والآخر يا للمهاجرين، عده النبي صلى الله عليه وسلم جاهلية، فإن أصبح الولاء والبراء على أسماء وإن كانت شرعية، فإن الشرع من هذا بريء ونسأل الله العفو والعافية.
السؤال 483: هل تجوز صلاة المرأة وهي تلبس الإشارب مع الجلباب وحجم شعرها وأذنيها ظاهر من وراء الإشارب، وإن لم تر البشرة؟
الجواب: الواجب على المرأة إن صلت فضلاً عن إذا خرجت، الواجب عليها أن تلبس لباساً سابغا، فلا يظهر شيء من بشرتها، ولا تلبس شيئاً يحجم عضواً من أعضائها.
فلما تلبس المرأة ما يسمى اليوم بالإشارب، ويظهر حجم الأذنين وشكل الشعر، هذا اللباس غير شرعي، ومن تفعل ذلك آثمة ولباسها هذا غير واف ولا كاف.
واللباس الشرعي أن تلبس المرأة خماراً، والخمار ما يخمر الرأس أي يغطيه، ولا يلزم أن يغطي الوجه، ويكون هذا الخمار سادلاً فلا يحجم شيئاً من أذنيها، ولا عظم كتفيها، ويغطي جيبها، وهو فتحة الصدر، وهذا يكون شبيهاُ بما نسميه اليوم بالبرنس، وهو غطاء الرأس الذي يمتد من الرأس وينزل على الكتفين فيغطي حجم الأذنين والشعر ويكون سادلاً على الصدر، وهذا من معاني قول الله عز وجل: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير التابعي الجليل، رحمه الله تعالى، قال في قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}، قال: (يسدلن عليهن من جلابيبهن وهو القناع فوق الخمار، ولا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها قناع فوق الخمار، وقد شدت به رأسها ونحرها), والقناع يكون فوق الإشارب، فإن الإشارب وإن كان سميكاً فإنه يظهر حجم الشعر والأذنين، فقد صح عند البيهقي وأحمد والضياء، بإسناد حسن عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة، مما أهداها إليه دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {مالك لم تلبس القبطية؟}، فقلت: كسوتها امرأتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : {مرها فلتجعل تحتها غلالاً فإني أخاف أن تصف عظامها}.
فلو كست وغطت لون البشرة ووصفت العظام وحجمتها فهذا فيه مخالفة، فالإشارب لا يعتبر ساتراً ومن تلبس الإشارب وإن لبست الجلباب دون البرنس فهي آثمة، للآية كما فهمها سعيد بن جبير وغيره وللحديث.
السؤال 484: كيف يحرج على الجن الذي يظهر على شكل أفعى في البيوت، وكم يفعل ذلك؟
الجواب: الجن من عقيدتنا، وربنا عز وجل خص سورة للجن في القرآن، ومن أنكر الجن فهو كافر لأنه أنكر شيئاً من القرآن الكريم.
والجن على ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقسام: قسم يحلون ويظعنون، وقسم يطيرون في الهواء، وقسم على شكل حيات وأفاعي، وهذه الأفاعي تكون في البيوت، وكانت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم مسكونة بالجن، وكان الجن فيها يظهر على شكل أفاعي، فقد صح عن مسلم عن نافع قال: كان ابن عمر يقتل الحيات كلهن، حتى حدثنا أبو لبابة بن عبد المنذر البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل جنان البيوت، فأمسك فهناك جنان في البيوت يظهر على شكل أفاعي، وفي رواية عند أبي داود عن أبي لبابة قال: نهى عن قتل جنان البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنها اللذان يخطفان البصر، ويتبعان ما في بطون النساء، فهذان النوعان أذن بقتلهما، وأما ما عداها من الأفاعي فلا تقتل إلا بالتحريج.
وهناك قصة في صحيح مسلم فيها عبرة، ولها صلة بهذا الموضوع فعن أبي السائب أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته قال: فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت، فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إلي أن أجلس، فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوماً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة}، فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به، وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح، فانتظمها به، ثم خرج، فركزه في الدار، فاضطربت عليه، فما يدري أيهما كان أسرع موتاً، الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقلنا له: ادع الله يحييه لنا، فقال: {استغفروا لصاحبكم}، ثم قال: {إن بالمدينة جناً قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان}.
والتحريج كما قال الإمام مالك يكفيه أن يقول له: أحرج عليك بالله واليوم الآخر ألا تبدو لنا ولا تؤذينا، وقال غير مالك: يقول لها: أنت في حرج إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالطرد والتتبع، ومنهم من قال: هذا لا يكون إلا في المدينة النبوية فقط، دون غيرها، والصواب أن هذا يكون إذا علمنا بالأمارات والقرائن، أن الجن موجود، فهذا يحرج عليه، إلا الأبتر، وهو مقطوع الذنب، وإلا ذو الطفيتين، وهي أفعى يكون على ظهرها خطان أسودان، فهذان الصنفان يسقطان الحمل، ويذهبان البصر، لشدة السم الذي فيهما، فيقتلان على أي حال.
وأما حيات البيوت، فلا تقتل إلا بعد التحريج، كما قال أبو لبابة لابن عمر، لما كان يتتبع الحيات ليقتلها، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذوات البيوت وهي البيوت التي يكون فيها حيات معروفة غير الصنفين المستثنيين فهذه لا تقتل إلا بعد التحريج لمدة ثلاثة أيام وليس ثلاث مرات، والله أعلم.
السؤال 485: هل يجوز التصدق عن الميت الذي لم يكن يصلي؟
الجواب: الذي لا يصلي ليس بكافر، على مذهب جماهير العلماء، إن لم يكن جاحداً للصلاة، أما إن جحدها فهو كافر، فالجحود أشد من الترك، لأن فيه شيئاً زائداً على الترك، فمن يشرب الخمر مثلاً ويقول: هي حرام، فهذا فاسق، أما من لا يشربها ويقول هي حلال وقد عاش في بلاد الإسلام فهذا كافر.
والمشهور عن الإمام أحمد أنه كان يكفر تارك الصلاة، على أي حال، لكن قد نقل المرداوي صاحب كتاب "الإنصاف" عن الإمام أحمد أن أصح قوليه أنه لا يكفر تارك الصلاة، والأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي ومالك لا يكفرون تارك الصلاة.
وقد رويت مناظرة بين الشافعي وأحمد حول تكفير تارك الصلاة وإن كان في سندها انقطاع، لكنها متينة وقوية من حيث المعنى، أوردها السبكي بإسناده في كتابه "طبقات الشافعية الكبرى" فقال: اجتمع الشافعي وأحمد، فقال الشافعي لأحمد: يا أبا عبد الله بلغني أنك تكفر تارك الصلاة، فقال أحمد: نعم، وأخذ بسرد الأحاديث التي استدل بها، فقال الشافعي لأحمد: تارك الصلاة كافر، فبم يسلم؟ فقال أحمد: يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فقال له الشافعي: هو يقولها، فسكت أحمد قليلاً، ثم قال: يصلي، فقال الشافعي رحمه الله: إن الله لا يقبل صلاة الكافر، فسكت أحمد رحمه الله.
فهذه المناظرة فيها قوة نفس المناظر، ولذا قال غير واحد: لما كان الشافعي يناظر رجلاً كان كأنه أسد يريد أن يأكل الذي أمامه، فما كان أحد يقوى على مناظرته، ومن يقرأ كتاب "آداب الشافعي ومناقبه" لابن أبي حاتم الرازي، لما يقرأ مناظرات الشافعي لغيره يستغرب من قوة عارضة الشافعي، رحمه الله..
فتارك الصلاة ليس بكافر، إن لم يكن جاحداً، فيجوز التصدق عن الميت التارك للصلاة،وهذه الصدقة تكون من ماله أو من مال ولده، والله أعلم...
السؤال 486: هل يجوز للعالم أو الواعظ أن يعظ على المنبر في غير يوم الجمعة؟
الجواب: يجوز للعالم أو الواعظ أو المدرس في غير يوم الجمعة أن يصعد المنبر وأن يخطب، وليس المنبر ليوم الجمعة فقط، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة: قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الفجر، ثم صعد المنبر، فخطنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى بنا الظهر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، فنزل فصلى بنا العصر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن إلى قيام الساعة، فأعلمنا أحفظنا.
وهذا كان في غير االجمعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر بعد صلاة الفجر، وبقي للمغرب، وهو يحدث أصحابه عن الفتن فيجوز لطالب العلم أو العالم أن يصعد المنبر في بعض الأحايين ويدرس وهو على المنبر، ولا حرج في ذلك، والله أعلم..
السؤال 487: هل هذا حديث: {استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود}، وما المقصود منه؟
الجواب: هذا الحديث حسنه شيخنا الألباني رحمه الله، والعلماء قديماً بينهم خلاف فيه.
وبعض الناس يستدل بهذا الحديث على العمل السري، وعلى التحزبات السرية، ويقول: نبدأ بالدعوة سراً كما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة سراً ثلاث سنوات، وهذا كلام باطل، ما أنزل الله به من سلطان، وديننا كامل ولا يوجد في ديننا شيء فيه سر، وصح عند أحمد عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: {إذا رأيتم أناساً يجتمعون على سر في دين الله فاتهمهم}.
فالدين ليس فيه أسرار، الدين: قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدين يقال لكل البشر، ومات صلى الله عليه وسلم والدين كامل، وهذا الحديث الذي يستدل به أهل التنظيمات على السرية، استدلالهم به باطل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: {فإن كل ذي نعمة محسود}. فمقصود الحديث أن صاحب النعمة من أسباب درء الحسد عنه، وعدم الإصابة بالعين أن لا يظهر النعمة.
وهذا لا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده}، فصاحب النعمة يتنعم بها، وتظهر عليه، لكن لا يغالي في ظهور النعمة، وإن تفرس في بعض الناس أنهم أهل حسد، وأصحاب عيون فارغة ولا يتقون الله، فلا يظهر هذه النعمة عليهم، ويظهر النعمة على من يثق بدينه، ولا يحسد، ويرضى بقدر الله عز وجل، فلا تعارض بين الحدثين، والله أعلم....
السؤال 488: هل يجب على المرأة غسل الجمعة؟ ومتى وقت الغسل؟
الجواب: المسألة تحتاج لتأمل ونظر، فإن ذهبت للصلاة في المسجد فالقول بالوجوب قوي، أما إن بقيت في بيتها فالخلاف يشتد.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {غسل الجمعة واجب على كل مسلم}، وهناك لفظ آخر صحيح: {غسل الجمعة واجب على كل محتلم}، والنساء يدخلن في خطاب الرجال، وأما إذا خاطب الشرع النساء فإن الرجال لا يدخلون معهن إلا بقرينة، أما في خطاب الرجال فإنهن لا يخرجن إلا بقرينة.
فمن أعمل اللفظ ووقف عنده، وهذا حال المحققين من العلماء في العبادات خاصة، كالصلوات والطهارات، فمن أعمل اللفظ، قال: المرأة تلحق بالرجل، قلبي يميل لهذا.
أما من نظر للمعنى، وأن الأصل في ذلك الاجتماع، وقد ألحق بعض العلماء الاجتماعات العامة بالجمعة، من حيث الاغتسال فمتى حصل اجتماع عام فيسن للإنسان أن يغتسل فمن نظر للمعنى، قال: ليس على المرأة غسل الجمعة، والراجح الأول.
والغسل يبدأ من بعد صلاة الفجر حتى الصلاة، وإلحاق ليلة الجمعة به فالموسع للمعنى يلحقه به، والشرع ألحق أشياء بأشياء لقربها منها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة المغرب بأنها وتر النهار، مع أن صلاة المغرب في الليل، لكن لقربها من النهار ألحقت به، فكذلك من ألحق الغسل ليلة الجمعة به، لكن أن يقع الاغتسال يوم الجمعة فهذا أفضل، والله أعلم...
السؤال 489: هل هذا حديث: {لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين} وما معناه؟
الجواب: هذا حديث ثابت في الصحيحين، وفي بعض طرقه: {لا يلدغ المؤمن من حجر واحد مرتين}.
فالأصل في المؤمن أن يكون فطناً آخذاً بالأسباب رابطاً إياها بالمسببات والنتائج، وخير من يوقعنا على معنى هذا الحديث سيرته صلى الله عليه وسلم فسيرته مليئة بفطنة المؤمنين ونور بصيرتهم وصدق فراستهم.
وأضرب على ذلك مثالاً واحداً فما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم في ساعات كانت أشد ما يمكن أن تكون عليه وعلى صحبه، وهي الساعات العصيبة التي قضاها صلى الله عليه وسلم ومن معه في غزوة الخندق فقد تألب في هذه الغزوة على المسلمين المشركون بسائر أصنافهم، واختلاف اتجاهاتهم، فاجتمع عليهم الشر كله، فاجتمع عليهم المنافقون في المدينة، وهذا أخبث وأخسأ أنواع الكفر، واليهود في شمال المدينة وكفار قريش في جنوبها فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم مطوقاً من كل ناحية فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم كما يقولون: بين فكي كماشة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، لكن أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم، يأخذ بالأسباب فيدبر ويخطط ويقاوم العدو بما معه، وكثير من المسلمين في هذه الأيام أصابتهم السذاجة فيظنون أن المهدي لما يظهر في آخر الزمان أن بيده عصا سحرية يقتل بها ويحارب، لكن الحقيقة أن المهدي يتسلح بسلاح العصر، ويخطط كما يخطط أهل العصر، فهو بشر من الناس يأخذ بالأسباب كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن غافلاً عما يجري حواليه.
وبعد غزوة الخندق لم يجتمع عليه الكفار أبداً، ولو اجتمعوا عليه لوقع في مثل هذا المحذور، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يقع في مثل هذا المحذور، فبعد هذا الاجتماع لكفار، فكر النبي صلى الله عليه وسلم وتأمل ووضع الأشياء في أماكنها، ومن بين ما ألهمه الله عز وجل، من أسباب حتى لايقع عليه هذا المحذور ثانية، ولا يلدغ من هذا الجحر مرة ثانية، صلح الحديبية ومن يقرأ تفسير قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً} يجد أن الفتح المبين هو صلح الحديبية.
وصلح الحديبية في الظاهر أدخل على المسلمين شر، وفي الباطن خير عميم، وكان سبباً من أسباب انتصار المسلمين وكسر شوكة المشركين، على سائر شاراتهم وأسمائهم وألوان كفرهم.
فلما عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلحاً كان يعلم مع من يعقد، فالذي يفي بعهده إن عاهد هو العربي، ويستحيل أن ينقض عهده، فلذلك عقد النبي صلى الله عليه وسلم العهد مع العرب الأقحاح الذين يحفظون العهد والوعد، وفي فهمي وتدقيري أن صلح الحديبية كان بين عينيه، وما خرج من المدينة إلا إليه، ولم يخرج معتمراً، وإن أظهر الاعتمار، فخرج بسلاح خفيف، والكفار الآن بين أمرين، أن يمنعوهم أو أن يقبلوهم.
والعربي كما يقول ابن خلدون: عنجهي بطبعه ما لم يسوسه الدين، فالعربي من غير دين عنجهي، وفيه كبر ويركب رأسه، وقد يصل ركوبه رأسه إلى حماقة، وقريش حريصة على أن تظهر أن مكة ليست لهم فقط، وإنما هي موئل الحجيج، ولهم في هذا مكاسب كثيرة، فلا يستطيعون أن يردوا المسلمين حجاجاً أو معتمرين، وأيضاً لا يستطيعون أن يقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق في الخيار إلا يبقوا على عنجهيتهم، أو يعقدوا عقد فيبقوا على ما هو متعارف عليه بين الأمم من أن مكة هذه موئل لجميع الناس في الحج والعمرة، فيحصلوا ما يريدون ولا يستطيعون ذلك إلا أن يبرموا عهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والقصة معلومة، وكيف أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم على أي شيء نعطي الدنية من ديننا، لكن كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على الصلح وقد جاء أكثر من طرف من الكفار حتى جاءه رجل وعلم أنه صاحب سياسة وود، وأنه جاء للحوار، فأبرم معه العقد ورجع.
وبهذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد كسر أحد فكي الكماشة، وهو كفار قريش وتفرغ بعد ذلك لليهود والمنافقين، ثم بعد ذلك يأتي مكة فاتحاً، فصلح الحديبية هو الذي فتح مكة.
إذاً فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب و{لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين}، هذه سنة لله شرعية، فينبغي للمسلمين أن يسلكوا سنة الله الكونية، فتتوائم سنة الله الشرعية مع سنة الكونية، وألا يكونوا أغبياء، فلا ينتبهوا للأخذ بالأسباب، فينبغي أن نفهم دين الله عز وجل، ونعمل له على حسب ما يتيسر لنا من الأسباب، والمؤمن إن كان فطناً ذكياً صاحب فراسة فإنه لا يلدغ من حجر مرتين، وإن لدغ من حجر واحد مرتين فإنه ينتفي عنه كمال الإيمان، والحديث على ظاهره ولا يحتاج أكثر مما ذكرنا، والله أعلم...
السؤال :490: هل يكتب للمريض أجر عمله وهو صحيح ؟
الجواب : نعم فإن مرض الإنسان ، سواء شاخ وكبر وأصبح هزيلاً، أو مرض مرضاً عارضاُ ، وكان مثلاً يقوم الليل ، ويصوم النافلة ،فإن الأجر والقلم يبقى على ما كان عليه. ومن فضل الله ورحمته أنه يكتب له في مرضه خير أجر كان بعمله في صحته،كما صح عند أحمد من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : {إذا اشتكى العبد المسلم قال الله تعالى للذين يكتبون : اكتبوا له أفضل ما كان يعمل } وفي رواية أخرى عند أحمد : {إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ، ثم مرض ، قيل للملك الموكل به : اكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً } وفي رواية أخرى صحيحة على شرط الشيخين عند أحمد : { ما من مسلم يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله الحفظة الذين يحفظونه أن اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة من الخير ما كان يعمل}.
فينبغي لذلك للسليم أن يغتنم صحته قبل مرضه وينبغي للشاب أن يغتنم شبابه قبل هرمه. ((ونعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) فهاتان نعمتان جليلتان عظيمتان من الله على العبد ؛ أن يكون صحيحاً سليماً وأن يكون عنده الفراغ . وما أكثر الفراغ هذه الأيام وما أكثر أسباب اللهو وإضاعة الوقت .
وكان قديماً الذي يضيع ماله سفيهاً يحجر عليه، والمال إن ذهب قد يعود، ولكن الأشد سفهاً الذي يضيع وقته ؛ فإن الوقت إن ذهب لا يعود أبداً.وإن أردتم أن تعرفوا دين الرجل وعقله ، فانظروا استغلاله وقته، فإن كان يستغل وقته فهو يحفظ رأسماله، وإلا فاغسل يدك منه . فمن ضيع وقته يقتل نفسه . وكان الحسن يقول : (( أدركت أقواماً أحرص على أوقاتهم من حرصكم على دنانيركم ودراهمكم )) وكان يقول (( ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا مضى يوم مات بعضك )) فاليوم الذي يمضي يموت منا، فنتقدم إلى الآخرة وإلى الموت شئنا أم أبينا كل يوم .
السؤال491؟ هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى تغطية الإناء الذي فيه طعام أو شراب ؟
الجواب: نعم، الأصل في المسلم إن بات فلا يجوز له أن يترك الآنية التي فيها الشراب ، أو الصحاف التي فيها الطعام إلا وهي مغطاة . ولو وضع في الثلاجة فأرجو أن تكون بمثابة الغطاء.
وتغطية الإناء ليلاً واجب ، وهذا خير للمسلم في دينه ودنياه والأحاديث الصحيحة صريحة في ذلك . فقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب ، وأطفئوا السراج ؛ فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح باباً ولا يكشف إناء ......} وفي حديث آخر في مسلم أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم : { غطوا الإناء، وأوكوا السقاء ؛ فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء} ولعل في هذا سراً عجز عنه الأطباء ، ولعلهم يعرفونه في يوم من الأيام. ولعل هذا سبب لحصول الداء في أول أمره،الذي لم يكن قد عرف من قبل.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم، على هذا الأمر تأكيداً شديداً، فقال: {فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً ، ويذكر اسم الله فليفعل } وهذا خير للمسلم في الحال والمآل، والمعاش والمعاد ، والله أعلم .
السؤال 492؟ أيهما أفضل : الاجتماع على الطعام ، أم الافتراق، وإذا أخذ الآكل نصيبه بصحن ولعق لإناء، أليس هذا أفضل ؟
الجواب : السائل استشكل أمرين الأول : أنه إذا أجتمع أناس على إناء كبير فيه طعام فهذا فيه خير ، لكن لا نستطيع أن نلعق الطعام، أما لو أخذ كل واحد نصيبه بإناء صغير فإن كل واحد يستطيع أن يلعقه ، وهذا خير ، والإناء الذي يلعقه صاحبه يستغفر له كما صح عن رسول اله صلى الله عليه وسلم وهذه البركة حتى نلمس ثمارها في حياتنا .
والأحسن من ذلك أن نسكب في إناء كبير بمقدار بحيث لو اجتمع عليه هؤلاء يلعقونه ، فنجمع بين البركتين وبين السنتين . فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عند أبي يعلى ، أنه قال : {أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي } واخرج أبو داود ابن ماجة عن وحشي ، رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لعلكم تأكلون متفرقين } فقال هذا الرجل : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه ؛ فإنه يبارك فيه} فالسنة أن نسكب بمقدار الحاجة وأن نجتمع على الطعام ، فنتحصل على ثمرتين وبركتين وطاعتين حث عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلماء الاجتماع يقولون : إن من الأمور التي لها أثر على الأخلاق أنواع الطعام والشراب. فالعائلة الواحدة لما تجتمع على طعام واحد تتفق أخلاقها . أما هذه الأيام فأفراد العائلة الواحدة كل يأكل وحده وقد يأكلون من أصناف عديدة ، فتختلف أخلاقهم، وهذا العمل مما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، من أننا سنتبع سنن من قبلنا ، فإنه من عمل أهل الكتاب ، فهم لا يجتمعون وكل يأكل وحده .
وإن من علامات الساعة أن يكثر الطعم ولا يذكر اسم الله عليه . فالسنة الاجتماع وذكر اسم الله على الطعام أما عند الضرورة إن أخذ الرجل مقداره بإناء فلا حرج فقد أخرج الإمام البخاري بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم، : {إذا أتى أحدكم خادمه الطعام فإن لم يجلسه معه ، فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين؛ فإنه ولي حره وعلاجه } فإن لم يجلس الخادم معه فإن يناوله بيده أكلة، فهذا لا حرج فيه عند الحاجة، وإلا فالأصل الاجتماع ولعق الإناء . والله أعلم.
االسؤال493: إذا استيقظ الواحد من نومه لصلاة الصبح ،وكان جنباً، والوقت ضيقاُ لرفع الجنابة، فماذا يفعل ؟
الجواب : هنا تزاحمت أمور، والأصل تقديم الأهم فالمهم. ولا يوجد في هذه المسألة نص في إثبات الأهم، فالمسألة قائمه على الاجتهاد .
فإن كان الوقت ضيقاً عن صلاة الجماعة، فإن مذهب جماهير العلماء أن الصلاة على طهارة تامة، أعني بغسل، مقدمة على الصلاة في جماعة بطهارة غير تامة، أي بتيمم، فالتخلف عن الجماعة والصلاة بطهارة تامة مقدم ، والخلاف في هذه المسألة ضعيف وشاذ .
أما الخلاف المعتبر عند العلماء في هذه المسألة في ترتيب الأولويات في لو أنه اغتسل فإن الوقت يفوته، فرخص غير واحد من أهل العلم بالتيمم ضرورة لرفع الحدث الأكبر والوضوء لرفع الحدث الأصغر. والخلاف في هذه المسألة مشتهر بين العلماء، ولم يثبت فيها نص، وترتيب الأولويات عند زحمها للنظر فيه مجال، والخلاف فيه واسع، والله أعلم
السؤال494:إذا دخل رجل المسجد مسبوقاً بركعة، وقد سهى الإمام وصلى خمس ركعات في صلاة رباعية , فهل على هذا المسبوق أن يأتي بركعة بعد تسليم الإمام، أم يكفيه أنه أتم أربع ركعات ؟
الجواب: ذكر هذه المسألة ابن النفور في كتابه المسمى "الفواكه العديدة والمسائل المفيدة" ومن حسنات هذا الكتاب، أنه يذكر في آخر كل باب مسائله المشكلة, ولما ذكر السهو قال: ومن المسائل المشكلة ، لو أن الإمام سهى فهل المسبوق يعقد بها ركعة أم لا ؟
وهذه مسألة ما قام عليها دليل خاص، ولا نقل عن الصحابة والتابعين فيما نعلم، والذي أراه إعمال الاستصحاب استصحاب الأصل، وهو أن الواجب عليه أربع ركعات، فلذا فإنها تجزئه، وتبرأ ذمته بما أدى ، فالذي أدركه من صلاته هو الواجب عليه، ولا شيء عليه. وكذلك لو كان مسبوقاً بركعتين وسهى الإمام بركعة زائدة فإنه يأتي بركعة والله أعلم .
السؤال : 495؟ يقولون في علم التخريج : رجاله ثقات، رجاله رجال قوي، الصحيح وإسناده صحيح، وجوده فلان، فما معنى هذه العبارات, وهل يحتج بها أم لا ؟
الجواب: التفصيلي يطول، لكن باختصار أقول : هذه العبارات كثيرة الدوران في كتب الحديث، وهي مذكورة بكثرة في الكتب التي حوت ألوفاً مؤلفة من الأحاديث، لاسيما الأحاديث التي هي خارج الصحيحين، والتي يعسر الحكم عليها بالتفصيل والتأهيل وإنما ينظر في إسنادها على وجه في نوع عجلة. وأكثر من هذه العبارات اثنان من العلماء كل منهما تابع الآخر، وهما : الإمام المنذري في كتابه المفيد النافع "الترغيب والترهيب"، والثاني : الإمام الهيثمي صاحب كتاب "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد"، الذي جمع فيه الزوائد على الكتب الستة الموجودة في مسند أحمد ، ومسند البزار وأبي يعلى، وفي معاجم الطبراني الثلاثة وعرض الكتب الستة على الكتب الستة , فأثبت الزوائد وأسقط المتكرر، فخرج معه ألوف مؤلفة, وهو مطبوع في عشر مجلدات . ولو أراد أن يخرج كل حديث تخريجاً مؤصلاً ومفصلاً لاحتاج معه الأمر إلى وقت طويل جداً.
والحافظ والمخرج مع كثرة ترداده ، وبتوفيق الله له أولاً وآخراً، ومع كثرة النظر في الرجال فإنه يعرف بالنظر في الإسناد أن هذا الإسناد رواته ثقات، وهل المدلس عنعن أم صرح بالتحديث، فيحكم حكما أولياً عجلاً على الإسناد .
فعندما يقول المخرج : رجاله ثقات يعني أن رجال الإسناد هذا غير مغموز فيهم, اجتمع فيهم شيء من ضبط مع عدالة ودين. وبادئ ذي بدء الحكم على الحديث صحيح حتى يثبت عندنا انقطاع، أو علة خفية وما شابه .
وقوله : رجاله رجال الصحيح يعني هذا الإسناد أخرج البخاري ومسلم أو أحدهما لكن مع مراعاة وملاحظة شيء واحد، وهو أن شيوخ هؤلاء ( الطبراني وأبي يعلى , وأمثالهم ) هم في طبقة أصحاب الصحيحين، فعندما يقول : رجاله رجال الصحيح يكون هذا بغض النظر عن الطبقة التي هي دون أصحاب الصحيحين لأنهم في طبقة البخاري ومسلم, فشيوخ الطبراني مثلاً يعاصرون البخاري ومسلم، فالمراد ما بعد الشيخ، أما ما قبل الشيخ فيستحيل أن يكون البخاري أو مسلم قد أخرج له ؛ لأنه إما مثله أو دونه إلا أحمد فإنه من طبقت شيوخ البخاري ومسلم، أقدمهم وفاة فلما يقال أخرجه أحمد ورجاله الصحيح ، فالمقصود كل السند .
أما إسناده قوي وإسناده جيد, مرتبة هي عند علماء التخريج فوق مرتبة الحسن ودون الصحيح . فالحسن في حفظه وضبطه شيء، لكن بعض الرواة يكون مغمزاً في ضبطه لكن الغمز خفيف ؛ فيكون أرفع من الحسن وأدنى من الصحيح ، فيقال فيه :إسناده قوي أو إسناده جيد
و إسناده صحيح يعني : اجتمع فيه ضبط جيد وعدالة في الرواة،مع الفحص عن التدليس, واللقيا بين الراوي والمروي عنه ، وهو أقوى شيء يحتج به. والذي يقال فيه إسناده جيد أقوى يحتج به . وكذلك يقال فيه رجاله رجال الصحيح أو رجاله ثقات يحتج به مع مزيد فحص، فالحكم الأولي صحيح ؛ لمن يحتاج إلى مزيد دراسة وتمحيص وتفتيش. والأضعف من هذا أن يقال : رجاله وثقوا ، أو رجاله رجال الصحيح إلا فلان وهو ثقة ، كما يقول الهيثمي أحياناً، وهذه العبارة لما يكون نزاع شديد بين العلماء في توثيقه ، ولم يوثقه إلا متساهل في التوثيق،كابن حبان مثلاً فيكون ثقة على ذمة من هو معروف من أئمة الجرح والتعديل بالتساهل في التوثيق .
أما جودة فلان، هذه كلمة دقيقة، ولا يستطيع أن يقولها إلا متبحر في العلم، وتعب تعباً شديداً وفحص ومحص وتأنى وتثبت. فعندما يكون عندنا حديث يكون ورد على أكثر من شكل، سواء في الإسناد أو المتن، وروي على ألوان وضروب، وبينها اختلاف، فمثلاً تكون قطعة من الحديث عزاها النبي صلى الله عليه وسلم لربه ، وهو ما يسمى بالحديث القدسي ، والقطعة الأخرى من الحديث حديث نبوي، أو حديث قسم منه مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، وقسم آخر موقوف على صحابي كله حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فيأتي بعض المدققين يمحص ويفصل ، فيفرق بين المرفوع والموقوف ،وبين الحديث النبوي والحديث القدسي، فمن فصل وميز يقال عنه جوده . فالمجود هو الذي يأتي بالحديث على حقيقته، وصورته.
والتجويد لا يستلزم منه التصحيح. قد يكون كثير من الرواة رووا الحديث مرفوعاً للنبي، صلى الله عليه وسلم، وهو في حقيقة أمره كلام لتابعي . مثل الحديث المشهور على ألسنة كثير من الناس اليوم: {رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر} وعند الفحص عنه نجد في ترجمة إبراهيم ابن أبي عيلة، التابعي الشامي، في "تهذيب الكمال" يقول : أخرج النسائي في الكني ، ويسوق هذا الحديث من كلام إبراهيم بن أبي عيلة بإسناد نظيف غاية، فالراوي الذي أتى بالحديث على حقيقة أمره بعد الفحص هو الذي يقال فيه جوده ، فلا يلزم من القول: جودة فلان أن يكون مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم .
وهذه العبارات يكثر تردادها في الكتب،وتلزم معرفتها طلبة العلم ؛ لأنها كلام المتخصصين ويحتاجها طلبة العلم.
السؤال 496؟ ما حكم الاشتغال بالوظائف أو الشركات الجمركية ؟
الجواب أما الشركات فلا حرج ؛ لأنها وسيلة لتخليص حقك فلا فرق بين أن تخلص البضاعة بنفسك أو أن تخلصها بوكيل، فالمخلص الذي يعمل في الشركة هو وكيل عنك ، وحكم الوكيل هو حكم الأصيل ، فإن منعنا الوكيل لإخراج البضاعة نمنع الأصيل أن يخرج بضاعته، ولا وجه لهذا الكلام أبداً ولا وزن له من الناحية الفقهية .
أما أن تفرض الدولة الضرائب على الناس فبعض أهل العلم يحرم ذلك إلحاقاً بالمكوس فالمرأة الغامدية ، لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، من يلعنها بعد أن رجمت نهاه وقال له : {لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له } فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ، صاحب المكس أشد من صاحب الزنا.
وبلا شك إن أخذ أموال الناس دون رضاهم حرام وقد ثبت عن جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله: {لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ولو كان عوداً من أراك} وهذه الجمارك تدفع من غير طيب نفس ومن غير إذن .
لكن العلماء المحققون لهم رأي في هذه المسألة، كالشافعي في "الموافقات" فقد يحث المسألة بحثاً أصولياً، مقيماً إياه على المقاصد، فقال : إن الشرع يمنع التعسف في استعمال الحق، وإن الشرع يقدم الحق العام على الحق الخاص، وإن الإنسان متى أمسك وتضرر غيره من عوام الناس، فهذا الإمساك ليس بصواب. فمثلاً إن وجد قطعة أرض لا يكون طريقاً للمسجد إلا من خلالها، فإنها تنزع من صاحبها رغماً عن أنفه، والنبي صلى الله عليه وسلم ، يقول: {رحم الله الأشعرين إنهم كانوا إذا أرملوا( أي فقروا) جمعوا طعامهم وأموالهم وقسموه بينهم بالسوية}. فأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك.
وإذا الدولة احتاجت ولا تستطيع أن تقوم بالأعباء الواجبة عليها، ولا أن تخدم الناس خدمة العامة، فأخذت من الناس مقدار الضرورة، وصرفته في حق عوام الناس فالأخذ بالمقدار، والعطاء لسائر الناس ، فالجمارك والضرائب حينئذ مشروعة وليست بممنوعة على قول غير واحد من المحققين ، هذا الذي أراه صواباً . والله أعلم
السؤال497: يقول بعضهم: إن طالب العلم إذا سمع شرحاً لكتاب ما، لأحد العلماء على الأشرطة كاملاً، مع أنه لم ير ذلك الشيخ، أو العالم، فهل يحق لذلك الطالب أن يقول عن ذلك الشيخ: قال شيخنا فلان، مع أنه ما جلس في مجالسه، وإنما سمع منه على الأشرطة؟
الجواب: للعلماء مشارب ومذاهب في تعليم الطلبة، فالعراقي مثلاً كان يعلم صهره وتلميذه الهيثمي فأرشده إلى فكرة الزوائد، فكان صاحب فكرة كتب الزوائد للهيثمي هو العراقي، فلا يلزم من الشيخ أن يقرأ عليه الكتاب، حتى يقول عنه الطالب : شيخي، وأبو حنيفة كان من منهجه في تعليم الطلبة السؤال والجواب، فيضع الإشكال ثم يجيب ثم يضع الإشكال على الجواب، وهكذا، وكان صاحب حجة.
فالعلماء لهم أساليب والنبي صلى الله عليه وسلم قال: {طلب العلم فريضة} وما حدد الوسيلة فالواجب على الصغير والكبير والذكر والأنثى والعالم والجاهل والقارئ والأمي أن يكون طالب علم، فالوسيلة ما حددت، والطلب هو الفرض ولذا يجوز للإنسان أن يقول: قال شيخنا فلان إن استفاد منه، وعرف فقهه معرفة خاصة، وإن لم يلقه ونجد من العلماء المتأخرين من يقول قال شيخنا ابن تيمية ويكون بينه وبين ابن تيمية أربعمائة سنة، فالذي يمعن الذهن من فقه ابن تيمية؟
والمهم في هذا الباب ألا يقع تلبيس ولا تدليس وألا يتشبع الإنسان بما لم يعط، فإن أردت أن تقول: قال شيخنا، وأنت لم تلقه وأوهمت سامعك أن لك به خاصة وأنك جثوت على الركب بين يديه، فهذا هو الممنوع أي التدليس والتلبيس وليس الممنوع التعظيم والتبجيل، فإنه إن كان مراد القائل التعظيم والتبجيل لمن استفاد منه، فهذا أمر حسن، لكن قل حقاً، واصنع عدلاً، فلا تلبس على السامع وتشعره أنك من خواص تلاميذه، وأنك رحلت إليه وما شابه، وإلا فهو من باب توقير العلماء، وتبجيلهم، والله أعلم....
__________________
from منتدى اللمة الجزائرية
أترك تعليقًا